تفسير الطبري تفسير الصفحة 275 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 275
276
274
 الآية : 73 و 74
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مّنَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ * فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأمْثَالَ إِنّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ويعبد هؤلاء الـمشركون بـالله من دونه أوثانا لا تـملك لهم رزقا من السموات، لأنها لا تقدر علـى إنزال قطر منها لإحياء موتان الأرضين. والأَرْضِ يقول: ولا تـملك لهم أيضا رزقا من الأرض لأنها لا تقدر علـى إخراج شيء من نبـاتها وثمارها لهم ولا شيئا مـما عدّد تعالـى فـي هذه الاَية أنه أنعم بها علـيهم. وَلا يَسْتَطِيعُونَ يقول: ولا تـملك أوثانهم شيئا من السموات والأرض، بل هي وجميع ما فـي السموات والأرض لله ملك، ولا يَسْتَطِيعُونَ يقول: ولا تقدر علـى شيء.
وقوله: فَلا تَضْرِبُوا لِلّهِ الأَمْثالَ يقول: فلا تـمثلوا لله الأمثال، ولا تشبّهوا له الأشبـاه، فإنه لا مِثْل له ولا شِبْه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16458ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: الأمثال الأشبـاه.
16459ـ وحدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: فَلا تَضْرِبُوا لِلّهِ الأَمْثالَ يعنـي اتـخاذهم الأصنام، يقول: لا تـجعلوا معي إلها غيري، فإنه لا إله غيري.
16460ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَـمْلِكُ لَهُمْ رِزْقا مِنَ السّمَوَاتِ والأرْضِ شَيْئا وَلا يَسْتَطِيعُونَ قال: هذه الأوثان التـي تُعْبد من دون الله لا تـملك لـمن يعبدها رزقا ولا ضرّا ولا نفعا، ولا حياة ولا نشورا. وقوله: فَلا تَضْرِبُوا لِلّهِ الأَمْثالَ فإنه أحَد صَمَد لـم يَـلِد ولـم يُولَد ولـم يكن له كُفُوا أحد. إنّ اللّهَ يَعْلَـمُ وأنْتُـمْ لا تَعْلَـمونَ يقول: والله أيها الناس يعلـم خطأ ما تـمثلون وتضربون من الأمثال وصوابه، وغير ذلك من سائر الأشياء، وأنتـم لا تعلـمون صواب ذلك من خطئه.
واختلف أهل العربـية فـي الناصب قوله: «شَيْئا» فقال بعض البصريـين: هو منصوب علـى البدل من الرزق، وهو فـي معنى: لا يـملكون رزقا قلـيلاً ولا كثـيرا. وقال بعض الكوفـيـين: نصب «شيئا» بوقوع الرزق علـيه، كما قال تعالـى ذكره: ألَـمْ نَـجْعَلِ الأرْضَ كِفـاتا أحْياءً وأمْوَاتا. أي تكفت الأحياء والأموات، ومثله قوله تعالـى ذكره: أوْ إطْعامٌ فِـي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِـيـما ذا مَقْرَبَةٍ أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ. قال: ولو كان الرزق مع الشيء لـجاز خفضه، لا يـملك لكم رزق شيء من السموات، ومثله: فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ.

الآية : 75
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مّمْلُوكاً لاّ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَمَن رّزَقْنَاهُ مِنّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وشَبّه لكم شَبها أيها الناس للكافر من عبـيده، والـمؤمن به منهم. فأما مثَل الكافر: فإنه لا يعمل بطاعة الله، ولا يأتـي خيرا، ولا ينفق فـي شيء من سبـيـل الله ماله لغلبة خذلان الله علـيه، كالعبد الـمـملوك الذي لا يقدر علـى شيء فـينفقه. وأما الـمؤمن بـالله فإنه يعمل بطاعة الله وينفق فـي سبـيـله ماله كالـحرّ الذي آتاه الله مالاً فهو ينفق منه سرّا وجهرا، يقول: بعلـم من الناس وغير علـم. هَلْ يَسْتَوُونَ يقول هل يستوي العبد الذي لا يـملك شيئا ولا يقدر علـيه، وهذا الـحرّ الذي قد رزقه الله رزقا حسنا فهو ينفق كما وَصَف؟ فكذلك لا يستوي الكافر العامل بـمعاصي الله الـمخالف أمره والـمؤمن العامل بطاعته.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك كان بعض أهل العلـم يقول. ذكر من قال ذلك:
16461ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدا مَـمْلُوكا لا يَقْدِرُ علـى شَيْءٍ هذا مثل ضربه الله للكافر، رزقه مالاً فلـم يقدّم فـيه خيرا ولـم يعمل فـيه بطاعة الله، قال الله تعالـى ذكره: وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقا حَسَنا فهذا الـمؤمن أعطاه الله مالاً، فعمل فـيه بطاعة الله وأخذ بـالشكر ومعرفة حقّ الله، فأثابه الله علـى ما رزقه الرزق الـمقـيـم الدائم لأهله فـي الـجنة، قال الله تعالـى ذكره: هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً، والله ما يستويان: الـحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يَعْلَـمُونَ.
16462ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: عَبْدا مَـمْلُوكا لا يَقْدِرُ عَلـى شَيْءٍ قال: هو الكافر لا يعمل بطاعة الله ولا ينفق خيرا وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقا حَسَنا قال: الـمؤمن يطيع الله فـي نفسه وماله.
16463ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدا مَـمْلُوكا لا يَقْدِرُ عَلـى شَيْءٍ يعنـي: الكافر أنه لا يستطيع أن ينفق نفقة فـي سبـيـل الله وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقا حَسَنا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّا وَجَهْرا يعنـي الـمؤمن، وهذا الـمثل فـي النفقة.
وقوله: الـحَمْدُ لِلّهِ يقول: الـحمد الكامل لله خالصا دون ما تَدْعُون أيها القوم من دونه من الأوثان فإياه فـاحمدوا دونها. وقوله: بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يَعْلَـمُونَ يقول: ما الأمر كما تفعلون، ولا القول كما تقولون، ما للأوثان عندهم من يد ولا معروف فتُـحْمد علـيه، إنـما الـحمد لله ولكن أكثر هؤلاء الكفرة الذين يعبدونها لا يعلـمون أن ذلك كذلك، فهم بجهلهم بـما يأتون ويَذَرون يجعلونها لله شركاء فـي العبـادة والـحمد.
وكان مـجاهد يقول: ضرب الله هذا الـمثل، والـمثل الاَخر بعده لنفسه، والاَلهة التـي تعبد من دونه.
الآية : 76
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلّ عَلَىَ مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجّههّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ }.
وهذا مثل ضربه الله تعالـى لنفسه والاَلهة التـي تُعبد من دونه، فقال تعالـى ذكره: وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجْلَـيْنِ أحَدُهُما أبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلـى شَيْءٍ يعنـي بذلك الصنـم أنه لا يسمع شيئا ولا ينطق، لأنه إما خشب منـحوت وإما نـحاس مصنوع لا يقدر علـى نفع لـمن خدمه ولا دفع ضرّ عنه. وهُوَ كَلّ علـى مَوْلاَهُ يقول: وهو عيال علـى ابن عمه وحلفـائه وأهل ولايته، فكذلك الصنـم كَلّ علـى من يعبده، يحتاج أن يحمله ويضعه ويخدمه، كالأبكم من الناس الذي لا يقدر علـى شيء، فهو كلّ علـى أولـيائه من بنـي أعمامه وغيرهم. أيْنَـما يُوجّهْهُ لا يَأْتِ بخَيْرٍ يقول: حيثما يوجهه لا يأت بخير، لأنه لا يفهم ما يُقال له، ولا يقدر أن يعبر عن نفسه ما يريد، فهو لا يفهم ولا يُفْهَم عنه، فكذلك الصنـم لا يعقل ما يقال له فـيأتـمر لأمر من أمره، ولا ينطق فـيأمر وينهي يقول الله تعالـى: هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بـالعَدْلِ يعنـي: هل يستوي هذا الأبكم الكلّ علـى مولاه الذي لا يأتـي بخير حيث توجه ومن هو ناطق متكلـم يأمر بـالـحقّ ويدعو إلـيه وهو الله الواحد القهار الذي يدعو عبـاده إلـى توحيده وطاعته؟ يقول: لا يستوي هو تعالـى ذكره، والصنـم الذي صفته ما وصف. وقوله: وَهُوَ علـى صِراطٍ مُسْتَقِـيـمٍ يقول: وهو مع أمره بـالعدل، علـى طريق من الـحقّ فـي دعائه إلـى العدل وأمره به مستقـيـم، لا يَعْوَجّ عن الـحقّ ولا يزول عنه.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي الـمضروب له هذا الـمثل، فقال بعضهم فـي ذلك بنـحو الذي قلنا فـيه. ذكر من قال ذلك:
16464ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: لا يَقْدِرُ عَلـى شَيْءٍ قال: هو الوثن. هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بـالعَدْلِ قال: الله يأمر بـالعدل. وَهُوَ عَلـى صِراطٍ مُسْتَقِـيـمٍ وكذلك كان مـجاهد يقول إلا أنه كان يقول: الـمثل الأوّل أيضا ضربه الله لنفسه وللوثَن.
16465ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله تعالـى ذكره: عَبْدا مَـمْلُوكا لا يَقْدِرُ عَلـى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقا حَسَنا ورَجُلَـيْنِ أحَدُهُما أبْكَمُ وَمَنْ يَأْمُرُ بِـالعَدْلِ قال: كل هذا مثل إله الـحقّ، وما يُدعي من دونه من البـاطل.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
16466ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك: وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجْلَـيْنِ أحَدُهُما أبْكَمُ قال: إنـما هذا مثل ضربه الله.
وقال آخرون: بل كلا الـمثلـين للـمؤمن والكافر. وذلك قول يُروَى عن ابن عبـاس، وقد ذكرنا الرواية عنه فـي الـمثل الأوّل فـي موضعه.
وأما فـي الـمثل الاَخر:
16467ـ فحدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس: وَضَرَب اللّهُ مْثَلاً رَجُلَـيْنِ أحَدُهُما أبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلـى شَيْءٍ وَهُوَ كَلّ عَلـى مَوْلاهُ... إلـى آخر الاَية، يعنـي بـالأبكم: الذي هو كَلّ علـى مولاه الكافر، وبقوله: وَمَنْ يَأْمُرُ بـالعَدْلِ الـمؤمن، وهذا الـمثل فـي الأعمال.
16468ـ حدثنا الـحسن بن الصبـاح البزار، قال: حدثنا يحيى بن إسحاق السيـلـحينـي، قال: حدثنا حماد، عن عبد الله بن عثمان بن خثـيـم، عن إبراهيـم، عن عكرمة، عن يَعْلـىَ بن أمية، عن ابن عبـاس، فـي قوله: ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدا مَـمْلُوكا قال: نزلت فـي رجل من قريش وعبده. وفـي قوله: مَثَلاً رَجُلَـيْنِ أحَدُهُما أبْكَمُ لا يَقْدِرُ علـى شَيْءٍ... إلـى قوله: وَهُوَ عَلـى صِرَاطٍ مُسْتَقِـيـمٍ قال: هو عثمان بن عفـان. قال: والأبكم الذي أينـما يُوَجّهُ لا يأت بخير، ذاك مولـى عثمان بن عفّـان، كان عثمان ينفق علـيه ويكفله ويكفـيه الـمئونة، وكان الاَخر يكره الإسلام ويأبـاه وينهاه عن الصدقة والـمعروف، فنزلت فـيهما.
وإنـما اخترنا القول الذي اخترناه فـي الـمثل الأوّل لأنه تعالـى ذكره مثّل مثَل الكافر بـالعبد الذي وصف صفته، ومَثّل مثل الـمؤمن بـالذي رزقه رزقا حسنا فهو ينفق مـما رزقه سرّا وجهرا، فلـم يجز أن يكون ذلك لله مثلاً، إذ كان الله إنـما مثّل الكافر الذي لا يقدر علـى شيء بأنه لـم يرزقه رزقا ينفق منه سرّا ومثّل الـمؤمن الذي وفّقه الله لطاعته فهداه لرشده فهو يعمل بـما يرضاه الله، كالـحرّ الذي بسط له فـي الرزق فهو ينفق منه سرّا وجهرا، والله تعالـى ذكره هو الرازق غير الـمرزوق، فغير جائز أن يـمثل إفضاله وجوده بإنفـاق الـمرزوق الرزق الـحسن. وأما الـمثل الثانـي، فإنه تـمثـيـل منه تعالـى ذكره مَنْ مثله الأبكم الذي لا يقدر علـى شيء والكفـار لا شكّ أن منهم من له الأموال الكثـيرة، ومن يضرّ أحيانا الضرّ العظيـم بفساده، فغير كائن ما لا يقدر علـى شيء، كما قال تعالـى ذكره مثلاً، لـمن يقدر علـى أشياء كثـيرة. فإذا كان ذلك كذلك كان أولـى الـمعانـي به تـمثـيـل ما لا يقدر علـى شيء كما قال تعالـى ذكره بـمثله ما لا يقدر علـى شيء، وذلك الوثن الذي لا يقدر علـى شيء، بـالأبكم الكَلّ علـى مولاه الذي لا يقدر علـى شيء كما قال ووصف.
الآية : 77
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلِلّهِ غَيْبُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَآ أَمْرُ السّاعَةِ إِلاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.
يقول تعالـى ذكره: ولله أيها الناس مِلك ما غاب عن أبصاركم فـي السموات والأرض دون آلهتكم التـي تدعون من دونه، ودون كلّ ما سواه، لا يـملك ذلك أحد سواه. وَما أمْرُ السّاعَةِ إلاّ كَلَـمْـحِ البَصَرِ يقول: وما أمر قـيام القـيامة والساعة التـي تنشر فـيها الـخـلق للوقوف فـي موقـف القـيامة، إلا كنظرة من البصر، لأن ذلك إنـما هو أن يقال له كن فـيكون. كما:
16469ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: إلاّ كَلَـمْـحٍ البَصَرِ أوْ هُوَ أقْرَبُ والساعة: كلـمـح البصر، أو أقرب.
حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: وَما أمْرُ السّاعَةِ إلاّ كَلَـمْـحِ البَصَرِ قال: هو أن يقول: كن، فهو كلـمـح البصر فأمر الساعة كلـمـح البصر أو أقرب يعنـي يقول: أو هو أقرب من لـمـح البصر.
وقوله: إنّ اللّهَ عَلـى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يقول: إن الله علـى إقامة الساعة فـي أقرب من لـمـح البصر قادر، وعلـى ما يشاء من الأشياء كلها، لا يـمتنع علـيه شيء أراده.
الآية : 78
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: والله تعالـى أعلـمكم ما لـم تكونوا تعلـمون من بعد ما أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعقلون شيئا ولا تعلـمون، فرزقكم عقولاً تفقهون بها وتـميزون بها الـخير من الشرّ وبصرّكم بها ما لـم تكونوا تبصرون، وجعل لكم السمع الذي تسمعون به الأصوات، فـيفقه بعضكم عن بعض ما تتـحاورون به بـينكم والأبصار التـي تبصرون بها الأشخاص فتتعارفون بها وتـميزون بها بعضا من بعض. والأفْئِدَةَ يقول: والقلوب التـي تعرفون بها الأشياء فتـحفظونها وتفكرون فتفقهون بها. لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ يقول: فعلنا ذلك بكم، فـاشكروا الله علـى ما أنعم به علـيكم من ذلك، دون الاَلهة والأنداد، فجعلتـم له شركاء فـي الشكر، ولـم يكن له فـيـما أنعم به علـيكم من نعمه شريك.
وقوله: وَاللّهُ أخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أمّهاتِكُمْ لا تَعْلَـمُونَ شَيْئا كلام متناه، ثم ابتدىء الـخبر، فقـيـل: وجعل الله لكم السمع والأبصار والأفئدة. وإنـما قلنا ذلك كذلك، لأن الله تعالـى ذكره جعل العبـادة والسمع والأبصار والأفئدة قبل أن يخرجهم من بطون أمهاتهم، وإنـما أعطاهم العلـم والعقل بعدما أخرجهم من بطون أمهاتهم.
الآية : 79
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىَ الطّيْرِ مُسَخّرَاتٍ فِي جَوّ السّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنّ إِلاّ اللّهُ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لهؤلاء الـمشركين: ألـم تَرَوا أَيّها الـمشركون بـالله إلـى الطير مسخرات فـي جوّ السماء، يعنـي: فـي هواء السماء بـينها وبـين الأرض، كما قال إبراهيـم بن عمران الأنصاريّ:
وَيْـلُـمّها مِنْ هَوَاءِ الـجَوّ طالِبَةًوَلا كَهذا الّذِي فـي الأرْضِ مَطْلُوبُ
يعنـي: فـي هواء السماء. ما يُـمْسِكُهُنّ إلاّ اللّهُ يقول: ما طيرانها فـي الـجوّ إلا بـالله وبتَسْخِيره إياها بذلك، ولو سلبها ما أعطاها من الطيران لـم تقدر علـى النهوض ارتفـاعا. وقوله: إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يقول: إن فـي تسخير الله الطير وتـمكينه لها الطيران فـي جوّ السماء، لعلامات ودلالات علـى أن لا إله إلا اللّهُ وحدَه لا شريك له، وأنه لاحظ للأصنام والأوثان فـي الألوهة. لَقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يعنـي: لقوم يقرّون بوجدان ما تعاينه أبصارهم وتـحسه حواسّهم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16470ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: مُسَخّرَاتٍ فِـي جَوّ السّماءِ: أي فـي كبد السماء