تفسير الطبري تفسير الصفحة 37 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 37
038
036
 الآية : 231
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا طَلّقْتُمُ النّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَأَمْسِكُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرّحُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنّ ضِرَاراً لّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: وإذا طلقتـم أيها الرجال نساءكم فبلغن أجلهن, يعنـي ميقاتهن الذي وقته لهن من انقضاء الأقراء الثلاثة إن كانت من أهل الأقراء وانقضاء الأشهر, إن كانت من أهل الشهور, فأَمْسِكُوهُنّ يقول: فراجعوهن إن أردتـم رجعتهن فـي الطلقة التـي فـيها رجعة, وذلك إما فـي التطلـيقة الواحدة أو التطلـيقتـين كما قال تعالـى ذكره: الطّلاقُ مَرّتانِ فإمْساكٌ بِـمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ.
وأما قوله: بِـمَعْرُوفٍ فإنه عنى بـما أذن به من الرجعة من الإشهاد علـى الرجعة قبل انقضاء العدة دون الرجعة بـالوطء والـجماع, لأن ذلك إنـما يجوز للرجل بعد الرجعة, وعلـى الصحبة مع ذلك والعشرة بـما أمر الله به وبـينه لكم أيها الناس. أوْ سَرّحُوهُنّ بِـمَعْرُوفٍ يقول: أو خـلّوهن يقضين تـمام عدتهنّ وينقضي بقـية أجلهنّ الذي أجلته لهنّ لعددهن بـمعروف, يقول: بإيفـائهن تـمام حقوقهن علـيكم علـى ما ألزمتكم لهن من مهر ومتعة ونفقة وغير ذلك من حقوقهن قبلكم. وَلا تُـمْسِكُوهُنّ ضِرَارا لِتَعْتَدُوا يقول: ولا تراجعوهنّ إن راجعتـموهنّ فـي عددهنّ مضارة لهنّ لتطوّلوا علـيهنّ مدة انقضاء عددهنّ, أو لتأخذوا منهنّ بعض ما آتـيتـموهنّ بطلبهنّ الـخـلع منكم لـمضارّتكم إياهنّ بإمساككم إياهنّ, ومراجعتكموهنّ ضرارا واعتداء.
وقوله: لِتَعْتَدُوا يقول: لتظلـموهنّ بـمـجاوزتكم فـي أمرهنّ حدودي التـي بـينتها لكم.
وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
4257ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن أبـي الضحى, عن مسروق: وَلا تُـمْسِكوهُن ضِرَارا قال: يطلقها حتـى إذا كادت تنقضي راجعها, ثم يطلقها, فـيدعها, حتـى إذا كادت تنقضي عدتها راجعها, ولا يريد إمساكها, فذلك الذي يضارّ ويتـخذ آيات الله هزوا.
4258ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن أبـي رجاء, قال: سئل الـحسن عن قوله تعالـى: وإذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فأمْسِكُوهُنّ بِـمَعْرُوفٍ أوْ سَرّحُوهُنّ بِـمَعْرُوفٍ وَلا تُـمْسِكُوهُنّ ضِرَارا لِتَعْتَدُوا قال: كان الرجل يطلق الـمرأة, ثم يراجعها, ثم يطلقها, ثم يراجعها يضارّها فنهاهم الله عن ذلك.
4259ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: وإذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فأمْسِكُوهُنّ بِـمَعْرُوفٍ أوْ سَرّحُوهُنّ بِـمَعْرُوفٍ قال نهى الله عن الضرار ضرارا أن يطلق الرجل امرأته, ثم يراجعها عند آخر يوم يبقـى من الأجل حتـى يفـي لها تسعة أشهر لـيضارّها به.
4260ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد بنـحوه, إلا أنه قال: نهى عن الضرار, والضرارُ فـي الطلاق: أن يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها. وسائر الـحديث مثل حديث مـحمد بن عمرو.
4261ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وإذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فأمْسِكُوهُنّ بِـمَعْرُوفٍ أوْ سَرّحُوهُنّ بِـمَعْرُوفٍ وَلا تُـمْسِكُوهُنّ ضِرَارا لِتَعْتَدُوا كان الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها, ثم يطلقها, يفعل ذلك يضارّها ويعضلها, فأنزل الله هذه الآية.
4262ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله: وإذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فأمْسِكُوهُنّ بِـمَعْرُوفٍ أوْ سَرّحُوهُنّ بِـمَعْرُوفٍ وَلا تُـمْسِكُوهُنّ ضِرَارا لِتَعْتَدُوا قال: كان الرجل يطلق امرأته تطلـيقة واحدة ثم يدعها, حتـى إذا ما تكاد تـخـلو عدتها راجعها, ثم يطلقها, حتـى إذا ما كاد تـخـلو عدتها راجعها, ولا حاجة له فـيها, إنـما يريد أن يضارّها بذلك, فنهى الله عن ذلك وتقدم فـيه, وقال: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَـمَ نَفْسَه.
3حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي اللـيث, عن يونس, عن ابن شهاب, قال: قال الله تعالـى ذكره: وإذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فأمْسِكُوهُنّ بِـمَعْرُوفٍ أوْ سَرّحُوهُنّ بِـمَعْرُوفٍ وَلا تُـمْسِكُوهُنّ ضِرَارا لِتَعْتَدُوا فإذا طلق الرجل الـمرأة وبلغت أجلها فلـيراجعها بـمعروف أو لـيسرحها بإحسان, ولا يحلّ له أن يراجعها ضرارا, ولـيست له فـيها رغبة إلا أن يضارّها.
4263ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, عن قتادة فـي قوله: وَلا تُـمْسِكُوهُنّ ضِرَارا لِتَعْتَدُوا قال: هو فـي الرجل يحلف بطلاق امرأته, فإذا بقـي من عدتها شيء راجعها يضارّها بذلك, ويطوّل علـيها فنهاهم الله عن ذلك.
4264ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـي أويس, عن مالك بن أنس, عن ثور بن زيد الديـلـي: أن رجلاً كان يطلق امرأته ثم يراجعها, ولا حاجة له بها ولا يريد إمساكها, كيـما يطوّل علـيها بذلك العدّة لـيضارّها فأنزل الله تعالـى ذكره: وَلا تُـمْسِكُوهُنّ ضِرَارا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَـمَ نَفْسَهُ يعظّم ذلك.
4265ـ حدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان البـاهلـي, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: ولا تُـمْسِكُوهُنّ ضِرارا: هو الرجل يطلق امرأته واحدة, ثم يراجعها, ثم يطلقها, ثم يراجعها, ثم يطلقها لـيضارّها بذلك لتـختلع منه.
4266ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وإذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فأمْسِكُوهُنّ بِـمَعْرُوفٍ أوْ سَرّحُوهُنّ بِـمَعْرُوفٍ وَلا تُـمْسِكُوهُنّ ضِرَارا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَـمَ نَفْسَهُ وَلا تَتّـخِذُوا آياتِ اللّهِ هُزُوا قال: نزلت فـي رجل من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلق امرأته حتـى إذا انقضت عدتها إلا يومين أو ثلاثة راجعها ثم طلقها, ففعل ذلك بها, حتـى مضت لها تسعة أشهر مضارّة يضارّها, فأنزل الله تعالـى ذكره: وَلا تُـمْسِكُوهُنّ ضِرَارا لِتَعْتَدُوا.
4267ـ حدثنـي العبـاس بن الولـيد, قال: أخبرنـي أبـي, قال: سمعت عبد العزيز يسأل عن طلاق الضرار, فقال: يطلق ثم يراجع, ثم يطلق, ثم يراجع, فهذا الضرار الذي قال الله: وَلا تُـمْسِكُوهُنّ ضِرَارا لِتَعْتَدُوا.
4268ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا فضيـل بن مرزوق, عن عطية: وَلا تُـمْسِكُوهُنّ ضِرَارا لِتَعْتَدُوا قال: الرجل يطلق امرأته تطلـيقة, ثم يتركها حتـى تـحيض ثلاث حيض, ثم يراجعها, ثم يطلقها تطلـيقة, ثم يـمسك عنها حتـى تـحيض ثلاث حيض, ثم يراجعها لتعتدوا قال: لا يطاول علـيهن.
وأصل التسريح من سَرْحِ القوم, وهو ما أطلق من نعمهم للرعي, يقال للـمواشي الـمرسلة للرعي: هذا سَرْح القوم, يراد به مواشيهم الـمرسلة للرعي, ومنه قول الله تعالـى ذكره: والأنْعامَ خَـلَقَها لَكُمْ فِـيها دِفْءٌ وَمَناِفعُ وَمِنْهَا تَأكُلُونَ وَلَكُمْ فِـيها جمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُون يعنـي بقوله حين تسرحون: حين ترسلونها للرعي فقـيـل للـمرأة إذا خلاها زوجها فأبـانها منه: سَرّحها, تـمثـيلاً لذلك بتسريح الـمسرّح ماشيته للرعي وتشبـيها به.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَـمَ نَفْسَهُ.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: ومن يراجع امرأته بعد طلاقه إياها فـي الطلاق الذي له فـيه علـيها الرجعة ضرارا بها لـيعتدي حدّ الله فـي أمرها, فقد ظلـم نفسه, يعنـي فأكسبها بذلك إثما, وأوجب لها من الله عقوبة بذلك.
وقد بـينا معنى الظلـم فـيـما مضى, وأنه وضع الشيء فـي غير موضعه وفعل ما لـيس للفـاعل فعله.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا تَتّـخِذُوا آياتِ اللّهِ هُزُوا.
يعنـي تعالـى ذكره: ولا تتـخذوا أعلام الله وفصوله بـين حلاله وحرامه وأمره ونهيه فـي وحيه وتنزيـله استهزاءً ولعبـا, فإنه قد بـين لكم فـي تنزيـله وآي كتابه ما لكم من الرجعة علـى نسائكم فـي الطلاق الذي جعل لكم علـيهن فـيه الرجعة, وما لـيس لكم منها, وما الوجه الـجائز لكم منها وما الذي لا يجوز, وما الطلاق الذي لكم علـيهن فـيه الرجعة وما لـيس لكم ذلك فـيه, وكيف وجوه ذلك رحمة منه بكم ونعمة منه علـيكم, لـيجعل بذلك لبعضكم من مكروه إن كان فـيه من صاحبه مـما هو فـيه الـمخرج والـمخـلص بـالطلاق والفراق, وجعل ما جعل لكم علـيهنّ من الرجعة سبـيلاً لكم إلـى الوصول إلـى ما نازعه إلـيه ودعاه إلـيه هواه بعد فراقه إياهن منهن, لتدركوا بذلك قضاء أوطاركم منهن, إنعاما منه بذلك علـيكم, لا لتتـخذوا ما بـينت لكم من ذلك فـي آي كتابـي وتنزيـلـي تفضلاً منـي ببـيانه علـيكم, وإنعاما ورحمة منـي بكم لعبـا وسخريا.
وبـمعنى ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
4269ـ حدثنـي عبد الله بن أحمد بن شبّوبَةَ, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا أيوب بن سلـيـمان, قال: حدثنا أبو بكر بن أبـي أويس, عن سلـيـمان بن بلال, عن مـحمد بن أبـي عتـيق وموسى بن عقبة, عن ابن شهاب, عن سلـيـمان بن أرقم, أن الـحسن حدثهم: أن الناس كانوا علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يطّلق الرجل أو يعتق, فـيقال: ما صنعت؟ فـيقول: إنـما كنت لاعبـا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ طَلّق لاعِبـا أوْ أعْتَق لاعِبـا فَقَدْ جاز عَلَـيْهِ» قال الـحسن: وفـيه نزلت: وَلا تَتّـخِذُوا آياتِ اللّهِ هُزُوا.

3حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله: وَلا تَتّـخِذُوا آياتِ اللّهِ هُزُوا قال: كان الرجل يطلق امرأته, فـيقول: إنـما طلقت لاعبـا, ويتزوّج أو يعتق أو يتصدّق فـيقول: إنـما فعلت لاعبـا, فنهوا عن ذلك, فقال تعالـى ذكره: وَلا تَتّـخِذُوا آياتِ اللّهِ هُزُوا.
3حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا إسحاق بن منصور, عن عبد السلام بن حرب, عن يزيد بن عبد الرحمن, عن أبـي العلاء, عن حميد بن عبد الرحمن, عن أبـي موسى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب علـى الأشعريـين فأتاه أبو موسى, فقال: يا رسول الله غضبت علـى الأشعريـين فقال: «يَقُولُ أحَدُكُمْ قَدْ طَلّقْتُ قَد راجَعْتُ لَـيْسَ هَذا طَلاقَ الـمُسْلِـمِين, طَلّقُوا الـمَرأةَ فـي قُبْلِ عِدّتِها».
4270ـ حدثنا أبو زيد, عن ابن شبة, قال: حدثنا أبو غسان النهدي, قال: حدثنا عبد السلام بن حرب, عن يزيد بن أبـي خالد, يعنـي الدالانـي, عن أبـي العلاء الأودي, عن حميد بن عبد الرحمن, عن أبـي موسى الأشعري, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال لهم: «يَقُولُ أحَدُكُمْ لاِمْرأتِهِ: قَدْ طَلّقْتُكِ, قَدْ راجَعْتُكِ لَـيْس هَذَا بِطَلاق الـمُسْلِـمِين, طَلّقُوا الـمَرأةَ فـي قُبْلِ عِدّتِها».
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: واذْكُرُوا نِعْمَة اللّهِ عَلَـيْكُمْ وَما أنْزَلَ عَلَـيْكُمْ مِنَ الكِتابِ والـحِكْمَةِ.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: واذكروا نعمة الله علـيكم بـالإسلام, الذي أنعم علـيكم به, فهداكم له, وسائر نعمه التـي خصكم بها دون غيركم من سائر خـلقه, فـاشكروه علـى ذلك بطاعته فـيـما أمركم به ونهاكم عنه, واذكروا أيضا مع ذلك, ما أنزل علـيكم من كتابه ذلك, القرآن الذي أنزله علـى نبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم, واذكروا ذلك فـاعلـموا به, واحفظوا حدوده فـيه. والـحكمة: يعنـي: وما أنزل علـيكم من الـحكمة, وهي السنن التـي علـمكموها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنها لكم. وقد ذكرت اختلاف الـمختلفـين فـي معنى الـحكمة فـيـما مضى قبل فـي قوله: ويُعَلّـمُهُمُ الكِتابَ وَالـحَكْمَةَ فأغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتّقُوا اللّهَ وَاعْلَـمُوا أنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِـيـمٌ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: يَعِظُكُمْ بِهِ يعظكم بـالكتاب الذي أنزل علـيكم. والهاء التـي فـي قوله «به» عائدة علـى الكتاب. وَاتّقُوا اللّهَ يقول: وخافوا الله فـيـما أمركم به, وفـيـما نهاكم عنه فـي كتابه الذي أنزله علـيكم, وفـيـما أنزله فبـينه علـى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم أن تضيعوه وتتعدوا حدوده, فتستوجبوا ما لا قبل لكم به من ألـيـم عقابه, ونكال عذابه. وقوله: وَاعْلَـمُوا أنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِـيـمٌ يقول: واعلـموا أيها الناس أن ربكم الذي حدّ لكم هذه الـحدود, وشرع لكم هذه الشرائع, وفرَض علـيكم هذه الفرائض فـي كتابه وفـي تنزيـله, علـى رسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم بكل ما أنتـم عاملوه من خير وشرّ, وحسن وسيىء, وطاعة ومعصية, عالـم لا يخفـى علـيه من ظاهر ذلك وخفـيه وسره وجهره شيء, وهو مـجازيكم بـالإحسان إحسانا, وبـالسيىء سيئا, إلا أن يعفو ويصفح فلا تتعرّضوا لعقابه, ولا تظلـموا أنفسكم.
الآية : 232
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا طَلّقْتُمُ النّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَىَ لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }
ذكر أن هذه الآية نزلت فـي رجل كانت له أخت كان زوّجها من ابن عم لها, فطلقها وتركها فلـم يراجعها حتـى انقضت عدتها, ثم خطبها منه, فأبى أن يزوّجها إياه ومنعها منه وهي فـيه راغبة.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الرجل الذي كان فعل ذلك فنزلت فـيه هذه الآية, فقال بعضهم: كان ذلك الرجل معقل بن يسار الـمُزَنـي. ذكر من قال ذلك:
4271ـحدثنـي مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الـحسن, عن معقل بن يسار, قال: كانت أخته تـحت رجل فطلقها ثم خلا عنها حتـى إذا انقضت عدتها خطبها, فحَمِيَ معقل من ذلك أَنَفـا وقال: خلا عنها وهو يقدر علـيها فحال بـينه وبـينها. فأنزل الله تعالـى ذكره: وَإذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فَلا تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنّ إذَا تَراضَوْا بَـيْنَهُمْ بـالـمَعْرُوفِ.
4272ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن الفضل بن دلهم, عن الـحسن, عن معقل بن يسار: أن أخته طلقها زوجها, فأراد أن يراجعها, فمنعها معقل, فأنزل الله تعالـى ذكره: وَإذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فَلا تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنّ... إلـى آخر الآية.
4273ـ حدثنا مـحمد بن عبد الله الـمخزومي, قال: حدثنا أبو عامر, قال: حدثنا عبـاد بن راشد, قال: حدثنا الـحسن, قال: ثنـي معقل بن يسار, قال: كانت لـي أخت تُـخطَب وأمنعها الناس, حتـى خطب إلـيّ ابن عم لـي فأنكحتها, فـاصطحبـا ما شاء الله, ثم إنه طلقها طلاقا له رجعة, ثم تركها حتـى انقضت عدتها, ثم خطبت إلـيّ فأتانـي يخطبها مع الـخطاب, فقلت له: خطبت إلـيّ فمنعتها الناس, فآثرتك بها, ثم طلقت طلاقا لك فـيه رجعة, فلـما خطبت إلـيّ آتـيتنـي تـخطبها مع الـخطاب؟ والله لا أنكحها أبدا قال: ففـيّ نزلت هذه الآية: وَإذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فَلا تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنّ إذَا تَراضَوْا بَـيْنَهُمْ بـالـمَعْرُوفِ قال: فكفرت عن يـمينـي وأنكحتها إياه.
4274ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَإذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فَلا تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنّ إذَا تَراضَوْا بَـيْنَهُمْ بـالـمَعْرُوفِ ذكر لنا أن رجلاً طلق امرأته تطلـيقة, ثم خلا عنها حتـى انقضت عدتها, ثم قرّب بعد ذلك يخطبها والـمرأة أخت معقل بن يسار فأنف من ذلك معقل بن يسار, وقال: خلا عنها وهي فـي عدتها ولو شاء راجعها, ثم يريد أن يراجعها وقد بـانت منه؟ فأبى علـيها أن يزوّجها إياه. وذكر لنا أن نبـيّ لله لـما نزلت هذه الآية دعاه فتلاها علـيه, فترك الـحمية واستقاد لأمر الله.
4275ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن يونس, عن الـحسن قوله تعالـى: وَإذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فَلا تَعْضُلُوهُنّ إلـى آخر الآية, قال: نزلت هذه الآية فـي معقل بن يسار. قال الـحسن: حدثنـي معقل بن يسار أنها نزلت فـيه, قال: زوّجت أختا لـي من رجل فطلقها, حتـى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها, فقلت له: زوّجتك وفرشتك أختـي وأكرمتك, ثم طلقتها, ثم جئت تـخطبها؟ لا تعود إلـيك أبدا قال: وكان رجل صدق لا بأس به, وكانت الـمرأة تـحبّ أن ترجع إلـيه, قال الله تعالـى ذكره: وَإذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فَلا تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنّ إذَا تَراضَوْا بَـيْنَهُمْ بـالـمَعْرُوفِ قال: فقلت الاَن أفعل يا رسول الله فزوّجها منه.
4276ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا أبو بكر الهذلـي, عن بكر بن عبد الله الـمزنـي, قال: كانت أخت معقل بن يسار تـحت رجل فطلقها, فخطب إلـيه, فمنعها أخوها, فنزلت: وَإذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ... إلـى آخر الآية.
4277ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد قوله: وَإذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فَلا تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنّ الآية, قال: نزلت فـي امرأة من مزينة طلقها زوجها وأبـينت منه, فنكحها آخر, فعضلها أخوها معقل بن يسار يضارّها خيفة أن ترجع إلـى زوجها الأوّل.
قال ابن جريج: وقال عكرمة: نزلت فـي معقل بن يسار, قال ابن جريج أختهُ جميَـل ابنة يسار كانت تـحت أبـي البداح طلّقها, فـانقضت عدتها, فخطبها, فعضلها معقل بن يسار.
4278ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: وَإذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فَلا تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنّ إذَا تَراضَوْا بَـيْنَهُمْ بـالـمَعْرُوفِ نزلت فـي امرأة من مزينة طلقها زوجها فعضلها أخوها أن ترجع إلـى زوجها الأول وهو معقل بن يسار أخوها.
4279ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله, إلا أنه لـم يقل فـيه: وهو معقل بن يسار.
4280ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حبـان بن موسى, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: أخبرنا سفـيان, عن أبـي إسحاق الهمدانـي: أن فـاطمة بنت يسار طلقها زوجها, ثم بدا له فخطبها, فأبى معقل, فقال: زوّجناك فطلقتها وفعلت فأنزل الله تعالـى ذكره: فَلا تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنّ.
4281ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الـحسن وقتادة فـي قوله: فَلا تَعْضُلُوهُنّ قال: نزلت فـي معقل بن يسار, كانت أخته تـحت رجل, فطلقها, حتـى إذا انقضت عدتها جاء فخطبها, فعضلها معقل, فأبى أن ينكحها إياه, فنزلت فـيها هذه الآية يعنـي به الأولـياء يقول: فَلا تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنّ.
4282ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن رجل, عن معقل بن يسار قال: كانت أختـي عند رجل فطلقها تطلـيقة بـائنة, فخطبها, فأبـيت أن أزوّجها منه, فأنزل الله تعالـى ذكره: فَلا تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْوَاجَهُن... الآية.
وقال آخرون: كان الرجل جابر بن عبد الله الأنصاري. ذكر من قال ذلك:
4283ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَإذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فَلا تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنّ إذَا تَراضَوْا بَـيْنَهُمْ بـالـمَعْرُوفِ. قال: نزلت فـي جابر بن عبد الله الأنصاري, وكانت له ابنة عم فطلقها زوجها تطلـيقة, فـانقضت عدتها, ثم رجع يريد رجعتها, فأما جابر فقال: طلقت ابنة عمنا ثم تريد أن تنكحها الثانـية وكانت الـمرأة تريد زوجها قد راضته, فنزلت هذه الآية.
وقال آخرون: نزلت هذه الآية دلالة علـى نهي الرجل عن مضارّة ولـيته من النساء, يعضلها عن النكاح. ذكر من قال ذلك:
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس قوله: فَلاَ تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْوَاجَهُنّ فهذا فـي الرجل يطلق امرأته تطلـيقة أو تطلـيقتـين فتنقضي عدّتها, يبدو له فـي تزويجها وأن يراجعها, وتريد الـمرأة, فـيـمنعها أولـياؤها من ذلك, فنهى الله سبحانه أن يـمنعوها.
4284ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وإذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلُهُنّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْوَاجَهُنّ إذَا تَرَاضُوْا بَـيْنَهُمْ بـالـمَعْرُوفِ كان الرجل يطلق امرأته تبـين منه, وينقضي أجلها, ويريد أن يراجعها, وترضى بذلك, فـيأبى أهلها, قال الله تعالـى ذكره: فَلاَ تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْوَاجَهُنّ إذَا تَرَاضَوْا بَـيْنُهُمْ بـالـمَعْرُوفِ.
4285ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حبـان بن موسى, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن سفـيان, عن منصور, عن أبـي الضحى, عن مسروق فـي قوله: فَلاَ تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْوَاجَهُنّ قال: كان الرجل يطلق امرأته, ثم يبدو له أن يتزوّجها, فـيأبى أولـياء الـمرأة أن يزوجوها, فقال الله تعالـى ذكره: فَلاَ تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْوَاجَهُنّ إذَا تَرَاضَوْا بَـيْنَهُمْ بِـالـمَعْرُوف.
4286ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن أصحابه, عن إبراهيـم فـي قوله: وإذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْوَاجَهُنّ قال: الـمرأة تكون عند الرجل فـيطلقها, ثم يريد أن يعود إلـيها فلا يعضلها ولـيها أن ينكحها إياه.
4287ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي اللـيث, عن يونس, عن ابن شهاب: قال الله تعالـى ذكره: وإذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْوَاجَهُنّ... الآية, فإذا طلق الرجل الـمرأة وهو ولـيها, فـانقضت عدّتها, فلـيس له أن يعضلها حتـى يرثها ويـمنعها أن تستعف بزوج.
4288ـ حدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, قال أخبرنا عبـيد بن سلـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وإذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنّ هو الرجل يطلق امرأته تطلـيقة ثم يسكت عنها, فـيكون خاطبـا من الـخطاب, فقال الله لأولـياء الـمرأة: لا تعضلوهن, يقول: لا تـمنعوهنّ أن يرجعن إلـى أزواجهن بنكاح جديد إذا تراضوا بـينهم بـالـمعروف إذا رضيت الـمرأة وأرادت أن تراجع زوجها بنكاح جديد.
والصواب من القول فـي هذه الآية أن يقال: إن الله تعالـى ذكره أنزلها دلالة علـى تـحريـمه علـى أولـياء النساء مضارة من كانوا له أولـياء من النساء بعضلهنّ عمن أردن نكاحه من أزواج كانوا لهنّ, فبنّ منهنّ بـما تبـين به الـمرأة من زوجها من طلاق أو فسخ نكاح. وقد يجوز أن تكون نزلت فـي أمر معقل بن يسار وأمر أخته أو فـي أمر جابر بن عبد الله وأمر ابنة عمه, وأي ذلك كان فـالآية دالة علـى ما ذكرت.
ويعنـي بقوله تعالـى: فَلاَ تَعْضُلُوهُنّ لا تضيقوا علـيهن بـمنعكم إياهنّ أيها الأولـياء من مراجعة أزواجهن بنكاح جديد تبتغون بذلك مضارتهن, يقال منه: عضل فلان فلانة عن الأزواج يعضلها عضلاً.
وقد ذكر لنا أن حيا من أحياء العرب من لغتها: عَضِلَ يَعْضَلُ, فمن كان من لغته عضِل, فإنه إن صار إلـى يَفْعَلِ, قال: يَعْضَل بفتـح الضاد, والقراءة علـى ضم الضاد دون كسرها, والضم من لغة من قال عَضَل. وأصل العَضْل: الضيق, ومنه قول عمر رحمة الله علـيه: «وقد أعضل به أهل العراق, لا يرضون عن وال, ولا يرضى عنهم وال», يعنـي بذلك حملونـي علـى أمر ضيق شديد لا أطيق القـيام به, ومنه أيضا: الداء العُضال, وهو الداء الذي لا يطاق علاجه لضيقه عن العلاج, وتـجاوزه حدّ الأدواء التـي يكون لها علاج, ومنه قول ذي الرمة:
ولَـمْ أقْذِفْ لـمُؤْمِنَةٍ حَصَانٍبإذْنِ اللّهِ مُوجِبَةً عُضَالا
ومن قـيـل: عضل الفضاء بـالـجيش لكثرتـم: إذا ضاق عنهم من كثرتهم. وقـيـل: عضلت الـمرأة: إذا نشب الولد فـي رحمها فضاق علـيه الـخروج منها, ومنه قول أوس بن حجر:
وَلَـيْسَ أخُوكَ الدّائِمُ العَهْدِ بـالّذِييَذُمّكَ إنْ ولّـى وَيُرْضيكَ مُقْبِلاَ
ولَكِنّهُ النّائي إذَا كُنْتُ آمِناوَصَاحِبُكَ الأدْنَى إذَا الأمْرُ أعْضَلا
و «أن» التـي فـي قوله أنْ يَنْكِحْنَ فـي موضع نصب قوله: تَعْضُلُوهُنّ.
ومعنى قوله: إذَا تَرَاضَوْا بَـيْنَهُمْ بـالـمَعْرُوف إذا تَرَاضى الأزواج والنساء بـما يحلّ, ويجوز أن يكون عوضا من أبضاعهنّ من الـمهور ونكاح جديد مستأنف. كما:
4289ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن عمير بن عبد الله, عن عبد الـملك بن الـمغيرة, عن عبد الرحمن بن البـيـلـمانـي, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنْكحُوا الأيامَى» فقال رجل يا رسول الله ما العلائق بـينهم, قال: «ما تَرَاضَى عَلَـيْهِ أهْلُوهُمْ».
4290ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن الـحارث, قال: حدثنا مـحمد بن عبد الرحمن بن البـيـلـمانـي, عن أبـيه, عن ابن عمر, عن النبـي صلى الله عليه وسلم بنـحو منه.
وفـي هذه الآية الدلالة الواضحة علـى صحة قول من قال: لا نكاح إلا بولـيّ من العصبة. وذلك أن الله تعالـى ذكره منع الولـيّ من عضل الـمرأة إن أرادت النكاح, ونهاه عن ذلك, فلو كان للـمرأة إنكاح نفسها بغير إنكاح ولـيها إياها, أو كان لها تولـية من أرادت تولـيته فـي إنكاحها لـم يكن لنهي ولـيها عن عضلها معنى مفهوم, إذ كان لا سبـيـل له إلـى عضلها, وذلك أنها إن كانت متـى أرادت النكاح جاز لها إنكاح نفسها أو إنكاح من توكله إنكاحها, فلا عضل هنالك لها من أحد, فـينهى عاضلها عن عضلها.
وفـي فساد القول بأن لا معنى لنهي الله عما نهى عنه صحة القول بأن لولّـي الـمرأة فـي تزويجها حقا لا يصحّ عقده إلا به, وهو الـمعنى الذي أمر الله به الولّـي من تزويجها إذا خطبها خاطبها ورضيت به, وكان رضى عند أولـيائها جائزا فـي حكم الـمسلـمين لـمثلها أن تنكح مثله, ونهاه عن خلافه من عضلها, ومنعها عما أرادت من ذلك وتراضت هي والـخاطب به.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بـاللّهِ وَالـيَوْمِ الاَخِر.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله ذلك ما ذكر فـي هذه الآية: من نهي أولـياء الـمرأة عن عضلها عن النكاح يقول: فهذا الذي نهيتكم عنه من عضلهن عن النكاح عظة منـي من كان منكم أيها الناس يؤمن بـالله والـيوم الاَخر, يعنـي يصدّق بـالله فـيوحده, ويقرّ بربوبـيته, والـيَوْمِ الأخِر يقول: ومن يؤمن بـالـيوم الاَخر فـيصدق بـالبعث للـجزاء والثواب والعقاب, لـيتقـي الله فـي نفسه, فلا يظلـمها بضرار ولـيته, ومنعها من نكاح من رضيته لنفسها مـمن أذنت لها فـي نكاحه.
فإن قال لنا قائل: وكيف قـيـل ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ وهو خطاب للـجميع, وقد قال من قبل: فَلاَ تَعْضُلُوهُنّ وإذا جاز أن يقال فـي خطاب الـجميع ذلك أفـيجوز أن تقول لـجماعة من الناس وأنت تـخاطبهم أيها القوم: هذا غلامك وهذا خادمك, وأنت تريد: هذا خادمكم وهذا غلامكم؟ قـيـل لا, إن ذلك غير جائز مع الأسماء الـموضوعات, لأن ما أضيف له الأسماء غيرها, فلا يفهم سامع سمع قول قائل لـجماعة أيها القوم هذا غلامك, أنه عنى بذلك: هذا غلامكم, إلا علـى استـخطاء الناطق فـي منطقه ذلك, فإن طلب لـمنطقه ذلك وجها, فـالصواب صرف كلامه ذلك إلـى إنه انصرف عن خطاب القوم بـما أراد خطابهم به إلـى خطاب رجل واحد منهم أو من غيرهم, وترك مـجاوزة القوم بـما أراد مـجاوزتهم به من الكلام, ولـيس ذلك كذلك فـي ذلك لكثرة جري ذلك علـى ألسن العرب فـي منطقها وكلامها, حتـى صارت الكاف التـي هي كناية اسم الـمخاطب فـيها كهيئة حرف من حروف الكلـمة التـي هي متصلة بها, وصارت الكلـمة بها كقول القائل هذا, كأنها لـيس معها اسم مخاطب, فمن قال: ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كان مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بـاللّهِ والـيَوْمِ الاَخِر أقر الكاف من ذلك موحدة مفتوحة فـي خطاب الواحدة من النساء والواحد من الرجال, والتثنـية والـجمع, ومن قال: ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ كسر فـي خطاب الواحدة من النساء, وفتـح فـي خطاب الواحد من الرجال فقال فـي خطاب الاثنـين منهم ذلكما, وفـي خطاب الـجمع ذلكم.
وقد قـيـل: إن قوله: ذلكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بـاللّهِ خطاب للنبـي صلى الله عليه وسلم, ولذلك وحّد ثم رجع إلـى خطاب الـمؤمنـين بقوله: مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بـاللّهِ وإذا جاء التأويـل إلـى هذا الوجه لـم يكن فـيه مؤنة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ذَلِكُمْ أزْكَى لَكُمْ وأطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَـمُ وأنْتُـم لا تَعْلَـمُونَ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: ذَلِكُمْ نكاح أزواجهنّ لهنّ, ومراجعة أزواجهنّ أياهنّ بـما أبـاح لهنّ من نكاح ومهر جديد, أزكى لكم أيها الأولـياء والأزواج والزوجات. ويعنـي بقوله: أزْكَى لَكُمْ أفضل وخير عند الله من فرقتهن أزواجهن.
وقد دللنا فـيـما مضى علـى معنى الزكاة, فأغنى ذلك عن إعادته.
وأما قوله وأطْهَرَ فإنه يعنـي بذلك: أطهر لقلوبكم وقلوبهن وقلوب أزواجهن من الريبة, وذلك أنهما إذا كان فـي نفس كل واحد منهما أعنـي الزوج والـمرأة علاقة حب, لـم يؤمن أن يتـجاوزا ذلك إلـى غير ما أحله الله لهما, ولـم يؤمن من أولـيائهما أن يسبق إلـى قلوبهم منهما ما لعلهما أن يكونا منه بريئين. فأمر الله تعالـى ذكره الأولـياء إذا أراد الأزواج التراجع بعد البـينونة بنكاح مستأنف فـي الـحال التـي أذن الله لهما بـالتراجع أن لا يعضل ولـيته عما أرادت من ذلك, وأن يزوّجها, لأن ذلك أفضل لـجميعهم, وأطهر لقلوبهم مـما يخاف سبوقه إلـيها من الـمعانـي الـمكروهة. ثم أخبر تعالـى ذكره عبـاده أنه يعلـم من سرائرهم وخفـيات أمورهم, ما لا يعلـمه بعضهم من بعض, ودلّهم بقوله لهم ذلك فـي الـموضع أنه إنـما أمر أولـياء النساء بإنكاح من كانوا أولـياءه من النساء إذا تراضت الـمرأة والزوج الـخاطب بـينهم بـالـمعروف, ونهاهم عن عضلهن عن ذلك لـما علـم مـما فـي قلب الـخاطب والـمخطوب من غلبة الهوى والـميـل من كل واحد منهما إلـى صاحبه بـالـمودة والـمـحبة, فقال لهم تعالـى ذكره: افعلوا ما أمرتكم به إن كنتـم تؤمنون بـي وبثوابـي وبعقابـي فـي معادكم فـي الاَخرة, فإنـي أعلـم من قلب الـخاطب والـمخطوبة ما لا تعلـمونه من الهوى والـمـحبة, وفعلكم ذلك أفضل لكم عند الله ولهم, وأزكى وأطهر لقلوبكم وقلوبهن فـي العاجل.
الآية : 233
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمّ الرّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنّ وَكِسْوَتُهُنّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلّفُ نَفْسٌ إِلاّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوَاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلّمْتُم مّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: والنساء اللواتـي بنّ من أزواجهنّ ولهن وأولاد قد ولدنهم من أزواجهن قبل بـينونتهن منهم بطلاق أو ولدنهم منهم بعد فراقهم إياهن من وطء كان منهم لهن قبل البـينونة يرضعن أولادهن, يعنـي بذلك أنهن أحقّ برضاعهم من غيرهن. ولـيس ذلك بإيجاب من الله تعالـى ذكره علـيهن رضاعهم, إذا كان الـمولود له والدا حيا موسرا لأن الله تعالـى ذكره قال فـي سورة النساء القصرى: وإنْ تعَاسَرْتُـمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى وأخبر تعالـى أن الوالدة والـمولود له إن تعاسرا فـي الأجرة التـي ترضع بها الـمرأة ولدها, أن أخرى سواها ترضعه, فلـم يوجب علـيها فرضا رضاع ولدها, فكان معلوما بذلك أن قوله: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنّ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنَ دلالة علـى مبلغ غاية الرضاع التـي متـى اختلف الولدان فـي رضاع الـمولود بعدها, جعل حدّا يفصل به بـينهما, لا دلالة علـى أن فرضا علـى الوالدات رضاع أولادهن.
وأما قوله حَوْلَـيْن فإنه يعنـي به سنتـين, كما:
4291ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنّ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ سنتـين.
4292ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
وأصل الـحول من قول القائل: حال هذا الشيء: إذا انتقل, ومنه قـيـل: تـحوّل فلان من مكان كذا: إذا انتقل عنه.
فإن قال لنا قائل: وما معنى ذكر كاملـين فـي قوله: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنّ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ بعد قوله يرضعن حولـين وفـي ذكر الـحولـين مستغنى عن ذكر الكاملـين؟ إذ كان غير مشكل علـى سامع سمع قوله: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنّ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنَ ما يراد به, فما الوجه الذي من أجله زيد ذكر كاملـين؟ قـيـل: إن العرب قد تقول: أقام فلان بـمكان كذا حولـين أو يومين أو شهرين, وإنـما أقام به يوما وبعض آخر أو شهرا وبعض آخر, أو حولاً وبعض آخر فقـيـل حولـين كاملـين لـيعرف سامع ذلك أن الذي أريد به حولان تامان, لا حول وبعض آخر, وذلك كما قال الله تعالـى ذكره: وَاذْكُروا اللّهَ فِـي أيّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجّلَ فِـي يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَـيْهِ وَمَنْ تأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَـيْهِ.
ومعلوم أن الـمتعجل إنـما يتعجل فـي يوم ونصف, فكذلك ذلك فـي الـيوم الثالث من أيام التشريق, وأنه لـيس منه شيء تام, ولكن العرب تفعل ذلك فـي الأوقات خاصة, فتقول: الـيوم يومان منذ لـم أره, وإنـما تعنـي بذلك يوما وبعض آخر, وقد توقع الفعل الذي تفعله فـي الساعة أو اللـحظة علـى العام والزمان والـيوم, فتقول زرته عام كذا, وقتل فلان فلانا زمان صفّـين, وإنـما تفعل ذلك لأنها لا تقصد بذلك الـخبر عن عدد الأيام والسنـين, وإنـما تعنـي بذلك الأخبـار عن الوقت الذي كان فـيه الـمخبر عنه, فجاز أن ينطق بـالـحولـين والـيومين علـى ما وصفت قبل, لأن معنى الكلام فـي ذلك: فعلته إذ ذاك, وفـي ذلك الوقت. فكذلك قوله: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنّ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ لـما جاز الرضاع فـي الـحولـين ولـيسا بـالـحولـين, فكان الكلام لو أطلق فـي ذلك بغير تضمين الـحولـين بـالكمال, وقـيـل: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنّ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنَ مـحتـملاً أن يكون معنـيا به حول وبعض آخر نفـي اللبس عن سامعيه بقوله: كامِلَـيْنِ أن يكون مرادا به حول وبعض آخر, وأُبـين بقوله: كامِلَـيْنِ عن وقت تـمام حدّ الرضاع, وأنه تـمام الـحولـين بـانقضائهما دون انقضاء أحدهما وبعض الاَخر.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الذي دلت علـيه هذه الآية من مبلغ غاية رضاع الـمولودين, أهو حدّ لكل مولود, أو هو حدّ لبعض دون بعض؟ فقال بعضهم: هو حدّ لبعض دون بعض. ذكر من قال ذلك:
4293ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود عن عكرمة, عن ابن عبـاس فـي التـي تضع لستة أشهر: أنها ترضع حولـين كاملـين, وإذا وضعت لسبعة أشهر أرضعت ثلاثة وعشرين لتـمام ثلاثـين شهرا, وإذا وضعت لتسعة أشهر أرضعت واحدا وعشرين شهرا.
4294ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن عكرمة بـمثله, ولـم يرفعه إلـى ابن عبـاس.
4295ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, عن أبـي عبـيدٍ قال: رفع إلـى عثمان امرأة ولدت لستة أشهر, فقال: إنها رفعت لا أراها إلا قد جاءت بشرّ أو نـحو هذا ولدت لستة أشهر, فقال ابن عبـاس: إذا أتـمت الرضاع كان الـحمل لستة أشهر. قال: وتلا ابن عبـاس: وحَمْلُهُ وفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرا, فإذا أتـمت الرّضاع كان الـحمل لستة أشهر. فخـلّـى عثمان سبـيـلها.
وقال آخرون: بل ذلك حدّ رضاع كل مولود اختلف والداه فـي رضاعه, فأراد أحدهما البلوغ إلـيه, والاَخر التقصير عنه. ذكر من قال ذلك:
4296ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس قوله: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنّ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ فجعل الله سبحانه الرضاع حولـين لـمن أراد أن يتـمّ الرضاعة, ثم قال: فإنْ أرَادَ فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما إن أرادا أن يفطماه قبل الـحولـين وبعده.
4297ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن ابن جريج, قال: قلت لعطاء: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنِ كامِلَـيْنِ قال: إن أرادت أمه أن تقصر عن حولـين كان علـيها حقا أن تبلغه لا أن تزيد علـيه إلا أن يشاء.
4298ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, وحدثنـي علـيّ بن سهل, قال: حدثنا زيد بن أبـي الزرقاء جميعا, عن الثوري فـي قوله: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنّ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ لِـمَنْ أرَادَ أنْ يُتِـمّ الرّضَاعَةَ والتـمام: الـحولان, قال: فإذا أراد الأب أن يفطمه قبل الـحولـين ولـم ترض الـمرأة فلـيس له ذلك, وإذا قالت الـمرأة أنا أفطمه قبل الـحولـين وقال الأب لا. فلـيس لها أن تفطمه حتـى يرضى الأب حتـى يجتـمعا, فإن اجتـمعا قبل الـحولـين فطماه, وإذا اختلفـا لـم يفطماه قبل الـحولـين, وذلك قوله: فإنْ أرَادَ فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ.
وقال آخرون: بل دل الله تعالـى ذكره بقوله: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنّ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ علـى أن لا رضاع بعد الـحولـين, فإن الرضاع إنـما هو. كان فـي الـحولـين. ذكر من قال ذلك:
4299ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا آدم, قال: أخبرنا ابن أبـي ذئب, قال: حدثنا الزهري, عن ابن عبـاس وابن عمر أنهما قالا: إن الله تعالـى ذكره يقول: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنّ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنَ كَامِلَـيْنِ ولا نرى رضاعا بعد الـحولـين يحرّم شيئا.
4300ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن يونس بن يزيد, عن الزهري, قال: كان ابن عمر وابن عبـاس يقولان: لا رضاع بعد الـحولـين.
4301ـ حدثنا أبو السائب, قال: حدثنا حفص, عن الشيبـانـي, عن أبـي الضحى, عن أبـي عبد الرحمن, عن عبد الله قال: ما كان من رضاع بعد سنتـين أو فـي الـحولـين بعد الفطام فلا رضاع.
4302ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن, قالا: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن إبراهيـم عن علقمة: أنه رأى امرأة ترضع بعد حولـين, فقال لا ترضعيه.
4303ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن الشيبـانـي, قال: سمعت الشعبـي, يقول: ما كان من وَجُور أو سَعُوط أو رضاع فـي الـحولـين فإنه يحرّم, وما كان بعد الـحولـين لـم يحرّم شيئا.
4304ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الـمغيرة, عن إبراهيـم أنه كان يحدّث عن عبد الله أنه قال: لا رضاع بعد فصال أو بعد حولـين.
4305ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا حسن بن عطية, قال: حدثنا إسرائيـل, عن عبد الأعلـى, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: لـيس يحرم من الرضاع بعد التـمام, إنـما يحرّم ما أنبت اللـحم وأنشأ العظم.
4306ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن عمرو بن دينار, أن ابن عبـاس قال: لا رضاع بعد فصال السنتـين.
4307ـ حدثنا هلال بن العلاء الرقـي, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا عبـيد الله, عن زيد, عن عمرو بن مرة, عن أبـي الضحى, قال: سمعت ابن عبـاس يقول: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنّ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ قال: لا رضاع إلا فـي هذين الـحولـين.
وقال آخرون: بل كان قوله: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنّ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنَ كَامِلَـيْنِ دلالة من الله تعالـى ذكره عبـاده علـى أن فرضا علـى والدات الـمولودين أن يرضعنهم حولـين كاملـين, ثم خفف تعالـى ذكره ذلك بقوله: لِـمَنْ أرَادَ أنْ يُتِـمّ الرّضَاعَةَ فجعل الـخيار فـي ذلك إلـى الاَبـاء والأمهات إذا أرادوا الإتـمام أكملوا حولـين, وإن أرادوا قبل ذلك فطم الـمولود كان ذلك إلـيهم علـى النظر منهم للـمولود. ذكر من قال ذلك:
4308ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنّ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ ثم أنزل الله الـيسر والتـخفـيف بعد ذلك, فقال تعالـى ذكره: لِـمَنْ أرَادَ أنْ يُتِـمّ الرّضَاعَةَ.
4309ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنّ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ يعنـي الـمطلقات يرضعن أولادهن حولـين كاملـين, ثم أنزل الرخصة والتـخفـيف بعد ذلك, فقال: لِـمَنْ أرَادَ أنْ يُتِـمّ الرّضَاعَةَ.
ذكر من قال: إن الوالدات اللواتـي ذكرهنّ الله فـي هذا الـموضع البـائنات من أزواجهن علـى ما وصفنا قبل.
4310ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي قال: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنّ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ إلـى: إذا سَلّـمْتُـمْ ما آتـيْتُـمْ بـالـمَعْرُوفِ أما الوالدات يرضعن أولادهن حولـين كاملـين, فـالرجل يطلق امرأته وله منها ولد, وأنها ترضع له ولده بـما يرضع له غيرها.
4311ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن جويبر, عن الضحاك فـي قوله: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنّ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ قال: إذا طلق الرجل امرأته وهي ترضع له ولدا.
4312ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك, بنـحوه.
وأولـى الأقوال بـالصواب فـي قوله: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنّ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ لِـمَنْ أرَادَ أنْ يُتِـمّ الرّضَاعَةَ القول الذي رواه علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, ووافقه علـى القول به عطاء والثوري, والقول الذي رُوي عن عبد الله بن مسعود وابن عبـاس وابن عمر, وهو أنه دلالة علـى الغاية التـي ينتهي إلـيها فـي الرضاع الـمولود إذا اختلف والده, وأن لا رضاع بعد الـحولـين يحرّم شيئا, وأنه معنـي به كل مولود لستة أشهر كان وِلادُه, أو لسبعة أو لتسعة.
فأما قولنا: إنه دلالة علـى الغاية التـي ينتهي إلـيها فـي الرضاع عند اختلاف الوالدين فـيه فلأن الله تعالـى ذكره لـما حدّ فـي ذلك حدا, كان غير جائز أن يكون ما وراء حدّه موافقا فـي الـحكم ما دونه, لأن ذلك لو كان كذلك, لـم يكن للـحدّ معنى معقول. وإذا كان ذلك كذلك, فلا شك أن الذي هو دون الـحولـين من الأجل لـما كان وقت رضاع, كان ما وراءه غير وقت له, وأنه وقت لترك الرضاع, وأن تـمام الرضاع لـما كان تـمام الـحولـين, وكان التامّ من الأشياء لا معنى إلـى الزيادة فـيه, كان لا معنى للزيادة فـي الرضاع علـى الـحولـين, وأن ما دون الـحولـين من الرضاع لـما كان مـحرّما, كان ما وراءه غير مـحرّم. وإنـما قلنا هو دلالة علـى أنه معنـي به كل مولود لأيّ وقت كان ولاده, لستة أشهر, أوسبعة, أو تسعة, لأن الله تعالـى ذكره عم بقوله: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنّ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ ولـم يخصص به بعض الـمولودين دون بعض. وقد دللنا علـى فساد القول بـالـخصوص بغير بـيان الله تعالـى ذكره ذلك فـي كتابه, أو علـى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي كتابنا «كتاب البـيان عن أصول الأحكام» بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
فإن قال لنا قائل: فإن الله تعالـى ذكره قد بـين ذلك بقوله: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرا فجعل ذلك حدا للـمعنـيـين كلـيهما, فغير جائز أن يكون حمل ورضاع أكثر من الـحد الذي حدّه الله تعالـى ذكره, فما نقص من مدة الـحمل عن تسعة أشهر, فهو مزيد فـي مدة الرضاع, وما زيد فـي مدة الـحمل نقص من مدة الرضاع, وغير جائز أن يجاوز بهما كلـيهما مدة ثلاثـين شهرا, كما حدّه الله تعالـى ذكره؟ قـيـل له: فقد يجب أن يكون مدة الـحمل علـى هذه الـمقالة إن بلغت حولـين كاملـين, ألاّ يرضع الـمولود إلا ستة أشهر, وإن بلغت أربع سنـين أن يبطل الرضاع فلا ترضع, لأن الـحمل قد استغرق الثلاثـين شهرا وجاوز غايته. أو يزعم قائل هذه الـمقالة أن مدة الـحمل لن تـجاوز تسعة أشهر, فـيخرج من قول جميع الـحجة, ويكابر الـموجود والـمشاهد, وكفـى بهما حجة علـى خطأ دعواه إن ادّعى ذلك, فإلـى أيّ الأمرين لـجأ قائل هذه الـمقالة وضح لذوي الفهم فساد قوله.
فإن قال لنا قائل: فما معنى قوله إن كان الأمر علـى ما وصفت: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرا وقد ذكرت آنفـا أنه غير جائز أن يكون ما جاوز حدّ الله تعالـى ذكره نظير ما دون حدّه فـي الـحكم, وقد قلت: إن الـحمل والفصال قد يجاوزان ثلاثـين شهرا؟ قـيـل: إن الله تعالـى ذكره لـم يجعل قوله: وحَمْلُهُ
4313ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك: لا تُضَارّ وَالِدَةٌ بوَلَدِهَا لا تضار أم بولدها, ولا أب بولده. يقول: لا تضار أم بولدها فتقذفه إلـيه إذا كان الأب حيا أو إلـى عصبته إذا كان الأب ميتا, ولا يضارّ الأب الـمرأة إذا أحبت أن ترضع ولدها ولا ينتزعه.
4314ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: لا تُضَارّ وَالِدَةٌ بوَلَدِهَا يقول: لا ينزع الرجل ولده من امرأته فـيعطيه غيرها بـمثل الأجر الذي تقبله هي به, ولا تضارّ والدة بولدها فتطرح الأم إلـيه ولده تقول لا ألـيه ساعة تضعه, ولكن علـيها من الـحقّ أن ترضعه حتـى يطلب مرضعا.
4315ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي اللـيث, قال: ثنـي عقـيـل, عن ابن شهاب, وسئل عن قول الله تعالـى ذكره: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنّ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنَ كَامِلَـيْنِ إلـى لا تُضَارّ وَالِدَةٌ بوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدَهِ. قال ابن شهاب: والوالدات أحقّ برضاع أولادهنّ ما قبلن رضاعهنّ بـما يعطى غيرهنّ من الأجر ولـيس للوالدة أن تضارّ بولدها فتأبى رضاعة مضارّة وهي تُعْطَى علـيه ما يعطى غيرها من الأجر, ولـيس للـمولود له أن ينزع ولده من والدته مضارا لها وهي تقبل من الأجر ما يعطاه غيرها.
4316ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, وحدثنـي علـي, قال حدثنا زيد جميعا, عن سفـيان فـي قوله: لا تُضَارّ وَالِدَةٌ بوَلَدِهَا لا ترم بولدها إلـى الأب إذا فـارقها تضاره بذلك, وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدَهِ ولا ينزع الأب منها ولدها, يضارها بذلك.
4317ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: لا تُضَارّ وَالِدَةٌ بوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدَهِ قال: لا ينزعه منها وهي تـحب أن ترضعه فـيضارها, ولا تطرحه علـيه وهو لا يجد من ترضعه ولا يجد ما يسترضعه به.
4318ـ حدثنا عمرو بن علـي البـاهلـي, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: ثنـي ابن جريج, عن عطاء فـي قوله: لا تُضَارّ وَالِدَةٌ بوَلَدِهَا قال: لا تدعنه ورضاعه من شأنها مضارة لأبـيه, ولا يـمنعها الذي عنده مضارة لها.
وقال بعضهم: الوالدة التـي نهى الرجل عن مضارتها: ظئر الصبـي. ذكر من قال ذلك:
4319ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم, قال: حدثنا هارون النـحوي, قال: حدثنا الزبـير بن الـحارث عن عكرمة فـي قوله: لا تُضَارّ وَالِدَةٌ بوَلَدِهَا قال: هي الظئر.
فمعنى الكلام: لا يضارر والد مولود والدته بـمولوده منها, ولا والدة مولود والده بـمولودها منه, ثم ترك ذكر الفـاعل فـي يضار, فقـيـل: لا تضار والدة بولدها, ولا مولود له بولده, كما يقال إذا نهي عن إكرام رجل بعينه فـيـما لـم يسم فـاعله ولـم يقصد بـالنهي عن إكرامه قصد شخص بعينه: لا يكرم عمرو ولا يجلس إلـى أخيه, ثم ترك التضعيف فقـيـل: لا يضار, فحرّكت الراء الثانـية التـي كانت مـجزومة لو أظهر التضعيف بحركة الراء الأولـى.
وقد زعم بعض أهل العربـية أنها إنـما حركت إلـى الفتـح فـي هذا الـموضع لأنه أحد الـحركات. ولـيس للذي قال من ذلك معنى, لأن ذلك إنـما كان جائزا أن يكون كذلك لو كان معنى الكلام: لا تضارون والدة بولدها, وكان الـمنهي عن الضرار هي الوالدة. علـى أن معنى الكلام لو كان كذلك لكان الكسر فـي تضارّ أفصح من الفتـح, والقراءة به كانت أصوب من القراءة بـالفتـح, كما أن مَدّ بـالثوب أفصح من مدّ به. وفـي إجماع القراء علـى قراءة: لا تُضَارّ بـالفتـح دون الكسر دلـيـل واضح علـى إغفـال من حكيت قوله من أهل العربـية فـي ذلك.
فإن قال قائل ذلك قاله توهما منه أنه معنى ذلك: لا تُضَارِرْ والدة, وأن الوالدة مرفوعة بفعلها, وأن الراء الأولـى حظها الكسر فقد أغفل تأويـل الكلام, وخالف قول جميع من حكينا قول من أهل التأويـل. وذلك أن الله تعالـى ذكره تقدم إلـى كل واحد من أبوي الـمولود بـالنهي عن ضرار صاحبه بـمولودها, لا أنه نهى كل واحد منهما عن أن يضارّ الـمولود, وكيف يجوز أن ينهاه عن مضارّة الصبـيّ, والصبـيّ فـي حال ما هو رضيع غير جائز أن يكون منه ضرار لأحد, فلو كان ذلك معناه, لكل التنزيـل: لا تضرّ والدة بولدها.
وقد زعم آخرون من أهل العربـية أن الكسر فـي «تضار» جائز, والكسر فـي ذلك عندي غير جائز فـي هذا الـموضع, لأنه إذا كسر تغير معناه عن معنى «لا تُضَارِرْ» الذي هو فـي مذهب ما لـم يسم فـاعله, إلـى معنى «لا تُضَارِرْ» الذي هو فـي مذهب ما قد سمي فـاعله.
فإذا كان الله تعالـى ذكره قد نهى كل واحد من أبوي الـمولود عن مضارة صاحبه بسبب ولدهما, فحقّ علـى إمام الـمسلـمين إذا أراد الرجل نزع ولده من أمه بعد بـينونتها منه, وهي تـحضنه وتكلفه وترضعه بـما يحضنه به غيرها ويكلفه به ويرضعه من الأجرة, أن يأخذ الوالد بتسلـيـم ولدها ما دام مـحتاجا الصبـي إلـيها فـي ذلك بـالأجرة التـي يعطاها غيرها. وحقّ إذا كان الصبـيّ لا يقبل ثدي غير والدته, أو كان الـمولود له لا يجد من يرضع ولده, وإن كان يقبل ثدي غير أمه, أو كان معدما لا يجد ما يستأجر به مرضعا ولا يجد ما يتبرّع علـيه برضاع مولوده, أن يأخذ والدته البـائنة من والده برضاعه وحضانته لأن الله تعالـى ذكره حرم علـى كل واحد من أبويه ضرار صاحبه بسببه, فـالإضرار به أحرى أن يكون مـحرّما مع ما فـي الإضرار به من مضارّة صاحبه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَعَلـى الوَارثِ مِثْلُ ذَلِكَ.
اختلف أهل التأويـل فـي الوارث الذي عنى الله تعالـى ذكره بقوله: وَعَلـى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ وأي وارث هو؟ ووارث من هو؟ فقال بعضهم: هو وارث الصبـي وقالوا: معنى الآية: وعلـى وارث الصبـي إذا كان (أبوه) ميتا الذي كان علـى أبـيه فـي حياته. ذكر من قال ذلك:
4320ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قالا: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ علـى وارث الولد.
4321ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ علـى وارث الولد.
4322ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن معمر, عن قتادة: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: وعلـى وارث الصبـي مثل ما علـى أبـيه.
ثم اختلف قائلو هذه الـمقالة فـي وارث الـمولود الذي ألزمه الله تعالـى مثل الذي وصف, فقال بعضهم: هم وارث الصبـيّ من قبل أبـيه من عصبته كائنا من كان أخا كان أو عمّا أو ابن عم أو ابن أخ. ذكر من قال ذلك:
4323ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن جريج أن عمرو بن شعيب أخبره أن سعيد بن الـمسيب أخبره أن عمر بن الـخطاب رضي الله عنه (قال فـي قوله: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال) حبس بنـي عم علـى منفوس كلالة بـالنفقة علـيه مثل العاقلة.
4324ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أن الـحسن كان يقول: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ علـى العصبة.
4325ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا عبد الله بن إدريس وأبو عاصم, قالا: حدثنا ابن جريج, عن عمرو بن شعيب, عن سعيد بن الـمسيب قال: وقـف عمر ابن عم علـى منفوس كلالة برضاعه.
4326ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن يونس أن الـحسن كان يقول: إذا توفـي الرجل وامرأته حامل, فنففتها من نصيبها, ونفقة ولدها من نصيبه من ماله إن كان له, فإن لـم يكن له مال فنفقته علـى عصبته. قال: وكان يتأول قوله: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ علـى الرجال.
4327ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا هشيـم, عن يونس, عن الـحسن, قال: علـى العصبة الرجال دون النساء.
4328ـ حدثنا أبو كريب وعمرو بن علـيّ قالا: حدثنا ابن إدريس, قال: حدثنا هشام عن ابن سيرين أنه أتـى عبد الله بن عتبة مع الـيتـيـم ولـيه, ومع الـيتـيـم من يتكلـم فـي نفقته, فقال لولـيّ الـيتـيـم: لو لـم يكن له مال لقضيت علـيك بنفقته, لأن الله تعالـى يقول: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ.
4329ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا أيوب, عن مـحمد بن سيرين, قال: أتـى عبد الله بن عتبة فـي رضاع صبـيّ, فجعل رضاعه فـي ماله, وقال لولـيه: لو لـم يكن له مال جعلنا رضاعه فـي مالك, ألا تراه يقول: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ؟
4330ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيـم فـي قوله: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: علـى الوارث ما علـى الأب إذا لـم يكن للصبـي مال, وإذا كان له ابن عم أو عصبة ترثه فعلـيه النفقة.
4331ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: الولّـي من كان.
4332ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن أبـي بشر ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
4333ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
4334ـ حدثنا عبد الله بن مـحمد الـحنفـي, قال: حدثنا عبد الله بن عثمان, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: أخبرنا يعقوب, يعنـي ابن القاسم, عن عطاء وقتادة فـي يتـيـم لـيس له شيء: أتـجبر أولـياؤه علـى نفقته؟ قالا: نعم, ينفق علـيه حتـى يدرك.
4335ـ حدثت عن يعلـى بن عبـيد, عن جويبر, عن الضحاك قال: إن مات أبو الصبـيّ وللصبـيّ مال أخذ رضاعه من الـمال, وإن لـم يكن له مال أخذ من العصبة, فإن لـم يكن للعصبة مال أجبرت علـيه أمه.
وقال آخرون منهم: بل ذلك علـى وارث الـمولود من كان من الرجال والنساء. ذكر من قال ذلك:
4336ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أنه كان يقول: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ علـى وارث الـمولود ما كان علـى الوالد من أجر الرضاع إذا كان الولد لا مال له علـى الرجال والنساء علـى قدر ما يرثون.
4337ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري: أن عمر بن الـخطاب رضي الله عنه أغرم ثلاثة كلهم يرث الصبـيّ أجر رضاعه.
4338ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن أيوب, عن ابن سيرين: أن عبد الله بن عتبة جعل نفقة صبـيّ من ماله, وقال لوارثه: أما إنه لو لـم يكن له مال أخذناك بنفقته, ألا ترى أنه يقول: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ؟.
وقال آخرون منهم: هو من ورثته من كان منهم ذا رحم مـحرم للـمولود, فأما من كان ذا رحم منه ولـيس بـمـحرم كابن العم والـمولـى ومن أشبههما فلـيس من عناه الله بقوله: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ.
والذين قالوا هذه الـمقالة: أبو حنـيفة, وأبو يوسف, مـحمد.
وقالت فرقة أخرى: بل الذي عنى الله تعالـى ذكره بقوله: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ الـمولود نفسه. ذكر من قال ذلك:
4339ـ حدثنا مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم الـمصري, قال: حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد, قال: أخبرنا حيوة بن شريح, قال: أخبرنا جعفر بن ربـيعة أن بشر بن نصر الـمزنـي وكان قاضيا قـيـل ابن حجيرة فـي زمان عبد العزيز كان يقول: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: الوارث: هو الصبـي.
4340ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا عبد الله بن يزيد الـمقرىء, قال: أخبرنا حيوة: قال: أخبرنا جعفر بن ربـيعة, عن قبـيصة بن ذؤيب: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: هو الصبـي.
4341ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن حيوة بن شريح, قال: أخبرنـي جعفر بن ربـيعة, أن قبـيصة بن ذؤيب كان يقول: الوارث: هو الصبـي, يعنـي قوله: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ.
4342ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن جويبر, عن الضحاك: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: يعنـي بـالوارث: الولد الذي يرضع.
قال أبو جعفر: وتأويـل ذلك علـى ما تأوّله هؤلاء: وعلـى الوارث الـمولود مثل ما كان علـى الـمولود له.
وقال آخرون: بل هو البـاقـي من والدي الـمولود بعد وفـاة الاَخر منهما. ذكر من قال ذلك:
4343ـ حدثنـي عبد الله بن مـحمد الـحنفـي, قال: أخبرنا عبد الله بن عثمان, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: سمعت سفـيان يقول فـي صبـيّ له عم وأم وهي ترضعه, قال: يكون رضاعه بـينهما, ويرفع عن العم بقدر ما ترث الأم, لأن الأم تـجبر علـى النفقة علـى ولدها.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: مِثْلُ ذَلِكَ.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: مِثْلُ ذَلِكَ فقال بعضهم: تأويـله: وعلـى الوارث للصبـيّ بعد وفـاة أبويه مثل الذي كان علـى والده من أجر رضاعه ونفقته إذا لـم يكن للـمولود مال. ذكر من قال ذلك:
4344ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, عن مغيرة, عن إبراهيـم فـي قوله: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: علـى الوارث رضاع الصبـي.
4345ـ حدثنا عمرو بن علـيّ ومـحمد بن بشار قالا: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا أبو عوانة, عن منصور, عن إبراهيـم: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: أجر الرضاع.
4346ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن الـمغيرة, عن إبراهيـم: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: الرضاع.
4347ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا أبو عوانة, عن الـمغيرة, عن إبراهيـم فـي قوله: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: أجر الرضاع.
4348ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن أيوب, عن مـحمد بن سيرين, عن عبد الله بن عتبة: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: الرضاع.
4349ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن أيوب, عن مـحمد, عن عبد الله بن عتبة فـي قوله: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: النفقة بـالـمعروف.
4350ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيـم: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: علـى الوارث ما علـى الأب من الرضاع إذا لـم يكن للصبـيّ مال.
4351ـ حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن مغيرة, عن إبراهيـم, قال: الرضاع والنفقة.
4352ـ حدثنـي أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن إبراهيـم: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: الرضاع.
4353ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا أبو عوانة, عن عطاء بن السائب, عن الشعبـي, قال: الرضاع.
4354ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا أبو عوانة عن مطرّف, عن الشعبـي: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: أجر الرضاع.
4355ـ حدثنا عمرو, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا أبو عوانة, عن مغيرة, عن إبراهيـم, والشعبـي مثله.
4356ـ حدثنا أبو كريب وعمرو بن علـيّ, قالا: حدثنا عبد الله بن إدريس, قال سمعت هشاما عن الـحسن فـي قوله: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: الرضاع.
4357ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن هشام وأشعث, عن الـحسن, مثله.
4358ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن يونس, عن الـحسن: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ يقول: فـي النفقة علـى الوارث إذا لـم يكن له مال.
4359ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن قـيس بن سعد, عن مـجاهد مثله.
4360ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن قـيس بن سعد, عن مـجاهد: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: النفقة بـالـمعروف.
4361ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ علـى الولّـي كفله ورضاعه إن لـم يكن للـمولود مال.
4362ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي الـحجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قال: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: وعلـى الوارث من كان مثل ما وصف من الرضاع.
قال ابن جريج: وأخبرنـي عبد الله بن كثـير عن مـجاهد مثل ذلك فـي الرضاعة, قال: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: وعلـى الوارث أيضا كَفْله ورضاعه إن لـم يكن له مال, وأن لا يضار أمه.
4363ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي الـحجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الـخراسانـي, عن ابن عبـاس: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: نفقته حتـى يفطم إن كان أبوه لـم يترك له مالاً.
4364ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: وعلـى وارث الولد ما كان علـى الولد من أجر الرضاع إذا كان الولد لا مال له.
4365ـ حدثنـي عبد الله بن مـحمد الـحنفـي, قال: حدثنا عبد الله بن عثمان, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن معمر, عن قتادة: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: علـى وارث الصبـيّ مثل ما علـى أبـيه, إذا كان قد هلك أبوه ولـم يكن له مال, فإن علـى الوارث أجر الرضاع.
4366ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيـم: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: إذا مات ولـيس له مال كان علـى الوارث رضاع الصبـي.
وقال آخرون: بل تأويـل ذلك: وعلـى الوارث مثل ذلك أن لا يضارّ. ذكر من قال ذلك:
4367ـ حدثنا عمرو بن علـيّ ومـحمد بن بشار, قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا حماد بن زيد, عن علـيّ بن الـحكم, عن الضحاك بن مزاحم: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: أن لا يضارّ.
4368ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عاصم الأحول, عن الشعبـي فـي قوله: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: لا يضارّ, ولا غرم علـيه.
4369ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن جابر, عن مـجاهد فـي قوله: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ أن لا يضارّ.
4370ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنا اللـيث, قال: ثنـي عقـيـل, عن ابن شهاب: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنّ أوْلادَهُنّ حَوْلَـيْنَ قال: الوالدات أحق برضاع أولادهنّ ما قبلن رضاعهنّ بـما يعطى غيرهنّ من الأجر. ولـيس لوالدة أن تضارّ بولدها فتأبى رضاعه مضارّة, وهي تُعْطَى علـيه ما يعطى غيرها. ولـيس للـمولود له أن ينزع ولده من والدته ضرارا لها, وهي تقبل من الأجر ما يعطى غيرها وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ مثل الذي علـى الوالد فـي ذلك.
4371ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, وحدثنا علـيّ, قال: حدثنا زيد, عن سفـيان: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: أن لا يضارّ وعلـيه مثل ما علـى الأب من النفقة والكسوة.
وقال آخرون: بل تأويـل ذلك: وعلـى وارث الـمولود مثل الذي كان علـى الـمولود له من رزق والدته وكسوتها بـالـمعروف. ذكر من قال ذلك:
4372ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن جويبر, عن الضحاك: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: علـى الوارث عند الـموت, مثل ما علـى الأب للـمرضع من النفقة والكسوة, قال: ويعنـي بـالوارث: الولد الذي يرضع أن يؤخذ من ماله إن كان له مال أجر ما أرضعته أمه, فإن لـم يكن للـمولود مال ولا لعصبته فلـيس لأمه أجر, وتـجبر علـى أن ترضع ولدها بغير أجر.
4373ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: علـى وارث الولد مثل ما علـى الوالد من النفقة والكسوة.
وقال آخرون: معنى ذلك: وعلـى الوارث مثل ما ذكره الله تعالـى ذكره. ذكر من قال ذلك:
4374ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن ابن جريج, قال: قلت لعطاء: قوله تعالـى ذكره: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ قال: مثل ما ذكره الله تعالـى ذكره.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال بـالصواب فـي تأويـل قوله: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ أن يكون الـمعنى بـالوارث ما قاله قبـيصة بن ذؤيب والضحاك بن مزاحم ومن ذكرنا قوله آنفـا من أنه معنّـي بـالوارث الـمولود, وفـي قوله: مِثْلُ ذَلِكَ أن يكون معنـيا به مثل الذي كان علـى والده من رزق والدته وكسوتها بـالـمعروف إن كانت من أهل الـحاجة, وهي ذات زمانة وعاهة, ومن لا احتراف فـيها ولا زوج لها تستغنـي به, وإن كانت من أهل الغنى والصحة فمثل الذي كان علـى والده لها من أجر رضاعة.
وإنـما قلنا هذا التأويـل أولـى بـالصواب مـما عداه من سائر التأويلات التـي ذكرناها, لأنه غير جائز أن يقال فـي تأويـل كتاب الله تعالـى ذكره قول إلا بحجة واضحة علـى ما قد بـينا فـي أول كتابنا هذا وإذ كان ذلك كذلك, وكان قوله: وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ مـحتـملاً ظاهره: وعلـى الوارث الصبـي الـمولود مثل الذي كان علـى الـمولود له, ومـحتـملاً.وعلـى وارث الـمولود له مثل الذي كان علـيه فـي حياته من ترك ضرار الوالدة ومن نفقة الـمولود, وغير ذلك من التأويلات علـى نـحو ما قد قدمنا ذكره, وكان الـجميع من الـحجة قد أجمعوا علـى أن من ورثة الـمولود من لا شيء علـيه من نفقته وأجر رضاعه, وصحّ بذلك من الدلالة علـى أن سائر ورثته غير آبـائه وأمهاته وأجداده وجداته من قِبَل أبـيه أو أمه فـي حكمه, فـي أنهم لا يـلزمهم له نفقة ولا أجر رضاع, إذ كان مولـى النعمة من ورثته, وهو مـمن لا يـلزمه له نفقة ولا أجر رضاع فوجب بإجماعهم علـى ذلك أن حكم سائر ورثته غير من استثنـي حكمه وكان إذا بطل أن يكون معنى ذلك ما وصفنا من أنه معنّـي به ورثة الـمولود, فبطول القول الاَخر وهو أنه معنّـي به ورثة الـمولود له سوى الـمولود أحرى, لأن الذي هو أقرب بـالـمولود قرابة مـمن هو أبعد منه إذا لـم يصحّ وجوب نفقته وأجر رضاعه علـيه, فـالذي هو أبعد منه قرابة أحرى أن لا يصحّ وجوب ذلك علـيه.
وأما الذي قلنا من وجوب رزق الوالدة وكسوتها بـالـمعروف علـى ولدها إذا كانت الوالدة بـالصفة التـي وصفنا علـى مثل الذي كان يجب لها من ذلك علـى الـمولود له, فما لا خلاف فـيه من أهل العلـم جميعا, فصح ما قلنا فـي الآية من التأويـل بـالنقل الـمستفـيض وراثة عمن لا يجوز خلافه, وما عدا ذلك من التأويلات فمتنازع فـيه, وقد دللنا علـى فساده.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فإنْ أرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَـيْهِمَا.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: فإنْ أرَادَا إن أراد والد الـمولود ووالدته فصالاً, يعنـي فصال ولدهما من اللبن. ويعنـي بـالفصال: الفطِام, وهو مصدر من قول القائل: فـاصلت فلانا أفـاصله مفـاصلة وفِصالاً: إذا فـارقه من خـلطة كانت بـينهما, فكذلك فصال الفطيـم, إنـما هو منعه اللبن وقطعه شربه, وفراقه ثدي أمّه إلا الاغتذاء بـالأقوات التـي يغتذي بها البـالغ من الرجال. وبـما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
4375ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي قوله: فإنْ أرَادَا فِصَالاً يقول إن أرادا أن يفطماه قبل الـحولـين.
4376ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: حدثنا معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: فإنْ أرَادَا فِصَالاً فإن أرادا أن يفطماه قبل الـحولـين وبعده.
4377ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك: فإنْ أرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما قال: الفطام.
وأما قوله: عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ فإنه يعنـي بذلك: عن تراض من والدي الـمولود وتشاور منهما.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الوقت الذي أسقط الله الـجناح عنها إن فطماه عن تراض منهما وتشاور, وأيّ الأوقات الذي عناه الله تعالـى ذكره بقوله: فإنْ أرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ فقال بعضهم: عنى بذلك: فإن أرادا فصالاً فـي الـحولـين عن تراض منهما وتشاور, فلا جناح علـيهما. ذكر من قال ذلك:
4378ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: فإنْ أرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ يقول: إذا أرادا أن يفطماه قبل الـحولـين فتراضيا بذلك, فلـيفطماه.
4379ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: إذا أرادت الوالدة أن تفصل ولدها قبل الـحولـين, فكان ذلك عن تراض منهما وتشاور, فلا بأس به.
4380ـ حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد: فإنْ أرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ قال: التشاور فـيـما دون الـحولـين لـيس لها أن تفطمه إلا أن يرضى, ولـيس له أن يفطمه إلا أن ترضى.
4381ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد, قال: التشاور: ما دون الـحولـين, فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور دون الـحولـين, فلا جناح علـيهما, فإن لـم يجتـمعا فلـيس لها أن تفطمه دون الـحولـين.
4382ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد, قال: التشاور: ما دون الـحولـين, لـيس لها حتـى يجتـمعا.
4383ـ حدثنـي الـمثنى,, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي اللـيث, قال: أخبرنا عقـيـل, عن ابن شهاب: فإنْ أرَادَا فِصَالاً يفصلان ولدهما, عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ دون الـحولـين الكاملـين, فَلا جُناحَ عَلَـيْهِمَا.
4384ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, وحدثنـي علـيّ, قال: حدثنا زيد جميعا, عن سفـيان, قال: التشاور ما دون الـحولـين إذا اصطلـحا دون ذلك, وذلك قوله: فإنْ أرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ. فإن قالت الـمرأة: أنا أفطمه قبل الـحولـين, وقال الأب لا, فلـيس لها أن تفطمه قبل الـحولـين. وإن لـم ترض الأم فلـيس له ذلك حتـى يجتـمعا فإن اجتـمعا قبل الـحولـين فطماه, وإذا اختلفـا لـم يفطماه قبل الـحولـين, وذلك قوله: فإنْ أرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَـيْهِمَا.
4385ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: فإنْ أرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ قال: قبل السنتـين, فَلا جُناحَ عَلَـيْهِمَا.
وقال آخرون: معنى ذلك: فإن أراد فصالاً عن تراض منهما وتشاور, فلا جناح علـيهما فـي أيّ وقت أرادا ذلك, قبل الـحولـين أراد ذلك أم بعد الـحولـين. ذكر من قال ذلك:
4386ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: فإنْ أرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَـيْهِمَا أن يفطماه قبل الـحولـين وبعده.
وأما قوله: عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ فإنه يعنـي: عن تراض منهما وتشاور فـيـما فـيه مصلـحة الـمولود لفطمه. كما:
4387ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فإنْ أرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ قال: غير مسيئين فـي ظلـم أنفسهما ولا إلـى صبـيهما, فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما.
4388ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
وأولـى التأويـلـين بـالصواب, تأويـل من قال: فإن أراد فصالاً فـي الـحولـين عن تراض منهما وتشاور, لأن تـمام الـحولـين غاية لتـمام الرضاع وانقضائه, ولا تشاور بعد انقضائه وإنـما التشاور والتراضي قبل انقضاء نهايته. فإن ظنّ ذو غفلة أن للتشاور بعد انقضاء الـحولـين معنى صحيحا, إذا كان من الصبـيان من تكون به علة يحتاج من أجلها إلـى تركه والاغتذاء بلبن أمه, فإن ذلك إذا كان كذلك, فإنـما هو علاج كالعلاج بشرب بعض الأدوية لا رضاع. فأما الرضاع الذي يكون فـي الفصال منه قبل انقضاء آخره تراض وتشاور من والدي الطفل الذي أسقط الله تعالـى ذكره لفطمهما إياه الـجناح عنهما قبل انقضاء آخر مدته, فإنـما الـحدّ الذي حدّه الله تعالـى ذكره بقوله: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أوْلاَدَهُنّ حَوْلَـيْن كامِلَـيْنِ لـمَنْ أرَادَ أنْ يُتِـمّ الرّضاعَةَ علـى ما قد أتـينا علـى البـيان عنه فـيـما مضى قبل. وأما الـجناح: فـالـحرج. كما:
4389ـ حدثنـي به الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: فَلا جُناحَ عَلَـيْهِمَا فلا حرج علـيهما.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَإنْ أرَدْتُـمْ أنْ تَسْتَرْضِعُوا أوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَـيْكَمْ إذَا سَلّـمْتُـمْ ما آتَـيْتُـمْ بـالـمَعْرُوفِ.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: وإن أردتـم أن تسترضعوا أولادكم مراضع غير أمهاتهم إذا أبت أمهاتهم أن يرضعنهم بـالذي يرضعنهم به غيرهن من الأجر, أو من خيفة ضيعة منكم علـى أولادكم بـانقطاع ألبـان أمهاتهم أو غير ذلك من الأسبـاب, فلا حرج علـيكم فـي استرضاعهن إذا سلـمتـم ما آتـيتـم بـالـمعروف.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
4390ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَإنْ أرَدْتُـمْ أنْ تَسْتَرْضِعُوا أوْلادَكُمْ خيفة الضيعة علـى الصبـيّ فلا جناح علـيكم.
4391ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
4392ـ حدثنـي عبد الله بن مـحمد الـحنفـي, قال: حدثنا عبد الله بن عثمان, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: أخبرنا أبو بشر ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
4393ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَإنْ أرَدْتُـمْ أنْ تَسْتَرْضِعُوا أوْلادَكُمْ إن قالت الـمرأة: لا طاقة لـي به فقد ذهب لبنـي, فتسترضع له أخرى.
4394ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن جويبر, عن الضحاك, قال: لـيس للـمرأة أن تترك ولدها بعد أن يصطلـحا علـى أن ترضع, ويسلـمان ويجبران علـى ذلك. قال: فإن تعاسروا عند طلاق أو موت فـي الرضاع فإنه يعرض علـى الصبـيّ الـمراضع, فإن قبل مرضعا صار ذلك وأرضعته, وإن لـم يقبل مرضعا فعلـى أمه أن ترضعه بـالأجر إن كان له مال أو لعصبته, فإن لـم يكن له مال ولا لعصبته أكرهت علـى رضاعه.
3حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, وحدثنـي علـيّ, قال: حدثنا زيد جميعا, عن سفـيان: وَإنْ أرَدْتُـمْ أنْ تسْتَرْضِعُوا أوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ إذا أبت الأم أن ترضعه فلا جناح علـى الأب أن يسترضِع له غيرها.
4395ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَإنْ أرَدْتُـمْ أنْ تَسْتَرْضِعُوا أوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ إذَا سَلّـمْتُـمْ مَا آتَـيْتُـمْ بـالـمَعْرُوفِ قال: إذا رضيت الوالدة أن تسترضع ولدها ورضي الأب أن يسترضع ولده, فلـيس علـيهما جناح.
واختلفوا فـي قوله: إذَا سَلّـمْتُـمْ ما آتَـيْتُـمْ بـالـمَعْرُوفِ فقال بعضهم: معناه: إذا سلـمتـم لأمهاتهم ما فـارقتـموهنّ علـيه من الأجرة علـى رضاعهن بحساب ما استـحقته إلـى انقطاع لبنها, أو الـحال التـي عذر أبو الصبّـي بطلب مرضع لولده غير أمه واسترضاعه له. ذكر من قال ذلك:
4396ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: إذَا سَلّـمْتُـمْ ما آتَـيْتـمْ بـالـمَعْرُوفِ قال: حساب ما أرضع به الصبـي.
4397ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: إذَا سَلّـمْتُـمْ ما آتَـيْتُـمْ بـالـمَعْرُوفِ حساب ما يرضع به الصبـيّ.
4398ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: إذَا سَلّـمْتُـمْ ما آتَـيْتُـمْ بـالـمَعْرُوفِ إن قالت يعنـي الأم: لا طاقة لـي به فقد ذهب لبنـي, فسترضع له أخرى, ولـيسلـم لها أجرها بقدر ما أرضعت.
4399ـ حدثنـي الـمثنى, قال: ثنـي سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن ابن جريج, قال: قلت, يعنـي لعطاء: وَإنْ أرَدْتُـمْ أنْ تَسْتَرْضِعُوا أوْلادَكُمْ قال: أمه وغيرها, فَلا جُنَاحَ عَلَـيْكُمْ إذَا سَلّـمْتُـمْ قال: إذا سلـمت لها أجرها, ما آتَـيْتُـمْ قال: ما أعطيتـم.
وقال آخرون: معنى ذلك: إذا سلـمتـم للاسترضاع عن مشورة منكم ومن أمهات أولادكم الذين تسترضعون لهم, وتراض منكم ومنهن بـاسترضاعهم. ذكر من قال ذلك:
4400ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: فَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ إذَا سَلّـمْتُـمْ ما آتَـيْتُـم بـالـمَعْروفِ يقول: إذا كان ذلك عن مشورة ورضا منهم.
4401ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: أخبرنـي اللـيث, قال: ثنـي عقـيـل, عن ابن شهاب: لا جناح علـيهما أن يسترضعا أولادهما, يعنـي أبوي الـمولود إذا سلـما ولـم يتضارّا.
4402ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: إذَا سَلّـمْتُـمْ ما آتَـيْتـمْ بـالـمَعْرُوفِ يقول: إذا كان ذلك عن مشورة ورضا منهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا سلـمتـم ما آتـيتـم بـالـمعروف إلـى التـي استرضعتـموها بعد إبـاء أم الـمرضع من الأجرة بـالـمعروف. ذكر من قال ذلك:
4403ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, وحدثنـي علـيّ, قال: حدثنا زيد جميعا, عن سفـيان فـي قوله: إذَا سَلّـمْتُـمْ ما آتَـيْتُـمْ بـالـمَعرُوفِ قال: إذا سلـمتـم إلـى هذه التـي تستأجرون أجرها بـالـمعروف, يعنـي إلـى من استرضع للـمولود إذا أبت الأم رضاعه.
وأولـى الأقوال بـالصواب فـي تأويـل ذلك قول من قال تأويـله: وإن أردتـم أن تسترضعوا أولادكم إلـى تـمام رضاعهن, ولـم تتفقوا أنتـم ووالدتهم علـى فصالهم, ولـم تروا ذلك من صلاحهم, فلا جناح علـيكم أن تسترضعوهم ظؤورة إن امتنعت أمهاتهم من رضاعهم لعلة بهنّ أو لغير علة إذا سلـمتـم إلـى أمهاتهم وإلـى الـمسترضعة الاَخرة حقوقهنّ التـي آتـيتـموهنّ بـالـمعروف. يعنـي بذلك الـمعنى الذي أوجبه الله لهنّ علـيكم, وهو أن يوفـيهنّ أجورهنّ علـى ما فـارقهنّ علـيه فـي حال الاسترضاع ووقت عقد الإجارة. وهذا هو الـمعنى الذي قاله ابن جريج, ووافقه علـى بعضه مـجاهد والسدي ومن قال بقولهم فـي ذلك.
وإنـما قضينا لهذا التأويـل أنه أولـى بتأويـل الآية من غيره, لأن الله تعالـى ذكره ذكر قبل قوله: وَإنْ أرَدْتُـمْ أنْ تَسْتَرْضِعُوا أوْلادَكُمْ أمر فصالهم, وبـين الـحكم فـي فطامهم قبل تـمام الـحولـين الكاملـين, فقال: فإنْ أرَادَا فصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما فـي الـحولـين الكاملـين, فلا جناح علـيها. فـالذي هو أولـى بحكم الآية, إذ كان قد بـين فـيها وجه الفصال قبل الـحولـين أن يكون الذي يتلو ذلك حكم ترك الفصال وإتـمام الرضاع إلـى غاية نهايته, وأن يكون إذ كان قد بـين حكم الأم إذا هي اختارت الرضاع بـما يرضع به غيرها من الأجرة, أن يكون الذي يتلو ذلك من الـحكم بـيان حكمها وحكم الولد إذا هي امتنعت من رضاعه كما كان ذلك كذلك فـي غير هذا الـموضع من كتاب الله تعالـى, وذلك فـي قوله: فإنْ أرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنّ أجُورُهَنّ وأتْـمِرُوا بَـيْنَكُمْ بِـمَعْرُوفٍ وَإنْ تَعاسَرْتُـمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى, فأتبع ذكر بـيان رضا الوالدات برضاع أولادهن, ذكر بـيان امتناعهنّ من رضاعهن, فكذلك ذلك فـي قوله: وَإنْ أرَدْتُـمْ أنْ تَسْتَرْضِعُوا أوْلادَكُمْ. وإنـما اخترنا فـي قوله: إذَا سَلّـمْتُـمْ ما آتَـيْتُـمْ بـالـمَعْرُوفِ ما اخترنا من التأويـل لأن الله تعالـى ذكره فرض علـى أبـي الـمولود تسلـيـم حقّ والدته إلـيها مـما آتاها من الأجرة علـى رضاعها له بعد بـينونتها منه, كما فرض علـيه ذلك لـمن استأجره لذلك مـمن لـيس من مولده بسبـيـل وأمره بإيتاء كل واحدة منهما حقها بـالـمعروف علـى رضاع ولده فلـم يكن قوله: «إذا سلـمتـم» بأن يكون معنـيا به إذا سلـمتـم إلـى أمهات أولادكم الذين يرضعون حقوقهن بأولـى منه بأن يكون معنـيا به إذا سلـمتـم ذلك إلـى الـمراضع سواهن ولا الغرائب من الـمولود بأولـى أن يكنّ معنـيات بذلك من الأمهات, إذ كان الله تعالـى ذكره قد أوجب علـى أبـي الـمولود لكل من استأجره لرضاع ولده من تسلـيـم أجرتها إلـيها مثل الذي أوجب علـيه من ذلك للأخرى, فلـم يكن لنا أن نـحيـل ظاهر تنزيـل إلـى بـاطن ولا نقل عام إلـى خاص إلا بحجة يجب التسلـيـم لها فصح بذلك ما قلنا.
وأما معنى قوله: بـالـمَعْرُوفِ فإن معناه: بـالإجمال والإحسان وترك البخس والظلـم فـيـما وجب للـمراضع.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاتّقُوا اللّهَ وَاعْلَـمُوا أنّ اللّهَ بِـمَا تَعْمَلُونَ بَصيرٌ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وَاتّقُوا اللّهَ وخافوا الله فـيـما فرض لبعضكم علـى بعض من الـحقوق, وفـيـما ألزم نساءكم لرجالكم ورجالكم لنسائكم, وفـيـما أوجب علـيكم لأولادكم فـاحذروه أن تـخالفوه فتعتدوا فـي ذلك وفـي غيره من فرائضه وحقوقه حدوده, فتستوجبوا بذلك عقوبته, واعلـموا أن الله بـما تعملون من الأعمال أيها الناس سرّها وعلانـيتها, وخفـيها وظاهرها, وخيرها وشرّها, بصير يراه ويعلـمه, فلا يخفـى علـيه شيء, ولا يغيب عنه منه شيء, فهو يحصي ذلك كله علـيكم حتـى يجازيكم بخير ذلك وشرّه. ومعنى بصير ذو إبصار, وهو فـي معنى مبصر