تفسير الطبري تفسير الصفحة 362 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 362
363
361
 الآية : 21
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىَ رَبّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُواْ فِيَ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً }.
يقول تعالـى ذكره: وقال الـمشركون الذين لا يخافون لقاءنا, ولا يَخْشَوْن عقابنا, هلا أنزل الله علـينا ملائكة, فتـخبرَنا أن مـحمدا مـحقّ فـيـما يقول, وأن ما جاءنا به صدق, أو نرى ربنا فـيخبرنا بذلك, كما قال جلّ ثناؤه مخبرا عنهم: وقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حتـى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعا ثم قال بعد: أوْ تَأْتِـيَ بـاللّهِ وَالـمَلائِكَةِ قَبِـيلاً يقول الله: لقد استكبر قائلو هذه الـمقالة فـي أنفسهم, وتعظموا, وَعَتَوْا عُتُوّا كَبِـيرا يقول: وتـجاوزوا فـي الاستكبـار بقـيـلهم ذلك حدّه وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19963ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال كفـار قريش: لَوّلاَ أُنْزِلَ عَلَـيْنَا الـمَلاَئِكَةُ فـيخبرونا أن مـحمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم, لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فـي أنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّا لأن «عتا» من ذوات الواو, فأخرج مصدره علـى الأصل بـالواو. وقـيـل فـي سورة مريـم: وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكِبَرِ عتِـيّاوإنـما قـيـل ذلك كذلك لـموافقة الـمصادر فـي هذا الوجه جمع الأسماء كقولهم: قعد قعودا, وهم قوم قعود, فلـما كان ذلك كذلك, وكان العاتـي يجمع عتـيا بناء علـى الواحد, جعل مصدره أحيانا موافقا لـجمعه, وأحيانا مردودا إلـى أصله.
الآية : 22
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىَ يَوْمَئِذٍ لّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مّحْجُوراً }.
يقول تعالـى ذكره: يوم يرى هؤلاء الذين قالوا: لَولاَ أُنْزِلَ عَلَـيْنَا الـمَلاَئِكَةُ أوْ نَرَى رَبّنَا بتصديق مـحمد الـملائكة, فلا بشرى لهم يومئذٍ بخير. يقولُونَ حِجْرا مَـحْجُورا يعنـي أن الـملائكة يقولون للـمـجرمين حجرا مـحجورا, حراما علـيكم الـيوم البشرى أن تكون لكم من الله ومن الـحِجر قول الـمتلـمّس:
حَنّتْ إلـى نَـخْـلَةَ القُصْوَى فَقُلْتُ لَهَاحِجْرٌ حَرَامٌ ألا تِلْكَ الدّهارِيسُ
ومنه قولهم: حَجَر القاضي علـى فلان, وحَجَر فلان علـى أهله ومنه حِجر الكعبة, لأنه لا يدخـل إلـيه فـي الطواف, وإنـما يطاف من ورائه ومنه قول الاَخر.
فَهَمَـمْتُ أنْ أَلْقَـى إلَـيْها مَـحْجَرافَلَـمِثْلُها يُـلْقَـى إلَـيْهِ الـمَـحْجَرُ
أي مثلها يُركب منه الـمَـحْرَمُ.
واختلف أهل التأويـل فـي الـمخبر عنهم بقوله وَيَقُولُونَ حِجْرا مـحْجُورا ومن قائلوه؟ فقال بعضهم قائلو ذلك الـملائكة للـمـجرمين نـحو الذي قلنا فـيه. ذكر من قال ذلك:
19964ـ حدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـي, قال: حدثنا أبو أسامة, عن الأجلـح, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم, وسأله رجل عن قول الله: وَيَقُولُونَ حِجْرا مَـحْجُورا قال: تقول الـملائكة: حراما مـحرما أن تكون لكم البُشرى.
19965ـ حدثنـي عبد الوارث بن عبد الصمد, قال: ثنـي أبـي, عن جدي, عن الـحسن, عن قَتادة: وَيَقُولُونَ حِجْرا مَـحْجُورا قال: هي كلـمة كانت العرب تقولها, كان الرجل إذا نزل به شدّة قال: حجرا, يقول: حراما مـحرّما.
19966ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ للْـمُـجْرِمينَ وَيَقُولُون حِجْرا مَـحْجُورا لـما جاءت زلازل الساعة, فكان من زلازلها أن السماء انشقّت فَهِيَ يَؤْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ, وَالـملَكُ عَلـى أرْجَائِهَا علـى شفة كل شيء تشقّق من السماء, فذلك قول: يَوْمَ يَرَوْنَ الـمَلائِكَهَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ للْـمُـجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ: يعنـي الـملائكة تقول للـمـجرمين: حراما مـحرّما أيها الـمـجرمون أن تكون لكم البشرى الـيوم حين رأيتـمونا.
19967ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد يَوْمَ يَرَوْنَ الـمَلائِكَةَ قال: يوم القـيامة وَيَقُولُونَ حِجْرا مَـحْجُورا قال: عوذا معاذا.
حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله, وزاد فـيه: الـملائكة تقوله.
وقال آخرون: ذلك خبر من الله عن قـيـل الـمشركين إذا عاينوا الـملائكة. ذكر من قال ذلك:
19968ـ حدثنا القاسم, قال: ثنـي الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج يَوْمَ يَرَوْنَ الـمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ للْـمُـجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرا مَـحْجُورا قال ابن جُرَيج: كانت العرب إذا كرهوا شيئا قالوا: حجرا, فقالوا حين عاينوا الـملائكة. قال ابن جُرَيج: قال مـجاهد: حِجْرا: عوذا, يستعيذون من الـملائكة.
قال أبو جعفر: وإنـما اخترنا القول الذي اخترنا فـي تأويـل ذلك من أجل أن الـحِجْر هو الـحرام, فمعلوم أن الـملائكة هي التـي تـخبر أهل الكفر أن البُشرى علـيهم حرام. وأما الاستعاذة فإنها الاستـجارة, ولـيست بتـحريـم. ومعلوم أن الكفـار لا يقولون للـملائكة حرام علـيكم, فـيوجه الكلام إلـى أن ذلك خبر عن قـيـل الـمـجرمين للـملائكة.
الآية : 23 - 24
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَدِمْنَآ إِلَىَ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مّنثُوراً * أَصْحَابُ الْجَنّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً }.
يقول تعالـى ذكره: وَقَدِمْنَا وعمدنا إلـى ما عمل هؤلاء الـمـجرمون مِنْ عَمَلٍ ومنه قول الراجز:
وَقَدِمَ الـخَوَارِجُ الضلاّلُإلـى عِبـادِ رَبّهمْ وَقالُواإنّ دِماءَكُمْ لَنا حَلالُ
يعنـي بقوله: قدم: عمد. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19969ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَقَدِمْنَا قال: عَمَدنا.
19970ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله وقوله: فَجَعَلْناهُ هَبـاءً مَنْثُورا يقول: فجعلناه بـاطلاً, لأنهم لـم يعملوه لله وإنـما عملوه للشيطان. والهبـاء: هو الذي يرى كهيئة الغبـار إذا دخـل ضوء الشمس من كوّة يحسبه الناظر غبـارا لـيس بشيء تقبض علـيه الأيدي ولا تـمسه, ولا يرى ذلك فـي الظلّ.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم نـحو الذي قلنا فـيه. ذكر من قال ذلك:
19971ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد, قال: حدثنا شعبة, عن سماك, عن عكرِمة أنه قال فـي هذه الاَية هَبـاءً مَنْثُورا قال: الغبـار الذي يكون فـي الشمس.
19972ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن أبـي رجاء, عن الـحسن, فـي قوله: وَقَدِمْنا إلـى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَبـاءً مَنْثُورا قال: الشعاع فـي كوّة أحدهم إن ذهب يقبض علـيه لـم يستطع.
19973ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: هَبـاءً مَنْثُورا قال: شعاع الشمس من الكوّة.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الـحسن, فـي قوله هَبـاءً مَنْثورا قال: ما رأيت شيئا يدخـل البـيت من الشمس تدخـله من الكوّة, فهو الهبـاء.
وقال آخرون: بل هو ما تسفـيه الرياح من التراب, وتذروه من حطام الأشجار, ونـحو ذلك. ذكر من قال ذلك:
19974ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عطاء الـخراسانـي, عن ابن عبـاس, قوله: هَبـاءً مَنْثُورا قال: ما تسفـي الريح وتَبُثّهُ.
19975ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا عن قَتادة هَبـاءً مَنْثُورا قال: هو ما تذرو الريح من حطام هذا الشجر.
19976ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن يزيد, فـي قوله: هَبـاءً مَنْثُورا قال: الهبـاء: الغبـار.
وقال آخرون: هو الـماء الـمُهراق. ذكر من قال ذلك:
19975حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: هَبـاءً مَنْثُورا يقال: الـماء الـمهراق.
وقوله جلّ ثناؤه: أصحَابُ الـجَنّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّا وأَحْسَنُ مَقِـيلاً يقول تعالـى ذكره: أهل الـجنة يوم القـيامة خير مستقرّا, وهو الـموضع الذي يستقرّون فـيه من منازلهم فـي الـجنة من مستقرّ هؤلاء الـمشركين الذين يفتـخرون بأموالهم, وما أوتوا من عرض هذه الدنـيا فـي الدنـيا, وأحسن منهم فـيها مقـيلاً.
فإن قال قائل: وهل فـي الـجنة قائلة, فـيقال وأحْسَنُ مَقِـيلاً فـيها؟ قـيـل: معنى ذلك: وأحسن فـيها قرارا فـي أوقات قائلتهم فـي الدنـيا, وذلك أنه ذكر أن أهل الـجنة لا يـمرّ فـيهم فـي الاَخرة إلا قدر ميقات النهار من أوّله إلـى وقت القائلة, حتـى يسكنوا مساكنهم فـي الـجنة, فذلك معنى قوله: وأحْسَنُ مَقِـيلاً ذكر الرواية عمن قال ذلك:
19977ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: أصحَابُ الـجَنّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّا وأحْسَنُ مَقِـيلاً يقول: قالوا فـي الغرف فـي الـجنة, وكان حسابهم أن عرضوا علـى ربهم عرضة واحدة, وذلك الـحساب الـيسير, وهو مثل قوله: فَأمّا مَنْ أُوتِـيَ كِتابَهُ بِـيَـمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابـا يَسِيرا, وَيَنْقَلِبُ إلـى أهْلِهِ مَسْرُورا.
19978ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيـم, فـي قوله: أصحَابُ الـجَنّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّا وأحْسَنُ مَقِـيلاً قال: كانوا يرون أنه يفرغ من حساب الناس يوم القـيامة فـي نصف النهار, فـيقـيـل هؤلاء فـي الـجنة وهؤلاء فـي النار.
19979ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج أصحَابُ الـجَنّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّا وَأَحْسَنُ مَقِـيلاً قال: لـم ينتصف النهار حتـى يقضي الله بـينهم, فـيقـيـل أهل الـجنة فـي الـجنة وأهل النار فـي النار. قال: وفـي قراءة ابن مسعود: ثُمّ إنّ مَقِـيـلَهُمْ لإلَـى الـجَحِيـم.
19980ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: أصحَابُ الـجَنّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّا وأحْسَنُ مَقِـيلاً قال: قال ابن عبـاس: كان الـحساب من ذلك فـي أوّله, وقال القوم حين قالوا فـي منازلهم من الـجنة, وقرأ أصحَابُ الـجَنّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّا وأحْسَنُ مَقِـيلاً.
19981ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا عمرو بن الـحارث أن سعيدا الصوّاف حدثه أنه بلغه أن يوم القـيامة يقضي علـى الـمؤمنـين حتـى يكون كما بـين العصر إلـى غروب الشمس, وأنهم يقـيـلون فـي رياض الـجنة حتـى يفرغ من الناس, فذلك قول الله: أصحَابُ الـجنّةَ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّا وأحْسَنُ مَقِـيلاً.
قال أبو جعفر: وإنـما قلنا: معنى ذلك: خير مستقرا فـي الـجنة منهم فـي الدنـيا, لأن الله تعالـى ذكره عَمّ بقوله: أصحَابُ الـجنّةِ يَوْمَئِذٍ وأحسَنُ مَقِـيلاً, جميع أحوال الـجنة فـي الاَخرة أنها خير فـي الاستقرار فـيها, والقائلة من جميع أحوال أهل النار, ولـم يخصّ بذلك أنه خير من أحوالهم فـي النار دون الدنـيا, ولا فـي الدنـيا دون الاَخرة, فـالواجب أن يعمّ كما عمّ ربنا جلّ ثناؤه, فـيقال: أصحاب الـجنة يوم القـيامة خير مستقرّا فـي الـجنة من أهل النار فـي الدنـيا والاَخرة, وأحسن منهم مقـيلاً. وإذا كان ذلك معناه, صحّ فساد قول من توهّم أن تفضيـل أهل الـجنة بقول الله: خَيْرٌ مُسْتَقَرّا علـى غير الوجه الـمعروف من كلام الناس بـينهم فـي قولهم: هذا خير من هذا, وهذا أحسن من هذا.
الآية : 25 -26
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَوْمَ تَشَقّقُ السّمَآءُ بِالْغَمَامِ وَنُزّلَ الْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقّ لِلرّحْمَـَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً }.
اختلف القرّاء فـي قراءة قوله تَشَقّقُ فقرأته عامّة قرّاء الـحجاز: «وَيَوْمَ تَشّقّقُ» بتشديد الشين بـمعنى: تَتَشقق, فأدغموا إحدى التاءين فـي الشين فشدّدوها, كما قال: لا يسّمّعُونَ إلـى الـمَلإِ الأعْلَـى.
وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة: وَيَوْمَ تَشَقّقُ بتـخفـيف الشين والاجتزاء بإحدى التاءين من الأخرى.
والقول فـي ذلك عندي: أنهما قراءتان مستفـيضتان فـي قرأة الأمصار بـمعنى واحد, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب وتأويـل الكلام: ويوم تُشقق السماء عن الغمام. وقـيـل: إن ذلك غمام أبـيض مثل الغمام الذي ظلل علـى بنـي إسرائيـل, وجعلت البـاء, فـي قوله: بـالغَمامِ مكان «عن» كما تقول: رميت عن القوس وبـالقوس, وعلـى القوس, بـمعنى واحد. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19982ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قوله: وَيَوْمَ تشَقّقُ السّماءُ بـالغَمامِ قال: هو الذي قال: فِـي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ الذي يأتـي الله فـيه يوم القـيامة, ولـم يكن فـي تلك قطّ إلا لبنـي إسرائيـل. قال ابن جُرَيج: الغمام الذي يأتـي الله فـيه غمام زعموا فـي الـجنة.
19983ـ قال: ثنا الـحسين, قال: حدثنا معتـمر بن سلـيـمان, عن عبد الـجلـيـل, عن أبـي حازم, عن عبد الله بن عمرو قال: يهبط حين يهبط, وبـينه وبـين خـلقه سبعون حجابـا, منها النور والظلـمة والـماء, فـيصوّت الـماء صوتا تنـخـلع له القلوب.
19984ـ قال: ثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عكرمة فـي قوله: يَأْتِـيَهُمُ اللّهُ فـي ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ وَالـمَلائِكَةُ يقول: والـملائكة حوله.
19985ـ قال: ثنـي حجاج, عن مبـارك بن فضالة, عن علـيّ بن زيد بن جُدعان, عن يوسف بن مهران, أنه سمع ابن عبـاس يقول: إن هذه السماء إذا انشقت نزل منها من الـملائكة أكثر من الـجنّ والإنس, وهو يوم التلاق, يوم يـلتقـي أهل السماء وأهل الأرض, فـيقول أهل الأرض: جاء ربنا, فـيقولون: لـم يجىء وهو آت, ثم تَتَشقق السماء الثانـية, ثم سماء سماء علـى قدر ذلك من التضعيف إلـى السماء السابعة, فـينزل منها من الـملائكة أكثر من جميع من نزل من السموات ومن الـجنّ والإنس. قال: فتنزل الـملائكة الكَرُوبـيّون, ثم يأتـي ربنا تبـارك وتعالـى فـي حملة العرش الثمانـية بـين كعب كل ملك وركبته مسيرة سبعين سنة, وبـين فخذه ومنكبه مسيرة سبعين سنة, قال: وكل ملك منهم لـم يتأمل وجه صاحبه, وكلّ ملك منهم واضع رأسه بـين ثديـيه يقول: سبحان الـملك القدوس, وعلـى رؤوسهم شيء مبسوط كأنه القبـاء, والعرش فوق ذلك, ثم وقـف.
19986ـ قال: ثنا الـحسن, قال: حدثنا جعفر بن سلـيـمان, عن هارون بن وثاب, عن شهر بن حوشب, قال: حملة العرش ثمانـية, فأربعة منهم يقولون: سبحانك اللهمّ وبحمدك, لك الـحمد علـى حلـمك بعد علـمك. وأربعة يقولون: سبحانك اللهمّ وبحمدك, لك الـحمد علـى عفوك بعد قدرتك.
19987ـ قال: ثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر بن عبد الله, قال: إذا نظر أهل الأرض إلـى العرش يهبط علـيهم, فوقهم شخصت إلـيه أبصارهم, ورجفت كُلاهم فـي أجوافهم. قال: وطارت قلوبهم من مقرّها فـي صدورهم إلـى حناجرهم.
19988ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَيَوْمَ تَشّقّقُ السّماءُ بـالغَمامِ ونُزّلَ الـمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً يعنـي يوم القـيامة حين تشقق السماء بـالغمام, وتنزل الـملائكة تنزيلاً.
وقوله: وَنُزّلَ الـمَلائكَةُ تنزِيلاً يقول: ونزّل الـملائكة إلـى الأرض تنزيلاً الـمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الـحَقّ للرّحْمَنِ يقول: الـملك الـحقّ يومئذ خالص للرحمن دون كلّ من سواه, وبطلت الـمـمالك يومئذ سوى ملكه. وقد كان فـي الدينا ملوك, فبطل الـملك يومئذ سوى ملك الـجبـار وكانَ يَوْما عَلـى الكافِرِينَ عَسِيرا يقول: وكان يومُ تشقّق السماء بـالغمام يوما علـى أهل الكفر بـالله عسيرا, يعنـي صعبـا شديدا.

الآية : 27 - 29
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَوْمَ يَعَضّ الظّالِمُ عَلَىَ يَدَيْهِ يَقُولُ يَلَيْتَنِي اتّخَذْتُ مَعَ الرّسُولِ سَبِيلاً * يَوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً * لّقَدْ أَضَلّنِي عَنِ الذّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ الشّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً }.
يقول تعالـى ذكره: ويوم يعضّ الظالـم نفسه الـمشرك بربه علـى يديه ندما وأسفـا علـى ما فرط فـي جنب الله وأوبق نفسه بـالكفر به فـي طاعة خـلـيـله الذي صدّه عن سبـيـل ربه, يقول: يا لـيتنـي اتـخذت فـي الدنـيا مع الرسول سبـيلاً, يعنـي طريقا إلـى النـجاة من عذاب الله. وقوله يا وَيْـلَتا لَـيْتَنِـي لَـمْ أتّـخِذْ فُلانا خَـلِـيلاً اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بقوله:فُلاَنا, فقال بعضهم: عنـي بـالظالـم: عقبة بن أبـي مُعَيط, لأنه ارتدّ بعد إسلامه, طلبـا لرضا أُبـيّ بن خـلف, وقالوا: فلان هو أُبـيّ. ذكر من قال ذلك:
19989ـ حدثنا القاسم, قال: ثنـي الـحسين, قال: ثنـي حجاج عن ابن جُرَيج, عن عطاء الـخراسانـي, عن ابن عبـاس قال: كان أبـيّ بن خـلف يحضر النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فزجره عقبة بن أبـي معيط, فنزل: وَيَوْمَ يَعَضّ الظّالِـمُ عَلـى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَـيْتَنِـي اتّـخَذْتُ مَعَ الرّسُولِ سَبِـيلاً... إلـى قوله خَذُولاً قال: الظالـم: عقبة, وفلانا خـلـيلاً: أُبـيّ بن خـلف.
19990ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن الشعبـيّ فـي قوله: لَـيْتَنِـي لَـمْ أتّـخِذْ فُلانا خَـلِـيلاً قال: كان عقبة بن أبـي معيط خـلـيلاً لأمية بن خـلف, فأسلـم عقبة, فقال أمية: وجهي من وجهك حرام إن تابعتَ مـحمدا, فكفر وهو الذي قال: لَـيْتَنِـي لَـمْ أتّـخِذْ فُلانا خَـلِـيلاً.
19991ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر عن قَتادة وعثمان الـجزري, عن مقسم فـي قوله: وَيَوْمَ يَعَضّ الظّالِـمُ عَلـى يَدَيْهِ يَقُول يا لَـيْتَنِـي اتّـخَذْتُ مَعَ الرّسُول سَبِـيلاً قال: اجتـمع عقبة بن أبـي معيط وأبـيّ بن خـلف, وكانا خـلـيـلـين, فقال أحدهما لصاحبه: بلغنـي أنك أتـيت مـحمدا فـاستـمعت منه, والله لا أرضى عنك حتـى تتفل فـي وجهه وتكذّبه, فلـم يسلطه الله علـى ذلك, فقتل عقبة يوم بدر صبرا. وأما أُبـيّ بن خـلف فقتله النبـيّ صلى الله عليه وسلم بـيده يوم أُحد فـي القتال, وهما اللذان أنزل الله فـيهما: وَيَوْمَ يَعَضّ الظّالِـمُ عَلـى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَـيْتَنِـي اتّـخَذْتُ مَعَ الرّسُولِ سَبـيلاً.
19992ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, وَيَوْمَ يَعَضّ الظّالِـمُ عَلـى يَدَيْهِ... إلـى قوله: فُلانا خَـلِـيلاً قال: هو أُبـيّ بن خـلف, كان يحضر النبـي صلى الله عليه وسلم, فزجره عقبة بن أبـي معيط.
19993ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَيَوْمَ يَعَضّ الظّالِـمُ عَلـى يَدَيْهِ قال: عقبة بن أبـي معيط دعا مـجلسا فـيهم النبـيّ صلى الله عليه وسلم لطعام, فأبى النبـيّ صلى الله عليه وسلم أن يأكل, وقال: «لا آكُل حتـى تَشْهَدَ أنْ لا إلهَ إلا اللّهُ, وأنّ مُـحَمّدا رَسُولُ الله», فقال: ما أنت بآكل حتـى أشهد؟ قال: «نعم», قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن مـحمدا رسول الله. فلقـيه أُمية بن خـلف فقال: صبوت: فقال: إن أخاك علـى ما تعلـم, ولكنـي صنعت طعاما فأبى أن يأكل حتـى أقول ذلك, فقلته, ولـيس من نفسي.
وقال آخرون: عنـي بفلان: الشيطان. ذكر من قال ذلك:
19994ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فُلانا خَـلِـيلاً قال: الشيطان.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
وقوله لَقَدْ أضَلّنِـي عَنِ الذّكْرِ بَعْدَ إذْ جاءَنِـي يقول جلّ ثناؤه مخبرا عن هذا النادم علـى ما سلف منه فـي الدنـيا, من معصية ربه فـي طاعة خـلـيـله: لقد أضلنـي عن الإيـمان بـالقرآن, وهو الذكر, بعد إذ جاءنـي من عند الله, فصدّنـي عنه. يقول الله: وكانَ الشّيْطانُ للإنْسانِ خَذُولاً يقول: مسلّـما لـما يَنزل به من البلاء غير منقذه ولا منـجيه.
الآية : 30 - 31
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الرّسُولُ يَرَبّ إِنّ قَوْمِي اتّخَذُواْ هَـَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِيّ عَدُوّاً مّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَىَ بِرَبّكَ هَادِياً وَنَصِيراً }.
يقول تعالـى ذكره: وقال الرسول يوم يعضّ الظالـم علـى يديه: يا ربّ إن قومي الذين بعثتنـي إلـيهم لأدعوهم إلـى توحيدك اتـخذوا هذا القرآن مهجورا.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى اتـخاذهم القرآن مهجورا, فقال بعضهم: كان اتـخاذهم ذلك هُجرا, قولهم فـيه السيىء من القول, وزعمهم أنه سحر, وأنه شعر. ذكر من قال ذلك:
19995ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد قوله: اتّـخَذُوا هَذَا القُرآنَ مَهْجُورا قال: يهجُرون فـيه بـالقول, يقولون: هو سحر.
19996ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قوله: وَقالَ الرّسُولُ... الاَية: يهجرون فـيه بـالقول. قال مـجاهد: وقوله: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِرا تَهْجُرُونَ قال: مستكبرين بـالبلد سامرا مـجالس تهجرون, قال: بـالقول السيىء فـي القرآن غير الـحقّ.
19997ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال, حدثنا هشيـم, عن مغيرة, عن إبراهيـم, فـي وقول الله: إنّ قَوْمي اتّـخَذُوا هَذَا القُرآنَ مَهْجُورا قال: قالوا فـيه غير الـحقّ ألـم تر إلـى الـمريض إذا هذى قال غير الـحقّ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: الـخبر عن الـمشركين أنهم هجروا القرآن وأعرضوا عنه ولـم يسمعوا له. ذكر من قال ذلك:
19998ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قول الله: وَقالَ الرّسُولُ يا رَبّ إنّ قَوْمي اتّـخَذُوا هَذَا القُرآنَ مَهْجُورا لا يريدون أن يسمعوه, وإن دعوا إلـى الله قالوا لا. وقرأ: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنأَوْنَ عَنْهُ قال: ينهون عنه, ويبعدون عنه.
قال أبو جعفر: وهذا القول أولـى بتأويـل ذلك, وذلك أن الله أخبر عنهم قالوا: لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فـيه, وذلك هجرهم إياه.
وقوله: وكَذلكَ جَعَلْنا لِكُلّ نَبِـيّ عَدُوّا مِنَ الـمُـجْرِمِينَ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وكما جعلنا لك يا مـحمد أعداء من مشركي قومك, كذلك جعلنا لكلّ من نبأناه من قبلك عدوّا من مشركي قومه, فلـم تـخصص بذلك من بـينهم. يقول: فـاصبر لِـما نالك منهم كما صبر مِن قبلك أولو العزم من رسلنا.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19999ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن عبـاس وكَذلكَ جَعَلْنا لكُلّ نَبِـيّ عَدُوّا مِنَ الـمُـجْرِمِينَ قال: يوطن مـحمدا صلى الله عليه وسلم أنه جاعل له عدوّا من الـمـجرمين كما جعل لـمن قبله.
وقوله: وكَفَـى برَبّكَ هادِيا وَنَصِيرا يقول تعالـى ذكره لنبـيه: وكفـاك يا مـحمد بربك هاديا يهديك إلـى الـحقّ, ويبصرك الرشد, ونصيرا: يقول: ناصرا لك علـى أعدائك, يقول: فلا يهولنك أعداؤك من الـمشركين, فإنـي ناصرك علـيهم, فـاصبر لأمري, وامض لتبلـيغ رسالتـي إلـيهم.

الآية : 32
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتّلْنَاهُ تَرْتِيلاً }.
يقول تعالـى ذكره: وَقالَ الّذِينَ كَفَرُوا بـالله لَوْلا نَزّلَ عَلَـيْهِ القُرآنُ يقول: هلا نزّل علـى مـحمد صلى الله عليه وسلم القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً كما أنزلت التوراة علـى موسى جملة واحدة؟, قال الله: كَذلكَ لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ تنزيـله علـيك الاَية بعد الاَية, والشيء بعد الشيء, لنثبت به فؤادك نزلناه. ذكر من قال ذلك:
20000ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس وَقالَ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزّلَ عَلَـيْهِ القُرآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذلكَ لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتّلْناه تَرْتِـيلاً قال: كان الله ينزل علـيه الاَية, فإذا علـمها نبـيّ الله نزلت آية أخرى, لـيعلـمه الكتاب عن ظهر قلب, ويثبت به فؤاده.
20001ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: وَقالَ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزّلَ عَلَـيْهِ القُرآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كما أنزلت التوراة علـى موسى, قال: كذلكَ لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ قال: كان القرآن ينزّل علـيه جوابـا لقولهم: لـيعلـم مـحمد أن الله يجيب القوم بـما يقولون بـالـحقّ, ويعنـي بقوله: لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ لنصحح به عزيـمة قلبك ويقـين نفسك, ونشجعك به.
وقوله وَرَتّلْناهُ تَرْتِـيلاً يقول: وشيئا بعد شيء علـمناكَهُ حتـى تـحفظنه. والترتـيـل فـي القراءة: الترسل والتثبت.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20002ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا مغيرة, عن إبراهيـم, فـي قوله: وَرَتّلْناهُ تَرتِـيلاً قال: نزل متفرّقا.
20003ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الـحسن, فـي قوله: وَرَتّلْناهُ تَرْتِـيلاً قال: كان ينزّل آية وآيتـين وآيات جوابـا لهم إذا سألوا عن شيء أنزله الله جوابـا لهم, وردّا عن النبـيّ فـيـما يتكلـمون به. وكان بـين أوّله وآخره نـحو من عشرين سنة:
20004ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: وَرَتّلْناهُ تَرْتـيلاً قال: كان بـين ما أنزل القرآن إلـى آخره أنزل علـيه لأربعين, ومات النبـيّ صلى الله عليه وسلم لثنتـين أو لثلاث وستـين.
وقال آخرون: معنى الترتـيـل: التبـيـين والتفسير. ذكر من قال ذلك:
20005ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَرَتّلْناهُ تَرْتـيلاً قال: فسرناه تفسيرا, وقرأ: وَرَتّلِ القُرآنَ تَرْتِـيلاً