تفسير الطبري تفسير الصفحة 305 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 305
306
304
 سورة مريـم مكية
وآياتها ثمان وتسعون
بِسمِ اللّهِ الرحمَن الرّحِيـمِ
الآية : 1
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { كَهيعَصَ }.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله تعالـى ذكره: كاف من كهيعص فقال بعضهم: تأويـل ذلك أنها حرف من اسمه الذي هو كبـير, دلّ به علـيه, واستغنى بذكره عن ذكر بـاقـي الاسم. ذكر من قال ذلك:
17664ـ حدثنـي أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس, قال: حدثنا عبثر, قال: حدثنا حصين, عن إسماعيـل بن راشد, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس فـي هذه الاَية كهيعص قال: كبـير, يعنـي بـالكبـير: الكاف من كهيعص.
حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن حصين, عن إسماعيـل بن راشد, عن سعيد بن جبـير, مثله.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا حصين, عن إسماعيـل بن راشد, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, كان يقول كهيعص قال: كاف: كبـير.
حدثنـي أبو السائب, قال: أخبرنا ابن إدريس, عن حصين, عن إسماعيـل بن راشد, عن سعيد بن جبـير فـي كهيعص قال: كاف: كبـير.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحم بن مهدي, قال: حدثنا سفـيان, عن حصين, عن إسماعيـل, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, نـحوه.
وقال آخرون: بل الكاف من ذلك حرف من حروف اسمه الذي هو كاف. ذكر من قال ذلك:
17665ـ حدثنـي يحيى بن طلـحة الـيربوعي, قال: أخبرنا شريك, عن سالـم, عن سعيد, فـي قوله كهيعص قال: كاف: كافٍ.
17666ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح, قال: أخبرنا أبو روق, عن الضحاك بن مزاحم فـي قوله: كهيعص قال: كاف: كافٍ.
17667ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام عن عنبسة, عن الكلبـي مثله.
وقال آخرون: بل هو حرف من حروف اسمه الذي هو كريـم. ذكر من قال ذلك:
17668ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن عطاء, عن سعيد بن جبـير كهيعص قال: كاف من كريـم.
وقال الذين فسروا ذلك هذا التفسير الهاء من كهيعص: حرف من حروف اسمه الذي هو هاد. ذكر من قال ذلك:
17669ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا أبو حصين, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: كان يقول فـي الهاء من كهيعص: هاد.
حدثنا أبو حصين, قال: حدثنا عبثر, قال: حدثنا حصين, عن إسماعيـل بن راشد, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, مثله.
حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن حصين, عن إسماعيـل, عن سعيد, مثله.
حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن حصين, عن إسماعيـل بن راشد, عن سعيد بن جبـير نـحوه.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن حُصَين, عن إسماعيـل, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, مثله.
حدثنـي يحيى بن طلـحة, قال: حدثنا شريك, عن سالـم, عن سعيد بن جبـير, قال: ها: هاد.
17670ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح, قال: أخبرنا أبو روق, عن الضحاك بن مزاحم, فـي قوله كهيعص قال: ها: هاد.
17671ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, قال: حدثنا عنبسة, عن الكلبـيّ, مثله.
واختلفوا فـي تأويـل الـياء من ذلك, فقال بعضهم: هو حرف من حروف اسمه الذي هو يـمين. ذكر من قال ذلك:
17672ـ حدثنـي أبو حصين, قال: حدثنا عبثر, قال: حدثنا حصين, عن إسماعيـل بن راشد, عن سعيد بن جبـير عن ابن عبـاس, قال: «يا» من كهيعص ياء يـمين.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا حصين, عن إسماعيـل بن راشد, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, مثله.
حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن حُصين, عن إسماعيـل بن راشد, عن سعيد بن جبـير مثله.
حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن حُصين, عن إسماعيـل بن راشد, عن سعيد بن جبـير ياء: يـمين.
وقال آخرون: بل هو حرف من حروف اسمه الذي هو حكيـم. ذكر من قال ذلك:
17673ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن عطاء, عن سعيد بن جبـير كهيعص قال: يا: من حكيـم.
وقال آخرون: بل هي حرف من قول القائل: يا من يجير. ذكر من قال ذلك:
17674ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا إبراهيـم بن الضريس, قال: سمعت الربـيع بن أنس فـي قوله كهيعص قال: يا من يجير ولا يجار علـيه.
واختلف متأوّلو ذلك كذلك فـي معنى العين, فقال بعضهم: هي حرف من حروف اسمه الذي هو عالـم. ذكر من قال ذلك:
17675ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن عطاء, عن سعيد كهيعص قال: عين من عالـم.
17676ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن الكلبـي, مثله.
17677ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا حصين, عن إسماعيـل بن راشد, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, مثله.
17678ـ حدثنا عمرو, قال: حدثنا مروان بن معاوية, عن العلاء بن الـمسيب بن رافع, عن أبـيه, فـي قوله كهيعص قال: عين: من عالـم.
وقال آخرون: بل هي حرف من حروف اسمه الذي هو عزيز. ذكر من قال ذلك:
17679ـ حدثنـي أبو حصين, قال: حدثنا عبثر, قال: حدثنا حصين, عن إسماعيـل بن راشد, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس كهيعص عين: عزيز.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن حصين, عن إسماعيـل, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, مثله.
حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن حصين, عن إسماعيـل بن راشد, عن سعيد بن جبـير مثله.
حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن حصين, عن إسماعيـل بن راشد, عن سعيد بن جبـير مثله.
حدثنـي يحيى بن طلـحة الـيربوعي, قال: حدثنا شريك, عن سالـم, عن سعيد بن جبـير, فـي قوله كهيعص قال: عين عزيز.
وقال آخرون: بل هي حرف من حروف اسمه الذي هو عدل. ذكر من قال ذلك:
17680ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح, قال: أخبرنا أبو روق, عن الضحاك بن مزاحم, فـي قوله كهيعص قال: عين: عدل.
وقال الذين تأوّلوا ذلك هذا التأويـل: الصاد من قوله كهيعص: حرف من حروف اسمه الذي هو صادق. ذكر الرواية بذلك:
17681ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا حصين, عن إسماعيـل بن راشد, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: كان يقول فـي كهيعص صاد: صادق.
حدثنـي أبو حصين, قال: حدثنا عبثر, قال: حدثنا حصين, عن إسماعيـل بن راشد, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, مثله.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن حصين, عن إسماعيـل, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, مثله.
حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن حصين, عن إسماعيـل بن راشد, عن سعيد بن جبـير مثله.
حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن حصين, عن إسماعيـل بن راشد, عن سعيد بن جبـير, مثله.
17682ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح, قال: أخبرنا أبو روق, عن الضحاك بن مزاحم, قال: صاد: صادق.
حدثنـي يحيى بن طلـحة, قال: حدثنا شريك, عن سالـم, عن سعيد, قال: صادق, يعنـي الصاد من كهيعص.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن عطاء, عن سعيد كهيعص قال: صاد صادق.
17683ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, قال: حدثنا عنبسة, عن الكلبـي, قال: صادق.
وقال آخرون: بل هذه الكلـمة كلها اسم من أسماء الله تعالـى. ذكر من قال ذلك:
17684ـ حدثنـي مـحمد بن خالد بن خداش, قال: ثنـي سالـم بن قتـيبة, عن أبـي بكر الهُذَلـيّ, عن عاتكة, عن فـاطمة ابنة علـيّ قالت: كان علـيّ يقول: يا كهيعص: اغفر لـي.
17685ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قوله: كهيعص قال: فإنه قسم أقسم الله به, وهو من أسماء الله.
وقال آخرون: كلّ حرف من ذلك اسم من أسماء الله عزّ وجلّ. ذكر من قال ذلك:
17686ـ حدثنـي مطر بن مـحمد الضبـي, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, عن عبد العزيز بن مسلـم القسملـي, عن الربـيع بن أنس, عن أبـي العالـية, قال: كهيعص لـيس منها حرف إلا وهو اسم.
وقال آخرون: هذه الكلـمة اسم من أسماء القرآن. ذكر من قال ذلك:
17687ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله كهيعص قال: اسم من أسماء القرآن.
قال أبو جعفر: والقول فـي ذلك عندنا نظير القول فـي الـم وسائر فواتـح سور القرآن التـي افتتـحت أوائلها بحروف الـمعجم, وقد ذكرنا ذلك فـيـما مضى قبل, فأغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
الآية : 2 - 4
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّآ * إِذْ نَادَىَ رَبّهُ نِدَآءً خَفِيّاً * قَالَ رَبّ إِنّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنّي وَاشْتَعَلَ الرّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبّ شَقِيّاً }.
اختلف أهل العربـية فـي الرافع للذكر, والناصب للعبد, فقال بعض نـحويـي البصرة فـي معنى ذلك كأنه قال: مـما نقصّ علـيك ذكر رحمة ربك عبده, وانتصب العبد بـالرحمة كما تقول: ذكر ضرب زيد عمرا. وقال بعض نـحويـي الكوفة: رفعت الذكر بكهيعص, وإن شئت أضمرت هذا ذكر رحمة ربك, قال: والـمعنى ذكر ربك عبده برحمته تقديـم وتأخير.
قال أبو جعفر: والقول الذي هو الصواب عندي فـي ذلك أن يقال: الذكر مرفوع بـمضمر مـحذوف, وهو هذا كما فعل ذلك فـي غيرها من السور, وذلك كقول الله: بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وكقوله: سُورَةٌ أنْزَلْناها ونـحو ذلك. والعبد منصوب بـالرحمة, وزكريا فـي موضع نصب, لأنه بـيان عن العبد, فتأويـل الكلام: هذا ذكر رحمة ربك عبده زكريا.
وقوله: إذْ نادَى رَبّهُ نِدَاءً خَفِـيّا يقول حين دعا ربه, وسأله بنداء خفـيّ, يعنـي: وهو مستسرّ بدعائه ومسألته إياه ما سأل كراهته منه للرياء, كما:
17688ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إذْ نادَى رَبّهُ نِدَاءً خَفِـيّا أي سرّا, وإن الله يعلـم القلب النقـيّ, ويسمع الصوت الـخفـيّ.
17689ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: إذْ نادَى رَبّهُ نِدَاءً خَفِـيّا قال: لا يريد رياء.
17690ـ حدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: رغب زكريا فـي الولد, فقام فصلـى, ثم دعا ربه سرّا, فقال: رَبّ إنّـي وَهَنَ العَظْمُ مِنّـي... إلـى وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّا.
وقوله: قالَ رَبّ إنّـي وَهَنَ العَظْمُ مِنّـي يقول تعالـى ذكره, فكان نداؤه الـخفـيّ الذي نادى به ربه أن قال: رَبّ إنّـي وَهَنَ العَظْمُ مِنّـي يعنـي بقوله وَهَنَ ضعف ورقّ من الكبر, كما:
17691ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قالَ رَبّ إنّـي وَهَنَ العَظْمُ مِنّـي أي ضعف العظم منـي.
17692ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: وَهَنَ العَظْمُ مِنّـي قال: نَـحَل العظم. قال عبد الرزاق, قال: الثوريّ: وبلغنـي أن زكريا كان ابن سبعين سنة.
وقد اختلف أهل العربـية فـي وجه النصب فـي الشّيْب, فقال بعض نـحويّـي البصرة: نصب علـى الـمصدر من معنى الكلام, كأنه حين قال: اشتعل, قال: شاب, فقال: شَيْبـا علـى الـمصدر. قال: ولـيس هو فـي معنى: تفقأت شحما وامتلأت ماء, لأن ذلك لـيس بـمصدر. وقال غيره: نصب الشيب علـى التفسير, لأنه يقال: اشتعل شيبُ رأسي, واشتعل رأسي شيبـا, كما يقال: تفقّأت شحما, وتفقّأ شحمي.
وقوله: ولَـمْ أكُنْ بِدُعائِكَ رَبّ شَقِـيّا يقول: ولـم أشق يا ربّ بدعائك, لأنك لـم تـخيب دعائي قبل إذ كنت أدعوك فـي حاجتـي إلـيك, بل كنت تـجيب وتقضي حاجتـي قبلك. كما:
17693ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج عن ابن جريج, قوله: ولَـمْ أكُنْ بدُعائِكَ رَبّ شَقِـيّا يقول: قد كنت تعرّفنـي الإجابة فـيـما مضى.
الآية : 5 و 6
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَإِنّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّاً }.
يقول: وإنـي خفت بنـي عمي وعصبتـي من ورائي. يقول: من بعدي أن يرثونـي, وقـيـل: عنى بقوله مِنْ وَرَائي من قدّامي ومن بـين يديّ وقد بـيّنت جواز ذلك فـيـما مضى قبل. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
17694ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وإنّـي خِفْتُ الـمَوَالِـيَ مِنْ وَرَائي يعنـي بـالـموالـي: الكَلالة الأولـياء أن يرثوه, فوهب الله له يحيى.
17695ـ حدثنا يحيى بن داود الواسطي, قال: حدثنا أبو أسامة, عن إسماعيـل, عن أبـي صالـح فـي قوله: وإنّـي خِفْتُ الـمَوَالِـيَ مِنْ وَرَائي قال: العصبة.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح, عن إسماعيـل, عن أبـي صالـح فـي قوله وإنّـي خِفْتُ الـمَوَالِـيَ مِنْ وَرَائي قال: خاف موالـيَ الكلالة.
حدثنا مـجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي صالـح بنـحوه.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي صالـح وإنّـي خِفْتُ الـمَوَالِـيَ مِنْ وَرَائي قال: يعنـي الكلالة.
17696ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: خِفْتُ الـمَوَالِـيَ مِنْ وَرَائي قال: العَصَبة.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
17697ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قوله: وإنّـي خِفْتُ الـمَوَالِـيَ مِنْ وَرَائي قال: العصبة.
17698ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ وإنّـي خِفْتُ الـمَوَالِـيَ مِنْ وَرَائي والـموالـي: هنّ العصبة, والـموالـي: جمع مولـى, والـمولـى والولـيّ فـي كلام العرب واحد.
وقرأت قراء الأمصار: وإنّـي خِفْتُ الـمَوَالِـيَ بـمعنى: الـخوف الذي هو خلاف الأمن. وروي عن عثمان بن عفـان أنه قرأه: «وإنّـي خَفّتِ الـمَوَالـيَ» بتشديد الفـاء وفتـح الـخاء من الـخفة, كأنه وجه تأويـل الكلام: وإنـي ذهبت عصبتـي ومن يرثنـي من بنـي أعمامي. وإذا قرىء ذلك كذلك كانت الـياء من الـموالـي مسكنة غير متـحركة, لأنها تكون فـي موضع رفع بخفّتْ.
وقوله: وكانَتِ امْرأتـي عاقِرا يقول: وكانت زوجتـي لا تلد, يقال منه: رجل عاقر, وامرأة عاقر بلفظ واحد, كما قال الشاعر:
لَبِئْسَ الفَتـى أنْ كُنْتُ أعْوَرَ عاقِراجَبـانا فَمَا عُذْرِي لَدَى كُلّ مَـحْضَرِ
وقوله: فَهَبْ لـي مِنْ لَدُنْكَ وَلِـيّا يقول: فـارزقنـي من عندك ولدا وارثا ومعينا).
وقوله: يَرِثُنِـي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ يقول: يرثنـي من بعد وفـاتـي مالـي, ويرث من آل يعقوب النبوّة, وذلك أن زكريا كان من ولد يعقوب. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
17699ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح, عن إسماعيـل, عن أبـي صالـح, قوله يَرِثُنِـي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ يقول: يرث مالـي, ويرث من آل يعقوب النبوّة.
حدثنا مـجاهد, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا إسماعيـل, عن أبـي صالـح فـي قوله يَرِثُنِـي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ قال: يرث مالـي, ويرث من آل يعقوب النبوّة.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي صالـح, فـي قوله يَرِثُنِـي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ قال: يرثنـي مالـي, ويرث من آل يعقوب النبوّة.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي صالـح, فـي قوله يَرِثُنِـي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ قال: يكون نبـيا كما كانت أبـاؤه أنبـياء.
17700ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد يَرِثُنِـي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ قال: وكان وارثته علـما, وكان زكريا من ذرّية يعقوب.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قال: كان وارثته علـما, وكان زكريا من ذرية يعقوب.
17701ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, عن الـحسن, فـي قوله: يَرِثُنِـي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ قال: نبوّته وعلـمه.
17702ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح, عن مبـارك, عن الـحسن, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللّهُ أخِي زَكَرِيّا, ما كانَ عَلَـيْهِ مِنْ وَرَثَةِ مالِهِ حِينَ يَقُولُ فَهَبْ لـي مِنْ لَدُنْكَ وَلِـيّا, يَرِثُنِـي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ».
17703ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يَرِثُنِـي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ قال: كان الـحسن يقول: يرث نبوّته وعلـمه. قال قتادة: ذُكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الاَية, وأتـى علـى يَرِثُنِـي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ قال: «رحم الله زكريا ما كان علـيه من ورثته».
17704ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, قال: «يَرْحَمُ اللّهُ زَكَرِيّا وَما كانَ عَلَـيْهِ مِنْ وَرَثَتِهِ, وَيَرْحَمُ اللّهُ لُوطا إنْ كانَ لَـيَأْوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ».
17705ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فَهَبْ لـي مِنْ لَدُنْكَ وَلِـيّا يَرِثُنِـي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ قال: يرث نبوّتـي ونبوّة آل يعقوب.
واختلف القرّاء فـي قراءة قوله: يَرِثُنِـي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ فقرأت ذلك عامّة قرّاء الـمدينة ومكة وجماعة من أهل الكوفة: يَرِثُنِـي وَيَرِثُ برفع الـحرفـين كلـيهما, بـمعنى: فهب الذي يرثنـي ويرث من آل يعقوب, علـى أن يرثنـي ويرث من آل يعقوب, من صلة الولـيّ. وقرأ ذلك جماعة من قرّاء أهل الكوفة والبصرة: «يَرِثْنِـي ويَرِثْ» بجزم الـحرفـين علـى الـجزاء والشرط, بـمعنى: فهب لـي من لدنك ولـيا فإنه يرثنـي إذا وهبته لـي. وقال الذين قرأوا ذلك كذلك: إنـما حسُن ذلك فـي هذا الـموضع, لأن يرثنـي من آية غير التـي قبلها. قالوا: وإنـما يحسُن أن يكون مثل هذا صلة, إذا كان غير منقطع عما هو له صلة, كقوله: رِدْءا يُصَدّقُنِـي.
قال أبو جعفر: وأولـى القراءتـين عندي فـي ذلك بـالصواب قراءة من قرأه برفع الـحرفـين علـى الصلة للولـيّ, لأنّ الولـيّ نكرة, وأن زكريا إنـما سأل ربه أن يهب له ولـيا يكون بهذه الصفة, كما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا أنه سأله ولـيا, ثم أخبر أنه إذا وهب له ذلك كانت هذه صفته, لأن ذلك لو كان كذلك, كان ذلك من زكريا دخولاً فـي علـم الغيب الذي قد حجبه الله عن خـلقه.
وقوله: وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّا يقول: واجعل يا ربّ الولـيّ الذي تهبه لـي مرضيا ترضاه أنت ويرضاه عبـادك دينا وخُـلُقا وخَـلْقا. والرضي: فعيـل صرف من مفعول إلـيه.


الآية : 7
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { يَزَكَرِيّآ إِنّا نُبَشّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَىَ لَمْ نَجْعَل لّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً }.
يقول تعالـى ذكره: فـاستـجاب له ربه, فقال له: يا زكريا إنا نبشرك بهبتنا لك غلاما اسمه يحيى. كان قتادة يقول: إنـما سماه الله يحيى لإحيائه إياه بـالإيـمان.
17706ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله يا زَكَرِيّا إنّا نُبَشّرُكَ بغُلام اسمُهُ يَحْيَى عبد أحياه الله للإيـمان.
وقوله: لَـمْ نَـجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: معناه لـم تلد مثله عاقر قط. ذكر من قال ذلك:
17707ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله لـيحيى: لَـمْ نَـجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا يقول: لـم تلد العواقر مثله ولدا قط.
وقال آخرون: بل معناه: لـم نـجعل له من قبله مثلاً. ذكر من قال ذلك:
17708ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا أبو الربـيع, قال: حدثنا سالـم بن قتـيبة, قال: أخبرنا شعبة, عن الـحكم, عن مـجاهد, فـي قوله لَـمْ نَـجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا قال: شبـيها.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله لَـمْ نَـجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا قال: مثلاً.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
وقال آخرون: معنى ذلك, أنه لـم يسمّ بـاسمه أحد قبله. ذكر من قال ذلك:
17709ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لَـمْ نَـجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا لـم يسمّ به أحد قبله.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله لَـمْ نَـجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا قال: لـم يسمّ يحيى أحد قبله.
17710ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, مثله.
17711ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلـم فـي قول الله: لَـمْ نَـجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا قال: لـم يسمّ أحد قبله بهذا الاسم.
17712ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ إنّ اللّهَ يُبَشّرُكَ بغُلامٍ اسمُهُ يَحْيَى لَـمْ نَـجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا لـم يسمّ أحد قبله يحيى.
قال أبو جعفر: وهذا القول أعنـي قول من قال: لـم يكن لـيحيى قبل يحيى أحد سمي بـاسمه أشبه بتأويـل ذلك, وإنـما معنى الكلام: لـم نـجعل للغلام الذي نهب لك الذي اسمه يحيى من قبله أحدا مسمى بـاسمه, والسميّ: فعيـل صرف من مفعول إلـيه.
الآية : 8
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قَالَ رَبّ أَنّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً }.
يقول تعالـى ذكره: قال زكريا لـما بشره الله بـيحيى: ربّ أنّـي يكونُ لـي غُلام, ومن أيّ وجه يكون لـي ذلك, وامرأتـي عاقر لا تـحبل, وقد ضعُفت من الكبر عن مبـاضعة النساء أبأن تقوّينـي علـى ما ضعفت عنه من ذلك, وتـجعل زوجتـي ولودا, فإنك القادر علـى ذلك وعلـى ما تشاء, أم بأن أنكح زوجة غير زوجتـي العاقر, يستثبت ربه الـخبر, عن الوجه الذي يكون من قبله له الولد, الذي بشره الله به, لا إنكارا منه صلى الله عليه وسلم حقـيقة كون ما وعده الله من الولد, وكيف يكون ذلك منه إنكارا لأن يرزقه الولد الذي بشّره به, وهو الـمبتدىء مسألة ربه ذلك بقوله: فَهَبْ لـي مِنْ لَدُنْكَ وَلِـيّا يَرِثُنِـي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ بعد قوله إنّـي وَهَنَ العَظْمُ مِنـي وَاشْتَعَلَ الرّأسُ شَيْبـا. وقال السدّي فـي ذلك ما:
17713ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: نادى جبرائيـل زكريا: إنّ اللّهَ يُبَشّرُكَ بغُلام اسمُهُ يَحْيَى لَـمْ نَـجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا فلـما سمع النداء, جاءه الشيطان فقال: يا زكريا إن الصوت الذي سمعت لـيس من الله, إنـما هو من الشيطان يسخر بك, ولو كان من الله أوحاه إلـيك كما يوحي إلـيك غيره من الأمر, فشكّ وقال: إنّـي يَكُونُ لـي غُلامٌ يقول: من أين يكون وَقَدْ بَلَغَنِـيَ الكِبَرُ وَامْرَأتِـي عاقِرٌ.
وقوله: وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِـيّا يقول: وقد عتوت من الكبر فصرت نـحل العظام يابسها, يقال منه للعود الـيابس: عود عاتٍ وعاسٍ, وقد عتا يعتو عِتِـيّا وعُتُوّا, وعسى يعسو عِسِيا وعسوّا, وكلّ متناه إلـى غايته فـي كبر أو فساد, أو كفر, فهو عات وعاس. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
17714ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حصين, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: قد علـمتُ السنة كلها, غير أنـي لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فـي الظهر والعصر أم لا, ولا أدري كيف كان يقرأ هذا الـحرف: وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِـيّا أو «عِسِيّا».
17715ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِـيّا قال: يعنـي بـالعِتـيّ: الكبر..
17716ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله عِتِـيّا قال: نُـحول العظم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
17717ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله مِنَ الكِبَرِ عِتِـيّا قال: سنّا, وكان ابن بضع وسبعين سنة.
17718ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَقَدْ بَلَغْت مِنَ الكِبَرِ عِتِـيّا قال: العتـيّ: الذي قد عتا عن الولد فـيـما يرى نفسه لا يولد له.
17719ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَقَدْ بَلَغْتُ منَ الكبَرِ عتـيّا قال: هو الكبر.

الآية : 9 و 10
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبّكَ هُوَ عَلَيّ هَيّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً * قَالَ رَبّ اجْعَل لِيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلّمَ النّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً }.
يقول تعالـى ذكره: قال الله لزكريا مـجيبـا له قالَ كَذلكَ يقول: هكذا الأمر كما تقول من أنّ امرأتك عاقر, وأنك قد بلغت من الكبر العتـيّ, ولكن ربك يقول: خـلْق ما بشّرتك به من الغلام الذي ذكرت لك أن اسمه يحيى علـيّ هين, فهو إذن من قوله: قالَ رَبّكَ هُوَ عَلـيّ هَيّنٌ كناية عن الـخـلق.
وقوله: وَقَدْ خـلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ ولَـمْ تَك شَيْئا يقول تعالـى ذكره: ولـيس خـلق ما وعدتك أن أهبه لك من الغلام الذي ذكرت لك أمره منك مع كبر سنك, وعقم زوجتك بأعجب من خـلقـيك, فإنـي قد خـلقتك, فأنشأتك بشرا سويا من قبل خـلقـي ما بشرتك بأنـي واهبه لك من الولد, ولـم تك شيئا, فكذلك أخـلق لك الولد الذي بشرتك به من زوجتك العاقر, مع عِتـيك ووهن عظامك, واشتعال شيب رأسك.
وقوله: قالَ رَبّ اجْعَلْ لـي آيَة يقول تعالـى ذكره: قال زكريا: يا ربّ اجعل لـي علـما ودلـيلاً علـى ما بشّرَتنـي به ملائكتك من هذا الغلام عن أمرك ورسالتك, لـيطمئنّ إلـى ذلك قلبـي. كما:
17720ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: قالَ رَبّ اجْعَلْ لـي آيَةً قال: قال ربّ اجعل لـي آية أن هذا منك.
17721ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: قال ربّ, فإن كان هذا الصوت منك فـاجعل لـي آية.
قال الله آيَتُكَ لذلك ألاّ تُكَلّـمَ النّاسَ ثَلاثَ لَـيالٍ سَوِيّا يقول جلّ ثناؤه: علامتك لذلك, ودلـيـلك علـيه أن لا تكلـم الناس ثلاث لـيال وأنت سويّ صحيح, لا علة بك من خرس ولا مرض يـمنعك من الكلام. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
17722ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن عطاء, عن سعيد, عن ابن عبـاس ثَلاثَ لَـيالٍ سَوِيّا قال: اعتقل لسانه من غير مرض.
حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله ثَلاثَ لَـيالٍ سَوِيّا يقول: من غير خرس.
17723ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله ثَلاثَ لَـيالٍ سَوِيّا قال: لا يـمنعك من الكلام مرض.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد ألاّ تُكَلّـمَ النّاسَ ثَلاثَ لَـيالٍ سَوِيّا قال: صحيحا لا يـمنعك من الكلام مرض.
17724ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قالَ آيَتُكَ ألاّ تُكَلّـمَ النّاسَ ثَلاثَ لَـيالٍ سَوِيّا من غير بأس ولا خرس, وإنـما عوقب بذلك لأنه سأل آية بعد ما شافهته الـملائكة مشافهة, أُخذ بلسانه حتـى ما كان يفـيض الكلام إلا أومأ إيـماء.
17725ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, عن عكرمة, فـي قوله ثَلاثَ لَـيالٍ سَوِيّا قال: سويا من غير خرس.
17726ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله قالَ آيَتُكَ ألاّ تُكَلّـمَ النّاسَ ثَلاثَ لَـيالٍ سَوِيّا وأنت صحيح, قال: فحبس لسانه, فكان لا يستطيع أن يكلـم أحدا, وهو فـي ذلك يسبح, ويقرأ التوراة ويقرأ الإنـجيـل, فإذا أراد كلام الناس لـم يستطع أن يكلـمهم.
17727ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عمن لايتهم, عن وهب بن منبه الـيـمانـي, قال: أخذ الله بلسانه من غير سوء, فجعل لا يطيق الكلام, وإنـما كلامه لقومه بـالإشارة, حتـى مضت الثلاثة الأيام التـي جعلها الله آية لـمصداق ما وعده من هبته له.
17728ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ قالَ آيَتُكَ ألاّ تُكَلّـمَ النّاسَ ثَلاثَ لَـيالٍ سَوِيّا يقول: من غير خَرَس إلا رمزا, فـاعتُقل لسانه ثلاثة أيام وثلاث لـيال.
وقال آخرون: السويّ من صفة الأيام, قالوا: ومعنى الكلام: قال: آيتك ألا تكلـم الناس ثلاث لـيال متتابعات. ذكر من قال ذلك:
17729ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: قالَ آيَتُكَ ألاّ تُكَلّـمَ النّاسَ ثَلاثَ لَـيالٍ سَوِيّا: قال: ثلاث لـيال متتابعات.

الآية : 11
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَخَرَجَ عَلَىَ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىَ إِلَيْهِمْ أَن سَبّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً }.
يقول تعالـى ذكره: فخرج زكريا علـى قومه من مُصَلاه حين حُبس لسانه عن كلام الناس, آية من الله له علـى حقـيقة وعده إياه ما وعد. فكان ابن جريج يقول فـي معنى خروجه من مـحرابه, ما:
17730ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج فَخَرَجَ علـى قَوْمِهِ مِنَ الـمِـحْرابِ قال: أشرف علـى قومه من الـمـحراب.
قال أبو جعفر: وقد بـيّنا معنى الـمـحراب فـيـما مضى قبل, بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
17731ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: فَخَرَجَ عَلـى قومِهِ مِنَ الـمِـحْرابِ قال: الـمـحراب: مُصَلاه, وقرأ: فَنادَتْهُ الـمَلائِكَةُ وَهُوَ قائمٌ يُصَلّـي فِـي الـمِـحْرَابِ.
وقوله: فَأوْحَى إلَـيْهِمْ يقول: أشار إلـيهم, وقد تكون تلك الإشارة بـالـيد وبـالكتاب وبغير ذلك, مـما يفهم به عنه ما يريد. وللعرب فـي ذلك لغتان: وَحَى, وأوحى فمن قال: وَحَى, قال فـي يفعل: يَحِي ومن قال: أوحى, قال: يُوحِي, وكذلك أَومَى ووَمَى, فمن قال: وَمَى, قال فـي يفعل يَـمِي ومن قال أَومَى, قال يُومِي.
واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي به أوحى إلـى قومه, فقال بعضهم: أوحى إلـيهم إشارة بـالـيد. ذكر من قال ذلك:
17732ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فَأَوْحَى: فأشار زكريا.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
17733ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عمن لا يتهم, عن وهب بن منبه فَأَوْحَى إلَـيْهِمْ قال: الوحي: الإشارة.
17734ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فأَوْحَى إلَـيْهِمْ قال: أومى إلـيهم.
وقال آخرون: معنى أوحى: كتب. ذكر من قال ذلك:
17735ـ حدثنا مـحمود بن خداش, قال: حدثنا عبـاد بن العوّام, عن سفـيان بن حسين, عن الـحكم, عن مـجاهد, فـي قول الله تعالـى: فأَوْحَى إلَـيْهِمْ أنْ سَبّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّا قال: كتب لهم فـي الأرض.
17736ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن الثوريّ, عن ابن أبـي لـيـلـى, عن الـحكم فأَوْحَى إلَـيْهِمْ قال: كتب لهم.
17737ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فَخَرَجَ عَلـى قَوْمِهِ مِنَ الـمِـحْرابِ فكتب لهم فـي كتاب أنْ سَبّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّا, وذلك قوله: فأَوْحَى إلَـيْهِمْ.
وقال آخرون: معنى ذلك: أمرهم. ذكر من قال ذلك:
17738ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: فأَوْحَى إلَـيْهِمْ أنْ سَبّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّا قال: ما أدري كتابـا كتبه لهم, أو إشارة أشارها, والله أعلـم, قال: أمرهم أن سَبّحوا بكرة وعشيا, وهو لا يكلـمهم.
وقوله: أنْ سَبّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّا قد بـيّنت فـيـما مضى الوجوه التـي ينصرف فـيها التسبـيح, وقد يجوز فـي هذا الـموضع أن يكون عَنَى به التسبـيح الذي هو ذكر الله, فـيكون أمرهم بـالفراغ لذكر الله فـي طرفـي النهار بـالتسبـيح, ويجوز أن يكون عنى به الصلاة, فـيكون أمرهم بـالصلاة فـي هذين الوقتـين. وكان قتادة يقول فـي ذلك ما:
17739ـ حدثنا به الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: فأَوْحَي إلَـيْهِمْ أنْ سَبّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّا قال: أَوْمَى إلـيهم أن صلوا بكرة وعشيا