تفسير الطبري تفسير الصفحة 348 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 348
349
347
 الآية : 90 - 92
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقّ وَإِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ * مَا اتّخَذَ اللّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لّذَهَبَ كُلّ إِلَـَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ سُبْحَانَ اللّهِ عَمّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ فَتَعَالَىَ عَمّا يُشْرِكُونَ }.
يقول: ما الأمر كما يزعم هؤلاء الـمشركون بـالله من أن الـملائكة بناتُ الله وأن الاَلهة والأصنام آلهة دون الله. بَلْ أتَـيْناهُمْ بـالْـحَقّ الـيقـين, وهو الدين الذي ابتعث الله به نبـيه صلى الله عليه وسلم, وذلك الإسلام, ولا يُعْبَد شيء سوى الله لأنه لا إله غيره. وإنّهُمْ لَكاذِبُونَ يقول: وإن الـمشركين لكاذبون فـيـما يضيفون إلـى الله ويَنْـحَلُونه من الولد والشريك.
وقوله: ما اتّـخَذَ اللّهُ منْ وَلَدٍ يقول تعالـى ذكره: ما لله من ولد, ولا كان معه فـي القديـم ولا حين ابتدع الأشياء مَنْ تصلـح عبـادته, ولو كان معه فـي القديـم أو عند خـلقه الأشياء مَنْ تصلـح عبـادته مِنْ إلهٍ إذا لَذَهَب يقول: إذن لاعتزل كلّ إله منهم بِـما خَـلَقَ من شيء, فـانفرد به, ولتغالبوا, فلَعَلا بعضهم علـى بعض, وغلب القويّ منهم الضعيف لأن القويّ لا يرضى أن يعلُوَه ضعيف, والضعيف لا يصلـح أن يكون إلها. فسبحان الله ما أبلغها من حجة وأوجزها لـمن عقل وتدبر وقوله: إذا لَذَهَبَ جواب لـمـحذوف, وهو: لو كان معه إله إذن لذهب كل إله بـما خـلق اجتزىء بدلالة ما ذكر علـيه عنه, وقوله: سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يَصِفُونَ يقول تعالـى ذكره: تنزيها لله عما يصفه به هؤلاء الـمشركون من أن له ولدا, وعما قالوه من أن له شريكا, أو أن معه فـي القدم إلها يُعبد, تبـارك وتعالـى.
وقوله: عالِـمُ الغَيْبِ والشّهادَةِ يقول تعالـى ذكره: هو عالـم ما غاب عن خـلقه من الأشياء, فلـم يَرَوْه ولـم يشاهدوه, وما رأوه وشاهدوه. إنـما هذا من الله خبر عن هؤلاء الذين قالوا من الـمشركين: اتـخذ الله ولدا وعبدوا من دونه آلهة, أنهم فـيـما يقولون ويفعلون مُبْطِلون مخطئون, فإنهم يقولون ما يقولون من قول فـي ذلك عن غير علـم, بل عن جهل منهم به وإن العالـم بقديـم الأمور وبحديثها وشاهدها وغائبها عنهم, الله الذي لا يخفـى علـيه شيء, فخبره هو الـحق دون خبرهم. وقال: عالـمُ الغَيْب فرفع علـى الابتداء, بـمعنى: هو عالـم الغيب, ولذلك دخـلت الفـاء فـي قوله: فَتَعالَـى كما يقال: مررت بأخيك الـمـحسنُ فأحسنت إلـيه, فترفع الـمـحسن إذا جعلت فأحسنت إلـيه بـالفـاء, لأن معنى الكلام إذا كان كذلك: مررت بأخيك هو الـمـحسن, فأحسنت إلـيه. ولو جعل الكلام بـالواو فقـيـل: وأحسنت إلـيه, لـم يكن وجه الكلام فـي «الـمـحسن» إلاّ الـخفض علـى النعت للأخ, ولذلك لو جاء «فتعالـى» بـالواو كان وجه الكلام فـي عالـم الغيب الـخفض علـى الاتبـاع لإعراب اسم الله, وكان يكون معنى الكلام: سبحان الله عالـم الغيب والشهادة وتعالـى فـيكون قوله: «وتعالـى» حينئذٍ معطوفـا علـى «سبحان الله». وقد يجوز الـخفض مع الفـاء, لأن العرب قد تبدأ الكلام بـالفـاء, كابتدائها بـالواو. وبـالـخفض كان يقرأ: عَالِـمِ الغَيْب فـي هذا الـموضع أبو عمرو, وعلـى خلافه فـي ذلك قَرَأَة الأمصار.
والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا: الرفع, لـمعنـيـين: أحدهما: إجماع الـحجة من القرّاء علـيه, والثانـي: صحته فـي العربـية.
وقوله: فَتَعالـى عَمّا يُشْرِكُونَ يقول تعالـى ذكره: فـارتفع الله وعلا عن شرك هؤلاء الـمشركين, ووصفهم إياه بـما يصفون.
الآية : 93 - 95
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قُل رّبّ إِمّا تُرِيَنّي مَا يُوعَدُونَ * رَبّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظّالِمِينَ * وَإِنّا عَلَىَ أَن نّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد: ربّ إنْ تُرِيَنّى فـي هؤلاء الـمشركين ما تعدهم من عذابك فلا تهلكنـي بـما تهلكهم به. ونـجنـي من عذابك وسخطك فلا تـجعلنـي فـي القوم الـمشركين ولكن اجعلنـي مـمن رضيت عنه من أولـيائك. وقوله: فَلا تَـجْعَلْنـي جواب لقوله: إما تُرِيَنّى اعترض بـينهما بـالنداء, ولو لـم يكن قبله جزاء لـم يجز ذلك فـي الكلام, لا يقال: يا زيد فقم, ولا يا ربّ فـاغفر, لأن النداء مستأنف, وكذلك الأمر بعده مستأنف, لا تدخـله الفـاء والواو, إلاّ أن يكون جوابـا لكلام قبله.
وقوله: وَإنّا عَلـى أنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرونَ يقول تعالـى ذكره: وإنا يا مـحمد علـى أن نريك فـي هؤلاء الـمشركين ما نعدهم من تعجيـل العذاب لهم, لقادرون, فلا يَحْزُنَنّك تكذيبهم إياك بـما نعدهم به, وإنـما نؤخر ذلك لـيبلغ الكتاب أجله.

الآية : 96 - 98
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ السّيّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رّبّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشّياطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَن يَحْضُرُونِ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه: ادفع يا مـحمد بـالـخَـلّة التـي هي أحسن, وذلك الإغضاء والصفح عن جهلة الـمشركين والصبر علـى أذاهم, وذلك أمره إياه قبل أمره بحربهم. وعنى بـالسيئة: أذى الـمشركين إياه وتكذيبهم له فـيـما أتاهم به من عند الله, يقول له تعالـى ذكره: اصبر علـى ما تلقـى منهم فـي ذات الله.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19409ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قوله: ادْفَعْ بـالّتِـي هِيَ أحْسَنُ السّيّئَةَ قال: أعرض عن أذاهم إياك.
19410ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن عبد الكريـم الـجَزَريّ, عن مـجاهد: ادْفَعْ بـالّتِـي هَيَ أحْسَنُ السّيّئَةَ قال: هو السلام, تُسَلّـم علـيه إذا لقـيته.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن معمر, عن عبد الكريـم, عن مـجاهد, مثله.
19411ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا هَوْذَة, قال: حدثنا عوف, عن الـحسن, فـي قوله: ادْفَعْ بـالّتِـي هِيَ أحْسَنُ السّيّئَةَ قال: والله لا يصيبها صاحبها حتـى يكظم غيظا ويصفَح عما يكره.
وقوله: نَـحْنُ أعْلَـمُ بِـمَا يَصِفُونَ يقول تعالـى ذكره: نـحن أعلـم بـما يصفون الله به, وينـحَلُونه من الأكاذيب والفِرية علـيه, وبـما يقولون فـيك من السوء, ونـحن مـجازوهم علـى جميع ذلك, فلا يحزُنْك ما تسمع منهم من قبـيح القول.
وقوله: وَقُلْ رَبّ أعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشّياطِينِ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وقل يا مـحمد ربّ أستـجير بك من خَنْق الشياطين وهمزاتها, والهَمْز: هو الغَمْز, ومن ذلك قـيـل للهمز فـي الكلام: هَمْزة, والهَمَزَات جمع همزة.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19412ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنـي ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَقُلْ رَبّ أعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشّياطِينِ قال: همزات الشياطين: خَنْقهم الناس, فذلك هَمَزاتهم.
وقوله: وأعُوذُ بِكَ رَبّ أنْ يَحْضُرُونِ يقول: وقل أستـجير بك ربّ أن يحضرون فـي أموري. كالذي:
19413ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وأعُوذُ بِكَ رَبّ أنْ يَحْضَرُونِ فـي شيء من أمرى.

الآية : 99 - 100
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { حَتّىَ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبّ ارْجِعُونِ * لَعَلّيَ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاّ إِنّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: حتـى إذا جاء أحدَ هؤلاء الـمشركين الـموتُ, وعاين نزول أمر الله به, قال لعظيـم ما يعاين مـما يَقْدَم علـيه من عذاب الله تندّما علـى ما فـات وتلهّفـا علـى ما فرّط فـيه قبل ذلك من طاعة الله ومسئلته للإقالة: رَبّ ارْجِعُونِ إلـى الدنـيا فردّونـي إلـيها, لَعَلّـي أعْمَلُ صَالِـحا يقول: كي أعمل صالـحا فـيـما تركت قبل الـيوم من العمل فضيعته وفرّطت فـيه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19414ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي معشر, قال: كان مـحمد بن كعب القُرَظيّ يقرأ علـينا: حتـى إذَا جاءَ أحَدَهُمْ الـمَوْتُ قالَ رَبّ ارْجِعُون قال مـحمد: إلـى أيّ شيء يريد؟ إلـى أيّ شيء يرغب؟ أجمع الـمال, أو غَرْس الغِراس, أو بَنْـي بُنـيان, أو شقّ أنهار؟ ثم يقول: لَعَلّـي أعْمَلُ صَالِـحا فِـيـما تَرَكْتُ يقول الـجبـار: كلاّ.
19415ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: رَبّ ارْجِعُونِ قال: هذه فـي الـحياة الدنـيا, ألا تراه يقول: حتـى إذَا جاءَ أحَدَهُمُ الـمَوْتُ قال: حين تنقطع الدنـيا ويعاين الاَخرة, قبل أن يذوق الـموت.
19416ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم لعائشة: «إذَا عايَنَ الـمُؤْمِنُ الـمَلائِكَةَ قالُوا: نُرْجِعُكَ إلـى الدّنْـيا؟ فَـيَقَولُ: إلـى دار الهُمُومِ وَالأحْزَانِ؟ فَـيَقُولُ: بَل قَدّمانِـي إلـى اللّهِ. وأمَا الكافِرُ فَـيُقالُ: نُرْجِعُكَ؟ فـيَقُولُ: لَعَلّـي أعْمَلُ صَالِـحا فِما تَرَكْتُ»... الاَية.
19417ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: حتّـى إذَا جاءَ أحَدَهُمُ الـمَوْتُ قالَ ربّ ارْجِعُونِ: يعنـي أهل الشرك.
وقـيـل: «رب ارجعون», فـابتدأ الكلام بخطاب الله تعالـى, ثم قـيـل: «ارجعون», فصار إلـى خطاب الـجماعة, والله تعالـى ذكره واحد. وإنـما فعل ذلك كذلك, لأن مسألة القوم الردّ إلـى الدنـيا إنـما كانت منهم للـملائكة الذين يَقبِضون روحهم, كما ذكر ابن جُرَيج أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قاله. وإنـما ابتُدِىء الكلام بخطاب الله جلّ ثناؤه, لأنهم استغاثوا به, ثم رجعوا إلـى مسئلة الـملائكة الرجوع والردّ إلـى الدنـيا.
وكان بعض نـحويّـي الكوفة يقول: قـيـل ذلك كذلك, لأنه مـما جرى علـى وصف الله نفسه من قوله: وَقَدْ خَـلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ ولَـمْ تَكُ شَيْئا فـي غير مكان من القرآن, فجرى هذا علـى ذاك.
وقوله: كَلاّ يقول تعالـى ذكره: لـيس الأمر علـى ما قال هذا الـمشرك لن يُرْجع إلـى الدنـيا ولن يُعاد إلـيها. إنّهَا كَلِـمَةٌ هُوَ قائِلُها يقول: هذه الكلـمة, وهو قوله: رَبّ ارْجِعُونِ كلـمة هو قائلها يقول: هذا الـمشرك هو قائلها. كما:
19418ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: كَلاّ إنّهَا كَلِـمَةٌ هُوَ قائِلُها لا بد له أن يقولها.
وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ يقول: ومن أمامهم حاجز يحجُز بـينهم وبـين الرجوع, يعنـي إلـى يوم يبعثون من قبورهم, وذلك يوم القـيامة والبرزخ والـحاجز والـمُهْلة متقاربـات فـي الـمعنى.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19419ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إلـى يَوْمِ يُبْعَثُونَ يقول: أجل إلـى حين.
19420ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد, فـي قوله: وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ قال: ما بعد الـموت.
19421ـ حدثنـي أبو حميد الـحِمْصيّ أحمد بن الـمغيرة, قال: حدثنا أبو حَيْوة شريح بن يزيد, قال: حدثنا أرطاة, عن أبـي يوسف, قال: خرجت مع أبـي أمامة فـي جنازة, فلـما وُضِعت فـي لـحدها, قال أبو أمامة: هذا برزخ إلـى يوم يُبعثون.
19422ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا مطر, عن مـجاهد, قوله: وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إلـى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قال: ما بـين الـموت إلـى البعث.
حدثنـي مـحمدبن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: بَرْزَخٌ إلـى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قال: حِجاب بـين الـميت والرجوع إلـى الدنـيا.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد مثله.
19423ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قَتادة: وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إلـى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قال: برزخ بقـية الدنـيا.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, مثله.
19424ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إلـى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قال: البرزخ ما بـين الـموت إلـى البعث.
19425ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عُبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول: البرزخ: ما بـين الدنـيا والاَخرة.
الآية : 101
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ }.
اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنىّ بقوله: فإذَا نُفِخَ فـي الصّور من النفختـين أيُتهما عُنِـيَ بها؟ فقال بعضهم: عُنِـيَ بها النفخة الأولـى. ذكر من قال ذلك:
19426ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام بن سلـم, قال: حدثنا عمرو بن مطرف, عن الـمنهال بن عمرو, عن سعيد بن جُبـير, أن رجلاً أتـى ابن عبـاس فقال: سمعت الله يقول: فَلا أنْسابَ بَـيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ... الاَية, وقال فـي آية أخرى: وأقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلـى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ فذلك فـي النفحة الإولـى, فلا يبقـى علـى الأرض شىء, (فلا أنْساب بَـينَـمْ يَومَئذ ولا يَـيَساءلون1.فإنهم لـما دخـلوا الـجنة أقـيـل بعضهم علـى بعض يتساءلون:
وأما قوله: وأقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلـى بَعْضٍ يتساءلون
19427ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن السديّ, فـي قوله: فإذَا نُفِخَ فـي الصُورِ فَلا أَنْسابَ بَـيْنَهُمْ يَوْمَئذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ قال: فـي النفخة الأولـى.
19428ـ حدثنا علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: فَلا أنْسابَ بَـيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وعلا يَتَساءَلُونَ فذلك حين ينفخ فـي الصور, فلا حيّ يبقـى إلا الله. وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلـى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ فذلك إذا بُعثوا فـي النفخة الثانـية.
قال أبو جعفر: فمعنى ذلك علـى هذا التأويـل: فإذا نفخ فـي الصور, فصَعِق مَنْ فـي السموات ومَنْ فـي الأرض إلا مَنْ شاء الله, فلا أنساب بـينهم يومئذٍ يتواصلون بها, ولا يتساءلون, ولا يتزاورون, فـيتساءلون عن أحوالهم وأنسابهم.
وقال آخرون: بل عُنِـيَ بذلك النفخة الثانـية. ذكر من قال ذلك:
19429ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن هارون بن أبـي وكيع, قال: سمعت زاذان يقول: أتـيت ابن مسعود, وقد اجتـمع الناس إلـيه فـي داره, فلـم أقدر علـى مـجلس, فقلت: يا أبـا عبد الرحمن, من أجل أنـي رجل من العجم تَـحْقِرُنـي؟ قال: ادْنُ قال: فدنوت, فلـم يكن بـينـي وبـينه جلـيس, فقال: «يؤخذ بـيد العبد أو الأمة يوم القـيامة علـى رؤوس الأوّلـين والاَخرين, قال: وينادِي مناد: ألا إن هذا فلان ابن فلان, فمن كان له حقّ قبله فلـيأت إلـى حقه, قال: فتفرح الـمرأة يومئذٍ أن يكون لها حقّ علـى ابنها أو علـى أبـيها أو علـى أخيها أو علـى زوجها فَلا أنسْابَ بَـيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ.
19430ـ حدثنا القاسم, قال حدثنا الـحسين, قال: حدثنا عيسى بن يونس, عن هارون بن عنترة, عن زاذان, قال: سمعت ابن مسعود يقول: «يؤخذ العبد أو الأمة يوم القـيامة, فـينصب علـى رؤوس الأوّلـين والاَخرين, ثم ينادِي مناد, ثم ذكر نـحوه, وزاد فـيه: فـيقول الربّ تبـارك وتعالـى للعبد: أعطِ هؤلاء حقوقهم فـيقول: أي ربّ, فَنِـيتِ الدنـيا, فمن أين أعطيهم؟ فـيقول للـملائكة: خذوا من أعماله الصالـحة وأعطوا لكل إنسان بقدر طِلبته فإن كان له فضلُ مثقال حبة من خردل, ضاعفها الله له حتـى يدخـله بها الـجنة. ثم تلا ابن مسعود: إنّ اللّهَ لا يَظلِـمُ مِثْقالَ ذَرّةٍ وَإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أجْرا عَظِيـما وإن كان عبدا شقـيّا قالت الـملائكة: ربنا, فنـيت حسناتُه وبقـي طالبون كثـير, فـيقول: خذوا من أعمالهم السيئة فأضيفوها إلـى سيئاته, وصُكّوا له صَكّا إلـى النار».
19431ـ قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج: فإذَا نُفِخَ فِـي الصّورِ فَلا أنْسابَ بَـيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءلُونَ قال: لا يُسأل أحد يومئذٍ بنسب شيئا, ولا يتساءلون, ولا يـمتّ إلـيه برحم.
19432ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي مـحمد بن كثـير, عن حفص بن الـمغيرة, عن قتادة, قال: لـيس شيء أبغض إلـى الإنسان يوم القـيامة من أن يرى من يعافُه, مخافة أن يذوب له علـيه شيء. ثم قرأ: يَوْمَ يَفِرّ الـمَرْءُ مِنْ أخِيهِ وأُمّههِ وأبِـيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِـيهِ لِكُلّ امرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِـيهِ.
19433ـ قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا الـحكَم بن سِنان, عن سَدُوس صاحب السائريّ, عن أنس بن مالك, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذَا دَخَـلَ أهْلُ الـجَنّةِ الـجَنّةِ وأهْلُ النّارِ النّارَ, نادَى مُنادٍ مِنْ أَهْلِ العَرْشِ: يا أهْلَ التّظالُـمِ تَدَارَكُوا مَظالِـمَكُمْ وَادْخُـلُوا الـجَنّةَ».
الآية : 102 - 104
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـَئِكَ الّذِينَ خَسِرُوَاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: فَمَنْ ثَقُلَتُ مَوَازِينُهُ: موازين حسناته وخفت موازين سيئاته. فأُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلِـحُونَ يعنـي الـخالدون فـي جنات النعيـم. وَمَنْ خَفّتْ مَوَازِينُهُ يقول: ومن خفّت موازين حسناته, فرجَحَتْ بها موازين سيئاته. فَأُولَئِكَ الّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ يقول: غَبَوا أنفسهم حظوظها من رحمة الله. فـي جَهَنّـمَ خالِدُونَ يقول: هم فـي نار جهنـم.
وقوله: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّارَ يقول: تَسْفَع وجوهَهم النار. كما:
19434ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّارُ قال: تنفَح.
وَهُمْ فِـيها كالـحُونَ والكُلوح: أن تتقلّص الشفتان عن الأسنان حتـى تبدو الأسنان, كما قال الأعشي:
وَلَهُ الـمُقَدّمُ لا مِثْلَ لَهُساعَةَ الشّدْقُ عَنِ النّابِ كَلَـحْ
فتأويـل الكلام: يَسْفَع وجوههم لهب النار فتُـحْرقها, وهم فـيها متقلصوا الشفـاه عن الأسنان من إحراق النار وجوههم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19435ـ حدثنـي علـيّ, قال: ثنـي عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَهُمْ فِـيها كالِـحُونَ يقول: عابسون.
19436ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى وعبد الرحمن, قالا: حدثنا سفـيان, عن أبـي إسحاق, عن أبـي الأحوص عن عبد الله, فـي قوله: وَهُمْ فِـيها كالِـحُونَ قال: ألـم تر إلـى الرأس الـمشيط قد بدت أسنانه وقَلَصت شفتاه؟.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن أبـي الأحوص عن عبد الله, قرأ هذه الاَية: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّارُ... الاَية, قال: ألـم تر إلـى الرأس الـمشيط بـالنار وقد قَلَصت شفتاه وبدت أسنانه؟.
19437ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَهُمْ فِـيها كالِـحُونَ قال: ألـم تر إلـى الغنـم إذا مست النار وجوهها كيف هي؟