سورة الإسراء | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 288 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 288
289
287
الآية : 59
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَمَا مَنَعَنَآ أَن نّرْسِلَ بِالاَيَاتِ إِلاّ أَن كَذّبَ بِهَا الأوّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالاَيَاتِ إِلاّ تَخْوِيفاً }.
يقول تعالـى ذكره: وما منعنا يا مـحمد أن نرسل بـالاَيات التـي سألها قومك، إلا أن كان من قبلهم من الأمـم الـمكذّبة، سألوا ذلك مثل سؤالهم فلـما أتاهم ما سألوا منه كذّبوا رسلهم، فلـم يصدّقوا مع مـجيء الاَيات، فعوجلوا فلـم نرسل إلـى قومك بـالاَيات، لأنّا لو أرسلنا بها إلـيها، فكذّبوا بها، سلكنا فـي تعجيـل العذاب لهم مسلك الأمـم قبلها. وبـالذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16913ـ حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن جعفر بن أياس، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: سأل أهل مكة النبـيّ صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفـا ذهبـا، وأن ينـحي عنهم الـجبـال، فـيزرعوا، فقـيـل له: إن شئت أن نستأنـي بهم لعلنا نـجتنـي منهم، وإن شئت أن نؤتـيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من قبلهم، قال: «بل تستأنـي بهم»، فأنزل الله: وَما مَنَعَنا أنْ نُرْسِلَ بـالاَياتِ إلاّ أنْ كَذّبَ بِها الأوّلُونَ وآتَـيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً.
16914ـ حدثنـي إسحاق بن وهب، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا مسعود بن عبـاد، عن مالك بن دينار، عن الـحسن فـي قول الله تعالـى وَما مَنَعَنَا أنْ نُرْسِلَ بـالاَياتِ إلاّ أنْ كَذّبَ بِها الأوّلُونَ قال: رحمة لكم أيتها الأمة، إنا لو أرسلنا بـالاَيات فكذّبتـم بها، أصابكم ما أصاب من قبلكم.
16915ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبـير، قال: قال الـمشركون لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: يا مـحمد إنك تزعم أنه كان قبلك أنبـياء، فمنهم من سخرت له الريح، ومنهم من كان يحيـي الـموتـى، فإن سرّك أن نؤمن بك ونصدّقك، فـادع ربك أن يكون لنا الصفـا ذهبـا، فأوحى الله إلـيه: إنـي قد سمعت الذي قالوا، فإن شئت أن نفعل الذي قالوا، فإن لـم يؤمنوا نزل العذاب، فإنه لـيس بعد نزول الاَية مناظرة، وإن شئت أن تستأنـي قومك استأنـيت بها، قال: «يا ربّ أستأنـي».
16916ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَما مَنَعَنا أنْ نُرْسِلَ بـالاَياتِ إلاّ أنْ كَذّبَ بِها الأوّلُونَ قال: قال أهل مكة لنبـيّ الله صلى الله عليه وسلم: إن كان ما تقول حقا، ويسرّك أن نؤمن، فحوّل لنا الصفـا ذهبـا، فأتاه جبرئيـل علـيه السلام، فقال: إن شئت كان الذي سألك قومك، ولكنه إن كان ثم لـم يؤمنوا لـم يناظروا، وإن شئت استأنـيت بقومك، قال: «بَلِ أسْتَأْنِـي بقَومْي» فأنزل الله: وآتَـيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَـمُوا بِها وأنزل الله عزّ وجلّ ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أفَهُمْ يُؤْمِنُونَ.
16917ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، أنهم سألوا أن يحوّل الصفـا ذهبـا، قال الله: وَما مَنَعَنا أنْ نُرْسِلَ بـالاَياتِ إلاّ أنْ كَذّبَ بِها الأوّلُونَ قال ابن جريج: لـم يأت قرية بآية فـيكذّبوا بها إلا عذّبوا، فلو جعلت لهم الصفـا ذهبـا ثم لـم يؤمنوا عذّبوا. و«أن» الأولـى التـي مع مَنَعَنا، فـي موضع نصب بوقوع منعنا علـيها، وأن الثانـية رفع، لأن معنى الكلام: وما منعنا إرسال الاَيات إلا تكذيب الأوّلـين من الأمـم، فـالفعل لأن الثانـية.
يقول تعالـى ذكره: وقد سأل الاَيات يا مـحمد من قِبَل قومك ثمود، فآتـيناها ما سألت، وجعلنا تلك الاَية ناقة مبصرة. جعل الإبصار للناقة، كما تقول للشجة: موضحة، وهذه حجة مبـينة. وإنـما عنى بـالـمبصرة: الـمضيئة البـينة التـي من يراها كانوا أهل بصر بها، أنها لله حجة، كما قـيـل: والنهارَ مُبْصِرا كما:
16918ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وآتَـيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً: أي بـيّنة.
16919ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله عزّ ذكره النّاقَةَ مُبْصِرَةً قال: آية.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
وقوله: فَظَلَـمُوا بِها يقول عزّ وجلّ: فكان بها ظلـمهم، وذلك أنهم قتلوها وعقروها، فكان ظلـمهم بعقرها وقتلها. وقد قـيـل: معنى ذلك: فكفروا بها، ولا وجه لذلك إلا أن يقول قائله أراد: فكفروا بـالله بقتلها، فـيكون ذلك وجها.
وأما قوله: وَما نُرْسِلُ بـالاَياتِ إلاّ تَـخْوِيفـا فإنه يقول: وما نرسل بـالعبر والذكر إلا تـخويفـا للعبـاد، كما:
16920ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَما نُرْسِلُ بـالاَياتِ إلاّ تَـخْوِيفـا وإن الله يخوّف الناس بـما شاء من آية لعلهم يعتبرون، أو يذكّرون، أو يرجعون، ذُكر لنا أن الكوفة رجفت علـى عهد ابن مسعود، فقال: يأيها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه.
16921ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا نوح بن قـيس، عن أبـي رجاء، عن الـحسن وَما نُرْسلُ بـالاَياتِ إلاّ تَـخْوِيفـا قال: الـموت الذريع.
الآية : 60
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنّ رَبّكَ أَحَاطَ بِالنّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرّؤيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لّلنّاسِ وَالشّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْيَاناً كَبِيراً }.
وهذا حضّ من الله تعالـى ذكره نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم، علـى تبلـيغ رسالته، وإعلام منه أنه قد تقدّم منه إلـيه القول بأنه سيـمنعه من كلّ من بغاه سوءا وهلاكا، يقول جلّ ثناؤه: واذكر يا مـحمد إذ قلنا لك إن ربك أحاط بـالناس قدرة، فهم فـي قبضته لا يقدرون علـى الـخروج من مشيئته، ونـحن مانعوك منهم، فلا تتهيّب منهم أحدا، وامض لـما أمرناك به من تبلـيغ رسالتنا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16922ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي رجاء، قال: سمعت الـحسن يقول: أحاط بـالناس، عصمك من الناس.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا أبو بكر الهُذلـي، عن الـحسن وَإذْ قُلْنا لَكَ إنّ رَبّكَ أحاطَ بـالنّاسِ قال: يقول: أحطت لك بـالعرب أن لا يقتلوك، فعرف أنه لا يُقتل.
16923ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد أحاطَ بـالنّاسِ قال: فهم فـي قبضته.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
16924ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبـير قوله أحاطَ بـالنّاسِ قال: منعك من الناس. قال معمر، قال قتادة، مثله.
16925ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله وَإذْ قُلْنا لَكَ إنّ رَبّك أحاطَ بـالنّاسِ قال: منعك من الناس.
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَإذْ قُلْنا لَكَ إنّ رَبّكَ أحاطَ بـالنّاسِ أي منعك من الناس حتـى تبلّغ رسالة ربك.
وقوله: وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ اختلف أهل التأويـل فـي ذلك، فقال بعضهم: هو رؤيا عين، وهي ما رأى النبـيّ صلى الله عليه وسلم لـما أُسري به من مكة إلـى بـيت الـمقدس. ذكر من قال ذلك:
16926ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مالك بن إسماعيـل، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عبـاس فـي قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم لـيـلة أُسري به، ولـيست برؤيا منام.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، سُئِل عن قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فتْنَةً للنّاسِ قال: هي رؤيا عين رآها النبـيّ صلى الله عليه وسلم لـيـلة أُسري به.
حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، بنـحوه.
16927ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، قال: حدثنا عمرو، عن فرات القزاز، عن سعيد بن جبـير وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: كان ذلك لـيـلة أُسري به إلـى بـيت الـمقدس، فرأى ما رأى فكذّبه الـمشركون حين أخبرهم.
16928ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: أسري به عشاء إلـى بـيت الـمقدس، فصلـى فـيه، وأراه الله ما أراه من الاَيات، ثم أصبح بـمكة، فأخبرهم أنه أُسري به إلـى بـيت الـمقدس، فقالوا له: يا مـحمد ما شأنك، أمسيت فـيه، ثم أصبحت فـينا تـخبرنا أنك أتـيت بـيت الـمقدس، فعجبوا من ذلك حتـى ارتدّ بعضهم عن الإسلام.
16929ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا هوذة، قال: حدثنا عوف، عن الـحسن، فـي قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أريْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: قال كفـار أهل مكة: ألـيس من كذب ابن أبـي كبشة أنه يزعم أنه سار مسيرة شهرين فـي لـيـلة.
16930ـ حدثنـي أبو حصين، قال: حدثنا عبثر، قال: حدثنا حصين، عن أبـي مالك فـي هذه الاَية وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: مسيره إلـى بـيت الـمقدس.
16931ـ حدثنـي أبو السائب ويعقوب، قالا: حدثنا ابن إدريس، عن الـحسن بن عبد الله، عن أبـي الضحى، عن مسروق فـي قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: حين أُسري به.
16932ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: لـيـلة أُسري به.
16933ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فتْنَةً للنّاس قال: الرؤيا التـي أريناك فـي بـيت الـمقدس حين أُسري به، فكانت تلك فتنة الكافر.
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ يقول: الله أراه من الاَيات والعبر فـي مسيره إلـى بـيت الـمقدس.
ذُكر لنا أن ناسا ارتدّوا بعد إسلامهم حين حدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بـمسيره، أنكروا ذلك وكذّبوا له، وعجبوا منه، وقالوا: تـحدّثنا أنك سرت مسيرة شهرين فـي لـيـلة واحدة.
حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: هو ما أُري فـي بـيت الـمقدس لـيـلة أُسري به.
16934ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ قال: أراه الله من الاَيات فـي طريق بـيت الـمقدس حين أُسري به، نزلت فريضة الصلاة لـيـلة أُسري به قبل أن يهاجر بسنة وتسع سنـين من العشر التـي مكثها بـمكة، ثم رجع من لـيـلته، فقالت قريش: تعشى فـينا وأصبح فـينا، ثم زعم أنه جاء الشام فـي لـيـلة ثم رجع، وايـم الله إن الـحدأة لتـجيئها شهرين: شهرا مقبلة، وشهرا مُدبرة.
16935ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا الّتـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: هذا حين أُسري به إلـى بـيت الـمقدس، افتتن فـيها ناس، فقالوا: يذهب إلـى بـيت الـمقدس ويرجع فـي لـيـلة وقال: «لَـمّا أتانـي جَبْرائيـلُ عَلَـيْهِ السّلامُ بـالبُرَاقِ لِـيَحْمِلَنـي عَلَـيْها صَرّتْ بأذُنَـيْها، وَانْقَبَض بَعْضُها إلـى بَعْضٍ، فَنَظَرَ إلَـيْها جَبْرائيـلُ، فقالَ: وَالّذِي بَعَثَنِـي بـالـحَقّ منْ عِنْدِهِ ما رَكِبَكَ أحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ خَيْرٌ مِنْهُ»، قالَ: «فَصرّتْ بأُذُنَـيْها وَارْفَضّتْ عَرَقا حتـى سالَ ما تَـحْتَها، وكانَ مُنْتَهَى خَطْوها عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفها» فلـما أتاهم بذلك، قالوا: ما كان مـحمد لـينتهي حتـى يأتـي بكذبة تـخرج من أقطارها، فأتوا أبـا بكر رضي الله عنه، فقالوا: هذا صاحبك يقول كذا وكذا، فقال: وقد قال ذلك؟ قالوا: نعم، فقال: إن كان قد قال ذلك فقد صدق، فقالوا: تصدّقه إن قال ذهب إلـى بـيت الـمقدس ورجع فـي لـيـلة؟ فقال أبو بكر: إي، نزع الله عقولكم، أصدّقه بخبر السماء، والسماء أبعد من بـيت الـمقدس، ولا أصدّقه بخبر بـيت الـمقدس؟ قالوا للنبـيّ صلى الله عليه وسلم: إنا قد جئنا بـيت الـمقدس فصفه لنا، فلـما قالوا ذلك، رفعه الله تبـارك وتعالـى ومثله بـين عينـيه، فجعل يقول: «هو كذا، وفـيه كذا»، فقال بعضهم: وأبـيكم إن أخطأ منه حرفـا، فقالوا: هذا رجل ساحر.
16936ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ يعنـي لـيـلة أُسري به إلـى بـيت الـمقدس، ثم رجع من لـيـلته، فكانت فتنة لهم.
16937ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله الرّؤحيا التـي أرَيْناكَ قال: حين أُسري بـمـحمد صلى الله عليه وسلم.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، بنـحوه.
وقال آخرون: هي رؤياه التـي رأى أنه يدخـل مكة. ذكر من قال ذلك:
16938ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُري أنه دخـل مكة هو وأصحابه، وهو يومئذٍ بـالـمدينة، فعجّل رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلـى مكة قبل الأجل، فردّه الـمشركون، فقالت أناس: قد ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان حدثنا أنه سيدخـلها، فكانت رجعته فتنتهم.
وقال آخرون مـمن قال: هي رؤيا منام: إنـما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى فـي منامه قوما يعلون منبره. ذكر من قال ذلك:
16939ـ حُدثت عن مـحمد بن الـحسن بن زبـالة، قال: حدثنا عبد الـمهيـمن بن عبـاس بن سهل بن سعد، قال: ثنـي أبـي، عن جدّي، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنـي فلان ينزون علـى منبره نزو القردة، فساءه ذلك، فما استـجمع ضاحكا حتـى مات. قال: وأنزل الله عزّ وجلّ فـي ذلك وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ»... الاَية.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب، قول من قال: عنى به رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى من الاَيات والعبر فـي طريقه إلـى بـيت الـمقدس، وبـيت الـمقدس لـيـلة أُسري به، وقد ذكرنا بعض ذلك فـي أوّل هذه السورة.
وإنـما قُلنا ذلك أولـى بـالصواب، لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى أن هذه الاَية إنـما نزلت فـي ذلك، وإياه عنى الله عزّ وجلّ بها، فإذا كان ذلك كذلك، فتأويـل الكلام: وما جعلنا رؤياك التـي أريناك لـيـلة أسرينا بك من مكة إلـى بـيت الـمقدس، إلاّ فتنة للناس: يقول: إلا بَلاء للناس الذين ارتدّوا عن الإسلام، لـمّا أُخبروا بـالرؤيا التـي رآها علـيه الصلاة والسلام، وللـمشركين من أهل مكة الذين ازدادوا بسماعهم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم تـماديا فـي غيهم، وكفرا إلـى كفرهم، كما:
16940ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ.
وأما قوله: والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـيها، فقال بعضهم: هي شجرة الزّقّوم. ذكر من قال ذلك:
16941ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مالك بن إسماعيـل، قال: حدثنا أبو عبـيدة، عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عبـاس والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: شجرة الزّقوم.
16942ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: هي شجرة الزقوم. قال أبو جهل: أيخوّفنـي ابن أبـي كبشة بشجرة الزّقوم، ثم دعا بتـمر وزُبد، فجعل يقول: زقمنـي، فأنزل الله تعالـى طَلْعُها كأنّهُ رُءُوسُ الشّياطِين وأنزل ونُـخَوّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاّ طُغْيانا كَبِـيرا.
16943ـ حدثنـي أبو السائب ويعقوب، قالا: حدثنا ابن إدريس، عن الـحسن بن عبـيد الله، عن أبـي الضحى، عن مسروق والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: شجرة الزّقوم.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن الـحسن بن عبـيد الله، عن أبـي الضحى، عن مسروق، مثله.
16944ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، فـي قوله والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ فإن قريشا كانوا يأكلون التـمر والزبد، ويقولون: تزقموا هذا الزقوم. قال أبو رجاء: فحدثنـي عبد القدّوس، عن الـحسن، قال: فوصفها الله لهم فـي الصافـات.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا هوذة، قال: حدثنا عوف، عن الـحسن، قال: قال أبو جهل وكفـار أهل مكة: ألـيس من كذب ابن أبـي كبَشة أنه يوعدكم بنار تـحترق فـيها الـحجارة، ويزعم أنه ينبت فـيها شجرة؟ والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: هي شجرة الزّقوم.
16945ـ حدثنـي عن عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: حدثنا عبثر، قال: حدثنا حصين، عن أبـي مالك فـي هذه الاَية والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: شجرة الزقوم.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا هشيـم، عن حصين، عن أبـي مالك، قال فـي قوله والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: هي شجرة الزقوم.
16946ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا عبد الله بن الـمبـارك، عن رجل يقال له بدر، عن عكرمة، قال: شجرة الزقوم.
16947ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا إسرائيـل، عن فرات القزّار، قال: سُئل سعيد بن جبـير عن الشجرة الـملعونة، قال: شجرة الزقوم.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا هشيـم، عن عبد الـملك العَزْرميّ، عن سعيد بن جبـير وَالشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ قال: شجرة الزقوم.
16948ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم، بـمثله.
16949ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنـي الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: الزقوم.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن أبـي الـمَـحجل، عن أبـي معشر، عن إبراهيـم، أنه كان يحلف ما يستثنـي، أن الشجرة الـملعونة: شجرة الزقوم.
حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن فُرات القزاز، قال: سألت سعيد بن جبـير، عن الشجرة الـملعونة فـي القرآن، قال: شجرة الزّقوم.
حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عمرو، عن عكرمة عن ابن عبـاس، قال: هي الزقوم.
16950ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ ونُـخَوّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاّ طُغْيانا كَبِـيرا وهي شجرة الزقوم، خوّف الله بها عبـاده، فـافتتنوا بذلك، حتـى قال قائلهم أبو جهل بن هشام: زعم صاحبكم هذا أن فـي النار شجرة، والنار تأكل الشجر، وإنا والله ما نعلـم الزقوم إلاّ التـمر والزبد، فتزقموا، فأنزل الله تبـارك وتعالـى حين عجبوا أن يكون فـي النار شجرة: إِنّها شَجَرَةٌ تـخْرُجُ فـي أصْلِ الـجَحِيـمِ طَلْعُها كأنّهُ رُءُوسُ الشّياطِينِ، إنـي خـلقتها من النار، وعذّبت بها من شئت من عبـادي.
حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: الزقوم وذلك أن الـمشركين قالوا: يخبرنا هذا أن فـي النار شجرة، والنار تأكل الشجر حتـى لا تدع منه شيئا، وذلك فتنة.
16951ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: شجرة الزقوم.
16952ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ الزقوم التـي سألوا الله أن يـملأ بـيوتهم منها. وقال: هي الصّرَفـان بـالزبد تتزقمه، والصرفـان: صنف من التـمر. قال: وقال أبو جهل: هي الصرفـان بـالزبد، وافتتنوا بها.
وقال آخرون: هي الكَشُوث. ذكر من قال ذلك:
16953ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مـحمد بن إسماعيـل بن أبـي فديك، عن ابن أبـي ذئب، عن مولـى بنـي هاشم حدثه، أن عبد الله بن الـحارث بن نوفل، أرسله إلـى ابن عبـاس، يسأله عن الشجرة الـملعونة فـي القرآن؟ قال: هي هذه الشجرة التـي تلوي علـى الشجرة، وتـجعل فـي الـماء، يعنـي الكشوثـي.
وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب عندنا قول من قال: عنى بها شجرة الزقوم، لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى ذلك. ونصبت الشجرة الـملعونة عطفـا بها علـى الرؤيا. فتأويـل الكلام إذن: وما جعلنا الرؤيا التـي أريناك، والشجرة الـملعونة فـي القرآن إلاّ فتنة للناس، فكانت فتنتهم فـي الرؤيا ما ذكرت من ارتداد من ارتدّ، وتـمادِي أهل الشرك فـي شركهم، حين أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بـما أراه الله فـي مسيره إلـى بـيت الـمقدس لـيـلة أُسريَ به. وكانت فتنتهم فـي الشجرة الـملعونة ما ذكرنا من قول أبـي جهل والـمشركين معه: يخبرنا مـحمد أن فـي النار شجرة نابتة، والنار تأكل الشجر فكيف تنبت فـيها؟
وقوله: ونُـخَوّفُهُمْ فَمَا يَزيدُهُمْ إلاّ طُغْيانا كَبِـيرا يقول: ونـخوّف هؤلاء الـمشركين بـما نتوعدهم من العقوبـات والنكال، فما يزيدهم تـخويفنا إلاّ طغيانا كبـيرا، يقول: إلاّ تـماديا وغيا كبـيرا فـي كفرهم وذلك أنهم لـما خُوّفوا بـالنار التـي طعامهم فـيها الزقوم دعوا بـالتـمر والزبد، وقالوا: تزقموا من هذا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك وقد تقدّم ذكر بعض من قال ذلك، ونذكر بعض من بقـي:
16954ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال قال ابن جريج وَالشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ قال: طلعها كأنه رءوس الشياطين، والشياطين ملعونون. قال والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ لـما ذكرها زادهم افتتانا وطغيانا، قال الله تبـارك وتعالـى، ونـخوّفُهُم فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاّ طُغْيانا كَبِـيرا.
الآية : 61 و 62
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـَذَا الّذِي كَرّمْتَ عَلَيّ لَئِنْ أَخّرْتَنِ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إَلاّ قَلِيلاً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا مـحمد تـمادي هؤلاء الـمشركين فـي غيهم وارتدادهم عتوّا علـى ربهم بتـخويفه إياهم تـحقـيقهم قول عدّوهم وعدوّ والدهم، حين أمره ربه بـالسجود له فعصاه وأبى السجود له، حسدا واستكبـارا لَئِنْ أخّرْتَنِ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ لأَحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَه إلاّ قَلِـيلاً وكيف صدّقوا ظنه فـيهم، وخالفوا أمر ربهم وطاعته، واتبعوا أمر عدوّهم وعدوّ والدهم.
ويعنـي بقوله وَإذْ قُلْنا للْـمَلائِكَةِ: واذكر إذ قلنا للـملائكة اسْجُدُوا لاَدَمَ فَسَجَدُوا إلاّ إبْلِـيسَ فإنه استكبر وقال أأسْجُدَ لِـمَنْ خَـلَقْتَ طِينا يقول: لـمن خـلقته من طين فلـما حذفت «مِن» تعلّق به قوله خَـلَقْتَ فنصب، يفتـخر علـيه الـجاهل بأنه خُـلِق من نار، وخـلق آدم من طين. كما:
16955ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: بعث ربّ العزّة تبـارك وتعالـى إبلـيس، فأخذ من أديـم الأرض، من عذبها وملـحها، فخـلق منه آدم، فكل شيء خُـلق من عذبها فهو صائر إلـى السعادة وإن كان ابن كافرين، وكلّ شيء خَـلقه من مِلـحها فهو صائر إلـى الشقاوة وإن كان ابن نبـيـين ومن ثم قال إبلـيس أأسْجُدُ لِـمَنْ خَـلَقْتَ طِينا: أي هذه الطينة أنا جئت بها، ومن ثم سُمّي آدم. لأنه خُـلق من أديـم الأرض.
وقوله: أرَأيْتَكَ هَذَا الّذِي كَرّمْتَ عَلـيّ يقول تعالـى ذكره: أرأيت هذا الذي كرّمته علـيّ، فأمرتنـي بـالسجود له، ويعنـي بذلك آدم لئِنْ أخرتّنِ أقسم عدوّ الله، فقال لربه: لئن أخرت إهلاكي إلـى يوم القـيامة لأَحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إلاّ قَلِـيلاً يقول: لأستولـينّ علـيهم، ولأستأصلنهم، ولأستـميـلنهم. يقال منه: احتنك فلان ما عند فلان من مال أو علـم أو غير ذلك، ومنه قول الشاعر:
نَشْكُو إلَـيْكَ سَنَةً قَدْ أجْحَفَتْجَهْدا إلـى جَهْدٍ بنا فأضْعَفَتْواحْتَنَكَتْ أمْوَالَنا وجَلّفَتْ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16956ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله تبـارك وتعالـى لأَحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إلاّ قَلِـيلاً قال: لأحتوينهم.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
16957ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ. عن ابن عبـاس، قوله لأَحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إلاّ قَلِـيلاً يقول: لأستولـينّ.
16958ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله لأَحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إلاّ قلـيلاً قال: لأضلنهم. وهذه الألفـاظ وإن اختلفت فإنها متقاربـات الـمعنى، لأن الاستـيلاء والاحتواء بـمعنى واحد، وإذا استولـى علـيهم فقد أضلهم.
الآية : 63
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشّيْطَانُ إِلاّ غُرُوراً }.
يقول تعالـى ذكره بقوله وَاسْتَفزِزْ واستـخفف واستـجهل، من قولهم: استفزّ فلانا كذا وكذا فهو يستفزّه مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوتِكَ. اختلف أهل التأويـل فـي الصوت الذي عناه جلّ ثناؤه بقوله وَاسْتَفْزِز مَ.نِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوتِك فقال بعضهم: عنى به: صوت الغناء واللعب. ذكر من قال ذلك:
16961ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله وَاسْتَفْزِز مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: بـاللهو والغناء.
حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر، عن مـجاهد، فـي قوله: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: اللعب واللهو.
وقال آخرون: عنى به واسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بدعائك إياه إلـى طاعتك ومعصية الله. ذكر من قال ذلك:
16962ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: صوته كلّ داع دعا إلـى معصية الله.
16963ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: بدعائك.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصحة أن يقال: إن الله تبـارك وتعالـى قال لإبلـيس: واستفزز من ذرّية آدم من استطعت أن تستفزّه بصوتك، ولـم يخصص من ذلك صوتا دون صوت، فكل صوت كان دعاء إلـيه وإلـى عمله وطاعته، وخلافـا للدعاء إلـى طاعة الله، فهو داخـل فـي معنى صوته الذي قال الله تبـارك وتعالـى اسمه له وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ.
وقوله: وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ ورَجِلكَ يقول: وأجمع علـيهم من ركبـان جندك ومشاتهم من يجلب علـيها بـالدعاء إلـى طاعتك، والصرف عن طاعتـي. يقال منه: أجلب فلان علـى فلان إجلابـا: إذا صاح علـيه. والـجَلَبة: الصوت، وربـما قـيـل: ما هذا الـجَلَب، كما يقال: الغَلَبة والغَلَب، والشّفَقَة والشّفَق. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل، ذكر من قال ذلك:
16964ـ حدثنـي سلـم بن جنادة، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر عن مـجاهد، فـي قوله وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ ورَجِلِكَ قال: كلّ راكب وماش فـي معاصي الله تعالـى.
16965ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ وَرَجِلِكَ قال: إن له خيلاً ورجلاً من الـجنّ والإنس، وهم الذين يطيعونه.
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ ورَجِلِكَ قال الرجال: الـمشاة.
16966ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ وَرَجِلِكَ قال: خيـله: كل راكب فـي معصية الله ورجله: كل راجل فـي معصية الله.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ وَرَجِلِكَ قال: ما كان من راكب يقاتل فـي معصية الله فهو من خيـل إبلـيس، وما كان من راجل فـي معصية الله فهو من رجال إبلـيس. والرجْل: جمع راجل، كما التـجْر: جمع تاجر، والصّحْب: جمع صاحب.
وأما قوله: وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ، فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي الـمشاركة التـي عنـيت بقوله وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ فقال بعضهم: هو أمره إياهم بإنفـاق أموالهم فـي غير طاعة الله واكتسابهموها من غير حلها. ذكر من قال ذلك:
16967ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر عن مـجاهد وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ التـي أصابوها من غير حلها.
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ قال: ما أكل من مال بغير طاعة الله.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
16968ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن طلـحة بن عمرو، عن عطاء بن أبـي رَبـاح، قال: الشرك فـي أموال الربـا.
16969ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن، فـي قوله وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: قد والله شاركهم فـي أموالهم، وأعطاهم الله أموالاً فأنفقوها فـي طاعة الشيطان فـي غير حقّ الله تبـارك اسمه، وهو قول قتادة.
حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد، عن معمر، قال: قال الـحسن وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ مرهم أن يكسبوها من خبـيث، وينفقوها فـي حرام.
16970ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: كلّ مال فـي معصية الله.
16971ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: مشاركته إياهم فـي الأموال والأولاد، ما زَيّن لهم فـيها من معاصي الله حتـى ركبوها.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ كلّ ما أنفقوا فـي غير حقه.
وقال آخرون: بل عُنِـي بذلك كلّ ما كان من تـحريـم الـمشركين ما كانوا يحرّمون من الأنعام كالبحائر والسوائب ونـحو ذلك. ذكر من قال ذلك:
16972ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، فـي قوله: وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: الأموال: ما كانوا يحرّمون من أنعامهم.
16973ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عيسى، عن عمران بن سلـيـمان. عن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس، قال: مشاركته فـي الأموال أن جعلوا البحيرة والسائبة والوصيـلة لغير الله.
16974ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ فإنه قد فعل ذلك أما فـي الأموال، فأمرهم أن يجعلوا بحيرة وسائبة ووصيـلة وحاما.
قال أبو جعفر: الصواب: حاميا.
وقال آخرون: بل عُنِـي به ما كان الـمشركون يذبحونه لاَلهتهم. ذكر من قال ذلك:
16975ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول: وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ يعنـي ما كانوا يذبحون لاَلهتهم.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: عُنِـي بذلك كلّ مال عصى الله فـيه بإنفـاق فـي حرام أو اكتساب من حرام، أو ذبح للاَلهة، أو تسيـيب، أو بحر للشيطان، وغير ذلك مـما كان معصيا به أو فـيه، وذلك أن الله قال وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ فكلّ ما أطيع الشيطان فـيه من مال وعصى الله فـيه، فقد شارك فـاعل ذلك فـيه إبلـيس، فلا وجه لـخصوص بعض ذلك دون بعض.
وقوله: والأوْلادِ اختلف أهل التأويـل فـي صفة شركته بنـي آدم فـي أولادهم، فقال بعضهم: شركته إياهم فـيهم بزناهم بأمهاتهم. ذكر من قال ذلك:
16976ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: أولاد الزنا.
16977ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر عن مـجاهد وشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: أولاد الزنا.
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَشارِكْهُم فِـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: أولاد الزنا.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد قال: أولاد الزنا.
16978ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: أولاد الزنا، يعنـي بذلك أهل الشرك.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله: وَشارِكْهُم فِـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: الأولاد: أولاد الزنا.
وقال آخرون: عُنـي بذلك: وأْدُهم أولادَهم وقتلهموهم. ذكر من قال ذلك:
16979ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: ما قتلوا من أولادهم، وأتوا فـيهم الـحرام.
وقال آخرون: بل عنـي بذلك: صبغهم إياهم فـي الكفر. ذكر من قال ذلك:
16980ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأولاد قال: قد والله شاركهم فـي أموالهم وأولادهم، فمـجسوا وهوّدوا ونصروا وصبغوا غير صبغة الإسلام وجزءوا من أموالهم جزءا للشيطان.
16981ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَال والأولادِ قال: قد فعل ذلك، أما فـي الأولاد فإنهم هوّدوهم ونصّروهم ومـجّسوهم.
وقال آخرون: بل عنـي بذلك تسميتهم أولادهم عبد الـحرث وعبد شمس. ذكر من قال ذلك:
16982ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي عيسى بن يونس، عن عمران بن سلـيـمان، عن أبـي صالـح عن ابن عبـاس وَشارِكْهُم فِـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: مشاركته إياهم فـي الأولاد، سموا عبد الـحرث وعبد شمس وعبد فلان.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: كلّ ولد ولدته أنثى عصى الله بتسميته ما يكرهه الله، أو بإدخاله فـي غير الدين الذي ارتضاه الله، أو بـالزنا بأمه، أو قتله ووأده، أو غير ذلك من الأمور التـي يعصى الله بها بفعله به أو فـيه، فقد دخـل فـي مشاركة إبلـيس فـيه من ولد ذلك الـمولود له أو منه، لأن الله لـم يخصص بقوله وَشارِكْهُم فـي الأمْوَالِ والأولادِ معنى الشركة فـيه بـمعنى دون معنى، فكلّ ما عصى الله فـيه أو به، وأطيع به الشيطان أو فـيه، فهو مشاركة من عصى الله فـيه أو به إبلـيس فـيه.
وقوله: وَعِدْهُم وَما يَعِدُهُمُ الشّيْطانُ إلاّ غُرُورا يقول تعالـى ذكره لإبلـيس: وعد أتبـاعك من ذرّية آدم، النصرة علـى من أرادهم بسوء. يقول الله: وَما يَعِدُهُمْ الشّيْطانُ إلاّ غُرُورا لأنه لا يغنـي عنهم من عقاب الله إذا نزل بهم شيئا، فهم من عداته فـي بـاطل وخديعة، كما قال لهم عدوّ الله حين حصحص الـحقّ إنّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعَدَ الـحَقّ وَوَعَدتُكُمْ فَأخْـلَفْتُكُمْ وَما كَانَ لِـي عَلَـيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إلاّ أنْ دَعَوْتُكْمْ فـاسْتَـجَبَتُـمْ لـي فَلا تَلُومُونِـي وَلُومُوا أنْفُسَكُمْ ما أنا بِـمُصْرِخِكُمْ وَما أنْتُـمْ بِـمُصْرِخِيّ إنّـي كَفَرْتُ بِـمَا أشْرَكْتُـمُونِ مِنْ قَبْلُ.
الآية : 64
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشّيْطَانُ إِلاّ غُرُوراً }.
يقول تعالـى ذكره بقوله وَاسْتَفزِزْ واستـخفف واستـجهل، من قولهم: استفزّ فلانا كذا وكذا فهو يستفزّه مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوتِكَ. اختلف أهل التأويـل فـي الصوت الذي عناه جلّ ثناؤه بقوله وَاسْتَفْزِز مَ.نِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوتِك فقال بعضهم: عنى به: صوت الغناء واللعب. ذكر من قال ذلك:
16961ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله وَاسْتَفْزِز مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: بـاللهو والغناء.
حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر، عن مـجاهد، فـي قوله: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: اللعب واللهو.
وقال آخرون: عنى به واسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بدعائك إياه إلـى طاعتك ومعصية الله. ذكر من قال ذلك:
16962ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: صوته كلّ داع دعا إلـى معصية الله.
16963ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: بدعائك.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصحة أن يقال: إن الله تبـارك وتعالـى قال لإبلـيس: واستفزز من ذرّية آدم من استطعت أن تستفزّه بصوتك، ولـم يخصص من ذلك صوتا دون صوت، فكل صوت كان دعاء إلـيه وإلـى عمله وطاعته، وخلافـا للدعاء إلـى طاعة الله، فهو داخـل فـي معنى صوته الذي قال الله تبـارك وتعالـى اسمه له وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ.
وقوله: وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ ورَجِلكَ يقول: وأجمع علـيهم من ركبـان جندك ومشاتهم من يجلب علـيها بـالدعاء إلـى طاعتك، والصرف عن طاعتـي. يقال منه: أجلب فلان علـى فلان إجلابـا: إذا صاح علـيه. والـجَلَبة: الصوت، وربـما قـيـل: ما هذا الـجَلَب، كما يقال: الغَلَبة والغَلَب، والشّفَقَة والشّفَق. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل، ذكر من قال ذلك:
16964ـ حدثنـي سلـم بن جنادة، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر عن مـجاهد، فـي قوله وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ ورَجِلِكَ قال: كلّ راكب وماش فـي معاصي الله تعالـى.
16965ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ وَرَجِلِكَ قال: إن له خيلاً ورجلاً من الـجنّ والإنس، وهم الذين يطيعونه.
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ ورَجِلِكَ قال الرجال: الـمشاة.
16966ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ وَرَجِلِكَ قال: خيـله: كل راكب فـي معصية الله ورجله: كل راجل فـي معصية الله.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ وَرَجِلِكَ قال: ما كان من راكب يقاتل فـي معصية الله فهو من خيـل إبلـيس، وما كان من راجل فـي معصية الله فهو من رجال إبلـيس. والرجْل: جمع راجل، كما التـجْر: جمع تاجر، والصّحْب: جمع صاحب.
وأما قوله: وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ، فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي الـمشاركة التـي عنـيت بقوله وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ فقال بعضهم: هو أمره إياهم بإنفـاق أموالهم فـي غير طاعة الله واكتسابهموها من غير حلها. ذكر من قال ذلك:
16967ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر عن مـجاهد وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ التـي أصابوها من غير حلها.
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ قال: ما أكل من مال بغير طاعة الله.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
16968ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن طلـحة بن عمرو، عن عطاء بن أبـي رَبـاح، قال: الشرك فـي أموال الربـا.
16969ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن، فـي قوله وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: قد والله شاركهم فـي أموالهم، وأعطاهم الله أموالاً فأنفقوها فـي طاعة الشيطان فـي غير حقّ الله تبـارك اسمه، وهو قول قتادة.
حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد، عن معمر، قال: قال الـحسن وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ مرهم أن يكسبوها من خبـيث، وينفقوها فـي حرام.
16970ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: كلّ مال فـي معصية الله.
16971ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: مشاركته إياهم فـي الأموال والأولاد، ما زَيّن لهم فـيها من معاصي الله حتـى ركبوها.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ كلّ ما أنفقوا فـي غير حقه.
وقال آخرون: بل عُنِـي بذلك كلّ ما كان من تـحريـم الـمشركين ما كانوا يحرّمون من الأنعام كالبحائر والسوائب ونـحو ذلك. ذكر من قال ذلك:
16972ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، فـي قوله: وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: الأموال: ما كانوا يحرّمون من أنعامهم.
16973ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عيسى، عن عمران بن سلـيـمان. عن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس، قال: مشاركته فـي الأموال أن جعلوا البحيرة والسائبة والوصيـلة لغير الله.
16974ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ فإنه قد فعل ذلك أما فـي الأموال، فأمرهم أن يجعلوا بحيرة وسائبة ووصيـلة وحاما.
قال أبو جعفر: الصواب: حاميا.
وقال آخرون: بل عُنِـي به ما كان الـمشركون يذبحونه لاَلهتهم. ذكر من قال ذلك:
16975ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول: وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ يعنـي ما كانوا يذبحون لاَلهتهم.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: عُنِـي بذلك كلّ مال عصى الله فـيه بإنفـاق فـي حرام أو اكتساب من حرام، أو ذبح للاَلهة، أو تسيـيب، أو بحر للشيطان، وغير ذلك مـما كان معصيا به أو فـيه، وذلك أن الله قال وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ فكلّ ما أطيع الشيطان فـيه من مال وعصى الله فـيه، فقد شارك فـاعل ذلك فـيه إبلـيس، فلا وجه لـخصوص بعض ذلك دون بعض.
وقوله: والأوْلادِ اختلف أهل التأويـل فـي صفة شركته بنـي آدم فـي أولادهم، فقال بعضهم: شركته إياهم فـيهم بزناهم بأمهاتهم. ذكر من قال ذلك:
16976ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: أولاد الزنا.
16977ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر عن مـجاهد وشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: أولاد الزنا.
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَشارِكْهُم فِـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: أولاد الزنا.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد قال: أولاد الزنا.
16978ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: أولاد الزنا، يعنـي بذلك أهل الشرك.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله: وَشارِكْهُم فِـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: الأولاد: أولاد الزنا.
وقال آخرون: عُنـي بذلك: وأْدُهم أولادَهم وقتلهموهم. ذكر من قال ذلك:
16979ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: ما قتلوا من أولادهم، وأتوا فـيهم الـحرام.
وقال آخرون: بل عنـي بذلك: صبغهم إياهم فـي الكفر. ذكر من قال ذلك:
16980ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأولاد قال: قد والله شاركهم فـي أموالهم وأولادهم، فمـجسوا وهوّدوا ونصروا وصبغوا غير صبغة الإسلام وجزءوا من أموالهم جزءا للشيطان.
16981ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَال والأولادِ قال: قد فعل ذلك، أما فـي الأولاد فإنهم هوّدوهم ونصّروهم ومـجّسوهم.
وقال آخرون: بل عنـي بذلك تسميتهم أولادهم عبد الـحرث وعبد شمس. ذكر من قال ذلك:
16982ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي عيسى بن يونس، عن عمران بن سلـيـمان، عن أبـي صالـح عن ابن عبـاس وَشارِكْهُم فِـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: مشاركته إياهم فـي الأولاد، سموا عبد الـحرث وعبد شمس وعبد فلان.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: كلّ ولد ولدته أنثى عصى الله بتسميته ما يكرهه الله، أو بإدخاله فـي غير الدين الذي ارتضاه الله، أو بـالزنا بأمه، أو قتله ووأده، أو غير ذلك من الأمور التـي يعصى الله بها بفعله به أو فـيه، فقد دخـل فـي مشاركة إبلـيس فـيه من ولد ذلك الـمولود له أو منه، لأن الله لـم يخصص بقوله وَشارِكْهُم فـي الأمْوَالِ والأولادِ معنى الشركة فـيه بـمعنى دون معنى، فكلّ ما عصى الله فـيه أو به، وأطيع به الشيطان أو فـيه، فهو مشاركة من عصى الله فـيه أو به إبلـيس فـيه.
وقوله: وَعِدْهُم وَما يَعِدُهُمُ الشّيْطانُ إلاّ غُرُورا يقول تعالـى ذكره لإبلـيس: وعد أتبـاعك من ذرّية آدم، النصرة علـى من أرادهم بسوء. يقول الله: وَما يَعِدُهُمْ الشّيْطانُ إلاّ غُرُورا لأنه لا يغنـي عنهم من عقاب الله إذا نزل بهم شيئا، فهم من عداته فـي بـاطل وخديعة، كما قال لهم عدوّ الله حين حصحص الـحقّ إنّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعَدَ الـحَقّ وَوَعَدتُكُمْ فَأخْـلَفْتُكُمْ وَما كَانَ لِـي عَلَـيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إلاّ أنْ دَعَوْتُكْمْ فـاسْتَـجَبَتُـمْ لـي فَلا تَلُومُونِـي وَلُومُوا أنْفُسَكُمْ ما أنا بِـمُصْرِخِكُمْ وَما أنْتُـمْ بِـمُصْرِخِيّ إنّـي كَفَرْتُ بِـمَا أشْرَكْتُـمُونِ مِنْ قَبْلُ.
الآية : 65
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىَ بِرَبّكَ وَكِيلاً }.
يقول تعالـى ذكره لإبلـيس: إن عبـادي الذين أطاعونـي. فـاتبعوا أمري وعصوك يا إبلـيس. لـيس لك علـيهم حجة.
وقوله: وكَفَـى بَرَبّكَ وَكِيلاً يقول جلّ ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وكفـاك يا مـحمد ربك حفـيظا، وقـيـما بأمرك. فـانقَدْ لأمره. وبلغ رسالاته هؤلاء الـمشركين. ولا تـخف أحدا، فإنه قد توكل بحفظك ونصرتك، كما:
16983ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنّ عِبـادِي لَـيْسَ لَكَ عَلَـيْهِمْ سُلْطانٌ وكَفَـى بَرَبّكَ وَكِيلاً وعبـاده الـمؤمنون. وقال الله فـي آية أخرى إنّـما سُلْطانُهُ عَلـى الّذِينَ يَتَوَلّوْنَهُ والّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ.
الآية : 66
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رّبّكُمُ الّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }.
يقول تعالـى ذكره للـمشركين به: ربكم أيها القوم هو الذي يسير لكم السفن فـي البحر. فـيحملكم فـيها لَتْبتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ لتوصلوا بـالركوب فـيها إلـى أماكن تـجاراتكم ومطالبكم ومعايشكم، وتلتـمسون من رزقه إنّه كانَ بِكُمْ رَحِيـما يقول: إن الله كان بكم رحيـما حين أجرى لكم الفلك فـي البحر، تسهيلاً منه بذلك علـيكم التصرّف فـي طلب فضله فـي البلاد النائية التـي لولا تسهيـله ذلك لكم لصعب علـيكم الوصول إلـيها. وبنـحو ما قلنا فـي قوله: يُزْجِي لَكُمْ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16984ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ. عن ابن عبـاس. قوله: رَبّكُمُ الّذِي يُزْجِي لَكُمُ الفُلْكَ فـي البَحْرِ يقول: يجري الفلك.
16985ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة رَبّكُمُ الّذِين يُزْجي لَكُمُ الفُلْكَ فِـي البَحْرِ قال: يسيرها فـي البحر.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس رَبّكُمُ الّذِي يُزْجي لَكُمُ الفُلكَ فِـي البَحْرِ قال: يجري.
16986ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: رَبّكُمْ الّذِي يُزْجي لَكُمْ الفُلْكَ فِـي البَحْرِ قال: يجريها
289
287
الآية : 59
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَمَا مَنَعَنَآ أَن نّرْسِلَ بِالاَيَاتِ إِلاّ أَن كَذّبَ بِهَا الأوّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالاَيَاتِ إِلاّ تَخْوِيفاً }.
يقول تعالـى ذكره: وما منعنا يا مـحمد أن نرسل بـالاَيات التـي سألها قومك، إلا أن كان من قبلهم من الأمـم الـمكذّبة، سألوا ذلك مثل سؤالهم فلـما أتاهم ما سألوا منه كذّبوا رسلهم، فلـم يصدّقوا مع مـجيء الاَيات، فعوجلوا فلـم نرسل إلـى قومك بـالاَيات، لأنّا لو أرسلنا بها إلـيها، فكذّبوا بها، سلكنا فـي تعجيـل العذاب لهم مسلك الأمـم قبلها. وبـالذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16913ـ حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن جعفر بن أياس، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: سأل أهل مكة النبـيّ صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفـا ذهبـا، وأن ينـحي عنهم الـجبـال، فـيزرعوا، فقـيـل له: إن شئت أن نستأنـي بهم لعلنا نـجتنـي منهم، وإن شئت أن نؤتـيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من قبلهم، قال: «بل تستأنـي بهم»، فأنزل الله: وَما مَنَعَنا أنْ نُرْسِلَ بـالاَياتِ إلاّ أنْ كَذّبَ بِها الأوّلُونَ وآتَـيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً.
16914ـ حدثنـي إسحاق بن وهب، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا مسعود بن عبـاد، عن مالك بن دينار، عن الـحسن فـي قول الله تعالـى وَما مَنَعَنَا أنْ نُرْسِلَ بـالاَياتِ إلاّ أنْ كَذّبَ بِها الأوّلُونَ قال: رحمة لكم أيتها الأمة، إنا لو أرسلنا بـالاَيات فكذّبتـم بها، أصابكم ما أصاب من قبلكم.
16915ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبـير، قال: قال الـمشركون لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: يا مـحمد إنك تزعم أنه كان قبلك أنبـياء، فمنهم من سخرت له الريح، ومنهم من كان يحيـي الـموتـى، فإن سرّك أن نؤمن بك ونصدّقك، فـادع ربك أن يكون لنا الصفـا ذهبـا، فأوحى الله إلـيه: إنـي قد سمعت الذي قالوا، فإن شئت أن نفعل الذي قالوا، فإن لـم يؤمنوا نزل العذاب، فإنه لـيس بعد نزول الاَية مناظرة، وإن شئت أن تستأنـي قومك استأنـيت بها، قال: «يا ربّ أستأنـي».
16916ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَما مَنَعَنا أنْ نُرْسِلَ بـالاَياتِ إلاّ أنْ كَذّبَ بِها الأوّلُونَ قال: قال أهل مكة لنبـيّ الله صلى الله عليه وسلم: إن كان ما تقول حقا، ويسرّك أن نؤمن، فحوّل لنا الصفـا ذهبـا، فأتاه جبرئيـل علـيه السلام، فقال: إن شئت كان الذي سألك قومك، ولكنه إن كان ثم لـم يؤمنوا لـم يناظروا، وإن شئت استأنـيت بقومك، قال: «بَلِ أسْتَأْنِـي بقَومْي» فأنزل الله: وآتَـيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَـمُوا بِها وأنزل الله عزّ وجلّ ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أفَهُمْ يُؤْمِنُونَ.
16917ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، أنهم سألوا أن يحوّل الصفـا ذهبـا، قال الله: وَما مَنَعَنا أنْ نُرْسِلَ بـالاَياتِ إلاّ أنْ كَذّبَ بِها الأوّلُونَ قال ابن جريج: لـم يأت قرية بآية فـيكذّبوا بها إلا عذّبوا، فلو جعلت لهم الصفـا ذهبـا ثم لـم يؤمنوا عذّبوا. و«أن» الأولـى التـي مع مَنَعَنا، فـي موضع نصب بوقوع منعنا علـيها، وأن الثانـية رفع، لأن معنى الكلام: وما منعنا إرسال الاَيات إلا تكذيب الأوّلـين من الأمـم، فـالفعل لأن الثانـية.
يقول تعالـى ذكره: وقد سأل الاَيات يا مـحمد من قِبَل قومك ثمود، فآتـيناها ما سألت، وجعلنا تلك الاَية ناقة مبصرة. جعل الإبصار للناقة، كما تقول للشجة: موضحة، وهذه حجة مبـينة. وإنـما عنى بـالـمبصرة: الـمضيئة البـينة التـي من يراها كانوا أهل بصر بها، أنها لله حجة، كما قـيـل: والنهارَ مُبْصِرا كما:
16918ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وآتَـيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً: أي بـيّنة.
16919ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله عزّ ذكره النّاقَةَ مُبْصِرَةً قال: آية.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
وقوله: فَظَلَـمُوا بِها يقول عزّ وجلّ: فكان بها ظلـمهم، وذلك أنهم قتلوها وعقروها، فكان ظلـمهم بعقرها وقتلها. وقد قـيـل: معنى ذلك: فكفروا بها، ولا وجه لذلك إلا أن يقول قائله أراد: فكفروا بـالله بقتلها، فـيكون ذلك وجها.
وأما قوله: وَما نُرْسِلُ بـالاَياتِ إلاّ تَـخْوِيفـا فإنه يقول: وما نرسل بـالعبر والذكر إلا تـخويفـا للعبـاد، كما:
16920ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَما نُرْسِلُ بـالاَياتِ إلاّ تَـخْوِيفـا وإن الله يخوّف الناس بـما شاء من آية لعلهم يعتبرون، أو يذكّرون، أو يرجعون، ذُكر لنا أن الكوفة رجفت علـى عهد ابن مسعود، فقال: يأيها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه.
16921ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا نوح بن قـيس، عن أبـي رجاء، عن الـحسن وَما نُرْسلُ بـالاَياتِ إلاّ تَـخْوِيفـا قال: الـموت الذريع.
الآية : 60
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنّ رَبّكَ أَحَاطَ بِالنّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرّؤيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لّلنّاسِ وَالشّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْيَاناً كَبِيراً }.
وهذا حضّ من الله تعالـى ذكره نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم، علـى تبلـيغ رسالته، وإعلام منه أنه قد تقدّم منه إلـيه القول بأنه سيـمنعه من كلّ من بغاه سوءا وهلاكا، يقول جلّ ثناؤه: واذكر يا مـحمد إذ قلنا لك إن ربك أحاط بـالناس قدرة، فهم فـي قبضته لا يقدرون علـى الـخروج من مشيئته، ونـحن مانعوك منهم، فلا تتهيّب منهم أحدا، وامض لـما أمرناك به من تبلـيغ رسالتنا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16922ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي رجاء، قال: سمعت الـحسن يقول: أحاط بـالناس، عصمك من الناس.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا أبو بكر الهُذلـي، عن الـحسن وَإذْ قُلْنا لَكَ إنّ رَبّكَ أحاطَ بـالنّاسِ قال: يقول: أحطت لك بـالعرب أن لا يقتلوك، فعرف أنه لا يُقتل.
16923ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد أحاطَ بـالنّاسِ قال: فهم فـي قبضته.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
16924ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبـير قوله أحاطَ بـالنّاسِ قال: منعك من الناس. قال معمر، قال قتادة، مثله.
16925ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله وَإذْ قُلْنا لَكَ إنّ رَبّك أحاطَ بـالنّاسِ قال: منعك من الناس.
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَإذْ قُلْنا لَكَ إنّ رَبّكَ أحاطَ بـالنّاسِ أي منعك من الناس حتـى تبلّغ رسالة ربك.
وقوله: وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ اختلف أهل التأويـل فـي ذلك، فقال بعضهم: هو رؤيا عين، وهي ما رأى النبـيّ صلى الله عليه وسلم لـما أُسري به من مكة إلـى بـيت الـمقدس. ذكر من قال ذلك:
16926ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مالك بن إسماعيـل، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عبـاس فـي قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم لـيـلة أُسري به، ولـيست برؤيا منام.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، سُئِل عن قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فتْنَةً للنّاسِ قال: هي رؤيا عين رآها النبـيّ صلى الله عليه وسلم لـيـلة أُسري به.
حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، بنـحوه.
16927ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، قال: حدثنا عمرو، عن فرات القزاز، عن سعيد بن جبـير وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: كان ذلك لـيـلة أُسري به إلـى بـيت الـمقدس، فرأى ما رأى فكذّبه الـمشركون حين أخبرهم.
16928ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: أسري به عشاء إلـى بـيت الـمقدس، فصلـى فـيه، وأراه الله ما أراه من الاَيات، ثم أصبح بـمكة، فأخبرهم أنه أُسري به إلـى بـيت الـمقدس، فقالوا له: يا مـحمد ما شأنك، أمسيت فـيه، ثم أصبحت فـينا تـخبرنا أنك أتـيت بـيت الـمقدس، فعجبوا من ذلك حتـى ارتدّ بعضهم عن الإسلام.
16929ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا هوذة، قال: حدثنا عوف، عن الـحسن، فـي قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أريْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: قال كفـار أهل مكة: ألـيس من كذب ابن أبـي كبشة أنه يزعم أنه سار مسيرة شهرين فـي لـيـلة.
16930ـ حدثنـي أبو حصين، قال: حدثنا عبثر، قال: حدثنا حصين، عن أبـي مالك فـي هذه الاَية وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: مسيره إلـى بـيت الـمقدس.
16931ـ حدثنـي أبو السائب ويعقوب، قالا: حدثنا ابن إدريس، عن الـحسن بن عبد الله، عن أبـي الضحى، عن مسروق فـي قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: حين أُسري به.
16932ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: لـيـلة أُسري به.
16933ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فتْنَةً للنّاس قال: الرؤيا التـي أريناك فـي بـيت الـمقدس حين أُسري به، فكانت تلك فتنة الكافر.
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ يقول: الله أراه من الاَيات والعبر فـي مسيره إلـى بـيت الـمقدس.
ذُكر لنا أن ناسا ارتدّوا بعد إسلامهم حين حدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بـمسيره، أنكروا ذلك وكذّبوا له، وعجبوا منه، وقالوا: تـحدّثنا أنك سرت مسيرة شهرين فـي لـيـلة واحدة.
حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: هو ما أُري فـي بـيت الـمقدس لـيـلة أُسري به.
16934ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ قال: أراه الله من الاَيات فـي طريق بـيت الـمقدس حين أُسري به، نزلت فريضة الصلاة لـيـلة أُسري به قبل أن يهاجر بسنة وتسع سنـين من العشر التـي مكثها بـمكة، ثم رجع من لـيـلته، فقالت قريش: تعشى فـينا وأصبح فـينا، ثم زعم أنه جاء الشام فـي لـيـلة ثم رجع، وايـم الله إن الـحدأة لتـجيئها شهرين: شهرا مقبلة، وشهرا مُدبرة.
16935ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا الّتـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: هذا حين أُسري به إلـى بـيت الـمقدس، افتتن فـيها ناس، فقالوا: يذهب إلـى بـيت الـمقدس ويرجع فـي لـيـلة وقال: «لَـمّا أتانـي جَبْرائيـلُ عَلَـيْهِ السّلامُ بـالبُرَاقِ لِـيَحْمِلَنـي عَلَـيْها صَرّتْ بأذُنَـيْها، وَانْقَبَض بَعْضُها إلـى بَعْضٍ، فَنَظَرَ إلَـيْها جَبْرائيـلُ، فقالَ: وَالّذِي بَعَثَنِـي بـالـحَقّ منْ عِنْدِهِ ما رَكِبَكَ أحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ خَيْرٌ مِنْهُ»، قالَ: «فَصرّتْ بأُذُنَـيْها وَارْفَضّتْ عَرَقا حتـى سالَ ما تَـحْتَها، وكانَ مُنْتَهَى خَطْوها عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفها» فلـما أتاهم بذلك، قالوا: ما كان مـحمد لـينتهي حتـى يأتـي بكذبة تـخرج من أقطارها، فأتوا أبـا بكر رضي الله عنه، فقالوا: هذا صاحبك يقول كذا وكذا، فقال: وقد قال ذلك؟ قالوا: نعم، فقال: إن كان قد قال ذلك فقد صدق، فقالوا: تصدّقه إن قال ذهب إلـى بـيت الـمقدس ورجع فـي لـيـلة؟ فقال أبو بكر: إي، نزع الله عقولكم، أصدّقه بخبر السماء، والسماء أبعد من بـيت الـمقدس، ولا أصدّقه بخبر بـيت الـمقدس؟ قالوا للنبـيّ صلى الله عليه وسلم: إنا قد جئنا بـيت الـمقدس فصفه لنا، فلـما قالوا ذلك، رفعه الله تبـارك وتعالـى ومثله بـين عينـيه، فجعل يقول: «هو كذا، وفـيه كذا»، فقال بعضهم: وأبـيكم إن أخطأ منه حرفـا، فقالوا: هذا رجل ساحر.
16936ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ يعنـي لـيـلة أُسري به إلـى بـيت الـمقدس، ثم رجع من لـيـلته، فكانت فتنة لهم.
16937ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله الرّؤحيا التـي أرَيْناكَ قال: حين أُسري بـمـحمد صلى الله عليه وسلم.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، بنـحوه.
وقال آخرون: هي رؤياه التـي رأى أنه يدخـل مكة. ذكر من قال ذلك:
16938ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُري أنه دخـل مكة هو وأصحابه، وهو يومئذٍ بـالـمدينة، فعجّل رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلـى مكة قبل الأجل، فردّه الـمشركون، فقالت أناس: قد ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان حدثنا أنه سيدخـلها، فكانت رجعته فتنتهم.
وقال آخرون مـمن قال: هي رؤيا منام: إنـما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى فـي منامه قوما يعلون منبره. ذكر من قال ذلك:
16939ـ حُدثت عن مـحمد بن الـحسن بن زبـالة، قال: حدثنا عبد الـمهيـمن بن عبـاس بن سهل بن سعد، قال: ثنـي أبـي، عن جدّي، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنـي فلان ينزون علـى منبره نزو القردة، فساءه ذلك، فما استـجمع ضاحكا حتـى مات. قال: وأنزل الله عزّ وجلّ فـي ذلك وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ»... الاَية.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب، قول من قال: عنى به رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى من الاَيات والعبر فـي طريقه إلـى بـيت الـمقدس، وبـيت الـمقدس لـيـلة أُسري به، وقد ذكرنا بعض ذلك فـي أوّل هذه السورة.
وإنـما قُلنا ذلك أولـى بـالصواب، لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى أن هذه الاَية إنـما نزلت فـي ذلك، وإياه عنى الله عزّ وجلّ بها، فإذا كان ذلك كذلك، فتأويـل الكلام: وما جعلنا رؤياك التـي أريناك لـيـلة أسرينا بك من مكة إلـى بـيت الـمقدس، إلاّ فتنة للناس: يقول: إلا بَلاء للناس الذين ارتدّوا عن الإسلام، لـمّا أُخبروا بـالرؤيا التـي رآها علـيه الصلاة والسلام، وللـمشركين من أهل مكة الذين ازدادوا بسماعهم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم تـماديا فـي غيهم، وكفرا إلـى كفرهم، كما:
16940ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ.
وأما قوله: والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـيها، فقال بعضهم: هي شجرة الزّقّوم. ذكر من قال ذلك:
16941ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مالك بن إسماعيـل، قال: حدثنا أبو عبـيدة، عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عبـاس والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: شجرة الزّقوم.
16942ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: هي شجرة الزقوم. قال أبو جهل: أيخوّفنـي ابن أبـي كبشة بشجرة الزّقوم، ثم دعا بتـمر وزُبد، فجعل يقول: زقمنـي، فأنزل الله تعالـى طَلْعُها كأنّهُ رُءُوسُ الشّياطِين وأنزل ونُـخَوّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاّ طُغْيانا كَبِـيرا.
16943ـ حدثنـي أبو السائب ويعقوب، قالا: حدثنا ابن إدريس، عن الـحسن بن عبـيد الله، عن أبـي الضحى، عن مسروق والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: شجرة الزّقوم.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن الـحسن بن عبـيد الله، عن أبـي الضحى، عن مسروق، مثله.
16944ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، فـي قوله والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ فإن قريشا كانوا يأكلون التـمر والزبد، ويقولون: تزقموا هذا الزقوم. قال أبو رجاء: فحدثنـي عبد القدّوس، عن الـحسن، قال: فوصفها الله لهم فـي الصافـات.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا هوذة، قال: حدثنا عوف، عن الـحسن، قال: قال أبو جهل وكفـار أهل مكة: ألـيس من كذب ابن أبـي كبَشة أنه يوعدكم بنار تـحترق فـيها الـحجارة، ويزعم أنه ينبت فـيها شجرة؟ والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: هي شجرة الزّقوم.
16945ـ حدثنـي عن عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: حدثنا عبثر، قال: حدثنا حصين، عن أبـي مالك فـي هذه الاَية والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: شجرة الزقوم.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا هشيـم، عن حصين، عن أبـي مالك، قال فـي قوله والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: هي شجرة الزقوم.
16946ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا عبد الله بن الـمبـارك، عن رجل يقال له بدر، عن عكرمة، قال: شجرة الزقوم.
16947ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا إسرائيـل، عن فرات القزّار، قال: سُئل سعيد بن جبـير عن الشجرة الـملعونة، قال: شجرة الزقوم.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا هشيـم، عن عبد الـملك العَزْرميّ، عن سعيد بن جبـير وَالشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ قال: شجرة الزقوم.
16948ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم، بـمثله.
16949ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنـي الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: الزقوم.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن أبـي الـمَـحجل، عن أبـي معشر، عن إبراهيـم، أنه كان يحلف ما يستثنـي، أن الشجرة الـملعونة: شجرة الزقوم.
حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن فُرات القزاز، قال: سألت سعيد بن جبـير، عن الشجرة الـملعونة فـي القرآن، قال: شجرة الزّقوم.
حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عمرو، عن عكرمة عن ابن عبـاس، قال: هي الزقوم.
16950ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ ونُـخَوّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاّ طُغْيانا كَبِـيرا وهي شجرة الزقوم، خوّف الله بها عبـاده، فـافتتنوا بذلك، حتـى قال قائلهم أبو جهل بن هشام: زعم صاحبكم هذا أن فـي النار شجرة، والنار تأكل الشجر، وإنا والله ما نعلـم الزقوم إلاّ التـمر والزبد، فتزقموا، فأنزل الله تبـارك وتعالـى حين عجبوا أن يكون فـي النار شجرة: إِنّها شَجَرَةٌ تـخْرُجُ فـي أصْلِ الـجَحِيـمِ طَلْعُها كأنّهُ رُءُوسُ الشّياطِينِ، إنـي خـلقتها من النار، وعذّبت بها من شئت من عبـادي.
حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: الزقوم وذلك أن الـمشركين قالوا: يخبرنا هذا أن فـي النار شجرة، والنار تأكل الشجر حتـى لا تدع منه شيئا، وذلك فتنة.
16951ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: شجرة الزقوم.
16952ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ الزقوم التـي سألوا الله أن يـملأ بـيوتهم منها. وقال: هي الصّرَفـان بـالزبد تتزقمه، والصرفـان: صنف من التـمر. قال: وقال أبو جهل: هي الصرفـان بـالزبد، وافتتنوا بها.
وقال آخرون: هي الكَشُوث. ذكر من قال ذلك:
16953ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مـحمد بن إسماعيـل بن أبـي فديك، عن ابن أبـي ذئب، عن مولـى بنـي هاشم حدثه، أن عبد الله بن الـحارث بن نوفل، أرسله إلـى ابن عبـاس، يسأله عن الشجرة الـملعونة فـي القرآن؟ قال: هي هذه الشجرة التـي تلوي علـى الشجرة، وتـجعل فـي الـماء، يعنـي الكشوثـي.
وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب عندنا قول من قال: عنى بها شجرة الزقوم، لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى ذلك. ونصبت الشجرة الـملعونة عطفـا بها علـى الرؤيا. فتأويـل الكلام إذن: وما جعلنا الرؤيا التـي أريناك، والشجرة الـملعونة فـي القرآن إلاّ فتنة للناس، فكانت فتنتهم فـي الرؤيا ما ذكرت من ارتداد من ارتدّ، وتـمادِي أهل الشرك فـي شركهم، حين أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بـما أراه الله فـي مسيره إلـى بـيت الـمقدس لـيـلة أُسريَ به. وكانت فتنتهم فـي الشجرة الـملعونة ما ذكرنا من قول أبـي جهل والـمشركين معه: يخبرنا مـحمد أن فـي النار شجرة نابتة، والنار تأكل الشجر فكيف تنبت فـيها؟
وقوله: ونُـخَوّفُهُمْ فَمَا يَزيدُهُمْ إلاّ طُغْيانا كَبِـيرا يقول: ونـخوّف هؤلاء الـمشركين بـما نتوعدهم من العقوبـات والنكال، فما يزيدهم تـخويفنا إلاّ طغيانا كبـيرا، يقول: إلاّ تـماديا وغيا كبـيرا فـي كفرهم وذلك أنهم لـما خُوّفوا بـالنار التـي طعامهم فـيها الزقوم دعوا بـالتـمر والزبد، وقالوا: تزقموا من هذا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك وقد تقدّم ذكر بعض من قال ذلك، ونذكر بعض من بقـي:
16954ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال قال ابن جريج وَالشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ قال: طلعها كأنه رءوس الشياطين، والشياطين ملعونون. قال والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ لـما ذكرها زادهم افتتانا وطغيانا، قال الله تبـارك وتعالـى، ونـخوّفُهُم فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاّ طُغْيانا كَبِـيرا.
الآية : 61 و 62
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـَذَا الّذِي كَرّمْتَ عَلَيّ لَئِنْ أَخّرْتَنِ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إَلاّ قَلِيلاً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا مـحمد تـمادي هؤلاء الـمشركين فـي غيهم وارتدادهم عتوّا علـى ربهم بتـخويفه إياهم تـحقـيقهم قول عدّوهم وعدوّ والدهم، حين أمره ربه بـالسجود له فعصاه وأبى السجود له، حسدا واستكبـارا لَئِنْ أخّرْتَنِ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ لأَحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَه إلاّ قَلِـيلاً وكيف صدّقوا ظنه فـيهم، وخالفوا أمر ربهم وطاعته، واتبعوا أمر عدوّهم وعدوّ والدهم.
ويعنـي بقوله وَإذْ قُلْنا للْـمَلائِكَةِ: واذكر إذ قلنا للـملائكة اسْجُدُوا لاَدَمَ فَسَجَدُوا إلاّ إبْلِـيسَ فإنه استكبر وقال أأسْجُدَ لِـمَنْ خَـلَقْتَ طِينا يقول: لـمن خـلقته من طين فلـما حذفت «مِن» تعلّق به قوله خَـلَقْتَ فنصب، يفتـخر علـيه الـجاهل بأنه خُـلِق من نار، وخـلق آدم من طين. كما:
16955ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: بعث ربّ العزّة تبـارك وتعالـى إبلـيس، فأخذ من أديـم الأرض، من عذبها وملـحها، فخـلق منه آدم، فكل شيء خُـلق من عذبها فهو صائر إلـى السعادة وإن كان ابن كافرين، وكلّ شيء خَـلقه من مِلـحها فهو صائر إلـى الشقاوة وإن كان ابن نبـيـين ومن ثم قال إبلـيس أأسْجُدُ لِـمَنْ خَـلَقْتَ طِينا: أي هذه الطينة أنا جئت بها، ومن ثم سُمّي آدم. لأنه خُـلق من أديـم الأرض.
وقوله: أرَأيْتَكَ هَذَا الّذِي كَرّمْتَ عَلـيّ يقول تعالـى ذكره: أرأيت هذا الذي كرّمته علـيّ، فأمرتنـي بـالسجود له، ويعنـي بذلك آدم لئِنْ أخرتّنِ أقسم عدوّ الله، فقال لربه: لئن أخرت إهلاكي إلـى يوم القـيامة لأَحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إلاّ قَلِـيلاً يقول: لأستولـينّ علـيهم، ولأستأصلنهم، ولأستـميـلنهم. يقال منه: احتنك فلان ما عند فلان من مال أو علـم أو غير ذلك، ومنه قول الشاعر:
نَشْكُو إلَـيْكَ سَنَةً قَدْ أجْحَفَتْجَهْدا إلـى جَهْدٍ بنا فأضْعَفَتْواحْتَنَكَتْ أمْوَالَنا وجَلّفَتْ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16956ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله تبـارك وتعالـى لأَحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إلاّ قَلِـيلاً قال: لأحتوينهم.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
16957ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ. عن ابن عبـاس، قوله لأَحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إلاّ قَلِـيلاً يقول: لأستولـينّ.
16958ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله لأَحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إلاّ قلـيلاً قال: لأضلنهم. وهذه الألفـاظ وإن اختلفت فإنها متقاربـات الـمعنى، لأن الاستـيلاء والاحتواء بـمعنى واحد، وإذا استولـى علـيهم فقد أضلهم.
الآية : 63
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشّيْطَانُ إِلاّ غُرُوراً }.
يقول تعالـى ذكره بقوله وَاسْتَفزِزْ واستـخفف واستـجهل، من قولهم: استفزّ فلانا كذا وكذا فهو يستفزّه مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوتِكَ. اختلف أهل التأويـل فـي الصوت الذي عناه جلّ ثناؤه بقوله وَاسْتَفْزِز مَ.نِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوتِك فقال بعضهم: عنى به: صوت الغناء واللعب. ذكر من قال ذلك:
16961ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله وَاسْتَفْزِز مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: بـاللهو والغناء.
حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر، عن مـجاهد، فـي قوله: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: اللعب واللهو.
وقال آخرون: عنى به واسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بدعائك إياه إلـى طاعتك ومعصية الله. ذكر من قال ذلك:
16962ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: صوته كلّ داع دعا إلـى معصية الله.
16963ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: بدعائك.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصحة أن يقال: إن الله تبـارك وتعالـى قال لإبلـيس: واستفزز من ذرّية آدم من استطعت أن تستفزّه بصوتك، ولـم يخصص من ذلك صوتا دون صوت، فكل صوت كان دعاء إلـيه وإلـى عمله وطاعته، وخلافـا للدعاء إلـى طاعة الله، فهو داخـل فـي معنى صوته الذي قال الله تبـارك وتعالـى اسمه له وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ.
وقوله: وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ ورَجِلكَ يقول: وأجمع علـيهم من ركبـان جندك ومشاتهم من يجلب علـيها بـالدعاء إلـى طاعتك، والصرف عن طاعتـي. يقال منه: أجلب فلان علـى فلان إجلابـا: إذا صاح علـيه. والـجَلَبة: الصوت، وربـما قـيـل: ما هذا الـجَلَب، كما يقال: الغَلَبة والغَلَب، والشّفَقَة والشّفَق. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل، ذكر من قال ذلك:
16964ـ حدثنـي سلـم بن جنادة، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر عن مـجاهد، فـي قوله وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ ورَجِلِكَ قال: كلّ راكب وماش فـي معاصي الله تعالـى.
16965ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ وَرَجِلِكَ قال: إن له خيلاً ورجلاً من الـجنّ والإنس، وهم الذين يطيعونه.
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ ورَجِلِكَ قال الرجال: الـمشاة.
16966ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ وَرَجِلِكَ قال: خيـله: كل راكب فـي معصية الله ورجله: كل راجل فـي معصية الله.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ وَرَجِلِكَ قال: ما كان من راكب يقاتل فـي معصية الله فهو من خيـل إبلـيس، وما كان من راجل فـي معصية الله فهو من رجال إبلـيس. والرجْل: جمع راجل، كما التـجْر: جمع تاجر، والصّحْب: جمع صاحب.
وأما قوله: وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ، فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي الـمشاركة التـي عنـيت بقوله وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ فقال بعضهم: هو أمره إياهم بإنفـاق أموالهم فـي غير طاعة الله واكتسابهموها من غير حلها. ذكر من قال ذلك:
16967ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر عن مـجاهد وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ التـي أصابوها من غير حلها.
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ قال: ما أكل من مال بغير طاعة الله.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
16968ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن طلـحة بن عمرو، عن عطاء بن أبـي رَبـاح، قال: الشرك فـي أموال الربـا.
16969ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن، فـي قوله وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: قد والله شاركهم فـي أموالهم، وأعطاهم الله أموالاً فأنفقوها فـي طاعة الشيطان فـي غير حقّ الله تبـارك اسمه، وهو قول قتادة.
حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد، عن معمر، قال: قال الـحسن وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ مرهم أن يكسبوها من خبـيث، وينفقوها فـي حرام.
16970ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: كلّ مال فـي معصية الله.
16971ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: مشاركته إياهم فـي الأموال والأولاد، ما زَيّن لهم فـيها من معاصي الله حتـى ركبوها.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ كلّ ما أنفقوا فـي غير حقه.
وقال آخرون: بل عُنِـي بذلك كلّ ما كان من تـحريـم الـمشركين ما كانوا يحرّمون من الأنعام كالبحائر والسوائب ونـحو ذلك. ذكر من قال ذلك:
16972ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، فـي قوله: وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: الأموال: ما كانوا يحرّمون من أنعامهم.
16973ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عيسى، عن عمران بن سلـيـمان. عن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس، قال: مشاركته فـي الأموال أن جعلوا البحيرة والسائبة والوصيـلة لغير الله.
16974ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ فإنه قد فعل ذلك أما فـي الأموال، فأمرهم أن يجعلوا بحيرة وسائبة ووصيـلة وحاما.
قال أبو جعفر: الصواب: حاميا.
وقال آخرون: بل عُنِـي به ما كان الـمشركون يذبحونه لاَلهتهم. ذكر من قال ذلك:
16975ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول: وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ يعنـي ما كانوا يذبحون لاَلهتهم.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: عُنِـي بذلك كلّ مال عصى الله فـيه بإنفـاق فـي حرام أو اكتساب من حرام، أو ذبح للاَلهة، أو تسيـيب، أو بحر للشيطان، وغير ذلك مـما كان معصيا به أو فـيه، وذلك أن الله قال وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ فكلّ ما أطيع الشيطان فـيه من مال وعصى الله فـيه، فقد شارك فـاعل ذلك فـيه إبلـيس، فلا وجه لـخصوص بعض ذلك دون بعض.
وقوله: والأوْلادِ اختلف أهل التأويـل فـي صفة شركته بنـي آدم فـي أولادهم، فقال بعضهم: شركته إياهم فـيهم بزناهم بأمهاتهم. ذكر من قال ذلك:
16976ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: أولاد الزنا.
16977ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر عن مـجاهد وشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: أولاد الزنا.
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَشارِكْهُم فِـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: أولاد الزنا.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد قال: أولاد الزنا.
16978ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: أولاد الزنا، يعنـي بذلك أهل الشرك.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله: وَشارِكْهُم فِـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: الأولاد: أولاد الزنا.
وقال آخرون: عُنـي بذلك: وأْدُهم أولادَهم وقتلهموهم. ذكر من قال ذلك:
16979ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: ما قتلوا من أولادهم، وأتوا فـيهم الـحرام.
وقال آخرون: بل عنـي بذلك: صبغهم إياهم فـي الكفر. ذكر من قال ذلك:
16980ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأولاد قال: قد والله شاركهم فـي أموالهم وأولادهم، فمـجسوا وهوّدوا ونصروا وصبغوا غير صبغة الإسلام وجزءوا من أموالهم جزءا للشيطان.
16981ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَال والأولادِ قال: قد فعل ذلك، أما فـي الأولاد فإنهم هوّدوهم ونصّروهم ومـجّسوهم.
وقال آخرون: بل عنـي بذلك تسميتهم أولادهم عبد الـحرث وعبد شمس. ذكر من قال ذلك:
16982ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي عيسى بن يونس، عن عمران بن سلـيـمان، عن أبـي صالـح عن ابن عبـاس وَشارِكْهُم فِـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: مشاركته إياهم فـي الأولاد، سموا عبد الـحرث وعبد شمس وعبد فلان.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: كلّ ولد ولدته أنثى عصى الله بتسميته ما يكرهه الله، أو بإدخاله فـي غير الدين الذي ارتضاه الله، أو بـالزنا بأمه، أو قتله ووأده، أو غير ذلك من الأمور التـي يعصى الله بها بفعله به أو فـيه، فقد دخـل فـي مشاركة إبلـيس فـيه من ولد ذلك الـمولود له أو منه، لأن الله لـم يخصص بقوله وَشارِكْهُم فـي الأمْوَالِ والأولادِ معنى الشركة فـيه بـمعنى دون معنى، فكلّ ما عصى الله فـيه أو به، وأطيع به الشيطان أو فـيه، فهو مشاركة من عصى الله فـيه أو به إبلـيس فـيه.
وقوله: وَعِدْهُم وَما يَعِدُهُمُ الشّيْطانُ إلاّ غُرُورا يقول تعالـى ذكره لإبلـيس: وعد أتبـاعك من ذرّية آدم، النصرة علـى من أرادهم بسوء. يقول الله: وَما يَعِدُهُمْ الشّيْطانُ إلاّ غُرُورا لأنه لا يغنـي عنهم من عقاب الله إذا نزل بهم شيئا، فهم من عداته فـي بـاطل وخديعة، كما قال لهم عدوّ الله حين حصحص الـحقّ إنّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعَدَ الـحَقّ وَوَعَدتُكُمْ فَأخْـلَفْتُكُمْ وَما كَانَ لِـي عَلَـيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إلاّ أنْ دَعَوْتُكْمْ فـاسْتَـجَبَتُـمْ لـي فَلا تَلُومُونِـي وَلُومُوا أنْفُسَكُمْ ما أنا بِـمُصْرِخِكُمْ وَما أنْتُـمْ بِـمُصْرِخِيّ إنّـي كَفَرْتُ بِـمَا أشْرَكْتُـمُونِ مِنْ قَبْلُ.
الآية : 64
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشّيْطَانُ إِلاّ غُرُوراً }.
يقول تعالـى ذكره بقوله وَاسْتَفزِزْ واستـخفف واستـجهل، من قولهم: استفزّ فلانا كذا وكذا فهو يستفزّه مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوتِكَ. اختلف أهل التأويـل فـي الصوت الذي عناه جلّ ثناؤه بقوله وَاسْتَفْزِز مَ.نِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوتِك فقال بعضهم: عنى به: صوت الغناء واللعب. ذكر من قال ذلك:
16961ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله وَاسْتَفْزِز مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: بـاللهو والغناء.
حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر، عن مـجاهد، فـي قوله: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: اللعب واللهو.
وقال آخرون: عنى به واسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بدعائك إياه إلـى طاعتك ومعصية الله. ذكر من قال ذلك:
16962ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: صوته كلّ داع دعا إلـى معصية الله.
16963ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: بدعائك.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصحة أن يقال: إن الله تبـارك وتعالـى قال لإبلـيس: واستفزز من ذرّية آدم من استطعت أن تستفزّه بصوتك، ولـم يخصص من ذلك صوتا دون صوت، فكل صوت كان دعاء إلـيه وإلـى عمله وطاعته، وخلافـا للدعاء إلـى طاعة الله، فهو داخـل فـي معنى صوته الذي قال الله تبـارك وتعالـى اسمه له وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ.
وقوله: وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ ورَجِلكَ يقول: وأجمع علـيهم من ركبـان جندك ومشاتهم من يجلب علـيها بـالدعاء إلـى طاعتك، والصرف عن طاعتـي. يقال منه: أجلب فلان علـى فلان إجلابـا: إذا صاح علـيه. والـجَلَبة: الصوت، وربـما قـيـل: ما هذا الـجَلَب، كما يقال: الغَلَبة والغَلَب، والشّفَقَة والشّفَق. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل، ذكر من قال ذلك:
16964ـ حدثنـي سلـم بن جنادة، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر عن مـجاهد، فـي قوله وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ ورَجِلِكَ قال: كلّ راكب وماش فـي معاصي الله تعالـى.
16965ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ وَرَجِلِكَ قال: إن له خيلاً ورجلاً من الـجنّ والإنس، وهم الذين يطيعونه.
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ ورَجِلِكَ قال الرجال: الـمشاة.
16966ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ وَرَجِلِكَ قال: خيـله: كل راكب فـي معصية الله ورجله: كل راجل فـي معصية الله.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ وَرَجِلِكَ قال: ما كان من راكب يقاتل فـي معصية الله فهو من خيـل إبلـيس، وما كان من راجل فـي معصية الله فهو من رجال إبلـيس. والرجْل: جمع راجل، كما التـجْر: جمع تاجر، والصّحْب: جمع صاحب.
وأما قوله: وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ، فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي الـمشاركة التـي عنـيت بقوله وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ فقال بعضهم: هو أمره إياهم بإنفـاق أموالهم فـي غير طاعة الله واكتسابهموها من غير حلها. ذكر من قال ذلك:
16967ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر عن مـجاهد وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ التـي أصابوها من غير حلها.
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ قال: ما أكل من مال بغير طاعة الله.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
16968ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن طلـحة بن عمرو، عن عطاء بن أبـي رَبـاح، قال: الشرك فـي أموال الربـا.
16969ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن، فـي قوله وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: قد والله شاركهم فـي أموالهم، وأعطاهم الله أموالاً فأنفقوها فـي طاعة الشيطان فـي غير حقّ الله تبـارك اسمه، وهو قول قتادة.
حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد، عن معمر، قال: قال الـحسن وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ مرهم أن يكسبوها من خبـيث، وينفقوها فـي حرام.
16970ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: كلّ مال فـي معصية الله.
16971ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: مشاركته إياهم فـي الأموال والأولاد، ما زَيّن لهم فـيها من معاصي الله حتـى ركبوها.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ كلّ ما أنفقوا فـي غير حقه.
وقال آخرون: بل عُنِـي بذلك كلّ ما كان من تـحريـم الـمشركين ما كانوا يحرّمون من الأنعام كالبحائر والسوائب ونـحو ذلك. ذكر من قال ذلك:
16972ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، فـي قوله: وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: الأموال: ما كانوا يحرّمون من أنعامهم.
16973ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عيسى، عن عمران بن سلـيـمان. عن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس، قال: مشاركته فـي الأموال أن جعلوا البحيرة والسائبة والوصيـلة لغير الله.
16974ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ فإنه قد فعل ذلك أما فـي الأموال، فأمرهم أن يجعلوا بحيرة وسائبة ووصيـلة وحاما.
قال أبو جعفر: الصواب: حاميا.
وقال آخرون: بل عُنِـي به ما كان الـمشركون يذبحونه لاَلهتهم. ذكر من قال ذلك:
16975ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول: وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ يعنـي ما كانوا يذبحون لاَلهتهم.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: عُنِـي بذلك كلّ مال عصى الله فـيه بإنفـاق فـي حرام أو اكتساب من حرام، أو ذبح للاَلهة، أو تسيـيب، أو بحر للشيطان، وغير ذلك مـما كان معصيا به أو فـيه، وذلك أن الله قال وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ فكلّ ما أطيع الشيطان فـيه من مال وعصى الله فـيه، فقد شارك فـاعل ذلك فـيه إبلـيس، فلا وجه لـخصوص بعض ذلك دون بعض.
وقوله: والأوْلادِ اختلف أهل التأويـل فـي صفة شركته بنـي آدم فـي أولادهم، فقال بعضهم: شركته إياهم فـيهم بزناهم بأمهاتهم. ذكر من قال ذلك:
16976ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: أولاد الزنا.
16977ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر عن مـجاهد وشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: أولاد الزنا.
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَشارِكْهُم فِـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: أولاد الزنا.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد قال: أولاد الزنا.
16978ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: أولاد الزنا، يعنـي بذلك أهل الشرك.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله: وَشارِكْهُم فِـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: الأولاد: أولاد الزنا.
وقال آخرون: عُنـي بذلك: وأْدُهم أولادَهم وقتلهموهم. ذكر من قال ذلك:
16979ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: ما قتلوا من أولادهم، وأتوا فـيهم الـحرام.
وقال آخرون: بل عنـي بذلك: صبغهم إياهم فـي الكفر. ذكر من قال ذلك:
16980ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأولاد قال: قد والله شاركهم فـي أموالهم وأولادهم، فمـجسوا وهوّدوا ونصروا وصبغوا غير صبغة الإسلام وجزءوا من أموالهم جزءا للشيطان.
16981ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَال والأولادِ قال: قد فعل ذلك، أما فـي الأولاد فإنهم هوّدوهم ونصّروهم ومـجّسوهم.
وقال آخرون: بل عنـي بذلك تسميتهم أولادهم عبد الـحرث وعبد شمس. ذكر من قال ذلك:
16982ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي عيسى بن يونس، عن عمران بن سلـيـمان، عن أبـي صالـح عن ابن عبـاس وَشارِكْهُم فِـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: مشاركته إياهم فـي الأولاد، سموا عبد الـحرث وعبد شمس وعبد فلان.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: كلّ ولد ولدته أنثى عصى الله بتسميته ما يكرهه الله، أو بإدخاله فـي غير الدين الذي ارتضاه الله، أو بـالزنا بأمه، أو قتله ووأده، أو غير ذلك من الأمور التـي يعصى الله بها بفعله به أو فـيه، فقد دخـل فـي مشاركة إبلـيس فـيه من ولد ذلك الـمولود له أو منه، لأن الله لـم يخصص بقوله وَشارِكْهُم فـي الأمْوَالِ والأولادِ معنى الشركة فـيه بـمعنى دون معنى، فكلّ ما عصى الله فـيه أو به، وأطيع به الشيطان أو فـيه، فهو مشاركة من عصى الله فـيه أو به إبلـيس فـيه.
وقوله: وَعِدْهُم وَما يَعِدُهُمُ الشّيْطانُ إلاّ غُرُورا يقول تعالـى ذكره لإبلـيس: وعد أتبـاعك من ذرّية آدم، النصرة علـى من أرادهم بسوء. يقول الله: وَما يَعِدُهُمْ الشّيْطانُ إلاّ غُرُورا لأنه لا يغنـي عنهم من عقاب الله إذا نزل بهم شيئا، فهم من عداته فـي بـاطل وخديعة، كما قال لهم عدوّ الله حين حصحص الـحقّ إنّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعَدَ الـحَقّ وَوَعَدتُكُمْ فَأخْـلَفْتُكُمْ وَما كَانَ لِـي عَلَـيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إلاّ أنْ دَعَوْتُكْمْ فـاسْتَـجَبَتُـمْ لـي فَلا تَلُومُونِـي وَلُومُوا أنْفُسَكُمْ ما أنا بِـمُصْرِخِكُمْ وَما أنْتُـمْ بِـمُصْرِخِيّ إنّـي كَفَرْتُ بِـمَا أشْرَكْتُـمُونِ مِنْ قَبْلُ.
الآية : 65
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىَ بِرَبّكَ وَكِيلاً }.
يقول تعالـى ذكره لإبلـيس: إن عبـادي الذين أطاعونـي. فـاتبعوا أمري وعصوك يا إبلـيس. لـيس لك علـيهم حجة.
وقوله: وكَفَـى بَرَبّكَ وَكِيلاً يقول جلّ ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وكفـاك يا مـحمد ربك حفـيظا، وقـيـما بأمرك. فـانقَدْ لأمره. وبلغ رسالاته هؤلاء الـمشركين. ولا تـخف أحدا، فإنه قد توكل بحفظك ونصرتك، كما:
16983ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنّ عِبـادِي لَـيْسَ لَكَ عَلَـيْهِمْ سُلْطانٌ وكَفَـى بَرَبّكَ وَكِيلاً وعبـاده الـمؤمنون. وقال الله فـي آية أخرى إنّـما سُلْطانُهُ عَلـى الّذِينَ يَتَوَلّوْنَهُ والّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ.
الآية : 66
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رّبّكُمُ الّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }.
يقول تعالـى ذكره للـمشركين به: ربكم أيها القوم هو الذي يسير لكم السفن فـي البحر. فـيحملكم فـيها لَتْبتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ لتوصلوا بـالركوب فـيها إلـى أماكن تـجاراتكم ومطالبكم ومعايشكم، وتلتـمسون من رزقه إنّه كانَ بِكُمْ رَحِيـما يقول: إن الله كان بكم رحيـما حين أجرى لكم الفلك فـي البحر، تسهيلاً منه بذلك علـيكم التصرّف فـي طلب فضله فـي البلاد النائية التـي لولا تسهيـله ذلك لكم لصعب علـيكم الوصول إلـيها. وبنـحو ما قلنا فـي قوله: يُزْجِي لَكُمْ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16984ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ. عن ابن عبـاس. قوله: رَبّكُمُ الّذِي يُزْجِي لَكُمُ الفُلْكَ فـي البَحْرِ يقول: يجري الفلك.
16985ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة رَبّكُمُ الّذِين يُزْجي لَكُمُ الفُلْكَ فِـي البَحْرِ قال: يسيرها فـي البحر.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس رَبّكُمُ الّذِي يُزْجي لَكُمُ الفُلكَ فِـي البَحْرِ قال: يجري.
16986ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: رَبّكُمْ الّذِي يُزْجي لَكُمْ الفُلْكَ فِـي البَحْرِ قال: يجريها
الصفحة رقم 288 من المصحف تحميل و استماع mp3