تفسير الطبري تفسير الصفحة 301 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 301
302
300
 الآية : 62
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَلَمّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـَذَا نَصَباً }.
يقول تعالـى ذكره: فلـما جاوز موسى وفتاه مـجمع البحرين, قال موسى لفتاه يوشع آتِنا غَدَاءَنا يقول: جئنا بغدائنا وأعطناه, وقال: آتنا غداءنا, كما يقال: أتـى الغداء وأتـيته, مثل ذهب وأذهبته, لَقَدْ لَقِـينا مِنْ سَفَرِنا هَذَا نَصَبـا يقول: لقد لقـينا من سفرنا هذا عناء وتعبـا وقال ذلك موسى, فـيـما ذُكر, بعد ما جاوز الصخرة, حين ألقـي علـيه الـجوع لـيتذكر الـحوت, ويرجع إلـى موضع مطلبه.
الآية : 63
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصّخْرَةِ فَإِنّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاّ الشّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً }.
يقول تعالـى ذكره: قال فتـى موسى لـموسى حين قال له: آتنا غداءنا لنطعم: أرأيت إذا أوينا إلـى الصخرة فإنـي نسيت الـحوت هنالك وَما أنْسانـيهُ إلاّ الشّيْطانُ يقول: وما أنسانـي الـحوت إلا الشيطان أنْ أذْكُرَهُ فأن فـي موضع نصب ردّا علـى الـحوت, لأن معنى الكلام: وما أنسانـي أن أذكر الـحوت إلا الشيطان سبق الـحوت إلـى الفعل, وردّ علـيه قوله أنْ أذْكُرَهُ وقد ذكر أن ذلك فـي مصحف عبد الله: «وما أنسانـيه أن أذكره إلا الشيطان».
17485ـ حدثنـي بذلك بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة حدثنـي العبـاس بن الولـيد قال: سمعت مـحمد بن معقل, يحدّث عن أبـيه, أن الصخرة التـي أوى إلـيها موسى هي الصخرة التـي دون نهر الذئب علـى الطريق.
واتّـخَذَ سَبِـيـلَهُ فِـي البَحْرِ عَجَبـا يُعْجَبُ منه. كما:
17486ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: فِـي البَحْرِ عَجَبـا قال: موسى يعجب من أثر الـحوت فـي البحر ودوراته التـي غاب فـيها, فوجد عندها خضرا.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
17487ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: واتّـخَذَ سَبـيـلَهُ فِـي البَحْرِ عَجَبـا فكان موسى لـما اتـخذ سبـيـله فـي البحر عجبـا, يعجب من سرب الـحوت.
17488ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: واتّـخَذَ سَبِـيـلَهُ فـي البَحْرِ عَجَبـا قال: عجب والله حوت كان يؤكل منه أدهرا, أيّ شيء أعجب من حوت كان دهرا من الدهور يؤكل منه, ثم صار حيا حتـى حشر فـي البحر.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قال: جعل الـحوت لا يـمسّ شيئا من البحر إلا يبس حتـى يكون صخرة, فجعل نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم يعجب من ذلك.
17489ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا الـحسن بن عطية, قال: حدثنا عمرو بن ثابت, عن أبـيه, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس واتّـخَذَ سَبِـيـلَهُ فِـي البَحْرِ عَجَبـا قال: يعنـي كان سرب الـحوت فـي البحر لـموسى عجبـا.
الآية : 64 و 65
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قَالَ ذَلِكَ مَا كُنّا نَبْغِ فَارْتَدّا عَلَىَ آثَارِهِمَا قَصَصاً * فَوَجَدَا عَبْداً مّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وَعَلّمْنَاهُ مِن لّدُنّا عِلْماً }.
يقول تعالـى ذكره: فقال موسى لفتاه ذلكَ يعنـي بذلك: نسيانك الـحوت وما كُنّا نَبْغِ يقول: الذي كنا نلتـمس ونطلب, لأن موسى كان قـيـل له صاحبك الذي تريده حيث تنسى الـحوت, كما:
17490ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: ذلكَ ما كُنّا نَبْغِ قال موسى: فذلك حين أخبرت أنـي واجد خضرا حيث يفوتنـي الـحوت.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله, إلا أنه قال: حيث يفـارقنـي الـحوت.
وقوله: فـارْتَدّا علـى آثارِهِما قَصَصَا يقول: فرجعا فـي الطريق الذي كانا قطعاه ناكصين علـى أديارهما يقصان آثارهما التـي كانا سلكاهما. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
17491ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: قَصصا قال: اتبع موسى وفتاه أثر الـحوت, فشقا البحر راجعين.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قوله: فـارْتَدا علـى آثارِهِما قَصَصا قال: اتبـاع موسى وفتاه أثر الـحوت بشقّ البحر, وموسى وفتاه راجعان وموسى يعجب من أثر الـحوت فـي البحر, ودوراته التـي غاب فـيها.
17492ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: رجعا عودهما علـى بدئهما فـارْتَدّا عَلـى آثارِهما قَصَصا.
17493ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق, عن الزهري, عن عبـيد الله بن عبد الله عن ابن عبـاس, عن أبّـي بن كعب, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي قوله: ذلكَ ما كُنّا نَبْغِ فـارْتَدّا عَلـى آثارِهما قَصَصا: «أيْ يَقُصّان آثارَهما حتـى انْتَهَيا إلـى مَدْخَـلِ الـحُوتِ».
وقوله: فَوَجَدَا عَبْدا مِنْ عبـادِنا آتَـيْناه رحْمَةً مِنْ عِنْدِنا يقول: وهبنا له رحمة من عندنا وَعَلّـمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْـما يقول: وعلـمناه من عندنا أيضا علـما. كما:
17494ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة مِنْ لَدُنّا عِلْـما: أي من عندنا علـما.
وكان سبب سفر سُئل: هل فـي الأرض أحد أعلـم منك؟ فقال: لا, أو حدّثته نفسه بذلك, فكره ذلك له, فأراد الله تعريفه أن من عبـاده فـي الأرض من هو أعلـم منه, وأنه لـم يكن له أن يحتـم علـى ما لا علـم له به, ولكن كان ينبغي له أن يكل إلـى عالـمه.
وقال آخرون: بل كان سبب ذلك أنه سأل الله جلّ ثناؤه أن يدله علـى عالـم يزداد من علـمه إلـى علـم نفسه. ذكر من قال ذلك:
17495ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن هارون بن عنترة, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قال: سأل موسى ربه وقال: ربّ أيّ عبـادك أحبّ إلـيك؟ قال: الذي يذكرنـي ولا ينسانـي قال: فأيّ عبـادك أقضى؟ قال: الذي يقضي بـالـحقّ ولا يتبع الهوى قال: أي ربّ أيّ عبـادك أعلـم؟ قال: الذي يبتغي علـم الناس إلـى علـم نفسه, عسى أن يصيب كلـمة تهديه إلـى هُدَى, أو تردّه عن رَدَى قال: ربّ فهل فـي الأرض أحدٌ؟ قال: نعم قال: ربّ, فمن هو؟ قال: الـخضر قال: وأين أطلبه؟ قال: علـى الساحل عند الصخرة التـي ينفلت عندها الـحوت قال: فخرج موسى يطلبه, حتـى كان ما ذكر اللّهُ, وانتهى إلـيه موسى عند الصخرة, فسلـم كلّ واحد منهما علـى صاحبه, فقال له موسى: إنـي أريد أن تستصحبنـي, قال: إنك لن تطيق صحبتـي, قال: بلـى, قال: فإن صحبتنـي «فَلا تَسْأَلْنِـي عَنْ شَيْءٍ حتـى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرا فـانْطَلَقا حتـى إذَا رَكِبـا فِـي السّفِـينَةِ خَرَقَها قال أخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرا قالَ أَلَـمْ أقُلْ إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرا قال لا تُؤَاخِذْنِـي بِـمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِـي مِنْ أمْرِي عُسْرا فـانْطَلَقَا حتـى إذَا لَقِـيا غُلاما فَقَتَلَهُ قالَ أقَتَلْتَ نَفْسا زَكيّةً بغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جئْتَ شَيْئا نُكْرا»... إلـى قوله: لاتّـخَذْتَ عَلَـيْهِ أجْرا قال: فكان قول موسى فـي الـجدار لنفسه, ولطلب شيء من الدنـيا, وكان قوله فـي السفـينة وفـي الغلام لله, قالَ هَذَا فِرَاقُ بَـيْنِـي وَبَـيْنِكَ سأُنَبّئُكَ بتَأْوِيـلِ ما لَـمْ تَسْتَطِعْ عَلَـيْهِ صَبْرا فأخبره بـما قال أما السفـينة وأما الغلام وأما الـجدار, قال: فسار به فـي البحر حتـى انتهى إلـى مـجمع البحور, ولـيس فـي الأرض مكان أكثر ماء منه, قال: وبعث ربك الـخُطّاف فجعل يستقـي منه بـمنقاره, فقـيـل لـموسى: كم ترى هذا الـخطاف رَزَأ من هذا الـماء؟ قال: ما أقلّ ما رَزَأ قال: يا موسى فإن علـمي وعلـمك فـي علـم الله كقدر ما استقـى هذا الـخطاف من هذا الـماء وكان موسى قد حدّث نفسه أنه لـيس أحد أعلـم منه, أو تكلـم به, فمن ثَم أُمِرَ أن يأتـي الـخضر.
17496ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن أبـي إسحاق, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: خطب موسى بنـي إسرائيـل, فقال: ما أحد أعلـم بـالله وبأمره منـي, فأوحى الله إلـيه أن يأتـي هذا الرجل.
17497ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة أنه قـيـل له: إن آية لقـيك إياه أن تنسى بعض متاعك, فخرج هو وفتاه يوشع بن نون, وتزوّدا حوتا مـملوحا, حتـى إذا كانا حيث شاء الله, ردّ الله إلـى الـحوت روحه, فسرب فـي البحر, فـاتـخذ الـحوت طريقه سربـا فـي البحر, فسرب فـيه فَلَـمّا جاوَزَا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَدَاءنا لَقَدْ لَقِـينا مِنْ سَفَرِنا هَذا نَصَبـا... حتـى بلغ واتّـخَذَ سَبِـيـلَهُ فِـي البَحْرِ عَجَبـا فكان موسى اتـخذ سبـيـله فـي البحر عجبـا, فكان يعجب من سرب الـحوت.
17498ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن أبـي إسحاق, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس قال: لـما اقتص موسى أثر الـحوت انتهى إلـى رجل, راقد قد سجى علـيه ثوبه فسلـم علـيه موسى فكشف الرجل عن وجهه الثوب وردّ علـيه السلام وقال: من أنت؟ قال: موسى, قال: صاحب بنـي إسرائيـل؟ قال: نعم, قال: أوَ ما كان لك فـي بنـي إسرائيـل شغل؟ قال: بلـى, ولكن أُمرت أن آتـيك وأصحبك, قال: إنك لن تستطيع معي صبرا, كما قصّ الله, حتـى بلغ فلـما رَكِبـا فِـي السَفـينَةِ خَرَقَها صاحب موسى قالَ أخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرا يقول: نُكرا قالَ لا تُؤَاخِذْنِـي بِـمعا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِـي مِنْ أمْرِي عُسْرا فـانْطَلَقَا حتـى إذَا لَقِـيا غُلاما فَقَتَلَهُ, قالَ أقَتَلْتَ نَفْسا زَكِيّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ.
17499ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يحيى بن آدم, قال: حدثنا سفـيان, عن عمرو بن دينار, عن سعيد بن جبـير, قال: قلت لابن عبـاس: إن نوفـا يزعم أن الـخضر لـيس بصاحب موسى, فقال: كذب عدوّ الله. حدثنا أبـيّ بن كعب, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ مُوسَى قامَ فِـي بَنِـي إسْرَائِيـلَ خَطِيبـا فَقِـيـلَ: أيّ النّاسُ أعْلَـمُ؟ فَقالَ: أنا, فعَتَبَ اللّهُ عَلَـيْهِ حِينَ لَـمْ يَرُدّ العِلْـمَ إلَـيْهِ, فقالَ: بَلـى عَبْدٌ لـي عِنْدَ مَـجْمَعَ البَحْرَيْنِ, فَقالَ: يا رَبّ كَيْفَ بِهِ؟ فَقِـيـلَ: تَأْخُذُ حُوتا, فَتَـجْعَلُهُ فِـي مِكْتَلٍ, ثُمّ قالَ لِفُتاهُ: إذَا فَقَدْتَ هَذَا الـحُوتَ فَأَخْبِرْنِـي, فـانْطَلَقا يَـمْشِيانِ عَلـى ساحِلِ البَحْرِ حتـى أتَـيا صَخْرَةً, فَرَقَدَ مُوسَى, فـاضْطَرَب الـحُوتُ فِـي الـمِكْتَلِ, فَخَرَجَ فَوَقَعَ فِـي البَحْرِ, فأمْسَكَ اللّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الـمَاءِ, فَصَارَ مِثْلَ الطّاقِ, فَصَارِتْ للْـحُوتِ سَرَبـا وكانَ لَهُما عَجَبـا. ثُمّ انْطَلَقا, فَلَـمّا كانَ حِينَ الغَدِ, قالَ مُوسَى لَفَتاهُ: آتِنا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِـينا مِنْ سَفَرِنا هَذَا نَصَبـا, قالَ: وَلـمْ يَجِدْ مُوسَى النّصَبَ حتـى جاوَزَ حَيْثُ أمَرَهُ اللّهُ قالَ: فَقالَ: أرَأَيْتَ إذْ أوَيْنا إلـى الصّخْرَةِ فإنّـي نَسِيتُ الـحُوتَ, وَما أنْسانِـيهُ إلاّ الشّيْطانُ أنْ أذْكُرَهُ, واتّـخَذَ سَبِـيـلَهُ فِـي البَحْرِ عَجَبـا, قالَ: فَقالَ: ذلكَ ما كُنّا نَبْغِ, فـارْتَدّا عَلـى آثارِهما قَصَصا, قالَ: يَقُصّانِ آثارَهما, قالَ: فَأَتَـيَا الصّخْرَةَ, فإذَا رَجُلٌ نائمٌ مُسّجّى بِثَوْبِهِ, فَسَلّـمَ عَلَـيْهِ مُوسَى, فَقالَ: وأنّـي بأرْضِنَا السّلامُ؟ فَقالَ: أنا مُوسَى, قالَ: مُوسَى بَنِـي إسْرَائِيـلَ؟ قالَ: نَعَمْ, قالَ: يا مُوسَى, إنّـي عَلـى عِلْـمٍ مِنْ عِلْـمٍ اللّهِ, عَلّـمَنِـيَهِ اللّهُ لا تعْلَـمُهُ, وأنْتَ عَلـى عِلْـمٍ مِنْ عِلْـمِهِ عَلّـمَكَهُ لا أعْلَـمُهُ, قالَ: فإنّـي أتّبِعُكَ عَلـى أنْ تُعَلّـمَنِـي مِـمّا عُلّـمْتَ رُشْدا, قالَ: فإنِ اتّبِعْتَنِـي فَلا تَسْأَلْنِـي عَنْ شَيْءٍ حتـى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرا. فـانْطَلَقا يَـمْشِيانِ عَلـى السّاحِلِ, فَعُرِفَ الـخَضِرُ, فَحُمِل بِغَيْرِ نَوْلٍ, فَجاءَ عُصْفُورٌ, فَوَقَعَ عَلـى حَرْفِها فَنَقَرَ, أوْ فَنَقَدَ فِـي الـمَاءِ, فَقالَ الـخَضِرُ لِـمُوسَى: ما نَقَصَ عِلْـمِي وَعِلْـمُكَ مِنْ عِلْـمِ اللّهِ إلاّ مِقْدَارَ ما نَقَرَ أوْ نَقَصَ هَذَا العُصْفُورُ مِنَ البَحْرِ». أبو جعفر الطبري يشكّ, وهو فـي كتابه نَقَر, قالَ: «فَبَـيْنـما هُوَ إذْ لَـمْ يَفْجَأهُ مُوسَى إلاّ وَهُوَ يَتِدُ وَتِدا أوْ يَنْزِعُ تَـحْتا مِنْها, فَقالَ لَهُ مُوسَى: حُمِلْنا بِغَيرِ نَوْلٍ وَتـخْرِقُها لِتُغْرِقَ أهْلَها؟ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرا, قالَ: أَلـمْ أقُل إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعَيَ صَبْرا, قالَ: لا تُؤَاخِذْنِـي بِـمَا نَسِيتُ, قالَ: وكانَتِ الأُوَلـى مِنْ مُوسَى نِسْيانا قالَ: ثُمّ خَرَجا فـانْطَلَقَا يَـمْشيانِ, فَأَبْصَرَا غُلاما يَـلْعَبُ مَعَ الغلْـمانِ, فَأخَذَ برأْسِهِ فَقَتَلَهُ, فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أقَتَلْتَ نَفْسا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ, لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا نُكْرا, قالَ: أَلْـمْ أقُلْ لَكَ إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعَي صَبْرا؟ قالَ: إنْ سألْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصَاحِبْنِـي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنّـي عُذْرا. قالَ: فـانْطَلَقّ حتـى إذَا أتَـيا أهْلَ قَرْيَةِ اسْتَطْعَما أهْلَها, فَلَـمْ يَجدَا أحَدا يُطْعِمُهُمْ وَلا يَسْقِـيهِمْ, فَوَجَدَا فِـيها جِدَارا يُرِيدُ أنْ يَنْقَضّ, فأقاَمهُ بـيَدِهِ, قالَ: مَسَحَه بِـيَدِهِ فَقالَ لَهُ مُوسَى: لَـمْ يُضَيّفُونا ولَـمْ يُنْزِلُونا, لَوْ شِئْتَ لاتّـخَذْتَ عَلَـيْهِ أجْرا, قالَ: هَذَا فِرَقُ بَـيْنِـي وَبَـيْنِكَ» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوَددْتُ أنّهُ كانَ صَبَرَ حتـى يَقُصّ عَلَـيْنا قَصَصَهُمْ».
17500ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: حدثنا ابن إسحاق, عن الـحسن بن عمارة, عن الـحكم بن عتـيبة, عن سعيد بن جبـير, قال: جلست فأسنَدَ ابن عبـاس وعنده نفر من أهل الكتاب, فقال بعضهم: يا أبـا العبـاس, إن نوفـا ابن امرأة كعب يزعم عن كعب, أن موسى النبـيّ الذي طلب العالـم, إنـما هو موسى بن ميشا. قال سعيد: قال ابن عبـاس: أنوف يقول هذا؟ قال سعيد: فقلت له نعم, أنا سمعت نوفـا يقول ذلك, قال: أنت سمعته يا سعيد؟ قال: قلت: نعم, قال: كذب نوف ثم قال ابن عبـاس: حدثنـي أبـيّ بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ مُوسَى هُوَ نَبِـيّ بَنِـي إسْرَائِيـلَ سأَلَ رَبّهُ فَقالَ: أيْ رَبّ إنْ كانَ فِـي عِبـادِكَ أحَدٌ هُوَ أعْلَـمُ مِنّـي فـادْلُلْنِـي عَلَـيْهِ, فَقالَ لَهُ: نَعَمْ فـي عِبـادِي مَنْ هُوَ أعْلَـمُ مِنْكَ, ثُمّ نَعَتَ لَهُ مَكانَهُ, وأذِنَ لَهُ فِـي لُقِـيّهِ فخَرَجَ مُوسَى مَعَهُ فَتاه وَمَعَهُ حُوتٌ مَلْـيحٌ, وَقَدْ قِـيـلَ لَهُ: إذَا حَيِـيَ هَذَا الـحُوتُ فِـي مَكانِ فصاحبُكَ هُنالكَ وَقَدْ أدْرَكْتَ حاجَتَكَ فَخَرَجَ مُوسَى وَمَعَهُ فَتَاهُ, وَمَعَهُ ذلكَ الـحُوتُ يَحْمِلانِهِ, فَسارَ حتـى جَهَدَهُ السّيْرُ, وَانْتَهَى إلـى الصّخْرَةِ وَإلـى ذلكَ الـمَاءِ, ماءِ الـحَياةِ, مَنْ شَرِبَ مِنْهُ خَـلَدَ, وَلا يُقاربُهُ شَيْءٌ مَيّتٌ إلاّ حَيِـيَ فَلَـمّا نَزَلا, وَمَسّ الـحُوتَ الـمَاءُ حَيِـيَ, فـاتّـخَذَ سَبِـيـلَهُ فِـي البَحْرِ سَرَبـا فـانْطَلَقا, فَلَـمّا جاوَزَا مُنْقَلَبَهُ قالَ مُوسَى: آتِنا غَدَاءَنا لَقَدْ لَقِـينا مِنْ سَفَرِنا هَذَا نَصَبـا. قالَ الفَتـى وَذَكَرَ: أرَأَيْتَ إذْ أوَيْنا إلـى الصّخْرَةِ فإنّـي نَسِيتُ الـحُوتَ وَما أنْسانِـيهُ إلاّ الشّيْطانُ أنْ أذْكُرَهُ. واتّـخَذَ سَبِـيـلَهُ فِـي البَحْرِ عَجَبـا» قال ابن عبـاس: فظهر موسى علـى الصخرة حين انتهيا إلـيها, فإذا رجل متلفف فـي كساء له, فسلـم موسى, فردّ علـيه العالـم, ثم قال له: وما جاء بك؟ إن كان لك فـي قومك لشغل؟ قال له موسى: جئتك لتعلـمنـي مـما علـمت رشدا, قالَ إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعَيَ صَبْرا, وكان رجلاً يعلـم علـم الغيب قد علّـم ذلك, فقال موسى: بلـى قالَ وكَيْفَ تَصْبِرُ عَلـى ما لَـمْ تُـحِطْ بِهِ خُبرا: أي إنـما تعرف ظاهر ما ترى من العدل, ولـم تُـحط من علـم الغيب بـما أعلـم قالَ سَتَـجِدُنِـي إنْ شاءَ اللّهُ صَابِرا وَلا أعْصِيَ لَكَ أمْرا وإن رأيتَ ما يخالفنـي, قالَ فإنِ اتّبَعْتَنِـي فَلا تَسْأَلْنِـي عَنْ شَيْءٍ وإن أنكرته حتـى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرا, فـانطلقا يـمشيان علـى ساحل البحر, يتعرّضان الناس, يـلتـمسان من يحملهما, حتـى مرّت بهما سفـينة جديدة وثـيقة لـم يـمرّ بهما من السفن شيء أحسن ولا أجمل ولا أوثق منها, فسألا أهلها أن يحملوهما, فحملوهما, فلـما اطمأنا فـيها, ولـجت بهما مع أهلها, أخرج منقارا له ومطرقة, ثم عمد إلـى ناحية منها فضرب فـيها بـالـمنقار حتـى خرقها, ثم أخذ لوحا فطبقه علـيها, ثم جلس علـيها يرقعها. قال له موسى ورأى أمرا فظع به: أخَرَقْتَهَا لتُقْرِقَ أهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرا قالَ أَلْـمْ أقُلْ إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعَي صَبْرا قالَ لا تؤاخِذْنِـي بِـمَا نَسِيتُ: أي ما تركت من عهدك وَلا تُرْهقْنِـي منْ أمْرِي عُسْرا. ثم خرجا من السفـينة, فـانطلقا حتـى إذا أتـيا أهل قرية فإذا غلـمان يـلعبون خـلفها, فـيهم غلام لـيس فـي الغلـمان أظرف منه, ولا أثرى ولا أوضأ منه, فأخذه بـيده, وأخذ حجرا, قال: فضرب به رأسه حتـى دمغه فقتله, قال: فرأى موسى أمرا فظيعا لا صبر علـيه, صبـيّ صغير لا ذنب له قالَ أقَتَلْتَ نَفْسا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ أي صغيرة بغير نفس لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا نُكْرا قالَ أَلْـم أقُلْ لَكَ إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعيَ صَبْرا قالَ إنْ سألْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصَاحبْنِـي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنّـي عُذْرا: أي قد أعذرتَ فـي شأنـي فـانْطَلَقا حتـى إذَا أتَـيا أهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أهْلَها فأَبَوْا أنْ يُضَيّفُوهَما فَوَجَدَا فِـيها جَدَارا يُرِيدُ أنْ يَنْقَضّ فهدمه, ثم قعد يبنـيه, فضجر موسى مـما رآه يصنع من التكلـيف لـما لـيس علـيه صبر, فقال: لَوْ شِئْتَ لاتّـخَذْتَ عَلَـيْهِ أجْرا أي قد استطعمناهم فلـم يطعمونا, وضفناهم فلـم يضيفونا, ثم قعدت فـي غير صنـيعة, ولو شئت لأعطيت علـيه أجرا فـي عمله قالَ هَذَا فِراقُ بَـيْنِـي وَبَـيْنِكَ سأُنَبّئُكَ بَتأْوِيـلِ ما لَـمْ تَسْتَطِعْ عَلَـيْهِ صَبْرا أمّا السّفِـينَةُ فَكانَتْ لِـمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِـي البَحْرِ فأرَدْتُ أنْ أعِيبَها, وَكانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يأْخُذُ كُلّ سَفِـينَةٍ غَصْبـا, وفـي قراءة أبـيّ بن كعب: «كلّ سفـينة صالـحة», وإنـما عبتها لأردّه عنها, فسلـمت حين رأى العيب الذي صنعت بها. وأمّا الغُلامُ فَكانَ أبَوَاهُ مُؤْمِنَـيْنِ فَخَشِيا أنْ يُرْهِقَهُما طُغْيانا وكُفْرا. فأرَدْنا أنْ يُبْدِ لَهُما رَبّهُما خَيْرا مِنْهُ زَكاةً وأقْرَبَ رُحْما وأمّا الـجِدَارُ فَكانَ لغُلامَيْنِ يَتِـيـمَيْنِ فِـي الـمَدينَةِ وكانَ تَـحْتَهُ كَنْزٌ لهما وكانَ أبُوهُمَا صَالِـحا فأرَادَ رَبّكَ أنْ يَبْلُغا أشُدّهُما ويَسْتَـخْرِجا كَنْزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أمْرِي: أي ما فعلته عن نفسي ذلكَ تَأْوِيـلُ ما لَـمْ تَسْطِعْ عَلَـيْهِ صَبْرا فكان ابن عبـاس يقول: ما كان الكنز إلا علـما.
17501ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: ثنـي ابن إسحاق, عن الـحسن بن عُمارة, عن أبـيه, عن عكرِمة قال: قـيـل لابن عبـاس: لـم نسمع لفتـى موسى بذكر من حديث, وقد كان معه, فقال ابن عبـاس فـيـما يذكر من حديث الفتـى قال: شرب الفتـى من الـماء فخـلّد, فأخذه العالـم فطابق به سفـينة, ثم أرسله فـي البحر, فإنها لتـموج به إلـى يوم القـيامة, وذلك أنه لـم يكن له أن يشرب منه فشرب.
17502ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَإذْ قالَ مُوسَى لفَتاهُ لا أبْرَحُ حتـى أبْلُغَ مَـجْمَعَ البَحْرَيْنِ أوْ أمْضِيَ حُقُبـا قال: لـما ظهر موسى وقومه علـى مصر أنزل قومه مصر فلـما استقرّت بهم الدار أنزل الله علـيه أن ذَكّرْهُمْ بِأيّامِ اللّهِ فخطب قومه, فذكر ما آتاهم الله من الـخير والنعمة, وذكّرَهم إذ أنـجاهم الله من أل فرعون, وذكرهم هلاك عدوّهم, وما استـخـلفهم الله فـي الأرض, وقال: كلـم الله نبـيكم تكلـيـما, واصطفـانـي لنفسه, وأنزل علـيّ مـحبة منه, وآتاكم الله من كلّ ما سألتـموه, فنبـيكم أفضل أهل الأرض, وأنتـم تقرأون التوراة, فلـم يترك نعمة أنعمها الله علـيهم إلا ذكرها, وعرّفها إياهم, فقال له رجل من بنـي إسرائيـل: هم كذلك يا نبـيّ الله, قد عرفنا الذي تقول, فهل علـى الأرض أحد أعلـم منك يا نبـيّ الله؟ قال: لا فبعث الله جبرئيـل إلـى موسى علـيهما السلام, فقال: إن الله يقول: وما يدريك أين أضع علـمي؟ بلـى إن علـى شطّ البحر رجلاً أعلـم منك فقال ابن عبـاس: هو الـخَضِر, فسأل موسى ربه أن يريه إياه, فأوحى الله إلـيه أن ائت البحر, فإنك تـجد علـى شطّ البحر حُوتا, فخذه فـادفعه إلـى فتاك, ثم الزم شطّ البحر, فإذا نسيتَ الـحوت وهَلك منك, فثمّ تـجد العبد الصالـح الذي تطلب فلـما طال سفر موسى نبـيّ الله ونصب فـيه, سأل فتاه عن الـحوت, فقال له فتاه وهو غلامه أرَأَيْتَ إذْ أوَيْنا إلـى الصّخْرَةِ فإنّـي نَسِيتُ الـحُوتَ وَما أنْسانِـيهُ إلاّ الشّيْطانُ أنْ أذْكُرَهُ قال الفتـى: لقد رأيت الـحوت حين اتـخذ سبـيـله فـي البحر سَرَبـا, فأعجب ذلك موسى فرجع حتـى أتـى الصخرة, فوجد الـحوت يضرب فـي البحر, ويتبعه موسى, وجعل موسى يقدّم عصاه يفرُج بها عن الـماء يتبع الـحوت, وجعل الـحوت لا تـمسّ شيئا من البحر إلا يبس حتـى يكون صخرة, فجعل نبـيّ الله يعجب من ذلك حتـى انتهى به الـحوت إلـى جزيرة من جزائر البحر, فلقـى الـخَضِر بها فسلـم علـيه, فقال الـخضر: وعلـيك السلام, وأنى يكون هذا السلام بهذه الأرض, ومن أنت؟ قال: أنا موسى, فقال له الـخضر: أصاحبُ بنـي إسرائيـل؟ قال: نعم فرحب به, وقال: ما جاء بك؟ قال: جئتك علـى أن تعلـمنـي مـما علّـمت رُشدا قَالَ إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرا قال: لا تطيق ذلك, قال موسى: سَتَـجِدُنِـي إنْ شاءَ اللّهُ صَابِرا وَلا أعْصِيَ لَكَ أمْرا قال: فـانطلق به وقال له: لا تسألنـي عن شيء أصنعه حتـى أبّـين لك شأنه, فذلك قوله: أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرا. فركبـا فـي السفـينة يريدان البرّ, فقام الـخضر فخرق السفـينة, فقال له موسى أخَرَقْتَها لتُقْرِقَ أهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرا.
17503ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَلَـمّا بَلَغا مَـجْمَعَ بَـيْنِهِما نَسِيا حُوَتَهُما ذُكِر أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم لـما قطع البحر وأنـجاه الله من آل فرعون, جمع بنـي إسرائيـل, فخطبهم فقال: أنتـم خير أهل الأرض وأعلـمه, قد أهلك الله عدوّكم, وأقطعكم البحر, وأنزل علـيكم التوراة قال: فقـيـل له: إن ههنا رجلاً هو أعلـم منك. قال: فـانطلق هو وفتاه يوشع بن نون يطلبـانه, وتزوّدا سمكة مـملوحة فـي مِكتل لهما, وقـيـل لهما: إذا نسيتـما ما معكما لقـيتـما رجلاً عالـما يقال له الـخضر فلـما أتـيا ذلك الـمكان, ردّ الله إلـى الـحوت روحه, فسرب له من الـجسر حتـى أفضى إلـى البحر, ثم سلك فجعل لا يسلك فـيه طريقا إلا صار ماء جامدا. قال: ومضى موسى وفتاه يقول الله عزّ وجلّ: فَلَـمّا جاوَزَا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَدَاءَنا لَقَدْ لَقِـينا مِنْ سَفَرِنا هَذَا نَصَبـا قالَ أرَأَيْتَ إذْ أوَيْنا إلـى الصّخْرَةِ فإنّـي نَسِيتُ الـحُوتَ... ثم تلا إلـى قوله: وَعَلّـمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْـما فلقـيا رجلاً عالـما يقال له الـخَضِر, فذُكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّـما سُمّىَ الـخَضِرُ خَضِرا لأنهُ قَعَدَ عَلـى فَرْوَةٍ بَـيْضَاءَ, فـاهْتَزّتْ بِهِ خَضراء».
17504ـ حدثنـي العبـاس بن الولـيد, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا الأوزاعيّ, قال: حدثنا الزهريّ, عن عبـيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود, عن ابن عبـاس أنه تـمارى هو والـحرّ بن قـيس بن حِصْن الفزاريّ فـي صاحب موسى, فقال ابن عبـاس: هو خَضِر, فمرّ بهما أبـيّ بن كعب, فدعاه ابن عبـاس فقال: إنـي تـماريت أنا وصاحبـي هذا فـي صاحب موسى الذي سأل السبـيـل إلـى لقـيّه, فقال سمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه؟ قال: إنـي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بَـيْنا مُوسَى فِـي مَلأ مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ إذْ جاءَهُ رَجُلٌ فَقالَ: تَعْلَـمُ مَكانَ أحَدٍ أعْلَـمُ مِنْكَ؟ قالَ مُوسَى: لا, فَأوْحَى اللّهُ إلـى مُوسَى: بَلـى عَبْدُنا خَضِرٌ, فَسأَلَ مُوسَى السّبِـيـلَ إلـى لُقِـيّهِ, فَجَعَلَ اللّهُ لَهُ الـحُوتَ آيَةً, وَقِـيـلَ لَهُ: إذَا فَقَدْتَ الـحُوتَ فـارْجِعْ فإنّكَ سَتَلْقاهُ, فَكانَ مُوسَى يَتْبَعُ أثَرَ الـحُوتِ فِـي البَحْرِ, فَقال فَتِـى مُوسَى لـمُوسَى: أرَأَيْتَ إذْ أوَيْنا إلـى الصّخْرَةِ, فإنّـي نَسِيتُ الـحُوتَ, قالَ مُوسَى: ذلكَ ما كُنّا نَبْغِ, فـارْتَدّا عَلـى آثارِهِما قَصَصا, فَوَجَدَا عَبْدَنا خَضِرا, وكانَ مِنْ شأْنِهِما ما قَصّ اللّهُ فـي كِتابِهِ».
حدثنـي مـحمد بن مرزوق, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا عبد الله بن عمر النـميري, عن يونس بن يزيد, قال: سمعت الزهريّ يحدّث, قال: أخبرنـي عميد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود, عن ابن عبـاس, أنه تـمارى هو والـحرّ بن قـيس بن حصن الفزاري فـي صاحب موسى, ثم ذكر نـحو حديث العبـاس, عن أُبـيّ بن كعب, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم.
الآية : 66 و 67
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قَالَ لَهُ مُوسَىَ هَلْ أَتّبِعُكَ عَلَىَ أَن تُعَلّمَنِ مِمّا عُلّمْتَ رُشْداً * قَالَ إِنّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً }.
يقول تعالـى ذكره: قال موسى للعالـم: هَلْ أَتّبِعُكَ عَلـى أنْ تَعَلّـمَنِ من العلـم الذي علـمك الله ما هو رشاد إلـى الـحقّ, ودلـيـل علـى هدى؟ قالَ إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعَي صَبْرا يقول تعالـى ذكره: قال العالـم: إنك لن تطيق الصبر معي, وذلك أنـي أعمل ببـاطن علـم علّـمنـيه الله, ولا علـم لك إلا بظاهر من الأمور, فلا تصبر علـى ما ترى من الأفعال, كما ذكرنا من الـخبر عن ابن عبـاس قَبلُ من أنه كان رجلاً يعمل علـى الغيب قد علـم ذلك.
الآية : 68 و 69
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىَ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً * قَالَ سَتَجِدُنِيَ إِن شَآءَ اللّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً }.
يقول عزّ ذكره مخبرا عن قول العالـم لـموسى: وكيف تصبر يا موسى علـى ما ترى منـي من الأفعال التـي لا علـم لك بوجوه صوابها, وتقـيـم معي علـيها, وأنت إنـما تـحكم علـى صواب الـمصيب وخطأ الـمخطىء بـالظاهر الذي عندك, وبـمبلغ علـمك, وأفعالـي تقع بغير دلـيـل ظاهر لرأي عينك علـى صوابها, لأنها تُبتدأ لأسبـاب تـحدث آجلة غير عاجلة, لا علـم لك بـالـحادث عنها, لأنها غيب, ولا تـحيط بعلـم الغيب خبرا يقول علـما, قال: سَتَـجِدُنِـي إنْ شاءَ اللّهُ صَابِرا علـى ما أرى منك وإن كان خلافـا لـما هو عندي صواب وَلا أعْصِي لَكَ أمْرا يقول: وأنتهي إلـى ما تأمرنـي, وإن لـم يكن موافقا هواي.

الآية : 70
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قَالَ فَإِنِ اتّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتّىَ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً }.
يقول تبـارك وتعالـى: قال العالـم لـموسى: فإن اتبعتنـي الاَن فلا تسألنـي عن شيء أعمله مـما تستنكره, فإنـي قد أعلـمتك أنـي أعمل العمل علـى الغيب الذي لا تـحيط به علـما حتـى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرا يقول: حتـى أحدث أنا لك مـما ترى من الأفعال التـي أفعلها التـي تستنكرها أذكرها لك وأبـين لك شأنها, وأبتدئك الـخبر عنها, كما:
17505ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس فَلا تَسأَلْنِـي عَنْ شَيْءٍ حتـى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرا يعنـي عن شيء أصنعه حتـى أبـين لك شأنه.

الآية : 71
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَانْطَلَقَا حَتّىَ إِذَا رَكِبَا فِي السّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً }.
يقول تعالـى ذكره: فـانطلق موسى والعالـم يسيران يطلبـان سفـينة يركبـانها, حتـى إذا أصابـاها ركبـا فـي السفـينة, فلـما ركبـاها, خرق العالـم السفـينة, قال له موسى: أخرقتها بعد ما لَـجَجنا فـي البحر لِتُغْرِقَ أهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرا يقول: لقد جئت شيئا عظيـما, وفعلت فعلاً مُنكرا.
17506ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرا: أي عجبـا, إن قوما لـججوا سفـينتهم فخرقتها, كأحوج ما نكون إلـيها, ولكن علـم من ذلك ما لـم يعلـم نبـيّ الله موسى ذلك من علـم الله الذي آتاه, وقد قال لنبـيّ الله موسى علـيه السلام: فإنِ اتّبَعْتَنِـي فَلا تَسألْنِـي عَنْ شَيْءٍ حتـى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرا.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرا يقول: نُكرا.
17507ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرا قال: منكرا.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
والإمر: فـي كلام العرب: الداهية ومنه قول الراجز:
قَدْ لَقِـيَ الأقْرَانُ مّنِـي نُكْرَادَاهِيَةً دَهْياءَ إدّا إمْرَا
وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب يقول: أصله: كلّ شيء شديد كثـير, ويقول منه: قـيـل للقوم: قد أَمِروا: إذا كثروا واشتدّ أمرهم. قال: والـمصدر منه: الأَمَر, والاسم: الإمْر.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: لِتُغْرِقَ أهْلَها فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض الكوفـيـين لِتُغْرِقَ أهْلَها بـالتاء فـي لتغرق, ونصب الأهل, بـمعنى: لتُغرق أنت أيها الرجل أهل هذه السفـينة بـالـخرق الذي خرقت فـيها. وقرأه عامة قرّاء الكوفة: «لِـيَغْرَقَ» بـالـياء أهلها بـالرفع, علـى أن الأهل هم الذين يغرقون.
والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان مستفـيضتان فـي قرأة الأمصار, متفقتا الـمعنى وإن اختلفت ألفـاظهما, فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب.
وإنـما قلنا: هما متفقتا الـمعنى, لأنه معلوم أن إنكار موسى علـى العالِـم خرق السفـينة إنـما كان لأنه كان عنده أن ذلك سبب لغرق أهلها إذا أحدث مثل ذلك الـحدث فـيها فلا خفـاء علـى أحد معنى ذلك قرىء بـالتاء ونصب الأهل, أو بـالـياء ورفع الأهل.
الآية : 72 و 73
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً }.
يقول عزّ ذكره: قَالَ العالـم لـموسى إذ قال له ما قال أَلـمْ أقُل إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرا علـى ما ترى من أفعالـي, لأنك ترى ما لـم تُـحِط به خبرا قال له موسى: لا تُؤَاخِذْنِـي بِـمَا نَسِيتُ. فـاختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: كان هذا الكلام من موسى علـيه السلام للعالِـم معارضة, لا أنه كان نسي عهده, وما كان تقدّم فـيه حين استصحبه بقوله: فإنِ اتّبَعْتَنِـي فَلا تَسألْنِـي عَنْ شَيْءٍ حتـى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرا. ذكر من قال ذلك:
17508ـ حُدثت عن يحيى بن زياد, قال: ثنـي يحيى بن الـمهلب, عن رجل, عن سعيد بن جبـير, عن أبـيّ بن كعب الأنصاريّ فـي قوله: لا تُؤَاخِذْنِـي بِـمَا نَسِيتُ قال: لـم ينس, ولكنها من معاريض الكلام.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تؤاخذنـي بتركي عهدك, ووجه أن معنى النسيان: الترك. ذكر من قال ذلك:
17509ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق, عن الـحسن بن عمارة, عن الـحكم, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس قالَ لا تُؤاخِذْنِـي بِـمَا نَسِيتُ: أي بـما تركت من عهدك.
والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن موسى سأل صاحبه أن لا يؤاخذِه بِـما نسِي فـيه عهده من سؤاله إياه علـى وجه ما فعل وسببه لا بـما سأله عنه, وهو لعهده ذاكر للصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, بأن ذلك معناه من الـخبر, وذلك ما:
17510ـ حدثنا به أبو كريب, قال: حدثنا يحيى بن آدم, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن عمرو بن دينار, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, عن أبـيّ بن كعب, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تُؤاخِذْنِـي بِـمَا نَسِيتُ قالَ: «كانَتِ الأُوَلـى مِنْ مُوسَى نِسْيانا».
وقوله: ولا تُرْهِقْنِـي مِنْ أمْرِي عُسْرا يقول: لا تُغْشِنـي من أمري عسرا, يقول: لا تضيق علـيّ أمري معك, وصحبتـي إياك.

الآية : 74
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَانْطَلَقَا حَتّىَ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نّكْراً }.
يقول تعالـى ذكره: فـانطلقا حتـى إذا لقـيا غلاما فقتله العالـم, فقال له موسى: أقتلت نفسا زكية.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الـحجاز والبصرة: «أقَتَلْتَ نَفْسا زَاكِيَةً» وقالوا معنى ذلك: الـمطهرة التـي لا ذنب لها, ولـم تذنب قطّ لصغرها. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة: نَفْسا زَكِيّةً بـمعنى: التائبة الـمغفور لها ذنوبها. ذكر من قال ذلك:
17511ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: أقَتَلْتَ نَفْسا زَكِيّةً والزكية: التائبة.
17512ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قالَ أقَتَلْتَ نَفْسا زَكِيّةً قال: الزكية: التائبة.
17513ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر أقَتَلْتَ نَفْسا زَاكِيَةً قال: قال الـحسن: تائبة, هكذا فـي حديث الـحسن وشهْر زاكية.
17514ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله نَفْسا زَكيّةً قال: تائبة. ذكر من قال: معناها الـمسلـمة التـي لا ذنب لها:
17515ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي يعلـى بن مسلـم, أنه سمع سعيد بن جبـير يقول: وجد خضر غلـمانا يـلعبون, فأخذ غلاما ظريفـا فأضجعه ثم ذبحه بـالسكين. قال: وأخبرنـي وهب بن سلـيـمان عن شعيب الـجبئي قال: اسم الغلام الذي قتله الـخضر: جيسور «قالَ أقَتَلْتَ نَفْسا زَاكِيَةً» قال: مسلـمة. قال: وقرأها ابن عبـاس: زَكِيّةً كقولك: زكيا.
وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب من أهل الكوفة يقول: معنى الزكية والزاكية واحد, كالقاسية والقسية, ويقول: هي التـي لـم تـجن شيئا, وذلك هو الصواب عندي لأنـي لـم أجد فرقا بـينهما فـي شيء من كلام العرب.
فإذا كان ذلك كذلك, فبأيّ القراءتـين قرأ ذلك القارىء فمصيب, لأنهما قراءتان مستفـيضتان فـي قرأة الأمصار بـمعنى واحد.
وقوله: بِغَيْرِ نَفْسٍ يقول: بغير قصاص بنفس قتلت, فلزمها القتل قودا بها. وقوله: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا نُكْرا يقول: لقد جئت بشيء منكر, وفعلت فعلاً غير معروف. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل: ذكر من قال ذلك:
17516ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا نُكْرا والنّكْرُ أشدّ من الإمر