تفسير الطبري تفسير الصفحة 276 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 276
277
275
 الآية : 80
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مّن جُلُودِ الأنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىَ حِينٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ أيها الناس، مِنْ بُـيُوتِكُمْ التـي هي من الـحجر والـمدر، سَكَنا تسكنون أيام مقامكم فـي دوركم وبلادكم. وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ جُلُودِ الأَنْعامِ بُـيُوتا وهي البـيوت من الأنطاع والفساطيط من الشعر والصوف والوبر. تَسْتَـخِفّوَنها يقول: تستـخفون حملها ونقلها، يَوْمَ ظَعْنِكُمْ من بلادكم وأمصاركم لأسفـاركم، وَيَوْمَ إقامَتِكُمْ فـي بلادكم وأمصاركم. وَمِنْ أصْوَافِها وأوْبـارِها وأشْعارِها أثاثا.
وبنـحو الذي قلنا فـي معنى السكن قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16471ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله تعالـى: مِنْ بُـيُوتِكُمْ سَكَنا قال: تسكنون فـيه.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
وأما الأشعار فجمع شَعْر تثقل عينه وتـخفف، وواحد الشّعْر شَعْرة. وأما الأثاث فإنه متاع البـيت لـم يسمع له بواحد، وهو فـي أنه لا واحد له مثل الـمتاع. وقد حكي عن بعض النـحويـين أنه كان يقول: واحد الأثاث أثاثة ولـم أر أهل العلـم بكلام العرب يعرفون ذلك. ومن الدلـيـل علـى أن الأثاث هو الـمتاع، قول الشاعر:
أهاجَتْكَ الظّعائِنُ يَوْمَ بـانُوابِذِي الرّئْيِ الـجَمِيـلِ مِنَ الأثاثِ
ويروى: «بذي الزيّ». وأنا أرى أصل الأثاث اجتـماع بعض الـمتاع إلـى بعض حتـى يكثر كالشعر الأثـيث وهو الكثـير الـملتفّ، يقال منه، أثّ شعر فلان يئِثّ أثّا: إذا كثر والتفّ واجتـمع.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16472ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: أثاثا يعنـي بـالأثاث: الـمال.
16473ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله تعالـى: أثاثا قال: متاعا.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
16474ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: أثاثا قال: هو الـمال.
16475ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد الله بن حرب الرازي، قال: أخبرنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، عن حميد بن عبد الرحمن، فـي قوله: أثاثا قال: الثـياب.
وقوله: وَمَتاعا إلـى حِينٍ فإنه يعنـي: أنه جعل ذلك لهم بلاغا، يتبلّغون ويكتفون به إلـى حين آجالهم للـموت. كما:
16476ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس: ومَتاعا إلـى حِينٍ فإنه يعنـي: زينة، يقول: ينتفعون به إلـى حين.
16477ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَمَتاعا إلـى حِينٍ قال: إلـى الـموت.
16478ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَمَتاعا إلـى حِينٍ إلـى أجل وبُلْغة.
الآية : 81
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّمّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلّكُمْ تُسْلِمُونَ }. يقول تعالـى ذكره: ومن نعمة الله علـيكم أيها الناس أن جعل لكم مـما خـلق من الأشجار وغيرها ظلالاً تستظلّون بها من شدّة الـحرّ، وهي جمع ظلّ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: 16479ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو، عن قتادة، فـي قوله: مِـمّا خَـلَقَ ظِلالاً قال: الشجر. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِـمّا خَـلَقَ ظِلالاً إي والله، من الشجر ومن غيرها. وقوله: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الـجِبـالِ أكْنانا يقول: وجعل لكم من الـجبـال مواضع تسكنون فـيها، وهي جمع كِنّ كما: 16480ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الـجِبـالِ أكْنانا يقول: غيرانا من الـجبـال يسكن فـيها. وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِـيـلَ تَقِـيكُمُ الـحَرّ يعنـي ثـياب القطن والكتان والصوف وقمصها. كما: 16481ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِـيـلَ تَقِـيكُمُ الـحَرّ من القطن والكتان والصوف. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: سَرَابِـيـلَ تَقِـيكُم الـحَرّ قال: القطن والكتان. وقوله: سَرَابِـيـلَ تَقِـيكُمْ بَأْسَكُمْ يقول: ودروعا تقـيكم بأسكم، والبأس: هو الـحرب، والـمعنى: تقـيكم فـي بأسكم السلاح أن يصل إلـيكم. كما: 16482ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَسَرَابِـيـلَ تَقِـيكُمْ بَأْسَكُمْ من هذا الـحديد. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَسَرَابِـيـلَ تَقِـيكُمْ بَأْسَكُمْ قال: هي سرابـيـل من حديد. وقوله: كذلكَ يُتِـمّ نِعْمَتَهُ عَلَـيْكُمْ لَعَلّكُمْ تُسْلِـمُونَ يقول تعالـى ذكره: كما أعطاكم ربكم هذه الأشياء التـي وصفها فـي هذه الاَيات نعمة منه بذلك علـيكم، فكذا يتُـمّ نعمته علـيكم لعلكم تسلـمون. يقول: لتـخضعوا لله بـالطاعة، وتذلّ منكم بتوحيده النفوس، وتـخـلصوا له العبـادة. وقد رُوِي عن ابن عبـاس أنه كان يقرأ: «لَعَلّكُمْ تَسْلَـمُونَ» بفتـح التاء. 16483ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبـي حماد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن حنظلة، عن شهر بن حَوْشب، قال: كان ابن عبـاس يقول: «لَعَلّكُمْ تَسْلَـمُونَ» قال: يعنـي من الـجراح. حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم بن سلام، قال: حدثنا عبـاد بن العوّام، عن حنظلة السّدوسيّ، عن شهر بن حَوْشب، عن ابن عبـاس، أنه قرأها: «لَعَلّكُمْ تَسْلَـمُونَ» من الـجرَاحات، قال أحمد بن يوسف: قال أبو عبـيدة: يعنـي بفتـح التاء واللام. فتأويـل الكلام علـى قراءة ابن عبـاس هذه: كذلك يتـمّ نعمته علـيكم بـما جعل لكم من السرابـيـل التـي تقـيكم بأسكم، لتسلـموا من السلاح فـي حروبكم. والقراءة التـي أستـجيز القراءة بخلافها بضم التاء من قوله: لَعَلّكُمْ تُسْلِـمُونَ وكسر اللام من أسلـمت تُسْلِـم يا هذا، لإجماع الـحجة من قرّاء الأمصار علـيها. فإن قال لنا قائل: وكيف جعل لكم سرابـيـل تقـيكم الـحرّ، فخصّ بـالذكر الـحرّ دون البرد، وهي تقـي الـحرّ والبرد؟ أم كيف قـيـل: وجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الـجِبـالِ أكْنانا وترك ذكر ما جعل لهم من السهل؟ قـيـل له: قد اختُلف فـي السبب الذي من أجله جاء التنزيـل كذلك، وسنذكر ما قـيـل فـي ذلك ثم ندلّ علـى أولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب. فرُوِي عن عطاء الـخراسانـي فـي ذلك ما: 16484ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا مـحمد بن كثـير، عن عثمان بن عطاء، عن أبـيه، قال: إنـما نزل القرآن علـى قدر معرفتهم، ألا ترى إلـى قول الله تعالـى ذكره: وَالله جَعَلَ لَكُمْ مِـمّا خَـلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الـجِبـالِ أكْنانا وما جعل لهم من السهول أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا أصحاب جبـال، ألا ترى إلـى قوله: وَمِنْ أصْوَافِها وأوْبـارِها وأشْعارِها أثاثا وَمَتاعا إلـى حِينٍ؟ وما جعل لهم من غير ذلك أعظم منه وأكثر، ولكنهم كانوا أصحاب وَبَر وشَعَر ألا ترى إلـى قوله: ويُنَزّلُ مِنَ السّماءِ منْ جِبَـالٍ فِـيها مِنْ بَرَدٍ يعجّبهم من ذلك؟ وما أنزل من الثلـج أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا لا يعرفون به، ألا ترى إلـى قوله: سَرَابِـيـلَ تَقِـيكُمُ الـحَرّ وما تقـي من البرد أكثر وأعظم؟ ولكنهم كانوا أصحاب حرّ. فـالسبب الذي من أجله خصّ الله تعالـى ذكرهُ السرابـيـل بأنها تقـي الـحرّ دون البرد علـى هذا القول، هو أن الـمخاطبـين بذلك كانوا أصحاب حرّ، فذكر الله تعالـى ذكره نعمته علـيهم بـما يقـيهم مكروه ما به عرفوا مكروهه دون ما لـم يعرفوا مبلغ مكروهه، وكذلك ذلك فـي سائر الأحرف الأُخَر. وقال آخرون: ذكر ذلك خاصة اكتفـاء بذكر أحدهما من ذكر الاَخر، إذ كان معلوما عند الـمخاطبـين به معناه، وأن السرابـيـل التـي تقـي الـحرّ تقـي أيضا البرد وقالوا: ذلك موجود فـي كلام العرب مستعمل، واستشهدوا لقولهم بقول الشاعر: وَما أدْرِي إذا يَـمّـمْتُ وَجْهاأُريدُ الـخَيْرَ أيّهُما يَـلِـيِنـي فقال: أيهما يـلـينـي: يريد الـخير أو الشرّ، وإنـما ذكر الـخير لأنه إذا أراد الـخير فهو يتقـي الشرّ. وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب، قول من قال: إن القوم خوطبوا علـى قدر معرفتهم، وإن كان فـي ذكر بعض ذلك دلالة علـى ما ترك ذكره لـمن عرف الـمذكور والـمتروك وذلك أن الله تعالـى ذكره إنـما عدّد نعمه التـي أنعمها علـى الذين قُصدوا بـالذكر فـي هذه السورة دون غيرهم، فذكر أياديه عندهم.
الآية : 82 و 83 القول فـي تأويـل قوله تعالـى {فَإِن تَوَلّوْاْ فَإِنّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ * يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: فإن أدبر هؤلاء الـمشركون يا مـحمد عما أرسلتك به إلـيهم من الـحقّ، فلـم يستـجيبوا لك وأعرضوا عنه، فما علـيك من لوم ولا عذل لأنك قد أدّيت ما علـيك فـي ذلك، إنه لـيس علـيك إلاّ بلاغهم ما أرسلت به. ويعنـي بقوله الـمُبِـينُ الذي يبـين لـمن سمعه حتـى يفهمه.
وأما قوله: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي الـمعنّى بـالنعمة التـي أخبر الله تعالـى ذكره عن هؤلاء الـمشركين أنهم ينكرونها مع معرفتهم بها، فقال بعضهم: هو النبـيّ صلى الله عليه وسلم عرفوا نبوّته ثم جحدوها وكذبوه. ذكر من قال ذلك:
16485ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن السديّ: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها قال: مـحمد صلى الله عليه وسلم.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن السديّ، مثله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم يعرفون أن ما عدّد الله تعالـى ذكره فـي هذه السورة من النعم من عند الله، وأن الله هو الـمنعم بذلك علـيهم، ولكنهم يُنكرون ذلك، فـيزعمون أنهم ورثوه عن آبـائهم. ذكر من قال ذلك:
16486ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنا الـمثنى، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها قال: هي الـمساكن والأنعام وما يرزقون منها، والسرابـيـل من الـحديد والثـياب، تعرف هذا كفـار قريش، ثم تنكره بأن تقول: هذا كان لاَبـائنا، فروّحونا إياه.
16487ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، بنـحوه، إلا أنه قال: فورّثونا إياها. وزاد فـي الـحديث عن ابن جريج، قال ابن جريج: قال عبد الله بن كثـير: يعلـمون أن الله خـلقهم وأعطاهم ما أعطاهم، فهو معرفتهم نعمته ثم إنكارهم إياها كفرهم بعد.
وقال آخرون فـي ذلك، ما:
16488ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا معاوية، عن عمرو، عن أبـي إسحاق الفزاري، عن لـيث، عن عون بن عبد الله بن عتبة: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها قال: إنكارهم إياها، أن يقول الرجل: لولا فلان ما كان كذا وكذا، ولولا فلان ما أصبت كذا وكذا.
وقال آخرون: معنى ذلك أن الكفـار إذا قـيـل لهم: من رزقكم؟ أقرّوا بأن الله هو الذي رزقهم، ثم يُنكرون ذلك بقولهم: رزقنا ذلك بشفـاعة آلهتنا.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب وأشبهها بتأويـل الاَية، قول من قال: عُنـي بـالنعمة التـي ذكرها الله فـي قوله يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ النعمة علـيهم بإرسال مـحمد صلى الله عليه وسلم إلـيهم داعيا إلـى ما بعثه بدعائهم إلـيه. وذلك أن هذه الاَية بـين آيتـين كلتاهما خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما بعث به، فأولـى ما بـينهما أن يكون فـي معنى ما قبله وما بعده، إذ لـم يكن معنى يدلّ علـى انصرافه عما قبله وعما بعده فـالذي قبل هذه الاَية قوله: فإنْ تَوَلّوْا فإنّـمَا عَلَـيْكَ البَلاغُ الـمُبِـينُ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها وما بعده: وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلّ أُمّةٍ شَهِيدا وهو رسولها. فإذا كان ذلك كذلك، فمعنى الاَية: يعرف هؤلاء الـمشركون بـالله نعمة الله علـيهم يا مـحمد بك، ثم ينكرونك ويجحدون نبوّتك. وأكْثَرُهُمُ الكافِرُونَ يقول: وأكثر قومك الـجاحدون نبوّتك، لا الـمقرّون بها.
الآية : 84
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلّ أُمّةٍ شَهِيداً ثُمّ لاَ يُؤْذَنُ لِلّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: يعرفون نعمة الله ثم يُنكرونها الـيوم ويستنكرون يَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلّ أُمّةٍ شَهِيدا وهو الشاهد علـيها بـما أجابت داعي الله، وهو رسولهم الذي أرسل إلـيهم. ثُمّ لا يُؤْذَنُ للّذِينَ كَفَرُوا يقول: ثم لا يؤذن للذين كفروا فـي الاعتذار، فـيعتذروا مـما كانوا بـالله وبرسوله يكفرون. وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ فـيتركوا الرجوع إلـى الدنـيا فـينـيبوا ويتوبوا وذلك كما قال تعالـى: هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَـيَعْتَذِرُونَ.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16489ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلّ أُمّةٍ شَهِيدا وشاهدها نبـيها، علـى أنه قد بلغ رسالات ربه، قال الله تعالـى: وَجِئْنا بِكَ شَهِيدا عَلـى هَؤُلاءِ.
الآية : 85
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَإِذَا رَأى الّذِينَ ظَلَمُواْ الْعَذَابَ فَلاَ يُخَفّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وإذا عاين الذين كذّبوك يا مـحمد وجَحَدوا نُبوّتك والأمـم الذين كانوا علـى منهاج مشركي قومك عذاب الله، فلا ينـجيهم من عذاب الله شيء لأنهم لا يؤذن لهم فـيعتذرون فـيخفّف عنهم العذاب بـالعذر الذي يدّعونه، وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ يقول: ولا يُرْجَئُون بـالعقاب، لأن وقت التوبة والإنابة قد فـات، فلـيس ذلك وقتا لهما، وإنـما هو وقت للـجزاء علـى الأعمال، فلا ينظر بـالعتاب لـيعتب بـالتوبة.

الآية : 86
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا رَأى الّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ قَالُواْ رَبّنَا هَـَؤُلاَءِ شُرَكَآؤُنَا الّذِينَ كُنّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنّكُمْ لَكَاذِبُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وإذا رأى الـمشركون بـالله يوم القـيامة ما كانوا يعبدون من دون الله من الاَلهة والأوثان وغير ذلك، قالوا: ربنا هؤلاء شركاؤنا فـي الكفر بك، والشركاء الذين كنا ندعوهم آلهة من دونك. قال الله تعالـى ذكره: فألْقَوْا يعنـي: شركاءهم الذين كانوا يعبدونهم من دون الله القَوْلَ يقول: قالوا لهم: إنكم لكاذبون أيها الـمشركين، ما كنا ندعوكم إلـى عبـادتنا.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16490ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فألْقَوْا إلَـيْهِمُ القَوْلَ قال: حدّثوهم.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

الآية : 87
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَلْقَوْاْ إِلَىَ اللّهِ يَوْمَئِذٍ السّلَمَ وَضَلّ عَنْهُم مّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وألقـى الـمشركون إلـى الله يومئذ السلـم يقول: استسلـموا يومئذ وذَلّوا لـحكمه فـيهم، ولـم تغن عنهم آلهتهم التـي كانوا يدعون فـي الدنـيا من دون الله، وتبرأت منهم، ولا قومهم، ولا عشائرُهم الذين كانوا فـي الدنـيا يدافعون عنهم. والعرب تقول: ألقـيت إلـيه كذا تعنـي بذلك قلت له. وقوله: وَضَلّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ يقول: وأخطأهم من آلهتهم ما كانوا يَأْملون من الشفـاعة عند الله بـالنـجاة.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16491ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وألْقَوْا إلـى اللّهِ يَوْمَئِذٍ السّلَـمَ يقول: ذلوا واستسلـموا يومئذ وَضَلّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ