تفسير الطبري تفسير الصفحة 353 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 353
354
352
 الآية : 28
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإِن لّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتّىَ يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىَ لَكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره: فإن لـم تـجدوا فـي البـيوت التـي تستأذنون فـيها أحدا يأذن لكم بـالدخول إلـيها, فلا تدخـلوها, لأنها لـيست لكم, فلا يحلّ لكم دخولها إلا بإذن أربـابها, فإن أذن لكم أربـابها أن تدخـلوها فـادخـلوها. وَإنْ قِـيـلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فـارْجِعُوا يقول: وإن قال لكم أهل البـيوت التـي تستأذنون فـيها ارجعوا فلا تدخـلوها, فـارجعوا عنها ولا تدخـلوها هُوَ أزْكَى لَكُمْ يقول: رجوعكم عنها إذا قـيـل لكم ارجعوا, ولـم يؤذن لكم بـالدخول فـيها, أطهر لكم عند الله. وقوله: هُوَ كناية من اسم الفعل, أعنى من قوله: فـارْجِعُوا. وقوله: وَاللّهُ بِـمَا تَعْمَلُونَ عَلِـيـمٌ يقول جلّ ثناؤه: والله بـما تعملون من رجوعكم بعد استئذانكم فـي بويت غيركم إذا قـيـل لكم ارجعوا وترك رجوعكم عنها وطاعتكم الله فـيـما أمركم ونهاكم فـي ذلك وغيره من أمره ونهيه, ذو علـم مـحيط بذلك كله, مُـحْصٍ جميعه علـيكم, حتـى يجازيَكم علـى جميع ذلك. وكان مـجاهد يقول فـي تأويـل ذلك ما:
19631ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فإنْ لَـمْ تَـجِدُوا فِـيها أحَدا قال: إن لـم يكن لكم فـيها متاع, فلا تدخـلوها إلا بإذن. وَإنْ قِـيـلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فـارْجِعُوا.
حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
19632ـ قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا هاشم بن القاسم الـمزنـيّ, عن قَتادة, قال: قال رجل من الـمهاجرين: لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها: أن أستأذن علـى بعض إخوانـي, فـيقول لـي: ارجع, فأرجع وأنا مغتبط, لقوله: وَإنْ قِـيـلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فـارْجِعُوا هُوَ أزْكَى لَكُمْ.
وهذا القول الذي قاله مـجاهد فـي تأويـل قوله: فإنْ لَـمْ تَـجِدُوا فِـيها أحَدا بـمعنى: إن لـم يكن لكم فـيها مَتاع, قول بعيد من مفهوم كلام العرب لأن العرب لا تكاد تقول: لـيس بـمكان كذا أحد, إلا وهي تعنـي لـيس بها أحد من بنـي آدم. وأما الأمتعة وسائر الأشياء غير بنـي آدم ومن كان سبـيـله سبـيـلهم فلا تقول ذلك فـيها.
الآية : 29
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: لـيس علـيكم أيها الناس إثم وحرج أن تدخـلوا بـيوتا لا ساكن بها بغير استئذان.
ثم اختلفوا فـي ذلك أيّ البـيوت عَنَى, فقال بعضهم: عَنعى بها الـخانات والبـيوت الـمبنـية بـالطرق التـي لـيس بها سكان معروفون, وإنـما بنـيت لـمارّة الطريق والسابلة لـيأوُوا إلـيها ويُؤْوُوا إلـيها أمتعتهم. ذكر من قال ذلك:
19633ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حجاج, عن سالـم الـمكّيّ, عن مـحمد ابن الـحنفـية, فـي قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ قال: هي الـخانات التـي تكون فـي الطرق.
19634ـ حدثنـي عبـاس بن مـحمد, قال: حدثنا مسلـم, قال: حدثنا عمر بن فَرّوخ, قال: سمعت قَتادة يقول: بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ قال: هي الـخانات تكون لأهل الأسفـار.
19635ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ فِـيها مَتاعٌ لَكُمْ قال: كانوا يضعون فـي بـيوت فـي طرق الـمدينة متاعا وأقتابـا, فرُخّص لهم أن يدخـلوها.
19636ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ قال: هي البـيوت التـي ينزلها السّفْر, لا يسكنها أحد.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: بُـيُوتا غيرَ مسْكُونَةٍ قال: كانوا يصنعون أو يضعون بطريق الـمدينة أقتابـا وأمتعة فـي بـيوت لـيس فـيها أحد, فأحلّ لهم أن يدخـلوها بغير إذن.
حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله, إلا أنه قال: كانوا يضعون بطريق الـمدينة بغير شكّ.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله, غير أنهقال: كانوا يضعون بطريق الـمدينة أقتابـا وأمتعة.
19637ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا مُعاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله: أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مسْكُونَةٍ هي البـيوت التـي لـيس لها أهل, وهي البـيوت التـي يكون بـالطرق والـخَرِبة. فِـيها مَتاعٌ منفعة للـمسافر فـي الشتاء والصيف, يأوي إلـيها.
وقال آخرون: هي بـيوت مكة. ذكر من قال ذلك:
19638ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام بن سلـم, عن سعيد بن سائق, عن الـحجاج بن أرطاة, عن سالـم بن مـحمد ابن الـحنفـية, فـي: بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ قال: هي بـيوت مكة.
وقال آخرون: هي البـيوت الـخَرِبة. والـمتاع الذي قال الله لكم فـيها قضاء الـحاجة من الـخلاء والبول فـيها. ذكر من قال ذلك:
19639ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: سمعت عطاء يقول: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ فِـيها مَتاعٌ لَكُمْ قال: الـخلاء والبول.
19640ـ حدثنـي مـحمد بن عُمارة, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا حسن بن عيسى بن زيد, عن أبـيه, فـي هذه الآية: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ فِـيها مَتاعٌ لَكُمْ قال: التـخـلّـي فـي الـخراب.
وقال آخرون: بل عنـي بذلك بـيوت التـجار التـي فـيها أمتعة الناس. ذكر من قال ذلك:
19641ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ فـيها مَتاعٌ لَكُمْ قال: بـيوت التـجار, لـيس علـيكم جناح أن تدخـلوها بغير إذن, الـحوانـيت التـي بـالقَـيساريات والأسواق. وقرأ: فِـيها مَتاعٌ لَكُمْ متاع للناس, ولبنـي آدم.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن الله عمّ بقوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةِ فِـيها مَتاعٌ لَكُمْ كلّ بـيت لا ساكن به لنا فـيه متاع ندخـله بغير إذن لأن الإذن إنـما يكون لـيؤْنَس الـمأذون علـيه قبل الدخول, أو لـيأذن للداخـل إن كان له مالكا أو كان فـيه ساكنا. فأما إن كان لا مالك له, فـيحتاج إلـى إذنه لدخوله ولا ساكن فـيه, فـيحتاج الداخـل إلـى إيناسه والتسلـيـم علـيه, لئلا يهجُم علـى ما لا يحبّ رؤيته منه, فلا معنى للاستئذان فـيه. فإذا كان ذلك, فلا وجه لتـخصيص بعض ذلك دون بعض, فكلّ بـيت لا مالك له ولا ساكن من بـين مبنـيّ ببعض الطرق للـمارّة والسابلة لـيأووا إلـيه, أو بـيت خراب قد بـاد أهله ولا ساكن فـيه, حيث كان ذلك, فإن لـمن أراد دخوله أن يدخـل بغير استئذان, لـمتاع له يؤويه إلـيه أو للاستـمتاع به لقضاء حقه من بول أو غائط أو غير ذلك. وأما بـيوت التـجار, فإنه لـيس لأحد دخولها إلا بإذن أربـابها وسكانها.
فإن ظنّ ظانّ أن التاجر إذا فتـح دكانه وقعد للناس فقد أذِن لـمن أراد الدخول علـيه فـي دخوله, فإن الأمر فـي ذلك بخلاف ما ظنّ وذلك أنه لـيس لأحد دخول ملك غيره بغير ضرورة ألـجأته إلـيه أو بغير سبب أبـاح له دخوله إلا بإذن ربه, لا سيـما إذا كان فـيه متاع فإن كان التاجر قد عُرِف منه أن فتـحه حانوته إذن منه لـمن أراد دخوله فـي الدخول, فذلك بعدُ رجع إلـى ما قلنا من أنه لـم يدخـله من دخـله إلا بإذنه. وإذا كان ذلك كذلك, لـم يكن من معنى قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ فِـيها مَتاعٌ لَكُمْ فـي شيء, وذلك أن التـي وضع الله عنا الـجُناح فـي دخولها بغير إذن من البـيوت, هي ما لـم يكن مسكونا, إذ حانوت التاجر لا سبـيـل إلـى دخوله إلا بإذنه وهو مع ذلك مسكون, فتبـين أنه مـما عَنَى الله من هذه الآية بـمعزل.
وقال جماعة من أهل التأويـل: هذه الآية مستثناة من قوله: لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ بُـيُوتِكُمْ حتـى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلّـمُوا علـى أهْلِها. ذكر من قال ذلك:
19642ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عبـاس: لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ بُـيُوتَكُمْ ثم نسخ واستثنى فقال: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ فِـيها مَتاعٌ لَكُمْ.
19643ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, عن الـحسين, عن يزيد, عن عكرِمة: حتـى تَستأنِسُوا... الآية, فنُسخ من ذلك, واستُثنـي فقال: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ فِـيها مَتاعٌ لَكُمْ. ولـيس فـي قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ فِـيها مَتاعٌ لَكُمْ دلالة علـى أنه استثناء من قوله: لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتِكُمْ حتـى تَسْتأْنِسُوا لأن قوله: لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ بُـيُوتِكُمْ حتـى تَسْتأْنِسُوا وَتُسَلّـمُوا عَلـى أهْلِها حكم من الله فـي البـيوت التـي لها سكان وأربـاب. وقوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ فِـيها مَتاعٌ لَكُمْ حكم منه فـي البـيوت التـي لا سكان لها ولا أربـاب معروفون, فكل واحد من الـحكمين حكم فـي معنى غير معنى الاَخر, وإنـما يستثنى الشيء من الشيء إذا كان من جنسه أو نوعه فـي الفعل أو النفس, فأما إذا لـم يكن كذلك فلا معنى لاستثنائه منه. وقوله: وَاللّهُ يَعْلَـمُ ما تُبْدُونَ يقول تعالـى ذكره: والله يعلـم ما تظهرون أيها الناس بألسنتكم من الاستئذان إذا استأذنتـم علـى أهل البـيوت الـمسكونة, وَما تَكْتُـمُونَ يقول: وما تضمرونه فـي صدوركم عند فعلكم ذلك ما الذي تقصدون به: إطاعة الله والانتهاء إلـى أمره, أم غير ذلك؟
الآية : 30
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَىَ لَهُمْ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ للـمؤْمِنـينَ بـالله وبك يا مـحمد يَغُضّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ يقول: يكفوا من نظرهم إلـى ما يشتهون النظر إلـيه مـما قد نهاهم الله عن النظر إلـيه. وَيحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ أن يراها مَنْ لا يحلّ له رؤيتها, بلبس ما يسترها عن أبصارهم. ذلكَ أزْكَى لَهُمْ يقول: فإنّ غضها من النظر عما لا يحلّ النظر إلـيه وحفظ الفرج عن أن يظهر لأبصار الناظرين, أطهر لهم عند الله وأفضل. إنّ اللّهُ خَبِـيرٌ بِـمَا يَصْنَعُونَ يقول: إن الله ذو خبرة بـما تصنعون أيها الناس فـيـما أمركم به من غضّ أبصاركم عما أمركم بـالغضّ عنه وحفظ فروجكم عن إظهارها لـمن نهاكم عن إظهارها له.
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19644ـ حدثنـي علـيّ بن سهل الرّملـيّ, قال: حدثنا حجاج, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع بن أنس, عن أبـي العالـية فـي قوله: قُلْ للْـمُؤمِنـينَ يَغُضّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ وَيحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ قال: كل فرج ذُكِر حفظة فـي القرآن فهو من الزنا, إلا هذه: وَقُلْ للْـمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أبْصَارِهِنّ وَيحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ فإنه يعنـي الستر.
19645ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: قُلْ للْـمُؤْمِنِـينَ يَغُضّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ وَقُلْ للْـمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أبْصَارِهِنّ وَيحفَظْنَ فُرُوجَهُنّ قال: يغضوا أبصارهم عما يكره الله.
19646ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: قُلْ للْـمُؤْمِنِـينَ يَغُضّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ قال: يغضّ من بصره: أن ينظر إلـى ما لا يحلّ له, إذا رأى ما لا يحلّ له غضّ من بصره, لا ينظر إلـيه, ولا يستطيع أحد أن يغضّ بصره كله, إنـما قال الله: قُلْ لِلْـمُؤْمِنِـينَ يَغُضّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ.
الآية : 31
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ عَلَىَ جُيُوبِهِنّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنّ أَوْ آبَآئِهِنّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنّ أَوْ أَبْنَآئِهِنّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنّ أَوْ إِخْوَانِهِنّ أَوْ بَنِيَ إِخْوَانِهِنّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنّ أَوْ نِسَآئِهِنّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنّ أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرّجَالِ أَوِ الطّفْلِ الّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىَ عَوْرَاتِ النّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنّ وَتُوبُوَاْ إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وَقُلْ يا مـحمد للْـمُؤْمِناتِ من أمتك يَغْضُضْنَ مِنْ أبْصَارِهِنّ عما يكره الله النظر إلـيه مـما نهاكم عن النظر إلـيه وَيحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ يقول: ويحفظن فروجهنّ علـى أن يراها من لا يحلّ له رؤيتها, بلبس ما يسترها عن أبصارهم.
وقوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ يقول تعالـى ذكره: ولا يُظْهرن للناس الذين لـيسوا لهنّ بـمـحرم زينتهنّ, وهما زينتان: إحداهما: ما خفـي, وذلك كالـخَـلْـخال والسّوارين والقُرْطَين والقلائد. والأخرى: ما ظهر منها, وذلك مختلف فـي الـمعنىّ منه بهذه الآية, فكان بعضهم يقول: زينة الثـياب الظاهرة. ذكر من قال ذلك:
19647ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون بن الـمغيرة, عن الـحجاج, عن أبـي إسحاق, عن أبـي الأحوص, عن ابن مسعود, قال: الزينة زينتان: فـالظاهرة منها الثـياب, وما خفـي: الـخـلـخالان والقُرطان والسّواران.
19648ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي الثوريّ, عن أبـي إسحاق الهمدانـيّ, عن أبـي الأحوص, عن عبد الله, أنه قال: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها: قال: هي الثـياب.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي إسحاق, عن أبـي الأحوص, عن عبد الله, قال: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الثـياب.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي إسحاق, عن أبـي الأحوص, عن عبد الله, مثله.
قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن مالك بن الـحارث, عن عبد الرحمن بن زيد, عن عبد الله, مثله.
19649ـ قال: حدثنا سفـيان, عن علقمة, عن إبراهيـم, فـي قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها: قال: الثـياب.
19650ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا بعض أصحابنا إما يونس, إوما غيره عن الـحسن, فـي قوله: إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الثـياب.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن أبـي إسحاق, عن أبـي الأحوص, عن عبد الله: إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الثـياب.
قال أبو إسحاق: ألا ترى أنه قال: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ؟.
19651ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: حدثنا مـحمد بن الفضل, عن الأعمش, عن مالك بن الـحارث, عن عبد الرحمن بن زيد, عن ابن مسعود: إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: هو الرداء.
وقال آخرون: الظاهر من الزينة التـي أبـيح لها أن تبديه: الكحل, والـخاتـم, والسواران, والوجه. ذكر من قال ذلك:
19652ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا مروان, قال: حدثنا مسلـم الـمَلائي, عن سعيد بن جُبـير, عن ابن عبـاس: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الكحل والـخاتـم.
19653ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد الأمُلـيّ, قال: حدثنا مروان, عن مسلـم الـمَلائيّ, عن سعيد بن جُبـير, مثله, ولـم يذكر ابن عبـاس.
19654ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون, عن أبـي عبد الله نهشل, عن الضحاك, عن ابن عبـاس, قال: الظاهر منها: الكحل والـخَدّان.
19655ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفـيان, عن عبد الله بن مسلـم بن هُرْمز, عن سعيد بن جُبـير, فـي قوله: وَلايُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الوجه والكفّ.
حدثنا عمرو بن عبد الـحميد, قال: حدثنا مروان بن معاوية, عن عبد الله بن مسلـم بن هُرمز الـمكيّ, عن سعيد بن جُبـير, مثله.
19656ـ حدثنـي علـيّ بن سهل, قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم, قال: حدثنا أبو عمرو, عن عطاء فـي قول الله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الكفّـان والوجه.
19657ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ عن سعيد, عن قَتادة قال: الكحل, والسوران والـخاتـم.
19658ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: والزينة الظاهرة: الوجه, وكُحل العين, وخِضاب الكفّ, والـخاتـم فهذه تظهر فـي بـيتها لـمن دخـل من الناس علـيها.
19659ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الـمسكتان والـخاتـم والكحل. قال قتادة: وبلغنـي أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحِلّ لاِمْرأةٍ تُوْمِنُ بـاللّهِ والـيَوْمِ الاَخِرِ أنْ تُـخْرِجَ يَدَها إلاّ إلـى هَا هُنا». وقبض نصف الذراع.
19660ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهريّ, عن رجل, عن الـمِسْورَ بن مخرمة, فـي قوله: إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: القلبـين, والـخاتـم, والكحل: يعنـي السوار.
19661ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عبـاس, قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الـخاتـم والـمَسَكة. قال ابن جُرَيج, وقالت عائشة: القُلْب والفَتْـخَة, قالت عائشة: دخـلت علـيّ ابنة أخي لأمي عبد الله بن الطفـيـل مزينّة, فدخـل النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فأعرض, فقالت عائشة: يا رسول الله إنها ابنة أخي وجارية. فقال: «إذا عَرَكَت الـمرأة لـم يحلّ لها أن تظهر إلا وَجْهها, وإلاّ ما دون هذا», وقبض علـى ذراع نفسه, فترك بـين قبضته وبـين الكفّ مثل قبضة أخرى. وأشار به أبو علـي قال ابن جُرَيج, وقال مـجاهد: قوله: إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الكحل والـخضاب والـخاتـم.
19662ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عاصم, عن عامر: إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الكحل, والـخضاب, والثـياب.
19663ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها من الزينة: الكحل, والـخضاب والـخاتـم هكذا كانوا يقولون وهذا يراه الناس.
19664ـ حدثنـي ابن عبد الرحيـم البرقـي, قال: حدثنا عمر بن أبـي سلـمة, قال: سئل الأوزاعي عن: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الكفّـين والوجه.
19665ـ حدثنا عمرو بن بندق, قال: حدثنا مروان, عن جُويبر, عن الضحاك فـي قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ قال: الكفّ والوجه.
وقال آخرون: عَنَى به الوجه والثـياب. ذكر من قال ذلك:
19666ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر, قال: قال يونس: وَلا يُبْدِينَ زِينِتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال الـحسن: الوجه والثـياب.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, وعبد الأعلـى, عن سعيد, عن قَتادة, عن الـحسن, فـي قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الوجه والثـياب.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب: قول من قال: عُنِـي بذلك الوجهُ والكفـان, يدخـل فـي ذلك إذا كان كذلك: الكحل, والـخاتـم, والسّوار, والـخِضاب.
وإنـما قلنا ذلك أولـى الأقوال فـي ذلك بـالتأويـل, لإجماع الـجميع علـى أن علـى كلّ مصلّ أن يستر عورته فـي صلاته, وأن الـمرأة أن تكشف وجهها وكفـيها فـي صلاتها, وأن علـيها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها إلا ما رُوي عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أنه أبـاح لها أن تبديَه من ذراعها إلـى قدر النصف. فإذ كان ذلك من جميعهم إجماعا, كان معلوما بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لـم يكن عورة كما ذلك للرجال لأن ما لـم يكن عورة فغير حرام إظهاره. وإذا كان لها إظهار ذلك, كان معلوما أنه مـما استثناه الله تعالـى ذكره بقوله: إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها, لأن كل ذلك ظاهر منها.
وقوله: وَلْـيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ علـى جُيُوبِهِنّ يقول تعالـى ذكره: ولـيـلقـين خُمُرَهنّ, وهي جمع خمار, علـى جيوبهنّ, لـيسترن بذلك شعورهنّ وأعناقهن وقُرْطَهُنّ.
19667ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا زيد بن حبـاب, عن إبراهيـم بن نافع, قال: حدثنا الـحسن بن مسلـم بن يناق, عن صفـية بنت شيبة, عن عائشة, قالت: لـما نزلت هذه الآية: وَلْـيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ علـى جُيوبِهِنّ قال: شققن البُرْدَ مـما يـلـي الـحواشي, فـاختـمرن به.
19668ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, أن قرة بن عبد الرحمن, أخبره, عن ابن شهاب, عن عروة, عن عائشة زوج النبـيّ صلى الله عليه وسلم أنها قالت: يرحم الله النساء الـمهاجرات الأول لـما أنزل الله: وَلْـيَضْرِبْنَ بِخُمُرُهِنّ علـى جُيُوبِهِنّ شققن أكثف مروطهنّ, فـاختـمرن به.
وقوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ لِبُعُولَتِهِنّ يقول تعالـى ذكره: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ التـي هي غير ظاهرة بل الـخفـية منها, وذلك الـخَـلـخال والقُرط والدّمْلُـج, وما أُمرت بتغطيته بخمارها من فوق الـجيب, وما وراء ما أبـيح لها كشفه وإبرازه فـي الصلاة وللأجنبـيـين من الناس, والذراعين إلـى فوق ذلك, إلاّ لبعولتهنّ.
وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل.) ذكر من قال ذلك:
19669ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن طلـحة بن مُصَرّف, عن إبراهيـم: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ لِبُعُولَتِهِنّ أوْ آبـائِهِنّ قال: هذه ما فوق الذراع.
19670ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور, قال: سمعت رجلاً يحدّث عن طلـحة, عن إبراهيـم, قال فـي هذه الآية: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ لِبُعُولَتِهِنّ أوْ آبـائِهِنّ أو آبـاء بُعُولَتِهِنّ قال: ما فوق الـجيب. قال شعبة: كتب به منصور إلـيّ, وقرأته علـيه.
19671ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن سعيد بن أبـي عروبة, عن قَتادة, فـي قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ لِبُعُولَتِهِنّ قال: تبدي لهؤلاء الرأس.
19672ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قال: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ لِبُعُولَتِهِنّ... إلـى قوله: عَوْرَاتِ النّساءِ قال: الزينة التـي يبدينها لهؤلاء: قرطاها وقلادتها وسِوارها, فأما خـلـخالاها ومِعْضدَاها ونـحرها وشعرها فإنه لا تبديه إلا لزوجها.
19673ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جُرَيج, قال ابن مسعود, فـي قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ لِبُعُولَتِهِنّ قال: الطوق والقُرْطين, يقول الله تعالـى ذكره: قل للـمؤمنات الـحرائر لا يظهرن هذه الزينة الـخفـية التـي لـيست بـالظاهرة إلا لبعولتهنّ, وهم أزواجهن, واحدهم: بعل, أو لاَبـائهنّ, أو لأبناء بعولتهن, أو لإخوانهن, أو لبنـي إخوانهن.
ويعنـي بقوله: أوْ لإخْوَانِهِنّ أو لإخْوَاتِهِنّ, أو لبنـي إخوانهن, أو بنـي أخواتهن, أو نسائهم. قـيـل: عُنـي بذلك نساء الـمسلـمين. ذكر من قال ذلك:
19674ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: أوْ نِسائِهِنّ قال: بلغنـي أنهنّ نساء الـمسلـمين, لا يحلّ لـمسلـمة أن ترى مشركة عُرْيتها إلا أن تكون أمة لها, فذلك قوله: أوْ ما مَلَكَتْ أيـمانُهُنّ.
19675ـ قال: ثنـي الـحسين, قال: ثنـي عيسى بن يونس, عن هشام بن الغازي, عن عبـادة بن نسيّ, أنه كره أن تقبل النصرانـية الـمسلـمة, أو ترى عَوْرتها, ويتأوّل: أو نسائهنّ.
19676ـ قال: حدثنا عيسى بن يونس, عن هشام, عن عبـادة, قال: كتب عمر بن الـخطاب إلـى أبـي عُبـيدة بن الـجرّاح رحمة الله علـيهما: أما بعد, فقد بلغنـي أن نساء يدخـلن الـحمامات ومعهنّ نساء أهل الكتاب, فـامنع ذلك وْحُلْ دونه قال: ثم إن أبـا عُبـيدة قام فـي ذلك الـمقام مبتهلاً: اللهمّ أيـما امرأة تدخـل الـحمام من غير علة ولا سقم تريد البـياض لوجهها, فسوّد وجهها يوم تبـيضّ الوجوه.
وقوله: أوْ ما مَلَكَتْ أيـمانُهُنّ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: أو مـمالـيكهنّ, فإنه لا بأس علـيها أن تظهر لهم من زينتها ما تظهره لهؤلاء. ذكر من قال ذلك:
19677ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: أخبرنـي عمرو بن دينار, عن مخـلد التـميـميّ, أنه قال, فـي قوله: أوْ ما مَلَكَتْ أيـمْانُهُنّ قال: فـي القراءة الأولـى: «أيـمانكم».
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أو ما ملكت أيـمانهنّ من إماء الـمشركين, كما قد ذكرنا عن ابن جُرَيج قبل من أنه لـما قال: أوْ نِسائهنّ عَنَى بهنّ النساء الـمسلـمات دون الـمشركات, ثم قال: أو ما ملكت أيـمانهنّ من الإماء الـمشركات.
يقول تعالـى ذكره: والذين يَتْبَعونكم لطعام يأكلونه عندكم, مـمن لا أرب له فـي النساء من الرجال, ولا حاجة إلـيهنّ, ولا يريدهنّ.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19678ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: أوِ التّابِعِينَ غيرِ أُولـى الإرْبَةِ مِنَ الرّجالِ قال: كان الرجل يتبع الرجل فـي الزمان الأوّل لا يغار علـيه ولا ترهب الـمرأة أن تضع خمارها عنده, وهو الأحمق الذي لا حاجة له فـي النساء.
19679ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: أَوِ التّابِعِينَ غيرِ أُولـى الإرْبَةِ مِنَ الرّجالِ فهذا الرجل يتبع القوم, وهو مُغَفّل فـي عقله, لا يكترث للنساء ولا يشتهيهنّ, فـالزينة التـي تبديها لهؤلاء: قرطاها وقلادتها وسِواراها وأما خَـلْـخالاها ومِعْضداها ونـحرها وشعرها, فإنها لا تبديه إلا لزوجها.
19680ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, فـي قوله: أوِ التّابِعِينَ قال: هو التابع يتبعك يصيب من طعامك.
19681ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا إسماعيـل بن عُلَـيّة, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: أوِ التّابِعِينَ غيرِ أُولـى الإرْبَةِ مِنَ الرّجالِ قال: الذي يريد الطعام ولا يريد النساء.
قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: أوِ التّابِعِينَ غيرِ أُولـى الإرْبَةِ مِنَ الرّجالِ الذين لا يهمهم إلا بطونهم, ولا يُخافون علـى النساء.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
19682ـ حدثنا إسماعيـل بن موسى السّديّ, قال: حدثنا شريك, عن منصور, عن مـجاهد, فـي قوله: غيرِ أُولـى الإِرْبَةِ قال: الأَبْلَه.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت لـيثا, عن مـجاهد, قوله: غيرِ أُولـي الإِرْبَةِ قال: هو الأبلَه, الذي لا يعرف شيئا من النساء.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَـية, قال: حدثنا ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: غيرِ أُولـى الإرْبَةِ مِنَ الرّجالِ الذي لا أرب له بـالنساء مثل فلان.
19683ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن عطية, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي إسحاق عمن حدثه, عن ابن عبـاس: غير أُولـى الإرْبَةِ قال: هو الذي لا تستـحي منه النساء.
19684ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مُغَيرة, عن الشعبـيّ: غيرِ أُولـى الإرْبَةِ قال: من تَبَع الرجل وحشمه الذي لـم يبلغ أَرَبه أن يطلع علـى عَورة النساء.
19685ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن شعبة, عن الـمغيرة, عن الشعبـيّ: غيرِ أُولـى الإرْبَةِ قال: الذي لا أرب له فـي النساء.
19686ـ قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا حماد بن سَلَـمة, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبـير, قال: الـمعتوه.
19687ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن معمر, عن الزهريّ فـي قوله: أوِ التّابِعِينَ غَيرِ أُولـى الإرْبَةِ مِنَ الرّجالِ قال: هو الأحمق, الذي لا همّة له بـالنساء ولا أرب.
19688ـ وبه عن معمر, عن ابن طاوس, عن أبـيه, فـي قوله: غيرِ أُولـى الإرْبَةِ مِنَ الرّجالِ يقول: الأحمق, الذي لـيست له همة فـي النساء.
19689ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عبـاس: الذي لا حاجة له فـي النساء.
19690ـ حدثنـي يونس, اقل: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: أوَ التّابِعِينَ غيرِ أُولـى الإرْبَةِ مِنَ الرجالِ قال: هو الذي يَتْبَع القوم, حتـى كأنه كان منهم ونشأ فـيهم, ولـيس يتبعهم لإربة نسائهم, ولـيس له فـي نسائهم إِربة, وإنـما يتبعهم لإرفـاقهم إياه.
19691ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهريّ, عن عروة, عن عائشة قالت: كان رجل يدخـل علـى أزواج النبـيّ صلى الله عليه وسلم مُخَنّث, فكانوا يعدّونه من غير أولـي الإِربة, فدخـل علـيه النبـيّ صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة, فقال: إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع, وإذا أدبرت أدبرت بثمان. فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «لا أرَى هَذَا يَعْلَـمُ ما هَا هُنا, لا يَدْخُـلَنّ هَذَا عَلَـيْكُمْ»فحَجَبُوه.
19692ـ حدثنـي سعد بن عبد الله بن عبد الـحكَم الـمِصريّ, قال: حدثنا حفص بن عمر العَدَنـيّ, قال: حدثنا الـحكم ابن أبـان, عن عكرمة فـي قوله: أوِ التّابِعِينَ غيرِ أُولـى الإرْبَةِ قال: هو الـمُخَنّث الذي لا يقوم زُبّه.
واختلف القرّاء فـي قوله: غير أُولـي الإرْبَةِ فقرأ ذلك بعض أهل الشام وبعض أهل الـمدينة والكوفة: «غيرَ أُولـى الإرْبَةِ» بنصب «غير» ولنصب «غير» ها هنا وجهان: أحدهما علـى القطع من «التابعين», لأن «التابعين» معرفة وغير نكرة, والاَخر علـى الاستثناء, وتوجيه «غير» إلـى معنى «إلا», فكأنه قـيـل: إلاّ. وقرأ غير من ذكرت بخفض غَيرِ علـى أنها نعت للتابعين, وجاز نعت «التابعين» ب«غير» و«التابعون» معرفة وغيرُ نكرة, لأن «التابعين» معرفة غير مؤقتة. فتأويـل الكلام علـى هذه القراءة: أو الذين هذه صفتهم.
والقول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان متقاربتا الـمعنى مستفـيضةٌ القراءة بهما فـي الأمصار, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب, غير أن الـخفض فـي «غير» أقوى فـي العربـية, فـالقراءة به أعجب إلـيّ. والإربة: الفِعْلة من الأَرَب, الـمثل الـجِلسة من الـجُلوس, والـمِشية من الـمَشْي, وهي الـحاجة يقال: لا أرب لـي فـيك: لا حاجة لـي فـيك وكذا أَرِبْتُ لكذا وكذا: إذا احتـجت إلـيه, فأنا آرب له أَرَبـا. فأما الأُرْبة, بضم الألف: فـالعُقْدة.
وقوله: أوِ الطّفْلِ الّذِينَ لَـمْ يَظْهَرُوا علـى عَوْرَاتِ النّساءِ يقول تعالـى ذكره: أو الطفل الذين لـم يكشفوا عن عورات النساء بجماعهنّ فـيظهروا علـيهن لصغرهنّ.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19693ـ حدثنـي مـحمد, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: علـى عَوْرَاتِ النّساءِ قال: لـم يَدْروا ما ثَمّ, من الصّغَر قبل الـحُلُـم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
وقوله: ولا يَضْرِبْنَ بأرْجُلِهِنّ لِـيُعْلَـمَ ما يُخْفِـينَ مِنْ زِينَتِهِنّ يقول تعالـى ذكره: ولا يجعلن فـي أرجلهنّ من الـحُلِـيّ ما إذا مَشَيْن أو حرّكنهنّ علـم الناس الذين مشين بـينهم ما يخفـين من ذلك.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19694ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر, عن أبـيه, قال: زعم حَضْرِميّ أن امرأة اتـخذت بُرَتَـيْن من فضة, واتـخذت جَزْعا, فمرّت علـى قوم, فضربت برجلها, فوقع الـخـلـخال علـى الـجَزْع, فصوّت فأنزل الله: وَلا يَضْرِبْنَ بأرْجُلِهِنّ لِـيُعْلَـمَ ما يُخْفِـينَ مِنْ زِينَتِهِنّ.
19695ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن السديّ, عن أبـي مالك: وَلا يَضْرِبْنَ بأرْجُلِهِنّ لِـيُعْلَـمَ ما يُخْفِـينَ مِنْ زِينَتِهِنّ قال: كان فـي أرجلهم خَرَز, فكنّ إذا مررن بـالـمـجالس حرّكن أرجلهنّ لـيعلـم ما يُخْفـين من زينتهنّ.
19696ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: وَلا يَضْرِبنَ بأرْجُلِهِنّ فهو أن تَقَرَع الـخَـلْـخال بـالاَخر عند الرجال, ويكون فـي رجلـيها خلاخـل فتـحرّكهنّ عند الرجال, فنهى الله سبحانه وتعالـى عن ذلك لأنه من عمل الشيطان.
19697ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: وَلا يَضْرِبْنَ بأرْجُلِهِنّ لِـيُعْلَـمَ ما يُخْفِـينَ مِنْ زِينَتِهِنّ قال: هو الـخَـلْـخال, لا تضرب امرأة برجلها لـيسمع صوت خَـلْـخالها.
19698ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلا يَضْرِبْنَ بأرْجُلِهِنّ لِـيُعْلَـمَ ما يُخْفِـينَ مِنْ زِينَتِهِنّ قال: الأجراس من حُلِـيهّنّ يجعلنها فـي أرجلهنّ فـي مكان الـخلاخـل, فنهاهنّ الله أن يضربن بأرجلهنّ لتسمع تلك الأجراس.
وقوله: وَتُوبُوا إلـى الله جَمِيعا أيّها الـمُؤْمِنُونَ يقول تعالـى ذكره: وارجعوا أيها الـمؤمنون إلـى طاعة الله فـيـما أمركم ونهاكم, من غَضّ البَصر وحفظ الفرج وتَرْك دخول بـيوت غير بـيوتكم من غير استئذان ولا تسلـيـم, وغير ذلك من أمره ونهيه. لَعّلَكُمْ تُفْلِـحُونَ يقول: لتفلـحوا وتدركوا طَلِبـاتكم لديه, إذا أنتـم أطعتـموه فـيـما أمركم ونهاكم