سورة النور | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 354 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 354
355
353
الآية : 32
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَنْكِحُواْ الأيَامَىَ مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره: وزوّجوا أيها الـمؤمنون من لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم, ومن أهل الصلاح من عبـيدكم ومـمالـيككم. والأيامَى: جمع أيّـم, وإنـما جمع أيامَى لأنها فعيـلة فـي الـمعنى, فجُمعت كذلك كما جمعت الـيتـيـمة: يتامَى ومنه قول جميـل:
أُحِبّ الأيامَى إذْ بُثَـيْنَةُ أيّـمٌوأحْبَبْتُ لَـمّا أنْ غَنِـيتِ الغَوَانِـيا
ولو جمعت أيائم كان صوابـا. والأيّـم يوصف به الذكر والأنثى, يقال: رجل أيّـم, وامرأة أيّـم وأيّـمة: إذا لـم يكن لها زوج ومنه قول الشاعر:
فإنْ تَنْكِحي أنْكِحْ وَإنْ تَتأَيّـمِيوإنْ كُنْتُ أفْتَـى منكمُ أتَأيّـمِ
إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يقول: إن يكن هؤلاء الذين تنكحونهم من أيامَى رجالكم ونسائكم وعبـيدكم وإمائكم أهلَ فـاقة وفقر, فإن الله يغنـيهم من فضله, فلا يـمنعنكم فقرهم من إنكاحهم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19699ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وأنْكِحُوا الأيامَى مِنْكُمْ وَالصّالِـحِينَ مِنْ عِبـادِكُمْ وَإمائِكُمْ قال: أمر الله سبحانه بـالنكاح, ورغّبهم فـيه وأمرهم أن يزوّجوا أحرارَهم وعبـيدَهم, ووعدهم فـي ذلك الغنى, فقال: إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ.
19700ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا حسن أبو الـحسن وكان إسماعيـل بن صُبـيح مَوْلـى هذا قال: سمعت القاسم بن الولـيد, عن عبد الله بن مسعود, قال: التـمسوا الغنى فـي النكاح, يقول الله: إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءُ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ.
19701ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وأنْكِحُوا الأيامَى مِنكُمْ قال: أيامى النساء: اللاتـي لـيس لهنّ أزواج.
وقوله: وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِـيـمٌ يقول جلّ ثناؤه: والله واسع الفضل جواد بعطاياه, فزوجوا إماءكم, فإن الله واسع يوسع علـيهم من فضله إن كانوا فقراء. عَلِـيـمٌ يقول: هو ذو علـم بـالفقـير منهم والغنـيّ, لا يخفـى علـيه حال خـلقه فـي شيء وتدبـيرهم.
الآية : 33
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتّىَ يُغْنِيَهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَالّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مّن مّالِ اللّهِ الّذِيَ آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصّناً لّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنّ فِإِنّ اللّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنّ غَفُورٌ رّحِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره: ولـيَسْتَعْفِف الّذِينَ لا يَجِدُون ما ينكحون به النساء عن إتـيان ما حرّم الله علـيهم من الفواحش, حَتّـى يُغْنِـيَهُمُ اللّهُ مِنْ سعة فَضْلِهِ, ويوسّع علـيهم من رزقه.
وقوله: وَالّذِينَ يَبْتَغُونَ الكِتابَ مِـمّا مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ يقول جلّ ثناؤه: والذين يـلتـمسون الـمكاتبة منكم من مـمالـيككم, فكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا.
واختلف أهل العلـم فـي وجه مكاتبة الرجل عبده الذي قد علـم فـيه خيرا, وهل قوله: فَكاتِبُوهُم إنْ عَلِـمْتُـمْ فـيهِمْ خَيْرا علـى وجه الفرض أم هو علـى وجه الندب؟ فقال بعضهم: فرض علـى الرجل أن يكاتب عبده الذي قد علـم فـيه خيرا إذا سأله العبد ذلك. ذكر من قال ذلك:
19702ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن جُرَيج, قال: قلت لعطاء: أواجب علـيّ إذا علـمت مالاً أن أكاتبه؟ قال: ما أراه إلاّ واجبـا. وقالها عمرو بن دينار, قال: قلت لعطاء: أَتأْثِرُه عن أحد؟ قال: لا.
19703ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن بكر, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, عن أنس بن مالك, أن سيرين, أراد أن يكاتبه فتلكّأ علـيه, فقال له عمر: لتكاتبنه
19704ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قال: لا ينبغي لرجل إذا كان عنده الـمـملوك الصالـح الذي له الـمال يريد إن يكاتب ألاّ يكاتبه.
وقال آخرون: ذلك غير واجب علـى السيد, وإنـما قوله: فَكاتِبُوهُمْ: نَدْب من الله سادَة العبـيد إلـى كتابة من علـم فـيه منهم خير, لا إيجاب. ذكر من قال ذلك:
19705ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال مالك بن أنس: الأمر عندنا أن لـيس علـى سيد العبد أن يكاتبه إذا سأله ذلك, ولـم أسمع بأحد من الأئمة أكره أحدا علـى أن يكاتب عبده. وقد سمعت بعض أهل العلـم إذا سُئل عن ذلك فقـيـل له: إن الله تبـارك وتعالـى يقول فـي كتابه: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا يتلو هاتـين الاَيتـين: فإذَا حَلَلْتُـمْ فـاصْطادُوا فإذَا قُضِيَتِ الصّلاةُ فـانْتَشِرُوا فـي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ قال مالك: فإنـما ذلك أمر أذِن الله فـيه للناس, ولـيس بواجب علـى الناس ولا يـلزم أحدا. وقال الثوريّ: إذا أراد العبد من سيده أن يكاتبه, فإن شاء السيد أن يكاتبه كاتبه, ولا يُجْبر السيد علـى ذلك.
19706ـ حدثنـي بذلك علـيّ عن زيد عنه وحدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا قال: لـيس بواجب علـيه أن يكاتبه, إنـما هذا أمر أذن الله فـيه ودلـيـل.
وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب قول من قال: واجب علـى سيد العبد أن يكاتبه إذا علـم فـيه خيرا وسأله العبد الكتابة وذلك أن ظاهر قوله: فَكاتِبُوهُمْ ظاهر أمر, وأمر الله فرضٌ الانتهاء إلـيه, ما لـم يكن دلـيـلٌ من كتاب أو سنة علـى أنه ندب, لـما قد بـيّنا من العلة فـي كتابنا الـمسمى «البـيان عن أصول الأحكام».
وأما الـخير الذي أمر الله تعالـى ذكره عبـاده بكتابة عبـيدهم إذا علـموه فـيهم, فهو القُدْرة علـى الاحتراف والكسب لأداء ما كوتبوا علـيه. ذكر من قال ذلك:
19707ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن عبد الكريـم الـجزري, عن نافع, عن ابن عمر: أنه كره أن يكاتِب مـملوكه إذا لـم تكن له حرفة, قال: تطعمنـي أوساخ الناس.
19708ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: فَكاتِبوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا يقول: إن علـمتـم لهم حيـلة, ولا تلقوا مُؤْنتهم علـى الـمسلـمين.
19709ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا أشهب, قال: سئل مالك بن أنس, عن قوله: فكاتبوهم إن علـمتـم فـيه خيرا فقال: إنه لـيقال: الـخير القوة علـى الأداء.
19710ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي ابن زيد, عن أبـيه, قول الله: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا قال: الـخير: القوة علـى ذلك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن علـمتـم فـيهم صدقا ووفـاء وأداء. ذكر من قال ذلك:
19711ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا يونس, عن الـحسن, فـي قوله: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا قال: صدقا ووفـاء وأداء وأمانة.
19712ـ قال: حدثنا ابن عُلَـية, قال: حدثنا عبد الله, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وطاوس, أنهما قالا فـي قوله: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا قالا: مالاً وأمانة.
19713ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح, قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي صالـح: فكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا قال: أداء وأمانة.
19714ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الـمغيرة, قال: كان إبراهيـم يقول فـي هذه الآية: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا قال: صدقا ووفـاء, أو أحدهما.
19715ـ حدثنا أبو بكر, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان, عن عطاء, فـي قوله: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: أداء ومالاً.
19716ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن جُرَيج, قال: قال عمرو بن دينار: أحسبه كل ذلك الـمال والصلاح.
19717ـ حدثنـي علـيّ بن سهل, قال: حدثنا زيد, قال: حدثنا سفـيان: إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِم خَيْرا يعنـي: صدقا ووفـاء وأمانة.
19718ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا, قال: إن علـمت فـيه خيرا لنفسك, يؤدّي إلـيك ويصدّقك ما حدثك, فكاتبه.
وقال آخرون بل معنى ذلك: إن علـمتـم لهم مالاً.
19719ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, فـي قوله: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا يقول: إن علـمتـم لهم مالاً.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عبـاس: إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: مالاً.
19720ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى, قالا: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, عن مـجاهد: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: مالاً.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: لهم مالاً, فكاتبوهم.
حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
19721ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: إن علـمتـم لهم مالاً, كائنة أخلاقهم وأديانهم ما كانت.
19722ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور, عن زَاذان, عن عطاء بن أبـي رَبـاح: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: مالاً.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا أبو بشر, عن مـجاهد, قال: إن علـمتـم عندهم مالاً.
19723ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي مـحمد بن عمرو الـيافعيّ, عن ابن جُرَيج, أن عطاء بن أبـي رَبـاح, كان يقول: ما نراه إلاّ الـمال, يعنـي قوله: إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: ثم تلا: كُتِبَ عَلَـيْكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا.
وأولـى هذه الأقوال فـي معنى ذلك عندي قول من قال: معناه: فكاتبوهم إن علـمتـم فـيهم قوّة علـى الاحتراف والاكتساب ووفـاء بـما أوجب علـى نفسه وألزمها وصدق لهجة. وذلك أن هذه الـمعانـي هي الأسبـاب التـي بـمولـى العبد الـحاجةُ إلـيها إذا كاتب عبده مـما يكون فـي العبد فأما الـمال وإن كان من الـخير, فإنه لا يكون فـي العبد وإنـما يكون عنده أو له لا فـيه, والله إنـما أوجب علـينا مكاتبة العبد إذا علـمنا فـيه خيرا لا إذا علـمنا عنده أو له, فلذلك لـم نقل: إن الـخير فـي هذا الـموضع معنـيّ به الـمال.
وقوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ يقول تعالـى ذكره: وأعطُوهم من مال الله الذي أعطاكم.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمأمور بإعطائه من مال الله الذي أعطاه مَنْ هو؟ وفـي الـمال أيّ الأموال هو؟ فقال بعضهم: الذي أمر الله بإعطاء الـمكاتب من مال الله هو مولَـى العبد الـمكاتَب, ومال الله الذي أُمر بإعطائه منه هو مال الكِتابة, والقدر الذي أمر أن يعطيه منه الربع.
وقال آخرون: بل ما شاء من ذلك الـمولـى. ذكر من قال ذلك:
19724ـ حدثنـي عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا عمران بن عيـينة, قال: حدثنا عطاء بن السائب, عن أبـي عبد الرحمن السّلَـمِيّ, عن علـيّ فـي قول الله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: ربع الـمكاتبة.
حدثنا الـحسن بن عرفة, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي, عن عطاء بن السائب, عن أبـي عبد الرحمن السّلَـميّ, عن علـيّ, فـي قوله الله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: ربع الكتابة يحطّها عنه.
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن عُلـيَة, عن لـيث, عن عبد الأعلـى, عن أبـي عبد الرحمن, عن علـيّ رضي الله عنه, فـي قول الله: وآتوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: الربع من أوّل نـجومه.
قال: أخبرنا ابن عُلَـية, قال: عطاء بن السائب, عن أبـي عبد الرحمن السّلَـميّ, عن علـيّ, فـي قوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: الربع من مكاتبته.
19725ـ حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الأَحمسيّ, قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد, قال: ثنـي عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان, عن عبد الـملك بن أعين, قال: كاتب أبو عبد الرحمن غلاما فـي أربعة آلاف درهم, ثم وضع له الربع, ثم قال: لولا أنـي رأيت علـيّا رضوان الله علـيه كاتب غلاما له ثم وضع له الربع, ما وضعت لك شيئا.
19726ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن عبد الأعلـى, عن أبـي عبد الرحمن السّلَـمي: أنه كاتب غلاما له علـى ألف ومِئتـين, فترك الربع وأشهدنـي, فقال لـي: كان صديقك يفعل هذا, يعنـي علـيّا رضوان الله علـيه, يتأوّل: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ.
19727ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن عبد الـملك, قال: ثنـي فضالة بن أبـي أمية, عن أبـيه, قال: كاتبنـي عمر بن الـخطاب رضي الله عنه, فـاستقرض لـي من حَفْصة مِئَتَـي درهم. قلت: ألا تـجعلها فـي مكاتبتـي؟ قال: إنـي لا أدري أدرك ذاك أم لا.
19728ـ قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, بلغنـي أنه كاتبه علـى مِئَة أوقـية: قال: حدثنا سفـيان, عن عبد الـملك, قال: ذكرت ذلك لعكرِمة, فقال: هو قول الله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ.
19729ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قول الله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ يقول: ضعوا عنهم من مكاتبتهم.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ يقول: ضعوا عنهم مـما قاطعتـموهم علـيه.
19730ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان, عن عطاء, فـي قوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: مـما أخرج الله لكم منهم.
19731ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن لـيث, عن مـجاهد: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: آتِهِم مـما فـي يديك.
19732ـ حدثنـي الـحسين بن عمرو العنقزي, قال: ثنـي أبـي, عن أسبـاط, عن السديّ, عن أبـيه, قال: كاتبتْنـي زينب بنت قـيس بن مَخْرمة من بنـي الـمطلب بن عبد مناف علـى عشرة آلاف, فتركت لـي ألفـا وكانت زينب قد صلّت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتـين جميعا.
19733ـ حدثنا مـجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا ابن مسعود الـجريريّ, عن أبـي نَضْرة, عن أبـي سعيد, مولـى أبـي أَسِيد, قال: كاتبنـي أبو أَسِيد, علـى ثنتـي عشرة مئة, فجئته بها, فأخذ منها ألفـا وردّ علـيّ مِئتـين.
19734ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون بن الـمغيرة, عن عنبسة, عن سالـم الأفطس, عن سعيد بن جبـير, قال: كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لـم يضع عنه شيئا من أوّل نـجومه مخافة أن يعجِز فترجع إلـيه صدقته, ولكنه إذا كان فـي آخر مكاتبته وضع عنه ما أحبّ.
19735ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي مَخْرَمة, عن أبـيه, عن نافع, قال: كاتب عبد الله بن عمر غلاما له يقال له شرف علـى خمسة وثلاثـين ألف درهم, فوضع من آخر كتابته خمسة آلاف. ولـم يذكر نافع أنه أعطاه شيئا غير الذي وضع له.
19736ـ قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال مالك: سمعت بعض أهل العلـم يقول: إن ذلك أن يكاتب الرجل غلامه, ثم يضع عنه من آخر كتابته شيئا مسمّى. قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت, وعلـى ذلك أهل العلـم وعملُ الناس عندنا.
19737ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا زيد, قال: حدثنا سفـيان: أحبّ إلـيّ أن يعطيه الربع أو أقلّ منه شيئا, ولـيس بواجب وأن يفعل ذلك حسن.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء, عن عبد الله بن حبـيب أبـي عبد الرحمن السّلَـميّ, عن علـيّ رضي الله عنه: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: هو ربع الـمكاتبة.
وقال آخرون: بل ذلك حضّ من الله أهل الأموال علـى أن يعطوهم سهمهم الذي جعله لهم من الصدقات الـمفروضة لهم فـي أموالهم بقوله: إنّـمَا الصّدَقاتُ للْفُقَرَاءِ وَالـمَساكِينِ والعامِلِـينَ عَلَـيْها والـمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهمْ وفِـي الرّقابِ قال: فـالرّقاب التـي جعل فـيها أحد سُهْمان الصدقة الثمانـية هم الـمكاتَبون, قال: وإياه عنى جلّ ثناؤه بقوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ: أي سَهمْهم من الصدقة. ذكر من قال ذلك:
19738ـ حدثنا ابن حميد, قال: ثنـي يحيى بن واضح, قال: حدثنا الـحسين, عن ابن زيد, عن أبـيه, قوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: يحثّ الله علـيه, يُعْطَوْنه.
19739ـ حدثنـي يعقوب, قال: ثنـي ابن عُلَـية, قال: أخبرنا يونس, عن الـحسن: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: حثّ الناسَ علـيه مولاه وغيره.
19740ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن حماد, عن إبراهيـم, فـي قوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: يعطِي مكاتَبَه وغيره, حَثّ الناس علـيه.
19741ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هُشيـم, عن مغيرة, عن إبراهيـم أنه قال فـي قوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: أمر مولاه والناس جميعا أن يعينوه.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد, قال: حدثنا شعبة, عن مغيرة, عن إبراهيـم: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: أمر الـمسلـمين أن يُعْطُوهم مـما آتاهم الله.
19742ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي ابن زيد, عن أبـيه: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: ذلك فـي الزكاة علـى الوُلاة يعطونهم من الزكاة, يقول الله: وفِـي الرّقابِ.
19743ـ قال: ثنـي ابن زيد, عن أبـيه: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: الفَـيْء والصدقات. وقرأ قول الله: إنّـمَا الصّدَقاتُ للْفُقُراءِ وَالـمَساكِينِ, وقرأ حتـى بلغ: وفِـي الرّقابِ فأمر الله أن يوفوها منه, فلـيس ذلك من الكتابة. قال: وكان أبـي يقول: ماله وللكتابة هو من مال الله الذي فَرَض له فـيه نصيبـا.
وأولـى القولـين بـالصواب فـي ذلك عندي القول الثانـي, وهو قول من قال: عَنَى به إيتاءَهم سهمهم من الصدقة الـمفروضة.
وإنـما قلنا ذلك أولـى القولـين لأن قوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ أمر من الله تعالـى ذكره بإيتاء الـمكاتَبِـين من ماله الذي آتـى أهل الأموال, وأمر الله فرض علـى عبـاده الانتهاءُ إلـيه, ما لـم يخبرهم أن مراده الندْب, لـما قد بـيّنا فـي غير موضع من كتابنا. فإذ كان ذلك كذلك, ولـم يكن أخبرنا فـي كتابه ولا علـى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أنه نَدْب, ففرض واجب. وإذ كان ذلك كذلك, وكانت الـحجة قد قامت أن لا حقّ لأحد فـي مال أحد غيره من الـمسلـمين إلاّ ما أوجبه الله لأهل سُهمان الصدقة فـي أموال الأغنـياء منهم, وكانت الكتابة التـي يقتضيها سيد الـمكاتَب من مكاتَبِه مالاً من مال سيد الـمكاتَب فـيفـاد أن الـحقّ الذي أوجب الله له علـى الـمؤمنـين أن يؤتوه من أموالهم هو ما فُرِض علـى الأغنـياء فـي أموالهم له من الصدقة الـمفروضة, إذ كان لا حقّ فـي أموالهم لأحد سواها.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتّىَ يُغْنِيَهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَالّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مّن مّالِ اللّهِ الّذِيَ آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصّناً لّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنّ فِإِنّ اللّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنّ غَفُورٌ رّحِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره: زَوّجوا الصالـحين من عبـادكم وإمائكم ولا تُكْرهوا إماءَكم علـى البغاء, وهو الزنا إنْ أرَدْنَ تَـحَصّنا يقول: إن أردن تعففـا عن الزنا. لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الـحَياةِ الدّنْـيا يقول: لتلتـمسوا بإكراهكم إياهنّ علـى الزنا عَرَض الـحياة, وذلك ما تعرِض لهم إلـيه الـحاجة من رِياشها وزينتها وأموالها. وَمَنْ يُكْرِهْهُنّ يقول: ومن يُكْره فَتـياته علـى البغاء, فإن الله من بعد إكراهه إياهن علـى ذلك, لهم غَفُورٌ رَحِيـمٌ, ووِزْر ما كان من ذلك علـيهم دونهن.
وذُكر أن هذه الآية أنزلت فـي عبد الله بن أبـيّ ابن سَلَول حين أكره أمته مُسَيكة علـى الزنا. ذكر من قال ذلك:
19744ـ حدثنا الـحسن بن الصبـاح, قال: حدثنا حجاج بن مـحمد, عن ابن جُرَيج, قال: أخبرنـي أبو الزبـير, أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: جاءت مُسَيْكة لبعض الأنصار فقالت: إن سيدي يكرهنـي علـى الزنا فنزلت فـي ذلك: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ علـى البِغاءِ.
19745ـ حدثنـي يحيى بن إبراهيـم الـمسعودي, قال: حدثنا أبـي, عن أبـيه, عن جدّه, عن الأعمش, عن أبـي سفـيان عن جابر, قال: كانت جارية لعبد الله بن أبـيّ ابن سَلول يقال لها مُسَيْكة, فآجرها أو أكرهها الطبريّ شكّ فأتت النبـيّ صلى الله عليه وسلم فشكَتْ ذلك إلـيه, فأنزل الله: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ إنْ أرَدْنَ تَـحَصّنا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الـحَياةِ الدّنْـيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنّ فإنّ اللّهَ مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنّ غَفُورٌ رَحِيـمٌ يعنـي بهنّ.
19746ـ حدثنا أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس, قال: حدثنا عَبْثَر, قال: حدثنا حصين, عن الشعبـيّ, فـي قوله: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ قال: رجل كانت له جارية تفجر, فلـما أسلـمت نزلت هذه.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: أخبرنـي أبو الزبـير, عن جابر, قال: جاءت جارية لبعض الأنصار, فقالت: إن سيدي أكرهنـي علـى البغاء فأنزل الله فـي ذلك: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ.
19747ـ قال ابن جُرَيج: وأخبرنـي عمرو بن دينار, عن عكرِمة, قال: أمة لعبد الله بن أُبـيّ, أمرها فزنت, فجاءت ببُرْد, فقال لها: ارجعي فـازنـي قالت: والله لا أفعل, إن يك هذا خيرا فقد استكثرت منه, وإن يك شرّا فقد آن لـي أن أدعه. قال ابن جُرَيج, وقال مـجاهد نـحو ذلك, وزاد قال: البِغاء: الزنا. وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيـمٌ قال: للـمكرَهات علـى الزنا, وفـيها نزلت هذه الآية.
19748ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهريّ: أن رجلاً من قريش أُسِر يوم بدر. وكان عبد الله بن أُبـيّ أسره, وكان لعبد الله جارية يقال لها مُعاذة, فكان القرشيّ الأسير يريدها علـى نفسها, وكانت مسلـمة, فكانت تـمتنع منه لإسلامها, وكان ابن أُبـيّ يُكرهها علـى ذلك ويضربها رجاء أن تـحمل للقرشيّ فـيطلب فِداء ولده, فقال الله: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ إنْ أرَدْنَ تَـحَصّنا قال الزهريّ: وَمَنْ يُكْرِهْهُنّ فإنّ اللّهَ مِنْ بَعْدِ إكْراهِهِنّ غَفُورٌ رَحِيـمٌ يقول: غفور لهنّ ما أُكْرِهن علـيه.
19749ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد بن جُبـير, أنه كان يقرأ: «فإنّ اللّهَ مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنّ لَهُنّ غَفُورٌ رَحِيـمٌ».
19750ـ حدثنا علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـياتِكُمْ عَلـى البَغاءِ إنْ أرَدْنَ تَـحَصّنا يقول: ولا تكرهوا إماءكم علـى الزنا, فإن فعلتـم فإن الله سبحانه لهنّ غفور رحيـم وإثمُهنّ علـى من أكرههنّ.
19751ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ... إلـى آخر الآية, قال: كانوا فـي الـجاهلـية يُكْرهون إماءكم علـى الزنا, يأخذون أجورهنّ, فقال الله: لا تكرهوهنّ علـى الزنا من أجل الـمَنالة فـي الدنـيا, ومن يكرههنّ فإن الله من بعد إكراههنّ غفور رحيـم لهن يعنـي إذا أكرهن.
19752ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ علـى الزنا. قال: عبد الله بن أُبـيّ ابن سَلُولَ أمر أمة له بـالزنا, فجاءته بدينار أو بُبرد شكّ أبو عاصم فأعطته, فقال: ارجعي فـازنـي بآخر فقالت: والله ما أنا براجعة, فـالله غفور رحيـم للـمكْرَهات علـى الزنا ففـي هذا أنزلت هذه الآية.
حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, نـحوه, إلاّ أنه قال فـي حديثه: أمر أمة له بـالزنا, فزنت, فجاءته ببرد فأعطته. فلـم يشُكّ.
19753ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ يقول: علـى الزنا. فإنّ اللّهَ مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنّ غَفُورٌ رَحِيـمٌ يقول: غفور لهنّ, للـمكرهات علـى الزنا.
19754ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَمَنْ يُكْرِهْهُنّ فإنّ اللّهَ مِنُ بَعْدِ إكْرَاهِهِنّ غَفُورٌ قال: غفور رحيـم لهنّ حين أكرهن وقُسِرْن علـى ذلك.
19755ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مـجاهد, قال: كانوا يأمرون ولائدهم يُبـاغِين, يفعلن ذلك, فـيصبن, فـيأتـينهم بكسبهنّ, فكانت لعبد الله بن أُبـيّ ابن سَلُولَ جارية, فكانت تُبـاغِي, فكرهت وحلفت أن لا تفعله, فأكرهها أهلها, فـانطلقت فبـاغت ببرد أخضر, فأتتهم به, فأنزل الله تبـارك وتعالـى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ... الآية.
الآية : 34
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مّبَيّنَاتٍ وَمَثَلاً مّنَ الّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لّلْمُتّقِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولقد أنزلنا إلـيكم أيها الناس دِلالات وعلامات مبـيّنات يقول: مفصّلاتٍ الـحقّ من البـاطل, وموضّحات ذلك.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الـمدينة وبعض الكوفـيـين والبصريـين: «مُبَـيّناتٍ» بفتـح الـياء: بـمعنى مفصّلات, وأن الله فصّلَهن وبـيّنَهنّ لعبـاده, فهنّ مفصّلات مبـيّنات. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: مُبَـيّناتٍ بكسر الـياء, بـمعنى أن الاَيات هن تبـين الـحقّ والصواب للناس وتهديهم إلـى الـحقّ.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان, وقد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء, متقاربتا الـمعنى. وذلك أن الله إذ فصّلها وبـيّنها صارت مبـيّنة بنفسها الـحقّ لـمن التـمسه من قِبَلها, وإذا بـيّنت ذلك لـمن التـمسه من قَبِلها فـيبـين الله ذلك فـيها. فبأيّ القراءتـين قرأ القارىء فمصيب فـي قراءته الصواب.
وقوله: وَمَثَلاً مِنَ الّذِينَ خَـلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ من الأمـم, وموعظة لـمن اتقـى الله, فخاف عقابه وخشي عذابه.
الآية : 35
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اللّهُ نُورُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزّجَاجَةُ كَأَنّهَا كَوْكَبٌ دُرّيّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاّ شَرْقِيّةٍ وَلاَ غَرْبِيّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيَءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نّورٌ عَلَىَ نُورٍ يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ اللّهُ الأمْثَالَ لِلنّاسِ وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ }.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ هادي من فـي السموات والأرض, فهم بنوره إلـى الـحقّ يهتدون وبهداه من حيرة الضلالة يعتصمون.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم فـيه نـحو الذي قلنا. ذكر من قال ذلك:
19756ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ يقول: الله سبحانه هادي أهل السموات والأرض.
19757ـ حدثنـي سلـيـمان بن عمر بن خَـلْدة الرّقـي, قال: حدثنا وهب بن راشد, عن فرقد, عن أنس بن مالك, قال: إن إلهي يقول: نوري هُداي.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: الله مدبّر السموات والأرض. ذكر من قال ذلك:
19758ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال مـجاهد وابن عبـاس فـي قوله: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ يدبّر الأمر فـيهما: نـجومَهما وشمسَهما وقمرَهما.
وقال آخرون: بل عنى بذلك النور الضياء. وقالوا: معنى ذلك: ضياء السموات والأرض. ذكر من قال ذلك:
19759ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, قال: حدثنا أبو جعفر الرازيّ, عن الربـيع ابن أَنَس, عن أبـي العالـية, عن أُبـيّ بن كعب, فـي قول الله: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ قال: فبدأ بنور نفسه, فذكره, ثم ذكر نور الـمؤمن.
وإنـما اخترنا القول الذي اخترناه فـي ذلك لأنه عَقِـيب قوله: وَلَقَدْ أنْزَلْنا إلَـيْكُمْ آياتٍ مُبَـيّناتٍ, وَمَثَلاً مِنَ الّذِينَ خَـلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً للْـمُتّقِـينَ فكان ذلك بأن يكون خبرا عن موقع يقع تنزيـله من خـلقه ومن مدح ما ابتدأ بذكر مدحه, أولـى وأشبه, ما لـم يأت ما يدلّ علـى انقضاء الـخبر عنه من غيره. فإذا كان ذلك كذلك, فتأويـل الكلام: ولقد أنزلنا إلـيكم أَيّها الناس آيات مبـينات الـحق من البـاطل وَمَثَلاً مِنَ الّذِينَ خَـلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً للْـمُتّقِـينَ فهديناكم بها, وبـيّنا لكم معالـم دينكم بها, لأنـي هادي أهل السموات وأهل الأرض. وترك وصل الكلام بـاللام, وابتدأ الـخبر عن هداية خـلقه ابتداء, وفـيه الـمعنى الذي ذكَرْتُ, استغناء بدلالة الكلام علـيه من ذكره. ثم ابتدأ فـي الـخبر عن مثل هدايته خـلقه بـالاَيات الـمبـينات التـي أنزلها إلـيهم, فقال: مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ فِـيها مِصْبـاحٌ يقول: مثل ما أنار من الـحقّ بهذا التنزيـل فـي بـيانه كمشكاة.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بـالهاء فـي قوله: مَثَلُ نُورِهِ علام هي عائدة؟ ومن ذكر ما هي؟ فقال بعضهم: هي من ذكر الـمؤمن. وقالوا: معنى الكلام: مثل نور الـمؤمن الذي فـي قلبه من الإيـمان والقرآن مثل مشكاة. ذكر من قال ذلك:
19760ـ حدثنا عبد الأعلـى بن واصل, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, قال: أخبرنا أبو جعفر الرازيّ, عن الربـيع بن أنس, عن أبـي العالـية, عن أُبـيّ بن كعب, فـي قول الله: مَثَلُ نُورِهِ قال: ذكر نور الـمؤمن فقال: مثل نوره, يقول: مثل نور الـمؤمن. قال: وكان أبـيّ يقرؤها كذلك: «مَثَلُ الـمؤمن». قال: هو الـمؤمن قد جعل الإيـمان والقرآن فـي صدره.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي جعفر الرازيّ, عن أبـي العالـية, عن أُبـيّ بن كعب: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ قال: بدأ بنور نفسه فذكره, ثم قال: مَثَلُ نُورِهِ يقول: مثل نور مَنْ آمن به. قال: وكذلك كان يقرأ أُبـيّ, قال: هو عبد جعل الله القرآن والإيـمان فـي صدره.
19761ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبـير: مَثَلُ نُورِهِ قال: مثل نور الـمؤمن.
19762ـ حدثنـي علـيّ بن الـحسن الأزدي, قال: حدثنا يحيى بن الـيـمان, عن أبـي سِنان, عن ثابت, عن الضحاك فـي قوله: مَثَلُ نُورِهِ قال: نور الـمؤمن.
وقال آخرون: بل عُنِـي بـالنور: مـحمد صلى الله عليه وسلم, وقالوا: الهاء التـي قوله: مَثَلَ نُورِهِ عائدة علـى اسم الله. ذكر من قال ذلك:
19763ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب القُمّيّ, عن حفص, عن شَمِر, قال: جاء ابن عبـاس إلـى كعب الأحبـار, فقال له: حدثنـي عن قول الله عزّ وجلّ: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ... الآية؟ فقال كعب: الله نور السموات والأرض, مَثَل نوره مثل مـحمد صلى الله عليه وسلم, كمشكاة.
19764ـ حدثنـي علـيّ بن الـحسن الأزدي, قال: حدثنا يحيى بن الـيـمان, عن أشعث, عن جعفر بن أبـي الـمغيرة, عن سعيد بن جُبـير فـي قوله: مَثَلُ نُورِهِ قال: مـحمد صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: بل عُنِـي بذلك: هَدْي اللّهِ وبـيانه, وهو القرآن. قالوا: والهاء من ذكر الله, قالوا: ومعنى الكلام: الله هادي أهل السموات والأرض بآياته الـمبـينات, وهي وهي النور الذي استنار به السموات والأرض, مَثَلُ هداه وآياته التـي هَدَى بها خـلقه ووعظهم بها فـي قلوب الـمؤمنـين كمِشكاة. ذكر من قال ذلك:
19765ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: مَثَلُ نُورِهِ مثل هُدَاه فـي قلب الـمؤمن.
19766ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن عُلَـيّة, عن أبـي رجاء, عن الـحسن, فـي قوله: مَثَلُ نُورِهِ قال: مثل هذا القرآن فـي القلب كمشكاة.
19767ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: مَثَلُ نُورِهِ: نورِ القرآن الذي أنزل علـى رسوله صلى الله عليه وسلم وعبـاده, هذا مثل القرآن كمِشْكاةٍ فِـيها مِصْبـاحٌ.
19768ـ قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي عبد الله بن عَيّاش, قال: قال زيد بن أسلـم, فـي قول الله تبـارك وتعالـى: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ ونوره الذي ذكر: القرآن, ومَثَلُه الذي ضَرَب له.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: مثل نور الله. وقالوا: يعنـي بـالنور: الطاعة. ذكر من قال ذلك:
19769ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي بـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ فِـيها مصْبـاحٌ وذلك أن الـيهود قالوا لـمـحمد: كيف يخـلُص نور الله من دون السماء؟ فضرب الله مَثَلَ ذلك لنوره, فقال: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ قال: وهو مثل ضربه الله لطاعته, فسمّى طاعته نورا, ثم سماها أنوارا شَتّـى.
وقوله: كمِشْكاةٍ اختلف أهل التأويـل فـي معنى الـمِشكاة والـمصبـاح وما الـمراد بذلك, وبـالزجاجة, فقال بعضهم: الـمِشكاة كل كَوّة لا منفذَ لها, وقالوا: هذا مثل ضربه الله لقلب مـحمد صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
19770ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن حفص, عن شَمِر, قال: جاء ابن عبـاس إلـى كعب الأحبـار, فقال له: حدثنـي عن قول الله: مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ قال: الـمشكاة وهي الكَوّة, ضربها الله مثلاً لـمـحمد صلى الله عليه وسلم, الـمِشكاة فِـيها مِصْبـاحٌ الـمِصْبـاحُ قلبه فِـي زُجاجَةٍ الزّجاجَةُ صدره الزجاجة كأنّها كَوْكَبٌ دُرّيّ شبه صدر النبـيّ صلى الله عليه وسلم بـالكوكب الدريّ, ثم رجع الـمصبـاح إلـى قلبه فقال: تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبـارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ لـم تـمسّها شمس الـمشرق ولا شمس الـمغرب, يَكادُ زَيْتُها يُضِىءُ يكاد مـحمد يبـين للناس وإن لـم يتكلـم أنه نبـيّ, كما يكاد ذلك الزيت يضيء وَلَوْ لَـمْ تَـمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلـى نُورٍ.
19771ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: كمِشْكاةٍ يقول: موضع الفتـيـلة.
19772ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ... إلـى كمِشْكاةٍ قال: الـمِشكاة: كَوّة البـيت.
وقال آخرون: عنى بـالـمشكاة: صدر الـمؤمن, وبـالـمصبـاح: القرآن والإيـمان, وبـالزجاجة: قلبه. ذكر من قال ذلك:
19773ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, قال: أخبرنا أبو جعفر الرازيّ, عن الربـيع بن أنس, عن أبـي العالـية, عن أُبـيّ بن كعب: مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ فِـيها مِصْبـاحٌ قال: مَثَل الـمؤمن قد جعل الإيـمان والقرآن فـي صدره كمشكاة, قال: الـمشكاة: صدره. فِـيها مِصْبـاحٌ قال: والـمصبـاح القرآن والإيـمان الذي جعل فـي صدره. الـمِصْبـاحُ فِـي زُجاجَةٍ قال: والزجاجة: قلبه. الزّجاجَةُ كأنّها كَوْكَبٌ دُرّيّ توقَدُ, قال: فمثله مـما استنار فـيه القرآن والإيـمان كأنه كوكب درّيّ, يقول: مُضِيء. تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبـارَكَةٍ والشجرة الـمبـاركة, أصله الـمبـاركة الإخلاص لله وحده وعبـادته, لا شريك له. لا شَرْقَـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: فمثله مَثَل شجرة التفّ بها الشجر, فهي خضراء ناعمة, لا تصيبها الشمس علـى أيّ حال كانت, لا إذا طلعت ولا إذا غَربت, وكذلك هذا الـمؤمن قد أجير من أن يصيبه شيء من الغَيرِ وقد ابتُلِـي بها فثبته الله فـيها, فهو بـين أربع خلال: إن أُعطِى شكر, وإن ابتُلِـي صبر, وإن حَكَم عدل, وإن قال صدق فهو فـي سائر الناس كالرجل الـحيّ يـمشي فـي قبور الأموات. قال: نُورٌ عَلـى نُورٍ فهو يتقلّب فـي خمسة من النور: فكلامه نور, وعمله نور, ومَدْخـله نور, ومَخْرجه نور, ومصيره إلـى النور يوم القـيامة فـي الـجنة.
19774ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي يحيى بن الـيـمان, عن أبـي جعفر الرازيّ, عن الربـيع بن أنس, عن أبـي العالـية, عن أُبـيّ بن كعب, قال: الـمشكاة: صدر الـمؤمن. فـيها مصبـاح, قال: القرآن.
قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية, عن أُبـيّ بن كعب, نـحو حديث عبد الأعلـى, عن عبـيد الله.
19775ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ قال: مثل هداه فـي قلب الـمؤمن كما يكاد الزيت الصافـي يضيء قبل أن تـمسّه النار, فإذا مسته النار ازداد ضوءا علـى ضوء, كذلك يكون قلب الـمؤمن يعمل بـالهدى قبل أن يأتـيَه العلـم, فإذا جاءه العلـم ازداد هدى علـى هدى ونورا علـى نور, كما قال إبراهيـم صلوات الله علـيه قبل أن تـجيئه الـمعرفة: قالَ هَذَا رَبّـي حين رأى الكوكب من غير أن يخبره أحد أن له ربّـا, فلـما أخبره الله أنه ربه ازداد هُدًى علـى هدى.
19776ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس,قوله: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ فِـيها مِصْبـاحٌ وذلك أن الـيهود قالوا لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: كيف يخـلص نور الله من دون السماء؟ فضرب الله مَثَل ذلك لنوره, فقال: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ فِـيها مِصْبـاحٌ والـمِشكاة: كَوّة البـيت فـيها مصبـاح, الـمِصْبـاحُ فِـي زُجاجَةٍ الزّجاجَةُ كأنّها كَوْكَبٌ دُرْيّ والـمصبـاج: السراج يكون فـي الزجاجة, وهو مثل ضربه الله لطاعته, فسمى طاعته نورا وسماها أنواعا شتـى.
قوله: تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبـارَكَةٍ زَيْتَونَةٍ لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: هي شجرة لا يفـيء علـيها ظلّ شرق ولا ظلّ غرب, ضاحية, ذلك أصفـى للزيت. يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَـمْ تَـمْسَسْهُ نارٌ. قال معمر, وقال الـحسن: لـيست من شجر الدنـيا, لـيست شرقـية ولا غربـية.
وقال آخرون: هو مثل للـمؤمن غير أن الـمصبـاح وما فـيه مثل لفؤاده, والـمشكاة مثل لـجوفه. ذكر من قال ذلك:
19777ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال مـجاهد وابن عبـاس جميعا: الـمصبـاح وما فـيه مثل فؤاد الـمؤمن وجوفه, الـمصبـاح مثل الفؤاد, والكوّة مثل الـجوف.
قال ابن جُرَيج: كمِشْكاةٍ: كوّة غير نافذة. قال ابن جُرَيج, وقال ابن عبـاس: قوله: نُورٌ عَلـى نُورٍ يعنـي: إيـمان الـمؤمن وعمله.
وقال آخرون: بل ذلك مثل للقرآن فـي قلب الـمؤمن. ذكر من قال ذلك:
19778ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن أبـي رجاء, عن الـحسن, فـي قوله: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهه كمِشْكاةٍ قال: ككوّة فِـيها مِصْبـاحٌ الـمِصْبَـاحُ فِـي زُجاجَةٍ الزّجاجَةُ كأنّها كَوْكَبٌ دُرّيّ.
19779ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قول الله: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ نور القرآن الذي أنزل علـى رسوله وعبـاده, فهذا مثل القرآن كمِشْكاةٍ فِـيها مِصْبـاحٌ الـمِصْبـاحُ فِـي زُجاجَة فقرأ حتـى بلغ: مُبـارَكَةٍ فهذا مثل القرآن يستضاء به فـي نوره ويعلـمونه ويأخذون به, وهو كما هو لا ينقص, فهذا مثل ضربه الله لنوره. وفـي قوله: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ قال: الضوء: إشراق ذلك الزيت, والـمشكاة: التـي فـيها الفتـيـلة التـي فـي الـمصبـاح, والقناديـل تلك الـمصابـيح.
19780ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي إسحاق, عن سعيد بن عياض فـي قوله: كمِشْكاةٍ قال: الكوّة.
19781ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عامر, قال: حدثنا قرة, عن عطية, فـي قوله: كمِشْكاةٍ قال: قال ابن عمر: الـمشكاة الكَوّة.
وقال آخرون: الـمِشكاة القنديـل. ذكر من قال ذلك:
19782ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: كمِشْكاةٍ قال: القنديـل, ثم العمود الذي فـيه القنديـل.
19783ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: كمِشْكاةٍ: الصّفْر الذي فـي جوف القنديـل.
19784ـ حدثنـي إسحاق بن شاهين, قال: حدثنا خالد بن عبد الله عن داود, عن رجل, عن مـجاهد, قال: الـمِشكاة: القنديـل.
وقال آخرون: الـمشكاة: الـحديد الذي يعلق به القنديـل. ذكر من قال ذلك:
19785ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا هشيـم, قال: حدثنا داود بن أبـي هند, عن مـجاهد, قال: الـمشكاة: الـحدائد التـي يعلق بها القنديـل.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: ذلك مثل ضربه الله للقرآن فـي قلب أهل الإيـمان به, فقال: مَثَلُ نور الله الذي أنار به لعبـاده سبـيـل الرشاد, الذي أنزله إلـيهم فآمنوا به وصدّقوا بـما فـيه, فـي قلوب الـمؤمنـين, مثل مِشكاة, وهي عمود القنديـل الذي فـيه الفتـيـلة وذلك هو نظير الكَوّة التـي تكون فـي الـحيطان التـي لا منفذ لها. وإنـما جعل ذلك العمود مِشكاة, لأنه غير نافذ, وهو أجوف مفتوح الأعلـى, فهو كالكَوّة التـي فـي الـحائط التـي لا تنفذ. ثم قال: فِـيها مِصْبـاحٌ وهو السراج, وجعل السراج وهو الـمصبـاح مثلاً لـما فـي قلب الـمؤمن من القرآن والاَيات الـمبـينات. ثم قال: الـمِصْبـاحُ فِـي زُجاجَةٍ يعنـي أن السراج الذي فـي الـمِشكاة فـي القنديـل, وهو الزجاجة, وذلك مثل للقرآن, يقول: القرآن الذي فـي قلب الـمؤمن الذي أنار الله قلبه فـي صدره. ثم مثل الصدر فـي خـلوصه من الكفر بـالله والشكّ فـيه واستنارته بنور القرآن واستضاءته بآيات ربه الـمبـينات ومواعظه فـيها, بـالكوكب الدرّيّ, فقال: الزّجَاجَةُ وذلك صدر الـمؤمن الذي فـيه قلبه كأنّها كَوْكَبٌ دُرّيّ.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: دُرّيّ فقرأته عامة قرّاء الـحجاز: دُرّيّ بضم الدال, وترك الهمز. وقرأ بعض قراء البصرة والكوفة: «دِرّيءٌ» بكسر الدال وهمزة. وقرأ بعض قرّاء الكوفة: «دُرّيء» بضم الدال وهمزة. وكأن الذين ضموا داله وتركوا الهمزة, وجهوا معناه إلـى ما قاله أهل التفسير الذي ذكرنا عنهم, من أن الزجاجة فـي صفـائها وحسنها كالدرّ, وأنها منسوبة إلـيه لذلك من نعتها وصفتها. ووجه الذين قرءوا ذلك بكسر داله وهمزه, إلـى أنه فِعّيـل من دُرّىءَ الكوكبُ: أي دُفِع ورجم به الشيطان, من قوله: وَيَدْرأُعَنْها العَذابَ: أي يدفع, والعرب تسمى الكواكب العظام التـي لا تعرف أسماءها الداراريّ بغير همز. وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: هي الدراريء بـالهمز, من يَدْرأن. وأما الذين قرءوه بضمّ داله وهمزه, فإن كانوا أرادوا به درّوء مثل سُبّوح وقدوس من درأت, ثم استثقلوا كثرة الضمات فـيه, فصرفوا بعضها إلـى الكسرة, فقالوا: دِرّىء, كما قـيـل: وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكَبرِ عِتِـيّا وهو فُعُول, من عتوت عُتُوّا, ثم حوّلت بعض ضماتها إلـى الكسر, فقـيـل: عِتـيّا. فهو مذهب, وإلا فلا أعرف لصحة قراءتهم ذلك كذلك وجها, وذلك أنه لا يُعرف فـي كلام العرب فِعّيـل. وقد كان بعض أهل العربـية يقول: هو لـحن.
والذي هو أولـى القراءات عندي فـي ذلك بـالصواب قراءة من قرأ: دُرّىّ بضمّ داله وترك همزه, علـى النسبة إلـى الدرّ, لأن أهل التأويـل بتأويـل ذلك جاءوا. وقد ذكرنا أقوالهم فـي ذلك قبل, ففـي ذلك مُكْتفًـى عن الاستشهاد علـى صحتها بغيره. فتأويـل الكلام: الزجاجة: وهي صدر الـمؤمن, كأنها: يعنـي كأن الزجاجة, وذلك مثل لصدر الـمؤمن, كَوْكَب: يقول: فـي صفـائها وضيائها وحسنها. وإنـما يصف صدره بـالنقاء من كلّ ريب وشكّ فـي أسبـاب الإيـمان بـالله وبعده من دنس الـمعاصي, كالكوكب الذي يُشبه الدرّ فـي الصفـاء والضياء والـحسن.
واختلفوا أيضا فـي قراءة قوله: «تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبـارَكَةٍ» فقرأ ذلك بعض الـمكّيـين والـمدنـيّـين وبعض البصرين: «تَوَقّدَ مِنْ شَجَرَةٍ» بـالتاء, وفتـحها, وتشديد القاف, وفتـح الدال. وكأنهم وجهوا معنى ذلك إلـى تَوَقّدَ الـمصبـاحُ من شجرة مبـاركة. وقرأه بعض عامة قرّاء الـمدنـيـين: يُوقَدُ بـالـياء, وتـخفـيف القاف, ورفع الدال بـمعنى: يُوقِدُ الـمصبـاح مُوْقِدُه من شجرة, ثم لـم يُسَمّ فـاعله. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: «تُوقَدُ» بضم التاء وتـخفـيف القاف ورفع الدال, بـمعنى: يُوقِدُ الزجاجةُ مُوقِدُها من شجرة مبـاركة لـما لـم يسمّ فـاعله, فقـيـل تُوقَد. وقرأه بعض أهل مكة: «تَوَقّدُ» بفتـح التاء, وتشديد القاف, وضم الدال بـمعنى: تَتَوَقّد الزجاجة من شجرة, ثم أسقطت إحدى التاءين اكتفـاء بـالبـاقـية من الذاهبة.
وهذه القراءات متقاربـات الـمعانـي وإن اختلفت الألفـاظ بها وذلك أن الزجاجة إذا وُصِفت بـالتوقد أو بأنها تَوَقّد, فملعوم معنى ذلك, فإن الـمراد به تَوَقّدَ فـيها الـمصبـاح أو يُوقَد فـيها الـمصبـاح, ولكن وجّهوا الـخبر إلـى أن وصفها بذلك أقرب فـي الكلام منها وفهم السامعين معناه والـمراد منه. فإذا كان ذلك كذلك فبأيّ القراءات قرأ القارىء فمصيب, غير أن أعجب القراءات إلـيّ أن أقرأ بها فـي ذلك: «تَوَقّدَ» بفتـح التاء, وتشديد القاف, وفتـح الدال, بـمعنى: وصف الـمصبـاح بـالتوقد لأن التوقد والاتقاد لا شكّ أنهما من صفته, دون الزجاجة. فمعنى الكلام إذن: كمشكاة فـيها مصبـاح, الـمصبـاح من دهن شجرة مبـاركة, زيتونة, لا شرقـية ولا غربـية.
وقد ذكرنا بعض ما رُوي عن بعضهم من الاختلاف فـي ذلك فـيـما قد مضى, ونذكر بـاقـي ما حضرنا مـما لـم نذكره قبل. فقال بعضهم: إنـما قـيـل لهذه الشجرة لا شرقـية ولا غربـية: أي لـيست شرقـية وحدها حتـى لا تصيبها الشمس إذا غربت, وإنـما لها نصيبها من الشمس بـالغداة ما دامت بـالـجانب الذي يـلـي الشرق, ثم لا يكون لها نصيب منها إذا مالت إلـى جانب الغرب. ولا هي غربـية وحدها, فتصيبها الشمس بـالعشيّ إذا مالت إلـى جانب الغرب, ولا تصيبها بـالغدَاة ولكنها شرقـية غربـية, تطلع علـيها الشمس بـالغداة وتغرب علـيها, فـيصببها حرّ الشمس بـالغداة والعشيّ. قالوا: وإذا كانت كذلك, كان أجود لزيتها. ذكر من قال ذلك:
19786ـ حدثنا هَنّاد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سمِاك, عن عكرمة, فـي قوله: زَيْتُونَةٍ, لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: لا يسترها من الشمس جبل ولا واد, إذا طلعت وإذا غربت.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا حِرميّ بن عُمارة, قال: حدثنا شعبة, قال: أخبرنـي عُمارة, عن عكرِمة, فـي قوله: لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: الشجرة تكون فـي مكان لا يسترها من الشمس شيء, تطلع علـيها وتغرب علـيها.
19787ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال مـجاهد وابن عبـاس: لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قالا: هي التـي بشِقّ الـجبل, التـي يصيبها شروق الشمس وغروبها, إذا طلعت أصابتها وإذا غربت أصابتها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لـيست شرقـية ولا غربـية. ذكر من قال ذلك:
19788ـ حدثنـي سلـيـمان بن عبد الـجبـار, قال: ثنـي مـحمد بن الصلت, قال: حدثنا أبو كدينة, عن قابوس, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: هي شجرة وَسْط الشجر, لـيست من الشرق ولا من الغرب.
19789ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ متـيامنة الشأم, لا شرقـيّ ولا غربـيّ.
وقال آخرون: لـيست هذه الشجرة من شجر الدنـيا. ذكر من قال ذلك:
19790ـ حدثنا مـحمد بن عبد الله بن بزيع, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا عوف, عن الـحسن, فـي قول الله: لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: والله لو كانت فـي الأرض لكانت شرقـية أو غربـية, ولكنـما هو مثل ضربه الله لنوره.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عثمان, يعنـي بـان الهيثم, قال: حدثنا عوف, عن الـحسن, فـي قول الله: زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: لو كانت فـي الأرض هذه الزيتونة كان شرقـية أو غربـية, ولكن والله ما هي فـي الأرض, وإنـما هو مثل ضربه الله لنوره.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا عوف, عن الـحسن, فـي قوله: لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: هذا مَثَل ضربه الله, ولو كانت هذه الشجرة فـي الدنـيا لكانت إما شرقـية وإما غربـية.
وأولـى هذه الأقوال بتأويـل ذلك قول من قال: إنها شرقـية غربـية وقال: ومعنى الكلام: لـيست شرقـية تطلع علـيها الشمس بـالعشيّ دون الغداة, ولكن الشمس تشرق علـيها وتغرب, فهي شرقـية غربـية.
وإنـما قلنا ذلك أولـى بـمعنى الكلام, لأن الله إنـما وصف الزيت الذي يُوقَد علـى هذا الـمصبـاح بـالصفـاء والـجودة, فإذا كان شجره شرقـيّا غربـيّا كان زيته لا شكّ أجود وأصفـى وأضوأ.
وقوله: يَكادُ زيْتُها يُضِيءُ يقول تعالـى ذكره: يكاد زيت هذه الزيتونة يضيء من صفـائه وحسن ضيائه. وَلَوْ لَـمْ تَـمْسَسْهُ نار يقول: فكيف إذا مسته النار.
وإنـما أُريد بقوله: تُوقَدُ مِنْ شَجَرَة مُبـارَكَةٍ أن هذا القرآن من عند الله وأنه كلامه, فجعل مَثَله ومَثَل كونه من عنده مثلَ الـمصبـاح الذي يوقد من الشجرة الـمبـاركة التـي وصفها جلّ ثناؤه فـي هذه الآية. وعُنِـي بقوله: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ: أن حُجَج الله تعالـى ذكره علـى خـلقه تكاد من بـيانها ووضوحها تضيء لـمن فكر فـيها ونظر أو أعرض عنها وَلَها. وَلَوْ لَـمْ تَـمْسَسْهُ نارٌ يقول: ولو لـم يَزِدها الله بـيانا ووضوحا بإنزاله هذا القرآن إلـيهم, منبها لهم علـى توحيده, فكيف إذا نبههم به وذكّرهم بآياته فزادهم به حجة إلـى حُجَجه علـيهم قبل ذلك؟ فذلك بـيان من الله ونور علـى البـيان, والنور الذي كان قد وضعه لهم ونصبه قبل نزوله.
وقوله: نُورٌ عَلـى نُورٍ يعنـي النار علـى هذا الزيت الذي كاد يضيء ولو لـم تـمسسه النار. كما:
19791ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: نُورٌ عَلـى نُورٍ قال: النار علـى الزيت.
قال أبو جعفر: وهو عندي كما ذكرت مَثَلُ القرآن. ويعنـي بقوله: نُورٌ عَلـى نُورٍ هذا القرآن نور من عند الله, أنزله إلـى خـلقه يستضيئون به. علـى نور علـى الـحُجج والبـيان الذي قد نصبه لهم قبل مـجيء القرآن إنزاله إياه, مـما يدلّ علـى حقـيقة وحدانـيته. فذلك بـيان من الله, ونور علـى البـيان, والنور الذي كان وضعه لهم ونصبه قبل نزوله. وذكر عن زيد بن أسلـم فـي ذلك, ما:
19792ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي عبد الله بن عياش, قال: قال زيد بن أسلـم, فـي قوله: نُورٌ عَلـى نُورٍ يضيء بعضه بعضا, يعنـي القرآن.
وقوله: يَهْدِى اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ: يقول تعالـى ذكره: يُوَفّق الله لاتبـاع نوره, وهو هذا القرآن, من يشاء من عبـاده. وقوله: يَهْدِى اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ: يقول تعالـى ذكره: يُوَفّق الله لاتبـاع نوره, وهو هذا القرآن, من يشاء من عبـاده. وقوله: وَيَضْرِبُ اللّهُ الأمْثالَ للنّاسِ يقول: ويُـمثّل الله الأمثال والأشبـاه للناس كما مثّل لهم مثل هذا القرآن فـي قلب الـمؤمن بـالـمصبـاح فـي الـمشكاة وسائر ما فـي هذه الآية من الأمثال. وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِـيـمٌ يقول: والله بضرب الأمثال وغيرها من الأشياء كلها, ذو علـم
355
353
الآية : 32
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَنْكِحُواْ الأيَامَىَ مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره: وزوّجوا أيها الـمؤمنون من لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم, ومن أهل الصلاح من عبـيدكم ومـمالـيككم. والأيامَى: جمع أيّـم, وإنـما جمع أيامَى لأنها فعيـلة فـي الـمعنى, فجُمعت كذلك كما جمعت الـيتـيـمة: يتامَى ومنه قول جميـل:
أُحِبّ الأيامَى إذْ بُثَـيْنَةُ أيّـمٌوأحْبَبْتُ لَـمّا أنْ غَنِـيتِ الغَوَانِـيا
ولو جمعت أيائم كان صوابـا. والأيّـم يوصف به الذكر والأنثى, يقال: رجل أيّـم, وامرأة أيّـم وأيّـمة: إذا لـم يكن لها زوج ومنه قول الشاعر:
فإنْ تَنْكِحي أنْكِحْ وَإنْ تَتأَيّـمِيوإنْ كُنْتُ أفْتَـى منكمُ أتَأيّـمِ
إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يقول: إن يكن هؤلاء الذين تنكحونهم من أيامَى رجالكم ونسائكم وعبـيدكم وإمائكم أهلَ فـاقة وفقر, فإن الله يغنـيهم من فضله, فلا يـمنعنكم فقرهم من إنكاحهم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19699ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وأنْكِحُوا الأيامَى مِنْكُمْ وَالصّالِـحِينَ مِنْ عِبـادِكُمْ وَإمائِكُمْ قال: أمر الله سبحانه بـالنكاح, ورغّبهم فـيه وأمرهم أن يزوّجوا أحرارَهم وعبـيدَهم, ووعدهم فـي ذلك الغنى, فقال: إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ.
19700ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا حسن أبو الـحسن وكان إسماعيـل بن صُبـيح مَوْلـى هذا قال: سمعت القاسم بن الولـيد, عن عبد الله بن مسعود, قال: التـمسوا الغنى فـي النكاح, يقول الله: إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءُ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ.
19701ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وأنْكِحُوا الأيامَى مِنكُمْ قال: أيامى النساء: اللاتـي لـيس لهنّ أزواج.
وقوله: وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِـيـمٌ يقول جلّ ثناؤه: والله واسع الفضل جواد بعطاياه, فزوجوا إماءكم, فإن الله واسع يوسع علـيهم من فضله إن كانوا فقراء. عَلِـيـمٌ يقول: هو ذو علـم بـالفقـير منهم والغنـيّ, لا يخفـى علـيه حال خـلقه فـي شيء وتدبـيرهم.
الآية : 33
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتّىَ يُغْنِيَهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَالّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مّن مّالِ اللّهِ الّذِيَ آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصّناً لّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنّ فِإِنّ اللّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنّ غَفُورٌ رّحِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره: ولـيَسْتَعْفِف الّذِينَ لا يَجِدُون ما ينكحون به النساء عن إتـيان ما حرّم الله علـيهم من الفواحش, حَتّـى يُغْنِـيَهُمُ اللّهُ مِنْ سعة فَضْلِهِ, ويوسّع علـيهم من رزقه.
وقوله: وَالّذِينَ يَبْتَغُونَ الكِتابَ مِـمّا مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ يقول جلّ ثناؤه: والذين يـلتـمسون الـمكاتبة منكم من مـمالـيككم, فكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا.
واختلف أهل العلـم فـي وجه مكاتبة الرجل عبده الذي قد علـم فـيه خيرا, وهل قوله: فَكاتِبُوهُم إنْ عَلِـمْتُـمْ فـيهِمْ خَيْرا علـى وجه الفرض أم هو علـى وجه الندب؟ فقال بعضهم: فرض علـى الرجل أن يكاتب عبده الذي قد علـم فـيه خيرا إذا سأله العبد ذلك. ذكر من قال ذلك:
19702ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن جُرَيج, قال: قلت لعطاء: أواجب علـيّ إذا علـمت مالاً أن أكاتبه؟ قال: ما أراه إلاّ واجبـا. وقالها عمرو بن دينار, قال: قلت لعطاء: أَتأْثِرُه عن أحد؟ قال: لا.
19703ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن بكر, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, عن أنس بن مالك, أن سيرين, أراد أن يكاتبه فتلكّأ علـيه, فقال له عمر: لتكاتبنه
19704ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قال: لا ينبغي لرجل إذا كان عنده الـمـملوك الصالـح الذي له الـمال يريد إن يكاتب ألاّ يكاتبه.
وقال آخرون: ذلك غير واجب علـى السيد, وإنـما قوله: فَكاتِبُوهُمْ: نَدْب من الله سادَة العبـيد إلـى كتابة من علـم فـيه منهم خير, لا إيجاب. ذكر من قال ذلك:
19705ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال مالك بن أنس: الأمر عندنا أن لـيس علـى سيد العبد أن يكاتبه إذا سأله ذلك, ولـم أسمع بأحد من الأئمة أكره أحدا علـى أن يكاتب عبده. وقد سمعت بعض أهل العلـم إذا سُئل عن ذلك فقـيـل له: إن الله تبـارك وتعالـى يقول فـي كتابه: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا يتلو هاتـين الاَيتـين: فإذَا حَلَلْتُـمْ فـاصْطادُوا فإذَا قُضِيَتِ الصّلاةُ فـانْتَشِرُوا فـي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ قال مالك: فإنـما ذلك أمر أذِن الله فـيه للناس, ولـيس بواجب علـى الناس ولا يـلزم أحدا. وقال الثوريّ: إذا أراد العبد من سيده أن يكاتبه, فإن شاء السيد أن يكاتبه كاتبه, ولا يُجْبر السيد علـى ذلك.
19706ـ حدثنـي بذلك علـيّ عن زيد عنه وحدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا قال: لـيس بواجب علـيه أن يكاتبه, إنـما هذا أمر أذن الله فـيه ودلـيـل.
وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب قول من قال: واجب علـى سيد العبد أن يكاتبه إذا علـم فـيه خيرا وسأله العبد الكتابة وذلك أن ظاهر قوله: فَكاتِبُوهُمْ ظاهر أمر, وأمر الله فرضٌ الانتهاء إلـيه, ما لـم يكن دلـيـلٌ من كتاب أو سنة علـى أنه ندب, لـما قد بـيّنا من العلة فـي كتابنا الـمسمى «البـيان عن أصول الأحكام».
وأما الـخير الذي أمر الله تعالـى ذكره عبـاده بكتابة عبـيدهم إذا علـموه فـيهم, فهو القُدْرة علـى الاحتراف والكسب لأداء ما كوتبوا علـيه. ذكر من قال ذلك:
19707ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن عبد الكريـم الـجزري, عن نافع, عن ابن عمر: أنه كره أن يكاتِب مـملوكه إذا لـم تكن له حرفة, قال: تطعمنـي أوساخ الناس.
19708ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: فَكاتِبوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا يقول: إن علـمتـم لهم حيـلة, ولا تلقوا مُؤْنتهم علـى الـمسلـمين.
19709ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا أشهب, قال: سئل مالك بن أنس, عن قوله: فكاتبوهم إن علـمتـم فـيه خيرا فقال: إنه لـيقال: الـخير القوة علـى الأداء.
19710ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي ابن زيد, عن أبـيه, قول الله: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا قال: الـخير: القوة علـى ذلك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن علـمتـم فـيهم صدقا ووفـاء وأداء. ذكر من قال ذلك:
19711ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا يونس, عن الـحسن, فـي قوله: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا قال: صدقا ووفـاء وأداء وأمانة.
19712ـ قال: حدثنا ابن عُلَـية, قال: حدثنا عبد الله, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وطاوس, أنهما قالا فـي قوله: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا قالا: مالاً وأمانة.
19713ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح, قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي صالـح: فكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا قال: أداء وأمانة.
19714ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الـمغيرة, قال: كان إبراهيـم يقول فـي هذه الآية: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا قال: صدقا ووفـاء, أو أحدهما.
19715ـ حدثنا أبو بكر, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان, عن عطاء, فـي قوله: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: أداء ومالاً.
19716ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن جُرَيج, قال: قال عمرو بن دينار: أحسبه كل ذلك الـمال والصلاح.
19717ـ حدثنـي علـيّ بن سهل, قال: حدثنا زيد, قال: حدثنا سفـيان: إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِم خَيْرا يعنـي: صدقا ووفـاء وأمانة.
19718ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا, قال: إن علـمت فـيه خيرا لنفسك, يؤدّي إلـيك ويصدّقك ما حدثك, فكاتبه.
وقال آخرون بل معنى ذلك: إن علـمتـم لهم مالاً.
19719ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, فـي قوله: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا يقول: إن علـمتـم لهم مالاً.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عبـاس: إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: مالاً.
19720ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى, قالا: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, عن مـجاهد: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: مالاً.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: لهم مالاً, فكاتبوهم.
حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
19721ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: إن علـمتـم لهم مالاً, كائنة أخلاقهم وأديانهم ما كانت.
19722ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور, عن زَاذان, عن عطاء بن أبـي رَبـاح: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: مالاً.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا أبو بشر, عن مـجاهد, قال: إن علـمتـم عندهم مالاً.
19723ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي مـحمد بن عمرو الـيافعيّ, عن ابن جُرَيج, أن عطاء بن أبـي رَبـاح, كان يقول: ما نراه إلاّ الـمال, يعنـي قوله: إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: ثم تلا: كُتِبَ عَلَـيْكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا.
وأولـى هذه الأقوال فـي معنى ذلك عندي قول من قال: معناه: فكاتبوهم إن علـمتـم فـيهم قوّة علـى الاحتراف والاكتساب ووفـاء بـما أوجب علـى نفسه وألزمها وصدق لهجة. وذلك أن هذه الـمعانـي هي الأسبـاب التـي بـمولـى العبد الـحاجةُ إلـيها إذا كاتب عبده مـما يكون فـي العبد فأما الـمال وإن كان من الـخير, فإنه لا يكون فـي العبد وإنـما يكون عنده أو له لا فـيه, والله إنـما أوجب علـينا مكاتبة العبد إذا علـمنا فـيه خيرا لا إذا علـمنا عنده أو له, فلذلك لـم نقل: إن الـخير فـي هذا الـموضع معنـيّ به الـمال.
وقوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ يقول تعالـى ذكره: وأعطُوهم من مال الله الذي أعطاكم.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمأمور بإعطائه من مال الله الذي أعطاه مَنْ هو؟ وفـي الـمال أيّ الأموال هو؟ فقال بعضهم: الذي أمر الله بإعطاء الـمكاتب من مال الله هو مولَـى العبد الـمكاتَب, ومال الله الذي أُمر بإعطائه منه هو مال الكِتابة, والقدر الذي أمر أن يعطيه منه الربع.
وقال آخرون: بل ما شاء من ذلك الـمولـى. ذكر من قال ذلك:
19724ـ حدثنـي عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا عمران بن عيـينة, قال: حدثنا عطاء بن السائب, عن أبـي عبد الرحمن السّلَـمِيّ, عن علـيّ فـي قول الله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: ربع الـمكاتبة.
حدثنا الـحسن بن عرفة, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي, عن عطاء بن السائب, عن أبـي عبد الرحمن السّلَـميّ, عن علـيّ, فـي قوله الله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: ربع الكتابة يحطّها عنه.
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن عُلـيَة, عن لـيث, عن عبد الأعلـى, عن أبـي عبد الرحمن, عن علـيّ رضي الله عنه, فـي قول الله: وآتوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: الربع من أوّل نـجومه.
قال: أخبرنا ابن عُلَـية, قال: عطاء بن السائب, عن أبـي عبد الرحمن السّلَـميّ, عن علـيّ, فـي قوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: الربع من مكاتبته.
19725ـ حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الأَحمسيّ, قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد, قال: ثنـي عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان, عن عبد الـملك بن أعين, قال: كاتب أبو عبد الرحمن غلاما فـي أربعة آلاف درهم, ثم وضع له الربع, ثم قال: لولا أنـي رأيت علـيّا رضوان الله علـيه كاتب غلاما له ثم وضع له الربع, ما وضعت لك شيئا.
19726ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن عبد الأعلـى, عن أبـي عبد الرحمن السّلَـمي: أنه كاتب غلاما له علـى ألف ومِئتـين, فترك الربع وأشهدنـي, فقال لـي: كان صديقك يفعل هذا, يعنـي علـيّا رضوان الله علـيه, يتأوّل: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ.
19727ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن عبد الـملك, قال: ثنـي فضالة بن أبـي أمية, عن أبـيه, قال: كاتبنـي عمر بن الـخطاب رضي الله عنه, فـاستقرض لـي من حَفْصة مِئَتَـي درهم. قلت: ألا تـجعلها فـي مكاتبتـي؟ قال: إنـي لا أدري أدرك ذاك أم لا.
19728ـ قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, بلغنـي أنه كاتبه علـى مِئَة أوقـية: قال: حدثنا سفـيان, عن عبد الـملك, قال: ذكرت ذلك لعكرِمة, فقال: هو قول الله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ.
19729ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قول الله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ يقول: ضعوا عنهم من مكاتبتهم.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ يقول: ضعوا عنهم مـما قاطعتـموهم علـيه.
19730ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان, عن عطاء, فـي قوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: مـما أخرج الله لكم منهم.
19731ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن لـيث, عن مـجاهد: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: آتِهِم مـما فـي يديك.
19732ـ حدثنـي الـحسين بن عمرو العنقزي, قال: ثنـي أبـي, عن أسبـاط, عن السديّ, عن أبـيه, قال: كاتبتْنـي زينب بنت قـيس بن مَخْرمة من بنـي الـمطلب بن عبد مناف علـى عشرة آلاف, فتركت لـي ألفـا وكانت زينب قد صلّت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتـين جميعا.
19733ـ حدثنا مـجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا ابن مسعود الـجريريّ, عن أبـي نَضْرة, عن أبـي سعيد, مولـى أبـي أَسِيد, قال: كاتبنـي أبو أَسِيد, علـى ثنتـي عشرة مئة, فجئته بها, فأخذ منها ألفـا وردّ علـيّ مِئتـين.
19734ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون بن الـمغيرة, عن عنبسة, عن سالـم الأفطس, عن سعيد بن جبـير, قال: كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لـم يضع عنه شيئا من أوّل نـجومه مخافة أن يعجِز فترجع إلـيه صدقته, ولكنه إذا كان فـي آخر مكاتبته وضع عنه ما أحبّ.
19735ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي مَخْرَمة, عن أبـيه, عن نافع, قال: كاتب عبد الله بن عمر غلاما له يقال له شرف علـى خمسة وثلاثـين ألف درهم, فوضع من آخر كتابته خمسة آلاف. ولـم يذكر نافع أنه أعطاه شيئا غير الذي وضع له.
19736ـ قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال مالك: سمعت بعض أهل العلـم يقول: إن ذلك أن يكاتب الرجل غلامه, ثم يضع عنه من آخر كتابته شيئا مسمّى. قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت, وعلـى ذلك أهل العلـم وعملُ الناس عندنا.
19737ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا زيد, قال: حدثنا سفـيان: أحبّ إلـيّ أن يعطيه الربع أو أقلّ منه شيئا, ولـيس بواجب وأن يفعل ذلك حسن.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء, عن عبد الله بن حبـيب أبـي عبد الرحمن السّلَـميّ, عن علـيّ رضي الله عنه: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: هو ربع الـمكاتبة.
وقال آخرون: بل ذلك حضّ من الله أهل الأموال علـى أن يعطوهم سهمهم الذي جعله لهم من الصدقات الـمفروضة لهم فـي أموالهم بقوله: إنّـمَا الصّدَقاتُ للْفُقَرَاءِ وَالـمَساكِينِ والعامِلِـينَ عَلَـيْها والـمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهمْ وفِـي الرّقابِ قال: فـالرّقاب التـي جعل فـيها أحد سُهْمان الصدقة الثمانـية هم الـمكاتَبون, قال: وإياه عنى جلّ ثناؤه بقوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ: أي سَهمْهم من الصدقة. ذكر من قال ذلك:
19738ـ حدثنا ابن حميد, قال: ثنـي يحيى بن واضح, قال: حدثنا الـحسين, عن ابن زيد, عن أبـيه, قوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: يحثّ الله علـيه, يُعْطَوْنه.
19739ـ حدثنـي يعقوب, قال: ثنـي ابن عُلَـية, قال: أخبرنا يونس, عن الـحسن: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: حثّ الناسَ علـيه مولاه وغيره.
19740ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن حماد, عن إبراهيـم, فـي قوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: يعطِي مكاتَبَه وغيره, حَثّ الناس علـيه.
19741ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هُشيـم, عن مغيرة, عن إبراهيـم أنه قال فـي قوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: أمر مولاه والناس جميعا أن يعينوه.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد, قال: حدثنا شعبة, عن مغيرة, عن إبراهيـم: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: أمر الـمسلـمين أن يُعْطُوهم مـما آتاهم الله.
19742ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي ابن زيد, عن أبـيه: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: ذلك فـي الزكاة علـى الوُلاة يعطونهم من الزكاة, يقول الله: وفِـي الرّقابِ.
19743ـ قال: ثنـي ابن زيد, عن أبـيه: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ قال: الفَـيْء والصدقات. وقرأ قول الله: إنّـمَا الصّدَقاتُ للْفُقُراءِ وَالـمَساكِينِ, وقرأ حتـى بلغ: وفِـي الرّقابِ فأمر الله أن يوفوها منه, فلـيس ذلك من الكتابة. قال: وكان أبـي يقول: ماله وللكتابة هو من مال الله الذي فَرَض له فـيه نصيبـا.
وأولـى القولـين بـالصواب فـي ذلك عندي القول الثانـي, وهو قول من قال: عَنَى به إيتاءَهم سهمهم من الصدقة الـمفروضة.
وإنـما قلنا ذلك أولـى القولـين لأن قوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الّذِي آتاكُمْ أمر من الله تعالـى ذكره بإيتاء الـمكاتَبِـين من ماله الذي آتـى أهل الأموال, وأمر الله فرض علـى عبـاده الانتهاءُ إلـيه, ما لـم يخبرهم أن مراده الندْب, لـما قد بـيّنا فـي غير موضع من كتابنا. فإذ كان ذلك كذلك, ولـم يكن أخبرنا فـي كتابه ولا علـى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أنه نَدْب, ففرض واجب. وإذ كان ذلك كذلك, وكانت الـحجة قد قامت أن لا حقّ لأحد فـي مال أحد غيره من الـمسلـمين إلاّ ما أوجبه الله لأهل سُهمان الصدقة فـي أموال الأغنـياء منهم, وكانت الكتابة التـي يقتضيها سيد الـمكاتَب من مكاتَبِه مالاً من مال سيد الـمكاتَب فـيفـاد أن الـحقّ الذي أوجب الله له علـى الـمؤمنـين أن يؤتوه من أموالهم هو ما فُرِض علـى الأغنـياء فـي أموالهم له من الصدقة الـمفروضة, إذ كان لا حقّ فـي أموالهم لأحد سواها.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتّىَ يُغْنِيَهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَالّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مّن مّالِ اللّهِ الّذِيَ آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصّناً لّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنّ فِإِنّ اللّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنّ غَفُورٌ رّحِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره: زَوّجوا الصالـحين من عبـادكم وإمائكم ولا تُكْرهوا إماءَكم علـى البغاء, وهو الزنا إنْ أرَدْنَ تَـحَصّنا يقول: إن أردن تعففـا عن الزنا. لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الـحَياةِ الدّنْـيا يقول: لتلتـمسوا بإكراهكم إياهنّ علـى الزنا عَرَض الـحياة, وذلك ما تعرِض لهم إلـيه الـحاجة من رِياشها وزينتها وأموالها. وَمَنْ يُكْرِهْهُنّ يقول: ومن يُكْره فَتـياته علـى البغاء, فإن الله من بعد إكراهه إياهن علـى ذلك, لهم غَفُورٌ رَحِيـمٌ, ووِزْر ما كان من ذلك علـيهم دونهن.
وذُكر أن هذه الآية أنزلت فـي عبد الله بن أبـيّ ابن سَلَول حين أكره أمته مُسَيكة علـى الزنا. ذكر من قال ذلك:
19744ـ حدثنا الـحسن بن الصبـاح, قال: حدثنا حجاج بن مـحمد, عن ابن جُرَيج, قال: أخبرنـي أبو الزبـير, أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: جاءت مُسَيْكة لبعض الأنصار فقالت: إن سيدي يكرهنـي علـى الزنا فنزلت فـي ذلك: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ علـى البِغاءِ.
19745ـ حدثنـي يحيى بن إبراهيـم الـمسعودي, قال: حدثنا أبـي, عن أبـيه, عن جدّه, عن الأعمش, عن أبـي سفـيان عن جابر, قال: كانت جارية لعبد الله بن أبـيّ ابن سَلول يقال لها مُسَيْكة, فآجرها أو أكرهها الطبريّ شكّ فأتت النبـيّ صلى الله عليه وسلم فشكَتْ ذلك إلـيه, فأنزل الله: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ إنْ أرَدْنَ تَـحَصّنا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الـحَياةِ الدّنْـيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنّ فإنّ اللّهَ مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنّ غَفُورٌ رَحِيـمٌ يعنـي بهنّ.
19746ـ حدثنا أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس, قال: حدثنا عَبْثَر, قال: حدثنا حصين, عن الشعبـيّ, فـي قوله: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ قال: رجل كانت له جارية تفجر, فلـما أسلـمت نزلت هذه.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: أخبرنـي أبو الزبـير, عن جابر, قال: جاءت جارية لبعض الأنصار, فقالت: إن سيدي أكرهنـي علـى البغاء فأنزل الله فـي ذلك: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ.
19747ـ قال ابن جُرَيج: وأخبرنـي عمرو بن دينار, عن عكرِمة, قال: أمة لعبد الله بن أُبـيّ, أمرها فزنت, فجاءت ببُرْد, فقال لها: ارجعي فـازنـي قالت: والله لا أفعل, إن يك هذا خيرا فقد استكثرت منه, وإن يك شرّا فقد آن لـي أن أدعه. قال ابن جُرَيج, وقال مـجاهد نـحو ذلك, وزاد قال: البِغاء: الزنا. وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيـمٌ قال: للـمكرَهات علـى الزنا, وفـيها نزلت هذه الآية.
19748ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهريّ: أن رجلاً من قريش أُسِر يوم بدر. وكان عبد الله بن أُبـيّ أسره, وكان لعبد الله جارية يقال لها مُعاذة, فكان القرشيّ الأسير يريدها علـى نفسها, وكانت مسلـمة, فكانت تـمتنع منه لإسلامها, وكان ابن أُبـيّ يُكرهها علـى ذلك ويضربها رجاء أن تـحمل للقرشيّ فـيطلب فِداء ولده, فقال الله: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ إنْ أرَدْنَ تَـحَصّنا قال الزهريّ: وَمَنْ يُكْرِهْهُنّ فإنّ اللّهَ مِنْ بَعْدِ إكْراهِهِنّ غَفُورٌ رَحِيـمٌ يقول: غفور لهنّ ما أُكْرِهن علـيه.
19749ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد بن جُبـير, أنه كان يقرأ: «فإنّ اللّهَ مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنّ لَهُنّ غَفُورٌ رَحِيـمٌ».
19750ـ حدثنا علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـياتِكُمْ عَلـى البَغاءِ إنْ أرَدْنَ تَـحَصّنا يقول: ولا تكرهوا إماءكم علـى الزنا, فإن فعلتـم فإن الله سبحانه لهنّ غفور رحيـم وإثمُهنّ علـى من أكرههنّ.
19751ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ... إلـى آخر الآية, قال: كانوا فـي الـجاهلـية يُكْرهون إماءكم علـى الزنا, يأخذون أجورهنّ, فقال الله: لا تكرهوهنّ علـى الزنا من أجل الـمَنالة فـي الدنـيا, ومن يكرههنّ فإن الله من بعد إكراههنّ غفور رحيـم لهن يعنـي إذا أكرهن.
19752ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ علـى الزنا. قال: عبد الله بن أُبـيّ ابن سَلُولَ أمر أمة له بـالزنا, فجاءته بدينار أو بُبرد شكّ أبو عاصم فأعطته, فقال: ارجعي فـازنـي بآخر فقالت: والله ما أنا براجعة, فـالله غفور رحيـم للـمكْرَهات علـى الزنا ففـي هذا أنزلت هذه الآية.
حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, نـحوه, إلاّ أنه قال فـي حديثه: أمر أمة له بـالزنا, فزنت, فجاءته ببرد فأعطته. فلـم يشُكّ.
19753ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ يقول: علـى الزنا. فإنّ اللّهَ مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنّ غَفُورٌ رَحِيـمٌ يقول: غفور لهنّ, للـمكرهات علـى الزنا.
19754ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَمَنْ يُكْرِهْهُنّ فإنّ اللّهَ مِنُ بَعْدِ إكْرَاهِهِنّ غَفُورٌ قال: غفور رحيـم لهنّ حين أكرهن وقُسِرْن علـى ذلك.
19755ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مـجاهد, قال: كانوا يأمرون ولائدهم يُبـاغِين, يفعلن ذلك, فـيصبن, فـيأتـينهم بكسبهنّ, فكانت لعبد الله بن أُبـيّ ابن سَلُولَ جارية, فكانت تُبـاغِي, فكرهت وحلفت أن لا تفعله, فأكرهها أهلها, فـانطلقت فبـاغت ببرد أخضر, فأتتهم به, فأنزل الله تبـارك وتعالـى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ... الآية.
الآية : 34
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مّبَيّنَاتٍ وَمَثَلاً مّنَ الّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لّلْمُتّقِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولقد أنزلنا إلـيكم أيها الناس دِلالات وعلامات مبـيّنات يقول: مفصّلاتٍ الـحقّ من البـاطل, وموضّحات ذلك.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الـمدينة وبعض الكوفـيـين والبصريـين: «مُبَـيّناتٍ» بفتـح الـياء: بـمعنى مفصّلات, وأن الله فصّلَهن وبـيّنَهنّ لعبـاده, فهنّ مفصّلات مبـيّنات. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: مُبَـيّناتٍ بكسر الـياء, بـمعنى أن الاَيات هن تبـين الـحقّ والصواب للناس وتهديهم إلـى الـحقّ.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان, وقد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء, متقاربتا الـمعنى. وذلك أن الله إذ فصّلها وبـيّنها صارت مبـيّنة بنفسها الـحقّ لـمن التـمسه من قِبَلها, وإذا بـيّنت ذلك لـمن التـمسه من قَبِلها فـيبـين الله ذلك فـيها. فبأيّ القراءتـين قرأ القارىء فمصيب فـي قراءته الصواب.
وقوله: وَمَثَلاً مِنَ الّذِينَ خَـلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ من الأمـم, وموعظة لـمن اتقـى الله, فخاف عقابه وخشي عذابه.
الآية : 35
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اللّهُ نُورُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزّجَاجَةُ كَأَنّهَا كَوْكَبٌ دُرّيّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاّ شَرْقِيّةٍ وَلاَ غَرْبِيّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيَءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نّورٌ عَلَىَ نُورٍ يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ اللّهُ الأمْثَالَ لِلنّاسِ وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ }.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ هادي من فـي السموات والأرض, فهم بنوره إلـى الـحقّ يهتدون وبهداه من حيرة الضلالة يعتصمون.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم فـيه نـحو الذي قلنا. ذكر من قال ذلك:
19756ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ يقول: الله سبحانه هادي أهل السموات والأرض.
19757ـ حدثنـي سلـيـمان بن عمر بن خَـلْدة الرّقـي, قال: حدثنا وهب بن راشد, عن فرقد, عن أنس بن مالك, قال: إن إلهي يقول: نوري هُداي.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: الله مدبّر السموات والأرض. ذكر من قال ذلك:
19758ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال مـجاهد وابن عبـاس فـي قوله: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ يدبّر الأمر فـيهما: نـجومَهما وشمسَهما وقمرَهما.
وقال آخرون: بل عنى بذلك النور الضياء. وقالوا: معنى ذلك: ضياء السموات والأرض. ذكر من قال ذلك:
19759ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, قال: حدثنا أبو جعفر الرازيّ, عن الربـيع ابن أَنَس, عن أبـي العالـية, عن أُبـيّ بن كعب, فـي قول الله: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ قال: فبدأ بنور نفسه, فذكره, ثم ذكر نور الـمؤمن.
وإنـما اخترنا القول الذي اخترناه فـي ذلك لأنه عَقِـيب قوله: وَلَقَدْ أنْزَلْنا إلَـيْكُمْ آياتٍ مُبَـيّناتٍ, وَمَثَلاً مِنَ الّذِينَ خَـلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً للْـمُتّقِـينَ فكان ذلك بأن يكون خبرا عن موقع يقع تنزيـله من خـلقه ومن مدح ما ابتدأ بذكر مدحه, أولـى وأشبه, ما لـم يأت ما يدلّ علـى انقضاء الـخبر عنه من غيره. فإذا كان ذلك كذلك, فتأويـل الكلام: ولقد أنزلنا إلـيكم أَيّها الناس آيات مبـينات الـحق من البـاطل وَمَثَلاً مِنَ الّذِينَ خَـلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً للْـمُتّقِـينَ فهديناكم بها, وبـيّنا لكم معالـم دينكم بها, لأنـي هادي أهل السموات وأهل الأرض. وترك وصل الكلام بـاللام, وابتدأ الـخبر عن هداية خـلقه ابتداء, وفـيه الـمعنى الذي ذكَرْتُ, استغناء بدلالة الكلام علـيه من ذكره. ثم ابتدأ فـي الـخبر عن مثل هدايته خـلقه بـالاَيات الـمبـينات التـي أنزلها إلـيهم, فقال: مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ فِـيها مِصْبـاحٌ يقول: مثل ما أنار من الـحقّ بهذا التنزيـل فـي بـيانه كمشكاة.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بـالهاء فـي قوله: مَثَلُ نُورِهِ علام هي عائدة؟ ومن ذكر ما هي؟ فقال بعضهم: هي من ذكر الـمؤمن. وقالوا: معنى الكلام: مثل نور الـمؤمن الذي فـي قلبه من الإيـمان والقرآن مثل مشكاة. ذكر من قال ذلك:
19760ـ حدثنا عبد الأعلـى بن واصل, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, قال: أخبرنا أبو جعفر الرازيّ, عن الربـيع بن أنس, عن أبـي العالـية, عن أُبـيّ بن كعب, فـي قول الله: مَثَلُ نُورِهِ قال: ذكر نور الـمؤمن فقال: مثل نوره, يقول: مثل نور الـمؤمن. قال: وكان أبـيّ يقرؤها كذلك: «مَثَلُ الـمؤمن». قال: هو الـمؤمن قد جعل الإيـمان والقرآن فـي صدره.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي جعفر الرازيّ, عن أبـي العالـية, عن أُبـيّ بن كعب: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ قال: بدأ بنور نفسه فذكره, ثم قال: مَثَلُ نُورِهِ يقول: مثل نور مَنْ آمن به. قال: وكذلك كان يقرأ أُبـيّ, قال: هو عبد جعل الله القرآن والإيـمان فـي صدره.
19761ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبـير: مَثَلُ نُورِهِ قال: مثل نور الـمؤمن.
19762ـ حدثنـي علـيّ بن الـحسن الأزدي, قال: حدثنا يحيى بن الـيـمان, عن أبـي سِنان, عن ثابت, عن الضحاك فـي قوله: مَثَلُ نُورِهِ قال: نور الـمؤمن.
وقال آخرون: بل عُنِـي بـالنور: مـحمد صلى الله عليه وسلم, وقالوا: الهاء التـي قوله: مَثَلَ نُورِهِ عائدة علـى اسم الله. ذكر من قال ذلك:
19763ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب القُمّيّ, عن حفص, عن شَمِر, قال: جاء ابن عبـاس إلـى كعب الأحبـار, فقال له: حدثنـي عن قول الله عزّ وجلّ: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ... الآية؟ فقال كعب: الله نور السموات والأرض, مَثَل نوره مثل مـحمد صلى الله عليه وسلم, كمشكاة.
19764ـ حدثنـي علـيّ بن الـحسن الأزدي, قال: حدثنا يحيى بن الـيـمان, عن أشعث, عن جعفر بن أبـي الـمغيرة, عن سعيد بن جُبـير فـي قوله: مَثَلُ نُورِهِ قال: مـحمد صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: بل عُنِـي بذلك: هَدْي اللّهِ وبـيانه, وهو القرآن. قالوا: والهاء من ذكر الله, قالوا: ومعنى الكلام: الله هادي أهل السموات والأرض بآياته الـمبـينات, وهي وهي النور الذي استنار به السموات والأرض, مَثَلُ هداه وآياته التـي هَدَى بها خـلقه ووعظهم بها فـي قلوب الـمؤمنـين كمِشكاة. ذكر من قال ذلك:
19765ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: مَثَلُ نُورِهِ مثل هُدَاه فـي قلب الـمؤمن.
19766ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن عُلَـيّة, عن أبـي رجاء, عن الـحسن, فـي قوله: مَثَلُ نُورِهِ قال: مثل هذا القرآن فـي القلب كمشكاة.
19767ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: مَثَلُ نُورِهِ: نورِ القرآن الذي أنزل علـى رسوله صلى الله عليه وسلم وعبـاده, هذا مثل القرآن كمِشْكاةٍ فِـيها مِصْبـاحٌ.
19768ـ قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي عبد الله بن عَيّاش, قال: قال زيد بن أسلـم, فـي قول الله تبـارك وتعالـى: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ ونوره الذي ذكر: القرآن, ومَثَلُه الذي ضَرَب له.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: مثل نور الله. وقالوا: يعنـي بـالنور: الطاعة. ذكر من قال ذلك:
19769ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي بـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ فِـيها مصْبـاحٌ وذلك أن الـيهود قالوا لـمـحمد: كيف يخـلُص نور الله من دون السماء؟ فضرب الله مَثَلَ ذلك لنوره, فقال: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ قال: وهو مثل ضربه الله لطاعته, فسمّى طاعته نورا, ثم سماها أنوارا شَتّـى.
وقوله: كمِشْكاةٍ اختلف أهل التأويـل فـي معنى الـمِشكاة والـمصبـاح وما الـمراد بذلك, وبـالزجاجة, فقال بعضهم: الـمِشكاة كل كَوّة لا منفذَ لها, وقالوا: هذا مثل ضربه الله لقلب مـحمد صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
19770ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن حفص, عن شَمِر, قال: جاء ابن عبـاس إلـى كعب الأحبـار, فقال له: حدثنـي عن قول الله: مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ قال: الـمشكاة وهي الكَوّة, ضربها الله مثلاً لـمـحمد صلى الله عليه وسلم, الـمِشكاة فِـيها مِصْبـاحٌ الـمِصْبـاحُ قلبه فِـي زُجاجَةٍ الزّجاجَةُ صدره الزجاجة كأنّها كَوْكَبٌ دُرّيّ شبه صدر النبـيّ صلى الله عليه وسلم بـالكوكب الدريّ, ثم رجع الـمصبـاح إلـى قلبه فقال: تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبـارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ لـم تـمسّها شمس الـمشرق ولا شمس الـمغرب, يَكادُ زَيْتُها يُضِىءُ يكاد مـحمد يبـين للناس وإن لـم يتكلـم أنه نبـيّ, كما يكاد ذلك الزيت يضيء وَلَوْ لَـمْ تَـمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلـى نُورٍ.
19771ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: كمِشْكاةٍ يقول: موضع الفتـيـلة.
19772ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ... إلـى كمِشْكاةٍ قال: الـمِشكاة: كَوّة البـيت.
وقال آخرون: عنى بـالـمشكاة: صدر الـمؤمن, وبـالـمصبـاح: القرآن والإيـمان, وبـالزجاجة: قلبه. ذكر من قال ذلك:
19773ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, قال: أخبرنا أبو جعفر الرازيّ, عن الربـيع بن أنس, عن أبـي العالـية, عن أُبـيّ بن كعب: مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ فِـيها مِصْبـاحٌ قال: مَثَل الـمؤمن قد جعل الإيـمان والقرآن فـي صدره كمشكاة, قال: الـمشكاة: صدره. فِـيها مِصْبـاحٌ قال: والـمصبـاح القرآن والإيـمان الذي جعل فـي صدره. الـمِصْبـاحُ فِـي زُجاجَةٍ قال: والزجاجة: قلبه. الزّجاجَةُ كأنّها كَوْكَبٌ دُرّيّ توقَدُ, قال: فمثله مـما استنار فـيه القرآن والإيـمان كأنه كوكب درّيّ, يقول: مُضِيء. تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبـارَكَةٍ والشجرة الـمبـاركة, أصله الـمبـاركة الإخلاص لله وحده وعبـادته, لا شريك له. لا شَرْقَـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: فمثله مَثَل شجرة التفّ بها الشجر, فهي خضراء ناعمة, لا تصيبها الشمس علـى أيّ حال كانت, لا إذا طلعت ولا إذا غَربت, وكذلك هذا الـمؤمن قد أجير من أن يصيبه شيء من الغَيرِ وقد ابتُلِـي بها فثبته الله فـيها, فهو بـين أربع خلال: إن أُعطِى شكر, وإن ابتُلِـي صبر, وإن حَكَم عدل, وإن قال صدق فهو فـي سائر الناس كالرجل الـحيّ يـمشي فـي قبور الأموات. قال: نُورٌ عَلـى نُورٍ فهو يتقلّب فـي خمسة من النور: فكلامه نور, وعمله نور, ومَدْخـله نور, ومَخْرجه نور, ومصيره إلـى النور يوم القـيامة فـي الـجنة.
19774ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي يحيى بن الـيـمان, عن أبـي جعفر الرازيّ, عن الربـيع بن أنس, عن أبـي العالـية, عن أُبـيّ بن كعب, قال: الـمشكاة: صدر الـمؤمن. فـيها مصبـاح, قال: القرآن.
قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية, عن أُبـيّ بن كعب, نـحو حديث عبد الأعلـى, عن عبـيد الله.
19775ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ قال: مثل هداه فـي قلب الـمؤمن كما يكاد الزيت الصافـي يضيء قبل أن تـمسّه النار, فإذا مسته النار ازداد ضوءا علـى ضوء, كذلك يكون قلب الـمؤمن يعمل بـالهدى قبل أن يأتـيَه العلـم, فإذا جاءه العلـم ازداد هدى علـى هدى ونورا علـى نور, كما قال إبراهيـم صلوات الله علـيه قبل أن تـجيئه الـمعرفة: قالَ هَذَا رَبّـي حين رأى الكوكب من غير أن يخبره أحد أن له ربّـا, فلـما أخبره الله أنه ربه ازداد هُدًى علـى هدى.
19776ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس,قوله: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ فِـيها مِصْبـاحٌ وذلك أن الـيهود قالوا لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: كيف يخـلص نور الله من دون السماء؟ فضرب الله مَثَل ذلك لنوره, فقال: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ فِـيها مِصْبـاحٌ والـمِشكاة: كَوّة البـيت فـيها مصبـاح, الـمِصْبـاحُ فِـي زُجاجَةٍ الزّجاجَةُ كأنّها كَوْكَبٌ دُرْيّ والـمصبـاج: السراج يكون فـي الزجاجة, وهو مثل ضربه الله لطاعته, فسمى طاعته نورا وسماها أنواعا شتـى.
قوله: تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبـارَكَةٍ زَيْتَونَةٍ لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: هي شجرة لا يفـيء علـيها ظلّ شرق ولا ظلّ غرب, ضاحية, ذلك أصفـى للزيت. يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَـمْ تَـمْسَسْهُ نارٌ. قال معمر, وقال الـحسن: لـيست من شجر الدنـيا, لـيست شرقـية ولا غربـية.
وقال آخرون: هو مثل للـمؤمن غير أن الـمصبـاح وما فـيه مثل لفؤاده, والـمشكاة مثل لـجوفه. ذكر من قال ذلك:
19777ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال مـجاهد وابن عبـاس جميعا: الـمصبـاح وما فـيه مثل فؤاد الـمؤمن وجوفه, الـمصبـاح مثل الفؤاد, والكوّة مثل الـجوف.
قال ابن جُرَيج: كمِشْكاةٍ: كوّة غير نافذة. قال ابن جُرَيج, وقال ابن عبـاس: قوله: نُورٌ عَلـى نُورٍ يعنـي: إيـمان الـمؤمن وعمله.
وقال آخرون: بل ذلك مثل للقرآن فـي قلب الـمؤمن. ذكر من قال ذلك:
19778ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن أبـي رجاء, عن الـحسن, فـي قوله: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهه كمِشْكاةٍ قال: ككوّة فِـيها مِصْبـاحٌ الـمِصْبَـاحُ فِـي زُجاجَةٍ الزّجاجَةُ كأنّها كَوْكَبٌ دُرّيّ.
19779ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قول الله: اللّهُ نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ نور القرآن الذي أنزل علـى رسوله وعبـاده, فهذا مثل القرآن كمِشْكاةٍ فِـيها مِصْبـاحٌ الـمِصْبـاحُ فِـي زُجاجَة فقرأ حتـى بلغ: مُبـارَكَةٍ فهذا مثل القرآن يستضاء به فـي نوره ويعلـمونه ويأخذون به, وهو كما هو لا ينقص, فهذا مثل ضربه الله لنوره. وفـي قوله: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ قال: الضوء: إشراق ذلك الزيت, والـمشكاة: التـي فـيها الفتـيـلة التـي فـي الـمصبـاح, والقناديـل تلك الـمصابـيح.
19780ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي إسحاق, عن سعيد بن عياض فـي قوله: كمِشْكاةٍ قال: الكوّة.
19781ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عامر, قال: حدثنا قرة, عن عطية, فـي قوله: كمِشْكاةٍ قال: قال ابن عمر: الـمشكاة الكَوّة.
وقال آخرون: الـمِشكاة القنديـل. ذكر من قال ذلك:
19782ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: كمِشْكاةٍ قال: القنديـل, ثم العمود الذي فـيه القنديـل.
19783ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: كمِشْكاةٍ: الصّفْر الذي فـي جوف القنديـل.
19784ـ حدثنـي إسحاق بن شاهين, قال: حدثنا خالد بن عبد الله عن داود, عن رجل, عن مـجاهد, قال: الـمِشكاة: القنديـل.
وقال آخرون: الـمشكاة: الـحديد الذي يعلق به القنديـل. ذكر من قال ذلك:
19785ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا هشيـم, قال: حدثنا داود بن أبـي هند, عن مـجاهد, قال: الـمشكاة: الـحدائد التـي يعلق بها القنديـل.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: ذلك مثل ضربه الله للقرآن فـي قلب أهل الإيـمان به, فقال: مَثَلُ نور الله الذي أنار به لعبـاده سبـيـل الرشاد, الذي أنزله إلـيهم فآمنوا به وصدّقوا بـما فـيه, فـي قلوب الـمؤمنـين, مثل مِشكاة, وهي عمود القنديـل الذي فـيه الفتـيـلة وذلك هو نظير الكَوّة التـي تكون فـي الـحيطان التـي لا منفذ لها. وإنـما جعل ذلك العمود مِشكاة, لأنه غير نافذ, وهو أجوف مفتوح الأعلـى, فهو كالكَوّة التـي فـي الـحائط التـي لا تنفذ. ثم قال: فِـيها مِصْبـاحٌ وهو السراج, وجعل السراج وهو الـمصبـاح مثلاً لـما فـي قلب الـمؤمن من القرآن والاَيات الـمبـينات. ثم قال: الـمِصْبـاحُ فِـي زُجاجَةٍ يعنـي أن السراج الذي فـي الـمِشكاة فـي القنديـل, وهو الزجاجة, وذلك مثل للقرآن, يقول: القرآن الذي فـي قلب الـمؤمن الذي أنار الله قلبه فـي صدره. ثم مثل الصدر فـي خـلوصه من الكفر بـالله والشكّ فـيه واستنارته بنور القرآن واستضاءته بآيات ربه الـمبـينات ومواعظه فـيها, بـالكوكب الدرّيّ, فقال: الزّجَاجَةُ وذلك صدر الـمؤمن الذي فـيه قلبه كأنّها كَوْكَبٌ دُرّيّ.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: دُرّيّ فقرأته عامة قرّاء الـحجاز: دُرّيّ بضم الدال, وترك الهمز. وقرأ بعض قراء البصرة والكوفة: «دِرّيءٌ» بكسر الدال وهمزة. وقرأ بعض قرّاء الكوفة: «دُرّيء» بضم الدال وهمزة. وكأن الذين ضموا داله وتركوا الهمزة, وجهوا معناه إلـى ما قاله أهل التفسير الذي ذكرنا عنهم, من أن الزجاجة فـي صفـائها وحسنها كالدرّ, وأنها منسوبة إلـيه لذلك من نعتها وصفتها. ووجه الذين قرءوا ذلك بكسر داله وهمزه, إلـى أنه فِعّيـل من دُرّىءَ الكوكبُ: أي دُفِع ورجم به الشيطان, من قوله: وَيَدْرأُعَنْها العَذابَ: أي يدفع, والعرب تسمى الكواكب العظام التـي لا تعرف أسماءها الداراريّ بغير همز. وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: هي الدراريء بـالهمز, من يَدْرأن. وأما الذين قرءوه بضمّ داله وهمزه, فإن كانوا أرادوا به درّوء مثل سُبّوح وقدوس من درأت, ثم استثقلوا كثرة الضمات فـيه, فصرفوا بعضها إلـى الكسرة, فقالوا: دِرّىء, كما قـيـل: وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكَبرِ عِتِـيّا وهو فُعُول, من عتوت عُتُوّا, ثم حوّلت بعض ضماتها إلـى الكسر, فقـيـل: عِتـيّا. فهو مذهب, وإلا فلا أعرف لصحة قراءتهم ذلك كذلك وجها, وذلك أنه لا يُعرف فـي كلام العرب فِعّيـل. وقد كان بعض أهل العربـية يقول: هو لـحن.
والذي هو أولـى القراءات عندي فـي ذلك بـالصواب قراءة من قرأ: دُرّىّ بضمّ داله وترك همزه, علـى النسبة إلـى الدرّ, لأن أهل التأويـل بتأويـل ذلك جاءوا. وقد ذكرنا أقوالهم فـي ذلك قبل, ففـي ذلك مُكْتفًـى عن الاستشهاد علـى صحتها بغيره. فتأويـل الكلام: الزجاجة: وهي صدر الـمؤمن, كأنها: يعنـي كأن الزجاجة, وذلك مثل لصدر الـمؤمن, كَوْكَب: يقول: فـي صفـائها وضيائها وحسنها. وإنـما يصف صدره بـالنقاء من كلّ ريب وشكّ فـي أسبـاب الإيـمان بـالله وبعده من دنس الـمعاصي, كالكوكب الذي يُشبه الدرّ فـي الصفـاء والضياء والـحسن.
واختلفوا أيضا فـي قراءة قوله: «تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبـارَكَةٍ» فقرأ ذلك بعض الـمكّيـين والـمدنـيّـين وبعض البصرين: «تَوَقّدَ مِنْ شَجَرَةٍ» بـالتاء, وفتـحها, وتشديد القاف, وفتـح الدال. وكأنهم وجهوا معنى ذلك إلـى تَوَقّدَ الـمصبـاحُ من شجرة مبـاركة. وقرأه بعض عامة قرّاء الـمدنـيـين: يُوقَدُ بـالـياء, وتـخفـيف القاف, ورفع الدال بـمعنى: يُوقِدُ الـمصبـاح مُوْقِدُه من شجرة, ثم لـم يُسَمّ فـاعله. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: «تُوقَدُ» بضم التاء وتـخفـيف القاف ورفع الدال, بـمعنى: يُوقِدُ الزجاجةُ مُوقِدُها من شجرة مبـاركة لـما لـم يسمّ فـاعله, فقـيـل تُوقَد. وقرأه بعض أهل مكة: «تَوَقّدُ» بفتـح التاء, وتشديد القاف, وضم الدال بـمعنى: تَتَوَقّد الزجاجة من شجرة, ثم أسقطت إحدى التاءين اكتفـاء بـالبـاقـية من الذاهبة.
وهذه القراءات متقاربـات الـمعانـي وإن اختلفت الألفـاظ بها وذلك أن الزجاجة إذا وُصِفت بـالتوقد أو بأنها تَوَقّد, فملعوم معنى ذلك, فإن الـمراد به تَوَقّدَ فـيها الـمصبـاح أو يُوقَد فـيها الـمصبـاح, ولكن وجّهوا الـخبر إلـى أن وصفها بذلك أقرب فـي الكلام منها وفهم السامعين معناه والـمراد منه. فإذا كان ذلك كذلك فبأيّ القراءات قرأ القارىء فمصيب, غير أن أعجب القراءات إلـيّ أن أقرأ بها فـي ذلك: «تَوَقّدَ» بفتـح التاء, وتشديد القاف, وفتـح الدال, بـمعنى: وصف الـمصبـاح بـالتوقد لأن التوقد والاتقاد لا شكّ أنهما من صفته, دون الزجاجة. فمعنى الكلام إذن: كمشكاة فـيها مصبـاح, الـمصبـاح من دهن شجرة مبـاركة, زيتونة, لا شرقـية ولا غربـية.
وقد ذكرنا بعض ما رُوي عن بعضهم من الاختلاف فـي ذلك فـيـما قد مضى, ونذكر بـاقـي ما حضرنا مـما لـم نذكره قبل. فقال بعضهم: إنـما قـيـل لهذه الشجرة لا شرقـية ولا غربـية: أي لـيست شرقـية وحدها حتـى لا تصيبها الشمس إذا غربت, وإنـما لها نصيبها من الشمس بـالغداة ما دامت بـالـجانب الذي يـلـي الشرق, ثم لا يكون لها نصيب منها إذا مالت إلـى جانب الغرب. ولا هي غربـية وحدها, فتصيبها الشمس بـالعشيّ إذا مالت إلـى جانب الغرب, ولا تصيبها بـالغدَاة ولكنها شرقـية غربـية, تطلع علـيها الشمس بـالغداة وتغرب علـيها, فـيصببها حرّ الشمس بـالغداة والعشيّ. قالوا: وإذا كانت كذلك, كان أجود لزيتها. ذكر من قال ذلك:
19786ـ حدثنا هَنّاد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سمِاك, عن عكرمة, فـي قوله: زَيْتُونَةٍ, لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: لا يسترها من الشمس جبل ولا واد, إذا طلعت وإذا غربت.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا حِرميّ بن عُمارة, قال: حدثنا شعبة, قال: أخبرنـي عُمارة, عن عكرِمة, فـي قوله: لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: الشجرة تكون فـي مكان لا يسترها من الشمس شيء, تطلع علـيها وتغرب علـيها.
19787ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال مـجاهد وابن عبـاس: لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قالا: هي التـي بشِقّ الـجبل, التـي يصيبها شروق الشمس وغروبها, إذا طلعت أصابتها وإذا غربت أصابتها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لـيست شرقـية ولا غربـية. ذكر من قال ذلك:
19788ـ حدثنـي سلـيـمان بن عبد الـجبـار, قال: ثنـي مـحمد بن الصلت, قال: حدثنا أبو كدينة, عن قابوس, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: هي شجرة وَسْط الشجر, لـيست من الشرق ولا من الغرب.
19789ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ متـيامنة الشأم, لا شرقـيّ ولا غربـيّ.
وقال آخرون: لـيست هذه الشجرة من شجر الدنـيا. ذكر من قال ذلك:
19790ـ حدثنا مـحمد بن عبد الله بن بزيع, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا عوف, عن الـحسن, فـي قول الله: لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: والله لو كانت فـي الأرض لكانت شرقـية أو غربـية, ولكنـما هو مثل ضربه الله لنوره.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عثمان, يعنـي بـان الهيثم, قال: حدثنا عوف, عن الـحسن, فـي قول الله: زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: لو كانت فـي الأرض هذه الزيتونة كان شرقـية أو غربـية, ولكن والله ما هي فـي الأرض, وإنـما هو مثل ضربه الله لنوره.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا عوف, عن الـحسن, فـي قوله: لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: هذا مَثَل ضربه الله, ولو كانت هذه الشجرة فـي الدنـيا لكانت إما شرقـية وإما غربـية.
وأولـى هذه الأقوال بتأويـل ذلك قول من قال: إنها شرقـية غربـية وقال: ومعنى الكلام: لـيست شرقـية تطلع علـيها الشمس بـالعشيّ دون الغداة, ولكن الشمس تشرق علـيها وتغرب, فهي شرقـية غربـية.
وإنـما قلنا ذلك أولـى بـمعنى الكلام, لأن الله إنـما وصف الزيت الذي يُوقَد علـى هذا الـمصبـاح بـالصفـاء والـجودة, فإذا كان شجره شرقـيّا غربـيّا كان زيته لا شكّ أجود وأصفـى وأضوأ.
وقوله: يَكادُ زيْتُها يُضِيءُ يقول تعالـى ذكره: يكاد زيت هذه الزيتونة يضيء من صفـائه وحسن ضيائه. وَلَوْ لَـمْ تَـمْسَسْهُ نار يقول: فكيف إذا مسته النار.
وإنـما أُريد بقوله: تُوقَدُ مِنْ شَجَرَة مُبـارَكَةٍ أن هذا القرآن من عند الله وأنه كلامه, فجعل مَثَله ومَثَل كونه من عنده مثلَ الـمصبـاح الذي يوقد من الشجرة الـمبـاركة التـي وصفها جلّ ثناؤه فـي هذه الآية. وعُنِـي بقوله: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ: أن حُجَج الله تعالـى ذكره علـى خـلقه تكاد من بـيانها ووضوحها تضيء لـمن فكر فـيها ونظر أو أعرض عنها وَلَها. وَلَوْ لَـمْ تَـمْسَسْهُ نارٌ يقول: ولو لـم يَزِدها الله بـيانا ووضوحا بإنزاله هذا القرآن إلـيهم, منبها لهم علـى توحيده, فكيف إذا نبههم به وذكّرهم بآياته فزادهم به حجة إلـى حُجَجه علـيهم قبل ذلك؟ فذلك بـيان من الله ونور علـى البـيان, والنور الذي كان قد وضعه لهم ونصبه قبل نزوله.
وقوله: نُورٌ عَلـى نُورٍ يعنـي النار علـى هذا الزيت الذي كاد يضيء ولو لـم تـمسسه النار. كما:
19791ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: نُورٌ عَلـى نُورٍ قال: النار علـى الزيت.
قال أبو جعفر: وهو عندي كما ذكرت مَثَلُ القرآن. ويعنـي بقوله: نُورٌ عَلـى نُورٍ هذا القرآن نور من عند الله, أنزله إلـى خـلقه يستضيئون به. علـى نور علـى الـحُجج والبـيان الذي قد نصبه لهم قبل مـجيء القرآن إنزاله إياه, مـما يدلّ علـى حقـيقة وحدانـيته. فذلك بـيان من الله, ونور علـى البـيان, والنور الذي كان وضعه لهم ونصبه قبل نزوله. وذكر عن زيد بن أسلـم فـي ذلك, ما:
19792ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي عبد الله بن عياش, قال: قال زيد بن أسلـم, فـي قوله: نُورٌ عَلـى نُورٍ يضيء بعضه بعضا, يعنـي القرآن.
وقوله: يَهْدِى اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ: يقول تعالـى ذكره: يُوَفّق الله لاتبـاع نوره, وهو هذا القرآن, من يشاء من عبـاده. وقوله: يَهْدِى اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ: يقول تعالـى ذكره: يُوَفّق الله لاتبـاع نوره, وهو هذا القرآن, من يشاء من عبـاده. وقوله: وَيَضْرِبُ اللّهُ الأمْثالَ للنّاسِ يقول: ويُـمثّل الله الأمثال والأشبـاه للناس كما مثّل لهم مثل هذا القرآن فـي قلب الـمؤمن بـالـمصبـاح فـي الـمشكاة وسائر ما فـي هذه الآية من الأمثال. وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِـيـمٌ يقول: والله بضرب الأمثال وغيرها من الأشياء كلها, ذو علـم
الصفحة رقم 354 من المصحف تحميل و استماع mp3