سورة الإسراء | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 291 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 291
292
290
الآية : 87
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِلاّ رَحْمَةً مّن رّبّكَ إِنّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً }.
يقول عزّ وجلّ: ولئنْ شِئْنا لنذهبنّ يا مـحمد بـالّذِي أوْحيْنَا إلـيْكَ ولكنه لا يشاء ذلك، رحمة من ربك وتفضلاً منه علـيك إنّ فضْلهُ كانَ علـيكَ كبـيرا بـاصطفـائه إياك لرسالته، وإنزاله علـيك كتابه، وسائر نعمه علـيك التـي لا تـحصى.
الآية : 88
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُل لّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَىَ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً }.
يقول جل ثناؤه: قل يا مـحمد للذين قالوا لك: أنا نأتـي بـمثل هذا القرآن: لئن اجتـمعت الإنس والـجنّ علـى أن يأتوا بـمثله، لا يأتون أبدا بـمثله، ولو كان بعضهم لبعض عونا وظهرا. وذُكِر أن هذه الاَية نزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب قوم من الـيهود جادلوه فـي القرآن، وسألوه أن يأتـيهم بآية غيره شاهدة له علـى نبّوته، لأن مثل هذا القرآن بهم قدرة علـى أن يأتوا به. ذكر الرواية بذلك:
17123ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، قال: حدثنا مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، قال: ثنـي سعيد بن جبـير أو عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: أتـى رسول الله صلى الله عليه وسلم مـحمود بن سيحان وعمر بن أصان وبحري بن عمرو، وعزيز بن أبـي عزيز، وسلام بن مِشْكم، فقالوا: أخبرنا يا مـحمد بهذا الذي جئنا به حقّ من عند الله عزّ وجلّ، فإنا لا نراه متناسقا كما تناسق التوراة، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما وَاللّهِ أنّكُمْ لَتَعْرِفُونَ أنّهُ مِنْ عِنْدَ اللّهِ تَـجِدُونَهُ مَكْتُوبـا عِنْدَكُمْ، وَلَوِ اجْتَـمَعَتِ الإنْسُ والـجِنّ عَلـى أنْ يَأْتُوا بِـمِثْلِهِ ما جاءُوا بِهِ» فقال عند ذلك، وهم جميعا: فِنْـحاص، وعبد الله بن صُورِيا، وكِنانة بن أبـي الـحُقـيق، وأَشِيع، وكعب بن أسد، وسموءَل بن زيد، وجبل بن عمرو: يا مـحمد ما يعلّـمك هذا إنس ولا جان؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما وَاللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَـمُونَ أنّهُ مِنْ عِنْدَ اللّهِ تَـجِدُونَهُ مَكْتُوبـا عِنْدَكمْ فِـي التّوْرَاةِ والإنـجِيـلِ»، فقالوا: يا مـحمد، إن الله يصنع لرسوله إذا بعثه ما شاء، ويقدر منه علـى ما أراد، فأنزل علـينا كتابـا نقرؤه ونعرفه، وإلاّ جئناك بـمثل ما يأتـي به، فأنزل الله عزّ وجلّ فـيهم وفـيـما قالوا: قُلْ لَئِنِ اجْتَـمَعَتِ الإنْسُ والـجِنّ عَلـى أنْ يَأْتُوا بِـمِثْلِ هَذَا القُرآنِ لا يَأْتُونَ بِـمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا.
17124ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله لَئِنِ اجْتَـمَعَتِ الإنْسُ والـجِنّ... إلـى قوله وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا قال: معينا، قال: يقول: لو برزت الـجنّ وأعانهم الإنس، فتظاهروا لـم يأتوا بـمثل هذا القرآن. وقوله عزّ وجلّ لا يَأْتُونَ بِـمِثْلهِ رفع، وهو جواب لقوله «لئن»، لأن العرب إذا أجابت لئن بلا رفعوا ما بعدها، لأن «لئن» كالـيـمين وجواب الـيـمين بلا مرفوع، وربـما جزم لأن التـي يجاب بها زيدت علـيه لام، كما قال الأعشى:
لَئِنْ مُنِـيتَ بِنا عَنْ غِبّ مَعْرَكةٍ لا تُلْفنا عَنْ دِماءِ القَوْمِ نَنْتَفِلُ
الآية : 89
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ صَرّفْنَا لِلنّاسِ فِي هَـَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلّ مَثَلٍ فَأَبَىَ أَكْثَرُ النّاسِ إِلاّ كُفُوراً }.
يقول ذكره: ولقد بـيّنا للناس فـي هذا القرآن من كلّ مثل، احتـجاجا بذلك كله علـيهم، وتذكيرا لهم، وتنبـيها علـى الـحقّ لـيتبعوه ويعملوا به فَأبى أكْثَرُ النّاسِ إلاّ كُفُورا يقول: فأبى أكثر الناس إلاّ جحودا للـحقّ، وإنكارا لـحجج الله وأدلته.
الآية : 90
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالُواْ لَن نّؤْمِنَ لَكَ حَتّىَ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعاً }.
يقول ذكره: وقال يا مـحمد، الـمشركون بـالله من قومك لك: لن نصدّقك، حتـى تفجّر لنا من أرضنا هذه عينا تنبع لنا بـالـماء.
وقوله يَنْبُوعا يفعول من قول القائل: نبع الـماء: إذا ظهر وفـار، ينْبُع ويَنْبَع، وهو ما نبع. كما:
17125ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله حتـى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعا: أي حتـى تفْجُر لنا من الأرض عيونا: أي ببلدنا هذا.
حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله حتـى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعا قال: عيونا.
حدثنا مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.
17126ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد يَنْبُوعا قال: عيونا.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله تَفْجُرَ فروي عن إبراهيـم النـخعيّ أنه قرأ حتـى تَفْجُرَ لَنا خفـيفة وقوله فَتُفَجّرَ الأنهَارَ خِلاَلَها تَفْجِيرا بـالتشديد، وكذلك كانت قراء الكوفـيـين يقرءونها، فكأنهم ذهبوا بتـخفـيفهم الأولـى إلـى معنى: حتـى تفجر لنا من الأرض ماء مرّة واحدة. وبتشديدهم الثانـية إلـى أنها تفجر فـي أماكن شتـى، مرّة بعد أخرى، إذا كان ذلك تفجر أنهار لا نهر واحد والتـخفـيف فـي الأولـى والتشديد فـي الثانـية علـى ما ذكرت من قراءة الكوفـيـين أعجب إلـيّ لـما ذكرت من افتراق معنـيـيهما، وإن لـم تكن الأولـى مدفوعة صحتها.
الآية : 91
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنّةٌ مّن نّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجّرَ الأنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً }.
يقول ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وقال لك يا مـحمد مشركو قومك: لن نصدّقك حتـى تستنبط لنا عينا من أرضنا، تَدفّق بـالـماء أو تفور، أو يكون لك بستان، وهو الـجنة، من نـخيـل وعنب، فتفجّر الأنهار خلالها تفجيرا بأرضنا هذه التـي نـحن بها خلالها، يعنـي: خلال النـخيـل والكروم ويعنـي بقوله: خِلالها تَفجِيرا بـينها فـي أصولها تفجيرا بسبب أبنـيتها.
الآية : 92
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوْ تُسْقِطَ السّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً }.
اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: كِسَفـا فقرأته عامّة قرّاء الكوفة والبصرة بسكون السين، بـمعنى: أو تسقط السماء كما زعمت علـينا كِسفـا، وذلك أن الكِسْف فـي كلام العرب: جمع كِسْفة، وهو جمع الكثـير من العدد للـجنس، كما تـجمع السّدْرة بسِدْر، والتـمرة بتـمر، فحُكي عن العرب سماعا: أعطنـي كِسْفة من هذا الثوب: أي قطعة منه، يقال منه: جاءنا بثريد كِسْف: أي قطع خبز. وقد يحتـمل إذا قرىء كذلك «كِسْفـا» بسكون السين أن يكون مرادا به الـمصدر من كسف. فأما الكِسَفُ بفتـح السين، فإنه جمع ما بـين الثلاث إلـى العشر، يقال: كِسَفة واحدة، وثلاث كِسَف، وكذلك إلـى العشر. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة وبعض الكوفـيـين كِسَفـا بفتـح السين بـمعنى: جمع الكِسْفة الواحدة من الثلاث إلـى العشر، يعنـي بذلك قِطَعا: ما بـين الثلاث إلـى العشر.
وأولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب عندي قراءة من قرأه بسكون السين، لأن الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، لـم يقصدوا فـي مسألتهم إياه ذلك أن يكون بحدّ معلوم من القطع، إنـما سألوا أن يُسقط علـيهم من السماء قِطَعا، وبذلك جاء التأويـل أيضا عن أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
17127ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله كِسْفـا قال: السماء جميعا.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
17128ـ قال ابن جريج: قال عبد الله بن كثـير، عن مـجاهد، قوله كمَا زَعَمْتَ عَلَـيْنا كِسَفـا قال: مرّة واحدة، والتـي فـي الروم ويَجْعَلُهُ كِسَفـا قال: قطعا، قال ابن جريج: كسفـا لقول الله: إنْ نَشَأْ نَـخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ أوْ نُسْقِطْ عَلَـيْهِمْ كِسَفـا مِنَ السّماءِ.
17129ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أوْ تُسْقِطَ السّماءَ كمَا زَعَمْتَ عَلَـيْنا كِسَفـا قال: أي قطعا.
17130ـ حدثنا علـيّ، قال: حدثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: كِسَفـا يقول: قطعا.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة كِسَفـا قال: قطعا.
حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله أوْ تُسْقِطَ السّماءَ كمَا زَعَمْتَ عَلَـيْنا كِسَفـا يعنـي قِطَعا.
القول فـي تأويـل قوله: أوْ تَأْتِـيَ بـاللّهِ وَالـمَلائِكَةِ قَبِـيلاً: يقول تعالـى ذكره عن قـيـل الـمشركين لنبـيّ الله صلى الله عليه وسلم: أو يأتـي بـالله يا مـحمد والـملائكة قبـيلاً.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى القبـيـل فـي هذا الـموضع، فقال بعضهم: معناه: حتـى يأتـي الله والـملائكة كلّ قبـيـلة منا قبـيـلة قبـيـلة، فـيعاينونهم. ذكر من قال ذلك:
17131ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَالـمَلائِكَةِ قَبِـيلاً قال: علـى حدتنا، كلّ قبـيـلة.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله أوْ تَأْتِـي بـاللّهِ وَالـمَلائِكَةِ قَبِـيلاً قال: قبـائل علـى حدتها كلّ قبـيـلة.
وقال آخرون: معنى ذلك: أوْ تأتـي بـالله والـملائكة عيانا نقابلهم مقابلة، فنعاينهم معاينة. ذكر من قال ذلك:
17132ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أوْ تَأْتـيَ بـاللّهِ وَالـمَلائِكَةِ قَبِـيلاً نعاينهم معاينة.
17133ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج أوْ تَأْتـيَ بـاللّهِ وَالـمَلائِكَةِ قَبِـيلاً فنعاينهم.
ووجّهه بعض أهل العربـية إلـى أنه بـمعنى الكفـيـل من قولهم: هو قَبـيـلُ فلان بـما لفلان علـيه وزعيـمه.
وأشبه الأقوال فـي ذلك بـالصواب، القول الذي قاله قتادة من أنه بـمعنى الـمعاينة، من قولهم: قابلت فلانا مقابلة، وفلان قبـيـل فلان، بـمعنى قبـالته، كما قال الشاعر:
نُصَالِـحُكُمْ حتـى تَبُوءُوا بِـمِثْلِهاكصَرْخَةِ حُبْلَـى يَسّرَتْها قَبِـيـلُها
يعنـي قابِلَتها. وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: إذا وصفوا بتقدير فعيـل من قولهم قابلت ونـحوها، جعلوا لفظ صفة الاثنـين والـجميع من الـمؤنث والـمذكر علـى لفظ واحد، نـحو قولهم: هذه قبـيـلـي، وهما قبـيـلـي، وهم قبـيـلـي، وهن قبـيـلـي.
الآية : 93
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىَ فِي السّمَآءِ وَلَن نّؤْمِنَ لِرُقِيّكَ حَتّى تُنَزّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبّي هَلْ كُنتُ إَلاّ بَشَراً رّسُولاً }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن الـمشركين الذين ذكرنا أمرهم فـي هذه الاَيات: أو يكون لك يا مـحمد بـيت من ذهب وهو الزخرف. كما:
17134ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس أوْ يَكُونَ لَكَ بَـيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ يقول: بـيت من ذهب.
17135ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله مِنْ زُخْرُفٍ قال: من ذهب.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
17136ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أوْ يَكُونَ لَكَ بَـيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ والزخرف هنا: الذهب.
حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله أوْ يَكُونَ لَكَ بَـيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ قال: من ذهب.
17137ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن رجل، عن الـحكم قال: قال مـجاهد: كنا لا ندري ما الزخرف حتـى رأيناه فـي قراءة ابن مسعود: «أوْ يَكُونَ لَكَ بَـيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ».
حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد، قال: لـم أدر ما الزخرف، حتـى سمعنا فـي قراءة عبد الله بن مسعود: «بَـيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ».
وقوله أوْ تَرْقـى فِـي السّماءِ يعنـي: أو تصعد فـي درج إلـى السماء وإنـما قـيـل فـي السماء، وإنـما يرقـى إلـيها لا فـيها، لأن القوم قالوا: أو ترقـى فـي سلـم إلـى السماء، فأدخـلت «فـي» فـي الكلام لـيدلّ علـى معنى الكلام، يقال: رَقِـيت فـي السلـم، فأنا أرقَـى رَقـيا ورِقِـيا ورُقـيا، كما قال الشاعر:
أنتَ الّذِي كَلّفتَنِـي رَقْـيَ الدّرْجعَلـى الكلالِ والـمَشِيبِ والعَرْجِ
وقوله: وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِـيّكَ يقول: ولن نصدّقك من أجل رُقِـيك إلـى السماء حتـى تُنَزّلَ عَلَـيْنا كِتابـا منشورا نَقْرَؤُهُ فـيه أمرنا بـاتبـاعك والإيـمان بك، كما:
17138ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله كِتابـا نَقْرَؤُهُ قال: من ربّ العالـمين إلـى فلان، عند كلّ رجل صحيفة تصبح عند رأسه يقرؤها.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد بنـحوه، إلاّ أنه قال: كتابـا نقرؤه من ربّ العالـمين، وقال أيضا: تصبح عند رأسه موضوعة يقرؤها.
17139ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله حتـى تُنَزّلَ عَلَـيْنا كِتابـا نَقْرَؤُهُ: أي كتابـا خاصا نؤمر فـيه بـاتبـاعك.
وقوله: قُلْ سُبْحانَ رَبّـي يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين من قومك، القائلـين لك هذه الأقوال، تنزيها لله عما يصفونه به، وتعظيـما له من أن يؤتـى به وملائكته، أو يكون لـي سبـيـل إلـى شيء مـما تسألونـيه: هَلْ كُنْتُ إلاّ بَشَرا رَسُولاً يقول: هل أنا إلاّ عبد من عبـيده من بنـي آدم، فكيف أقدر أن أفعل ما سألتـمونـي من هذه الأمور، وإنـما يقدر علـيها خالقـي وخالقكم، وإنـما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به إلـيكم، والذي سألتـمونـي أن أفعله بـيد الله الذي أنا وأنتـم عبـيد له، لا يقدر علـى ذلك غيره.
وهذا الكلام الذي أخبر الله أنه كلّـم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فـيـما ذكر كان من ملإ من قريش اجتـمعوا لـمناظرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومُـحاجّته، فكلّـموه بـما أخبر الله عنهم فـي هذه الاَيات.
ذكر تسمية الذين ناظروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك منهم
والسبب الذي من أجله ناظروه به
17140ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي شيخ من أهل مصر، قدم منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، أن عتبة وشيبة ابنـي ربـيعة وأبـا سفـيان بن حرب ورجلاً من بنـي عبد الدار وأبـا البختري أخا بنـي أسد، والأسود بن الـمطلب، وزمعة بن الأسود، والولـيد بن الـمغيرة، وأبـا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبـي أمية، وأميّة بن خـلف، والعاص بن وائل، ونُبَـيها ومُنَبها ابنـي الـحجاج السّهميـين اجتـمعوا، أو من اجتـمع منهم، بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلـى مـحمد فكلّـموه وخاصموه حتـى تُعْذِروا فـيه، فبعثوا إلـيه: إن أشراف قومك قد اجتـمعوا إلـيك لـيكلـموك، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا، وهو يظنّ أنه بدا لهم فـي أمره بَدَاء، وكان علـيهم حريصا، يحبّ رشدهم ويعزّ علـيه عَنَتهم، حتـى جلس إلـيهم، فقالوا: يا مـحمد إنا قد بعثنا إلـيك لنُعْذِر فـيك، وإنا والله ما نعلـم رجلاً من العرب أدخـل علـى قومه ما أدخـلت علـى قومك لقد شتـمت الاَبـاء، وعِبْت الدين، وسفّهت الأحلام، وشتـمت الاَلهة، وفرّقت الـجماعة، فما بقـي أمر قبـيح إلاّ وقد جئته فـيـما بـيننا وبـينك، فإن كنت إنـما جئت بهذا الـحديث تطلب مالاً، جمعنا لك من أموالنا حتـى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنـما تطلب الشرف فـينا سوّدناك علـينا، وإن كنت تريد به مُلكا ملكناك علـينا، وإن كان هذا الذي يأتـيك بـما يأتـيك به رَئِيا تراه قد غلب علـيك وكانوا يسمون التابع من الـجنّ: الرئيّ فربـما كان ذلك، بذلنا أموالنا فـي طلب الطبّ لك حتـى نبرئك منه، أو نُعذِرَ فـيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بِـي ما تَقُولُونَ، ما جِئتُكُمْ بِـمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أطلُبُ أمْوَالَكُمْ، وَلا الشّرَفَ فِـيكُمْ وَلا الـمُلْكَ عَلَـيْكُمْ، وَلَكِنّ اللّهَ بَعَثَنِـي إلَـيْكُمْ رَسُولاً، وأنْزَلَ عَلـيّ كِتابـا، وأمَرَنِـي أنْ أكُونَ لَكُمْ بَشِيرا وَنَذِيرا، فَبَلّغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبّـي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فإنْ تَقْبَلُوا مِنّـي ما جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظّكُمْ فِـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ، وإنْ تَرُدّوهُ عَلـيّ أصْبِرْ لأَمْرِ اللّهِ حتـى يَحْكُمَ اللّهُ بَـيْنـيِ وَبَـيْنَكُمْ» أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا مـحمد، فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا علـيك، فقد علـمت أنه لـيس أحد من الناس أضيق بلادا، ولا أقلّ مالاً، ولا أشدّ عيشا منا، فسل ربك الذي بعثك بـما بعثك به، فلـيسيّرْ عنا هذه الـجبـال التـي قد ضيقت علـينا، ويبسط لنا بلادنا، ولـيفجّر لنا فـيها أنهارا كأنهار الشام والعراق، ولـيبعث لنا من مضى من آبـائنا، ولـيكن فـيـمن يبعث لنا منهم قُصَيّ بن كلاب، فإنه كان شيخا صدوقا، فنسألهم عما تقول، حقّ هو أم بـاطل؟ فإن صنعت ما سألناك، وصدقوك صدقناك، وعرفنا به منزلتك عند الله، وأنه بعثك بـالـحقّ رسولاً، كما تقول. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بِهذَا بُعِثْتُ، إنّـمَا جِئْتُكُمْ مِنَ اللّهِ بِـمَا بَعَثَنِـي بِهِ، فَقَدْ بَلّغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إلـيكم، فإنْ تَقْبَلُوهُ فَهُوَ حَظّكُمْ فِـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ، وإنْ تَرُدّوهُ عَلـيّ أصْبِرْ لأمْرِ اللّهِ حتـى يَحْكُمَ اللّهُ بَـيْنِـي وَبَـيْنَكُمْ» قالوا: فإن لـم تفعل لنا هذا، فخذ لنفسك، فسل ربك أن يبعث ملكا يصدّقك بـما تقول، ويراجعنا عنك، واسأله فلـيجعل لك جنانا وكنوزا وقصورا من ذهب وفضة، ويغنـيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بـالأسواق، وتلتـمس الـمعاش كما نلتـمسه، حتـى نعرف فضل منزلتك من ربك إن كنت رسولاً كما تزعم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنا بِفـاعِلٍ، ما أنا بـالّذِي يَسألُ رَبّهُ هذَا، وَما بُعِثْتُ إلَـيْكُمْ بِهذَا، وَلَكِنّ اللّهَ بَعَثَنِـي بَشِيرا وَنَذِيرا، فإنْ تَقْبَلُوا ما جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظّكُمْ فِـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ، وَإنْ تَرُدّوهُ عَلـيّ أصْبِرْ لأَمْرِ اللّهِ حتـى يَحْكُمَ اللّهُ بَـيْنِـي وبَـيْنَكُمْ» قالوا: فأسقط السماء علـينا كِسَفـا، كما زعمت أن ربك إن شاء فعل، فإنا لا نؤمن لك إلاّ أن تفعل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلكَ إلـى الله إنْ شاءَ فَعَلَ بِكُمْ ذلكَ»، فقالوا: يا مـحمد، فما علـم ربك أنا سنـجلس معك، ونسألك عما سألناك عنه، ونطلب منك ما نطلب، فـيتقدّم إلـيك، ويعلـمك ما تراجعنا به، ويخبرك ما هو صانع فـي ذلك بنا إذ لـم نقبل منك ما جئتنا به، فقد بلغنا أنه إنـما يعلّـمك هذا رجل بـالـيـمامة يقال له الرحمن، وإنا والله ما نؤمن بـالرحمن أبدا، أعذرنا إلـيك يا مـحمد، أما والله لا نتركك وما بلغت منا حتـى نهلكك أو تهلكنا، وقال قائلهم: نـحن نعبد الـملائكة، وهنّ بنات الله، وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتـى تأتـينا بـالله والـملائكة قبـيلاً. فلـما قالوا ذلك، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وقام معه عبد الله بن أبـي أميّة بن الـمُغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وهو ابن عمته هو لعاتكة بنت عبد الـمطلب، فقال له: يا مـحمد عرض علـيك قومك ما عرضوا فلـم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أمورا، لـيعرفوا منزلتك من الله فَلـم تفعل ذلك، ثم سألوك أن تعجل ما تـخوّفهم به من العذاب، فوالله لا أومن لك أبدا، حتـى تتـخذ إلـى السماء سلـما ترقـى فـيه، وأنا أنظر حتـى تأتـيها، وتأتـي معك بنسخة منشورة معك أربعة من الـملائكة يشهدون لك أنك كما تقول، وايـم الله لو فعلت ذلك لظننتُ ألاّ أصدّقك، ثم انصرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى أهله حزينا أسيفـا لـما فـاته مـما كان يطمع فـيه من قومه حين دعوه، ولِـمَا رأى من مبـاعدتهم إياه فلـما قام عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو جهل: يا معشر قريش، إن مـحمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتـم آبـائنا، وتسفـيه أحلامنا، وسبّ آلهتنا، وإنـي أعاهد الله لأجلسنّ له غدا بحجر قدر ما أطيق حَمْله، فإذا سجد فـي صلاته فضخت رأسه به.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنا ابن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبـير أو عكرمة مولـى ابن عبـاس، عن ابن عبـاس، بنـحوه، إلاّ أنه قال: وأبـا سفـيان بن حرب، والنضر بن الـحرث أبناء بنـي عبد الدار، وأبـا البختريّ بن هشام.
17141ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن سعيد، قال: قلت له فـي قوله تعالـى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حتـى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعا قال: قلت له: نزلت فـي عبد الله بن أبـي أمية، قال: قد زعموا ذلك.
الآية : 94
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَمَا مَنَعَ النّاسَ أَن يُؤْمِنُوَاْ إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَىَ إِلاّ أَن قَالُوَاْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رّسُولاً }.
يقول تعالـى ذكره: وما منع يا مـحمد مشركي قومك الإيـمان بـالله، وبـما جئتهم به من الـحقّ إذْ جاءَهُمُ الهُدَى يقول: إذ جاءهم البـيان من عند الله بحقـيقة ما تدعوهم وصحة ما جئتهم به، إلاّ قولهم جهلاً منهم أبَعَثَ اللّهُ بَشَرا رَسُولاً فأن الأولـى فـي موضع نصب بوقوع منع علـيها، والثانـية فـي موضع رفع، لأن الفعل لها.
الآية : 95
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {قُل لَوْ كَانَ فِي الأرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنّينَ لَنَزّلْنَا عَلَيْهِم مّنَ السّمَآءِ مَلَكاً رّسُولاً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه: قل يا مـحمد لهؤلاء الذين أبوا الإيـمان بك وتصديقك فـيـما جئتهم به من عندي، استنكارا لأن يبعث الله رسولاً من البشر: لو كان أيها الناس فـي الأرض ملائكة يـمشون مطمئنـين، لَنَزّلْنَا علـيهم من السماء ملَكا رسولاً، لأن الـملائكة إنـما تراهم أمثالهم من الـملائكة، ومن خصّه الله من بنـي آدم برؤيتها، فأما غيرهم فلا يقدرون علـى رؤيتها فكيف يبعث إلـيهم من الـملائكة الرسل، وهم لا يقدرون علـى رؤيتهم وهم بهيئاتهم التـي خـلقهم الله بها، وإنـما يرسل إلـى البشر الرسول منهم، كما لو كان فـي الأرض ملائكة يـمشون مطمئنـين، ثم أرسلنا إلـيهم رسولاً أرسلناه منهم ملَكا مثلهم.
الآية : 96
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {قُلْ كَفَىَ بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه: قل يا مـحمد للقائلـين لك: أبَعَثَ اللّهُ بَشَرا رَسُولا كَفَـى بـاللّهِ شَهِيدا بَـيْنِـي وَبَـيْنِكُمْ فإنه نعم الكافـي والـحاكم إنّهُ كانَ بِعِبـادِهِ خَبِـيرا يقول: إن الله بعبـاده ذو خبرة وعلـم بأمورهم وأفعالهم، والـمـحقّ منهم والـمُبطل، والـمهْديّ والضالّ بَصِيرا بتدبـيرهم وسياستهم وتصريفهم فـيـما شاء، وكيف شاء وأحبّ، لا يخفـى علـيه شيء من أمورهم، وهو مـجازٍ جميعَهم بـما قدّم عند ورودهم علـيه
292
290
الآية : 87
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِلاّ رَحْمَةً مّن رّبّكَ إِنّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً }.
يقول عزّ وجلّ: ولئنْ شِئْنا لنذهبنّ يا مـحمد بـالّذِي أوْحيْنَا إلـيْكَ ولكنه لا يشاء ذلك، رحمة من ربك وتفضلاً منه علـيك إنّ فضْلهُ كانَ علـيكَ كبـيرا بـاصطفـائه إياك لرسالته، وإنزاله علـيك كتابه، وسائر نعمه علـيك التـي لا تـحصى.
الآية : 88
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُل لّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَىَ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً }.
يقول جل ثناؤه: قل يا مـحمد للذين قالوا لك: أنا نأتـي بـمثل هذا القرآن: لئن اجتـمعت الإنس والـجنّ علـى أن يأتوا بـمثله، لا يأتون أبدا بـمثله، ولو كان بعضهم لبعض عونا وظهرا. وذُكِر أن هذه الاَية نزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب قوم من الـيهود جادلوه فـي القرآن، وسألوه أن يأتـيهم بآية غيره شاهدة له علـى نبّوته، لأن مثل هذا القرآن بهم قدرة علـى أن يأتوا به. ذكر الرواية بذلك:
17123ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، قال: حدثنا مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، قال: ثنـي سعيد بن جبـير أو عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: أتـى رسول الله صلى الله عليه وسلم مـحمود بن سيحان وعمر بن أصان وبحري بن عمرو، وعزيز بن أبـي عزيز، وسلام بن مِشْكم، فقالوا: أخبرنا يا مـحمد بهذا الذي جئنا به حقّ من عند الله عزّ وجلّ، فإنا لا نراه متناسقا كما تناسق التوراة، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما وَاللّهِ أنّكُمْ لَتَعْرِفُونَ أنّهُ مِنْ عِنْدَ اللّهِ تَـجِدُونَهُ مَكْتُوبـا عِنْدَكُمْ، وَلَوِ اجْتَـمَعَتِ الإنْسُ والـجِنّ عَلـى أنْ يَأْتُوا بِـمِثْلِهِ ما جاءُوا بِهِ» فقال عند ذلك، وهم جميعا: فِنْـحاص، وعبد الله بن صُورِيا، وكِنانة بن أبـي الـحُقـيق، وأَشِيع، وكعب بن أسد، وسموءَل بن زيد، وجبل بن عمرو: يا مـحمد ما يعلّـمك هذا إنس ولا جان؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما وَاللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَـمُونَ أنّهُ مِنْ عِنْدَ اللّهِ تَـجِدُونَهُ مَكْتُوبـا عِنْدَكمْ فِـي التّوْرَاةِ والإنـجِيـلِ»، فقالوا: يا مـحمد، إن الله يصنع لرسوله إذا بعثه ما شاء، ويقدر منه علـى ما أراد، فأنزل علـينا كتابـا نقرؤه ونعرفه، وإلاّ جئناك بـمثل ما يأتـي به، فأنزل الله عزّ وجلّ فـيهم وفـيـما قالوا: قُلْ لَئِنِ اجْتَـمَعَتِ الإنْسُ والـجِنّ عَلـى أنْ يَأْتُوا بِـمِثْلِ هَذَا القُرآنِ لا يَأْتُونَ بِـمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا.
17124ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله لَئِنِ اجْتَـمَعَتِ الإنْسُ والـجِنّ... إلـى قوله وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا قال: معينا، قال: يقول: لو برزت الـجنّ وأعانهم الإنس، فتظاهروا لـم يأتوا بـمثل هذا القرآن. وقوله عزّ وجلّ لا يَأْتُونَ بِـمِثْلهِ رفع، وهو جواب لقوله «لئن»، لأن العرب إذا أجابت لئن بلا رفعوا ما بعدها، لأن «لئن» كالـيـمين وجواب الـيـمين بلا مرفوع، وربـما جزم لأن التـي يجاب بها زيدت علـيه لام، كما قال الأعشى:
لَئِنْ مُنِـيتَ بِنا عَنْ غِبّ مَعْرَكةٍ لا تُلْفنا عَنْ دِماءِ القَوْمِ نَنْتَفِلُ
الآية : 89
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ صَرّفْنَا لِلنّاسِ فِي هَـَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلّ مَثَلٍ فَأَبَىَ أَكْثَرُ النّاسِ إِلاّ كُفُوراً }.
يقول ذكره: ولقد بـيّنا للناس فـي هذا القرآن من كلّ مثل، احتـجاجا بذلك كله علـيهم، وتذكيرا لهم، وتنبـيها علـى الـحقّ لـيتبعوه ويعملوا به فَأبى أكْثَرُ النّاسِ إلاّ كُفُورا يقول: فأبى أكثر الناس إلاّ جحودا للـحقّ، وإنكارا لـحجج الله وأدلته.
الآية : 90
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالُواْ لَن نّؤْمِنَ لَكَ حَتّىَ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعاً }.
يقول ذكره: وقال يا مـحمد، الـمشركون بـالله من قومك لك: لن نصدّقك، حتـى تفجّر لنا من أرضنا هذه عينا تنبع لنا بـالـماء.
وقوله يَنْبُوعا يفعول من قول القائل: نبع الـماء: إذا ظهر وفـار، ينْبُع ويَنْبَع، وهو ما نبع. كما:
17125ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله حتـى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعا: أي حتـى تفْجُر لنا من الأرض عيونا: أي ببلدنا هذا.
حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله حتـى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعا قال: عيونا.
حدثنا مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.
17126ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد يَنْبُوعا قال: عيونا.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله تَفْجُرَ فروي عن إبراهيـم النـخعيّ أنه قرأ حتـى تَفْجُرَ لَنا خفـيفة وقوله فَتُفَجّرَ الأنهَارَ خِلاَلَها تَفْجِيرا بـالتشديد، وكذلك كانت قراء الكوفـيـين يقرءونها، فكأنهم ذهبوا بتـخفـيفهم الأولـى إلـى معنى: حتـى تفجر لنا من الأرض ماء مرّة واحدة. وبتشديدهم الثانـية إلـى أنها تفجر فـي أماكن شتـى، مرّة بعد أخرى، إذا كان ذلك تفجر أنهار لا نهر واحد والتـخفـيف فـي الأولـى والتشديد فـي الثانـية علـى ما ذكرت من قراءة الكوفـيـين أعجب إلـيّ لـما ذكرت من افتراق معنـيـيهما، وإن لـم تكن الأولـى مدفوعة صحتها.
الآية : 91
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنّةٌ مّن نّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجّرَ الأنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً }.
يقول ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وقال لك يا مـحمد مشركو قومك: لن نصدّقك حتـى تستنبط لنا عينا من أرضنا، تَدفّق بـالـماء أو تفور، أو يكون لك بستان، وهو الـجنة، من نـخيـل وعنب، فتفجّر الأنهار خلالها تفجيرا بأرضنا هذه التـي نـحن بها خلالها، يعنـي: خلال النـخيـل والكروم ويعنـي بقوله: خِلالها تَفجِيرا بـينها فـي أصولها تفجيرا بسبب أبنـيتها.
الآية : 92
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوْ تُسْقِطَ السّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً }.
اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: كِسَفـا فقرأته عامّة قرّاء الكوفة والبصرة بسكون السين، بـمعنى: أو تسقط السماء كما زعمت علـينا كِسفـا، وذلك أن الكِسْف فـي كلام العرب: جمع كِسْفة، وهو جمع الكثـير من العدد للـجنس، كما تـجمع السّدْرة بسِدْر، والتـمرة بتـمر، فحُكي عن العرب سماعا: أعطنـي كِسْفة من هذا الثوب: أي قطعة منه، يقال منه: جاءنا بثريد كِسْف: أي قطع خبز. وقد يحتـمل إذا قرىء كذلك «كِسْفـا» بسكون السين أن يكون مرادا به الـمصدر من كسف. فأما الكِسَفُ بفتـح السين، فإنه جمع ما بـين الثلاث إلـى العشر، يقال: كِسَفة واحدة، وثلاث كِسَف، وكذلك إلـى العشر. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة وبعض الكوفـيـين كِسَفـا بفتـح السين بـمعنى: جمع الكِسْفة الواحدة من الثلاث إلـى العشر، يعنـي بذلك قِطَعا: ما بـين الثلاث إلـى العشر.
وأولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب عندي قراءة من قرأه بسكون السين، لأن الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، لـم يقصدوا فـي مسألتهم إياه ذلك أن يكون بحدّ معلوم من القطع، إنـما سألوا أن يُسقط علـيهم من السماء قِطَعا، وبذلك جاء التأويـل أيضا عن أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
17127ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله كِسْفـا قال: السماء جميعا.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
17128ـ قال ابن جريج: قال عبد الله بن كثـير، عن مـجاهد، قوله كمَا زَعَمْتَ عَلَـيْنا كِسَفـا قال: مرّة واحدة، والتـي فـي الروم ويَجْعَلُهُ كِسَفـا قال: قطعا، قال ابن جريج: كسفـا لقول الله: إنْ نَشَأْ نَـخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ أوْ نُسْقِطْ عَلَـيْهِمْ كِسَفـا مِنَ السّماءِ.
17129ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أوْ تُسْقِطَ السّماءَ كمَا زَعَمْتَ عَلَـيْنا كِسَفـا قال: أي قطعا.
17130ـ حدثنا علـيّ، قال: حدثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: كِسَفـا يقول: قطعا.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة كِسَفـا قال: قطعا.
حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله أوْ تُسْقِطَ السّماءَ كمَا زَعَمْتَ عَلَـيْنا كِسَفـا يعنـي قِطَعا.
القول فـي تأويـل قوله: أوْ تَأْتِـيَ بـاللّهِ وَالـمَلائِكَةِ قَبِـيلاً: يقول تعالـى ذكره عن قـيـل الـمشركين لنبـيّ الله صلى الله عليه وسلم: أو يأتـي بـالله يا مـحمد والـملائكة قبـيلاً.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى القبـيـل فـي هذا الـموضع، فقال بعضهم: معناه: حتـى يأتـي الله والـملائكة كلّ قبـيـلة منا قبـيـلة قبـيـلة، فـيعاينونهم. ذكر من قال ذلك:
17131ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَالـمَلائِكَةِ قَبِـيلاً قال: علـى حدتنا، كلّ قبـيـلة.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله أوْ تَأْتِـي بـاللّهِ وَالـمَلائِكَةِ قَبِـيلاً قال: قبـائل علـى حدتها كلّ قبـيـلة.
وقال آخرون: معنى ذلك: أوْ تأتـي بـالله والـملائكة عيانا نقابلهم مقابلة، فنعاينهم معاينة. ذكر من قال ذلك:
17132ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أوْ تَأْتـيَ بـاللّهِ وَالـمَلائِكَةِ قَبِـيلاً نعاينهم معاينة.
17133ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج أوْ تَأْتـيَ بـاللّهِ وَالـمَلائِكَةِ قَبِـيلاً فنعاينهم.
ووجّهه بعض أهل العربـية إلـى أنه بـمعنى الكفـيـل من قولهم: هو قَبـيـلُ فلان بـما لفلان علـيه وزعيـمه.
وأشبه الأقوال فـي ذلك بـالصواب، القول الذي قاله قتادة من أنه بـمعنى الـمعاينة، من قولهم: قابلت فلانا مقابلة، وفلان قبـيـل فلان، بـمعنى قبـالته، كما قال الشاعر:
نُصَالِـحُكُمْ حتـى تَبُوءُوا بِـمِثْلِهاكصَرْخَةِ حُبْلَـى يَسّرَتْها قَبِـيـلُها
يعنـي قابِلَتها. وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: إذا وصفوا بتقدير فعيـل من قولهم قابلت ونـحوها، جعلوا لفظ صفة الاثنـين والـجميع من الـمؤنث والـمذكر علـى لفظ واحد، نـحو قولهم: هذه قبـيـلـي، وهما قبـيـلـي، وهم قبـيـلـي، وهن قبـيـلـي.
الآية : 93
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىَ فِي السّمَآءِ وَلَن نّؤْمِنَ لِرُقِيّكَ حَتّى تُنَزّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبّي هَلْ كُنتُ إَلاّ بَشَراً رّسُولاً }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن الـمشركين الذين ذكرنا أمرهم فـي هذه الاَيات: أو يكون لك يا مـحمد بـيت من ذهب وهو الزخرف. كما:
17134ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس أوْ يَكُونَ لَكَ بَـيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ يقول: بـيت من ذهب.
17135ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله مِنْ زُخْرُفٍ قال: من ذهب.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
17136ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أوْ يَكُونَ لَكَ بَـيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ والزخرف هنا: الذهب.
حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله أوْ يَكُونَ لَكَ بَـيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ قال: من ذهب.
17137ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن رجل، عن الـحكم قال: قال مـجاهد: كنا لا ندري ما الزخرف حتـى رأيناه فـي قراءة ابن مسعود: «أوْ يَكُونَ لَكَ بَـيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ».
حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد، قال: لـم أدر ما الزخرف، حتـى سمعنا فـي قراءة عبد الله بن مسعود: «بَـيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ».
وقوله أوْ تَرْقـى فِـي السّماءِ يعنـي: أو تصعد فـي درج إلـى السماء وإنـما قـيـل فـي السماء، وإنـما يرقـى إلـيها لا فـيها، لأن القوم قالوا: أو ترقـى فـي سلـم إلـى السماء، فأدخـلت «فـي» فـي الكلام لـيدلّ علـى معنى الكلام، يقال: رَقِـيت فـي السلـم، فأنا أرقَـى رَقـيا ورِقِـيا ورُقـيا، كما قال الشاعر:
أنتَ الّذِي كَلّفتَنِـي رَقْـيَ الدّرْجعَلـى الكلالِ والـمَشِيبِ والعَرْجِ
وقوله: وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِـيّكَ يقول: ولن نصدّقك من أجل رُقِـيك إلـى السماء حتـى تُنَزّلَ عَلَـيْنا كِتابـا منشورا نَقْرَؤُهُ فـيه أمرنا بـاتبـاعك والإيـمان بك، كما:
17138ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله كِتابـا نَقْرَؤُهُ قال: من ربّ العالـمين إلـى فلان، عند كلّ رجل صحيفة تصبح عند رأسه يقرؤها.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد بنـحوه، إلاّ أنه قال: كتابـا نقرؤه من ربّ العالـمين، وقال أيضا: تصبح عند رأسه موضوعة يقرؤها.
17139ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله حتـى تُنَزّلَ عَلَـيْنا كِتابـا نَقْرَؤُهُ: أي كتابـا خاصا نؤمر فـيه بـاتبـاعك.
وقوله: قُلْ سُبْحانَ رَبّـي يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين من قومك، القائلـين لك هذه الأقوال، تنزيها لله عما يصفونه به، وتعظيـما له من أن يؤتـى به وملائكته، أو يكون لـي سبـيـل إلـى شيء مـما تسألونـيه: هَلْ كُنْتُ إلاّ بَشَرا رَسُولاً يقول: هل أنا إلاّ عبد من عبـيده من بنـي آدم، فكيف أقدر أن أفعل ما سألتـمونـي من هذه الأمور، وإنـما يقدر علـيها خالقـي وخالقكم، وإنـما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به إلـيكم، والذي سألتـمونـي أن أفعله بـيد الله الذي أنا وأنتـم عبـيد له، لا يقدر علـى ذلك غيره.
وهذا الكلام الذي أخبر الله أنه كلّـم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فـيـما ذكر كان من ملإ من قريش اجتـمعوا لـمناظرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومُـحاجّته، فكلّـموه بـما أخبر الله عنهم فـي هذه الاَيات.
ذكر تسمية الذين ناظروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك منهم
والسبب الذي من أجله ناظروه به
17140ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي شيخ من أهل مصر، قدم منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، أن عتبة وشيبة ابنـي ربـيعة وأبـا سفـيان بن حرب ورجلاً من بنـي عبد الدار وأبـا البختري أخا بنـي أسد، والأسود بن الـمطلب، وزمعة بن الأسود، والولـيد بن الـمغيرة، وأبـا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبـي أمية، وأميّة بن خـلف، والعاص بن وائل، ونُبَـيها ومُنَبها ابنـي الـحجاج السّهميـين اجتـمعوا، أو من اجتـمع منهم، بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلـى مـحمد فكلّـموه وخاصموه حتـى تُعْذِروا فـيه، فبعثوا إلـيه: إن أشراف قومك قد اجتـمعوا إلـيك لـيكلـموك، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا، وهو يظنّ أنه بدا لهم فـي أمره بَدَاء، وكان علـيهم حريصا، يحبّ رشدهم ويعزّ علـيه عَنَتهم، حتـى جلس إلـيهم، فقالوا: يا مـحمد إنا قد بعثنا إلـيك لنُعْذِر فـيك، وإنا والله ما نعلـم رجلاً من العرب أدخـل علـى قومه ما أدخـلت علـى قومك لقد شتـمت الاَبـاء، وعِبْت الدين، وسفّهت الأحلام، وشتـمت الاَلهة، وفرّقت الـجماعة، فما بقـي أمر قبـيح إلاّ وقد جئته فـيـما بـيننا وبـينك، فإن كنت إنـما جئت بهذا الـحديث تطلب مالاً، جمعنا لك من أموالنا حتـى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنـما تطلب الشرف فـينا سوّدناك علـينا، وإن كنت تريد به مُلكا ملكناك علـينا، وإن كان هذا الذي يأتـيك بـما يأتـيك به رَئِيا تراه قد غلب علـيك وكانوا يسمون التابع من الـجنّ: الرئيّ فربـما كان ذلك، بذلنا أموالنا فـي طلب الطبّ لك حتـى نبرئك منه، أو نُعذِرَ فـيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بِـي ما تَقُولُونَ، ما جِئتُكُمْ بِـمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أطلُبُ أمْوَالَكُمْ، وَلا الشّرَفَ فِـيكُمْ وَلا الـمُلْكَ عَلَـيْكُمْ، وَلَكِنّ اللّهَ بَعَثَنِـي إلَـيْكُمْ رَسُولاً، وأنْزَلَ عَلـيّ كِتابـا، وأمَرَنِـي أنْ أكُونَ لَكُمْ بَشِيرا وَنَذِيرا، فَبَلّغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبّـي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فإنْ تَقْبَلُوا مِنّـي ما جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظّكُمْ فِـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ، وإنْ تَرُدّوهُ عَلـيّ أصْبِرْ لأَمْرِ اللّهِ حتـى يَحْكُمَ اللّهُ بَـيْنـيِ وَبَـيْنَكُمْ» أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا مـحمد، فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا علـيك، فقد علـمت أنه لـيس أحد من الناس أضيق بلادا، ولا أقلّ مالاً، ولا أشدّ عيشا منا، فسل ربك الذي بعثك بـما بعثك به، فلـيسيّرْ عنا هذه الـجبـال التـي قد ضيقت علـينا، ويبسط لنا بلادنا، ولـيفجّر لنا فـيها أنهارا كأنهار الشام والعراق، ولـيبعث لنا من مضى من آبـائنا، ولـيكن فـيـمن يبعث لنا منهم قُصَيّ بن كلاب، فإنه كان شيخا صدوقا، فنسألهم عما تقول، حقّ هو أم بـاطل؟ فإن صنعت ما سألناك، وصدقوك صدقناك، وعرفنا به منزلتك عند الله، وأنه بعثك بـالـحقّ رسولاً، كما تقول. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بِهذَا بُعِثْتُ، إنّـمَا جِئْتُكُمْ مِنَ اللّهِ بِـمَا بَعَثَنِـي بِهِ، فَقَدْ بَلّغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إلـيكم، فإنْ تَقْبَلُوهُ فَهُوَ حَظّكُمْ فِـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ، وإنْ تَرُدّوهُ عَلـيّ أصْبِرْ لأمْرِ اللّهِ حتـى يَحْكُمَ اللّهُ بَـيْنِـي وَبَـيْنَكُمْ» قالوا: فإن لـم تفعل لنا هذا، فخذ لنفسك، فسل ربك أن يبعث ملكا يصدّقك بـما تقول، ويراجعنا عنك، واسأله فلـيجعل لك جنانا وكنوزا وقصورا من ذهب وفضة، ويغنـيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بـالأسواق، وتلتـمس الـمعاش كما نلتـمسه، حتـى نعرف فضل منزلتك من ربك إن كنت رسولاً كما تزعم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنا بِفـاعِلٍ، ما أنا بـالّذِي يَسألُ رَبّهُ هذَا، وَما بُعِثْتُ إلَـيْكُمْ بِهذَا، وَلَكِنّ اللّهَ بَعَثَنِـي بَشِيرا وَنَذِيرا، فإنْ تَقْبَلُوا ما جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظّكُمْ فِـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ، وَإنْ تَرُدّوهُ عَلـيّ أصْبِرْ لأَمْرِ اللّهِ حتـى يَحْكُمَ اللّهُ بَـيْنِـي وبَـيْنَكُمْ» قالوا: فأسقط السماء علـينا كِسَفـا، كما زعمت أن ربك إن شاء فعل، فإنا لا نؤمن لك إلاّ أن تفعل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلكَ إلـى الله إنْ شاءَ فَعَلَ بِكُمْ ذلكَ»، فقالوا: يا مـحمد، فما علـم ربك أنا سنـجلس معك، ونسألك عما سألناك عنه، ونطلب منك ما نطلب، فـيتقدّم إلـيك، ويعلـمك ما تراجعنا به، ويخبرك ما هو صانع فـي ذلك بنا إذ لـم نقبل منك ما جئتنا به، فقد بلغنا أنه إنـما يعلّـمك هذا رجل بـالـيـمامة يقال له الرحمن، وإنا والله ما نؤمن بـالرحمن أبدا، أعذرنا إلـيك يا مـحمد، أما والله لا نتركك وما بلغت منا حتـى نهلكك أو تهلكنا، وقال قائلهم: نـحن نعبد الـملائكة، وهنّ بنات الله، وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتـى تأتـينا بـالله والـملائكة قبـيلاً. فلـما قالوا ذلك، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وقام معه عبد الله بن أبـي أميّة بن الـمُغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وهو ابن عمته هو لعاتكة بنت عبد الـمطلب، فقال له: يا مـحمد عرض علـيك قومك ما عرضوا فلـم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أمورا، لـيعرفوا منزلتك من الله فَلـم تفعل ذلك، ثم سألوك أن تعجل ما تـخوّفهم به من العذاب، فوالله لا أومن لك أبدا، حتـى تتـخذ إلـى السماء سلـما ترقـى فـيه، وأنا أنظر حتـى تأتـيها، وتأتـي معك بنسخة منشورة معك أربعة من الـملائكة يشهدون لك أنك كما تقول، وايـم الله لو فعلت ذلك لظننتُ ألاّ أصدّقك، ثم انصرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى أهله حزينا أسيفـا لـما فـاته مـما كان يطمع فـيه من قومه حين دعوه، ولِـمَا رأى من مبـاعدتهم إياه فلـما قام عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو جهل: يا معشر قريش، إن مـحمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتـم آبـائنا، وتسفـيه أحلامنا، وسبّ آلهتنا، وإنـي أعاهد الله لأجلسنّ له غدا بحجر قدر ما أطيق حَمْله، فإذا سجد فـي صلاته فضخت رأسه به.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنا ابن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبـير أو عكرمة مولـى ابن عبـاس، عن ابن عبـاس، بنـحوه، إلاّ أنه قال: وأبـا سفـيان بن حرب، والنضر بن الـحرث أبناء بنـي عبد الدار، وأبـا البختريّ بن هشام.
17141ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن سعيد، قال: قلت له فـي قوله تعالـى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حتـى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعا قال: قلت له: نزلت فـي عبد الله بن أبـي أمية، قال: قد زعموا ذلك.
الآية : 94
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَمَا مَنَعَ النّاسَ أَن يُؤْمِنُوَاْ إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَىَ إِلاّ أَن قَالُوَاْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رّسُولاً }.
يقول تعالـى ذكره: وما منع يا مـحمد مشركي قومك الإيـمان بـالله، وبـما جئتهم به من الـحقّ إذْ جاءَهُمُ الهُدَى يقول: إذ جاءهم البـيان من عند الله بحقـيقة ما تدعوهم وصحة ما جئتهم به، إلاّ قولهم جهلاً منهم أبَعَثَ اللّهُ بَشَرا رَسُولاً فأن الأولـى فـي موضع نصب بوقوع منع علـيها، والثانـية فـي موضع رفع، لأن الفعل لها.
الآية : 95
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {قُل لَوْ كَانَ فِي الأرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنّينَ لَنَزّلْنَا عَلَيْهِم مّنَ السّمَآءِ مَلَكاً رّسُولاً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه: قل يا مـحمد لهؤلاء الذين أبوا الإيـمان بك وتصديقك فـيـما جئتهم به من عندي، استنكارا لأن يبعث الله رسولاً من البشر: لو كان أيها الناس فـي الأرض ملائكة يـمشون مطمئنـين، لَنَزّلْنَا علـيهم من السماء ملَكا رسولاً، لأن الـملائكة إنـما تراهم أمثالهم من الـملائكة، ومن خصّه الله من بنـي آدم برؤيتها، فأما غيرهم فلا يقدرون علـى رؤيتها فكيف يبعث إلـيهم من الـملائكة الرسل، وهم لا يقدرون علـى رؤيتهم وهم بهيئاتهم التـي خـلقهم الله بها، وإنـما يرسل إلـى البشر الرسول منهم، كما لو كان فـي الأرض ملائكة يـمشون مطمئنـين، ثم أرسلنا إلـيهم رسولاً أرسلناه منهم ملَكا مثلهم.
الآية : 96
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {قُلْ كَفَىَ بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه: قل يا مـحمد للقائلـين لك: أبَعَثَ اللّهُ بَشَرا رَسُولا كَفَـى بـاللّهِ شَهِيدا بَـيْنِـي وَبَـيْنِكُمْ فإنه نعم الكافـي والـحاكم إنّهُ كانَ بِعِبـادِهِ خَبِـيرا يقول: إن الله بعبـاده ذو خبرة وعلـم بأمورهم وأفعالهم، والـمـحقّ منهم والـمُبطل، والـمهْديّ والضالّ بَصِيرا بتدبـيرهم وسياستهم وتصريفهم فـيـما شاء، وكيف شاء وأحبّ، لا يخفـى علـيه شيء من أمورهم، وهو مـجازٍ جميعَهم بـما قدّم عند ورودهم علـيه
الصفحة رقم 291 من المصحف تحميل و استماع mp3