تفسير الطبري تفسير الصفحة 320 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 320
321
319
 الآية : 114
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَتَعَالَىَ اللّهُ الْمَلِكُ الْحَقّ وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَىَ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رّبّ زِدْنِي عِلْماً }.
يقول تعالـى ذكره: فـارتفع الذي له العبـادة من جميع خـلقه, الـملك الذي قهر سلطانه كلّ ملك وجبـار, الـحقّ عما يصفه به الـمشركون من خـلفه وَلا تَعْجَلْ بـالقُرآنِ مِنْ قَبْلِ أنْ يُقْضَى إلَـيْكَ وَحْيُهُ: يقول جلّ ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: ولا تعجل يا مـحمد بـالقرآن, فتقرئه أصحابك, أو تقرأ علـيهم, من قبل أن يوحى إلـيك بـيان معانـيه, فعوتب علـى إكتابه وإملائه ما كان الله ينزله علـيه من كتابه مَنْ كان يُكْتِبه ذلك, من قبل أن يبـين له معانـيه, وقـيـل: لا تتله علـى أحد, ولا تـمله علـيه, حتـى نبـينه لك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18392ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَلا تَعْجَلْ بـالقُرآنِ مِنْ قَبْلِ أنْ يُقْضَى إلَـيْكَ وَحْيَهُ قال: لا تتله علـى أحد حتـى نبـينه لك.
18393ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُريج, قال: يقول: لا تتله علـى أحد حتـى تتـمه لك هكذا قال القاسم: حتـى نتـمه.
18394ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَلا تَعْجَلْ بـالقُرآنِ مِنْ قَبْلِ أنْ يُقْضَى إلَـيْكَ وَحْيُهُ يعنـي: لا تعجل حتـى نبـينه لك.
18395ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَلا تَعْجَلْ بـالقُرآنِ مِنْ قَبْلِ أنْ يُقْضَى إلَـيْكَ وَحْيُهُ: أي بـيانه.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة وَلا تَعْجَلْ بـالقُرآنِ مِنْ قَبْلِ أنْ يُقْضَى إلَـيْكَ وَحْيُهُ قال: تبـيانه.
حدثنا ابن الـمثنى وابن بشار, قالا: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن قتادة مِنْ قَبْلِ أنْ يُقْضَى إلَـيْكَ وَحْيُهُ من قبل أن يبـين لك بـيانه.
وقوله: وَقُلْ رَبّ زِدْنِـي عِلْـما يقول تعالـى ذكره: وقل يا مـحمد: ربّ زدنـي علـما إلـى ما علـمتنـي أمره بـمسألته من فوائده العلـم ما لا يعلـم.
الآية : 115
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىَ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }.
يقول تعالـى ذكره: وإن يضيع يا مـحمد هؤلاء الذين نصرّف لهم فـي هذا القرآن من الوعيد عهدي, ويخالفوا أمري, ويتركوا طاعتـي, ويتبعوا أمر عدوّهم إبلـيس, ويطيعوه فـي خلاف أمري, فقديـما ما فعل ذلك أبوهم آدم وَلَقَدْ عَهِدْنا إلَـيْهِ يقول: ولقد وصينا آدم وقلنا له: إنّ هَذَا عَدُوّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنّكُما منَ الـجَنّةِ فوسوس إلـيه الشيطان فأطاعه, وخالف أمري, فحلّ به من عقوبتـي ما حلّ.
وعنى جلّ ثناؤه بقوله: مِنْ قَبْلُ هؤلاء الذين أخبر أنه صرف لهم الوعيد فـي هذا القرآن وقوله: فَنَسِيَ يقول: فترك عهدي, كما:
18396ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَلَقَدْ عَهِدْنا إلـى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ يقول: فترك.
18397ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: فَنَسِيَ قال: ترك أمر ربه.
18398ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلَقَدْ عَهِدْنا إلـى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما قال: قال له يا آدَمُ هَذَا عَدُوّ لَكَ وَلِزَوْجِك فَلا يُخْرِجَنّكُمَا مِنَ الـجَنّةِ فَتَشْقَـى فقرأ حتـى بلغ: لا تَظْمَأُ فِـيها وَلا تَضْحَى, وقرأ حتـى بلغ: وَمُلْكٍ لا يَبْلَـى قال: فنسي ما عهد إلـيه فـي ذلك, قال: وهذا عهد الله إلـيه, قال: ولو كان له عزم ما أطاع عدوّه الذي حسده, وأبـي أن يسجد له مع مَنْ سجد له إبلـيس, وعصى الله الذي كرّمه وشرّفه, وأمر ملائكته فسجدوا له.
18399ـ حدثنا ابن الـمثنى وابن بشار قالا: حدثنا يحيى بن سعيد, وعبد الرحمن, ومؤمل, قالوا: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن مسلـم البطين, عن سعيد بن جُبـير, عن ابن عبـاس, قال: إنـما سُمي الإنسان لأنه عهد إلـيه فنسي.
وقوله: ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما اختلف أهل التأويـل فـي معنى العزم ها هنا, فقال بعضهم: معناه الصبر. ذكر من قال ذلك:
18400ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما أي صبرا.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن قتادة ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما, قال: صبرا.
حدثنا إبراهيـم بن يعقوب الـجَوْزَجانـي, قال: حدثنا أبو النضر, قال: حدثنا شعبة, عن قتادة, مثله.
وقال آخرون: بل معناه: الـحفظ, قالوا: ومعناه: ولـم نـجد له حفظا لـما عهدنا إلـيه. ذكر من قال ذلك:
18401ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن أبـيه, عن عطية ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما قال: حفظا لـما أمرته.
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هاشم بن القاسم, عن الأشجعيّ, عن سفـيان, عن عمرو بن قـيس, عن عطية, فـي قوله ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما قال: حفظا.
حدثنا عبـاد بن مـحمد, قال: حدثنا قبـيصة, عن سفـيان, عن عمرو بن قـيس, عن عطية, فـي قوله ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما قال: حفظا لـما أمرته به.
18402ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما يقول: لـم نـجد له حفظا.
18403ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما قال: العزم: الـمـحافظة علـى ما أمره الله تبـارك وتعالـى بحفظه, والتـمسك به.
18404ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قوله: ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما يقول: لـم نـجعل له عزما.
18405ـ حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا الـحجاج بن فضالة, عن لقمان بن عامر, عن أبـي أمامة قال: لو أن أحلام بنـي آدم جمعت منذ يوم خـلق الله تعالـى آدم إلـى يوم الساعة, ووضعت فـي كفة ميزان, ووضع حلـم آدم فـي الكفة الأخرى, لرجح حلـمه بأحلامهم, وقد قال الله تعالـى: ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما.
قال أبو جعفر: وأصل العزم اعتقاد القلب علـى الشيء, يقال منه: عزم فلان علـى كذا: إذا اعتقد علـيه ونواه ومن اعتقاد القلب: حفظ الشيء, ومنه الصبر علـى الشيء, لأنه لا يجزع جازع إلا من خورَ قلبه وضعفه, فإذا كان ذلك كذلك, فلا معنى لذلك أبلغ مـما بـينه الله تبـارك وتعالـى, وهو قوله: ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما فـيكون تأويـله: ولـم نـجد له عزم قلب, علـى الوفـاء الله بعهده, ولا علـى حفظ ما عهد إلـيه.
الآية : 116 و 117
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُوَاْ إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَىَ * فَقُلْنَا يَآدَمُ إِنّ هَـَذَا عَدُوّ لّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنّكُمَا مِنَ الْجَنّةِ فَتَشْقَىَ }.
يقول تعالـى ذكره معلـما نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم, ما كان من تضيـيع آدم عهده, ومعرّفه بذلك أن ولده لن يعدوا أن يكونوا فـي ذلك علـى منهاجه, إلا من عصمه الله منهم: واذكر يا مـحمد إذْ قُلْنا للْـمَلائِكَةَ اسْجُدُوا لاَدَمَ فَسَجَدُوا إلاّ إبْلِـيسَ أبَى أن يسجد له فَقُلْنا يا آدَمُ إنّ هَذَا عَدُوّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ ولذلك من شنآنه لـم يسجد لك, وخالف أمري فـي ذلك وعصانـي, فلا تطيعاه فـيـما يأمر كما به, فـيخرجكما بـمعصيتكما ربكما, وطاعتكما له مِنَ الـجَنّةِ فَتَشْقَـى يقول: فـيكون عيشك من كدّ يدك, فذلك شقاؤه الذي حذّره به, كما:
18406ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, قال: أهبط إلـى آدم ثور أحمر, فكان يحرث علـيه, ويـمسح العرق من جبـينه, فهو الذي قال الله تعالـى ذكره: فَلا يُخْرِجَنّكُما مِنَ الـجَنّةِ فَتَشْقَـى فكان ذلك شقاءه.
وقال تعالـى ذكره: فَتَشْقَـى ولـم يقل: فتشقـيا, وقد قال: فَلا يُخْرِجَنّكُما لأن ابتداء الـخطاب من الله كان لاَدم علـيه السلام, فكان فـي إعلامه العقوبة علـى معصيته إياه, فـيـما نهاه عنه من أكل الشجرة, الكفـاية من ذكر الـمرأة, إذ كان معلوما أن حكمها فـي ذلك حكمه, كما قال: عَنِ الـيَـمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ اجتزىء بـمعرفة السامعين معناه, من ذكر فعل صاحبه.
الآية : 118 - 120
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { إِنّ لَكَ أَلاّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىَ * وَأَنّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىَ * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشّيْطَانُ قَالَ يَآدَمُ هَلْ أَدُلّكَ عَلَىَ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاّ يَبْلَىَ }.
يقول تعالـى ذكره, مخبرا عن قـيـله لاَدم حين أسكنه الـجنة: إنّ لَكَ يا آدم أنْ لا تَـجُوعَ فِـيها وَلا تَعْرَى. و «أن» فـي قوله ألا تَـجُوعَ فِـيها فـي موضع نصب بإن التـي فـي قوله: إنّ لَكَ.
وقوله: وأنّكَ لا تَظْمَأُ فِـيها اختلفت القرّاء فـي قراءتها, فقرأ ذلك بعض قرّاء الـمدينة والكوفة بـالكسر: وإنك, علـى العطف علـى قوله: إنّ لَكَ. وقرأ ذلك بعض قرّاء الـمدينة وعامة قرّاء الكوفة والبصرة: وأنك, بفتـح ألفها عطفـا بها علـى «أن» التـي فـي قوله: «أنْ لا تَـجُوعَ فِـيها». ووجّهوا تأويـل ذلك إلـى أن لك هذا وهذا فهذه القراءة أعجب القراءتـين إلـيّ, لأن الله تبـارك وتعالـى ذكره وعد ذلك آدم حين أسكنه الـجنة, فكون ذلك بأن يكون عطفـا علـى أن لا تـجوع أولـى من أن يكون خبر مبتدإ, وإن كان الاَخر غير بعيد من الصواب. وعنى بقوله: لا تَظْمأُ فـيها لا تعطش فـي الـجنة ما دمت فـيها وَلا تَضْحَى, يقول: لا تظهر للشمس فـيؤذيك حرّها, كما قال ابن أبـي ربـيعة:
رأتْ رَجُلاً أمّا الشّمْسُ عارَضَتْفَـيَضْحى وأمّا بـالعشِيّ فَـيَخْصَرُ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18407ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وأنّك لا تَظْمَأُ فِـيها وَلا تَضْحَى يقول: لا يصيبك فـيها عطش ولا حرّ.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وأنّكُ لا تَظْمَأُ فِـيها وَلا تَضْحَى يقول: لا يصيبك حرّ ولا أذى.
18408ـ حدثنـي أحمد بن عثمان بن حكيـم الأودي, قال: حدثنا عبد الرحمن بن شريك, قال: ثنـي أبـي, عن خصيف عن سعيد بن جُبـير لا تَظْمَأُ فِـيها وَلا تَضْحَى قال: لا تصيبك الشمس.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَلا تَضْحَى قال: لا تصيبك الشمس.
وقوله: فَوَسْوَسَ إلَـيْهِ الشّيْطَانُ يقول: فألقـى إلـى آدم الشّيطان وحدّثه فَقالَ يا آدَمُ هَلْ أدُلّكَ علـى شَجَرَةِ الـخُـلْدِ يقول: قال له: هل أدلك علـى شجرة إن أكلت منها خـلدت فلـم تـمت, وملكت ملكا لا ينقضى فـيبلـى, كما:
18409ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ قال يا أدَمُ هَلْ أدُلّكَ عَلـى شَجَرَةِ الـخُـلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَـى إن أكلت منها كنت مكلاً مثل الله أوْ تَكُونا منَ الـخالِدين فلا تـموتان أبدا.
الآية : 121 - 122
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنّةِ وَعَصَىَ ءَادَمُ رَبّهُ فَغَوَىَ * ثُمّ اجْتَبَاهُ رَبّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىَ }.
يقول تعالـى ذكره: فأكل آدم وحوّاء من الشجرة التـي نُهيا عن الأكل منها, وأطاعا أمر إبلـيس, وخالفـا أمر ربهما فَبَدَتُ لَهُما سَوْآتُهُما يقول: فـانكشفت لهما عوراتهما, وكانت مستورة عن أعينهما, كما:
18410ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: إنـما أراد, يعنـي إبلـيس بقوله: هَلْ أدُلّكَ عَلـى شَجَرةِ الـخُـلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَـى لـيبدي لهما ما توارى عنهما من يوآتهما, بهتك لبـاسهما, وكان قد علـم أن لهما سَوْءَة لـما كان يقرأ من كتب الـملائكة, ولـم يكن آدم يعلـم ذلك, وكان لبـاسهما الظفر, فأبى آدم أن يأكل منها, فتقدمت حوّاء, فأكلت ثم قالت: يا آدم كل, فآنـي قد أكلت, فلـم يضرّنـي, فلـما أكل آدم بدت لهما سوآتهما.
وقوله: وَطَفِقا يَخْصِفـانِ عَلَـيْهِما منْ وَرَقِ الـجَنّةِ يقول: أقبلا يشدّان علـيهما من ورق الـجنة, كما:
18411ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي وَطَفِقا يَخْصِفـانِ عَلَـيْهِما منْ وَرَقِ الـجَنّةِ يقول: أقبلا يغطيان علـيهما بورق التـين.
18412ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَطَفِقا يَخْصِفـانِ عَلَـيْهِما منْ وَرَقِ الـجَنّةِ يقول: يوصلان علـيهما من ورق الـجنة.
وقوله: وَعَصى آدَمُ رَبّهُ فَغَوَى يقول: وخالف أمر ربه, فتعدّى إلـى ما لـم يكن له أن يتعدّى إلـيه, من الأكل من الشجرة التـي نهاه عن الأكل منها. وقوله: ثُمّ اجْتَبـاهُ رَبّهُ فَتابَ عَلَـيْهِ وَهَدَى يقول: اصطفـاه ربه من بعد معصيته إياه فرزقه الرجوع إلـى ما يرضى عنه, والعمل بطاعته, وذلك هو كانت توبته التـي تابها علـيه. وقوله: وَهَدَى يقول: وهداه للتوبة, فوفّقه لها.
الآية : 123
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ فَإِمّا يَأْتِيَنّكُم مّنّي هُدًى فَمَنِ اتّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلّ وَلاَ يَشْقَىَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال الله تعالـى لاَدم وحوّاء: اهْبِطَا جَمِيعا إلـى الأرض بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ يقول: أنتـما عدوّ إبلـيس وذرّيته, وإبلـيس عدّوكما وعدوّ ذرّيتكما.
وقوله: فإمّا يَأْتِـيَنّكُمْ مِنّـي هُدًى يقول: فإن يأتكم يا آدم وحوّاء وإبلـيس منـي هدى: يقول: بـيان لسبـيـلـي, وما أختاره لـخـلقـي من دين فَمَنِ اتّبَعَ هُدَايَ يقول: فمن اتبع بـيانـي ذلك وعمل به, ولـم يزغ منه فَلا يَضِلّ يقول: فلا يزول عن مَـحجة الـحق, ولكنه يرشد فـي الدنـيا ويهتدي وَلا يَشْقَـى فـي الاَخرة بعقاب الله, لأن الله يدخـله الـجنة, وينـجيه من عذابه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18413ـ حدثنـي الـحسين بن يزيد الطحان, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن عمرو بن قـيس الـملائي, عن عكرمة عن ابن عبـاس, قال: تضمن الله لـمن قرأ القرآن, واتبع ما فـيه أن لا يضلّ فـي الدنـيا ولا يشقـى فـي الاَخرة, ثم تلا هذه الاَية: فَمَنِ اتّبَعَ هَدَايَ فَلا يَضُلّ وَلا يَشْقَـى.
حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأودي, قال: حدثنا حكام الرازيّ, عن أيوب بن موسى, عن مرو, حدثنا الـملائي عن ابن عبـاس أنه قال: إن الله قد ضمن... فذكر نـحوه.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن أيوب بن يسار أبـي عبد الرحمن, عن عمرو بن قـيس, عن رجل عن ابن عبـاس, بنـحوه.
حدثنا علـيّ بن سهل الرملـي, قال: حدثنا أحمد بن مـحمد النسائي, عن أبـي سلـمة, عن عطاء, عن سعيد بن جُبـير, قال: قال ابن عبـاس: من قرأ القرآن واتبع ما فـيه عصمه الله من الضلالة, ووقاه, أظنه أنه قال: من هول يوم القـيامة, وذلك أنه قال: فَمَنِ اتّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلّ وَلا يَشْقَـى فـي الاَخرة