سورة الحج | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 338 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 338
339
337
الآية : 47
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ وَإِنّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمّا تَعُدّونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ويستعجلونك يا مـحمد مشركو قومك بـما تَعِدهم من عذاب الله علـى شركهم به وتكذيبهم إياك فـيـما أتـيتهم به من عند الله فـي الدنـيا, ولن يخـلف الله وعده الذي وعدك فـيهم من إحلال عذابه ونقمته بهم فـي عاجل الدنـيا. ففعل ذلك, ووفـى لهم بـما وعدهم, فقتلهم يوم بدر.
واختلف أهل التأويـل فـي الـيوم الذي قال جلّ ثناؤه: وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ كألْفِ سَنَةٍ مِـمّا تَعُدّونَ أيّ يوم هو؟ فقال بعضهم: هو من الأيام التـي خـلق الله فـيها السموات والأرض. ذكر من قال ذلك:
19148ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا إسرائيـل, عن سِماك, عن عكرِمة, عن ابن عبـاس: وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ كألْفِ سَنَةٍ مِـمّا تَعُدّونَ قال: من الأيام التـي خـلق الله فـيها السموات والأرض.
19149ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, فـي قوله: وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ... الاَية, قال: هي مثل قوله فـي «الـم تَنْزِيـلُ» سواء, هو هو الاَية.
وقال آخرون: بل هو من أيام الاَخرة. ذكر من قال ذلك:
19150ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن سماك, عن عكرِمة, عن ابن عبـاس, قال: مقدار الـحساب يوم القـيامة ألف سنة.
19151ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَـية, قال: حدثنا سعيد الـجريريّ, عن أبـي نَضْرة عن سمير بن نهار, قال: قال أبو هريرة: يدخـل فقراء الـمسلـمين الـجنة قبل الأغنـياء بـمقدار نصف يوم. قلت: وما نصف يوم؟ قال: أو ما تقرأ القرآن؟ قلت: بلـى. قال: وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ كألْفِ سَنَةٍ مِـمّا تَعُدّونَ.
19152ـ حدثنا ابن بشار, قال: ثنـي عبد الرحمن, قال: حدثنا أبو عوانة, عن أبـي بشر, عن مـجاهد: وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ كألْفِ سَنَة قال: من أيام الاَخرة.
19153ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن سماك, عن عكرمة, أنه قال فـي هذه الاَية: وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ كألْفِ سَنَةٍ مِـمّا تَعُدّونَ قال: هذه أيام الاَخرة. وفـي قوله: ثُمّ يَعْرُجُ إلَـيْهِ فِـي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَة مِـمّا تَعُدّونَ قال: يوم القـيامة وقرأ: إنّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدا وَنَرَاهُ قَرِيبـا.
وقد اختلف فـي وجه صرف الكلام من الـخبر عن استعجال الذين استعجلوا العذاب إلـى الـخبر عن طول الـيوم عند الله, فقال بعضهم: إن القوم استعجلوا العذاب فـي الدنـيا, فأنزل الله: وَلَنْ يُخْـلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ فـي أن ينزل ما وعدهم من العذاب فـي الدنـيا, وإن يوما عند ربك من عذابهم فـي الدنـيا والاَخرة كألف سنة مـما تعدّون فـي الدنـيا.
وقال آخرون: قـيـل ذلك كذلك إعلاما من الله مستعجلـيه العذاب أنه لا يعجل, ولكنه يُـمْهل إلـى أجل أجّله, وأن البطيء عندهم قريب عنده, فقال لهم: مقدار الـيوم عندي ألف سنة مـما تعدّونه أنتـم أيها القوم من أيامكم, وهو عندكم بطيء وهو عندي قريب.
وقال آخرون: معنى ذلك: وإن يوما من الثقل وما يخاف كألف سنة.
والقول الثانـي عندي أشبه بـالـحقّ فـي ذلك وذلك أن الله تعالـى ذكره أخبر عن استعجال الـمشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم بـالعذاب, ثم أخبر عن مبلغ قدر الـيوم عنده, ثم أتبع ذلك قوله: وكأيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أمْلَـيْتُ لَهَا وَهِيَ ظالِـمَةٌ فأخبر عن إملائه أهل القرية الظالـمة وتركه معاجلتهم بـالعذاب, فبـين بذلك أنه عنى بقوله: وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ كألْفِ سَنَةٍ مِـمّا تَعُدّونَ نفـي العجلة عن نفسه ووصفها بـالأناة والانتظار. وإذ كان ذلك كذلك, كان تأويـل الكلام: وإن يوما من الاَيام التـي عند الله يوم القـيامة, يوم واحد كألف سنة من عددكم, ولـيس ذلك عنده ببعيد وهو عندكم بعيد فلذلك لا يعجل بعقوبة من أراد عقوبته حتـى يبلغ غاية مدّته.
الآية : 48
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيّ الْمَصِيرُ }.
يقول تعالـى ذكره: وكأيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أمْلَـيْتُ لَهَا يقول: أمهلتهم وأخّرت عذابهم, وهم بـالله مشركون ولأمره مخالفون وذلك كان ظلـمهم الذي وصفهم الله به جلّ ثناؤه فلـم أعجَلْ بعذابهم. ثُمّ أخَذْتُها يقول: ثم أخذتها بـالعذاب, فعذّبتها فـي الدنـيا بإحلال عقوبتنا بهم. وإلـيّ الـمَصِيرُ يقول: وإلـيّ مصيرهم أيضا بعد هلاكهم, فـيـلقون من العذاب حينئذ ما لا انقطاع له يقول تعالـى ذكره: فكذلك حال مستعجلـيك بـالعذاب من مشركي قومك, وإن أملـيت لهم إلـى آجالهم التـي أجلتها لهم, فإنـي آخِذُهم بـالعذاب فقاتِلُهم بـالسيف ثم إلـيّ مصيرهم بعد ذلك فموجعهم إذن عقوبة علـى ما قدّموا من آثامهم.
الآية : 49 -51
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قُلْ يَأَيّهَا النّاسُ إِنّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مّبِينٌ * فَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لَهُمْ مّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * وَالّذِينَ سَعَوْاْ فِيَ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد لـمشركي قومك الذين يجادلونك فـي الله بغير علـم, اتبـاعا منهم لكل شيطان مريد: يا أيها النّاسُ إنّـمَا أنا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِـينٌ أنذركم عقاب الله أن ينزل بكم فـي الدنـيا وعذابه فـي الاَخرة أن تَصْلَوْه مُبِـينٌ يقول: أبـين لكم إنذاري ذلك وأظهره لتنـيبوا من شرككم وتـحذروا ما أنذركم من ذلك لا أملك لكم غير ذلك, فأما تعجيـل العقاب وتأخيره الذي تستعجلوننـي به فإلـى الله, لـيس ذلك إلـيّ ولا أقدر علـيه. ثم وصف نذارته وبشارته, ولـم يجر للبشارة ذكر, ولـما ذُكِرت النذارة علـى عمل عُلـم أن البشارة علـى خلافه, فقال: والّذِينَ آمَنُوا بـالله ورسوله وعَمِلُوا الصّالِـحَاتِ منكم أيها الناس ومن غيركم, لَهُمْ مَغْفِرَةٌ يقول: لهم من الله ستر ذنوبهم التـي سلفت منهم فـي الدنـيا علـيهم فـي الاَخرة. وَرِزْقٌ كَرِيـمٌ يقول: ورزق حسن فـي الـجنة كما:
19154ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جُرَيج, قوله: فـالّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيـمٌ قال: الـجنة.
وقوله: وَالّذِينَ سَعَوْا فِـي آياتِنا مُعاجِزِينَ يقول: والذين عملوا فـي حججنا فصدّوا عن اتبـاع رسولنا والإقرار بكتابنا الذي أنزلناه. وقال فـي آياتَنِا فأدخـلت فـيه «فـي» كما يقال: سعى فلان فـي أمر فلان.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: مُعاجِزِينَ فقال بعضهم: معناه: مُشَاقّـين. ذكر من قال ذلك:
19155ـ حدثنا أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا حجاج, عن عثمان بن عطاء, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, أنه قرأها: مُعاجِزِينَ فـي كلّ القرآن, يعنـي بألف, وقال: مشاقّـين.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهم ظنوا أنهم يعجزون الله فلا يقدر علـيهم. ذكر من قال ذلك:
19156ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: فـي آياتِنا مُعاجِزينَ قال: كذّبوا بآيات الله فظنوا أنهم يُعْجزون الله, ولن يعجزوه.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, مثله.
وهذان الوجهان من التأويـل فـي ذلك علـى قراءة من قرأه: فِـي آياتِنا مُعاجِزِينَ بـالألف, وهي قراءة عامة قرّاء الـمدينة والكوفة. وأما بعض قرّاء أهل مكة والبصرة فإنه قرأه: «مُعَجّزِينَ» بتشديد الـجيـم, بغير ألف, بـمعنى أنهم عجّزوا الناس وثَبّطوهم عن اتبـاع رسول الله صلى الله عليه وسلم والإيـمان بـالقرآن. ذكر من قال ذلك كذلك من قراءته:
19157ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: مُعَجّزِينَ قال: مُبَطّئين, يبطَئون الناس عن اتبـاع النبـيّ صلى الله عليه وسلم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جَرَيج, عن مـجاهد, مثله.
والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان, قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء, متقاربتا الـمعنى وذلك أن من عجز عن آيات الله فقد عاجز الله, ومن معاجزة الله التعجيز عن آيات الله والعمل بـمعاصيه وخلاف أمره. وكان من صفة القوم الذين أنزل الله هذه الاَيات فـيهم أنهم كانوا يبطئون الناس عن الإيـمان بـالله واتبـاع رسوله ويغالبون رسول الله صلى الله عليه وسلم, يحسبون أنهم يُعْجزونه ويغلبونه, وقد ضمن الله له نصره علـيهم, فكان ذلك معاجزتهم الله. فإذ كان ذلك كذلك, فبأيّ القراءتـين قرأ القارىء فمصيب الصواب فـي ذلك.
وأما الـمعاجزة فإنها الـمفـاعلة من العجز, ومعناه: مغالبة اثنـين أحدهما صاحبه أيهما يعجزه فـيغلبه الاَخر ويقهره.
وأما التعجيز: فإنه التضعيف وهو التفعيـل من العجز. وقوله: أُولَئِكَ أصْحابُ الـجَحِيـمِ يقول: هؤلاء الذين هذه صفتهم هم سكان جهنـم يوم القـيامة وأهلها الذين هم أهلها.
الآية : 52
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُولٍ وَلاَ نَبِيّ إِلاّ إِذَا تَمَنّىَ أَلْقَى الشّيْطَانُ فِيَ أُمْنِيّتِهِ فَيَنسَخُ اللّهُ مَا يُلْقِي الشّيْطَانُ ثُمّ يُحْكِمُ اللّهُ آيَاتِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }.
قـيـل: إن السبب الذي من أجله أنزلت هذه الاَية علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, أن الشيطان كان ألقـى علـى لسانه فـي بعض ما يتلوه مـما أنزل الله علـيه من القرآن ما لـم ينزله الله علـيه, فـاشتدّ ذلك علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم واغتـمّ به, فسلاّه الله مـما به من ذلك بهذه الاَيات. ذكر من قال ذلك:
19158ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج, عن أبـي معشر, عن مـحمد بن كعب القُرَظيّ ومـحمد بن قـيس قالا: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي ناد من أندية قريش كثـير أهله, فتـمنى يومئذ أن لا يأتـيه من الله شيء فـينفروا عنه, فأنزل الله علـيه: والنّـجْمِ إذَا هَوَى ما ضَلّ صَاحِبُكُمْ وَما غَوَى فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم, حتـى إذا بلغ: أفَرأيْتُـمُ اللاّتَ والعُزّى وَمَناةَ الثالِثَةَ الأُخْرَى ألقـى علـيه الشيطان كلـمتـين: «تلك الغرانقة العُلَـى, وإن شفـاعتهنّ لتُرْجَى», فتكلـم بها. ثم مضى فقرأ السورة كلها. فسجد فـي آخر السورة, وسجد القوم جميعا معه, ورفع الولـيد بن الـمغيرة ترابـا إلـى جبهته فسجد علـيه, وكان شيخا كبـيرا لا يقدر علـى السجود. فرضُوا بـما تكلـم به وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيـي ويـميت وهو الذي يخـلق ويرزق, ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده, إذ جعلت لها نصيبـا, فنـحن معك قالا: فلـما أمسى أتاه جبرائيـل علـيهما السلام فعرض علـيه السورة فلـما بلغ الكلـمتـين اللتـين ألقـى الشيطان علـيه قال: ما جئتك بهاتـين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افْتَرَيْتُ عَلـى اللّهِ وقُلْتُ عَلـى اللّهِ ما لَـمْ يَقُلْ» فأوحى الله إلـيه: وَإنْ كادُوا لَـيَفْتِنُونَكَ عَنِ الّذِي أوْحَيْنا إلَـيْكَ, لِتَفْتَرِيَ عَلَـيْنا غَيْرَهُ... إلـى قوله: ثُمّ لا تَـجِدُ لَكَ عَلَـيْنا نَصِيرا. فما زال مغموما مهموما حتـى نزلت علـيه: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِـيَ إلاّ إذَا تَـمَنّى ألْقَـى الشّيْطانُ فِـي أُمْنِـيّتهِ فَـيَنْسَخُ اللّهُ ما يُـلْقِـي الشّيْطانُ ثُمّ يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ وَاللّهُ عَلـيـمٌ حَكِيـمٌ. قال: فسمع من كان من الـمهاجرين بأرض الـحبشة أن أهل مكة قد أسلـموا كلهم, فرجعوا إلـى عشائرهم وقالوا: هم أحبّ إلـينا فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما ألقـى الشيطان.
19159ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن يزيد بن زياد الـمدنـيّ, عن مـحمد بن كعب القُرظيّ قال: لـما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولّـيَ قومه عنه, وشقّ علـيه ما يرى من مبـاعدتهم ما جاءهم به من عند الله, تـمنى فـي نفسه أن يأتـيه من الله ما يقارب به بـينه وبـين قومه. وكان يسرّه, مع حبه وحرصه علـيهم, أن يـلـين له بعض ما غلُظَ علـيه من أمرهم, حين حدّث بذلك نفسه وتـمنى وأحبه, فأنزل الله: والنّـجْمِ إذَا هَوَى ما ضَلّ صَاحبُكُمْ وَما غَوَى فلـما انتهى إلـى قول الله: أفَرأيْتُـمُ اللاّتَ والعُزّى وَمَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرَى ألقـى الشيطان علـى لسانه, لـما كان يحدّث به نفسه ويتـمنى أن يأتـي به قومه: «تلك الغرانـيق العلَـى, وإن شفـاعتهن تُرْتَضى». فلـما سمعت قريش ذلك فرحوا وسرّهم, وأعجبهم ما ذكر به آلهتهم, فأصاخوا له, والـمؤمنون مصدّقون نبـيهم فـيـما جاءهم به عن ربهم, ولا يتهمونه علـى خط ولا وَهَم ولا زلل. فلـما انتهى إلـى السجدة منها وختـم السورة, سجد فـيها, فسجد الـمسلـمون بسجود نبـيهم, تصديقا لـما جاء به واتبـاعا لأمره, وسجد من فـي الـمسجد من الـمشركين من قريش وغيرهم لـما سمعوا من ذكر آلهتهم, فلـم يبق فـي الـمسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الولـيد بن الـمغيرة, فإنه كان شيخا كبـيرا فلـم يستطع, فأخذ بـيده حفنة من البطحاء فسجد علـيها. ثم تفرّق الناس من الـمسجد, وخرجت قريش وقد سرّهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم, يقولون: قد ذكر مـحمد آلهتنا بأحسن الذكر, وقد زعم فـيـما يتلو أنها الغرانـيق العُلَـي وأن شفـاعتهنّ ترتضى وبلغت السجدة من بأرض الـحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقـيـل: أسلـمت قريش. فنهضت منهم رجال, وتـخـلّف آخرون. وأتـى جبرائيـل النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: يا مـحمد ماذا صنعت؟ لقد تلوت علـى الناس ما لـم آتك به عن الله, وقلت ما لـم يُقَلْ لك فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك, وخاف من الله خوفـا كبـيرا, فأنزل الله تبـارك وتعالـى علـيه وكانَ بِهِ رَحِيـما يعزّيه ويخفّض علـيه الأمر ويخبره أنه لـم يكن قبله رسول ولا نبـيّ تـمنى كما تـمنى ولا أحبّ كما أحبّ إلا والشيطان قد ألقـى فـي أمنـيته كما ألقـى علـى لسانه صلى الله عليه وسلم, فنسخ الله ما ألقـى الشيطان وأحكم آياته, أي فأنت كبعض الأنبـياء والرسل فأنزل الله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ إلاّ إذَا تَـمَنّى ألْقَـى الشّيْطانُ فِـي أُمِنـيّتِهِ... الاَية. فأذهب الله عن نبـيه الـحزن, وأمنه من الذي كان يخاف, ونسخ ما ألقـى الشيطان علـى لسانه من ذكر آلهتهم أَنهّا الغرانـيق العُلَـى وأن شفـاعتهنّ ترتضى. يقول الله حين ذكر اللات والعُزّى ومناة الثالثة الأخرى, إلـى قوله: وكَمْ منْ مَلَكٍ فِـي السّمَوَاتِ لا تُغْنى شَفـاعَتُهُمْ شَيْئا إلاّ مِنْ بَعْدِ أنْ يَأْذَنَ اللّهِ لـمَنْ يَشاءُ وَيَرْضَى, أي فكيف تنفع شفـاعة آلهتكم عنده. فلـما جاءه من الله ما نسخ ما كان الشيطان ألقـى علـى لسان نبـيه, قالت قريش: ندم مـحمد علـى ما كان من منزلة آلهتكم عند الله, فغير ذلك وجاء بغيره وكان ذلك الـحرفـان اللذان ألقـى الشيطان علـى لسان رسوله قد وقعا فـي فم كل مشرك, فـازدادوا شرّا إلـى ما كانوا علـيه.
19160ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر, قال: سمعت داود, عن أبـي العالـية, قال: قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنـما جلساؤك عبد بنـي فلان ومولـى بنـي فلان, فلو ذكرت آلهتنا بشيء جالسناك, فإنه يأتـيك أشراف العرب فإذا رأوا جلساءك أشراف قومك كان أرغب لهم فـيك قال: فألقـى الشيطان فـي أمنـيته, فنزلت هذه الاَية: أفَرأيْتُـمُ اللاّتَ والعُزّى وَمَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرَى قال: فأجرى الشيطان علـى لسانه: «تلك الغرانـيق العُلَـى, وشفـاعتهن ترجى, مثلهن لا يُنسى». قال: فسجد النبـيّ صلى الله عليه وسلم حين قرأها, وسجد معه الـمسلـمون والـمشركون. فلـما علـم الذي أُجْرِي علـى لسانه, كبر ذلك علـيه, فأنزل الله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ إلاّ إذَا تَـمَنّى ألْقَـى الشّيْطانُ فِـي أُمْنِـيّتِهِ... إلـى قوله: وَاللّهُ عَلِـيـمٌ حَكِيـمٌ.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا أبو الولـيد, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن داود بن أبـي هند, عن أبـي العالـية قال: قالت قريش: يا مـحمد إنـما يجالسك الفقراء والـمساكين وضعفـاء الناس, فلو ذكرت آلهتنا بخير لـجالسناك فإن الناس يأتونك من الاَفـاق فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النـجم فلـما انتهى علـى هذه الاَية: أفَرأيْتُـمُ اللاّتَ والعُزّى وَمَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرَى فألقـى الشيطان علـى لسانه: «وهي الغرانقة العلـى, وشفـاعتهن ترتـجى». فلـما فرغ منها سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والـمسلـمون والـمشركون, إلا أبـا أُحَيحة سعيد بن العاص, أخذ كفّـا من تراب وسجد علـيه وقال: قد آن لابن أبـي كبشة أن يذكر آلهتنا بخير حتـى بلغ الذين بـالـحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الـمسلـمين أن قريشا قد أسلـمت, فـاشتدّ علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ألقـى الشيطان علـى لسانه, فأنزل الله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ... إلـى آخر الاَية.
19161ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جُبـير, قال: لـما نزلت هذه الاَية: أفَرأيْتُـمُ اللاّتَ والعُزّى قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: «تلك الغرانـيق العلـى, وإن شفـاعتهنّ لترتـجى». فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال الـمشركون: إنه لـم يذكر آلهتكم قبل الـيوم بخير فسجد الـمشركون معه, فأنزل الله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ إلاّ إذَا تَـمَنّى ألْقَـى الشّيْطانُ فِـي أُمْنِـيّتِهِ... إلـى قوله: عَذَابَ يَوْمٍ عَقِـيـم.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: ثنـي عبد الصمد, قال: حدثنا شعبة, قال: حدثنا أبو بشر, عن سعيد بن جُبـير قال: لـما نزلت: أفَرأيْتُـمُ اللاّتَ والعُزّى, ثم ذكر نـحوه.
19162ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ إلاّ إذَا تَـمَنّى ألْقَـى الشّيْطانُ فِـي أُمْنِـيّتِهِ إلـى قوله: وَاللّهُ عَلِـيـمٌ حَكِيـمٌ وذلك أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم بـينـما هو يصلـي, إذ نزلت علـيه قصة آلهة العرب, فجعل يتلوها فسمعه الـمشركون فقالوا: إنا نسمعه يذكر آلهتنا بخير فدنَوا منه, فبـينـما هو يتلوها وهو يقول: أفَرأيْتُـمُ اللاّتَ والعُزّى وَمَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرَى ألقـى الشيطان: «إن تلك الغرانـيق العلـى, منها الشفـاعة ترتـجى». فجعل يتلوها, فنزل جبرائيـل علـيه السلام فنسخها, ثم قال له: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ إلاّ إذَا تَـمَنّى ألْقَـى الشّيْطانُ فِـي أُمْنِـيّتِهِ... إلـى قوله: وَاللّهُ عَلِـيـمٌ حَكِيـمٌ.
19163ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيَ... الاَية أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم وهو بـمكة, أنزل الله علـيه فـي آلهة العرب, فجعل يتلو اللات والعزّى ويكثر ترديدها. فسمع أهل مكة نبـيّ الله يذكر آلهتهم, ففرحوا بذلك, ودنوا يستـمعون, فألقـى الشيطان فـي تلاوة النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «تلك الغرانـيق العلـى, منها الشفـاعة ترتـجى». فقرأها النبـيّ صلى الله عليه وسلم كذلك, فأنزل الله علـيه: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ... إلـى: وَاللّهُ عَلِـيـمٌ حَكِيـمٌ.
19164ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي يونس, عن ابن شهاب, أنه سئل عن قوله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِـيّ... الاَية, قال ابن شهاب: ثنـي أبو بكر بن عبد الرحمن بن الـحارث. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بـمكة قرأ علـيهم: والنّـجْمِ إذَا هَوَى, فلـما بلغ: أفَرأيْتُـمُ اللاّتَ والعُزّى وَمَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرَى قال: «إن شفـاعتهن ترتـجَى». وسها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلقـيه الـمشركون الذين فـي قلوبهم مرض, فسلـموا علـيه, وفرحوا بذلك, فقال لهم: «إنّـمَا ذلكَ مِنَ الشّيْطانِ». فأنزل الله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ... حتـى بلغ: فَـيَنْسَخُ اللّهُ ما يُـلْقِـي الشّيْطانُ.
فتأويـل الكلام: ولـم يرسل يا مـحمد مَنْ قَبْلك من رسول إلـى أمة من الأمـم ولا نبـيّ مـحدّث لـيس بـمرسل, إلا إذا تـمنى.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله «تـمنى» فـي هذا الـموضع, وقد ذكرت قول جماعة مـمن قال: ذلك التـمنـي من النبـيّ صلى الله عليه وسلم ما حدثته نفسه من مـحبته مقاربة قومه فـي ذكر آلهتهم ببعض ما يحبون, ومن قال ذلك مـحبة منه فـي بعض الأحوال أن لا تذكر بسوء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا قرأ وتلا أو حدّث. ذكر من قال ذلك:
19165ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: إذَا تَـمنّى ألْقَـى الشّيْطانُ فِـي أُمْنِـيّتِهِ يقول: إذا حدّث ألقـى الشيطان فـي حديثه.
19166ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: إذَا تَـمَنّى قال: إذا قال.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
19167ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: إلاّ إذَا تَـمَنّى يعنـي بـالتـمنـي: التلاوة والقراءة.
وهذا القول أشبه بتأويـل الكلام, بدلالة قوله: فَـيَنْسَخُ اللّهُ ما يُـلْقـي الشّيْطانُ ثُمّ يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ علـى ذلك لأن الاَيات التـي أخبر الله جلّ ثناؤه أنه يحكمها, لا شك أنها آيات تنزيـله, فمعلوم أن الذي ألقـي فـيه الشيطان هو ما أخبر الله تعالـى ذكره أنه نسخ ذلك منه وأبطله ثم أحكمه بنسخه ذلك منه.
فتأويـل الكلام إذن: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبـيّ إلا إذا تلا كتاب الله, وقرأ, أو حدّث وتكلـم, وألقـى الشيطان فـي كتاب الله الذي تلاه وقرأه أو فـي حديثه الذي حدث وتكلـم. فَـيَنْسَخُ اللّهُ ما يُـلْقِـي الشّيْطانُ يقول: تعالـى فـيذهب الله ما يـلقـي الشيطان من ذلك علـى لسان نبـيه ويبطله. كما:
19168ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: فَـيَنْسَخُ اللّهُ ما يُـلْقِـي الشّيْطانُ فـيبطل الله ما ألقـى الشيطان.
19169ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: فَـيَنْسَخُ اللّهُ ما يُـلْقِـي الشّيْطانُ نسخ جبريـل بأمر الله ما ألقـى الشيطان علـى لسان النبـيّ صلى الله عليه وسلم, وأحكم الله آياته.
وقوله: ثُمّ يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ يقول: ثم يخـلص الله آيات كتابه من البـاطل الذي ألقـى الشيطان علـى لسان نبـيه. وَاللّهُ عَلِـيـمٌ بـما يحدث فـي خـلقه من حدث, لا يخفـى علـيه منه شيء. حَكِيـمٌ فـي تدبـيره إياهم وصرفه لهم فـيـما شاء وأحَبّ.
الآية : 53
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشّيْطَانُ فِتْنَةً لّلّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنّ الظّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }.
يقول تعالـى ذكره: فـينسخ الله ما يـلقـي الشيطان, ثُم يُحكم الله آياته, كي يجعل ما يـلقـي الشيطان فـي أمنـية نبـيه من البـاطل, كقول النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «تلك الغرانـيق العُلَـى, وإن شفـاعتهن لُترَتَـجَى». فِتْنَةً يقول: اختبـارا يختبر به الذين فـي قلوبهم مرض من النفـاق وذلك الشكّ فـي صد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقـيقة ما يخبرهم به.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19170ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم كان يتـمنى أن لا يعيب الله آلهة الـمشركين, فألقـى الشيطان فـي أمنـيته, فقال: «إن الاَلهة التـي تدعي أن شفـاعتها لترتـجى وإنها لَلْغرانـيق العُلَـى». فنسخ الله ذلك, وأحكم الله آياته: أفرأيتـمُ اللاّتَ والعُزّى حتـى بلغ: مِنْ سُلْطانٍ قال قتادة: لـما ألقـى الشيطان ما ألقـى, قال الـمشركون: قد ذكر الله آلهتهم بخير ففرحوا بذلك, فذكر قوله: لِـيَجْعَل ما يُـلْقِـي الشّيْطانُ فِتْنَةً للّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرّزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, بنـحوه.
19171ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, فـي قوله: لِـيَجْعَل ما يُـلْقِـي الشّيْطانُ فِتْنَةً للّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يقول: وللذين قست قلوبهم عن الإيـمان بـالله, فلا تلـين ولا ترعوي, وهم الـمشركون بـالله.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19172ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج: والقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ قال: الـمشركون.
وقوله: وَإنّ الظّالِـمِينَ لَفِـي شِقاقٍ بَعِيدٍ يقول تعالـى ذكره: وإن مشركي قومك يا مـحمد لفـي خلاف الله فـي أمره, بعيد من الـحقّ.
الآية : 54
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَلِيَعْلَمَ الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ أَنّهُ الْحَقّ مِن رّبّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنّ اللّهَ لَهَادِ الّذِينَ آمَنُوَاْ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وكي يعلـم أهل العلـم بـالله أن الذي أنزله الله من آياته التـي أحكمها لرسوله ونسخ ما ألقـي الشيطان فـيه, أنه الـحقّ من عند ربك يا مـحمد فُـيؤْمِنُوا بِهِ يقول: فـيصدّقوا به. فتُـخْبِتَ له قُلُوبُهُمْ يقول: فتـخضع للقرآن قلوبهم, وتذعن بـالتصديق به والإقرار بـما فـيه. وَإنّ اللّهَ لَهَادِ الّذِينَ آمَنُوا إلـى صِرَاطٍ مُسْتَقِـيـمٍ وإن الله لـمرشد الذين آمنوا بـالله ورسوله إلـى الـحقّ القاصد والـحقّ الواضح, بنسخ ما ألقـي الشيطان فـي أمنـية رسوله, فلا يضرّهم كيد الشيطان وإلقاؤه البـاطل علـى لسان نبـيهم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19173ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج: وَلِـيَعْلَـمَ الّذِينَ أُوتُوا العِلْـمَ أنّهُ الـحَقّ مِنْ رَبّكَ قال: يعنـي القرآن.
الآية : 55
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَلاَ يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مّنْهُ حَتّىَ تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ }.
يقول تعالـى ذكره: ولا يزال الذين كفرا بـالله فـي شكّ.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الهاء التـي فـي قوله: «منه» من ذكر ما هي؟ فقال بعضهم: هي من ذكر قول النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «تلك الغرانـيق العُلَـى, وإن شفـاعتهن لترتـجى». ذكر من قال ذلك:
19174ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مـحمد, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جُبـير: وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا فِـي مِرْيَةٍ مِنْهُ من قوله: «تلك الغرانـيق العلـى, وإن شفـاعتهن ترتـجى».
19175ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا فِـي مِرْيَةٍ مِنْهُ قال: مـما جاء به إبلـيس لا يخرج من قلوبهم زادهم ضلالة.
وقال آخرون: بل هي من ذكر سجود النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي النـجم. ذكر من قال ذلك:
19176ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الصمد, قال: حدثنا شعبة, قال: حدثنا أبو بشر, عن سعيد بن جُبـير: وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا فِـي مِرْيَةٍ مِنْهُ قال: فـي مِرْية من سجودك.
وقال آخرون: بل هي من ذكر القرآن. ذكر من قال ذلك:
19177ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج: وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا فِـي مِرْيَةٍ مِنْهُ قال: من القرآن.
وأولـى هذه الأقوال فـي ذلك بـالصواب, قول من قال: هي كناية من ذكر القرآن الذي أحكم الله آياته وذلك أن ذلك من ذكر قوله: وَلِـيَعْلَـمَ الّذِينَ أُوتُوا العِلْـمَ أنّهُ الْـحَقّ مِنْ رَبّكَ أقرب منه من ذكر قوله: فَـيَنُسَخُ اللّهُ ما يُـلْقـي الشّيْطانُ والهاء من قوله «أنه» من ذكر القرآن, فإلـحاق الهاء فـي قوله: فِـي مِرْيَةٍ مِنْهُ بـالهاء من قوله: أنّهُ الـحَقّ مِنْ رَبّكَ أولـى من إلـحاقها ب «ما» التـي فـي قوله: ما يُـلْقِـي الشّيْطانُ مع بُعد ما بـينهما.
وقوله: حتـى تَأْتـيَهُمُ السّاعَةُ يقول: لا يزال هؤلاء الكفـار فـي شك من أمر هذا القرآن إلـى أن تأتـيهم الساعة بَغْتَةً وهي ساعة حشر الناس لـموقـف الـحساب بغتة, يقول: فجأة. أوْ يَأْتـيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِـيـمٍ.
واختلف أهل التأويد فـي هذا الـيوم أيّ يوم هو؟ فقال بعضهم: هو يوم القـيامة. ذكر من قال ذلك:
19178ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: حدثنا شيخ من أهل خراسان من الأزد يكنـي أبـا ساسان, قال: سألت الضحاك, عن قوله: عَذَابُ يَوْمٍ عَقِـيـمٍ قال: عذاب يوم لا لـيـلة بعده.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبوُ تـمَيـلة, عن أبـي حمزة, عن جابر, عن عكرِمة. أن يوم القـيامة لا لـيـلة له.
وقال آخرون: بل عنـي به يوم بدر. وقالوا: إنـما قـيـل له يوم عقـيـم, أنهم لـم ينظروا إلـى اللـيـل, فكان لهم عقـيـما. ذكر من قال ذلك:
19179ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن لـيث, عن مـجاهد, قال: عَذَابُ يَوْمٍ عَقِـيـمٍ يوم بدر.
19180ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: أوْ يَأْتـيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِـيـمٍ قال ابن جُرَيج: يوم لـيس فـيه لـيـلة, لـم يناظروا إلـى اللـيـل. قال مـجاهد: عذاب يوم عظيـم.
قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو تُـمَيـلة, عن أبـي حمزة, عن جابر, قال: قال مـجاهد: يوم بدر.
19181ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا أبو إدريس, قال: أخبرنا الأعمش, عن رجل, عن سعيد بن جُبـير, فـي قوله: عَذَابُ يَوْمٍ عَقِـيـمٍ قال: يوم بدر.
19182ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة, قوله: عَذَابُ يَوْمٍ عَقِـيـمٍ قال: هو يوم بدر. ذكره عن أبـيّ بن كعب.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرّزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, فـي قوله: عَذَابُ يَوْمٍ عَقِـيـمٍ قال: هو يوم بدر. عن أبـيّ بن كعب.
وهذا القول الثانـي أولـى بتأويـل الاَية لأنه لا وجه لأن يقال: لا يزالون فـي مرية منه حتـى تأتـيهم الساعة بغتة, أو تأتـيهم الساعة وذلك أن الساعة هي يوم القـيامة, فإن كان الـيوم العقـيـم أيضا هو يوم القـيامة فإنـما معناه ما قلنا من تكرير ذكر الساعة مرّتـين بـاختلاف الألفـاظ, وذلك ما لا معنى له. فإذ كان ذلك كذلك, فأولـى التأويـلـين به أصحهما معنى وأشبههما بـالـمعروف فـي الـخطاب, وهو ما ذكرناه فـي معناه.
فتأويـل الكلام إذن: ولا يزال الذين كفروا فـي مرية منه, حتـى تأتـيهم الساعة بغتة فـيصيروا إلـى العذاب الدائم, أو يأتـيهم عذاب يوم عقـيـم له فلا ينظروا فـيه إلـى اللـيـل ولا يؤخروا فـيه إلـى الـمساء, لكنهم يقتلون قبل الـمساء
339
337
الآية : 47
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ وَإِنّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمّا تَعُدّونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ويستعجلونك يا مـحمد مشركو قومك بـما تَعِدهم من عذاب الله علـى شركهم به وتكذيبهم إياك فـيـما أتـيتهم به من عند الله فـي الدنـيا, ولن يخـلف الله وعده الذي وعدك فـيهم من إحلال عذابه ونقمته بهم فـي عاجل الدنـيا. ففعل ذلك, ووفـى لهم بـما وعدهم, فقتلهم يوم بدر.
واختلف أهل التأويـل فـي الـيوم الذي قال جلّ ثناؤه: وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ كألْفِ سَنَةٍ مِـمّا تَعُدّونَ أيّ يوم هو؟ فقال بعضهم: هو من الأيام التـي خـلق الله فـيها السموات والأرض. ذكر من قال ذلك:
19148ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا إسرائيـل, عن سِماك, عن عكرِمة, عن ابن عبـاس: وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ كألْفِ سَنَةٍ مِـمّا تَعُدّونَ قال: من الأيام التـي خـلق الله فـيها السموات والأرض.
19149ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, فـي قوله: وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ... الاَية, قال: هي مثل قوله فـي «الـم تَنْزِيـلُ» سواء, هو هو الاَية.
وقال آخرون: بل هو من أيام الاَخرة. ذكر من قال ذلك:
19150ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن سماك, عن عكرِمة, عن ابن عبـاس, قال: مقدار الـحساب يوم القـيامة ألف سنة.
19151ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَـية, قال: حدثنا سعيد الـجريريّ, عن أبـي نَضْرة عن سمير بن نهار, قال: قال أبو هريرة: يدخـل فقراء الـمسلـمين الـجنة قبل الأغنـياء بـمقدار نصف يوم. قلت: وما نصف يوم؟ قال: أو ما تقرأ القرآن؟ قلت: بلـى. قال: وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ كألْفِ سَنَةٍ مِـمّا تَعُدّونَ.
19152ـ حدثنا ابن بشار, قال: ثنـي عبد الرحمن, قال: حدثنا أبو عوانة, عن أبـي بشر, عن مـجاهد: وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ كألْفِ سَنَة قال: من أيام الاَخرة.
19153ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن سماك, عن عكرمة, أنه قال فـي هذه الاَية: وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ كألْفِ سَنَةٍ مِـمّا تَعُدّونَ قال: هذه أيام الاَخرة. وفـي قوله: ثُمّ يَعْرُجُ إلَـيْهِ فِـي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَة مِـمّا تَعُدّونَ قال: يوم القـيامة وقرأ: إنّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدا وَنَرَاهُ قَرِيبـا.
وقد اختلف فـي وجه صرف الكلام من الـخبر عن استعجال الذين استعجلوا العذاب إلـى الـخبر عن طول الـيوم عند الله, فقال بعضهم: إن القوم استعجلوا العذاب فـي الدنـيا, فأنزل الله: وَلَنْ يُخْـلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ فـي أن ينزل ما وعدهم من العذاب فـي الدنـيا, وإن يوما عند ربك من عذابهم فـي الدنـيا والاَخرة كألف سنة مـما تعدّون فـي الدنـيا.
وقال آخرون: قـيـل ذلك كذلك إعلاما من الله مستعجلـيه العذاب أنه لا يعجل, ولكنه يُـمْهل إلـى أجل أجّله, وأن البطيء عندهم قريب عنده, فقال لهم: مقدار الـيوم عندي ألف سنة مـما تعدّونه أنتـم أيها القوم من أيامكم, وهو عندكم بطيء وهو عندي قريب.
وقال آخرون: معنى ذلك: وإن يوما من الثقل وما يخاف كألف سنة.
والقول الثانـي عندي أشبه بـالـحقّ فـي ذلك وذلك أن الله تعالـى ذكره أخبر عن استعجال الـمشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم بـالعذاب, ثم أخبر عن مبلغ قدر الـيوم عنده, ثم أتبع ذلك قوله: وكأيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أمْلَـيْتُ لَهَا وَهِيَ ظالِـمَةٌ فأخبر عن إملائه أهل القرية الظالـمة وتركه معاجلتهم بـالعذاب, فبـين بذلك أنه عنى بقوله: وَإنّ يَوْما عِنْدَ رَبّكَ كألْفِ سَنَةٍ مِـمّا تَعُدّونَ نفـي العجلة عن نفسه ووصفها بـالأناة والانتظار. وإذ كان ذلك كذلك, كان تأويـل الكلام: وإن يوما من الاَيام التـي عند الله يوم القـيامة, يوم واحد كألف سنة من عددكم, ولـيس ذلك عنده ببعيد وهو عندكم بعيد فلذلك لا يعجل بعقوبة من أراد عقوبته حتـى يبلغ غاية مدّته.
الآية : 48
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيّ الْمَصِيرُ }.
يقول تعالـى ذكره: وكأيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أمْلَـيْتُ لَهَا يقول: أمهلتهم وأخّرت عذابهم, وهم بـالله مشركون ولأمره مخالفون وذلك كان ظلـمهم الذي وصفهم الله به جلّ ثناؤه فلـم أعجَلْ بعذابهم. ثُمّ أخَذْتُها يقول: ثم أخذتها بـالعذاب, فعذّبتها فـي الدنـيا بإحلال عقوبتنا بهم. وإلـيّ الـمَصِيرُ يقول: وإلـيّ مصيرهم أيضا بعد هلاكهم, فـيـلقون من العذاب حينئذ ما لا انقطاع له يقول تعالـى ذكره: فكذلك حال مستعجلـيك بـالعذاب من مشركي قومك, وإن أملـيت لهم إلـى آجالهم التـي أجلتها لهم, فإنـي آخِذُهم بـالعذاب فقاتِلُهم بـالسيف ثم إلـيّ مصيرهم بعد ذلك فموجعهم إذن عقوبة علـى ما قدّموا من آثامهم.
الآية : 49 -51
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قُلْ يَأَيّهَا النّاسُ إِنّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مّبِينٌ * فَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لَهُمْ مّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * وَالّذِينَ سَعَوْاْ فِيَ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد لـمشركي قومك الذين يجادلونك فـي الله بغير علـم, اتبـاعا منهم لكل شيطان مريد: يا أيها النّاسُ إنّـمَا أنا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِـينٌ أنذركم عقاب الله أن ينزل بكم فـي الدنـيا وعذابه فـي الاَخرة أن تَصْلَوْه مُبِـينٌ يقول: أبـين لكم إنذاري ذلك وأظهره لتنـيبوا من شرككم وتـحذروا ما أنذركم من ذلك لا أملك لكم غير ذلك, فأما تعجيـل العقاب وتأخيره الذي تستعجلوننـي به فإلـى الله, لـيس ذلك إلـيّ ولا أقدر علـيه. ثم وصف نذارته وبشارته, ولـم يجر للبشارة ذكر, ولـما ذُكِرت النذارة علـى عمل عُلـم أن البشارة علـى خلافه, فقال: والّذِينَ آمَنُوا بـالله ورسوله وعَمِلُوا الصّالِـحَاتِ منكم أيها الناس ومن غيركم, لَهُمْ مَغْفِرَةٌ يقول: لهم من الله ستر ذنوبهم التـي سلفت منهم فـي الدنـيا علـيهم فـي الاَخرة. وَرِزْقٌ كَرِيـمٌ يقول: ورزق حسن فـي الـجنة كما:
19154ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جُرَيج, قوله: فـالّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيـمٌ قال: الـجنة.
وقوله: وَالّذِينَ سَعَوْا فِـي آياتِنا مُعاجِزِينَ يقول: والذين عملوا فـي حججنا فصدّوا عن اتبـاع رسولنا والإقرار بكتابنا الذي أنزلناه. وقال فـي آياتَنِا فأدخـلت فـيه «فـي» كما يقال: سعى فلان فـي أمر فلان.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: مُعاجِزِينَ فقال بعضهم: معناه: مُشَاقّـين. ذكر من قال ذلك:
19155ـ حدثنا أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا حجاج, عن عثمان بن عطاء, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, أنه قرأها: مُعاجِزِينَ فـي كلّ القرآن, يعنـي بألف, وقال: مشاقّـين.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهم ظنوا أنهم يعجزون الله فلا يقدر علـيهم. ذكر من قال ذلك:
19156ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: فـي آياتِنا مُعاجِزينَ قال: كذّبوا بآيات الله فظنوا أنهم يُعْجزون الله, ولن يعجزوه.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, مثله.
وهذان الوجهان من التأويـل فـي ذلك علـى قراءة من قرأه: فِـي آياتِنا مُعاجِزِينَ بـالألف, وهي قراءة عامة قرّاء الـمدينة والكوفة. وأما بعض قرّاء أهل مكة والبصرة فإنه قرأه: «مُعَجّزِينَ» بتشديد الـجيـم, بغير ألف, بـمعنى أنهم عجّزوا الناس وثَبّطوهم عن اتبـاع رسول الله صلى الله عليه وسلم والإيـمان بـالقرآن. ذكر من قال ذلك كذلك من قراءته:
19157ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: مُعَجّزِينَ قال: مُبَطّئين, يبطَئون الناس عن اتبـاع النبـيّ صلى الله عليه وسلم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جَرَيج, عن مـجاهد, مثله.
والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان, قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء, متقاربتا الـمعنى وذلك أن من عجز عن آيات الله فقد عاجز الله, ومن معاجزة الله التعجيز عن آيات الله والعمل بـمعاصيه وخلاف أمره. وكان من صفة القوم الذين أنزل الله هذه الاَيات فـيهم أنهم كانوا يبطئون الناس عن الإيـمان بـالله واتبـاع رسوله ويغالبون رسول الله صلى الله عليه وسلم, يحسبون أنهم يُعْجزونه ويغلبونه, وقد ضمن الله له نصره علـيهم, فكان ذلك معاجزتهم الله. فإذ كان ذلك كذلك, فبأيّ القراءتـين قرأ القارىء فمصيب الصواب فـي ذلك.
وأما الـمعاجزة فإنها الـمفـاعلة من العجز, ومعناه: مغالبة اثنـين أحدهما صاحبه أيهما يعجزه فـيغلبه الاَخر ويقهره.
وأما التعجيز: فإنه التضعيف وهو التفعيـل من العجز. وقوله: أُولَئِكَ أصْحابُ الـجَحِيـمِ يقول: هؤلاء الذين هذه صفتهم هم سكان جهنـم يوم القـيامة وأهلها الذين هم أهلها.
الآية : 52
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُولٍ وَلاَ نَبِيّ إِلاّ إِذَا تَمَنّىَ أَلْقَى الشّيْطَانُ فِيَ أُمْنِيّتِهِ فَيَنسَخُ اللّهُ مَا يُلْقِي الشّيْطَانُ ثُمّ يُحْكِمُ اللّهُ آيَاتِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }.
قـيـل: إن السبب الذي من أجله أنزلت هذه الاَية علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, أن الشيطان كان ألقـى علـى لسانه فـي بعض ما يتلوه مـما أنزل الله علـيه من القرآن ما لـم ينزله الله علـيه, فـاشتدّ ذلك علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم واغتـمّ به, فسلاّه الله مـما به من ذلك بهذه الاَيات. ذكر من قال ذلك:
19158ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج, عن أبـي معشر, عن مـحمد بن كعب القُرَظيّ ومـحمد بن قـيس قالا: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي ناد من أندية قريش كثـير أهله, فتـمنى يومئذ أن لا يأتـيه من الله شيء فـينفروا عنه, فأنزل الله علـيه: والنّـجْمِ إذَا هَوَى ما ضَلّ صَاحِبُكُمْ وَما غَوَى فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم, حتـى إذا بلغ: أفَرأيْتُـمُ اللاّتَ والعُزّى وَمَناةَ الثالِثَةَ الأُخْرَى ألقـى علـيه الشيطان كلـمتـين: «تلك الغرانقة العُلَـى, وإن شفـاعتهنّ لتُرْجَى», فتكلـم بها. ثم مضى فقرأ السورة كلها. فسجد فـي آخر السورة, وسجد القوم جميعا معه, ورفع الولـيد بن الـمغيرة ترابـا إلـى جبهته فسجد علـيه, وكان شيخا كبـيرا لا يقدر علـى السجود. فرضُوا بـما تكلـم به وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيـي ويـميت وهو الذي يخـلق ويرزق, ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده, إذ جعلت لها نصيبـا, فنـحن معك قالا: فلـما أمسى أتاه جبرائيـل علـيهما السلام فعرض علـيه السورة فلـما بلغ الكلـمتـين اللتـين ألقـى الشيطان علـيه قال: ما جئتك بهاتـين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افْتَرَيْتُ عَلـى اللّهِ وقُلْتُ عَلـى اللّهِ ما لَـمْ يَقُلْ» فأوحى الله إلـيه: وَإنْ كادُوا لَـيَفْتِنُونَكَ عَنِ الّذِي أوْحَيْنا إلَـيْكَ, لِتَفْتَرِيَ عَلَـيْنا غَيْرَهُ... إلـى قوله: ثُمّ لا تَـجِدُ لَكَ عَلَـيْنا نَصِيرا. فما زال مغموما مهموما حتـى نزلت علـيه: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِـيَ إلاّ إذَا تَـمَنّى ألْقَـى الشّيْطانُ فِـي أُمْنِـيّتهِ فَـيَنْسَخُ اللّهُ ما يُـلْقِـي الشّيْطانُ ثُمّ يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ وَاللّهُ عَلـيـمٌ حَكِيـمٌ. قال: فسمع من كان من الـمهاجرين بأرض الـحبشة أن أهل مكة قد أسلـموا كلهم, فرجعوا إلـى عشائرهم وقالوا: هم أحبّ إلـينا فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما ألقـى الشيطان.
19159ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن يزيد بن زياد الـمدنـيّ, عن مـحمد بن كعب القُرظيّ قال: لـما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولّـيَ قومه عنه, وشقّ علـيه ما يرى من مبـاعدتهم ما جاءهم به من عند الله, تـمنى فـي نفسه أن يأتـيه من الله ما يقارب به بـينه وبـين قومه. وكان يسرّه, مع حبه وحرصه علـيهم, أن يـلـين له بعض ما غلُظَ علـيه من أمرهم, حين حدّث بذلك نفسه وتـمنى وأحبه, فأنزل الله: والنّـجْمِ إذَا هَوَى ما ضَلّ صَاحبُكُمْ وَما غَوَى فلـما انتهى إلـى قول الله: أفَرأيْتُـمُ اللاّتَ والعُزّى وَمَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرَى ألقـى الشيطان علـى لسانه, لـما كان يحدّث به نفسه ويتـمنى أن يأتـي به قومه: «تلك الغرانـيق العلَـى, وإن شفـاعتهن تُرْتَضى». فلـما سمعت قريش ذلك فرحوا وسرّهم, وأعجبهم ما ذكر به آلهتهم, فأصاخوا له, والـمؤمنون مصدّقون نبـيهم فـيـما جاءهم به عن ربهم, ولا يتهمونه علـى خط ولا وَهَم ولا زلل. فلـما انتهى إلـى السجدة منها وختـم السورة, سجد فـيها, فسجد الـمسلـمون بسجود نبـيهم, تصديقا لـما جاء به واتبـاعا لأمره, وسجد من فـي الـمسجد من الـمشركين من قريش وغيرهم لـما سمعوا من ذكر آلهتهم, فلـم يبق فـي الـمسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الولـيد بن الـمغيرة, فإنه كان شيخا كبـيرا فلـم يستطع, فأخذ بـيده حفنة من البطحاء فسجد علـيها. ثم تفرّق الناس من الـمسجد, وخرجت قريش وقد سرّهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم, يقولون: قد ذكر مـحمد آلهتنا بأحسن الذكر, وقد زعم فـيـما يتلو أنها الغرانـيق العُلَـي وأن شفـاعتهنّ ترتضى وبلغت السجدة من بأرض الـحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقـيـل: أسلـمت قريش. فنهضت منهم رجال, وتـخـلّف آخرون. وأتـى جبرائيـل النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: يا مـحمد ماذا صنعت؟ لقد تلوت علـى الناس ما لـم آتك به عن الله, وقلت ما لـم يُقَلْ لك فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك, وخاف من الله خوفـا كبـيرا, فأنزل الله تبـارك وتعالـى علـيه وكانَ بِهِ رَحِيـما يعزّيه ويخفّض علـيه الأمر ويخبره أنه لـم يكن قبله رسول ولا نبـيّ تـمنى كما تـمنى ولا أحبّ كما أحبّ إلا والشيطان قد ألقـى فـي أمنـيته كما ألقـى علـى لسانه صلى الله عليه وسلم, فنسخ الله ما ألقـى الشيطان وأحكم آياته, أي فأنت كبعض الأنبـياء والرسل فأنزل الله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ إلاّ إذَا تَـمَنّى ألْقَـى الشّيْطانُ فِـي أُمِنـيّتِهِ... الاَية. فأذهب الله عن نبـيه الـحزن, وأمنه من الذي كان يخاف, ونسخ ما ألقـى الشيطان علـى لسانه من ذكر آلهتهم أَنهّا الغرانـيق العُلَـى وأن شفـاعتهنّ ترتضى. يقول الله حين ذكر اللات والعُزّى ومناة الثالثة الأخرى, إلـى قوله: وكَمْ منْ مَلَكٍ فِـي السّمَوَاتِ لا تُغْنى شَفـاعَتُهُمْ شَيْئا إلاّ مِنْ بَعْدِ أنْ يَأْذَنَ اللّهِ لـمَنْ يَشاءُ وَيَرْضَى, أي فكيف تنفع شفـاعة آلهتكم عنده. فلـما جاءه من الله ما نسخ ما كان الشيطان ألقـى علـى لسان نبـيه, قالت قريش: ندم مـحمد علـى ما كان من منزلة آلهتكم عند الله, فغير ذلك وجاء بغيره وكان ذلك الـحرفـان اللذان ألقـى الشيطان علـى لسان رسوله قد وقعا فـي فم كل مشرك, فـازدادوا شرّا إلـى ما كانوا علـيه.
19160ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر, قال: سمعت داود, عن أبـي العالـية, قال: قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنـما جلساؤك عبد بنـي فلان ومولـى بنـي فلان, فلو ذكرت آلهتنا بشيء جالسناك, فإنه يأتـيك أشراف العرب فإذا رأوا جلساءك أشراف قومك كان أرغب لهم فـيك قال: فألقـى الشيطان فـي أمنـيته, فنزلت هذه الاَية: أفَرأيْتُـمُ اللاّتَ والعُزّى وَمَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرَى قال: فأجرى الشيطان علـى لسانه: «تلك الغرانـيق العُلَـى, وشفـاعتهن ترجى, مثلهن لا يُنسى». قال: فسجد النبـيّ صلى الله عليه وسلم حين قرأها, وسجد معه الـمسلـمون والـمشركون. فلـما علـم الذي أُجْرِي علـى لسانه, كبر ذلك علـيه, فأنزل الله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ إلاّ إذَا تَـمَنّى ألْقَـى الشّيْطانُ فِـي أُمْنِـيّتِهِ... إلـى قوله: وَاللّهُ عَلِـيـمٌ حَكِيـمٌ.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا أبو الولـيد, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن داود بن أبـي هند, عن أبـي العالـية قال: قالت قريش: يا مـحمد إنـما يجالسك الفقراء والـمساكين وضعفـاء الناس, فلو ذكرت آلهتنا بخير لـجالسناك فإن الناس يأتونك من الاَفـاق فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النـجم فلـما انتهى علـى هذه الاَية: أفَرأيْتُـمُ اللاّتَ والعُزّى وَمَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرَى فألقـى الشيطان علـى لسانه: «وهي الغرانقة العلـى, وشفـاعتهن ترتـجى». فلـما فرغ منها سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والـمسلـمون والـمشركون, إلا أبـا أُحَيحة سعيد بن العاص, أخذ كفّـا من تراب وسجد علـيه وقال: قد آن لابن أبـي كبشة أن يذكر آلهتنا بخير حتـى بلغ الذين بـالـحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الـمسلـمين أن قريشا قد أسلـمت, فـاشتدّ علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ألقـى الشيطان علـى لسانه, فأنزل الله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ... إلـى آخر الاَية.
19161ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جُبـير, قال: لـما نزلت هذه الاَية: أفَرأيْتُـمُ اللاّتَ والعُزّى قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: «تلك الغرانـيق العلـى, وإن شفـاعتهنّ لترتـجى». فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال الـمشركون: إنه لـم يذكر آلهتكم قبل الـيوم بخير فسجد الـمشركون معه, فأنزل الله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ إلاّ إذَا تَـمَنّى ألْقَـى الشّيْطانُ فِـي أُمْنِـيّتِهِ... إلـى قوله: عَذَابَ يَوْمٍ عَقِـيـم.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: ثنـي عبد الصمد, قال: حدثنا شعبة, قال: حدثنا أبو بشر, عن سعيد بن جُبـير قال: لـما نزلت: أفَرأيْتُـمُ اللاّتَ والعُزّى, ثم ذكر نـحوه.
19162ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ إلاّ إذَا تَـمَنّى ألْقَـى الشّيْطانُ فِـي أُمْنِـيّتِهِ إلـى قوله: وَاللّهُ عَلِـيـمٌ حَكِيـمٌ وذلك أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم بـينـما هو يصلـي, إذ نزلت علـيه قصة آلهة العرب, فجعل يتلوها فسمعه الـمشركون فقالوا: إنا نسمعه يذكر آلهتنا بخير فدنَوا منه, فبـينـما هو يتلوها وهو يقول: أفَرأيْتُـمُ اللاّتَ والعُزّى وَمَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرَى ألقـى الشيطان: «إن تلك الغرانـيق العلـى, منها الشفـاعة ترتـجى». فجعل يتلوها, فنزل جبرائيـل علـيه السلام فنسخها, ثم قال له: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ إلاّ إذَا تَـمَنّى ألْقَـى الشّيْطانُ فِـي أُمْنِـيّتِهِ... إلـى قوله: وَاللّهُ عَلِـيـمٌ حَكِيـمٌ.
19163ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيَ... الاَية أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم وهو بـمكة, أنزل الله علـيه فـي آلهة العرب, فجعل يتلو اللات والعزّى ويكثر ترديدها. فسمع أهل مكة نبـيّ الله يذكر آلهتهم, ففرحوا بذلك, ودنوا يستـمعون, فألقـى الشيطان فـي تلاوة النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «تلك الغرانـيق العلـى, منها الشفـاعة ترتـجى». فقرأها النبـيّ صلى الله عليه وسلم كذلك, فأنزل الله علـيه: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ... إلـى: وَاللّهُ عَلِـيـمٌ حَكِيـمٌ.
19164ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي يونس, عن ابن شهاب, أنه سئل عن قوله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِـيّ... الاَية, قال ابن شهاب: ثنـي أبو بكر بن عبد الرحمن بن الـحارث. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بـمكة قرأ علـيهم: والنّـجْمِ إذَا هَوَى, فلـما بلغ: أفَرأيْتُـمُ اللاّتَ والعُزّى وَمَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرَى قال: «إن شفـاعتهن ترتـجَى». وسها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلقـيه الـمشركون الذين فـي قلوبهم مرض, فسلـموا علـيه, وفرحوا بذلك, فقال لهم: «إنّـمَا ذلكَ مِنَ الشّيْطانِ». فأنزل الله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ... حتـى بلغ: فَـيَنْسَخُ اللّهُ ما يُـلْقِـي الشّيْطانُ.
فتأويـل الكلام: ولـم يرسل يا مـحمد مَنْ قَبْلك من رسول إلـى أمة من الأمـم ولا نبـيّ مـحدّث لـيس بـمرسل, إلا إذا تـمنى.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله «تـمنى» فـي هذا الـموضع, وقد ذكرت قول جماعة مـمن قال: ذلك التـمنـي من النبـيّ صلى الله عليه وسلم ما حدثته نفسه من مـحبته مقاربة قومه فـي ذكر آلهتهم ببعض ما يحبون, ومن قال ذلك مـحبة منه فـي بعض الأحوال أن لا تذكر بسوء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا قرأ وتلا أو حدّث. ذكر من قال ذلك:
19165ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: إذَا تَـمنّى ألْقَـى الشّيْطانُ فِـي أُمْنِـيّتِهِ يقول: إذا حدّث ألقـى الشيطان فـي حديثه.
19166ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: إذَا تَـمَنّى قال: إذا قال.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
19167ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: إلاّ إذَا تَـمَنّى يعنـي بـالتـمنـي: التلاوة والقراءة.
وهذا القول أشبه بتأويـل الكلام, بدلالة قوله: فَـيَنْسَخُ اللّهُ ما يُـلْقـي الشّيْطانُ ثُمّ يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ علـى ذلك لأن الاَيات التـي أخبر الله جلّ ثناؤه أنه يحكمها, لا شك أنها آيات تنزيـله, فمعلوم أن الذي ألقـي فـيه الشيطان هو ما أخبر الله تعالـى ذكره أنه نسخ ذلك منه وأبطله ثم أحكمه بنسخه ذلك منه.
فتأويـل الكلام إذن: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبـيّ إلا إذا تلا كتاب الله, وقرأ, أو حدّث وتكلـم, وألقـى الشيطان فـي كتاب الله الذي تلاه وقرأه أو فـي حديثه الذي حدث وتكلـم. فَـيَنْسَخُ اللّهُ ما يُـلْقِـي الشّيْطانُ يقول: تعالـى فـيذهب الله ما يـلقـي الشيطان من ذلك علـى لسان نبـيه ويبطله. كما:
19168ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: فَـيَنْسَخُ اللّهُ ما يُـلْقِـي الشّيْطانُ فـيبطل الله ما ألقـى الشيطان.
19169ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: فَـيَنْسَخُ اللّهُ ما يُـلْقِـي الشّيْطانُ نسخ جبريـل بأمر الله ما ألقـى الشيطان علـى لسان النبـيّ صلى الله عليه وسلم, وأحكم الله آياته.
وقوله: ثُمّ يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ يقول: ثم يخـلص الله آيات كتابه من البـاطل الذي ألقـى الشيطان علـى لسان نبـيه. وَاللّهُ عَلِـيـمٌ بـما يحدث فـي خـلقه من حدث, لا يخفـى علـيه منه شيء. حَكِيـمٌ فـي تدبـيره إياهم وصرفه لهم فـيـما شاء وأحَبّ.
الآية : 53
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشّيْطَانُ فِتْنَةً لّلّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنّ الظّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }.
يقول تعالـى ذكره: فـينسخ الله ما يـلقـي الشيطان, ثُم يُحكم الله آياته, كي يجعل ما يـلقـي الشيطان فـي أمنـية نبـيه من البـاطل, كقول النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «تلك الغرانـيق العُلَـى, وإن شفـاعتهن لُترَتَـجَى». فِتْنَةً يقول: اختبـارا يختبر به الذين فـي قلوبهم مرض من النفـاق وذلك الشكّ فـي صد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقـيقة ما يخبرهم به.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19170ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم كان يتـمنى أن لا يعيب الله آلهة الـمشركين, فألقـى الشيطان فـي أمنـيته, فقال: «إن الاَلهة التـي تدعي أن شفـاعتها لترتـجى وإنها لَلْغرانـيق العُلَـى». فنسخ الله ذلك, وأحكم الله آياته: أفرأيتـمُ اللاّتَ والعُزّى حتـى بلغ: مِنْ سُلْطانٍ قال قتادة: لـما ألقـى الشيطان ما ألقـى, قال الـمشركون: قد ذكر الله آلهتهم بخير ففرحوا بذلك, فذكر قوله: لِـيَجْعَل ما يُـلْقِـي الشّيْطانُ فِتْنَةً للّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرّزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, بنـحوه.
19171ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, فـي قوله: لِـيَجْعَل ما يُـلْقِـي الشّيْطانُ فِتْنَةً للّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يقول: وللذين قست قلوبهم عن الإيـمان بـالله, فلا تلـين ولا ترعوي, وهم الـمشركون بـالله.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19172ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج: والقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ قال: الـمشركون.
وقوله: وَإنّ الظّالِـمِينَ لَفِـي شِقاقٍ بَعِيدٍ يقول تعالـى ذكره: وإن مشركي قومك يا مـحمد لفـي خلاف الله فـي أمره, بعيد من الـحقّ.
الآية : 54
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَلِيَعْلَمَ الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ أَنّهُ الْحَقّ مِن رّبّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنّ اللّهَ لَهَادِ الّذِينَ آمَنُوَاْ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وكي يعلـم أهل العلـم بـالله أن الذي أنزله الله من آياته التـي أحكمها لرسوله ونسخ ما ألقـي الشيطان فـيه, أنه الـحقّ من عند ربك يا مـحمد فُـيؤْمِنُوا بِهِ يقول: فـيصدّقوا به. فتُـخْبِتَ له قُلُوبُهُمْ يقول: فتـخضع للقرآن قلوبهم, وتذعن بـالتصديق به والإقرار بـما فـيه. وَإنّ اللّهَ لَهَادِ الّذِينَ آمَنُوا إلـى صِرَاطٍ مُسْتَقِـيـمٍ وإن الله لـمرشد الذين آمنوا بـالله ورسوله إلـى الـحقّ القاصد والـحقّ الواضح, بنسخ ما ألقـي الشيطان فـي أمنـية رسوله, فلا يضرّهم كيد الشيطان وإلقاؤه البـاطل علـى لسان نبـيهم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19173ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج: وَلِـيَعْلَـمَ الّذِينَ أُوتُوا العِلْـمَ أنّهُ الـحَقّ مِنْ رَبّكَ قال: يعنـي القرآن.
الآية : 55
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَلاَ يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مّنْهُ حَتّىَ تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ }.
يقول تعالـى ذكره: ولا يزال الذين كفرا بـالله فـي شكّ.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الهاء التـي فـي قوله: «منه» من ذكر ما هي؟ فقال بعضهم: هي من ذكر قول النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «تلك الغرانـيق العُلَـى, وإن شفـاعتهن لترتـجى». ذكر من قال ذلك:
19174ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مـحمد, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جُبـير: وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا فِـي مِرْيَةٍ مِنْهُ من قوله: «تلك الغرانـيق العلـى, وإن شفـاعتهن ترتـجى».
19175ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا فِـي مِرْيَةٍ مِنْهُ قال: مـما جاء به إبلـيس لا يخرج من قلوبهم زادهم ضلالة.
وقال آخرون: بل هي من ذكر سجود النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي النـجم. ذكر من قال ذلك:
19176ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الصمد, قال: حدثنا شعبة, قال: حدثنا أبو بشر, عن سعيد بن جُبـير: وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا فِـي مِرْيَةٍ مِنْهُ قال: فـي مِرْية من سجودك.
وقال آخرون: بل هي من ذكر القرآن. ذكر من قال ذلك:
19177ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج: وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا فِـي مِرْيَةٍ مِنْهُ قال: من القرآن.
وأولـى هذه الأقوال فـي ذلك بـالصواب, قول من قال: هي كناية من ذكر القرآن الذي أحكم الله آياته وذلك أن ذلك من ذكر قوله: وَلِـيَعْلَـمَ الّذِينَ أُوتُوا العِلْـمَ أنّهُ الْـحَقّ مِنْ رَبّكَ أقرب منه من ذكر قوله: فَـيَنُسَخُ اللّهُ ما يُـلْقـي الشّيْطانُ والهاء من قوله «أنه» من ذكر القرآن, فإلـحاق الهاء فـي قوله: فِـي مِرْيَةٍ مِنْهُ بـالهاء من قوله: أنّهُ الـحَقّ مِنْ رَبّكَ أولـى من إلـحاقها ب «ما» التـي فـي قوله: ما يُـلْقِـي الشّيْطانُ مع بُعد ما بـينهما.
وقوله: حتـى تَأْتـيَهُمُ السّاعَةُ يقول: لا يزال هؤلاء الكفـار فـي شك من أمر هذا القرآن إلـى أن تأتـيهم الساعة بَغْتَةً وهي ساعة حشر الناس لـموقـف الـحساب بغتة, يقول: فجأة. أوْ يَأْتـيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِـيـمٍ.
واختلف أهل التأويد فـي هذا الـيوم أيّ يوم هو؟ فقال بعضهم: هو يوم القـيامة. ذكر من قال ذلك:
19178ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: حدثنا شيخ من أهل خراسان من الأزد يكنـي أبـا ساسان, قال: سألت الضحاك, عن قوله: عَذَابُ يَوْمٍ عَقِـيـمٍ قال: عذاب يوم لا لـيـلة بعده.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبوُ تـمَيـلة, عن أبـي حمزة, عن جابر, عن عكرِمة. أن يوم القـيامة لا لـيـلة له.
وقال آخرون: بل عنـي به يوم بدر. وقالوا: إنـما قـيـل له يوم عقـيـم, أنهم لـم ينظروا إلـى اللـيـل, فكان لهم عقـيـما. ذكر من قال ذلك:
19179ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن لـيث, عن مـجاهد, قال: عَذَابُ يَوْمٍ عَقِـيـمٍ يوم بدر.
19180ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: أوْ يَأْتـيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِـيـمٍ قال ابن جُرَيج: يوم لـيس فـيه لـيـلة, لـم يناظروا إلـى اللـيـل. قال مـجاهد: عذاب يوم عظيـم.
قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو تُـمَيـلة, عن أبـي حمزة, عن جابر, قال: قال مـجاهد: يوم بدر.
19181ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا أبو إدريس, قال: أخبرنا الأعمش, عن رجل, عن سعيد بن جُبـير, فـي قوله: عَذَابُ يَوْمٍ عَقِـيـمٍ قال: يوم بدر.
19182ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة, قوله: عَذَابُ يَوْمٍ عَقِـيـمٍ قال: هو يوم بدر. ذكره عن أبـيّ بن كعب.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرّزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, فـي قوله: عَذَابُ يَوْمٍ عَقِـيـمٍ قال: هو يوم بدر. عن أبـيّ بن كعب.
وهذا القول الثانـي أولـى بتأويـل الاَية لأنه لا وجه لأن يقال: لا يزالون فـي مرية منه حتـى تأتـيهم الساعة بغتة, أو تأتـيهم الساعة وذلك أن الساعة هي يوم القـيامة, فإن كان الـيوم العقـيـم أيضا هو يوم القـيامة فإنـما معناه ما قلنا من تكرير ذكر الساعة مرّتـين بـاختلاف الألفـاظ, وذلك ما لا معنى له. فإذ كان ذلك كذلك, فأولـى التأويـلـين به أصحهما معنى وأشبههما بـالـمعروف فـي الـخطاب, وهو ما ذكرناه فـي معناه.
فتأويـل الكلام إذن: ولا يزال الذين كفروا فـي مرية منه, حتـى تأتـيهم الساعة بغتة فـيصيروا إلـى العذاب الدائم, أو يأتـيهم عذاب يوم عقـيـم له فلا ينظروا فـيه إلـى اللـيـل ولا يؤخروا فـيه إلـى الـمساء, لكنهم يقتلون قبل الـمساء
الصفحة رقم 338 من المصحف تحميل و استماع mp3