تفسير الطبري تفسير الصفحة 31 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 31
032
030
 الآية : 197
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الْحَجّ أَشْهُرٌ مّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنّ الْحَجّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوّدُواْ فَإِنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَىَ وَاتّقُونِ يَأُوْلِي الألْبَابِ }
يعنـي جل ثناؤه بذلك: وقت الـحجّ أشهر معلومات. «والأشهر» مرفوعات بـالـحجّ, وإن كان له وقتا لا صفة ونعتا, إذ لـم تكن مـحصورات بتعريف بإضافة إلـى معرفة أو معهود, فصار الرفع فـيهن كالرفع فـي قول العرب فـي نظير ذلك من الـمـحلّ «الـمسلـمون جانب والكفـار جانب», برفع الـجانب الذي لـم يكن مـحصورا علـى حدّ معروف, ولو قـيـل جانب أرضهم أو بلادهم لكان النصب هو الكلام.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي قوله: الـحَجّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فقال بعضهم: يعنـي بـالأشهر الـمعلومات: شوّالاً, وذا القعدة, وعشرا من ذي الـحجة. ذكر من قال ذلك:
2967ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا شريك, عن أبـي إسحاق, عن أبـي الأحوص, عن عبد الله قوله: الـحَجّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ قال: شوّال, وذو القعدة, وعشر ذي الـحجة.
2968ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان وشريك, عن خصيف, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, مثله.
2969ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن خصيف, عن مقسم عن ابن عبـاس, مثله.
2970ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا إبراهيـم بن إسماعيـل بن نصر السلـمي, قال: حدثنا إبراهيـم بن إسماعيـل بن أبـي حبـيبة, عن داود بن حصين, عن عكرمة, عن ابن عبـاس أنه قال: أشهر الـحجّ شوّال, وذو القعدة, وعشر من ذي الـحجة.
2971ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس قوله: الـحَجّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ وهنّ: شوّال, وذو القعدة, وعشر من ذي الـحجة, جعلهنّ الله سبحانه للـحجّ, وسائر الشهور للعمرة, فلا يصلـح أن يحرم أحد بـالـحجّ إلا فـي أشهر الـحجّ, والعمرة يحرم بها فـي كل شهر.
2972ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحمانـي, قال: حدثنا شريك, عن أبـي إسحاق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس فـي قوله: الـحَجّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ قال: شوّال, وذو القعدة, وعشر من ذي الـحجة.
2973ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن وأبو عامر قالا: حدثنا سفـيان, وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري عن الـمغيرة, عن إبراهيـم, مثله.
2974ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا أبو عوانة, عن مغيرة, عن إبراهيـم والشعبـي مثله.
2975ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان وإسرائيـل, عن مغيرة, عن إبراهيـم, مثله.
2976ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا إسرائيـل, عن جابر, عن عامر, مثله.
2977ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي, مثله.
2978ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
2979ـ حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي هشيـم, قال: أخبرنا الـحجاج, عن الـحكم, عن مقسم, عن ابن عبـاس. وأخبرنا مغيرة, عن إبراهيـم والشعبـي. وأخبرنا يونس, عن الـحسن. وأخبرنا جويبر, عن الضحاك. وأخبرنا حجاج, عن عطاء ومـجاهد, مثله.
2980ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا أبو الولـيد, قال: حدثنا حماد, عن عبـيد الله, عن نافع, عن ابن عمر, قال: شوّال, وذو القعدة, وعشر ذي الـحجة فـي الـحجّ أشهر معلومات.
2981ـ حدثنـي أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا ورقاء, عن عبد الله بن دينار, عن ابن عمر, قال: الـحَجّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ قال: شوّال, وذو القعدة, وعشر ذي الـحجة.
2982ـ حدثنا أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا حسين بن عقـيـل, عن الضحاك, قال: شوّال, وذو القعدة, وعشر من ذي الـحجة.
2983ـ حدثنـي الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا حسين بن عقـيـل الـخراسانـي, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول, فذكر مثله.
وقال آخرون: بل يعنـي بذلك شوّالاً, وذا القعدة, وذا الـحجة كله. ذكر من قال ذلك:
2984ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, قال: حدثنا ابن جريج, قال: قلت لنافع: أكان عبد الله يسمي أشهر الـحجّ؟ قال: نعم, شوّال, وذو القعدة, وذو الـحجة.
2985ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن بكر, قال: حدثنا ابن جريج, قال: قلت لنافع: أسمعت ابن عمر يسمي أشهر الـحجّ؟ قال: نعم, كان يسمي شوّالاً, وذا القعدة, وذا الـحجة.
2986ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا شريك, عن إبراهيـم بن مهاجر, عن مـجاهد, عن ابن عمر, قال: شوّال, وذو القعدة, وذو الـحجة.
2987ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن بكر, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: قال عطاء: الـحَجّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ, قال عطاء: فهي شوال, وذو القعدة, وذو الـحجة.
2988ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, مثله.
2989ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: الـحَجّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ أشهر الـحج: شوال, وذو القعدة, وذو الـحجة. وربـما قال: وعشر ذي الـحجة.
2990ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: الـحَجّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ قال: شوال, وذو القعدة, وذو الـحجة.
2991ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن طاوس, عن أبـيه, مثله.
2992ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي اللـيث, قال: ثنـي عقـيـل, عن ابن شهاب, قال: أشهر الـحج: شوّال, وذو القعدة, وذو الـحجة.
فإن قال لنا قائل: وما وجه قائلـي هذه الـمقالة, وقد علـمت أن عمل الـحجّ لا يعمل بعد تقضي أيام منى؟ قـيـل: إن معنى ذلك غير الذي توهمته, وإنـما عنوا بقـيـلهم الـحج ثلاثة أشهر كوامل, أنهنّ الـحجّ لا أشهر العمرة, وأن شهور العمرة سواهن من شهور السنة. ومـما يدل علـى أن ذلك معناهم فـي قـيـلهم ذلك ما:
2993ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا أيوب, عن نافع, قال: قال ابن عمر: أن تفصلوا بـين أشهر الـحجّ والعمرة فتـجعلوا العمرة فـي غير أشهر الـحجّ, أتـمّ لـحجّ أحدكم وأتـمّ لعمرته.
2994ـ حدثنـي نصر بن علـيّ الـجهضمي, قال: أخبرنـي أبـي, قال: حدثنا شعبة, قال: ما لقـينـي أيوب أو قال: ما لقـيت أيوب إلا سألنـي عن حديث قـيس بن مسلـم, عن طارق بن شهاب, قال: قلت لعبد الله: امرأة منا قد حجت, أو هي تريد أن تـحجّ, أفتـجعل مع حجها عمرة؟ فقال: ما أرى هؤلاء إلا أشهر الـحجّ. قال: فـيقول لـي أيوب ومن عنده: مثل هذا الـحديث حدثك قـيس بن مسلـم عن طارق بن شهاب أنه سأل عبد الله.
2995ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, عن ابن عون, قال: سمعت القاسم بن مـحمد يقول: إن العمرة فـي أشهر الـحجّ لـيست بتامة. قال: فقـيـل له: العمرة فـي الـمـحرّم؟ فقال: كانوا لا يرونها تامة.
2996ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان, قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف, عن ابن عون, قال: سألت القاسم بن مـحمد عن العمرة فـي أشهر الـحج, قال: كانوا لا يرونها تامة.
2997ـ حدثنا ابن بـيان الواسطي, قال: أخبرنا إسحاق عن عبد الله بن عون, عن ابن سيرين أنه كان يستـحبّ العمرة فـي الـمـحرّم, قال: تكون فـي أشهر الـحجّ. قال: كانوا لا يرونها تامة.
2998ـ حدثنا ابن بـيان, قال: حدثنا إسحاق, عن ابن عون, عن مـحمد بن سيرين, قال: قال ابن عمر للـحكم بن الأعرج أو غيره: إن أطعتنـي انتظرت حتـى إذا أهلّ الـمـحرّم خرجت إلـى ذات عرق فأهللت منها بعمرة.
2999ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا وهب بن جرير, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي يعقوب, قال: سمعت ابن عمر يقول: لأن أعتـمر فـي عشر ذي الـحجة أحبّ إلـيّ من أن أعتـمر فـي العشرين.
3000ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن قـيس بن مسلـم, عن طارق بن شهاب, قال: سألت ابن مسعود عن امرأة منا أرادت أن تـجمع مع حجها عمرة, فقال: أسمع الله يقول: الـحَجّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ما أراها إلا أشهر الـحجّ.
3001ـ حدثنـي أحمد بن الـمقدام, قال: حدثنا حزام القطعي, قال: سمعت مـحمد بن سيرين يقول: ما أحد من أهل العلـم شكّ أن عمرة فـي غير أشهر الـحجّ أفضل من عمرة فـي أشهر الـحجّ.
ونظائر ذلك مـما يطول بـاستـيعاب ذكره الكتاب, مـما يدلّ علـى أن معنى قـيـل من قال: وقت الـحجّ ثلاثة أشهر كوامل, أنهنّ من غير شهور العمرة, وأنهنّ شهور لعمل الـحجّ دون عمل العمرة, وإن كان عمل الـحجّ إنـما يعمل فـي بعضهنّ لا فـي جميعهن.
وأما الذين قالوا: تأويـل ذلك: شوّال, وذو القعدة, وعشر ذي الـحجة, فإنهم قالوا: إنـما قصد الله جل ثناؤه بقوله: الـحَجّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ إلـى تعريف خـلقه ميقات حجهم, لا الـخبر عن وقت العمرة.
قالوا: فأما العمرة, فإن السنة كلها وقت لها, لتظاهر الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اعتـمر فـي بعض شهور الـحجّ, ثم لـم يصحّ عنه بخلاف ذلك خبر.
قالوا: فإذا كان ذلك كذلك, وكان عمل الـحجّ ينقضي وقته بـانقضاء العاشر من أيام ذي الـحجة, علـم أن معنى قوله: الـحَجّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ إنـما هو ميقات الـحجّ شهران وبعض الثالث.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا قول من قال: إن معنى ذلك الـحج شهران وعشر من الثالث لأن ذلك من الله خبر عن ميقات الـحجّ ولا عمل للـحج يعمل بعد انقضاء أيام منى, فمعلوم أنه لـم يعن بذلك جميع الشهر الثالث, وإذا لـم يكن معنـيا به جميعه صحّ قول من قال: وعشر ذي الـحجة.
فإن قال قائل: فكيف قـيـل: الـحَجّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ وهو شهران وبعض الثالث؟ قـيـل إن العرب لا تـمتنع خاصة فـي الأوقات من استعمال مثل ذلك, فتقول له الـيوم يومان منذ لـم أره. وإنـما تعنـي بذلك يوما وبعض آخر, وكما قال جل ثناؤه: فَمَنْ تَعَجّلَ فِـي يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَـيْهِ وإنـما يتعجل فـي يوم ونصف. وقد يفعل الفـاعل منهم الفعل فـي الساعة, ثم يخرجه عاما علـى السنة والشهر, فـيقول: زرته العام وأتـيته الـيوم, وهو لا يريد بذلك أن فعله أخذ من أول الوقت الذي ذكره إلـى آخره, ولكنه يعنـي أنه فعله إذ ذاك وفـي ذلك الـحين, فكذلك الـحجّ أشهر, والـمراد منه الـحجّ شهران وبعض آخر.
فمعنى الآية إذا: ميقات حجكم أيها الناس شهران وبعض الثالث, وهو شوّال وذو القعدة وعشر ذي الـحجة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَمَنْ فَرَضَ فِـيهِنّ الـحَجّ.
يعنـي بقوله جل ثناؤه: فَمَنْ فَرَضَ فِـيهِنّ الـحَجّ فمن أوجب الـحجّ علـى نفسه وألزمها إياه فـيهن, يعنـي فـي الأشهر الـمعلومات التـي بـينها. وإيجابه إياه علـى نفسه العزم علـى عمل جميع ما أوجب الله علـى الـحاجّ عمله وترك جميع ما أمره الله بتركه.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي يكون به الرجل فـارضا الـحجّ بعد إجماع جميعهم, علـى أن معنى الفرض: الإيجاب والإلزام, فقال بعضهم: فرض الـحجّ الإهلال. ذكر من قال ذلك:
3002ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا ورقاء, عن عبد الله الـمدنـي بن دينار, عن ابن عمر قوله: فَمَنْ فَرَضَ فِـيهِنّ الـحَجّ قال: من أهلّ بحج.
3003ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن العلاء بن الـمسيب, عن عطاء, قال: التلبـية.
3004ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, وحدثنا علـيّ, قال: حدثنا زيد جميعا, عن سفـيان الثوري: فَمَنْ فَرَضَ فِـيهِنّ الـحَجّ قال: فـالفريضة الإحرام, والإحرام: التلبـية.
3005ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحمانـي, قال: حدثنا شريك, عن إبراهيـم, يعنـي ابن مهاجر, عن مـجاهد: فَمَنْ فَرَضَ فِـيهِنّ الـحَجّ قال: الفريضة: التلبـية.
3006ـ حدثنا أحمد بن حازم, قال: حدثنا ورقاء عن عبد الله بن دينار, عن ابن عمر: فَمَنْ فَرَضَ فِـيهِنّ الـحَجّ قال: أهلّ.
3007ـ حدثنـي أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا شريك, عن مغيرة, عن إبراهيـم, قال: الفرض التلبـية, ويرجع إن شاء ما لـم يحرم.
3008ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَمَنْ فَرَضَ فِـيهِنّ الـحَجّ قال: الفرض: الإهلال.
3009ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن طاوس, عن أبـيه: فَمَنْ فَرَضَ فِـيهِنّ الـحَجّ قال: التلبـية.
3010ـ حدثنا إبراهيـم بن عبد الله بن مسلـم, قال: حدثنا أبو عمرو الضرير, قال: أخبرنا حماد بن سلـمة, عن جبر بن حبـيب, قال: سألت القاسم بن مـحمد عمن فرض فـيهنّ الـحج, قال: إذا اغتسلت ولبست ثوبك ولبـيت, فقد فرضت الـحج.
وقال آخرون: فرض الـحج إحرامه. ذكر من قال ذلك:
3011ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: فَمَنْ فَرَضَ فِـيهِنّ الـحَجّ يقول: من أحرم بحجّ أو عمرة.
3012ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, وحدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم, قالوا جميعا: حدثنا سفـيان, عن مغيرة, عن إبراهيـم: فَمَنْ فَرَضَ فِـيهِنّ الـحَجّ قال: فمن أحرم. واللفظ لـحديث ابن بشار.
3013ـ حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا شريك والـحسن بن صالـح, عن لـيث, عن عطاء, قال: الفرض: الإحرام.
3014ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا الـحجاج, عن عطاء وبعض أشياخنا عن الـحسن فـي قوله: فَمَنْ فَرَضَ فِـيهِنّ الـحَجّ قالا: فرض الـحجّ: الإحرام.
3015ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فَمَنْ فَرَضَ فِـيهِنّ الـحَجّ فهذا عند الإحرام.
3016ـ حدثنا أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا حسين بن عقـيـل, عن الضحاك, عن ابن عبـاس: قال: الفرض: الإحرام.
3017ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا حسين بن عقـيـل الـخراسانـي, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول, فذكر مثله.
3018ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, قال: أخبرنا الـمغيرة, عن إبراهيـم: فَمَنْ فَرَضَ فِـيهِنّ الـحَجّ قال: من أحرم.
وهذا القول الثانـي يحتـمل أن يكون بـمعنى ما قلنا من أن يكون الإحرام كان عند قائله الإيجاب بـالعزم.
ويحتـمل أن يكون كان عنده بـالعزم والتلبـية, كما قال القائلون القول الأول.
وإنـما قلنا: إن فرض الـحجّ الإحرام لإجماع الـجميع علـى ذلك. وقلنا: إن الإحرام هو إيجاب الرجل ما يـلزم الـمـحرم أن يوجبه علـى نفسه, علـى ما وصفنا آنفـا, لأنه لا يخـلو القول فـي ذلك من أحد أمور ثلاثة: إما أن يكون الرجل غير مـحرم إلا بـالتلبـية وفعل جميع ما يجب علـى الـموجب الإحرام علـى نفسه فعله, فإن يكن ذلك كذلك, فقد يجب أن لا يكون مـحرما إلا بـالتـجرّد للإحرام, وأن يكون من لـم يكن له متـجرّدا فغير مـحرم. وفـي إجماع الـجميع علـى أنه قد يكون مـحرما وإن لـم يكن متـجرّدا من ثـيابه بإيجابه الإحرام ما يدل علـى أنه قد يكون مـحرما وإن لـم يـلبّ, إذ كانت التلبـية بعض مشاعر الإحرام, كما التـجرّد له بعض مشاعره. وفـي إجماعهم علـى أنه قد يكون مـحرما بترك بعض مشاعر حجه ما يدلّ علـى أن حكم غيره من مشاعره حكمه. أو يكون إذ فسد هذا القول قد يكون مـحرما وإن لـم يـلبّ ولـم يتـجرّد ولـم يعزم العزم الذي وصفنا. وفـي إجماع الـجميع علـى أنه لا يكون مـحرما من لـم يعزم علـى الإحرام ويوجبه علـى نفسه إذا كان من أهل التكلـيف ما ينبىء عن فساد هذا القول, وإذ فسد هذان الوجهان فبـينة صحة الوجه الثالث, وهو أن الرجل قد يكون مـحرما بإيجابه الإحرام بعزمه علـى سبـيـل ما بـينا, وإن لـم يظهر ذلك بـالتـجرّد والتلبـية وصنـيع بعض ما علـيه عمله من مناسكه. وإذا صحّ ذلك صحّ ما قلنا من أن فرض الـحجّ هو ما قُرن إيجابه بـالعزم علـى نـحو ما بـينا قبل.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَلا رَفَثَ.
اختلف أهل التأويـل فـي معنى الرفث فـي هذا الـموضع, فقال بعضهم: هو الإفحاش للـمرأة فـي الكلام, وذلك بأن يقول: إذا حللنا فعلت بك كذا وكذا لا يكنـي عنه, وما أشبه ذلك. ذكر من قال ذلك:
3019ـ حدثنا أحمد بن حماد الدولابـي ويونس. قالا: حدثنا سفـيان, عن ابن طاوس, عن أبـيه, قال: سألت ابن عبـاس عن الرفث فـي قول الله: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ قال: هو التعريض بذكر الـجماع, وهي العِرابة من كلام العرب, وهو أدنى الرفث.
3020ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن روح بن القاسم, عن ابن طاوس فـي قوله: فَلا رَفَثَ قال: الرفث: العِرَابة والتعريض للنساء بـالـجماع.
3021ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن عون, قال: حدثنا زياد بن حصين, قال: ثنـي أبـي حصين بن قـيس, قال: أصعدت مع ابن عبـاس فـي الـحاج, وكنت له خـلـيلاً, فلـما كان بعدما أحرمنا قال ابن عبـاس, فأخذ بذنب بعيره, فجعل يـلويه, وهو يرتـجز ويقول:
وَهُنّ يَـمْشِينَ بِنا هَمِيسَاإنْ تَصْدُقِ الطّيْرُ نَنِكْ لَـمِيسَا
قال: فقلت: أترفث وأنت مـحرم؟ قال: إنـما الرفث ما قـيـل عند النساء.
3022ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن قتادة, عن رجل, عن أبـي العالـية الرياحي, عن ابن عبـاس أنه كان يحدو وهو مـحرم, ويقول:
وَهُنّ يَـمْشِينَ بِنا هَميسَاإنْ تَصْدِقِ الطّيْرُ نَنِكْ لَـمِيسَا
قال: قلت: تتكلـم بـالرفث وأنت مـحرم؟ قال: إنـما الرفث ما قـيـل عند النساء.
3023ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي يونس أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول: الرفث: إتـيان النساء والتكلـم بذلك للرجال والنساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم.
3024ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي أبو صخر, عن مـحمد بن كعب القرظي, مثله.
3025ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: قلت لعطاء: أيحلّ للـمـحرم أن يقول لامرأته: إذا حللت أصبتك؟ قال: لا, ذاك الرفث. قال: وقال عطاء: الرفث ما دون الـجماع.
3026ـ حدثنا ابن بشار, قال: ثنـي مـحمد بن بكر, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: قال عطاء: الرفث: الـجماع وما دونه من قول الفحش.
3027ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, عن ابن جريج, قال: قلت لعطاء: قول الرجل لامرأته: إذا حللت أصبتك, قال: ذاك الرفث.
3028ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن الأعمش, عن زياد بن حصين, عن أبـي العالـية, قال: كنت أمشي مع ابن عبـاس وهو مـحرم, وهو يرتـجز ويقول:
وَهُنْ يَـمْشِينَ بِنا هَمِيسَاإنْ تَصْدُقِ الطّيْرُنَنِكْ لَـمِيسَا
قال: قلت: أترفث يا ابن عبـاس وأنت مـحرم؟ قال: إنـما الرفث ما روجع به النساء.
3029ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا سفـيان ويحيى بن سعيد, عن ابن جريج, قال: أخبرنا ابن الزبـير السبـائي وعطاء, أنه سمع طاوسا قال: سمعت ابن الزبـير يقول: لا يحلّ للـمـحرم الإعرابة. فذكرته لابن عبـاس, فقال: صدق. قلت لابن عبـاس: وما الإعراب؟ قال: التعريض.
3030ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا يحيى, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: أخبرنـي الـحسن بن مسلـم, عن طاوس أنه كان يقول: لا يحلّ للـمـحرم الإعرابة. قال طاوس: والإعرابة: أن يقول وهو مـحرم: إذا حللت أصبتك.
3031ـ حدثنـي أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا فطر, عن زياد بن حصين, عن أبـي العالـية, قال: لا يكون رفث إلا ما واجهت به النساء.
3032ـ حدثنا ابن بشار, حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن علقمة بن مرثد, عن عطاء قال: كانوا يكرهون الإعرابة يعنـي التعريض بذكر الـجماع وهو مـحرم.
3033ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا أبو عاصم, عن ابن جريج, عن ابن طاوس أنه سمع أبـاه أنه كان يقول: لا تـحلّ الإعرابة, والإعرابة: التعريض.
3034ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة, عن ابن طاوس, عن أبـيه, قال: سألت ابن عبـاس عن قول الله تعالـى: فَلا رَفَثَ قال: الرفث الذي ذكر ههنا لـيس بـالرفث الذي ذكر فـي: أُحِلّ لَكُمْ لَـيْـلَةَ الصّيام الرّفَثُ إلـى نِسائِكُمْ ومن الرفث: التعريض بذكر الـجماع, وهي الإعراب بكلام العرب.
3035ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا أبو معاوية: قال: حدثنا ابن جريج, عن عطاء: أنه كره التعريبللـمـحرم.
3036ـ حدثنا عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي ابن طاوس أن أبـاه كان يقول: الرفث: الإعرابة مـما رواه من شأن النساء, والإعرابة: الإيضاح بـالـجماع.
3037ـ حدثنا عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن ابن جريج, قال: حدثنا الـحسن بن مسلـم أنه سمع طاوسا يقول: لا يحلّ للـمـحرم الإعرابة.
3038ـ حدثنـي علـيّ بن داود, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: فَلا رَفَثَ قال: الرفث: غشيان النساء والقُبَل والغَمْز, وأن يعرّض لها بـالفحش من الكلام ونـحو ذلك.
3039ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن منصور, عن مـجاهد قال: كان ابن عمر يقول للـحادي: لا تعرّض بذكر النساء.
3040ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر وابن جريج, عن ابن طاوس عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قال: الرفث فـي الصيام: الـجماع, والرفث فـي الـحجّ: الإعرابة, وكان يقول: الدخول والـمسيس: الـجماع.
وقال آخرون: الرفث فـي هذا الـموضع: الـجماع نفسه. ذكر من قال ذلك:
3041ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة, عن خصيف, عن مقسم, قال: الرفث: الـجماع.
3042ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن خصيف, عن مقسم, عن ابن عبـاس, مثله.
3043ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان, قال: أخبرنا إسحاق, عن شريك, عن خصيف, عن مقسم, عن ابن عبـاس قال: الرفث: إتـيان النساء.
3044ـ حدثنا عبد الـحميد قال: أخبرنا إسحاق, عن شريك, عن أبـي إسحاق, عن التـميـمي, قال: سألت ابن عبـاس عن الرفث, فقال: الـجماع.
3045ـ حدثنا عبد الـحميد, قال: حدثنا إسحاق, عن سفـيان, عن عاصم الأحول, عن بكر بن عبد الله, عن ابن عبـاس قال: الرفث: هو الـجماع, ولكن الله كريـم يكنـي عما شاء.
3046ـ حدثنا عبد الـحميد, قال: أخبرنا إسحاق, عن شريك, عن الأعمش, عن زياد بن حصين, عن أبـي العالـية قال: سمعت ابن عبـاس يرتـجز وهو مـحرم, يقول:
خَرَجْنَ يَسْرينَ بِنا هَمِيسَاإنْ تَصْدُقِ الطّيْرُ نَنِكْ لَـمِيسَا
قال شريك: إلا أنه لـم يكن عن الـجماع لـميسا. فقلت: ألـيس هذا الرفث؟ قال: لا إنـما الرفث: إتـيان النساء والـمـجامعة.
3047ـ حدثنا عبد الـحميد, قال: أخبرنا إسحاق, عن عون, عن زياد بن حصين, عن أبـي العالـية, عن ابن عبـاس بنـحوه, إلا أن عونا صرّح به.
3048ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفـيان, عن عاصم, عن بكر, عن ابن عبـاس, قال: الرفث: الـجماع.
3049ـ حدثنا عبد الـحميد, قال: حدثنا إسحاق, عن شريك, عن أبـي إسحاق, عن أبـي الأحوص, عن عبد الله قوله: فَلا رَفَثَ قال: الرفث: إتـيان النساء.
3050ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا حماد بن مسعدة, قال: حدثنا عوف, عن الـحسن فـي قوله: فَلا رَفَثَ قال: الرفث: غشيان النساء.
3051ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن بكر, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: قال عمرو بن دينار الرفث: الـجماع فما دونه من شأن النساء.
3052ـ حدثنا عبد الـحميد, قال: أخبرنا إسحاق, عن ابن جريج, عن عمرو بن دينار بنـحوه.
3053ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, عن عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان, عن عطاء فـي قوله: فَلا رَفَثَ قال: الرفث: الـجماع.
3054ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن عبد العزيز بن رفـيع, عن مـجاهد: فَلا رَفَثَ قال: الرفث: الـجماع.
3055ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن سعيد, عن قتادة فـي قوله: فَلا رَفَثَ قال: كان قتادة يقول: الرفث: غشيان النساء.
3056ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, عن سعيد, عن قتادة, مثله.
3057ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: أخبرنا إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس, قال: الرفث: الـجماع.
3058ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: أخبرنا إسرائيـل, عن الـحسن بن عبـيد الله, عن أبـي الضحى, عن ابن عبـاس, قال: الرفث: الـجماع.
3059ـ حدثنا أحمد, حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد, قال: الرفث: الـجماع.
3060ـ حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن سالـم, عن سعيد بن جبـير, قال: الرفث: الـمـجامعة.
3061ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: فَلا رَفَثَ فلا جماع.
3062ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: فَلا رَفَثَ قال: الرفث: الـجماع.
3063ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَلا رَفَثَ قال: جماع النساء.
3064ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الـمغيرة, عن إبراهيـم فـي قوله: فَلا رَفَثَ قال: الرفث: الـجماع.
3065ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد, عن الـحجاج, عن عطاء بن أبـي ربـاح, قال: الرفث: الـجماع.
3066ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن مـحمد بن إسحاق, عن نافع, عن ابن عمر, قال: الرفث: الـجماع.
3067ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن يحيى بن بشر, عن عكرمة قال: الرفث: الـجماع.
3068ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن النضر بن عربـي, عن عكرمة, قال: الرفث: الـجماع.
3069ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن حسين بن عقـيـل. وحدثنـي أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم. وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قالا: أخبرنا حسين بن عقـيـل, عن الضحاك, قال: الرفث: الـجماع.
3070ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حجاج, عن عطاء, عن ابن عبـاس, مثله. قال: وأخبرنا عبد الـملك, عن عطاء, مثله.
3071ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا يونس, عن الـحسن, وأخبرنا مغيرة, عن إبراهيـم قالا: مثل ذلك.
3072ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, وأخبرنا مغيرة, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
3073ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قال: الرفث: النكاح.
3074ـ حدثنا أحمد بن حازم قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا إسرائيـل, قال: ثنـي ثوير, قال: سمعت ابن عمر يقول الرفث: الـجماع.
3075ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: الرفث: غشيان النساء. قال معمر: وقال مثل ذلك الزهري عن قتادة.
3076ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: الرفث: إتـيان النساء, وقرأ: أُحِلّ لَكُمْ لَـيْـلَةَ الصيّامِ الرّفَثُ إلـى نِسائِكُمْ.
3077ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مـجاهد فـي قوله: فَلا رَفَثَ قال: الرفث: الـجماع.
3078ـ حدثنا ابن حميد, حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيـم, مثله.
والصواب من القول فـي ذلك عندي أن الله جل ثناؤه نهى من فرض الـحجّ فـي أشهر الـحجّ عن الرفث, فقال: فَمَنْ فَرَضَ فِـيهِنّ الـحَجّ فَلا رَفَثَ. والرفث فـي كلام العرب: أصله الإفحاش فـي الـمنطق علـى ما قد بـينا فـيـما مضى, ثم تستعمله فـي الكناية عن الـجماع. فإذ كان ذلك كذلك, وكان أهل العلـم مختلفـين فـي تأويـله, وفـي هذا النهي من الله عن بعض معانـي الرفث أم عن جميع معانـيه, وجب أن يكون علـى جميع معانـيه, إذ لـم يأت خبر بخصوص الرفث الذي هو بـالـمنطق عند النساء من سائر معانـي الرفث يجب التسلـيـم له, إذ كان غير جائز نقل حكم ظاهر آية إلـى تأويـل بـاطن إلا بحجة ثابتة.
فإن قال قائل: إن حكمها من عموم ظاهرها إلـى البـاطن من تأويـلها منقول بإجماع, وذلك أن الـجميع لا خلاف بـينهم فـي أن الرفث عند غير النساء غير مـحظور علـى مـحرم, فكان معلوما بذلك أن الآية معنـيّ بها بعض الرفث دون بعض. وإذا كان ذلك كذلك, وجب أن لا يحرّم من معانـي الرفث علـى الـمـحرم شيء إلا ما أجمع علـى تـحريـمه علـيه, أو قامت بتـحريـمه حجة يجب التسلـيـم لها. قـيـل: إن ما خصّ من الآية فأبـيح خارج من التـحريـم, والـحظر ثابت لـجميع ما لـم تـخصصه الـحجة من معنى الرفث بـالآية, كالذي كان علـيه حكمه لو لـم يخصّ منه شيء, لأن ما خصّ من ذلك وأخرج من عمومه إنـما لزمنا إخراج حكمه من الـحظر بأمر من لا يجوز خلاف أمره, فكان حكم ما شمله معنى الآية بعد الذي خصّ منها علـى الـحكم الذي كان يـلزم العبـاد فرضه بها لو لـم يخصص منها شيء لأن العلة فـيـما لـم يخصص منها بعد الذي خصّ منها نظير العلة فـيه قبل أن يخصّ منها شيء.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا فُسُوقَ.
اختلف أهل التأويـل فـي معنى الفسوق التـي نهى الله عنها فـي هذا الـموضع, فقال بعضهم: هي الـمعاصي كلها. ذكر من قال ذلك:
3079ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة, عن خصيف, عن مقسم, عن ابن عبـاس, قال الفسوق: الـمعاصي.
3080ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, عن عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان, عن عطاء: وَلا فُسُوقَ قال: الفسوق: الـمعاصي.
3081ـ حدثنا ابن بشار, قال: ثنـي مـحمد بن بكر, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: قال عطاء: الفسوق: الـمعاصي كلها, قال الله تعالـى: وَإنْ تَفْعَلُوا فإنّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ.
3082ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان, قال: حدثنا إسحاق, عن ابن جريج, عن عطاء, مثله.
3083ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا حماد بن مسعدة, قال: حدثنا عوف, عن الـحسن فـي قوله: وَلا فُسُوقَ قال: الفسوق: الـمعاصي.
3084ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان, قال: حدثنا إسحاق, عن ابن جريج, عن ابن طاوس, عن أبـيه, قال: الفسوق: الـمعصية.
3085ـ حدثنا عبد الـحميد, قال: حدثنا إسحاق, عن أبـي بشر, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: الفسوق: الـمعاصي كلها.
3086ـ حدثنـي يعقوب قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن روح بن القاسم, عن ابن طاوس, عن أبـيه فـي قوله: وَلا فُسُوقَ قال: الفسوق: الـمعاصي.
3087ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي أبو صخر, عن مـحمد بن كعب القرظي فـي قوله: وَلا فُسُوقَقال: الفسوق: الـمعاصي.
3088ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, وحدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد جميعا, عن سعيد بن أبـي عروبة, عن قتادة: وَلا فُسُوقَ قال: الفسوق: الـمعاصي.
3089ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَلا فُسُوقَ قال: الـمعاصي.
3090ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, حدثنا شبل, عن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
3091ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن سالـم, عن سعيد بن جبـير, قال: الفسوق: الـمعاصي. قال: وقال مـجاهد مثل قول سعيد.
3092ـ حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد, قال: الفسوق: الـمعاصي.
3093ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: وَلا فُسُوقَ قال: الفسوق: عصيان الله.
3094ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الـمغيرة, عن إبراهيـم فـي قوله: وَلا فُسُوقَ قال: الفسوق: الـمعاصي.
3095ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد, عن الـحجاج, عن عطاء بن أبـي ربـاح, قال: الفسوق: الـمعاصي.
3096ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري وقتادة وابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
3097ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا الـحجاج, عن عطاء, عن ابن عبـاس: وَلا فُسُوقَ قال: الـمعاصي. قال: وأخبرنا عبد الـملك, عن عطاء, مثله.
3098ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, مثله.
3099ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن النضر بن عربـي, عن عكرمة, مثله.
3100ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن يحيى بن بشر, عن عكرمة قال: الفسوق: معصية الله, لا صغير من معصية الله.
3101ـ حدثنـي علـيّ بن داود, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنا معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: وَلا فُسُوقَقال: الفسوق: معاصي الله كلها.
3102ـ حدثنـي الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن طاوس, عن أبـيه, وعن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: الفسوق: الـمعاصي. وقال مثل ذلك الزهري وقتادة.
وقال آخرون: بل الفسوق فـي هذا الـموضع ما عصي الله به فـي الإحرام مـما نهى عنه فـيه من قتل صيد وأخذ شعر وقلـم ظفر, وما أشبه ذلك مـما خصّ الله به الإحرام وأمر بـالتـجنب منه فـي خلال الإحرام. ذكر من قال ذلك:
3103ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي يونس أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول: الفسوق: إتـيان معاصي الله فـي الـحرم.
3104ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن مـحمد بن إسحاق, عن نافع, عن ابن عمر, قال: الفسوق: ما أصيب من معاصي الله به, صيد أو غيره.
وقال آخرون: بل الفسوق فـي هذا الـموضع: السبـاب. ذكر من قال ذلك:
3105ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان, قال: أخبرنا إسحاق, عن شريك, عن إبراهيـم بن مهاجر, عن مـجاهد, عن ابن عمر, قال: الفسوق: السبـاب.
3106ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس, قال: الفسوق: السبـاب.
3107ـ حدثنـي أحمد بن حازم الغفـاري, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا إسرائيـل, قال: حدثنا ثوير, قال: سمعت ابن عمر يقول: الفسوق: السبـاب.
3108ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام عن عمرو, عن عبد العزيز بن رفـيع, عن مـجاهد: وَلا فُسُوقَ قال: الفسوق: السبـاب.
3109ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي قوله: وَلا فُسُوقَ قل: أما الفسوق: فهو السبـاب.
3110ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـمعلـى بن أسد, قال: حدثنا خالد, عن الـمغيرة, عن إبراهيـم, قال: الفسوق: السبـاب.
3111ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا معلـى, قال: حدثنا عبد العزيز, عن موسى بن عقبة, قال: سمعت عطاء بن يسار يحدّث نـحوه.
3112ـ حدثنا القاسم, قال: ثنـي الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا يونس, عن الـحسن, قال: وأخبرنا مغيرة, عن إبراهيـم قالا: الفسوق: السبـاب.
3113ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن خصيف, عن مقسم, عن ابن عبـاس, قال: الفسوق: السبـاب.
3114ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مـجاهد فـي قوله: وَلا فُسُوقَ قال: الفسوق: السبـاب.
3115ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور عن إبراهيـم, مثله.
وقال آخرون: الفسوق: الذبح للأصنام. ذكر من قال ذلك:
2936حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي الفسوق: الذبح للأنصاب, وقرأ: أوْ فِسْقا أُهِلّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فقطع ذلك أيضا قطع الذبح للأنصاب بـالنبـيّ صلى الله عليه وسلم حين حجّ فعلّـم أَمته الـمناسك.
وقال آخرون: الفسوق: التنابز بـالألقاب. ذكر من قال ذلك:
3116ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا حسين بن عقـيـل, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول, فذكر مثله.
وأولـى الأقوال التـي ذكرنا بتأويـل الآية فـي ذلك, قول من قال: معنى قوله: وَلا فُسُوقَ النهي عن معصية الله فـي إصابة الصيد وفعل ما نهى الله الـمـحرم عن فعله فـي حال إحرامه وذلك أن الله جل ثناؤه قال: فَمَنْ فَرَضَ فِـيهِنّ الـحَجّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ يعنـي بذلك فلا يرفث, ولا يفسق: أي لا يفعل ما نهاه الله عن فعله فـي حال إحرامه, ولا يخرج عن طاعة الله فـي إحرامه. وقد علـمنا أن الله جل ثناؤه قد حرّم معاصيَه علـى كل أحد, مـحرما كان أو غير مـحرم, وكذلك حرّم التنابز بـالألقاب فـي حال الإحرام وغيرها بقوله: وَلا تَلْـمِزُوا أنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بـالألْقاب وحرم علـى الـمسلـم سبـاب أخيه فـي كل حال فرض الـحجّ أو لـم يفرضه. فإذ كان ذلك كذلك, فلا شك أن الذي نهى الله عنه العبد من الفسوق فـي حال إحرامه وفرضه الـحجّ هو ما لـم يكن فسوقا فـي حال إحلاله وقبل إحرامه بحجه كما أن الرفث الذي نهاه عنه فـي حال فرضه الـحجّ, هو الذي كان له مطلقا قبل إحرامه لأنه لا معنى لأن يقال فـيـما قد حرّم الله علـى خـلقه فـي كل الأحوال: لا يفعلنّ أحدكم فـي حال الإحرام ما هو حرام علـيه فعله فـي كل حال, لأن خصوص حال الإحرام به لا وجه له وقد عمّ به جميع الأحوال من الإحلال والإحرام. فإذ كان ذلك كذلك, فمعلوم أن الذي نهى عنه الـمـحرم من الفسوق فخصّ به حال إحرامه, وقـيـل له: «إذا فرضت الـحجّ فلا تفعله», هو الذي كان له مطلقا قبل حال فرضه الـحجّ, وذلك هو ما وصفنا وذكرنا أن الله جل ثناؤه خصّ بـالنهي عنه الـمـحرم فـي حال إحرامه مـما نهاه عنه من الطيب واللبـاس والـحلق وقصّ الأظفـار وقتل الصيد, وسائر ما خصّ الله بـالنهي عنه الـمـحرم فـي حال إحرامه.
فتأويـل الآية إذًا: فمن فرض الـحجّ فـي أشهر الـحجّ فأحرم فـيهنّ. فلا يرفث عند النساء فـيصرّح لهنّ بجماعهن, ولا يجامعهن, ولا يفسق بإتـيان ما نهاه الله فـي حال إحرامه بحجه, من قتل صيد, وأخذ شعر, وقلـم ظفر, وغير ذلك مـما حرّم الله علـيه فعله وهو مـحرم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ.
اختلف أهل التأويـل فـي ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: النهي عن أن يجادل الـمـحرم أحدا.
ثم اختلف قائلو هذا القول, فقال بعضهم: نهى عن أن يجادل صاحبه حتـى يغضبه. ذكر من قال ذلك:
3117ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان, قال: أخبرنا إسحاق, عن شريك, عن أبـي إسحاق, عن أبـي الأحوص, عن عبد الله: وَلا جِدالَ فِـي الـحَجّ قال: أن تـماري صاحبك حتـى تغضبه.
3118ـ حدثنا عبد الـحميد, قال: حدثنا إسحاق, عن شريك, عن أبـي إسحاق, عن التـميـمي, قال: سألت ابن عبـاس, عن الـجدال, فقال: أن تـماري صاحبك حتـى تغضبه.
3119ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن خصيف, عن مقسم, عن ابن عبـاس, قال: الـجدال أن تـماري صاحبك حتـى تغضبه.
3120ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, عن عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان, عن عطاء, قال: الـجدال: أن يـماري الرجل أخاه حتـى يغضبه.
3121ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن سالـم الأفطس, عن سعيد بن جبـير: وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ قال: أن تَـمْـحَنَ صاحبك حتـى تغضبه.
3122ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون, عن عمرو, عن شعيب بن خالد, عن سلـمة بن كهيـل, قال: سألت مـجاهدا عن قوله: وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ قال: أن تـماري صاحبك حتـى تغضبه.
3123ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان, قال: حدثنا إسحاق, عن ابن جريج, عن عمرو بن دينار, قال: الـجدال: هو أن تـماري صاحبك حتـى تغضبه.
3124ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا حماد بن مسعدة, قال: حدثنا عوف, عن الـحسن, قال: الـجدال: الـمراء.
3125ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس, قال: الـجدال: أن تـجادل صاحبك حتـى تغضبه.
3126ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن سالـم, عن سعيد بن جبـير, قال: الـجدال: أن تصخب علـى صاحبك.
3127ـ حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, عن سفـيان, عن منصور, عن مـجاهد: وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ قال: الـمراء.
3128ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, وحدثنـي أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم, قالا: حدثنا حسين بن عقـيـل, عن الضحاك, قال: الـجدال: أن تـماري صاحبك حتـى تغضبه.
3129ـ حدثنا أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا واقد الـخـلقانـي, عن عطاء, قال: أما الـجدال: فتـماري صاحبك حتـى تغضبه.
3130ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, قال: الـجدال: الـمراء, أن تـماري صاحبك حتـى تغضبه.
3131ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـمعلـى بن أسد, قال: حدثنا خالد, عن الـمغيرة, عن إبراهيـم قال: الـجدال: الـمراء.
3132ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـمعلـى, قال: حدثنا عبد العزيز, عن موسى بن عقبة, قال: سمعت عطاء بن يسار يحدّث نـحوه.
3133ـ حدثنـي ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن أبـي جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الـمغيرة, عن إبراهيـم بـمثله.
3134ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد, عن الـحجاج, عن عطاء بن أبـي ربـاح, قال: الـجدال: أن يـماري بعضهم بعضا حتـى يغضبوا.
3135ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن يحيى بن بشر, عن عكرمة: وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ الـجدال: الغضب, أن تغضب علـيك مسلـما, إلا أن تستعتب مـملوكا فتعظه من غير أن تغضبه, ولا أمْر علـيك إن شاء الله تعالـى فـي ذلك.
3136ـ حدثنا ابن وكيع, قال: ثنـي أبـي, عن النضر بن عربـي, عن عكرمة, قال: الـجدال: أن تـماري صاحبك حتـى يغضبك أو تغضبه.
3137ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري وقتادة قالا: الـجدال: هو الصخب والـمراء وأنت مـحرم.
3138ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن بكر, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: قال عطاء: الـجدال: ما أغضب صاحبك من الـجدل.
3139ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ قال: الـجدال: الـمراء والـملاحاة حتـى تغضب أخاك وصاحبك, فنهى الله عن ذلك.
3140ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن خصيف, عن مقسم عن ابن عبـاس, قال: الـجدال: أن تـماري صاحبك حتـى تغضبه.
3141ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن منصور, عن إبراهيـم, قال: الـجدال: الـمراء.
3142ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري وقتادة قالا: هو الصخب والـمراء وأنت مـحرم.
3143ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيـم: وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ كانوا يكرهون الـجدال.
وقال آخرون منهم: الـجدال فـي هذا الـموضع معناه: السبـاب. ذكر من قال ذلك:
3144ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي يونس أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول: الـجدال فـي الـحجّ: السبـاب والـمراء والـخصومات.
3145ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن مـحمد بن إسحاق, عن نافع, عن ابن عمر, قال: الـجدال: السبـاب والـمنازعة.
3146ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قال: الـجدال: السبـاب.
3147ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, وحدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية جميعا, عن سعيد, عن قتادة, قال: الـجدال: السبـاب.
وقال آخرون منهم: بل عنى بذلك خاصا من الـجدال والـمراء, وإنـما عنى الاختلاف فـيـمن هو أتـمّ حجّا من الـحجّاج. ذكر من قال ذلك:
3148ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي أبو صخر, عن مـحمد بن كعب القرظي, قال: الـجدال: كانت قريش إذا اجتـمعت بـمنى قال هؤلاء: حجنا أتـمّ من حجكم, وقال هؤلاء: حجنا أتـمّ من حجكم.
وقال آخرون منهم: بل ذلك اختلاف كان يكون بـينهم فـي الـيوم الذي فـيه الـحجّ, فنهوا عن ذلك. ذكر من قال ذلك:
3149ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, عن جبـير بن حبـيب, عن القاسم بن مـحمد أنه قال: الـجدال فـي الـحجّ أن يقول بعضهم: الـحجّ الـيوم, ويقول بعضهم: الـحج غدا.
وقال آخرون: بل اختلافهم ذلك فـي أمر مواقـف الـحجّ أيهم الـمصيب موقـف إبراهيـم. ذكر من قال ذلك:
3150ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ قال: كانوا يقـفون مواقـف مختلفة يتـجادلون, كلهم يدّعي أن موقـفه موقـف إبراهيـم. فقطعه الله حين أعلـم نبـيه صلى الله عليه وسلم بـمناسكهم.
وقال آخرون: بل قوله جل ثناؤه: وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ خبر من الله تعالـى عن استقامة وقت الـحجّ علـى ميقات واحد لا يتقدمه ولا يتأخره, وبطول فعل النسيء. ذكر من قال ذلك:
3151ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن عبد العزيز بن رفـيع, عن مـجاهد فـي قوله: وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ قال: قد استقام الـحجّ ولا جدال فـيه.
3152ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: أخبرنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ قال: لا شهر ينسأ, ولا شك فـي الـحجّ قد بـين, كانوا يسقطون الـمـحرم ثم يقولون صفران لصفر وشهر ربـيع الأول, ثم يقولون شهرا ربـيع لشهر ربـيع الاَخر وجمادى الأولـى, ثم يقولون جماديان لـجمادى الاَخرة ولرجب, ثم يقولون لشعبـان رجب, ثم يقولون لرمضان شعبـان, ثم يقولون لشوّال رمضان, ويقولون لذي القعدة شوّال, ثم يقولون لذي الـحجة ذا القعدة, ثم يقولون للـمـحرّم ذا الـحجة, فـيحجون فـي الـمـحرّم ثم يأتنفون, فـيحسبون علـى ذلك عدة مستقبلة علـى وجه ما ابتدءوا, فـيقولون الـمـحرّم وصفر وشهرا ربـيع, فـيحجون فـي الـمـحرّم لـيحجوا فـي كل سنة مرّتـين, فـيسقطون شهرا آخر, فـيعدون علـى العدة الأولـى, فـيقولون صفران وشهرا ربـيع نـحو عدتهم فـي أول ما أسقطوا.
3153ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد نـحوه.
3154ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: صاحب النسيء الذي ينسأ لهم أبو ثمامة رجل من بنـي كنانة.
3155ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان, قال: أخبرنا ابن إسحاق, عن أبـي بشر, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ قال: لا شبهة فـي الـحجّ قد بـين الله أمر الـحجّ.
3156ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ قال: قد استقام أمر الـحجّ فلا تـجادلوا فـيه.
3157ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ قال: لا شهر ينسأ, ولا شك فـي الـحجّ قد بُـيّن.
3158ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, عن العلاء بن عبد الكريـم, عن مـجاهد: وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ قال: قد علـم وقت الـحجّ فلا جدال فـيه, ولا شك.
3159ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن عبد العزيز والعلاء, عن مـجاهد, قال: هو شهر معلوم لا تنازع فـيه.
3160ـ حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن سالـم, عن مـجاهد: وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ قال: لا شكّ فـي الـحج.
3161ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حجاج, عن عطاء, عن ابن عبـاس: وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ قال: الـمراء بـالـحجّ.
3162ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ فقد تبـين الـحجّ. قال: كانوا يحجون وفـي ذي الـحجة عامين, وفـي الـمـحرّم عامين, ثم حجوا فـي صفر عامين, وكانوا يحجون فـي كل سنة فـي كل شهر عامين, ثم وافقت حجة أبـي بكر من العامين فـي ذي القعدة قبل حجة النبـيّ صلى الله عليه وسلم بسنة, ثم حجّ النبـيّ صلى الله عليه وسلم من قابل فـي ذي الـحجة فذلك حين يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الزّمانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَـلَقَ اللّهُ السّمَوَاتِ وَالأرْضَ».
3163ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مـجاهد فـي قوله: وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ قال: بـين الله أمر الـحجّ ومعالـمه فلـيس فـيه كلام.
وأولـى هذه الأقوال فـي قوله وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ بـالصواب, قول من قال: معنى ذلك: قد بطل الـجدال فـي الـحجّ ووقته, واستقام أمره ووقته علـى وقت واحد, ومناسك متفقة غير مختلفة, ولا تنازع فـيه ولا مراء وذلك أن الله تعالـى ذكره أخبر أن وقت الـحجّ أشهر معلومات, ثم نفـى عن وقته الاختلاف الذي كانت الـجاهلـية فـي شركها تـختلف فـيه.
وإنـما اخترنا هذا التأويـل فـي ذلك ورأيناه أولـى بـالصواب مـما خالفه لـما قد قدمنا من البـيان آنفـا فـي تأويـل قوله: وَلا فُسُوقَ أنه غير جائز أن يكون الله خصّ بـالنهي عنه فـي تلك الـحال إلا ما هو مطلق مبـاح فـي الـحال التـي يخالفها, وهي حال الإحلال وذلك أن حكم ما خصّ به من ذلك حكم حال الإحرام إن كان سواء فـيه حال الإحرام وحال الإحلال, فلا وجه لـخصوصه به حالاً دون حال, وقد عمّ به جميع الأحوال. وإذ كان ذلك كذلك, وكان لا معنى لقول القائل فـي تأويـل قوله: وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ أن تأويـله: لا تـمار صاحبك حتـى تغضبه, إلا أحد معنـيـين: إما أن يكون أراد لا تـماره ببـاطل حتـى تغضبه. فذلك ما لا وجه له, لأن الله عز وجل قد نهي عن الـمراء بـالبـاطل فـي كل حال مـحرما كان الـمـماري أو مـحلاّ, فلا وجه لـخصوص حال الإحرام بـالنهي عنه لاستواء حال الإحرام والإحلال فـي نهى الله عنه. أو يكون أراد: لا تـماره بـالـحق, وذلك أيضا ما لا وجه له لأن الـمـحرم لو رأى رجلاً يروم فـاحشة كان الواجب علـيه مراءه فـي دفعه عنها, أو رآه يحاول ظلـمه والذهاب منه بحقّ له قد غصبه علـيه كان علـيه مراؤه فـيه وجداله حتـى يتـخـلصه منه. والـجدال والـمراء لا يكون بـين الناس إلا من أحد وجهين: إما من قبل ظلـم, وإما من قبل حق, فإذا كان من أحد وجهيه غير جائز فعله بحال, ومن الوجه الاَخر غير جائز تركه بحال, فأيّ وجوهه التـي خصّ بـالنهي عنه حال الإحرام؟ وكذلك لا وجه لقول من تأوّل ذلك أنه بـمعنى السبـاب, لأن الله تعالـى ذكره قد نهى الـمؤمنـين بعضهم عن سبـاب بعض علـى لسان رسوله علـيه الصلاة والسلام فـي كل حال, فقال صلى الله عليه وسلم: «سبـاب الـمُسْلِـمِ فُسُوقٌ, وَقِتالُهُ كُفْرٌ» فإذا كان الـمسلـم عن سبّ الـمسلـم منهيا فـي كل حال من أحواله, مـحرما كان أو غير مـحرم, فلا وجه لأن يقال: لا تسبه فـي حال الإحرام إذا أحرمت.
وفـيـما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الـخبر الذي:
3164ـ حدثنا به مـحمد بن الـمثنى, قال: ثنـي وهب بن جرير, قال: حدثنا شعبة, عن سيار, عن أبـي حازم, عن أبـي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مِنْ حَجّ هَذَا البَـيْتَ فَلَـمْ يَرْفُثْ وَلْـم يَفْسُقْ خَرَجَ مِثْلَ يَوْمَ وَلَدتَهْ أُمّهُ».
3165ـ حدثنـي علـيّ بن سهل, قال: حدثنا حجاج, قال: حدثنا شعبة, عن سيار, عن أبـي حازم, عن أبـي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَجّ هَذَا البَـيْتَ فَلـمْ يَرْفُثْ وَلـمْ يُفْسُقْ, خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمّهُ».
3166ـ حدثنا أحمد بن الولـيد, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن سيار, عن أبـي حازم, عن أبـي هريرة عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, مثل حديث ابن الـمثنى, عن وهب بن جرير.
3167ـ حدثنـي ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور, عن أبـي حازم, عن أبـي هريرة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, مثله أيضا.
3168ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا أبو الولـيد, قال: حدثنا شعبة, قال: أخبرنـي منصور, قال: سمعت أبـا حازم يحدّث عن أبـي هريرة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, نـحوه.
3169ـ حدثنا تـميـم بن الـمنتصر, قال: أخبرنا إسحاق, قال: أخبرنا مـحمد بن عبـيد الله, عن الأعمش, عن أبـي حازم, عن أبـي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَجّ هَذَا البَـيْتَ فَلَـمْ يَرْفُثْ وَلـمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كمَا وَلَدَتْهُ أُمّهُ».
3170ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع وأبو أسامة, عن سفـيان, عن منصور, عن أبـي حازم, عن أبـي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكر مثله, إلا أنه قال: «رَجَعَ كمَا وَلدَتهُ أمّهُ».
3171ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو أسامة, عن شعبة, عن سيار, عن أبـي حازم, عن أبـي هريرة, قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكر نـحوه, إلا أنه قال: «رَجَعَ إلـى أهْلِه مِثْلَ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أمّهُ».
3172ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا يحيى بن أبـي كثـير, عن إبراهيـم بن طهمان, عن منصور, عن هلال بن يسار, عن أبـي حازم, عن أبـي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال, فذكر نـحوه, إلا أنه قال: «رَجَعَ إلـى أهْلِهِ مِثْلَ يَوْمَ وَلَدتْهُ أُمّهُ».
3173ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا يحيى بن أبـي كثـير, عن إبراهيـم بن طهمان, عن منصور عن هلال بن يسار, عن أبـي حازم, عن أبـي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَجّ هَذَا البَـيْتَ» يعنـي الكعبة «فَلَـمْ يَرْفُثْ وَلْـم يَفْسُقْ, رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدتْهُ أُمّهُ».
3174ـ حدثنا الفضل بن الصبـاح, قال: حدثنا هشيـم بن بشير, عن سيار, عن أبـي حازم, عن أبـي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَجّ لِلّهِ فَلَـمْ يَرْفُثْ وَلـمْ يَفْسُقْ, رَجَعَ كَهَيْئَةِ وَلَدَتْهُ أُمّهُ».
دلالة واضحة علـى أن قوله: وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ بـمعنى النفـي عن الـحجّ بأن يكون فـي وقته جدال ومراء دون النهي عن جدال الناس بـينهم فـيـما يعنـيهم من الأمور أو لا يعنـيهم. وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه من حجّ فلـم يرفث ولـم يفسق استـحقّ من الله الكرامة ما وصف أنه استـحقه بحجه تاركا للرفث والفسوق اللذين نهى الله الـحاجّ عنهما فـي حجه من غير أن يضمّ إلـيهما الـجدال.
فلو كان الـجدال الذي ذكره الله فـي قوله: وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ مـما نهاه الله عنه بهذه الآية, علـى نـحو الذي تأوّل ذلك من تأوله من أنه الـمراء والـخصومات أو السبـاب وما أشبه ذلك, لـما كان صلى الله عليه وسلم لـيخصّ بـاستـحقاق الكرامة التـي ذكر أنه يستـحقها الـحاج الذي وصف أمره بـاجتناب خـلتـين مـما نهاه الله عنه فـي حجه دون الثالثة التـي هي مقرونة بهما.
ولكن لـما كان معنى الثالثة مخالفـا معنى صاحبتـيها فـي أنها خبر علـى الـمعنى الذي وصفنا, وأن الأخريـين بـمعنى النهي الذي أخبر النبـيّ صلى الله عليه وسلم أن مـجتنبهما فـي حجه مستوجب ما وصف من إكرام الله إياه مـما أخبر أنه مكرمه به إذا كانتا بـمعنى النهي, وكان الـمنتهي عنهما لله مطيعا بـانتهائه عنهما, ترك ذلك الثالثة إذا لـم تكن فـي معناهما, وكانت مخالفة سبـيـلها سبـيـلهما.
فإذ كان ذلك كذلك, فـالذي هو أولـى بـالقراءة من القراءات الـمخالفة بـين إعراب الـجدال وإعراب الرفث والفسوق, لـيعلـم سامع ذلك إذا كان من أهل الفهم بـاللغات أن الذي من أجله خولف بـين إعرابـيهما اختلاف معنـيـيهما, وإن كان صوابـا قراءة جميع ذلك بـاتفـاق إعرابه علـى اختلاف معانـيه, إذ كانت العرب قد تُتبع بعض الكلام بعضا بإعراب مع اختلاف الـمعانـي, وخاصة فـي هذا النوع من الكلام. فأعجب القراءات إلـيّ فـي ذلك إذ كان الأمر علـى ما وصفت, قراءة من قرأ «فَلا رَفَثٌ وَلا فُسُوقٌ وَلا جِدَالَ فِـي الـحَجّ» برفع الرفث والفسوق وتنوينهما, وفتـح الـجدال بغير تنوين. وذلك هو قراءة جماعة البصريـين وكثـير من أهل مكة, منهم عبد الله بن كثـير وأبو عمرو بن العلاء.
وأما قول من قال: معناه النهي عن اختلاف الـمختلفـين فـي أتـمهم حجا, والقائلـين معناه: النهي عن قول القائل: غدا الـحجّ, مخالفـا به قول الاَخر: الـيوم الـحجّ, فقولٌ فـي حكايته الكفـاية عن الاستشهاد علـى وهائه وضعفه, وذلك أنه قول لا تدرك صحته إلا بخبر مستفـيض وخبر صادق يوجب العلـم أن ذلك كان كذلك, فنزلت الآية بـالنهي عنه. أو أن معنى ذلك فـي بعض معانـي الـجدال دون بعض, ولا خبر بذلك بـالصفة التـي وصفنا.
وأما دلالتنا علـى قول ما قلنا من أنه نفـيٌ من الله جل وعز عن شهور الـحج, فـالاختلاف الذي كانت الـجاهلـية تـختلف فـيها بـينها قبل كما وصفنا.
وأما دلالتنا علـى أن الـجاهلـية كانت تفعل ذلك فـالـخبر الـمستفـيض فـي أهل الأخبـار أن الـجاهلـية كانت تفعل ذلك مع دلالة قول الله تقدس اسمه: إنّـمَا النّسيءُ زِيادَةٌ فِـي الكُفْرِ يُضَلّ بِهِ الّذِينَ كَفَرُوا يُحِلّونَهُ عاما ويُحَرّمُونَهُ عاما.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَـمْهُ اللّهُ.
يعنـي بذلك جل ثناؤه: افعلوا أيها الـمؤمنون ما أمرتكم به فـي حجكم من إتـمام مناسككم فـيه, وأداء فرضكم الواجب علـيكم فـي إحرامكم, وتـجنب ما أمرتكم بتـجنبه من الرفث والفسوق فـي حجكم لتستوجبوا به الثواب الـجزيـل, فإنكم مهما تفعلوا من ذلك وغيره من خير وعمل صالـح ابتغاء مرضاتـي وطلب ثوابـي, فأنا به عالـم ولـجميعه مـحص حتـى أوفـيكم أجره وأجازيكم علـيه, فإنـي لا تـخفـى علـيّ خافـية ولا ينكتـم عنـي ما أردتـم بأعمالكم, لأنـي مطلع علـى سرائركم وعالـم بضمائر نفوسكم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَتَزوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى.
ذكر أن هذه الآية نزلت فـي قوم كانوا يحجون بغير زاد, وكان بعضهم إذا أحرم رمى بـما معه من الزاد واستأنف غيره من الأزودة, فأمر الله جل ثناؤه من لـم يكن يتزوّد منهم بـالتزوّد لسفره, ومن كان منهم ذا زاد أن يتـحفظ بزاده فلا يرمي به. ذكر الأخبـار التـي رويت فـي ذلك:
3175ـ حدثنـي الـحسين بن علـي الصدائي, قال: حدثنا عمرو بن عبد الغفـار, قال: حدثنا مـحمد بن سوقة, عن نافع, عن ابن عمر, قال: كانوا إذا أحرموا ومعهم أزودة رموا بها واستأنفوا زادا آخر, فأنزل الله: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّاد التّقْوَى فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتزودوا الكعك والدقـيق والسويق.
3176ـ حدثنا مـحمد بن عبد الله الـمخزومي, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن عمرو بن دينار, عن عكرمة عن ابن عبـاس, قال: كانوا يحجون ولا يتزوّدون, فنزلت: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى.
3177ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن سوقة, عن سعيد بن جبـير فـي قوله: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى, قال: الكعك والزيت.
3178ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن ابن عيـينة, عن ابن سوقة, عن سعيد بن جبـير, قال: هو الكعك والسويق.
3179ـ حدثنا عمرو, قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة, عن عمرو, عن عكرمة, قال: كان أناس يحجون, ولا يتزوّدون, فأنزل الله: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى.
3180ـ حدثنا عمرو, قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة, قال: حدثنا عبد الـملك بن عطاء كوفـي لنا.
3181ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن ابن عيـينة, عن عبد الـملك, عن الشعبـي فـي قوله: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى قال: التـمر والسويق.
3182ـ حدثنا عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا حنظلة, قال: سئل سالـم عن زاد الـحاج, فقال: الـخبز واللـحم والتـمر. قال عمرو: وسمعت أبـا عاصم مرة يقول: حدثنا حنظلة سئل سالـم عن زاد الـحاج, فقال الـخبز والتـمر.
3183ـ حدثنا عمرو, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن هشيـم, عن الـمغيرة, عن إبراهيـم, قال: كان ناس من الأعراب يحجون بغير زاد ويقولون: نتوكل علـى الله, فأنزل الله جل ثناؤه: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى.
3184ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان, قال: أخبرنا إسحاق, عن عمر بن ذر, عن مـجاهد, قال: كان الـحاج منهم لا يتزوّد, فأنزل الله: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى.
3185ـ حدثنا عمرو, قال: حدثنا يحيى عن عمر بن ذر وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا عمر بن ذر, عن مـجاهد قال: كانوا يسافرون ولا يتزوّدون, فنزلت: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى. وقال الـحسن بن يحيى فـي حديثه: كانوا يحجون ولا يتزوّدون.
3186ـ حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأودي, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن عمر بن ذر, عن مـجاهد نـحوه.
3187ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا عمر بن ذر, قال: سمعت مـجاهدا يحدث فذكر نـحوه.
3188ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان, قال: أخبرنا إسحاق, عن أبـي بشر, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد قال: كان أهل الاَفـاق يخرجون إلـى الـحجّ يتوصلون بـالناس بغير زاد, يقولون: نـحن متكلون فأنزل الله: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى.
3189ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله عز وجل: وَتَزَوّدُوا قال: كان أهل الاَفـاق يخرجون إلـى الـحجّ يتوصلون بـالناس بغير زاد, فأمروا أن يتزوّدوا.
3190ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى قال: كان أهل الـيـمن يتوصلون بـالناس, فأمروا أن يتزوّدوا ولا يستـمتعوا قال: وخير الزاد التقوى.
3191ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن لـيث, عن مـجاهد: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى قال: كانوا لا يتزوّدون, فأمروا بـالزاد, وخير الزاد التقوى.
3192ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى فكان الـحسن يقول: إن ناسا من أهل الـيـمن كانوا يحجون ويسافرون, ولا يتزوّدون, فأمرهم الله بـالنفقة والزاد فـي سبـيـل الله, ثم أنبأهم أن خير الزاد التقوى.
3193ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن سعيد بن أبـي عروبة فـي قوله: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى قال: قال قتادة: كان ناس من أهل الـيـمن يحجون ولا يتزودون, ثم ذكر نـحو حديث بشر عن يزيد.
3194ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى كان ناس من أهل الـيـمن يخرجون بغير زاد إلـى مكة, فأمرهم الله أن يتزوّدوا, وأخبرهم أن خير الزاد التقوى.
3195ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى قال: كان ناس يخرجون من أهلـيهم لـيست معهم أزودة يقولون: نـحجّ بـيت الله ولا يطعمنا؟ فقال الله: تزوّدوا ما يكفّ وجوهكم عن الناس.
3196ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع قوله: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى فكان ناس من أهل الـيـمن يحجون ولا يتزوّدون, فأمرهم الله أن يتزوّدوا, وأنبأ أن خير الزاد التقوى.
3197ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن مـحمد بن سوقة, عن سعيد بن جبـير: وَتَزَوّدُوا قال: السويق والدقـيق والكعك.
3198ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن مـحمد بن سوقة, عن سعيد بن جبـير: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى قال: الـخُشْكنانـج والسويق.
3199ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن عبد الـملك بن عطاء البكالـي, قال: سمعت الشعبـي يقول فـي قوله: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى قال: هو الطعام, وكان يومئذٍ الطعم قلـيلاً. قال: قلت: وما الطعام؟ قال: التـمر والسويق.
3200ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك قوله: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى وخير زاد الدنـيا الـمنفعة من اللبـاس والطعام والشراب.
3201ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيـم: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى قال: كان ناس يتزوّدون إلـى عُقْبة, فإذا انتهوا إلـى تلك العقبة توكلوا ولـم يتزوّدوا.
3202ـ حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأودي, قال: حدثنا الـمـحاربـي, قال: قال سفـيان فـي قوله: وَتَزَوّدوا قال: أمروا بـالسوق والكعك.
3203ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنـي أبـي أنه سمع عكرمة يقول فـي قوله: وَتَزَودُوا قال: هو السويق والدقـيق.
3204ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى قال: كانت قبـائل من العرب يحرّمون الزاد إذا خرجوا حجاجا وعمارا لأن يتضيفوا الناس, فقال الله تبـارك تعالـى لهم: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى.
3205ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد الاَملـي, قال: حدثنا سفـيان عن عمرو, عن عكرمة, قال: كان الناس يقدمون مكة بغير زاد, فأنزل الله: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى.
فتأويـل الآية إذا: فمن فرض فـي أشهر الـحجّ الـحجّ فأحرم فـيهنّ فلا يرفثن ولا يفسقن, فإن أمر الـحجّ قد استقام لكم, وعرفّكم ربكم ميقاته وحدوده. فـاتقوا الله فـيـما أمركم به ونهاكم عنه من أمر حجكم ومناسككم, فإنكم مهما تفعلوا من خير أمركم به أو ندبكم إلـيه يعلـمه. وتزوّدوا من أقواتكم ما فـيه بلاغكم إلـى أداء فرض ربكم علـيكم فـي حجكم ومناسككم, فإنه لا برّ لله جل ثناؤه فـي ترككم التزوّد لأنفسكم ومسألتكم الناس ولا فـي تضيـيع أقواتكم وإفسادها, ولكن البرّ فـي تقوى ربكم بـاجتناب ما نهاكم عنه فـي سفركم لـحجكم وفعل ما أمركم به, فإنه خير التزوّد, فمنه تزوّدوا.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك رُوي الـخبر عن الضحاك بن مزاحم.
3206ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك فـي قوله: وَتَزَوّدُوا فإنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَى قال: والتقوى عمل بطاعة الله.
وقد بـينا معنى التقوى فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاتّقُون يا أُولـي الألْبـاب.
يعنـي بذلك جل ثناؤه: واتقون يا أَهل العقول والأفهام بأداء فرائضي علـيكم التـي أوجبتها علـيكم فـي حجكم ومناسككم وغير ذلك من دينـي الذي شرعته لكم, وخافوا عقابـي بـاجتناب مـحارمي التـي حرمتها علـيكم تنـجوا بذلك مـما تـخافون من غضبـي علـيكم وعقابـي, وتدركوا ما تطلبون من الفوز بجناتـي. وخصّ جل ذكره بـالـخطاب بذلك أولـي الألبـاب, لأنهم أهل التـميـيز بـين الـحق والبـاطل, وأهل الفكر الصحيح والـمعرفة بحقائق الأشياء التـي بـالعقول تدرك وبـالألبـاب تفهم, ولـم يجعل لغيرهم من أهل الـجهل فـي الـخطاب بذلك حظا, إذ كانوا أشبـاحا كالأنعام, وصورا كالبهائم, بل هم منها أضلّ سبـيلاً. والألبـاب: جمع لبّ, وهو العقل.
الآية : 198-199
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مّن رّبّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضّآلّينَ * ثُمّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ }
يعنـي بذلك جل ذكره: لـيس علـيكم أيها الـمؤمنون جناح. والـجناح: الـحرج كما:
3207ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ وهو لا حرج علـيكم فـي الشراء والبـيع قبل الإحرام وبعده.
وقوله: أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ يعنـي أن تلتـمسوا فضلاً من عند ربكم, يقال منه: ابتغيت فضلاً من الله ومن فضل الله أبتغيه ابتغاء: إذا طلبته والتـمسته, وبغيته أبغيه بغيا, كما قال عبد بنـي الـحسحاس:
بَغاكَ وَما تَبْغِيهِ حّتـى وَجَدْتَهُكأنّكَ قَدْ وَاعَدْتَهُ أمْسِ مَوْعِدَا
يعنـي طلبك والتـمسك. وقـيـل: إن معنى ابتغاء الفضل من الله: التـماس رزق الله بـالتـجارة, وأن هذه الآية نزلت فـي قوم كانوا لا يرون أن يتـجروا إذا أحرموا يـلتـمسون البرّ بذلك, فأعلـمهم جل ثناؤه أن لا برّ فـي ذلك وأن لهم التـماس فضله بـالبـيع والشراء. ذكر من قال ذلك:
3208ـ حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأودي, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن عمر بن ذر, عن مـجاهد, قال: كانوا يحجون ولا يتـجرون, فأنزل الله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ قال: فـي الـموسم.
3209ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا عمر بن ذرّ, قال: سمعت مـجاهدا يحدّث, قال: كان ناس لا يتـجرون أيام الـحجّ, فنزلت فـيهم لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ.
3210ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة الأسدي, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, قال: أخبرنا أبو لـيـلـى, عن بريدة فـي قوله تبـارك وتعالـى: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ قال: إذا كنتـم مـحرمين أن تبـيعوا وتشتروا.
3211ـ حدثنا طلـيق بن مـحمد الواسطي, قال: أخبرنا أسبـاط, قال: أخبرنا الـحسن بن عمرو, عن أبـي أمامة التـيـمي قال: قلت لابن عمر: إنا قوم نكري فهل لنا حجّ؟ قال: ألـيس تطوفون بـالبـيت وتأتون الـمعروف وترمون الـجمار وتـحلقون رءوسكم؟ فقلنا: بلـى. قال: جاء رجل إلـى النبـي: صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتنـي عنه, فلـم يدر ما يقول له حتـى نزل جبريـل علـيه السلام علـيه بهذه الآية: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ إلـى آخر الآية, فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «أنْتُـمْ حُجّاجٌ».
3212ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: أخبرنا أيوب, عن عكرمة, قال: كانت تقرأ هذه الآية: «لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فـي مواسم الـحجّ».
3213ـ حدثنا عبد الـحميد, قال: أخبرنا إسحاق, عن شريك, عن منصور بن الـمعتـمر فـي قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ قال: هو التـجارة فـي البـيع والشراء, والاشتراء لا بأس به.
3214ـ حدثت عن أبـي هشام الرفـاعي, قال: حدثنا وكيع, عن طلـحة بن عمرو, عن عطاء, عن ابن عبـاس أنه كان يقرؤها: «لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فـي مواسم الـحج».
3215ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, عن علـيّ بن مسهر, عن ابن جريج, عن عمرو بن دينار, عن ابن عبـاس, قال: كان مَتْـجَر الناس فـي الـجاهلـية عكاظ وذو الـمـجاز, فلـما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك, حتـى أنزل الله جل ثناؤه: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ.
3216ـ حدثنا الـحسن بن عرفة, قال: حدثنا شبـابة بن سوار, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي أميـمة, قال: سمعت ابن عمر, وسئل عن الرجل يحج ومعه تـجارة, فقرأ ابن عمر: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ.
3217ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, وحدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا يزيد بن أبـي زياد, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, قال: كانوا لا يتـجرون فـي أيام الـحجّ, فنزلت: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ.
3218ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حجاج, عن عطاء, عن ابن عبـاس, أنه قال: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فِـي مواسم الـحج.
3219ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا طلـحة بن عمرو الـحضرمي, عن عطاء قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فـي مواسم الـحج, هكذا قرأها ابن عبـاس.
3220ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا لـيث, عن مـجاهد فـي قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ قال: التـجارة فـي الدنـيا, والأجر فـي الاَخرة.
3221ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله تعالـى: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ قال: التـجارة أحلت لهم فـي الـمواسم, قال: فكانوا لا يبـيعون, أو يبتاعون فـي الـجاهلـية بعرفة.
3222ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
3223ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ كان هذا الـحيّ من العرب لا يعرّجون علـى كسير ولا ضالة لـيـلة النفر, وكانوا يسمونها لـيـلة الصّدَر, ولا يطلبون فـيها تـجارة ولا بـيعا, فأحلّ الله عز وجل ذلك كله للـمؤمنـين أن يعرجوا علـى حوائجهم ويبتغوا من فضل ربهم.
3224ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن عبـيد الله بن أبـي يزيد, قال: سمعت ابن الزبـير يقول: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فـي مواسم الـحج.
3225ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن عمرو بن دينار, قال: قال ابن عبـاس: كانت ذو الـمـجاز وعكاظ متـجرا للناس فـي الـجاهلـية, فلـما جاء الإسلام تركوا ذلك حتـى نزلت: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فـي مواسم الـحجّ.
3226ـ حدثنا أحمد بن حازم والـمثنى, قالا: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن مـحمد بن سوقة, قال: سمعت سعيد بن جبـير يقول: كان بعض الـحاج يسمون الداجّ, فكانوا ينزلون فـي الشقّ الأيسر من منى, وكان الـحاج ينزلون عند مسجد منى, فكانوا لا يتـجرون, حتـى نزلت: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فحجّوا.
3227ـ حدثنـي أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا عمر بن ذر, عن مـجاهد, قال: كان ناس يحجون ولا يتـجرون, حتـى نزلت: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فرخص لهم فـي الـمتـجر والركوب والزاد.
3228ـ حدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السديّ, قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ: هي التـجارة, قال: اتـجروا فـي الـموسم.
3229ـ حدثنا مـحمد بن سعد, قال: ثنـي فأبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ قال: كان الناس إذا أحرموا لـم يتبـايعوا حتـى يقضوا حجهم, فأحله الله لهم.
3230ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن يزيد بن أبـي زياد, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, قال: كانوا يتقون البـيوع والتـجارة أيام الـموسم, يقولون أيام ذكر, فأنزل الله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فحجوا.
3231ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن طلـحة بن عمرو, عن عطاء, عن ابن عبـاس أنه كان يقرؤها: «لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فِـي مَوَاسِمِ الـحَج».
3232ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا الـحمانـي, قال: حدثنا شريك, عن منصور, عن إبراهيـم, قال: لا بأس بـالتـجارة فـي الـحجّ, ثم قرأ: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ.
3233ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ قال: كان هذا الـحيّ من العرب لا يعرّجون علـى كسير ولا علـى ضالة ولا ينتظرون لـحاجة, وكانوا يسمونها لـيـلة الصدَر, ولا يطلبون فـيها تـجارة فأحلّ الله ذلك كله أن يعرجوا علـى حاجتهم, وأن يطلبوا فضلاً من ربهم.
3حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا مندل, عن عبد الرحمن بن الـمهاجر, عن أبـي صالـح مولـي, عمر, قال: قلت لعمر: يا أمير الـمؤمنـين, كنتـم تتـجرون فـي الـحجّ؟ قال: وهل كانت معايشهم إلا فـي الـحج.
3234ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن العلاء بن الـمسيب, عن رجل من بنـي تـيـم الله, قال: جاء رجل إلـى عبد الله بن عمر, فقال: يا أبـا عبد الرحمن: إنا قوم نُكري فـيزعمون أنه لـيس لنا حج؟ قال: ألستـم تـحرمون كما يحرمون, وتطوفون كما يطوفون, وترمون كما يرمون؟ قال: بلـى, قال: فأنت حاجّ جاء رجل إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم فسأله عما سألت عنه, فنزلت هذه الآية: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ.
3235ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قال: كانوا إذا أفـاضوا من عرفـات لـم يتـجروا بتـجارة, ولـم يعرّجوا علـى كسير, ولا علـى ضالة فأحلّ الله ذلك, فقال: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ... إلـى آخر الآية.
3حدثنـي سعيد بن الربـيع الرازي, قال: حدثنا سفـيان, عن عمرو بن دينار, عن ابن عبـاس, قال: كانت عكاظ ومـجنة وذو الـمـجاز أسواقا فـي الـجاهلـية, فكانوا يتـجرون فـيها, فلـما كان الإسلام كأنهم تأثموا منها, فسألوا النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جَناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ فـي مواسم الـحج.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فإذَا أفَضْتُـمْ مِنْ عَرَفـاتٍ.
يعنـي جل ثناؤه بقوله: فإذَا أفَضْتُـمْ فإذا رجعتـم من حيث بدأتـم. ولذلك قـيـل للذي يضرب القداح بـين الأيسار مفـيض, لـجمعه القداح ثم إفـاضته إياها بـين الـياسرين, ومنه قول بشر بن أبـي خازم الأسدي:
فَقُلْتُ لَهَا رُدّي إلَـيْهِ جَنَانَهُفَرَدّتْ كمَا رَدّ الـمَنِـيحَ مُفِـيضُ
ثم اختلف أهل العربـية فـي عرفـات, والعلة التـي من أجلها صرفت وهي معرفة, وهل هي اسم لبقعة واحدة أم هي لـجماعة بقاع؟
فقال بعض نـحويـي البصريـين: هي اسم كان لـجماعة مثل مسلـمات ومؤمنات, سميت به بقعة واحدة فصرف لـمّا سميت به البقعة الواحدة, إذ كان مصروفـا قبل أن تسمى به البقعة تركا منهم له علـى أصله لأن التاء فـيه صارت بـمنزلة الـياء والواو فـي مسلـمين ومسلـمون لأنه تذكيره, وصار التنوين بـمنزلة النون, فلـما سمي به ترك علـى حاله كما يترك «الـمسلـمون» إذا سمي به علـى حاله. قال: ومن العرب من لا يصرفه إذا سميّ به, ويشبه التاء بهاء التأنـيث وذلك قبـيح ضعيف. واستشهدوا بقوله الشاعر:
تَنَوّرْتُها مِنْ أذْرِعَاتٍ وأهْلُهابَـيْثربَ أدنى دَارِهَا نَظَرٌ عالـي
ومنهم من لا ينوّن أذرعات, وكذلك عانات, وهو مكان.
وقال بعض نـحويـي الكوفـيـين: إنـما انصرفت عرفـات لأنهن علـى جماع مؤنث بـالتاء. قال: وكذلك ما كان من جماع مؤنث بـالتاء, ثم سمّيتْ به رجلاً أو مكانا أو أرضا أو امرأة انصرفت.
قال: ولا تكاد العرب تسمي شيئا من الـجماع إلا جماعا, ثم تـجعله بعد ذلك واحدا.
وقال آخرون منهم: لـيست عرفـات حكاية, ولا هي اسم منقول ولكن الـموضع مسمى هو وجوانبه بعرفـات, ثم سميت بها البقعة اسم للـموضع, ولا ينفرد واحدها. قال: وإنـما يجوز هذا فـي الأماكن والـمواضع, ولا يجوز ذلك فـي غيرها من الأشياء. قال: ولذلك نصبت العرب التاء فـي ذلك لأنه موضع, ولو كان مـحكيا لـم يكن ذلك فـيه جائزا, لأن من سمى رجلاً مسلـمات أو بـمسلـمين لـم ينقله فـي الإعراب عما كان علـيه فـي الأصل, فلذلك خالف عانات وأذرعات ما سمي به من الأسماء علـى جهة الـحكاية.
واختلف أهل العلـم فـي الـمعنى الذي من أجله قـيـل لعرفـات عرفـات فقال بعضهم: قـيـل لها ذلك من أجل أن إبراهيـم خـلـيـل الله صلوات الله علـيه لـما رآها عرفها بنعتها الذي كان لها عنده, فقال: قد عرفت, فسميت عرفـات بذلك. وهذا القول من قائله يدل علـى أن عرفـات اسم للبقعة, وإنـما سميت بذلك لنفسها وما حولها, كما يقال: ثوب أخلاق, وأرض سبـاسب, فتـجمع بـما حولها. ذكر من قال ذلك:
3حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السدي, قال: لـما أذّن إبراهيـم فـي الناس بـالـحج, فأجابوه بـالتلبـية, وأتاه من أتاه أمره الله أن يخرج إلـى عرفـات ونعتها فخرج, فلـما بلغ الشجرة عند العقبة, استقبله الشيطان يردّه, فرماه بسبع حصيات, يكبر مع كل حصاة. فطار فوقع علـى الـجمرة الثانـية, فصدّه أيضا, فرماه وكبر فطار فوقع علـى الـجمرة الثالثة, فرماه وكبر فلـما رأى أنه لا يطيقه, ولـم يدر إبراهيـم أين يذهب, انطلق حتـى أتـى ذا الـمـجاز, فلـما نظر إلـيه فلـم يعرفه جاز, فلذلك سمي ذا الـمـجاز. ثم انطلق حتـى وقع بعرفـات فلـما نظر إلـيها عرف النعت, قال: قد عرفتُ, فسمي عرفـات. فوقـف إبراهيـم بعرفـات, حتـى إذا أمسى ازدلف إلـى جمع, فسميت الـمزدلفة, فوقـف بجمع.
3حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, عن سلـيـمان التـيـمي, عن نعيـم بن أبـي هند, قال: لـما وقـف جبريـل بإبراهيـم علـيهما السلام بعرفـات, قال: عرفت, فسميت عرفـات لذلك.
3حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: قال ابن الـمسيب: قال علـيّ بن أبـي طالب رضي الله عنه: بعث الله جبريـل إلـى إبراهيـم فحجّ به, فلـما أتـى عرفة قال: قد عرفت, وكان قد أتاها مرّة قبل ذلك, ولذلك سميت عرفة.
وقال آخرون: بل سميت بذلك بنفسها وببقاع أخر سواها. ذكر من قال ذلك:
3حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع بن مسلـم القرشي, عن أبـي طِهفة, عن أبـي الطفـيـل, عن ابن عبـاس قال: إنـما سميت عرفـات, لأن جبريـل علـيه السلام, كان يقول لإبراهيـم: هذا موضع كذا, وهذا موضع كذا, فـيقول: قد عرفت, فلذلك سميت عرفـات.
3حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان, عن عطاء قال: إنـما سميت عرفة أن جبريـل كان يُرِي إبراهيـم علـيهما السلام الـمناسك, فـيقول: عرفتُ عرفت, فسمي عرفـات.
3حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن زكريا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: قال ابن عبـاس: أصل الـجبل الذي يـلـي عُرَنة وما وراءه موقـف حتـى يأتـي الـجبل جبل عرفة. وقال ابن أبـي نـجيح: عرفـات: النّبْعة والنّبَـيْعَة وذات النابت, وذلك قول الله: فإذَا أفَضْتُـمْ مِنْ عَرَفـاتٍ وهو الشعب الأوسط.
وقال زكريا: ما سال من الـجبل الذي يقـف علـيه الإمام إلـى عرفة, فهو من عرفة, وما دبَر ذلك الـجبل فلـيس من عرفة.
وهذا القول يدلّ علـى أنها سميت بذلك نظير ما يسمى الواحد بـاسم الـجماعة الـمختلفة الأشخاص.
وأولـى الأقوال بـالصواب فـي ذلك عندي أن يقال: هو اسم لواحد سمي بجماع, فإذا صرف ذهب به مذهب الـجماع الذي كان له أصلاً, وإذا ترك صرفه ذهب به إلـى أنه اسم لبقعة واحدة معروفة, فترك صرفه كما يترك صرف أسماء الأمصار والقرى الـمعارف.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فـاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الـمَشْعَرِ الـحَرَامِ.
يعنـي بذلك جل ثناؤه: فإذَا أفَضْتُـمْ فكررتـم راجعين من عرفة إلـى حيث بدأتـم الشخوص إلـيها منه فـاذْكُرُوا اللّهَ يعنـي بذلك الصلاة, والدعاء عِنْدَ الـمَشْعَرِ الـحَرَامِ. وقد بـينا قبل أن الـمشاعر هي الـمعالـم من قول القائل: شعرت بهذا الأمر: أي علـمت, فـالـمشعر هو الـمَعْلَـم, سمي بذلك لأن الصلاة عنده والـمقام والـمبـيت والدعاء من معالـم الـحجّ وفروضه التـي أمر الله بها عبـاده. وقد:
3236ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن زكريا, عن ابن أبـي نـجيح, قال: يستـحبّ للـحاج أن يصلـي فـي منزله بـالـمزدلفة إن استطاع, وذلك أن الله قال: فـاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الـمَشْعَرِ الـحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كما هَدَاكُمْ.
فأما الـمشعر فإنه هو ما بـين جبلـي الـمزدلفة من مَأزِمي عرفة إلـى مـحسر, ولـيس مأزما عرفة من الـمشعر.
وبـالذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
3237ـحدثنا هناد بن السريّ قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, قال: أخبرنا إسرائيـل, عن مغيرة, عن إبراهيـم, قال: رأى ابن عمر الناس يزدحمون علـى الـجبـيـل بجمع فقال: أيها الناس إن جمعا كلها مشعر.
3238ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حجاج, عن نافع, عن ابن عمر أنه سئل عن قوله: فـاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الـمَشْعَرِ الـحَرَامِ قال: هو الـجبل وما حوله.
3239ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, قال: أخبرنا إسرائيـل, عن حكيـم بن جبـير, عن ابن عبـاس قال: ما بـين الـجبلـين اللذين بجمع مشعر.
3240ـحدثنا هناد, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, قال: أخبرنا الثوري, عن السدي, عن سعيد بن جبـير, مثله.
3241ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, وحدثنـي أحمد بن حازم قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن السدي, عن سعيد بن جبـير, قال: سألته عن الـمشعر الـحرام فقال: ما بـين جبلـي الـمزدلفة.
3242ـحدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, عن سالـم, عن ابن عمر, قال: الـمشعر الـحرام: الـمزدلفة كلها. قال معمر: وقاله قتادة.
3243ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, قال: أنبأنا الثوري, عن السدي, عن سعيد بن جبـير: فـاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الـمَشْعَرِ الـحَرَامِ قال: ما بـين جبلـي الـمزدلفة هو الـمشعر الـحرام.
3244ـحدثنا هناد, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, قال: أخبرنا أبـي, عن أبـي إسحاق, عن عمرو بن ميـمون, قال: سألت عبد الله بن عمر عن الـمشعر الـحرام, فقال: إذا انطلقت معي أعلـمتكه. قال: فـانطلقت معه, فوقـفنا حتـى إذا أفـاض الإمام سار وسرنا معه, حتـى إذا هبطت أيدي الركاب, وكنا فـي أقصى الـجبـال مـما يـلـي عرفـات قال: أين السائل عن الـمشعر الـحرام؟ أخذت فـيه, قلت: ما أخذت فـيه؟ قال: كلها مشاعر إلـى أقصى الـحرم.
3245ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا إسرائيـل, وحدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن عمرو بن ميـمون الأوديّ, قال: سألت عبد الله بن عمر, عن الـمشعر الـحرام. قال: إن تلزمنـي أركه. قال: فلـما أفـاض الناس من عرفة وهبطت أيدي الركاب فـي أدنى الـجبـال, قال: أين السائل عن الـمشعر الـحرام؟ قال: قلت: ها أنا ذاك, قال: أخذتَ فـيه, قلت: ما أخذت فـيه؟ قال: حين هبطت أيدي الركاب فـي أدنى الـجبـال فهو مشعر إلـى مكة.
3246ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا وكيع, عن عمارة بن زاذان, عن مكحول الأزدي, قال: سألت ابن عمر يوم عرفة عن الـمشعر الـحرام؟ فقال: الْزَمْنـي فلـما كان من الغد وأتـينا الـمزدلفة, قال: أين السائل عن الـمشعر الـحرام؟ هذا الـمشعر الـحرام.
3247ـحدثنا هناد, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, قال: أخبرنا داود, عن ابن جريج, قال: قال مـجاهد: الـمشعر الـحرام: الـمزدلفة كلها.
3248ـحدثنا هناد, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, قال: أخبرنا داود, عن ابن جريج, قال: قلت لعطاء: أين الـمزدلفة؟ قال: إذا أفضت من مأزِمي عرفة, فذلك إلـى مـحسّر. قال: ولـيس الـمأزمان مأزما عرفة من الـمزدلفة, ولكنّ مفـاضاهما. قال: قـف بـينهما إن شئت, وأحبّ إلـيّ أن تقـف دون قُزَح, هلـمّ إلـينا من أجل طريق الناس.
3249ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن مغيرة, عن إبراهيـم, قال: رآهم ابن عمر يزدحمون علـى قزح, فقال علام يزدحم هؤلاء كل ما ههنا مشعر.
3250ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: الـمشعر الـحرام الـمزدلفة كلها.
3251ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
3252ـحدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: فإذَا أفَضْتُـمْ مِنْ عَرَفـاتٍ فـاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الـمَشْعَرِ الـحَرَامِ وذلك لـيـلة جمع. قال قتادة: كان ابن عبـاس يقول: ما بـين الـجبلـين مشعر.
3253ـحدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي, قال: الـمشعر الـحرام هو ما بـين جبـال الـمزدلفة, ويقال: هو قرن قزح.
3254ـحدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: فـاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الـمَشْعَرِ الـحَرَامِ وهي الـمزدلفة, وهي جمع.
وذكر عن عبد الرحمن بن الأسود ما:
3255ـ حدثنا به هناد, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيـل, عن جابر, عن عبد الرحمن بن الأسود, قال: لـم أجد أحدا يخبرنـي عن الـمشعر الـحرام.
3256ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن السدي, قال: سمعت سعيد بن جبـير يقول: الـمشعر الـحرام: ما بـين جبلـي مزدلفة.
3257ـ حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا قـيس, عن حكيـم بن جبـير, عن سعيد بن جبـير, قال: سألت ابن عمر عن الـمشعر الـحرام؟ فقال: ما أدري, وسألت ابن عبـاس, فقال: ما بـين الـجبلـين.
3258ـ حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل: عن أبـي إسحاق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس قال: الـجبـيـل وما حوله مشاعر.
3259ـحدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن ثوير, قال: وقـفت مع مـجاهد علـى الـجبـيـل, فقال: هذا الـمشعر الـحرام.
3260ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا حسن بن عطية, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس, الـجبـيـل وما حوله مشاعر.
وإنـما جعلنا أول حدّ الـمشعر مـما يـلـي منى منقطع وادي مـحسر مـما يـلـي الـمزدلفة, لأن
3261ـالـمثنى, حدثنـي قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن سفـيان, عن زيد بن أسلـم, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «عَرَفَةُ كُلّها مَوْقِـفٌ إلا عُرَنَةَ, وَجمْعٌ كُلّها مَوْقِـفٌ إلا مُـحَسّرا».
3262ـحدثنـي يعقوب, قال: ثنـي هشيـم, عن حجاج, عن ابن أبـي ملـيكة, عن عبد الله بن الزبـير, أنه قال: كل مزدلفة موقـف إلا وادي مـحسر.
3263ـحدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, عن حجاج, قال: أخبرنـي من سمع عروة بن الزبـير يقول مثل ذلك.
3264ـحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن سفـيان, عن هشام بن عروة, قال: قال عبد الله بن الزبـير فـي خطبته: تَعَلّـمُنّ أن عرفة كلها موقـف إلا بطن عرنة, تعلّـمُنّ أن مزدلفة كلها موقـف إلا بطن مـحسر.
غير أن ذلك وإن كان كذلك فإنـي أختار للـحاج أن يجعل وقوفه لذكر الله من الـمشعر الـحرام علـى قزح وما حوله, لأن:
3265ـأبـا كريب حدثنا , قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, عن إبراهيـم بن إسماعيـل بن مـجمع, عن عبد الرحمن بن الـحرث الـمخزومي, عن زيد بن علـيّ, عن عبـيد الله بن أبـي رافع, عن علـيّ قال: لـما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بـالـمزدلفة, غدا فوقـف علـى قزح, وأردف الفضل, ثم قال: «هذا الـمَوْقِـفُ, وكل مُزْدِلفة مَوْقِـفٌ».
3266ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن بكير, قال: أخبرنا إبراهيـم بن إسماعيـل بن مـجمع, عن عبد الرحمن بن الـحرث, عن زيد بن علـيّ بن الـحسين, عن عبـيد الله بن أبـي رافع عن أبـي رافع, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنـحوه.
3267ـ حدثنا هناد وأحمد الدولابـي, قالا: حدثنا سفـيان, عن ابن الـمنكدر, عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع عن ابن الـحويرث, قال: رأيت أبـا بكر واقـفـا عل قزح وهو يقول: أيها الناس أصبحوا أيها الناس أصبحوا ثم دفع.
3268ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون, عن عبد الله بن عثمان, عن يوسف بن ماهك, حججت مع ابن عمر, فلـما أصبح بجمع صلـى الصبح, ثم غدا وغدونا معه حتـى وقـف مع الإمام علـى قزح, ثم دفع الإمام فدفع بدفعته.
وأما قول عبد الله بن عمر حين صار بـالـمزدلفة: «هذا كله مشاعر إلـى مكة», فإن معناه أنها معالـم من معالـم الـحج ينسك فـي كل بقعة منها بعض مناسك الـحجّ, لا أن كل ذلك الـمشعر الـحرام الذي يكون الواقـف حيث وقـف منه إلـى بطن مكة قاضيا ما علـيه من الوقوف بـالـمشعر الـحرام من جمع.
وأما قول عبد الرحمن بن الأسود: «لـم أجد أحدا يخبرنـي عن الـمشعر الـحرام» فلأنه يحتـمل أن يكون أراد: لـم أجد أحدا يخبرنـي عن حدّ أوله ومنتهى آخره علـى حقه وصدقه لأن حدود ذلك علـى صحتها حتـى لا يكون فـيها زيادة ولا نقصان لا يحيط بها إلا القلـيـل من أهل الـمعرفة بها, غير أن ذلك وإن لـم يقـف علـى حدّ أوله ومنتهى آخره وقوفـا لا زيادة فـيه ولا نقصان إلا من ذكرت, فموضع الـحاجة للوقوف لاخفـاء به علـى أحد من سكان تلك الناحية وكثـير من غيرهم, وكذلك سائر مشاعر الـحجّ والأماكن التـي فرض الله عز وجل علـى عبـاده أن ينسكوا عندها كعرفـات ومنى والـحرم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاذْكُرُوهُ كمَا هَدَاكُمْ وَإنْ كُنْتُـمْ مِنْ قَبْلِهِ لَـمِنْ الضالّـينَ.
يعنـي بذلك جل ثناؤه: واذكروا الله أيها الـمؤمنون عند الـمشعر الـحرام بـالثناء علـيه, والشكر له علـى أياديه عندكم, ولـيكن ذكركم إياه بـالـخضوع لأمره, والطاعة له والشكر علـى ما أنعم علـيكم من التوفـيق, لـما وفقكم له من سنن إبراهيـم خـلـيـله بعد الذي كنتـم فـيه من الشرك والـحيرة والعمى عن طريق الـحقّ وبعد الضلالة كذكره إياكم بـالهدى, حتـى استنقذكم من النار به بعد أن كنتـم علـى شفـا حفرة منها, فنـجاكم منها. وذلك هو معنى قوله: كمَا هَدَاكُمْ.
وأما قوله: وَإنْ كُنْتُـمْ مِنْ قَبْلِهِ لَـمِنَ الضّالّـينَ فإن من أهل العربـية من يوجه تأويـل «إن» إلـى تأويـل «ما», وتأويـل اللام التـي فـي «لَـمِنَ» إلـى «إلا».
فتأويـل الكلام علـى هذا الـمعنى: وما كنتـم من قبل هداية الله إياكم لـما هداكم له من ملة خـلـيـله إبراهيـم التـي اصطفـاها لـمن رضي عنه من خـلقه إلا من الضالـين. ومنهم من يوجه تأويـل «إن» إلـى «قد», فمعناه علـى قول قائل هذه الـمقالة: واذكروا الله أيها الـمؤمنون كما ذكركم بـالهدى, فهداكم لـما رضيه من الأديان والـملل, وقد كنتـم من قبل ذلك من الضالـين. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ثم أفـيضوا من حيث أفـاض الناس} اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, ومَن الـمعنـيّ بـالأمر بـالإفـاضة من حيث أفـاض الناس, ومَنِ الناسُ الذين أمروا بـالإفـاضة من موضع إفـاضتهم. فقال بعضهم: الـمعنـيّ بقوله: ثمّ أفِـيضُوا قريش, ومن ولدته قريش الذين كانوا يسمون فـي الـجاهلـية الـحمس, أمروا فـي الإسلام أن يفـيضوا من عرفـات, وهي التـي أفـاض منها سائر الناس غير الـحمس. وذلك أن قريشا ومن ولدته قريش, كانوا يقولون: لا نـخرج من الـحرم. فكانوا لا يشهدون موقـف الناس بعرفة معهم, فأمرهم الله بـالوقوف معهم. ذكر من قال ذلك:
3269ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن عبد الرحمن الطفـاوي, قال: حدثنا هشام بن عروة, عن أبـيه. عن عائشة قالت: كانت قريش ومن كان علـى دينها وهم الـحمس, يقـفون بـالـمزدلفة يقولون: نـحن قَطِين الله, وكان من سواهم يقـفون بعرفة. فأنزل الله: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ.
3270ـحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث, قال: ثنـي أبـي, قال: حدثنا أبـان, قال: حدثنا هشام بن عروة, عن عروة: أنه كتب إلـى عبد الـملك بن مروان كتبتَ إلـيّ فـي قول النبـيّ صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار «إنّـي أحْمَس» وإنـي لا أدري أقالها النبـيّ أم لا؟ غيرأنـي سمعتها تُـحدّث عنه. والـحمس: ملة قريش, وهم مشركون, ومَن ولدت قريش فـي خزاعة وبنـي كنانة. كانوا لا يدفعون من عرفة, إنـما كانوا يدفعون من الـمزدلفة وهو الـمشعر الـحرام, وكانت بنو عامر حمسا, وذلك أن قريشا ولدتهم, ولهم قـيـل: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ وأن العرب كلها كانت تفـيض من عرفة إِلا الـحمس, كانوا يدفعون إذا أصبحوا من الـمزدلفة.
3271ـحدثنـي أحمد بن مـحمد الطوسي, قال: حدثنا أبو توبة, قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري, عن سفـيان, عن حسين بن عبـيد الله, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: كانت العرب تقـف بعرفة, وكانت قريش تقـف دون ذلك بـالـمزدلفة, فأنزل الله: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ فرفع النبـي صلى الله عليه وسلم الـموقـف إلـى موقـف العرب بعرفة.
3272ـحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عبد الـملك, عن عطاء: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ من حيث تُفـيض جماعة الناس.
3273ـحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الـحكم, قال: حدثنا عمرو بن قـيس, عن عبد الله بن أبـي طلـحة, عن مـجاهد قال: إذا كان يوم عرفة هبط الله إلـى السماء الدنـيا فـي الـملائكة, فـيقول: هلّـم إلـيّ عبـادي, آمنوا بوعدي وصَدّقوا رسلـي فـيقول: ما جزاؤهم؟ فـيقال: أن تغفر لهم. فذلك قوله: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ واسْتَغْفِرُوا الله إنّ الله غَفُورٌ رحيـمٌ.
3274ـحدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ قال: عرفة. قال: كانت قريش تقول: نـحن الـحمس أهل الـحرم ولا نـخـلّفُ الـحرم ونفـيض عن الـمزدلفة. فأُمروا أن يبلغوا عرفة.
3275ـحدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ, قال قتادة: وكانت قريش وكل حلـيف لهم وبنـي أخت لهم لا يفـيضون من عرفـات, إنـما يفـيضون من الـمغَمّس ويقولون: إنـما نـحن أهل الله, فلا نـخرج من حرمه. فأمرهم الله أن يفـيضوا من حيث أفـاض الناس من عرفـات, وأخبرهم أن سُنّة إبراهيـم وإسماعيـل هكذا: الإفـاضة من عرفـات.
3276ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ قال: كانت العرب تقـف بعرفـات, فتُعظم قريشٌ أن تقـف معهم, فتقـف قريشٌ بـالـمزدلفة فأمرهم الله أن يفـيضوا مع الناس من عرفـات.
3277ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع قوله: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ, قال: كانت قريش وكل ابن أخت وحلـيف لهم لا يفـيضون مع الناس من عرفـات, يقـفون فـي الـحرم ولا يخرجون منه, يقولون: إنـما نـحن أهل حرم الله فلا نـخرج من حرمه. فأمرهم الله أن يفـيضوا من حيث أفـاض الناس وكانت سُنّة إبراهيـم وإسماعيـل الإفـاضة من عرفـات.
3278ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن عبد الله بن أبـي نـجيح, قال: كانت قريش لا أدري قبل الفـيـل أو بعده ابتدعت أمْرَ الـحمس, رأيا رأوه بـينهم قالوا: نـحن بنو إبراهيـم وأهل الـحرمة وولاة البـيت وقاطنو مكة وساكنوها, فلـيس لأحد من العرب مثل حقنا ولا مثل منزلنا, ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا, فلا تعظّموا شيئا من الـحِلّ كما تعظمون الـحرم, فإنكم إن فعلتـم ذلك استـخفّت العرب بحرمكم, وقالوا: قد عظموا من الـحل مثل ما عظموا من الـحرم. فتركوا الوقوف علـى عرفة, والإفـاضة منها, وهم يعرفون ويقرّون أنها من الـمشاعر والـحجّ ودين إبراهيـم, ويرون لسائر الناس أن يقـفوا علـيها, وأن يفـيضوا منها. إلا أنهم قالوا: نـحن أهل الـحرم, فلـيس ينبغي لنا أن نـخرج من الـحرمة, ولا نعظم غيرها كما نعظمها نـحن الـحمس والـحمس: أهل الـحرم ثم جعلوا لـمن ولدوا من العرب من ساكنـي الـحلّ مثل الذي لهم بولادتهم إياهم, فـيحلّ لهم ما يحلّ لهم, ويحرم علـيهم ما يحرم علـيهم. وكانت كنانة وخزاعة قد دخـلوا معهم فـي ذلك, ثم ابتدعوا فـي ذلك أمورا لـم تكن, حتـى قالوا: لا ينبغي للـحمس أن يأقطوا الأقط, ولا يسلئوا السمن وهم حُرُم, ولا يدخـلوا بـيتا من شعر, ولا يستظلوا إن استظلوا إلا فـي بـيوت الأدم ما كانوا حراما, ثم رفعوا فـي ذلك فقالوا لا ينبغي لأهل الـحلّ أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الـحلّ فـي الـحرم إذا جاءوا حجاجا أو عمارا, ولا يطوفوا بـالبـيت إذا قدموا أوّل طوافهم إلا فـي ثـياب الـحمس, فإن لـم يجدوا منها شيئا طافوا بـالبـيت عراة. فحملوا علـى ذلك العرب فدانت به, وأخذوا بـما شرعوا لهم من ذلك, فكانوا علـى ذلك حتـى بعث الله مـحمدا صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله حين أحكم له دينه وشرع له حجته: ثُمّ أفـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ وَاسْتَغْفرُوا اللّهَ إنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحيـمٌ يعنـي قريشا والناس العرب. فرفعهم فـي سنة الـحجّ إلـى عرفـات, والوقوف علـيها, والإفـاضة منها فوضع الله أمر الـحمس, وما كانت قريش ابتدعت منه عن الناس بـالإسلام حين بعث الله رسوله.
3279ـ حدثنا بحر بن نصر, قال: حدثنا ابن وهب, قال: أخبرنـي ابن أبـي الزناد, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, عن عائشة, قال: كانت قريش تقـف بقزح, وكان الناس يقـفون بعرفة. قال: فأنزل الله: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ.
وقال آخرون: الـمخاطبون بقوله: ثُمّ أفِـيضُوا الـمسلـمون كلهم, والـمعنـيّ بقوله: مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ من جمع, وبـالناس إبراهيـم خـلـيـل الرحمن علـيه السلام. ذكر من قال ذلك:
3280ـ حدثت عن القاسم بن سلام, قال: حدثنا هارون بن معاوية الفزاري, عن أبـي بسطام عن الضحاك, قال: هو إبراهيـم.
والذي نراه صوابـا من تأويـل هذه الآية, أنه عنى بهذه الآية قريش ومن كان متـحمسا معها من سائر العرب لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى أن ذلك تأويـله.
وإذ كان ذلك كذلك فتأويـل الآية: فمن فرض فـيهن الـحجّ, فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فـي الـحج, ثم أفـيضوا من حيث أفـاض الناس, واستغفروا الله إن الله غفور رحيـم, وما تفعلوا من خير يعلـمه الله. وهذا إذ كان ما وصفنا تأويـله فهو من الـمقدّم الذي معناه التأخير, والـمؤخر الذي معناه التقديـم, علـى نـحو ما تقدم بـياننا فـي مثله, ولولا إجماع من وصفت إجماعه علـى أن ذلك تأويـله. لقلت: أولـى التأويـلـين بتأويـل الآية ما قاله الضحاك من أن الله عنى بقوله: مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ من حيث أفـاض إبراهيـم لأن الإفـاضة من عرفـات لا شك أنها قبل الإفـاضة من جمع, وقبل وجوب الذكر عند الـمشعر الـحرام. وإذ كان ذلك لا شك كذلك وكان الله عز وجل إنـما أمر بـالإفـاضة من الـموضع الذي أفـاض منه الناس بعد انقضاء ذكر الإفـاضة من عرفـات وبعد أمره بذكره عند الـمشعر الـحرام, ثم قال بعد ذلك: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ كان معلوما بذلك أنه لـم يأمر بـالإفـاضة إلا من الـموضع الذي لـم يفـيضوا منه دون الـموضع الذي قد أفـاضوا منه, وكان الـموضع الذي قد أفـاضوا منه فـانقضى وقت الإفـاضة منه, لا وجه لأن يقال: أفض منه. فإذا كان لا وجه لذلك وكان غير جائز أن يأمر الله جل وعز بأمر لا معنى له, كانت بـيّنة صحة ما قاله من التأويـل فـي ذلك, وفساد ما خالفه لولا الإجماع الذي وصفناه وتظاهر الأخبـار بـالذي ذكرنا عمن حكينا قوله من أهل التأويـل.
فإن قال لنا قائل: وكيف يجوز أن يكون ذلك معناه: والناس جماعة, وإبراهيـم صلى الله عليه وسلم واحد, والله تعالـى ذكره يقول: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ؟ قـيـل: إن العرب تفعل ذلك كثـيرا, فتدلّ بذكر الـجماعة علـى الواحد. ومن ذلك قول الله عزّ وجل: الّذين قاَل لهُمْ النّاسَ إنّ النّاسُ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ والذي قال ذلك واحد, وهو فـيـما تظاهرت به الرواية من أهل السير نعيـم بن مسعود الأشجعي, ومنه قول الله عز وجل: يا ايّها الرّسُلُ كُلُوا مِنَ الطّيّبـات وَاعْمَلُوا صَالـحا قـيـل: عنى بذلك النبـيّ صلى الله عليه وسلم. ونظائر ذلك فـي كلام العرب أكثر من أن تـحصى.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاسْتَغْفِرُوا اللّهَ إنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ.
يعنـي بذلك جل ثناؤه: فإذَا أفضْتُـمْ مِنْ عَرَفـاتٍ منصرفـين إلـى منى فـاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الـمَشْعَر الـحَرَامِ وادعوه واعبدوه عنده, كما ذكركم بهدايته, فوفقكم لـما ارتضى لـخـلـيـله إبراهيـم, فهداه له من شريعة دينه بعد أن كنتـم ضلالاً عنه.
وفـي «ثُمّ» فـي قوله: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ من التأويـل وجهان: أحدهما ما قاله الضحاك من أن معناه: ثم أفـيضوا فـانصرفوا راجعين إلـى منى من حيث أفـاض إبراهيـم خـلـيـلـي من الـمشعر الـحرام, وسلونـي الـمغفرة لذنوبكم, فإنـي لها غفور, وبكم رحيـم. كما:
3281ـ حدثنـي إسماعيـل بن سيف العجلـي, قال: حدثنا عبد القاهر بن السريّ السلـمي, قال: حدثنا ابن كنانة, ويكنى أبـا كنانة, عن أبـيه, عن العبـاس بن مرداس السلـمي, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دَعَوْتُ اللّهَ يَوْمَ عَرَفَةَ أنْ يَغْفِرَ لأمّتِـي ذُنُوبَها, فأجابَنِـي أنْ قَدْ غَفَرْتُ, إلاّ ذُنُوبَها بَـيْنَها وَبْـينَ خَـلْقِـي, فأعَدْت الدّعاءَ يَوْمَئِذٍ, فَلَـمْ أُجَبْ بِشَيْءٍ, فَلَـمّا كانَ غَدَاةَ الـمُزْدَلفة قلْتُ: يا رَبّ إنّكَ قادرٌ أنْ تُعَوّضَ هَذَا الـمَظْلُومَ منْ ظُلامَتِهِ, وتَغْفِرَ لِهَذَا الظّالِـمِ, فأجَابِنـي أنْ قَدْ غَفَرْتُ» قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فقلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيناك تضحك فـي يوم لـم تكن تضحك فـيه؟ قال: «ضحكت مِنْ عَدُوّ اللّهِ إبْلِـيسَ لَـمّا سَمِعَ بِـمَا سَمِعَ إذَا هُوَ يَدْعُو بـالْوَيْـلِ وَالثُبُوِر, وَيَضَعُ التّرَابَ علـى رأسِهِ».
3282ـحدثنا مسلـم بن حاتـم الأنصاري, قال: حدثنا بشار بن بكير الـحنفـي, قالا: حدثنا عبد العزيز بن أبـي روّاد عن نافع, عن ابن عمر, قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة, فقال: «أيّها النّاسُ إنّ اللّهَ تَطَوّلُ عَلَـيْكُمْ فِـي مَقامِكُمْ هَذَا, فَقَبِلَ مِنْ مُـحْسِنِكُمْ, وأعْطَى مُـحْسِنَكُمْ ما سألَ, وَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ لِـمُـحْسِنِكُمْ إلاّ التّبِعاتِ فِـيـما بَـيْنَكُمْ أفِـيضُوا علـى اسْمِ الله» فلـما كان غداة جمع قال: «أيّها النّاسِ إنّ اللّهَ قَدْ تَطَوّلَ عَلَـيْكُمْ فـي مَقامِكُمْ هَذَا, فَقَبِلَ مِنْ مُـحْسِنِكُمْ, وَوَهَبَ مُسِيئَكُمُ لِـمُـحْسِنِكُمْ, والتّبِعاتِ بَـيْنَكُمْ عَوّضَها مِنْ عِنْدِهِ أفِـيضُوا علـى اسْمِ اللّهِ» فقال أصحابه: يا رسول الله أفضت بنا بـالأمس كئيبـا حزينا, وأفضت بنا الـيوم فرحا مسرورا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّـي سألْتُ رّبـي بـالأمْسِ شَيْئا لَـمْ يَجُدْ لـي بِهِ, سألتُه التّبِعات فأبى علـيّ, فَلَـمّا كانَ الـيَوْمُ أتانـي جِبْرِيـلُ قال: إنّ رَبّكَ يُقْرِئُكَ السّلامَ ويَقُول التّبِعاتُ ضَمِنْتُ عِوَضَها مِنْ عِنْدِي».
فقد بـين هذان الـخبران أن غفران الله التبعات التـي بـين خـلقه فـيـما بـينهم إنـما هو غداة جمع, وذلك فـي الوقت الذي قال جل ثناؤه: ثمّ أفِـيضُوا مِنْ حَيْثُ أفـاضَ النّاسُ واسْتَغْفِرُوا اللّهَ لذنوبكم, فإنه غفور لها حينئذٍ, تفضلاً منه علـيكم, رحيـم بكم.
والاَخر منهما: ثم أفـيضوا من عرفة إلـى الـمشعر الـحرام, فإذا أفضتـم إلـيه منها فـاذكروا الله عنده كما هداكم.
الآية : 200
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:.
{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدّ ذِكْراً فَمِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ رَبّنَآ آتِنَا فِي الدّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الاَخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ }
يعنـي بقول جل ثناؤه: فَإذَا قَضَيْتُـمْ مَناسِكَكُمْ فإذا فرغتـم من حجكم فذبحتـم نسائككم, فـاذْكُرُوا اللّهَ يقال منه: نسك الرجل ينسك نُسْكا ونُسُكا ونسيكة ومنسكا إذا ذبح نسكه, والـمنسك: اسم مثل الـمشرق والـمغرب. فأما النسك فـي الدين, فإنه يقال منه ما كان الرجل ناسكا, ولقد نَسَك, وَنسُك نُسْكا ونُسُكا ونساكة, وذلك إذا تقرأ.
وبـمثل الذي قلنا فـي معنى الـمناسك فـي هذا الـموضع قال مـجاهد.
3حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فإذَا قَضَيْتُـمْ مَناسِكَكُمْ قال: إهراقة الدماء.
3283ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
وأما قوله: فـاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبـاءَكُمْ أوْ أشَدّ ذِكْرا فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي صفة ذكر القوم إبـاءكم الذين أمرهم الله أن يجعلوا ذكرهم إياه كذكرهم إبـاءهم أو أشدّ ذكرا, فقال بعضهم: كان القوم فـي جاهلـيتهم بعد فراغهم من حجهم ومناسكهم يجتـمعون فـيتفـاخرون بـمآثر آبـائهم, فأمرهم الله فـي الإسلام أن يكون ذكرهم بـالثناء والشكر والتعظيـم لربهم دون غيره, وأن يـلزموا أنفسهم من الإكثار من ذكره نظير ما كانوا ألزموا أنفسهم فـي جاهلـيتهم من ذكر آبـائهم. ذكر من قال ذلك:
3حدثنا تـميـم بن الـمنتصر, قال: حدثنا إسحاق بن يوسف, عن القاسم بن عثمان, عن أنس فـي هذه الآية, قال: كانوا يذكرون آبـاءهم فـي الـحج, فـيقول بعضهم: كان أبـي يطعم الطعام, ويقول بعضهم: كان أبـي يضرب بـالسيف, ويقول بعضهم: كان أبـي جزّ نواصي بنـي فلان.
3وحدثنـي مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن عبد العزيز, عن مـجاهد قال: كانوا يقولون: كان آبـاؤنا ينـحرون الـجزر, ويفعلون كذا, فنزلت هذه الآية: اذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبـاءَكُمْ أوْ اشَدّ ذِكْرا.
3حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن عاصم, عن أبـي وائل: فـاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبـاءَكُمْ أوْ أشَدّ ذِكْرا قال: كان أهل الـجاهلـية يذكرون فعال آبـائهم.
3284ـ حدثنا أبو كريب, قال: سمعت أبـا بكر بن عياش, قال: كان أهل الـجاهلـية إذا فرغوا من الـحجّ قاموا عند البـيت فـيذكرون آبـائهم وأيامهم: كان أبـي يطعم الطعام, وكان أبـي يفعل, فذلك قوله: فـاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبـاءَكُمْ. قال أبو كريب: قلت لـيحيى بن آدم: عمن هو؟ قال: حدثنا أبو بكر بن عياش, عن عاصم, عن أبـي وائل.
3285ـ وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنـي حجاج عمن حدثه, عن مـجاهد فـي قوله: اذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبـاءَكُمْ قال: كانوا إذا قضوا مناسكهم وقـفوا عند الـجمرة فذكروا آبـاءهم, وذكروا أيامهم فـي الـجاهلـية وفعال آبـائهم, فنزلت هذه الآية.
3286ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, عن عبد الـملك, عن قـيس, عن مـجاهد فـي قوله: فـاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبـاءَكُمْ قال: كانوا إذا قضوا مناسكهم وقـفوا عند الـجمرة, وذكروا أيامهم فـي الـجاهلـية وفعال آبـائهم. قال: فنزلت هذه الآية.
3287ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فإذَا قَضَيْتُـمْ مَناسِكَكُمْ فـاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْركُمْ آبـاءَكُمْ قال: تفـاخرت العرب بـينها بفعل آبـائها يوم النـحر حين فرغوا فأمروا بذكر الله مكان ذلك.
3288ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, نـحوه.
3289ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فإذَا قَضَيْتُـمْ مَناسِكَكُمْ فـاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبـاءَكُمْ قال قتادة: كان أهل الـجاهلـية إذا قضوا مناسكهم بـمنى قعدوا حلقا, فذكروا صنـيع آبـائهم فـي الـجاهلـية وفعالهم به, يخطب خطيبهم ويحدّث مـحدّثهم, فأمر الله عزّ وجل الـمسلـمين أن يذكروا الله كذكر أهل الـجاهلـية آبـاءهم أو أشدّ ذكرا.
3290ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: فـاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبـاءَكُمْ أوْ أشَدّ ذِكْرا قال: كانوا إذا قضوا مناسكهم اجتـمعوا فـافتـخروا وذكروا آبـاءهم وأيامها, فأمروا أن يجعلوا مكان ذلك ذكر الله, يذكرونه كذكرهم آبـائهم, أو أشدّ ذكرا.
3291ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن خصيف, عن سعيد بن جبـير وعكرمة قالا: كانوا يذكرون فعل آبـائهم فـي الـجاهلـية إذا وقـفوا بعرفة, فنزلت هذه الآية.
3292ـ حدثنا القاسم, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: أخبرنـي عبد الله بن كثـير أنه سمع مـجاهدا يقول ذلك يوم النـحر حين ينـحرون قال: قال فـاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبـاءَكُمْ قال: كانت العرب يوم النـحر حين يفرغون يتفـاخرون بفعال آبـائها, فأمروا بذكر الله عزّ وجل مكان ذلك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فـاذكروا الله كذكر الأبناء والصبـيان الاَبـاء. ذكر من قال ذلك:
3293ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن عثمان بن أبـي روّاد, عن عطاء أنه قال فـي هذه الآية: كَذِكْركُمْ آبـاءَكُمْ قال: هو قول الصبـيّ: يا أبـاه.
3294ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا زهير, عن جويبر, عن الضحاك: فـاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبـاءَكُمْ يعنـي بـالذكر, ذكر الأبناء الاَبـاء.
3295ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال لـي عطاء: كَذِكْرِكُمْ آبـاَءكُمْ: أبه أمه.
3296ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا صالـح بن عمر, عن عبد الـملك, عن عطاء, قال: كالصبـيّ يـلهج بأبـيه وأمه.
3297ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع قوله: فَإذَا قَضَيَـيْتُـمْ مَناسِكَكُمْ فـاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْركُمْ آبـاَءكُمْ أوْ أشَدّ ذِكْرا يقول: كذكر الأبناء الاَبـاء أو أشد ذكرا.
3حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: فَإذَا قَضَيْتُـمْ مَناسِكَكُمْ فـاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبـاءَكُمْ أوْ أشَدّ ذِكْرا يقول: كما يذكر الأبناء الاَبـاء.
3حدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: كَذِكْرِكُمْ آبـاءَكُمْ يعنـي ذكر الأبناء الاَبـاء.
وقال آخرون: بل قـيـل لهم: اذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبـاءَكُمْ لأنهم كانوا إذا قضوا مناسكهم فدعوا ربهم لـم يذكروا غير آبـائهم فأمروا من ذكر الله بنظير ذكر آبـاءهم. ذكر من قال ذلك:
3حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: فإذَا قَضَيْتُـمْ مَناسِكَكُمْ فـاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبـاءَكُمْ أوْ أشَدّ ذِكْرا قال: كانت العرب إذا قضت مناسكها وأقاموا بـمنى يقوم الرجل فـيسأل الله ويقول: اللهمّ إنّ أبـي كان عظيـم الـجفنة عظيـم القبة كثـير الـمال, فأعطنـي مثل ما أعطيت أبـي. لـيس يذكر الله, إنـما يذكر آبـاءه, ويسأله أن يعطى فـي الدنـيا.
والصواب من القول عندي فـي تأويـل ذلك أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر عبـاده الـمؤمنـين بذكره بـالطاعة له فـي الـخضوع لأمره والعبـادة له بعد قضاء مناسكهم. وذلك الذكر جائز أن يكون هو التكبـير الذي أمر به جل ثناؤه بقوله: واذْكُرُوا اللّهَ فـي أيّامٍ مَعْدُودَاتٍ الذي أوجبه علـى من قضى نسكه بعد قضائه نسكه, فألزمه حينئذٍ من ذكره ما لـم يكن له لازما قبل ذلك, وحثّ علـى الـمـحافظة علـيه مـحافظة الأبناء علـى ذكر الاَبـاء فـي الإكثار منه بـالاستكانة له والتضرّع إلـيه بـالرغبة منهم إلـيه فـي حوائجهم كتضرّع الولد لوالده والصبـيّ لأمه وأبـيه, أو أشدّ من ذلك إذ كان ما كان بهم وبآبـائهم من نعمة فمنه وهو ولـيه.
وإنـما قلنا: الذكر الذي أمر الله جل ثناؤه به الـحاج بعد قضاء مناسكه بقوله: فإذَا قَضَيْتُـمْ مَناسِكَكُمْ فـاذْكُروا اللّهَ كَذِكْركُمْ آبـاءَكُمْ أوْ أشَدّ ذِكْرا جائز أن يكون هو التكبـير الذي وصفنا من أجل أنه لا ذكر لله أمر العبـاد به بعد قضاء مناسكهم لـم يكن علـيهم من فرضه قبل قضائهم مناسكهم, سوى التكبـير الذي خصّ الله به أيام منى.
فإذ كان ذلك كذلك, وكان معلوما أنه جل ثناؤه قد أوجب علـى خـلقه بعد قضائهم مناسكهم من ذكره ما لـم يكن واجبـا علـيهم قبل ذلك, وكان لا شيء من ذكره خصّ به ذلك الوقت سوى التكبـير الذي ذكرناه, كانت بـينة صحة ما قلنا من تأويـل ذلك علـى ما وصفنا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ ربّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا وَما لَهُ فِـي الاَخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ.
يعنـي بذلك جل ثناؤه: فإذَا قَضَيْتُـمْ مَناسِكَكُمْ أيها الـمؤمنون فـاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبـاءَكُمْ أوْ أشَدّ ذِكْرا وارغبوا إلـيه فـيـما لديه من خير الدنـيا والاَخرة بـابتهال وتـمسكن, واجعلوا أعمالكم لوجهه خالصا ولطلب مرضاته, وقولوا ربنا آتنا فـي الدنـيا حسنة وفـي الاَخرة حسنة وقنا عذا النار ولا تكونوا كمن اشترى الـحياة الدنـيا بـالاَخرة, فكانت أعمالهم للدنـيا وزينتها, فلا يسألون ربهم إلا متاعها, ولا حظّ لهم فـي ثواب الله, ولا نصيب لهم فـي جناته وكريـم ما أعدّ لأولـيائه, كما قال فـي ذلك أهل التأويـل.
3حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا سفـيان, عن عاصم, عن أبـي وائل: فَمِنَ النّاسِ مَن يقولُ ربّنَا آتِنا فـي الدّنـيَا هب لنا غنـما, هب لنا إبلاً وَمالَهُ فـي الاَخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ 3298ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن عاصم, عن أبـي وائل, قال: كانوا فـي الـجاهلـية يقولون: هب لنا إبلاً, ثم ذكر مثله.
3299ـ حدثنا أبو كريب, قال: سمعت أبـا بكر بن عياش فـي قوله: فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُول رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا وَما لَهُ فِـي الاَخِرَةٍ منْ خَلاقٍ قال: كانوا يعنـي أهل الـجاهلـية يقـفون يعنـي بعد قضاء مناسكهم فـيقولون: اللهمّ ارزقنا إبلاً, اللهمّ ارزقنا غنـما. فأنزل الله هذه الآية: فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا وَما لَهُ فِـي الاَخِرَة مِنْ خَلاقٍ. قال أبو كريب: قلت لـيحيى بن آدم: عمن هو؟ قال: حدثنا أبو بكر بن عياش, عن عاصم, عن أبـي وائل.
3300ـ حدثنا تـميـم بن الـمنتصر, قال: أخبرنا إسحاق, عن القاسم بن عثمان, عن أنس: فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا وَما لَه فِـي الاَخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ قال: كانوا يطوفون بـالبـيت عراة فـيدعون فـيقولون: اللهمّ أسقنا الـمطر, وأعطنا علـى عدوّنا الظفر, وردّنا صالـحين إلـى صالـحين.
3301ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله تبـارك وتعالـى: فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا نصرا ورزقا, ولا يسألون لاَخرتهم شيئا.
3302ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
3303ـ وحدثنـي بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فـي قول الله: فَمِنْ النّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا وَما لَهُ فِـي الاَخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ فهذا عبد نوى الدنـيا لها عمل ولها نصب.
3304ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي قوله: فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُول رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا وَمالَهُ فِـي الاَخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ قال: كانت العرب إذا قضت مناسكها وأقامت بـمنى لا يذكر الله الرجلُ منهم, إنـما يذكر أبـاه, ويسأل أن يعطى فـي الدنـيا.
3305ـ وحدثنـي يونس, قال: حدثنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: فإذَا قَضَيْتُـمْ مَناسِكَكُمْ فـاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبـاءَكُمْ أوْ أشَدّ ذِكْرا قال: كانوا أصنافـا ثلاثة فـي تلك الـمواطن يومئذٍ: رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأهل الكفر, وأهل النفـاق. فمن الناس من يقول: رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا وَما لَهُ فِـي الاَخِرة مِنْ خَلاقٍ إنـما حجوا للدنـيا والـمسألة لا يريدون الاَخرة ولا يؤمنون بها, ومنهم من يقول: رَبّنَا آتِنَا فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً الآية. قال: والصنف الثالث وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِـي الـحَياةِ الدّنْـيَا... الآية.
وأما معنى الـخلاق فقد بـيناه فـي غير هذا الـموضع, وذكرنا اختلاف الـمختلفـين فـي تأويـله والصحيح لدينا من معناه بـالشواهد من الأدلة وأنه النصيب, بـما فـيه كفـاية عن إعادته فـي هذا الـموضع.
الآية : 201
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وِمِنْهُمْ مّن يَقُولُ رَبّنَآ آتِنَا فِي الدّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النّارِ }
اختلف أهل التأويـل فـي معنى الـحسنة التـي ذكر الله فـي هذا الـموضع, فقال بعضهم: يعنـي بذلك: ومن الناس من يقول: ربنا أعطنا عافـية فـي الدنـيا وعافـية فـي الاَخرة: ذكر من قال ذلك:
3306ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً وفِـي الاَخِرَةِ حَسَنَةً قال: فـي الدنـيا عافـية, وفـي الاَخرة عافـية.
قال قتادة: وقال رجل: اللهمّ ما كنت معاقبـي به فـي الاَخرة فعجله لـي فـي الدنـيا فمرض مرضا حتـى أضنى علـى فراشه, فذكر للنبـيّ صلى الله عليه وسلم شأنه, فأتاه النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقـيـل له: إنه دعا بكذا وكذا, فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّهُ لا طاقَةَ لأِحَدٍ بِعُقُوبَةِ اللّهِ, وَلَكِنْ قُلْ: رَبّنا آتِنا فِـي الدّنـيْا حَسَنَةً وفـي الاَخِرِةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذَابَ النّار» فقالها, فما لبث إلا أياما أو يسيرا حتـى برأ.
3حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سعيد بن الـحكم, قال: أخبرنا يحيى بن أيوب, قال: ثنـي حميد, قال: سمعت أنس بن مالك يقول: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً قد صار مثل الفرخ الـمنتوف, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَلْ كُنْتَ تَدْعُو اللّهَ بِشَيْءٍ, أوْ تَسألُ اللّهَ شَيْئا؟» قال: قلت: اللهمّ ما كنت معاقبـي به فـي الاَخرة فعاقبنـي به فـي الدنـيا. قال: «سُبْحانَ اللّهِ هَلْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ أحَدٌ أوْ يُطِيقُهُ فهَلاّ قُلْتَ: اللّهُمّ آتِنا فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً, وفِـي الاَخِرَة حَسَنَةً, وَقِنا عَذَابَ النّارِ».
وقال آخرون: بل عنى الله عز وجل بـالـحسنة فـي هذا الـموضع: فـي الدنـيا: العلـم والعبـادة, وفـي الاَخرة: الـجنة. ذكر من قال ذلك:
3حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا عبـاد, عن هشام بن حسان, عن الـحسن: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً وفِـي الاَخِرَةِ حَسَنَةً قال: الـحسنة فـي الدنـيا: العلـم والعبـادة, وفـي الاَخرة: الـجنة.
3307ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: حدثنا هشيـم, عن سفـيان بن حسين, عن الـحسن فـي قوله: رَبّنا آتِنا فِـي الدّنـيْا حَسَنَةً, وفِـي الاَخِرَةِ حَسَنَةً, وَقِنا عَذَابَ النّارِ قال: العبـادة فـي الدنـيا, والـجنة فـي الاَخرة.
3حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن بن واقد العطار, قال: حدثنا عبـاد بن العوّام, عن هشام, عن الـحسن فـي قوله: رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً قال: الـحسنة فـي الدنـيا: الفهم فـي كتاب الله والعلـم.
3308ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سمعت سفـيان الثوري يقول هذه الآية: رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً وفِـي الاَخِرَةِ حَسَنَةً قال: الـحسنة فـي الدنـيا: العلـم والرزق الطيب, وفـي الاَخرة حسنة: الـجنة.
وقال آخرون: الـحسنة فـي الدنـيا: الـمال, وفـي الاَخرة: الـجنة. ذكر من قال ذلك:
3309ـ حدثنـي يونس قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً وفِـي الاَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذَابَ النّارِ قال: فهؤلاء النبـيّ صلى الله عليه وسلم والـمؤمنون.
3310ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً وفِـي الاَخِرَةِ حَسَنَةً هؤلاء الـمؤمنون أما حسنة الدنـيا فـالـمال, وأما حسنة الاَخرة فـالـجنة.
والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن قوم من أهل الإيـمان به وبرسوله, مـمن حجّ بـيته, يسألون ربهم الـحسنة فـي الدنـيا, والـحسنة فـي الاَخرة, وأن يقـيهم عذاب النار. وقد تـجمعُ الـحسنة من الله عزّ وجل العافـية فـي الـجسم والـمعاش والرزق وغير ذلك والعلـم والعبـادة. وأما فـي الاَخرة فلا شك أنها الـجنة, لأن من لـم ينلها يومئذٍ فقد حرم جميع الـحسنات وفـارق جميع معانـي العافـية.
وإنـما قلنا إن ذلك أولـى التأويلات بـالآية لأن الله عز وجل لـم يخصص بقوله مخبرا عن قائل ذلك من معانـي الـحسنة شيئا, ولا نصب علـى خصوصه دلالة دالة علـى أن الـمراد من ذلك بعض دون بعض, فـالواجب من القول فـيه ما قلنا من أنه لا يجوز أن يخصّ من معانـي ذلك شيء, وأن يحكم بعمومه علـى ما عمه الله.
وأما قوله: وَقِنا عَذَابَ النّارِ فإنه يعنـي بذلك: اصرف عنا عذاب النار, يقال منه: وقـيته, كذا أقـيه وقاية وواقـية ووقاء مـمدودا, وربـما قالوا: وقاك الله وَقْـيا: إذا دفعت عنه أذى أو مكروها.
الآية : 202
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أُولَـَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مّمّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ }
يعنـي بقوله جل ثناؤه: أولئك الذين يقولون بعد قضاء مناسكهم: رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا حَسنَةً وفـي الاَخِرَة حَسَنَةً وَقِنا عَذَابَ النّارِ رغبة منهم إلـى الله جل ثناؤه فـيـما عنده, وعلـما منهم بأن الـخير كله من عنده, وأن الفضل بـيده يؤتـيه من يشاء. فأعلـم جل ثناؤه أن لهم نصيبـا وحظا من حجهم ومناسكهم وثوابـا جزيلاً علـى عملهم الذي كسبوه, وبـاشروا معاناته بأموالهم وأنفسهم خاصا ذلك لهم دون الفريق الاَخر الذين عانوا ما عانوا من نصب أعمالهم وتعبها, وتكلفوا ما تكلفوا من أسفـارهم بغير رغبة منهم فـيـما عند ربهم من الأجر والثواب, ولكن رجاء خسيس من عرض الدنـيا وابتغاء عاجل حطامها. كما:
3311ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فـي قوله: فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبّنا آتِنا فِـي الدّنـيْا وَما لَه فِـي الاَخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ قال: فهذا عبد نوى الدنـيا لها عمل ولها نصب, وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً وفِـي الاَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذَابَ النّارِ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصيبٌ مـمّـما كَسَبُوا أي حظ من أعمالهم.
3312ـ وحدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي: فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقولُ رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيا وَما لَهُ فِـي الاَخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ إنـما حجوا للدنـيا والـمسألة, لا يريدون الاَخرة ولا يؤمنون بها, وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبّنا آتِنا فِـي الدّنْـيَا حَسَنَةً وفِـي الاَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذَابَ النّارِ قال: فهؤلاء النبـيّ صلى الله عليه وسلم والـمؤمنون أُولَئِكَ لَهُمْ نَصيبٌ مـمّا كَسَبُوا وَاللّهُ سَرِيعُ الـحِسابِ لهؤلاء الأجر بـما عملوا فـي الدنـيا.
وأما قوله: وَاللّهُ سَرِيعُ الـحِسابِ فإنه يعنـي جل ثناؤه: أنه مـحيط بعمل الفريقـين كلـيهما اللذين من مسألة أحدهما: ربنا آتنا فـي الدنـيا ومن مسألة الاَخر: ربنا آتنا فـي الدنـيا حسنة وفـي الاَخرة حسنة وقنا عذاب النار فمـحص له بأسرع الـحساب, ثم إنه مُـجازٍ كلا الفريقـين علـى عمله.
وإنـما وصف جل ثناؤه نفسه بسرعة الـحساب, لأنه جل ذكره يحصي ما يحصى من أعمال عبـاده بغير عقد أصابع ولا فكر ولا روية فعل العجزة الضعفة من الـخـلق, ولكنه لا يخفـى علـيه شيء فـي الأرض ولا فـي السماء, ولا يعزب عنه مثقال ذرّة فـيهما, ثم هو مـجاز عبـاده علـى كل ذلك فلذلك جل ذكره امتدح بسرعة الـحساب, وأخبر خـلقه أنه لـيس لهم بـمثل فـيحتاج فـي حسابه إلـى عقد كف أو وعي صدر