تفسير الطبري تفسير الصفحة 299 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 299
300
298
 الآية : 46
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً }.
يقول تعالـى ذكره: الـمال والبنون أيها الناس التـي يفخر بها عيـينة والأقرع, ويتكبران بها علـى سلـمان وخبـاب وصهيب, مـما يتزين به فـي الـحياة الدنـيا, ولـيسا من عداد الاَخرة والبـاقـياتُ الصّالِـحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبّكَ ثَوَابـا يقول: وما يعمل سلـمان وخبـاب وصهيب من طاعة الله, ودعائهم ربهم بـالغداة والعشيّ يريدون وجهه, البـاقـي لهم من الأعمال الصالـحة بعد فناء الـحياة الدنـيا, خير يا مـحمد عند ربك ثوابـا من الـمال والبنـين التـي يفتـخر هؤلاء الـمشركون بها, التـي تفنى, فلا تبقـى لأهلها وخَيْرٌ أمَلاً يقول: وما يؤمل من ذلك سلـمان وصهيب وخبـاب, خير مـما يؤمل عيـينة والأقرع من أموالهما وأولادهما. وهذه الاَيات من لدن قوله: وَاتْلُ ما أُوحيَ إلَـيْكَ مِنْ كِتابِ رَبّكَ إلـى هذا الـموضع, ذُكر أنها نزلت فـي عيـينة والأقرع. ذكر من قال ذلك:
17406ـ حدثنا الـحسين بن عمرو العنقزي, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا أسبـاط بن نصر, عن السديّ, عن أبـي سعيد الأزدي, وكان قارىء الأزد, عن أبـي الكنود, عن خبـاب فـي قوله: وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بـالغَدَاةِ والعَشيّ ثم ذكر القصة التـي ذكرناها فـي سورة الأنعام فـي قصة عيـينة والأقرع, إلـى قوله: وَلا تُطِعْ مَنْ أغْفَلْنا قَلْبَه عَنْ ذِكْرِنا قال: عيـينة والأقرع وَاتّبعَ هَوَاهُ قال: قال: ثم قال ضرب لهم مثلاً رجلـين, ومثل الـحياة الدنـيا.
واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بـالبـاقـيات الصالـحات, اختلافهم فـي الـمعنىّ بـالدعاء الذي وصف جلّ ثناؤه به الذين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن طردهم, وأمره بـالصبر معهم, فقال بعضهم: هي الصلوات الـخمس. وقال بعضهم: هي ذكر الله بـالتسبـيح والتقديس والتهلـيـل, ونـحو ذلك. وقال بعضهم: هي العمل بطاعة الله. وقال بعضهم: الكلام الطيب. ذكر من قال: هي الصلوات الـخمس:
17407ـ حدثنـي مـحمد بن إبراهيـم الأنـماطي, قال: حدثنا يعقوب بن كاسب, قال: حدثنا عبد الله بن عبد الله الأموي قال: سمعت عبد الله بن يزيد بن هرمز, يحدّث عن عبـيد الله بن عتبة, عن ابن عبـاس أنه قال: البـاقـيات الصالـحات: الصلوات الـخمس.
17408ـ حدثنـي زريق بن إسحاق, قال: حدثنا قبـيصة, عن سفـيان, عن عبد الله بن مسلـم, عن سعيد بن جبـير, فـي قوله: وَالبـاقِـياتُ الصّالِـحاتُ قال: الصلوات الـخمس.
17409ـ حدثنـي يحيى بن إبراهيـم الـمسعودي, قال: حدثنا أبـي, عن أبـيه, عن جدّه, عن الأعمش, عن أبـي إسحاق عن عمرو بن شُرَحبـيـل فـي هذه الاَية والبـاقـياتُ الصّالِـحاتُ قال: هي الصلوات الـمكتوبـات.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن عبد الله بن مسلـم, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: البـاقـيات الصالـحات: الصلوات الـخمس.
17410ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان عن الـحسن بن عبد الله, عن إبراهيـم, قال البـاقِـياتُ الصّالِـحاتُ الصلوات الـخمس.
17411ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن أبـي إسحاق, عن أبـي ميسرة والبـاقِـياتُ الصّالِـحاتُ قال: الصلوات الـخمس. ذكر من قال: هنّ ذكر الله بـالتسبـيح والتـحميد ونـحو ذلك:
17412ـ حدثنا ابن حميد وعبد الله بن أبـي زياد ومـحمد بن عمارة الأسدي, قالوا: حدثنا عبد الله بن يزيد, قال: أخبرنا حيوة, قال: أخبرنا أبو عقـيـل زهرة بن معبد القرشي من بنـي تـيـم من رهط أبـي بكر الصدّيق, أنه سمع الـحرث مولـى عثمان بن عفـان, يقول: قـيـل لعثمان: ما البـاقـيات الصالـحات؟ قال: هنّ لا إله إلا الله, وسبحان الله, والـحمد لله, والله أكبر, ولا حول ولا قوّة إلا بـالله.
حدثنـي سعيد بن عبد الله بن عبد الـحكم, قال: حدثنا أبو زرعة, قال: حدثنا حيوة, قال: حدثنا أبو عقـيـل زهرة بن معبد, أنه سمع الـحرث مولـى عثمان بن عفـان يقول: قـيـل لعثمان بن عفـان: ما البـاقـيات الصالـحات؟ قال: هي لا إله إلا الله, وسبحان الله وبحمده, والله أكبر, والـحمد لله, ولا حول ولا قوّة إلا بـالله.
حدثنـي ابن عبد الرحيـم البرّقـي, قال: حدثنا ابن أبـي مريـم, قال: حدثنا نافع بن يزيد ورشدين بن سعد, قالا: حدثنا زهرة بن معبد, قال: سمعت الـحارث مولـى عثمان بن عفـان يقول: قالوا لعثمان: ما البـاقـيات الصالـحات؟ فذكر مثله.
17413ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن عبد الله بن مسلـم بن هرمز, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَالبـاقِـياتُ الصّالِـحاتُ قال: سبحان الله, والـحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت عبد الـملك, عن عطاء, عن ابن عبـاس, فـي قوله وَالبـاقِـياتُ الصّالِـحاتُ قال: سبحان الله, والـحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا طلق بن غنام, عن زائدة, عن عبد الـملك, عن عطاء, عن ابن عبـاس, مثله.
17414ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا مالك, عن عمارة بن عبد الله بن صياد, عن سعيد بن الـمسيب, قال: البـاقِـياتُ الصّالِـحاتُ: سبحان الله, والـحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر, ولا حول ولا قوّة إلا بـالله.
17415ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قال: أخبرنـي عبد الله بن عثمان بن خُثَـيـم, عن نافع بن سرجس, أنه أخبره أنه سأل ابن عمر عن البـاقـيات الصالـحات, قال: لا إله إلا الله, والله أكبر, وسبحان الله, ولا حول ولا قوّة إلا بـالله. قال ابن جريج, وقال عطاء بن أبـي رَبـاح مثل ذلك.
17416ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن مـجاهد, قال: البـاقـيات الصالـحات: سبحان الله, والـحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور, عن مـجاهد, بنـحوه.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مـجاهد, فـي قوله والبـاقـياتُ الصّالِـحاتُ قال: سبحان الله, والـحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر.
17417ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي أبو صخر: أن عبد الله بن عبد الرحمن, مولـى سالـم بن عبد الله, حدثه قال: أرسلنـي سالـم بن مـحمد بن كعب القُرَظي, فقال: قل له الْقَنِـي عند زاوية القبر, فإن لـي إلـيك حاجة, قال: فـالتقـيا, فسلـم أحدهما علـى الاَخر, ثم قال سالـم: ما تعدّ البـاقـيات الصالـحات؟ فقال: لا إله إلا الله, والـحمد لله, وسبحان الله, والله أكبر, ولا حول ولا قوّة إلا بـالله, فقال له سالـم: متـى جعلت فـيها لا حول ولا قوّة إلا بـالله؟ فقال: ما زلت أجعلها, قال: فراجعه مرّتـين أو ثلاثا فلـم ينزع. قال: فأثبت, قال سالـم: أجل, فأثبت فإن أبـا أيوبَ الأنصاري حدثنـي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «عُرِجَ بِـي إلـى السّماءِ فَأُرِيتُ إبْرَاهِيـمَ, فقال: يا جِبْرِيـلُ مَنْ هَذَا مَعَك؟ فقالَ: مُـحَمّد, فَرَحّبَ بِـي وَسَهّلَ, ثُمّ قالَ: مُرْ أمّتَكَ فَلْتُكْثِرْ مِنْ غِرَاسِ الـجَنّةِ, فإنّ تُرْبَتَها طَيّبَةٌ, وأرْضُها وَاسِعَةٌ, فَقُلْتُ: وَما غِرَاسُ الـجَنّةِ؟ قالَ: لا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إلاّ بـاللّهِ».
17418ـ وجدت فـي كتابـي عن الـحسن بن الصّبـاح البَرّار, عن أبـي نصر التـمار, عن عبد العزيز بن مسلـم, عن مـحمد بن عجلان, عن سعيد الـمَقْبُري, عن أبـيه, عن أبـي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سُبْحَانَ اللّهِ, والـحَمْدُ لِلّهِ, وَلا إلهَ إلاّ اللّهُ, وَاللّهُ أكْبَرُ مِنَ البـاقِـياتِ الصّالِـحاتِ».
17419ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الـحسن وقتادة, فـي قوله: والبـاقِـياتُ الصّالِـحاتُ خَيْرٌ قال: لا إله إلا الله, والله أكبر, والـحمد لله, وسبحان الله, هنّ البـاقـيات الصالـحات.
17420ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا عمرو بن الـحارث, أن دراجا أبـا السمـح حدثه عن أبـي الهيثم, عن أبـي سعيد الـخُدريّ, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اسْتَكْثَرُوا مِنَ البـاقِـياتِ الصّالِـحاتِ», قـيـلَ: وما هي يا رسول الله؟ قال: «الـمِلّة», قـيـل: وما هي يا رسول الله؟ قال: «التّكْبِـيرُ والتّهْلِـيـلُ والتسبِـيحُ, والـحَمْدُ, ولا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إلاّ بـاللّهِ».
حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي مالك, عن عمارة بن صياد, أنه سمع سعيد بن الـمسيب يقول فـي البـاقـيات الصالـحات: إنها قول العبد: الله أكبر, وسبحان الله, والـحمد لله, ولا حول ولا قوّة إلا بـالله.
حدثنـي ابن البَرْقـي, قال: حدثنا ابن أبـي مريـم, قال: أخبرنا يحيى بن أيوب, قال: ثنـي ابن عَجْلان, عن عمارة بن صياد, قال: سألنـي سعيد بن الـمسيب, عن البـاقـيات الصالـحات, فقلت: الصلاة والصيام, قال: لـم تصب فقلت: الزكاة والـحجّ, فقال:لـم تصب, ولكنهنّ الكلـمات الـخمس: لا إله إلا الله, والله أكبر, وسبحان الله, والـحمد لله, ولا حول ولا قوّة إلا بـالله. ذكر من قال: هي العمل بطاعة الله عزّ وجلّ:
17421ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الـخراسانـيّ, عن ابن عبـاس والبـاقِـياتُ الصّالـحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبّكَ ثَوَابـا وخَيْرٌ أمَلاً قال: الأعمال الصالـحة: سبحان الله, والـحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر.
حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: والبـاقِـياتُ الصّالـحاتُ قال: هي ذكر الله قول لا إله إلا الله, والله أكبر, وسبحان الله, والـحمد لله, وتبـارك الله, ولا حول ولا قوّة إلا بـالله, وأستغفر الله, وصلـى الله علـى رسول الله والصيام والصلاة والـحجّ والصدقة والعتق والـجهاد والصلة, وجميع أعمال الـحسنات, وهنّ البـاقـيات الصالـحات, التـي تبقـى لأهلها فـي الـجنة ما دامت السموات والأرض.
17422ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله والبـاقِـياتُ الصّالِـحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبّكَ ثَوَابـا وخَيْرٌ أمَلاً قال: الأعمال الصالـحة. ذكر من قال: هي الكلـم الطيب:
17423ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: والبـاقـياتُ الصّالِـحاتُ قال: الكلام الطيب.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب, قول من قال: هنّ جميع أعمال الـخير, كالذي رُوي عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, لأن ذلك كله من الصالـحات التـي تبقـى لصاحبها فـي الاَخرة, وعلـيها يجازي ويُثاب, وإن الله عزّ ذكره لـم يخصص من قوله والبـاقِـياتُ الصّالِـحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبّكَ ثَوَابـا بعضا دون بعض فـي كتاب, ولا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن ظنّ ظانّ أن ذلك مخصوص بـالـخبر الذي رويناه عن أبـي هريرة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فإن ذلك بخلاف ما ظن, وذلك أن الـخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنـما ورد بأن قول: سبحان الله, والـحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر, هنّ من البـاقـيات الصالـحات, ولـم يقل: هنّ جميع البـاقـيات الصالـحات, ولا كلّ البـاقـيات الصالـحات وجائز أن تكون هذه بـاقـيات صالـحات, وغيرها من أعمال البرّ أيضا بـاقـيات صالـحات.
الآية : 47 و 48
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَوْمَ نُسَيّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً * وَعُرِضُواْ عَلَىَ رَبّكَ صَفّاً لّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوّلَ مَرّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَن لّن نّجْعَلَ لَكُمْ مّوْعِداً }.
يقول تعالـى ذكره: وَيَوْمَ نُسَيّرُ الـجِبـالَ عن الأرض, فَنبسّها بَسّا, ونـجعلها هبـاء منبثا وَتَرَى الأرْضَ بـارِزَةً ظاهرة, وظهورها لرأي أعين الناظرين من غير شيء يسترها من جبل ولا شجر هو بروزها. وبنـحو ذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
17424ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى «ح» وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَتَرى الأرْضَ بـارِزَةً قال: لا خَمَر فـيها ولا غيابة ولا بناء, ولا حجر فـيها.
حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
17425ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَتَرى الأرْضَ بـارِزَةً لـيس علـيها بناء ولا شجر.
وقـيـل: معنى ذلك: وترى الأرض بـارزا أهلها الذين كانوا فـي بطنها, فصاروا علـى ظهرها. وقوله وَحَشْرناهُمْ يقول: جمعناهم إلـى موقـف الـحساب فَلَـمْ نُغادِرُ مِنْهُمْ أحَدا, يقول: فلـم نترك, ولـم نبق منهم تـحت الأرض أحدا, يقال منه: ما غادرت من القوم أحدا, وما أغدرت منهم أحدا, ومن أغدرت قول الراجز:
هَلْ لكِ والعارِضُ مِنْكِ عائِضُفِـي هَجْمَةٍ يُغْدِرُ مِنْها القابِضُ
وقوله: وَعُرِضُوا عَلـى رَبّكَ صَفّـا يقول عزّ ذكره: وعُرض الـخـلق علـى ربك يا مـحمد صفـا لَقَدْ جِئْتُـمُونا كمَا خَـلَقْناكُمْ أوّلَ مَرّةٍ يقول عزّ ذكره: يقال لهم إذ عُرضوا علـى الله: لقد جئتـمونا أيها الناس أحياء كهيئتكهم حين خـلقناكم أوّل مرّة وحذف يقال من الكلام لـمعرفة السامعين بأنه مراد فـي الكلام.
وقوله: بَلْ زَعَمْتُـمْ ألّنْ نَـجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدا وهذا الكلام خرج مخرج الـخبر عن خطاب الله به الـجميع, والـمراد منه الـخصوص, وذلك أنه قد يرد القـيامة خـلق من الأنبـياء والرسل, والـمؤمنـين بـالله ورسله وبـالبعث. ومعلوم أنه لا يُقال يومئذٍ لـمن وردها من أهل التصديق بوعد الله فـي الدنـيا, وأهل الـيقـين فـيها بقـيام الساعة, بل زعمتـم أن لن نـجعل لكم البعث بعد الـمـمات, والـحشر إلـى القـيامة موعدا, وأن ذلك إنـما يقال لـمن كان فـي الدنـيا مكذّبـا بـالبعث وقـيام الساعة.
الآية : 49
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَوَيْلَتَنَا مَا لِهَـَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبّكَ أَحَداً }.
يقول عزّ ذكره: ووضع الله يومئذٍ كتاب أعمال عبـاده فـي أيديهم, فأخذ واحد بـيـمينه وأخذ واحد بشماله فَتَرى الـمُـجْرِمينَ مُشْفقـينَ مِـمّا فِـيهِ يقول عزّ ذكره: فترى الـمـجرمين الـمشركين بـالله مشفقـين, يقول: خائفـين وجلـين مـما فـيه مكتوب من أعمالهم السيئة التـي عملوها فـي الدنـيا أن يؤاخذوا بها وَيَقُولُونَ يا وَيْـلَتَنا ما لَهَذَا الكِتابِ لا يُغادِرُ صَغيرَةً وَلا كَبِـيرةً إلاّ أحْصَاها يعنـي أنهم يقولون إذا قرأوا كتابهم, ورأوا ما قد كُتب علـيهم فـيه من صغائر ذنوبهم وكبـائرها, نادوا بـالويـل حين أيقنوا بعذاب الله, وضجوا مـما قد عرفوا من أفعالهم الـخبـيثة التـي قد أحصاها كتابهم, ولـم يقدروا أن ينكروا صحتها كما:
17426ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ما لِهَذَا الكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِـيرَةً إلاّ أحْصَاها اشتكى القوم كما تسمعون الإحصاء, ولـم يشتك أحد ظلـما, «فإياكم والـمـحقّرات من الذنوب, فإنها تـجتـمع علـى صاحبها حتـى تهلكه». ذُكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يضرب لها مثلاً, يقول كمثل قوم انطلقوا يسيرون حتـى نزلوا بفلاة من الأرض, وحضر صنـيع القوم, فـانطلق كلّ رجل يحتطب, فجعل الرجل يجيء بـالعود, ويجيء الاَخر بـالعود, حتـى جمعوا سوادا كثـيرا وأجّجوا نارا, فإن الذنب الصغير يجتـمع علـى صاحبه حتـى يهلكه. وقـيـل: إنه عنى بـالصغيرة فـي هذا الـموضع: الضحك. ذكر من قال ذلك:
17427ـ حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة, قال: حدثنا عبد الله بن داود, قال: حدثنا مـحمد بن موسى, عن الزيال بن عمرو, عن ابن عبـاس لا يُغادِرُ صَغِيرةً وَلا كَبِـيرةً قال: الضحك.
17421حدثنا أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثتنـي أمي حمادة ابنة مـحمد, قال: سمعت أبـي مـحمد بن عبد الرحمن يقول فـي هذه الاَية فـي قول الله عزّ وجلّ: ما لِهَذَا الكِتابِ لا يُغَادِرُ صَغيِرةً وَلا كَبِـيرةً إلاّ أحْصَاها قال: الصغيرة: الضحك.
ويعنـي بقوله: ما لِهَذَا الكِتابِ: ما شأن هذا الكتاب لا يُغادِرُ صَغِيرةً وَلا كَبِـيرَةً يقول: لا يبقـى صغيرة من ذنوبنا وأعمالنا ولا كبـيرة منها إلاّ أحْصَاها يقول: إلا حفظها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا فـي الدنـيا من عمل حاضِرا فـي كتابهم ذلك مكتوبـا مثبتا, فجوّزوا بـالسيئة مثلها, والـحسنة ما الله جازيهم بها وَلا يَظْلِـمُ رَبّكَ أحَدا يقول: ولا يجازي ربك أحدا يا مـحمد بغير ما هو أهله, لا يجازي بـالإحسان إلا أهل الإحسان, ولا بـالسيئة إلا أهل السيئة, وذلك هو العدل.
الآية : 50
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُوَاْ إِلاّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ أَفَتَتّخِذُونَهُ وَذُرّيّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوّ بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً }.
يقول تعالـى ذكره مذكّرا هؤلاء الـمشركين حسد إبلـيس أبـاهم ومعلـمهم ما كان منه من كبره واستكبـاره علـيه حين أمره بـالسجود له, وأنه من العداوة والـحسد لهم علـى مثل الذي كان علـيه لأبـيهم: وَ اذكر يا مـحمد إذْ قُلْنا للْـمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لاَدَمَ فَسَجَدُوا إلاّ إبْلِـيسَ الذي يطيعه هؤلاء الـمشركون ويتبعون أمره, ويخالفون أمر الله, فإنه لـم يسجد له استكبـارا علـى الله, وحسدا لاَدم كانَ مِنَ الـجِنّ.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله كانَ مِنَ الـجِنّ فقال بعضهم: إنه كان من قبـيـلة يقال لهم الـجنّ. وقال آخرون: بل كان من خزّان الـجنة, فنُسب إلـى الـجنة. وقال آخرون: بل قـيـل من الـجنّ, لأنه من الـجنّ الذين استـجنوا عن أعين بنـي آدم. ذكر من قال ذلك:
17428ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن خلاد بن عطاء, عن طاوس, عن ابن عبـاس قال: كان اسمه قبل أن يركب الـمعصية عزازيـل, وكان من سكان الأرض, وكان من أشدّ الـملائكة اجتهادا وأكثرهم علـما, فذلك هو الذي دعاه إلـى الكبر, وكان من حيّ يسمى جنا.
17429ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, عن بشر بن عمارة, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس, قال: كان إبلـيس من حيّ من أحياء الـملائكة يقال لهم الـجنّ, خُـلقوا من نار السموم من بـين الـملائكة, وكان اسمه الـحارث. قال: وكان خازنا من خزّان الـجنة. قال: وخُـلقت الـملائكة من نور غير هذ الـحيّ. قال: وخُـلقت الـجنّ الذين ذكروا فـي القرآن من مارج من نار, وهو لسان النار الذي يكون فـي طرفها إذا التهبت.
17430ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: ثنـي شيبـان, قال: حدثنا سلام بن مسكين, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب, قال: كان إبلـيس رئيس ملائكة سماء الدنـيا.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي عن الأعمش, عن حبـيب بن أبـي ثابت, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, فـي قوله: إلاّ إبْلِـيسَ كانَ مِنَ الـجِن قال: كان إبلـيس من خزّان الـجنة, وكان يدبر أمر سماء الدنـيا.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: كان إبلـيس من أشراف الـملائكة وأكرمهم قبـيـلة. وكان خازنا علـى الـجنان, وكان له سلطان السماء الدنـيا, وكان له سلطان الأرض, وكان فـيـما قضى الله أنه رأى أن له بذلك شرفـا وعظمة علـى أهل السماء, فوقع من ذلك فـي قلبه كبر لا يعلـمه إلا الله فما كان عند السجود حين أمره أن يسجد لاَدم استـخرج الله كبره عند السجود, فلعنه وأخّره إلـى يوم الدين. قال: قال ابن عبـاس: وقوله: كانَ مِنَ الـجِنّ إنـما سمي بـالـجنان أنه كان خازنا علـيها, كما يقال للرجل: مكيّ, ومدنـيّ, وكوفـيّ, وبصريّ, قاله ابن جريج.
وقال آخرون: هم سبط من الـملائكة قبـيـلة, وكان اسم قبـيـلته الـجنّ:
17431ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن صالـح مولـى التوأمة, وشريك بن أبـي نـمر أحدهما أو كلاهما, عن ابن عبـاس, قال: إن من الـملائكة قبـيـلة من الـجنّ, وكان إبلـيس منها, وكان يسوس ما بـين السماء والأرض, فعصى, فسخط الله علـيه فمسخه شيطانا رجيـما, لعنه الله مـمسوخا. قال: وإذا كانت خطيئة الرجل فـي كبر فلا ترجه, وإذا كانت خطيئته فـي معصية فـارجه, وكانت خطيئة آدم فـي معصية, وخطيئة إبلـيس فـي كبر.
17432ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَإذْ قُلْنا للْـمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لاَدَمَ فَسَجَدُوا إلاّ إبْلِـيسَ كانَ مِنَ الـجِنّ قبـيـل من الـملائكة يقال لهم الـجنّ. وقال ابن عبـاس: لو لـم يكن من الـملائكة لـم يؤمر بـالسجود, وكان علـى خزانة السماء الدنـيا. قال: وكان قتادة يقول: جنّ عن طاعة ربه. وكان الـحسن يقول: ألـجأه الله إلـى نسبه.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله إلاّ إبْلِـيسَ كانَ مِنَ الـجِنّ قال: كان من قبـيـل من الـملائكة يقال لهم الـجنّ.
17433ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن عوف, عن الـحسن, قال: ما كان إبلـيس من الـملائكة طرفة عين قط, وإنه لأصل الـجنّ, كما أن آدم علـيه السلام أصل الإنس.
17434ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول: كان إبلـيس علـى السماء الدنـيا وعلـى الأرض وخازن الـجنان.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: فَسَجَدُوا إلاّ إبْلِـيسَ كانَ مِنَ الـجِنّ: كان ابن عبـاس يقول: إن إبلـيس كان من أشراف الـملائكة وأكرمهم قبـيـلة, وكان خازنا علـى الـجنان, وكان له سلطان السماء الدنـيا وسلطان الأرض, وكان مـما سوّلت له نفسه من قضاء الله أنه رأى أن له بذلك شرفـا علـى أهل السماء, فوقع من ذلك فـي قلبه كبر لا يعلـمه إلا الله, فـاستـخرج الله ذلك الكبر منه حين أمره بـالسجود لاَدم, فـاستكبر وكان من الكافرين, فذلك قوله للـملائكة: إنّـي أعْلَـمُ غَيْبَ السّمَوَاتِ والأرْضِ وأعْلَـمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُـم تَكْتُـمُونَ يعنـي: ما أسرّ إبلـيس فـي نفسه من الكبر.
وقوله: كانَ مِنَ الـجِنّ كان ابن عبـاس يقول: قال الله كانَ مِنَ الـجِنّ لأنه كان خازنا علـى الـجنان, كما يقال للرجل: مكيّ, ومدنـي, وبصريّ, وكوفـيّ.
وقال آخرون: كان اسم قبـيـلة إبلـيس الـجنّ, وهم سبط من الـملائكة يقال لهم الـجنّ, فلذلك قال الله عزّ وجلّ كانَ مِنَ الـجِنّ فنسبه إلـى قبـيـلته.
17435ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, فـي قوله كانَ مِنَ الـجِنّ قال: من الـجنانـين الذين يعملون فـي الـجنان.
17436ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا أبو سعيد الـيحمدي إسماعيـل بن إبراهيـم, قال: ثنـي سوار بن الـجعد الـيحمدي, عن شهر بن حوشب, قوله: مِنَ الـجنّ قال: كان إبلـيس من الـجنّ الذين طردتهم الـملائكة, فأسره بعض الـملائكة, فذهب به إلـى السماء.
17437ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله إلاّ إبْلـيسَ كانَ مِنَ الـجِنّ فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبّهِ قال: كان خازن الـجنان فسمي بـالـجنان.
17438ـ حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأودي, قال: حدثنا أحمد بن بشير, عن سفـيان بن أبـي الـمقدام, عن سعيد بن جبـير, قال: كان إبلـيس من خزنة الـجنة.
وقد بـيّنا
القول فـي ذلك فـيـما مضى من كتابنا هذا, وذكرنا اختلاف الـمختلفـين فـيه, فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع.
وقوله: فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبّهِ يقول: فخرج عن أمر ربه, وعدل عنه ومال, كما قال رؤبة:
يَهْوِينَ فِـي نَـجْدٍ وغَوْرا غائرَافَوَاسقا عَنْ قَصْدِها جَوَائِرَا
يعنـي بـالفواسق: الإبل الـمنعدلة عن قصد نـجد, وكذلك الفسق فـي الدين إنـما هو الانعدال عن القصد, والـميـل عن الاستقامة. ويُحكى عن العرب سماعا: فسقت الرطبة من قشرها: إذا خرجت منه, وفسقت الفأرة: إذا خرجت من جحرها. وكان بعض أهل العربـية من أهل البصرة يقول: إنـما قـيـل: فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبّهِ لأنه مراد به: ففسق عن ردّه أمر الله, كما تقول العرب: اتـخمت عن الطعام, بـمعنى: اتـخمت لـما أكلته. وقد بـيّنا
القول فـي ذلك, وأن معناه: عدل وجار عن أمر الله, وخرج عنه. وقال بعض أهل العلـم بكلام العرب: معنى الفسق: الاتساع. وزعم أن العرب تقول: فسق فـي النفقة: بـمعنى اتسع فـيها. قال: وإنـما سمى الفـاسق فـاسقا, لاتساعه فـي مـحارم الله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
17439ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى «ح» وحدثنـي الـحرث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله تعالـى فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبّهِ قال: فـي السجود لاَدم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, فـي قوله فَفَسَق عَنْ أمْرِ رَبّهِ قال: عصى فـي السجود لاَدم.
وقوله: أفَتَتّـخِذُونَهُ وَذُرّيّتَهُ أوْلِـياءَ مِنْ دُونِـي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوّ يقول تعالـى ذكره: أفتوالون يا بنـي آدم من استكبر علـى أبـيكم وحسده, وكفر نعمتـي علـيه, وغرّه حتـى أخرجه من الـجنة ونعيـم عيشه فـيها إلـى الأرض وضيق العيش فـيها, وتطيعونه وذرّيته من دون الله مع عدواته لكم قديـما وحديثا, وتتركون طاعة ربكم الذي أنعم علـيكم وأكرمكم, بأن أسجد لوالدكم ملائكته, وأسكنه جناته, وآتاكم من فواضل نعمه ما لا يحصى عدده, وذرّية إبلـيس: الشياطين الذين يغرّون بنـي آدم. كما:
17440ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد أفَتَتّـخِذونَه وَذُرّيّتهُ أوْلِـياءَ مِنْ دُونِـي قال: ذرّيته: هم الشياطين, وكان يعدّهم «زلنبوا» صاحب الأسواق ويضع رايته فـي كلّ سوق ما بـين السماء والأرض, و«ثبر» صاحب الـمصائب, و«الأعور» صاحب الزنا و«مسوط» صاحب الأخبـار, يأتـي بها فـيـلقـيها فـي أفواه الناس, ولا يجدون لها أصلاً, و«داسم» الذي إذا دخـل الرجل بـيته ولـم يسلـم ولـم يذكر الله بصره من الـمتاع ما لـم يرفع, وإذا أكل ولـم يذكر اسم الله أكل معه.
17441ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: حدثنا حفص بن غياث, قال: سمعت الأعمش يقول: إذا دخـلتُ البـيت ولـم أسلـم, رأيت مطهرة, فقلت: ارفعوا ارفعوا, وخاصمتهم, ثم أذكر فأقول: داسم داسم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي أبو معاوية, عن الأعمش, عن مـجاهد, قال: هم أربعة ثبر, وداسم, وزلنبور, والأعور, ومسوط: أحدها.
17442ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أفَتَتّـخِذُونَهُ وَذُرّيّتَهُ أوْلِـياءَ مِنْ دُونِـي... الاَية, وهم يتوالدون كما تتوالد بنو آدم, وهم لكم عدوّ.
17443ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: أفَتَتّـخِذُونَهُ وَذُرّيّتَهُ أوْلِـياءَ مِنْ دُونِـي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوّ وهو أبو الـجنّ كما آدم أبو الإنس. وقال: قال الله لإبلـيس: إنـي لا أذرأ لاَدم ذرّية إلا ذرأت لك مثلها, فلـيس من ولد آدم أحد إلا له شيطان قد قرن به.
وقوله: بِئْسَ للظّالِـمينَ بَدَلاً يقول عزّ ذكره: بئس البدل للكافرين بـالله اتـخاذ إبلـيس وذرّيته أولـياء من دون الله, وهم لكم عدّو من تركهم اتـخاذ الله ولـيا بـاتبـاعهم أمره ونهيه, وهو الـمنعم علـيهم وعلـى أبـيهم آدم من قبلهم, الـمتفضّل علـيهم من الفواضل ما لا يحصى بدلاً. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
17444ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة بِئْسَ للظّالِـمِينَ بَدَلاً بئْسما استبدلوا بعبـادة ربهم إذ أطاعوا إبلـيس.
الآية : 51
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مّآ أَشْهَدتّهُمْ خَلْقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتّخِذَ الْمُضِلّينَ عَضُداً }.
يقول عزّ ذكره: ما أشهدت إبلـيس وذرّيته خَـلْقَ السمَوَاتِ والأرْضِ يقول: ما أحضرتهم ذلك فأستعين بهم علـى خـلقها وَلا خَـلْقَ أنْفُسِهِمْ يقول: ولا أشهدت بعضهم أيضا خـلق بعض منهم, فأستعين به علـى خـلقه, بل تفرّدت بخـلق جميع ذلك بغير معين ولا ظهير, يقول: فكيف اتـخذوا عدوّهم أولـياء من دونـي, وهم خـلق من خـلق أمثالهم, وتركوا عبـادتـي وأنا الـمنعم علـيهم وعلـى أسلافهم, وخالقهم وخالق من يوالونه من دونـي منفردا بذلك من غير معين ولا ظهير.
وقوله: وَما كُنْتُ مُتّـخِذَ الـمُضِلّـينَ عَضُدا يقول: وما كنت متـخذ من لا يهدى إلـى الـحقّ, ولكنه يضلّ, فمن تبعه يجور به عن قصد السبـيـل أعوانا وأنصارا وهو من قولهم: فلان يعضد فلانا إذا كان يقوّيه ويعينه. وبنـحو ذلك قال بعض أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
17445ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَما كُنْتَ مُتّـخِذَ الـمُضِلّـينَ عَضُدا: أي أعوانا.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, مثله, وإنـما يعنـي بذلك أن إبلـيس وذرّيته يضلون بنـي آدم عن الـحقّ, ولا يهدونهم للرشد, وقد يحتـمل أن يكون عنى بـالـمضلـين الذين هم أتبـاع علـى الضلالة, وأصحاب علـى غير هدى.

الآية : 52 و 53
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ الّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مّوْبِقاً * وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النّارَ فَظَنّوَاْ أَنّهُمْ مّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً }.
يقول عزّ ذكره وَيَوْمَ يَقُولُ الله عزّ ذكره للـمشركين به الاَلهة والأنداد نادُوا شُرَكائيَ الَذِينَ زَعَمْتُـمْ يقول لهم: ادعوا الذين كنتـم تزعمون أنهم شركائي فـي العبـادة لـينصروكم ويـمنعوكم منـي فَدَعَوهُمْ فَلَـمْ يَسْتَـجِيبُوا لَهُمْ يقول: فـاستغاثوا بهم فلـم يغيثوهم وجَعَلْنا بَـيْنَهُمْ مَوْبِقا.
فـاختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: معناه: وجعلنا بـين هؤلاء الـمشركين وما كانوا يدعون من دون الله شركاء فـي الدنـيا يومئذٍ عداوة. ذكر من قال ذلك:
17446ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن بزيع, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, عن عوف, عن الـحسن, فـي قول الله: وَجَعَلْنا بَـيْنَهُمْ مَوْبِقا قال: جعل بـينهم عداوة يوم القـيامة.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عثمان بن عمر, عن عوف, عن الـحسن وَجَعَلْنا بَـيْنَهُمْ مَوْبِقا قال: عداوة.
وقال آخرون: معناه: وجعلنا فعلهم ذلك لهم مَهْلِكا. ذكر من قال ذلك:
17447ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَجَعَلْنا بَـيْنَهُمْ مَوْبِقا قال: مَهْلِكا.
17448ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: مَوْبِقا قال: هلاكا.
17449ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله وَجَعَلْنا بَـيْنَهُمْ مَوْبِقا قال: الـموبق: الـمهلك, الذي أهلك بعضهم بعضا فـيه, أوبق بعضهم بعضا. وقرأ وَجَعَلْنا لِـمَهْلِكِهمْ مَوْعِدا.
17450ـ حُدثت عن مـحمد بن يزيد, عن جويبر, عن الضحاك مَوْبِقا قال: هلاكا.
17451ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن عَرْفَجة, فـي قوله وَجَعَلْنا بَـيْنَهُمْ مَوْبِقا قال: مهلكا.
وقال آخرون: هو اسم واد فـي جهنـم. ذكر من قال ذلك:
17452ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن سعيد, عن قتادة, عن أبـي أيوب, عن عمرو البكّالـيّ: وَجَعَلْنا بَـيْنَهُمْ مَوْبِقاقال: واد عميق فُصِل به بـين أهل الضلالة وأهل الهدى, وأهل الـجنة, وأهل النار.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَجَعَلْنا بَـيْنَهُمْ مَوْبِقا ذكر لنا أن عَمرا البكَالـي حدّث عن عبد الله بن عمرو, قال: هو واد عميق فُرق به يوم القـيامة بـين أهل الهدى وأهل الضلالة.
17453ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عمر بن عبـيد, عن الـحجاج بن أرطاة, قال: قال مـجاهد وَجَعَلْنا بَـيْنَهُمْ مَوْبِقا قال: واديا فـي النار.
حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى «ح» وحدثنـي الـحرث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَجَعَلْنا بَـيْنَهُمْ مَوْبِقا قال: واديا فـي جهنـم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
17454ـ حدثنـي مـحمد بن سنان القزاز, قال: حدثنا عبد الصمد, قال: حدثنا يزيد بن درهم, قال: سمعت أنس بن مالك يقول فـي قول الله عزّ وجلّ وَجَعَلْنا بَـيْنَهُمْ مَوْبِقا قال: واد فـي جهنـم من قـيح ودم.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب, القول الذي ذكرناه عن ابن عبـاس, ومن وافقه فـي تأويـل الـموبق: أنه الـمهلك, وذلك أن العرب تقول فـي كلامها: قد أوبقت فلانا: إذا أهلكته. ومنه قول الله عزّ وجلّ: أوْ يُوبِقْهُنّ بِـمَا كَسَبُوا بـمعنى: يهلكهنّ. ويقال للـمهلك نفسه: قد وبق فلان فهو يوبق وبقا. ولغة بنـي عامر: يابق بغير همز. وحُكي عن تـميـم أنها تقول: يبـيق. وقد حُكي وبق يبق وبوقا, حكاها الكسائي. وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: الـموبق: الوعد, ويستشهد لقـيـله ذلك بقول الشاعر:
وحادَ شَرَوْرَى فـالسّتارَ فَلَـمْ يَدَعْتِعارا لَهُ والوَادِيَـيْنِ بِـمَوْبِقِ
ويتأوّله بـموعد. وجائز أن يكون ذلك الـمهلك الذي جعل الله جلّ ثناؤه بـين هؤلاء الـمشركين, هو الوادي الذي ذكر عن عبد الله بن عمرو, وجائز أن يكون العداوة التـي قالها الـحسن.
وقوله: وَرَأى الـمُـجْرِمُونَ النّارَ يقول: وعاين الـمشركون النار يومئذٍ فَظَنّوا أنّهُمْ مُوَاقعُوها يقول: فعلـموا أنهم داخـلوها, كما:
17455ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: فَظَنّوا أنّهُمْ مُوَاقعُوها قال: علـموا.
17456ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي عمرو بن الـحارث, عن درّاج, عن أبـي الهيثم عن أبـي سعيد الـخدريّ, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أنه قال: «إنّ الكافرَ يَرَى جَهَنّـمَ فَـيَظُنّ أنّها مُوَاقعَتُهُ مِنْ مَسيرَةِ أرْبَعينَ سَنَةَ».
وقوله: ولَـمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفـا يقول: ولـم يجدوا عن النار التـي رأوا معدلاً يعدلون عنها إلـيه. يقول: لـم يجدوا من مواقعتها بدّا, لأن الله قد حتـم علـيهم ذلك. ومن الـمصرف بـمعنى الـمعدل قول أبـي كبـير الهذلـيّ:
أزُهَيْرُ هَلْ عَنْ شَيْبَةٍ مِنْ مَصْرِفِ أمْ لا خُـلُودَ لبـاذِلٍ مُتَكَلّفِ