تفسير الطبري تفسير الصفحة 363 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 363
364
362
 الآية : 33 - 34
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاّ جِئْنَاكَ بِالْحَقّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً * الّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىَ وُجُوهِهِمْ إِلَىَ جَهَنّمَ أُوْلَـَئِكَ شَرّ مّكَاناً وَأَضَلّ سَبِيلاً }.
يقول تعالـى ذكره: ولا يأتـيك يا مـحمد هؤلاء الـمشركون بـمثل يضربونه إلا جئناك من الـحقّ, بـما نبطل به ما جاءوا به وأحسن منه تفسيرا. كما:
20006ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج وَلا يأْتُونَكَ بِـمَثَلٍ إلاّ جِئْناكَ بـالـحَقّ قال: الكتاب بـما تردّ به ما جاءوا به من الأمثال التـي جاءوا بها وأحسن تفسيرا.
وعنى بقوله وأحْسَنَ تَفْسِيرا: وأحسن مـما جاءوا به من الـمثل بـيانا وتفصيلاً. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20007ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: وأحْسَنَ تَفْسيرا يقول: أحسن تفصيلاً.
20008ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد وأحْسَنَ تَفْسِيرا قال: بـيانا.
20009ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله وأحْسَنَ تَفْسِيرا يقول: تفصيلاً.
وقوله: الّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلـى وُجُوهِهِمَ أُوَلَئِكَ شَرّ مَكانا يقول تعالـى ذكره: لنبـيه: هؤلاء الـمشركون يا مـحمد, القائلون لك: لَوْلا نُزّلَ هَذَا القُرآنُ جُمْلَةً واحِدة ومن كان علـى مثل الذي هم علـيه من الكفر بـالله, الذين يحشرون يوم القـيامة علـى وجوههم إلـى جهنـم, فـيساقون إلـى جهنـم شرّ مستقرّا فـي الدنـيا والاَخرة من أهل الـجنة فـي الـجنة, وأضلّ منهم فـي الدنـيا طريقا.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20010ـ حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد الّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلـى وُجُوهِهِمْ إلـى جَهَنّـمَ قال: الذي أمشاهم علـى أرجلهم قادر علـى أن يـمشيهم علـى وجوههم أُولَئِكَ شَرّ مَكانا من أهل الـجنة وأضَلّ سَبِـيلاً قال: طريقا.
20011ـ حدثنـي مـحمد بن يحيى الأزدي, قال: حدثنا الـحسين بن مـحمد, قال: حدثنا شيبـان, عن قَتادة, قوله الّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلـى وُجُوهِهِمْ إلـى جَهَنّـمَ قال: حدثنا أنس بن مالك أن رجلاً قال: يا رسول الله كيف يحشر الكافر علـى وجهه؟ قال: «الّذِي أمْشاهُ عَلـى رِجْلَـيْهِ قادِرٌ أنْ يُـمْشِيَهُ عَلـى وَجْهه».
حدثنا أبو سفـيان الغنوي يزيد بن عمرو, قال: حدثنا خلاد بن يحيى الكوفـي, قال: حدثنا سفـيان الثوري, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, قال: أخبرنـي من سمع أنس بن مالك يقول: جاء رجل إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم فقال: كيف يحشرهم علـى وجوههم؟ قال: «الّذِي يَحْشُرُهُمْ عَلـى أرّجُلِهِمْ قادِرٌ بأنْ يَحْشُرَهُمْ عَلـى وُجُوههِمْ».
حدثنا عبـيد بن مـحمد الورّاق, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي داود, عن أنس بن مالك, قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يُحشر أهل النار علـى وجوههم؟ فقال: «إنّ الّذِي أمْشاهُمْ عَلـى أقْدامِهِمْ قادِرٌ عَلـى أنْ يُـمْشِيَهُمْ عَلـى وُجُوهِهِمْ».
20012ـ حدثنـي أحمد بن الـمقدام قال: حدثنا حزم, قال: سمعت الـحسن يقول: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاَية: الّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلـى وُجُوهِهِمْ إلـى جَهَنّـمَ فقالوا: يا نبـي كيف يـمشون علـى وجوههم؟ قال: «أرأيْتَ الّذِي أمْشاهُمْ عَلـى أقْدامِهِمْ ألَـيْسَ قادِرا أنْ يُـمْشِيَهُمْ عَلـى وُجوهِهم».
20013ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا منصور بن زاذان, عن علـي بن زيد بن جدعان, عن أبـي خالد, عن أبـي هريرة, قال: «يحشر الناس يوم القـيامة علـى ثلاثة أصناف: صنف علـى الدوابّ, وصنف علـى أقدامهم, وصنف علـى وجوههم», فقـيـل: كيف يـمشون علـى وجوههم؟ قال: «إن الذي أمشاهم علـى أقدامهم, قادر أن يـمشيهم علـى وجوههم».

الآية : 35 - 36
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً * فَقُلْنَا اذْهَبَآ إِلَى الْقَوْمِ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا فَدَمّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم يتوعد مشركي قومه علـى كفرهم بـالله, وتكذيبهم رسوله ويخوّفهم من حلول نقمته بهم, نظير الذي يحلّ بـمن كان قبلهم من الأمـم الـمكذّبة رسلها: وَلَقَدْ آتَـيْنا يا مـحمد مُوسَى الكِتابَ يعنـي التوراة, كالذي آتـيناك من الفرقان وَجَعَلْنا مَعَهُ أخَاهُ هارُونَ وَزِيرا يعنـي: معينا وظهيرا فقُلْنا اذْهَبـا إلـى القَوْمِ الّذِينَ كَذّبُوا بآياتِنا يقول: فقلنا لهما: اذهبـا إلـى فرعون وقومه الذي كذّبوا بإعلامنا وأدلتنا, فدمرناهم تدميرا. وفـي الكلام متروك استغنـي بدلالة ما ذكر من ذكره وهو: فذهبـا فكذبوهما, فدمرناهم حينئذٍ.
الآية : 37
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَوْمَ نُوحٍ لّمّا كَذّبُواْ الرّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً }.
يقول تعالـى ذكره: وقوم نوح لـما كذّبوا رسلنا, وردّوا علـيهم ما جاءوهم به من الـحقّ, أغرقناهم بـالطوفـان وَجَعَلْناهُمْ للنّاسِ آيَةً يقول: وجعلنا تغريقنا إياهم وإهلاكنا عظة وعبرة للناس يعتبرون بها وأعْتَدْنا للظّالِـمِينَ عَذَابـا ألِـيـما يقول: وأعددنا لهم من الكافرين بـالله فـي الاَخرة عذابـا ألـيـما, سوى الذي حلّ بهم من عاجل العذاب فـي الدنـيا.
الآية : 38 - 39
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ الرّسّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً * وَكُلاّ ضَرَبْنَا لَهُ الأمْثَالَ وَكُلاّ تَبّرْنَا تَتْبِيراً }.
يقول تعالـى ذكره: ودمرنا أيضا عادا وثمود وأصحاب الرسّ.
واختلف أهل التأويـل فـي أصحاب الرسّ, فقال بعضهم: أصحاب الرسّ من ثمود. ذكر من قال ذلك:
20014ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عبـاس وأصحَابَ الرّسّ قال: قرية من ثمود.
وقال آخرون: بل هي قرية من الـيـمامة يقال لها الفلْـج ذكر من قال ذلك:
20015ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن وهب, قال: حدثنا جرير بن حازم, قال: قال قتادة: الرسّ: قرية من الـيـمامة يقال لها الفلْـج.
20016ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جُرَيج, قال عكرِمة: أصحاب الرسّ بفلـج هم أصحاب يس.
وقال آخرون: هم قوم رسّوا نبـيهم فـي بئر. ذكر من قال ذلك:
20017ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي بكر, عن عكرِمة, قال: كان الرسّ بئرا رسّوا فـيها نبـيهم.
وقال آخرون: هي بئر كانت تسمى الرسّ. ذكر من قال ذلك:
20018ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, وأصحَابَ الرّسّ قال: هي بئر كانت تسمى الرّسّ.
20019ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, قال: أخبرنا إسرائيـل, عن أبـي يحيى عن مـجاهد فـي قوله: «وأصحَابَ الرّسّ» قال: الرّسّ بئر كان علـيها قوم.
قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك, قول من قال: هم قوم كانوا علـى بئر, وذلك أن الرّسّ فـي كلام العرب كلّ مـحفور مثل البئر والقبر ونـحو ذلك ومنه قول الشاعر:
سَبَقْتَ إلـى فَرَطٍ بـاهِلٍتَنابِلَةً يَحْفُرُونَ الرّساسا
يريد أنهم يحفرون الـمعادن, ولا أعلـم قوما كانت لهم قصة بسبب حفرة, ذكرهم الله فـي كتابه إلا أصحاب الأخدود, فإن يكونوا هم الـمعنـيـين بقوله وأصحَابَ الرّسّ فإنا سنذكر خبرهم إن شاء الله إذا انتهينا إلـى سورة البروج, وإن يكونوا غيرهم فلا نعرف لهم خبرا, إلا ما جاء من جملة الـخبر عنهم أنهم قوم رَسّوا نبـيهم فـي حفرة. إلا ما:
20020ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن كعب القرظي, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أوّلَ النّاسِ يَدخـلُ الـجَنّةَ يَوْمَ القِـيامَةِ العَبْدُ الأَسْوَدُ». وذلك أن الله تبـارك وتعالـى بعث نبـيا إلـى أهل قرية فلـم يؤمن مِنْ أهلها أحد إلا ذلك الأسود, ثم إن أهل القرية عدوا علـى النبـيّ علـيه السلام, فحفورا له بئرا فألقوه فـيها, ثم أطبقوا علـيه بحجرٍ ضخم, قال: وكان ذلك العبد يذهب فـيحتطب علـى ظهره, ثم يأتـي بحطبه فـيبـيعه, فـيشتري به طعاما وشرابـا, ثم يأتـي به إلـى ذلك البئر, فـيرفع تلك الصخرة, فـيعينه الله علـيها, فـيدلـي إلـيه طعامه وشرابه, ثم يعيدها كما كانت, قال: فكان كذلك ما شاء الله أن يكون. ثم إنه ذهب يوما يحتطب, كما كان يصنع, فجمع حطبه, وحزم حزمته وفرغ منها فلـما أراد أن يحتـملها وجد سِنَة, فـاضطجع فنام, فضرب الله علـى أذنه سبع سنـين نائما. ثم إنه هبّ فتـمطى, فتـحوّل لشقة الاَخر, فـاضطجع, فضرب الله علـى أذنه سبع سنـين أخرى. ثم إنه هبّ فـاحتـمل حزمته, ولا يحسب إلا أنه نام ساعة من نهار, فجاء إلـى القرية فبـاع حزمته, ثم اشترى طعاما وشرابـا كما كان يصنع, ثم ذهب إلـى الـحفرة فـي موضعها التـي كانت فـيه فـالتـمسه فلـم يجده, وقد كان بدا لقومه فـيه بداء, فـاستـخرجوه وآمنوا به وصدّقوه, قال: فكان النبـيّ علـيه السلام يسألهم عن ذلك الأسود: ما فعل0فـيقولون: ما ندري, حتـى قبض الله النبـيّ, فأهبّ الله الأسود من نومته بعد ذلك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ ذلكَ الأسْوَدَ لأَوّلُ مَنْ يَدْخُـلُ الـجَنّةَ» غير أن هؤلاء فـي هذا الـخبر يذكر مـحمد بن كعب عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أنهم آمنوا بنبـيهم واستـخرجوه من حفرته, فلا ينبغي أن يكونوا الـمعنـيـين بقوله: وأصحَابَ الرّسّ لأن الله أخبر عن أصحاب الرّسّ أنه دمرهم تدميرا, إلا أن يكونوا دمروا بأحداث أحدثوها بعد نبـيهم الذي استـخرجوه من الـحفرة وآمنوا به, فـيكون ذلك وجها. وَقُرُونا بـينَ ذلكَ كَثِـيرا يقول: ودمرنا بـين أضعاف هذه الأمـم التـي سمّيناها لكم أمـما كثـيرة. كما:
20021ـ حدثنا الـحسن بن شبـيب, قال: حدثنا خـلف بن خـلـيفة, عن جعفر بن علـيّ بن أبـي رافع مولـى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خـلفت بـالـمدينة عمي مـمن يفتـي علـى أن القرن سبعون سنة, وكان عمه عبـيد الله بن أبـي رافع كاتب علـيّ رضي الله عنه.
20022ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد, قال: حدثنا حفص بن غياث, عن الـحجاج, عن الـحكم, عن إبراهيـم قال: القرن أربعون سنة.
وقوله وكُلاً ضَرَبْنا لَهُ الأَمْثالَ يقول تعالـى ذكره: وكل هذه الأمـم التـي أهلكناها التـي سميناها لكم أو لـم نسمها ضربنا له الأمثال, يقول: مثلنا له الأمثال ونبهناها علـى حججنا علـيها, وأعذرنا إلـيها بـالعبر والـمواعظ, فلـم نهلك أمة إلا بعد الإبلاغ إلـيهم فـي الـمعذرة.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20023ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن معمر, عن قَتادة, فـي قوله: وكُلاً ضَرَبْنا لَهُ الأَمْثالَ قال: كلّ قد أعذر الله إلـيه, ثم انتقم منه.
وقوله: وكُلاّ تَبّرْنَا تَتْبِـيرا يقول تعالـى ذكره: وكل هؤلاء الذين ذكرنا لكم أمرهم استأصلناهم, فدمرناهم بـالعذاب إبـادة, وأهلكناهم جميعا.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20024ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الـحسن, فـي قوله: وكُلاّ تَبّرْنا تَتْبِـيرا قال: تبر الله كلاً بعذاب تتبـيرا.
20025ـ حدثنا أبو كريب قال: حدثنا ابن يـمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد بن جُبـير وكُلاّ تَبّرْنا تَتْبِـيرا قال: تتبـير بـالنبطية.
20026ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جُرَيج, قوله: وكُلاّ تَبّرْنا تَتْبِـيرا قال: بـالعذاب.
الآية : 40
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الّتِيَ أُمْطِرَتْ مَطَرَ السّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً }.
يقول تعالـى ذكره: ولقد أتـى هؤلاء الذين اتـخذوا القرآن مهجورا علـى القرية التـي أمطرها الله مطر السوء وهي سدوم, قرية قوم لوط. ومطر السوء: هو الـحجارة التـي أمطرها الله علـيهم فأهلكهم بها. كما:
20027ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج وَلَقَدْ أتَوْا عَلـى القَرْيَةِ التـي أمْطِرَتْ مَطَر السّوءِ قال: حجارة, وهي قرية قوم لوط, واسمها سدوم. قال ابن عبـاس: خمس قريّات, فأهلك الله أربعة, وبقـيت الـخامسة, واسمها صعوة. لـم تهلك صعوة. كان أهلها لا يعملون ذلك العمل, وكانت سدوم أعظمها, وهي التـي نزل بها لوط, ومنها بعث. وكان إبراهيـم صلى الله عليه وسلم ينادي نصيحة لهم: يا سدوم, يوم لكم من الله, أنهاكم أن تعرّضوا لعقوبة الله, زعموا أن لوطا ابن أخي إبراهيـم صلوات الله علـيهما.
وقوله: أفَلَـمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها يقول جلّ ثناؤه: أو لـم يكن هؤلاء الـمشركون الذين قد أتوا علـى القرية التـي أمطرت مطر السوء يرون تلك القرية, وما نزل بها من عذاب الله بتكذيب أهلها رسلهم, فـيعتبروا ويتذكروا, فـيراجعوا التوبة من كفرهم وتكذيبهم مـحمدا صلى الله عليه وسلم بَلْ كَانُوا لا يَرَجُونَ نُشُورا يقول تعالـى ذكره: ما كذّبوا مـحمدا فـيـما جاءهم به من عند الله, لأنهم لـم يكونوا رأوا ما حلّ بـالقرية التـي وصفت, ولكنهم كذّبوه من أجل أنهم قوم لا يخافون نشورا بعد الـمـمات, يعنـي أنهم لا يوقنون بـالعقاب والثواب, ولا يؤمنون بقـيام الساعة, فـيردعهم ذلك عما يأتون من معاصي الله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20028ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج أفَلَـمْ يكُونُوا يَرَوْنَها, بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورا: بعثا.
الآية : 41
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً أَهَـَذَا الّذِي بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وإذا رآك هؤلاء الـمشركون الذين قصصت علـيك قصصهم إنْ يَتّـخِذُونَكَ إلاّ هُزُوا يقول: ما يتـخذونك إلا سخرية يسخرون منك, يقولون: أهذا الّذِي بَعثَ اللّهُ إلـينا رَسُولاً من بـين خـلقه.
الآية : 42
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِن كَادَ لَيُضِلّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلّ سَبِيلاً }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن هؤلاء الـمشركين الذين كانوا يهزءون برسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم يقولون إذا رأوه: قد كاد هذا يضلنا عن آلهتنا التـي نعبدها, فـيصدّنا عن عبـادتها لولا صبرنا علـيها, وثبوتنا علـى عبـادتها. وَسَوْفَ يَعْلَـمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العذَابَ يقول جلّ ثناؤه: سيبـين لهم حين يعاينون عذاب الله قد حلّ بهم علـى عبـادتهم الاَلهة مَنْ أضَلّ سَبِـيلاً يقول: من الراكب غير طريق الهدى, والسالك سبـيـل الردى أنت أوهم. وبنـحو ما قلنا فـي تأويـل قوله لَوْلا أن صَبرْنا عَلَـيْها قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20029ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جُرَيج إنْ كادَ لَـيُضِلّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أنْ صَبرْنا عَلَـيْها قال: ثبتنا علـيها