تفسير الطبري تفسير الصفحة 337 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 337
338
336
 الآية : 39
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { أُذِنَ لِلّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنّ اللّهَ عَلَىَ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ }.
يقول تعالـى ذكره: أَذن الله للـمؤمنـين الذين يقاتلون الـمشركين فـي سبـيـله بأن الـمشركين ظلـموهم بقتالهم.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الـمدينة: أُذِنَ بضم الألف, يُقاتَلُونَ بفتـح التاء بترك تسمية الفـاعل فـي «أُذِنَ» و«يُقاتَلُون» جميعا. وقرأ ذلك بعض الكوفـيـين وعامة قرّاء البصرة: أُذِنَ بترك تسمية الفـاعل, و«يُقاتِلُونَ» بكسر التاء, بـمعنى يقاتل الـمأذون لهم فـي القتال الـمشركين. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين وبعض الـمكيـين: «أَذِنَ» بفتـح الألف, بـمعنى: أذن الله, و«يُقاتِلُونَ» بكسر التاء, بـمعنى: إن الذين أذن الله لهم بـالقتال يقاتلون الـمشركين. وهذه القراءات الثلاث متقاربـات الـمعنى لأن الذين قرءوا أُذِنَ علـى وجه ما لـم يسمّ فـاعله يرجع معناه فـي التأويـل إلـى معنى قراءة من قرأه علـى وجه ما سمي فـاعله. وإن من قرأ «يُقاتِلونَ ويُقاتَلُونَ» بـالكسر أو الفتـح, فقريب معنى أحدهما من معنى الاَخر وذلك أن من قاتل إنسانا فـالذي قاتله له مقاتل, وكل واحد منهما مقاتل. فإذ كان ذلك كذلك فبأية هذه القراءات قرأ القاريء فمصيب الصواب.
غير أن أحبّ ذلك إلـيّ أن أقرأ به: «أَذِنَ» بفتـح الألف, بـمعنى: أذن الله, لقرب ذلك من قوله: إنّ اللّهَ لا يُحِبّ كُلّ خَوّانٍ كَفُورٍ أذن الله فـي الذين لا يحبهم للذين يقاتلونهم بقتالهم, فـيردّ «أَذنَ» علـى قوله: إنّ اللّهَ لا يُحِبّ, وكذلك أحبّ القراءات إلـيّ فـي «يُقاتِلُونَ» كسر التاء, بـمعنى: الذين يقاتلون من قد أخبر الله عنهم أنه لا يحبهم, فـيكون الكلام متصلاً معنى بعضه ببعض.
وقد اختُلف فـي الذين عُنوا بـالإذن لهم بهذه الاَية فـي القتال, فقال بعضهم: عنـي به: نبـيّ الله وأصحابه. ذكر من قال ذلك:
19099ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: أُذِنَ للّذِينَ يُقاتلُونَ بأنّهُمْ ظُلِـمُوا وَإنّ اللّهَ عَلـى نَصْرِهمْ لَقَدِيرٌ يعنـي مـحمدا وأصحابه إذا أُخرجوا من مكة إلـى الـمدينة يقول الله: فإنّ اللّهَ عَلـى نَصْرِهمْ لَقَدِيرٌ وقد فعل.
19100ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن مسلـم البطين, عن سعيد بن جُبـير, قال: لـما خرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم من مكة, قال رجل: أخرجوا نبـيهم فنزلت: أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِـمُوا... الاَية, الّذِينَ أخرِجُوا منْ دِيارِهمْ بغيرِ حقَ النبـيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
19101ـ حدثنا يحيى بن داود الواسطي, قال: حدثنا إسحاق بن يوسف, عن سفـيان, عن الأعمش, عن مسلـم, عن سعيد بن جُبـير, عن ابن عبـاس, قال: لـما خرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبـيهم, إنا لله وإنا إلـيه راجعون, لـيهلكُنّ قال ابن عبـاس: فأنزل الله: أُذِنَ للّذِينَ يَقاتَلونَ بأنّهُمْ ظُلِـمُوا وَإنّ اللّهَ عَلـى نَصْرِهمْ لَقَدِيرٌ قال أبو بكر: فعرفت أنه سيكون قتال. وهي أوّل آية نزلت.
قال ابن داود: قال ابن إسحاق: كانوا يقرءون: أُذِنَ ونـحن نقرأ: «أَذِنَ».
19102ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا إسحاق, عن سفـيان, عن الأعمش, عن مسلـم, عن سعيد بن جُبـير, عن ابن عبـاس, قال: لـما خرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم, ثم ذكر نـحوه, إلا أنه قال: فقال أبو بكر: قد علـمت أنه يكون قتال. وإلـى هذا الـموضع انتهى حديثه, ولـم يزد علـيه.
حدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلانـي, قال: حدثنا مـحمد بن يوسف, قال: حدثنا قـيس بن الربـيع, عن الأعمش, عن مسلـم, عن سعيد بن جُبـير, عن ابن عبـاس, قال: لـما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة, قال أبو بكر: إنا لله وإنا إلـيه راجعون, أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم, والله لـيهلكُنّ جميعا فلـما نزلت: أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِـمُوا... إلـى قوله: الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بغَيْرِ حَقّ عرف أبو بكر أنه سيكون قتال.
19103ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِـمُوا قال: أذن لهم فـي قتالهم بعد ما عفـا عنهم عشر سنـين. وقرأ: الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بغَيْرِ حَقّ وقال: هؤلاء الـمؤمنون.
19104ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله: الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بغَيْرِ حَقّ.
وقال آخرون: بل عُنـي بهذه الاَية قوم بأعيانهم كانوا خرجوا من دار الـحرب يريدون الهجرة, فُمِنُعوا من ذلك. ذكر من قال ذلك:
19105ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِـمُوا قال: أناس مؤمنون خرجوا مهاجرين من مكة إلـى الـمدينة, فكانوا يـمنعون, فأذن اللّهِ للـمؤمنـين بقتال الكفـار, فقاتلوهم.
19106ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, فـي قوله: أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِـمُوا قال: ناس من الـمؤمنـين خرجوا مهاجرين من مكة إلـى الـمدينة, وكانوا يـمنعون, فأدركهم الكفـار, فأذن للـمؤمنـين بقتال الكفـار فقاتلوهم. قال ابن جُرَيج: يقول: أوّل قتال أذن الله به للـمؤمنـين.
19107ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: فـي حرف ابن مسعود: «أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ فـي سَبِـيـلِ اللّهِ» قال قَتادة: وهي أوّل آية نزلت فـي القتال, فأذن لهم أن يقاتلوا.
19108ـ حدثنا الـحَسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن معمر, عن قَتادة, فـي قوله: أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِـمُوا قال: هي أوّل آية أنزلت فـي القتال, فأذن لهم أن يقاتلوا.
وقد كان بعضهم يزعم أَن الله إنـما قال: أذن للذين يقاتلون بـالقتال من أجل أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, كانوا استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي قتل الكفـار إذَا آذوهم واشتدّوا علـيهم بـمكة قبل الهجرة غيـلة سرّا فأنزل الله فـي ذلك: إنّ اللّهَ لا يُحِبّ كُلّ خَوّانٍ كَفُورٍ فَلَـمّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلـى الـمدينة, أطلق لهم قتلهم وقتالهم, فقال: أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِـمُوا. وهذا قول ذكر عن الضحاك بن مزاحم من وجه غير ثبت.
وقوله: وَإنّ اللّهَ عَلـى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ يقول جلّ ثناؤه: وإن الله علـى نصر الـمؤمنـين الذين يقاتلون فـي سبـيـل الله لقادر, وقد نصرهم فأعزّهم ورفعهم وأهلك عدوّهم وأذلهم بأيديهم.

الآية : 40
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { الّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقّ إِلاّ أَن يَقُولُواْ رَبّنَا اللّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لّهُدّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنّ اللّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنّ اللّهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ }.
يقول تعالـى ذكره: أذن للذين يقاتلون الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقّ ف «الذين» الثانـية ردّ علـى «الذين» الأولـى. وعنى بـالـمخرجين من دورهم: الـمؤمنـين الذين أخرجهم كفـار قريش من مكة. وكان إخراجهم إياهم من دورهم وتعذيبهم بعضهم علـى الإيـمان بـالله ورسوله, وسبّهم بعضهم بألسنتهم ووعيدهم إياهم, حتـى اضطرّوهم إلـى الـخروج عنهم. وكان فعلهم ذلك بهم بغير حقّ لأنهم كانوا علـى بـاطل والـمؤمنون علـى الـحقّ, فلذلك قال جلّ ثناؤه: الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بغَيْرِ حَقّ. وقوله: إلا أنْ يَقُولُوا رَبّنا اللّهُ يقول تعالـى ذكره: لـم يخرجوا من ديارهم إلا بقولهم: ربنا الله وحده لا شريك له ف «أنْ» فـي موضع خفض ردّا علـى البـاء فـي قوله: بِغَيْرِ حَقّ, وقد يجوز أن تكون فـي موضع نصب علـى وجه الاستثناء.
وقوله: ولَوْلا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: ولولا دفع الله الـمشركين بـالـمسلـمين. ذكر من قال ذلك:
19109ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: وَلَوْلا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ دفع الـمشركين بـالـمسلـمين.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولولا القتال والـجهاد فـي سبـيـل الله. ذكر من قال ذلك:
19110ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلَوْلا دَفْعُ اللّهَ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ قال: لولا القتال والـجهاد.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولولا دفع الله بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن بعدهم من التابعين. ذكر من قال ذلك:
19111ـ حدثنا إبراهيـم بن سعيد, قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيـم, عن سيف بن عمرو, عن أبـي روق, عن ثابت بن عوسجة الـحضْرميّ, قال: حدثنـي سبعة وعشرون من أصحاب علـيّ وعبد الله منهم لاحق بن الأقمر, والعيزار بن جرول, وعطية القرظيّ, أن علـيّا رضي الله عنه قال: إنـما أنزلت هذه الاَية فـي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَلَوْلا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لولا دفـاع الله بأصحاب مـحمد عن التابعين لَهُدّمَتْ صَوَامِعُ وَبـيَعٌ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لولا أن الله يدفع بـمن أوجب قبول شهادته فـي الـحقوق تكون لبعض الناس علـى بعض عمن لا يجوز قبول شهادته وغيره, فأحيا بذلك مال هذا ويوقـي بسبب هذا إراقة دم هذا, وتركوا الـمظالـم من أجله, لتظالَـمَ النّاسُ فُهدمت صوامع. ذكر من قال ذلك:
19112ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَلَوْلا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ يقول: دفع بعضهم بعضا فـي الشهادة, وفـي الـحقّ, وفـيـما يكون من قبل هذا. يقول: لولاهم لأهلكت هذه الصوامع وما ذكر معها.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن الله تعالـى ذكره أخبر أنه لولا دفـاعه الناس بعضهم ببعض, لهُدم ما ذكر, من دفعه تعالـى ذكره بعضَهم ببعض, وكفّه الـمشركين بـالـمسلـمين عن ذلك ومنه كفه ببعضهم التظالـم, كالسلطان الذي كفّ به رعيته عن التظالـم بـينهم ومنه كفّه لـمن أجاز شهادته بـينهم ببعضهم عن الذهاب بحقّ من له قِبله حق, ونـحو ذلك. وكلّ ذلك دفع منه الناس بعضهم عن بعض, لولا ذلك لتظالـموا, فهدم القاهرون صوامع الـمقهورين وبـيَعهم وما سمّى جلّ ثناؤه. ولـم يضع الله تعالـى دلالة فـي عقل علـى أنه عنـي من ذلك بعضا دون بعض, ولا جاء بأن ذلك كذلك خبر يجب التسلـيـم له, فذلك علـى الظاهر والعموم علـى ما قد بـيّنته قبل لعموم ظاهر ذلك جميع ما ذكرنا.
وقوله: لَهُدّمَتْ صَوَامِعُ اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بـالصوامع, فقال بعضهم: عُنـي بها صوامع الرهبـان. ذكر من قال ذلك:
19113ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن رُفـيع فـي هذه الاَية: لَهُدّمَتْ صَوَامِعُ قال: صوامع الرهبـان.
19114ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: لَهُدّمَتْ صَوَامِعُ قال: صوامع الرهبـان.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد: لَهُدّمَتْ صَوَامِعُ قال: صوامع الرهبـان.
19115ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: لَهُدّمَتْ صَوَامِعُ قال: صوامع الرهبـان.
19116ـ حُدثت عن الـحسين, قال: حدثنا سمعت أبـا معاذ, يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول: فـي قوله: لَهُدّمَتْ صَوَامِعُ وهي صوامع الصغار يبنونها.
وقال آخرون: بل هي صوامع الصابئين. ذكر من قال ذلك:
19117ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة: صَوَامِعُ قال: هي للصابئين.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, مثله.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: لَهُدّمَتْ. فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة: «لَهُدِمَتْ» خفـيفة. وقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة والبصرة: لَهُدّمَتْ بـالتشديد بـمعنى تكرير الهدم فـيها مرّة بعد مرّة. والتشديد فـي ذلك أعجب القراءتـين إلـيّ. لأن ذلك من أفعال أهل الكفر بذلك.
وأما قوله وَبِـيَعٌ فإنه يعنـي بها: بـيع النصارى.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي ذلك, فقال بعضهم مثل الذي قلنا فـي ذلك. ذكر من قال ذلك:
19118ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن رُفـيع: وَبِـيَعٌ قال: بـيع النصارى.
19119ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قَتادة: وَبِـيَعٌ للنصارى.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, مثله.
19120ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول: البِـيَعُ: بـيع النصارى.
وقال آخرون: عُنـي بـالبـيع فـي هذا الـموضع: كنائس الـيهود. ذكر من قال ذلك:
19121ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: وَبِـيَعٌ قال: وكنائس.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
19122ـ وحدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَبِـيَعٌ قال: البِـيَعُ الكنائس.
قوله: وَصَلَوَاتٌ اختلف أهل التأويـل فـي معناه, فقال بعضهم: عنـي بـالصلوات الكنائس. ذكر من قال ذلك:
19123ـ حدثنـي مـحمد سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَصَلَوَاتٌ قال: يعنـي بـالصلوات الكنائس.
19124ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَصَلَوَاتٌ: كنائس الـيهود, ويسمون الكنـيسة صَلُوتَا.
19125ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: وَصَلَوَاتٌ كنائس الـيهود.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, مثله.
وقال آخرون: عنـي بـالصلوات مساجد الصابئين. ذكر من قال ذلك:
19126ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, قال: سألت أبـا العالـية عن الصلوات, قال: هي مساجد الصابئين.
19127ـ قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن رُفـيع, نـحوه.
وقال آخرون: هي مساجد للـمسلـمين ولأهل الكتاب بـالطرق. ذكر من قال ذلك:
19128ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَصَلَوَاتٌ قال: مساجد لأهل الكتاب ولأهل الإسلام بـالطرق.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, نـحوه.
19129ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَصَلَوَاتٌ قال: الصلوات صلوات أهل الإسلام, تنقطع إذا دخـل العدوّ علـيهم, انقطعت العبـادة, والـمساجد تهدم, كما صنع بختنصر.
وقوله: وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِـيها اسْمُ اللّهِ كَثِـيرا اختلف فـي الـمساجد التـي أريدت بهذا القول, فقال بعضهم: أريد بذلك مساجد الـمسلـمين. ذكر من قال ذلك:
19130ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن رُفـيع, قوله: وَمَساجِدُ قال: مساجد الـمسلـمين.
19131ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, قال: حدثنا معمر, عن قَتادة: وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِـيها اسْمُ اللّهِ كَثِـيرا قال: الـمساجد: مساجد الـمسلـمين يذكر فـيها اسم الله كثـيرا.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن معمر, عن قَتادة, نـحوه.
وقال آخرون: عنـي بقوله: وَمَساجِدُ: الصوامع والبـيع والصلوات. ذكر من قال ذلك:
19132ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله: وَمَساجِدُ يقول فـي كلّ هذا يذكر اسم الله كثـيرا, ولـم يخصّ الـمساجد.
وكان بعض أهل العربـية من أهل البصرة يقول: الصلوات لا تهدم, ولكن حمله علـى فعل آخر, كأنه قال: وتركت صلوات. وقال بعضهم: إنـما يعنـي: مواضع الصلوات. وقال بعضهم: إنـما هي صلوات, وهي كنائس الـيهود, تُدعى بـالعبرانـية: صَلُوتَا.
وأولـى هذه الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: معنى ذلك: لهدمت صوامع الرهبـان وبِـيعَ النصارى, وصلوات الـيهود, وهي كنائسهم, ومساجد الـمسلـمين التـي يذكر فـيها اسم الله كثـيرا.
وإنـما قلنا هذا القول أولـى بتأويـل ذلك لأن ذلك هو الـمعروف فـي كلام العرب الـمستفـيض فـيهم, وما خالفه من القول وإن كان له وجه فغير مستعمل فـيـما وجهه إلـيه مَنْ وجهه إلـيه.
وقوله: وَلَـيَنْصُرَنّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ يقول تعالـى ذكره: ولـيعيننّ الله من يقاتل فـي سبـيـله, لتكون كلـمته العلـيا علـى عدوّه فَنْصُر الله عبده: معونته إياه, ونَصْرُ العبد ربه: جهاده فـي سبـيـله, لتكون كلـمته العلـيا.
وقوله: إنّ اللّهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ يقول تعالـى ذكره: إن الله لقويّ علـى نصر من جاهد فـي سبـيـله من أهل ولايته وطاعته, عزيز فـي مُلكه, يقول: منـيع فـي سلطانه, لا يقهره قاهر, ولا يغلبه غالب.

الآية : 41
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { الّذِينَ إِنْ مّكّنّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلّهِ عَاقِبَةُ الاُمُورِ }.
يقول تعالـى ذكره: أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلـموا, الذين إن مكّناهم فـي الأرض أقاموا الصلاة. و«الذين» ها هنا ردّ علـى «الذين يقاتلون». ويعنـي بقوله: إنْ مَكَنّاهُمْ فِـي الأرْضِ إن وَطّنّا لهم فـي البلاد, فقهروا الـمشركين وغلبوهم علـيها, وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول: إن نصرناهم علـى أعدائهم وقهروا مشركي مكة, أطاعوا الله, فأقاموا الصلاة بحدودها وآتَوُا الزّكَاةَ يقول: وأعطوا زكاة أموالهم مَنْ جعلها الله له. وأمَرُوا بـالـمَعْرُوفِ يقول: ودعوا الناس إلـى توحيد الله والعمل بطاعته وما يعرفه أهل الإيـمان بـالله. وَنَهَوْا عَنِ الـمُنْكَرِ يقول: ونهوا عن الشرك بـالله والعمل بـمعاصيه, الذي ينكره أهل الـحقّ والإيـمان بـالله. ولِلّهِ عاقِبَةُ الأُمُورِ يقول: ولله آخر أمور الـخـلق, يعنـي: أنّ إلـيه مصيرها فـي الثواب علـيها والعقاب فـي الدار الاَخرة.
وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19133ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسين الأشيب, قال: حدثنا أبو جعفر عيسى بن ماهان, الذي يقال له الرازيّ, عن الربـيع بن أنس, عن أبـي العالـية, فـي قوله: الّذِينَ إنْ مَكّنّاهُمْ فِـي الأرْضِ أقامُوا الصّلاةَ وآتَوُا الزّكاةَ وأمَرُوا بـالـمَعْرُوف ونَهَوْا عَنِ الـمُنْكَرِ قال: كان أمرهم بـالـمعروف أنهم دعوا إلـى الإخلاص لله وحده لا شريك له ونهيهم عن الـمنكر أنهم نهوا عن عبـادة الأوثان وعبـادة الشيطان. قال: فمن دعا إلـى الله من الناس كلهم فقد أمر بـالـمعروف, ومن نهى عن عبـادة الأوثان وعبـادة الشيطان فقد نهى عن الـمنكر.

الآية : 42 -44
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كَذّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذّبَ مُوسَىَ فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }.
يقول تعالـى ذكره مسلـيا نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم عما يناله من أذى الـمشركين بـالله, وحاضّا له علـى الصبر علـى ما يـلـحقه منهم من السبّ والتكذيب. وإن يكذّبك يا مـحمد هؤلاء الـمشركون بـالله علـى ما أتـيتهم به من الـحقّ والبرهان, وما تَعِدُهم من العذاب علـى كفرهم بـالله, فذلك سنة إخوانهم من الأمـم الـخالـية الـمكذّبة رسل الله الـمشركة بـالله ومنهاجهم مِن قبلهم, فلا يصدّنك ذلك, فإن العذاب الـمهين من ورائهم ونصري إياك وأتبـاعك علـيهم آتـيهم من وراء ذلك, كما أتـى عذابـي علـى أسلافهم من الأمـم الذين من قبلهم بعد الإمهال إلـى بلوغ الاَجال. فَقَدْ كَذّبَتْ قَبْلَهُمْ يعنـي مشركي قريش قوم نوح, وقوم عاد وثمود, وقوم إبراهيـم, وقوم لوط, وأصحاب مدين, وهم قوم شعيب. يقول: كذب كلّ هؤلاء رسلهم. وكُذّبَ مُوسَى فقـيـل: وكذب موسى ولـم يقل: «وقوم موسى», لأن قوم موسى بنو إسرائيـل, وكانت قد استـجابت له ولـم تكذّبه, وإنـما كذّبه فرعون وقومه من القبط. وقد قـيـل: إنـما قـيـل ذلك كذلك لأنه ولد فـيهم كما ولد فـي أهل مكة.
وقوله: فَأمْلَـيْتُ للْكافِرِينَ يقول: فأمهلت لأهل الكفر بـالله من هذه الأمـم, فلـم أعاجلهم بـالنقمة والعذاب. ثُمّ أخَذْتُهُمْ يقول: ثم أحللت بهم العقاب بعد الإملاء فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ يقول: فـانظر يا مـحمد كيف كان تغيـيري ما كان بهم من نعمة وتنكري لهم عما كنت علـيه من الإحسان إلـيهم, ألـم أبدلهم بـالكثرة قلة وبـالـحياة موتا وهلاكا وبـالعمارة خرابـا؟ يقول: فكذلك فعلـي بـمكذّبـيك من قريش, وإن أملـيت لهم إلـى آجالهم, فإنـي مُنْـجِزك وعدي فـيهم كما أنـجزت غيرك من رسلـي وعدي فـي أمـمهم, فأهلكناهم وأنـجيتهم من بـين أظهرهم.

الآية : 45
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىَ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مّعَطّلَةٍ وَقَصْرٍ مّشِيدٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وكم يا مـحمد من قرية أهلكت أهلها وهم ظالـمون يقول: وهم يعبدون غير من ينبغي أن يعبد, ويعصون من لا ينبغي لهم أن يعصوه. وقوله: فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلـى عُرُوشِها يقول: فبـاد أهلها وخـلت, وخوت من سكانها, فخربت وتداعت, وتساقطت علـى عروشها يعنـي علـى بنائها وسقوفها. كما:
19134ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعيّ, قال: حدثنا أبو خالد, عن جويبر, عن الضحاك: فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلـى عُرُوشِها قال: خَواؤها: خرابها, وعروشها: سقوفها.
19135ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: خاوِيَةٌ قال: خربة لـيس فـيها أحد.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة. مثله.
وقوله: وَبِئْرٍ مُعَطّلَةٍ يقول تعالـى: فكأين من قرية أهلكناها, ومن بئر عطلناها, بإفناء أهلها وهلاك وارديها, فـاندفنت وتعطلت, فلا واردة لها ولا شاربة منها. وَمِنْ قَصْرٍ مَشِيدٍ رفـيع بـالصخور والـجصّ, قد خلا من سكانه, بـما أذقنا أهله من عذابنا بسوء فعالهم, فبـادوا وبقـي قصورهم الـمشيدة خالـية منهم. والبئر والقصر مخفوضان بـالعطف علـى «القرية». وكان بعض نـحويّـي الكوفة يقول: هما معطوفـان علـى «العروش» بـالعطف علـيها خفضا, وإن لـم يحسن فـيهما, علـى أن العروش أعالـي البـيوت والبئر فـي الأرض, وكذلك القصر لأن القرية لـم تـخو علـى القصر, ولكنه أتبع بعضه بعضا كما قال: وَحُورٌ عِينٌ كأمْثالِ اللّؤْلُؤِ فمعنى الكلام علـى ما قال هذا الذي ذكرنا قوله فـي ذلك: فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالـمة, فهي خاوية علـى عروشها, ولها بئر معطلة وقصر مشيد ولكن لـما لـم يكن مع البئر رافع ولا عامل فـيها, أتبعها فـي الإعراب «العروش», والـمعنى ما وصفتُ.
وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله: وَبِئْرٍ مُعَطّلَةٍ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19136ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عطاء الـخُراسانـيّ, عن ابن عبـاس: وَبِئْرٍ مُعَطّلَةٍ قال: التـي قد تُرِكت. وقال غيره: لا أهل لها.
19137ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: وَبِئْرٍ مُعَطّلَةٍ قال: عطلها أهلها, تركوها.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, مثله.
19138ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَبِئْرٍ مُعَطّلَةٍ قال: لا أهل لها.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: وَقَصْرٍ مَشِيدٍ فقال بعضهم: معناه: وقصر مُـجَصّص. ذكر من قال ذلك:
19139ـ حدثنـي مطر بن مـحمد الضبـي, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهديّ, قال: حدثنا سفـيان, عن هلال بن خَبّـاب عن عكرِمة, فـي قوله: وَقَصْرٍ مَشِيدٍ قال: مـجصّص.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يحيى بن يـمان, عن سفـيان, عن هلال بن خبـاب, عن عكرِمة, مثله.
حدثنـي مـحمد بن إسماعيـل الأحمسي, قال: ثنـي غالب بن فـائد, قال: حدثنا سفـيان, عن هلال بن خبـاب عن عكرِمة, مثله.
حدثنـي الـحسين بن مـحمد العنقزي, قال: ثنـي أبـي, عن أسبـاط, عن السديّ, عن عكرمة, فـي قوله: وَقَصْرٍ مَشِيدٍ قال: مـجصص.
19140ـ حدثنـي مطر بن مـحمد, قال: حدثنا كثـير بن هشام, قال: حدثنا جعفر بن برقان, قال: كنت أمشي مع عكرِمة, فرأى حائط آجرّ مُصَهْرج, فوضع يده علـيه وقال: هذا الـمشيد الذي قال الله.
19141ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا عبـاد بن العوامّ, عن هلال بن خبـاب, عن عكرمة: وَقَصْرٍ مَشِيدٍ قال: الـمـجصص. قال عكرِمة: والـجصّ بـالـمدينة يسمى الشيّد.
19142ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَقَصْرٍ مَشِيدٍ قال: بـالقِصّة أو الفضة.
19143ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَقَصْرٍ مَشِيدٍ قال: بـالقصّة يعنـي بـالـجصّ.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
19144ـ حدثنا الـحسن, أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن جُرَيج, عن عطاء, فـي قوله: وَقَصْرٍ مَشِيدٍ قال: مـجصص.
19145ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن الثوريّ, عن هلال بن خبـاب, عن سعيد بن جُبـير, فـي قوله: وَقَصْرٍ مَشِيدٍ قال: مُـجَصّص. هكذا هو فـي كتابـي عن سعيد بن جُبـير.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وقصر رفـيع طويـل. ذكر من قال ذلك:
19146ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قَتادة: وَقَصْرٍ مَشِيدٍ قال: كان أهله شيّدوه وحصّنوه, فهلكوا وتركوه.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, مثله.
19147ـ حدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عُبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله: وَقَصْرٍ مَشِيدٍ يقول: طويـل.
وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب: قول من قال: عنـي بـالـمشيد الـمـجصّص, وذلك أن الشيّد فـي كلام العرب هو الـجصّ بعينه ومنه قول الراجز:
كحَبّةِ الـمَاءِ بـينَ الطيّ والشّيدِ
فـالـمشيد: إنـما هو مفعول من الشّيد ومنه قول امرىء القـيس:
وتَـيْـماءَ لَـمْ يَتْرُكْ بِها جِذْعَ نَـخْـلَةٍوَلا أُطُما إلاّ مَشِيدا بِجَنْدَلِ
يعنـي بذلك: إلا بـالبناء بـالشيد والـجندل. وقد يجوز أن يكون معنـيّا بـالـمشيد: الـمرفوع بناؤه بـالشّيدِ, فـيكون الذين قالوا: عنـي بـالـمشيد الطويـل نَـحَوْا بذلك إلـى هذا التأويـل ومنه قول عديّ بن زيد:
شادَهُ مَرْمَرا وَجَلّلَهُ كِلْسا فللطّيْرِ فِـي ذُرَاهُ وُكُورُ
وقد تأوّله بعض أهل العلـم بلغات العرب بـمعنى الـمزين بـالشيد من شدته أشيده: إذا زيّنته به, وذلك شبـيه بـمعنى من قال مُـجَصّص.
الآية : 46
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنّهَا لاَ تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَـَكِن تَعْمَىَ الْقُلُوبُ الّتِي فِي الصّدُورِ }.
يقول تعالـى ذكره: أفلـم يسيروا هؤلاء الـمكذّبون بآيات الله والـجاحدون قدرته فـي البلاد, فـينظروا إلـى مصارع ضربـائهم من مكذّبـي رسل الله الذين خـلوْا من قبلهم, كعاد وثمود وقوم لوط وشعيب, وأوطانهم ومساكنهم, فـيتفكرّوا فـيها ويعتبروا بها ويعلـموا بتدبرهم أمرها وأمر أهلها سنةَ الله فـيـمن كفر وعبد غيره وكذّب رسله, فـينـيبوا من عتوّهم وكفرهم, ويكون لهم إذا تدبروا ذلك واعتبروا به وأنابوا إلـى الـحقّ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها حجج الله علـى خـلقه وقدرته علـى ما بـيّنا, أو آذانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا يقول: أو آذان تصغي لسماع الـحقّ فتعي ذلك وتـميز بـينه وبـين البـاطل. وقوله: فإنّها لا تَعْمَى الأبْصارُ يقول: فإنها لا تعمى أبصارهم أن يبصروا بها الأشخاص ويروها, بل يبصرون ذلك بأبصارهم ولكن تعمى قلوبهم التـي فـي صدورهم عن أنصار الـحقّ ومعرفته. والهاء فـي قوله: فإنّها لا تَعْمَى هاء عماد, كقول القائل: إنه عبد الله قائم. وقد ذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد الله: «فإنّه لا تَعْمَى الأبْصَارُ». وقـيـل: وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ التـي فـي الصّدُورِ والقلوب لا تكون إلا فـي الصدور, توكيدا للكلام, كما قـيـل: يَقُولُون بأفْوَاهِهِمْ مَا لَـيْسَ فِـي قُلُوبِهِمْ