سورة البقرة | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 39 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 39
040
038
الآية : 239
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلّمَكُم مّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: وقوموا لله فـي صلاتكم مطيعين له, لـما قد بـيناه من معناه, فإن خفتـم من عدوّ لكم أيها الناس, تـخشونهم علـى أنفسكم فـي حال التقائكم معهم, أن تصلوا قـياما علـى أرجلكم بـالأرض, قانتـين لله, فصلوا رجالاً مشاة علـى أرجلكم, وأنتـم فـي حربكم وقتالكم وجهاد عدوّكم, أو ركبـانا علـى ظهور دوابكم, فإن ذلك يجزيكم حينئذٍ من القـيام منكم قانتـين.
ولـما قلنا من أن معنى ذلك كذلك, جاز نصب الرجال بـالـمعنى الـمـحذوف, وذلك أن العرب تفعل ذلك فـي الـجزاء خاصة لأن ثانـيه شبـيه بـالـمعطوف علـى أوله, ويبـين ذلك أنهم يقولون إن خيرا فخيرا, وإن شرّا فشرّا, بـمعنى: إن تفعل خيرا تصب خيرا, وإن تفعل شرّا تصب شرّا, فـيعطفون الـجواب علـى الأول لا نـجزام الثانـي بجزم الأول, فكذلك قوله: فإن خِفْتُـمْ فَرجالاً أوْ رُكبْـانا بـمعنى: إن خفتـم أن تصلوا قـياما بـالأرض فصلوا رجالاً والرجال جمع راجل ورَجِل. وأما أهل الـحجاز فإنهم يقولون لواحد الرجال رَجُل, مسموع منهم: مشى فلان إلـى بـيت الله حافـيا رَجُلاً, وقد سمع من بعض أحياء العرب فـي واحدهم رَجْلان, كما قال بعض بنـي عقـيـل:
علـيّ إذَا أبْصَرْتُ لَـيْـلَـى بِخَـلْوَةٍأنَ ازْدَارَ بَـيْتَ اللّهِ رَجْلانَ حافِـيا
فمن قال رَجْلان للذكر, قال للأنثى رَجْلَـى, وجاز فـي جمع الـمذكر والـمؤنث فـيه أن يقال: أتـى القوم رُجَالَـى, ورَجَالـى مثل كُسالـى وكَسالـى.
وقد حُكي عن بعضهم أنه كان يقرأ ذلك: «فإنْ خِفْتُـمْ فَرُجّالاً» مشددة. وعن بعضهم أنه كان يقرأ: «فُرجَالاً», وكلتا القراءتـين غير جائزة القراءة بها عندنا بخلاف القراءة الـموروثة الـمستفـيضة فـي أمصار الـمسلـمين. وأما الركبـان, فجمع راكب, يقال: هو راكب وهو رُكْبـان ورَكْب وَرَكَبة وُركّاب وأَركُب وأَرْكُوب, يقال: جاءنا أُرْكُوبٌ من الناس وأراكيب. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
4516ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا مغيرة, عن إبراهيـم, قال: سألته عن قوله: فَرِجالاً أو رُكْبـانا قال: عند الـمطاردة يصلـي حيث كان وجهه, راكبـا أو راجلاًف, ويجعل السجود أخفض من الركوع, ويصلـي ركعتـين يومىء إيـماء.
4517ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفـيان, عن مغيرة عن إبراهيـم فـي قوله: فَرِجالاً أوْ رُكْبـانا قال: صلاة الضّراب ركعتـين يومىء إيـماء.
4518ـ حدثنـي أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, عن سفـيان, عن مغيرة, عن إبراهيـم قوله: فَرجالاً أوْ رُكْبـانا قال: يصلـي ركعتـين حيث كان وجهه يومىء إيـماء.
4519ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن سالـم, عن سعيد بن جبـير: فَرِجالاً أوْ ركْبـانا قال: إذا طردت الـخيـل فأومىء إيـماء.
الآية : 240-246
تأويل قوله تعالى: {وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيّةً لأزْوَاجِهِمْ مّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنْفُسِهِنّ مِن مّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَلِلْمُطَلّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتّقِينَ * كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ * أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمّ أَحْيَاهُمْ إِنّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ * وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * مّن ذَا الّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىَ إِذْ قَالُواْ لِنَبِيّ لّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلّوْاْ إِلاّ قَلِيلاً مّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ }
حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن مالك, عن سعيد, قال: يومىء إيـماء.
4520ـ حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا هشيـم, عن يونس, عن الـحسن: فَرجالاً أوْ رُكْبـانا قال: إذا كان عند القتال صلـى راكبـا أو ماشيا حيث كان وجهه يومىء إيـماء.
4521ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: فإنْ خِفْتُـمْ فَرِجالاً أوْ رُكْبَـانا أصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم فـي القتال علـى الـخيـل, فإذا وقع الـخوفُ فلـيصل الرجل علـى كل جهة قائما أو راكبـا, أو كما قدر, علـى أن يومىء برأسه أو يتكلـم بلسانه.
4522ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد بنـحوه, إلا أنه قال: أو راكبـا لأصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم, وقال أيضا: أو راكبـا, أو ما قدر أن يومىء برأسه, وسائر الـحديث مثله.
4523ـ حدثنا يحيى بن أبـي طالب, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك فـي قوله: فإنْ خِفْتُـمْ فَرجّالاً أوْ رُكْبـانا قال: إذا التقوا عند القتال وطَلَبوا, أو طُلِبوا, أو طلبهم سَبُع, فصلاتهم تكبـيرتان إيـماء أيّ جهة كانت.
4524ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك فـي قوله: فَرِجالاً أوْ رُكْبـانا قال: ذلك عند القتال يصلـي حيث كان وجهه راكبـا أو راجلاً إذا كان يطلب أو يطلبه سبع, فلـيصلّ ركعة يومىء إيـماء, فإن لـم يستطع فلـيكبر تكبـيرتـين.
4525ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن الفضل بن دَلْهم, عن الـحسن: فإنْ خِفْتُـمْ فَرِجالاً أوْ رُكْبـانا قال: ركعة وأنت تـمشي, وأنت يُوضِع بك بعيرك, ويركض بك فرسك علـى أيّ جهة كان.
4526ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: فإنْ خِفْتُـمْ فَرِجالاً أوْ رُكْبـانا أما رجالاً: فعلـى أرجلكم إذا قاتلتـم, يصلـي الرجل يومىء برأسه أينـما توجه, والراكب علـى دابته يومىء برأسه أينـما توجه.
4527ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فإنْ خِفْتُـمْ فَرِجالاً أو رُكبْـانا الآية. أحلّ الله لك إذا كنت خائفـا عند القتال أن تصلـي وأنت راكب وأنت تسعى, تومىء برأسك من حيث كان وجهك إن قدرت علـى ركعتـين, وإلا فواحدة.
4528ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن طاوس, عن أبـيه: فإنْ خِفْتُـمْ فَرجّالاً أوْ رُكْبـانا قال: ذاك عند الـمسايفة.
4529ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن معمر, عن الزهري فـي قوله: فإنْ خِفْتُـمْ فَرِجالاً أوْ رُكبْـانا قال: إذا طلب الأعداء فقد حلّ لهم أن يصلوا قبل أيّ جهة كانوا رجالاً أو ركبـانا يومئون إيـماء ركعتـين. وقال قتادة: تـجزي ركعة.
4530ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله: فإنْ خِفْتُـمْ فَرِجالاً أوْ رُكْبـاناقال: كانوا إذا خشوا العدو صلوا ركعتـين راكبـا كان أو راجلاً.
4531ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيـم فـي قوله: فإنْ خِفْتُـمْ فَرِجالاً أوْ رُكبْـانا قال: يصلـي الرجل فـي القتال الـمكتوبة علـى دابته, وعلـى راحلته حيث كان وجهه, يومىء إيـماء عند كل ركوع وسجود, ولكن السجود أخفض من الركوع, فهذا حين تأخذ السيوف بعضها بعضا هذا فـي الـمطاردة.
4532ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: ثنـي أبـي, قال: كان قتادة يقول: إن استطاع ركعتـين وإلا فواحدة يومىء إيـماء, إن شاء راكبـا أو راجلاً, قال الله تعالـى ذكره: فإنْ خِفْتُـمْ فَرِجالاً أوْ رُكبْـانا.
4533ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: ثنـي أبـي, عن قتادة, عن الـحسن, قال فـي الـخائف الذي يطلبه العدوّ, قال: إن استطاع أن يصلـي ركعتـين, وإلا صلـى ركعة.
4534ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن يونس, عن الـحسن, قال: ركعة.
وقال آخرون: كان سبب مسألتهم نبـيهم ذلك, ما:
4535ـ حدثنـي به موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: ألَـمْ تَرَ إلـى الـمَلإِ مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إذْ قالُوا لِنَبِـيّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكا نُقاتِلْ فِـي سَبِـيـلِ اللّهِ. قال: كانت بنو إسرائيـل يقاتلون العمالقة, وكان ملك العمالقة جالوت. وإنهم ظهروا علـى بنـي إسرائيـل, فضربوا علـيهم الـجزية, وأخذوا توراتهم وكانت بنو إسرائيـل يسألون الله أن يبعث لهم نبـيا يقاتلون معه وكان سبط النبوّة قد هلكوا, فلـم يبق منهم إلا امرأة حبلـى, فأخذوها فحبسوها فـي بـيتٍ رهبة أن تلد جارية فتبدلها بغلام, لـما ترى من رغبة بنـي إسرائيـل فـي ولدها. فجعلت الـمرأة تدعو الله أن يرزقها غلاما, فولدت غلاما فسمته شمعون. فكبر الغلام فأرسلته يتعلـم التوراة فـي بـيت الـمقدس, وكفله شيخ من علـمائهم وتبناه. فلـما بلغ الغلام أن يبعثه الله نبـيا أتاه جبريـل والغلام نائم إلـى جنب الشيخ, وكان لا يأتـمن علـيه أحدا غيره, فدعاه بلـحن الشيخ: يا شماول فقام الغلام فزعا إلـى الشيخ, فقال: يا أبتاه دعوتنـي؟ فكره الشيخ أن يقول لا فـيفزع الغلام, فقال: يا بنـيّ ارجع فنـم فرجع فنام ثم دعاه الثانـية, فأتاه الغلام أيضا, فقال: دعوتنـي؟ فقال: ارجع فنـم, فإن دعوتك الثالثة فلا تـجبنـي فلـما كانت الثالثة ظهر له جبريـل, فقال: اذهب إلـى قومك فبلغهم رسالة ربك, فإن الله قد بعثك فـيهم نبـيا فلـما أتاهم كذبوه وقالوا: استعجلت بـالنبوّة ولـم يأنِ لك وقالوا: إن كنت صادقا فـابعث لنا ملكا نقاتل فـي سبـيـل الله آية من نبوّتك فقال لهم شمعون: عسى أن كتب علـيكم القتال ألا تقاتلوا والله أعلـم.
قال أبو جعفر: وغير جائز فـي قول الله تعالـى ذكره: نُقاتِلْ فِـي سَبِـيـلِ اللّهِ إذا قرىء بـالنون غير الـجزم علـى معنى الـمـجازاة وشرط الأمر. فإن ظنّ ظانّ أن الرفع فـيه جائز وقد قرىء بـالنون بـمعنى الذي نقاتل فـي سبـيـل الله, فإن ذلك غير جائز لأن العرب لا تضمر حرفـين. ولكن لو كان قرىء ذلك بـالـياء لـجاز رفعه, لأنه يكون لو قرىء كذلك صلة للـملك, فـيصير تأويـل الكلام حينئذ: ابعث لنا الذي يقاتل فـي سبـيـل الله, كما قال تعالـى ذكره: وَابعَثْ فِـيهمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَـيْهمْ آياتِك لأن قوله «يتلو» من صلة «الرسول».
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: قالَ هَلْ عَسَيْتُـمْ إنْ كُتِبَ عَلَـيْكُمُ القِتالُ ألاّ تُقاتِلُوا قالُوا ومَا لَنَا ألاّ نُقاتِلَ فـي سَبِـيـلِ اللّهِ وقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيارنَا وَأبْنَائِنَا فَلَـمّا كُتِبَ عَلَـيْهِمُ القِتَالُ تَوَلّوْا إلاّ قَلِـيلاً مِنْهُمْ واللّهُ عَلِـيـمٌ بـالظّالِـمِينَ.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: قال النبـيّ الذي سألوه أن يبعث لهم ملكا يقاتلوا فـي سبـيـل الله: هَلْ عَسَيْتُـمْ هل تعدون إن كتب, يعنـي إن فرض علـيكم القتال ألا تقاتلوا؟ يعنـي أن لا تفوا بـما تعدون الله من أنفسكم من الـجهاد فـي سبـيـله؟ فإنكم أهل نكث وغدر, وقلة وفـاء بـما تعدون قالُوا وَما لَنا ألاّ نُقاتِل فـي سَبِـيـلِ اللّهِ يعنـي قال الـملأ من بنـي إسرائيـل لنبـيهم ذلك: وأيّ شيء يـمنعنا أن نقاتل فـي سبـيـل الله عدوّنا وعدوّ الله, وَقَدْ أخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأبْنائِنَا بـالقهر والغلبة؟
فإن قال لنا قائل: وما وجه دخول «أن» فـي قوله: وما لَنا ألاّ نُقاتِلَ فـي سَبِـيـلِ اللّهِ وحذفه من قوله: وما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بـاللّهِ والرّسُولُ يَدْعُوكُمْ؟ قـيـل: هما لغتان فصيحتان للعرب, تـحذف «أن» مرة مع قولنا «ما لك», فتقول: ما لك لا تفعل كذا؟ بـمعنى: ما لك غير فـاعله, كما قال الشاعر:
ما لَكِ تَرْغِينَ ولا تَرْغُو الـخَـلِفْ
وذلك هو الكلام الذي لا حاجة بـالـمتكلـم به إلـى الاستشهاد علـى صحته لفشوّ ذلك علـى ألسن العرب. وتثبت «أن» فـيه أخرى, توجيها لقولها ما لك إلـى معناه, إذ كان معناه: ما منعك, كما قال تعالـى ذكره: ما مَنَعَك ألاّ تَسجُدَ إذْ أمَرْتُكَ ثم قال فـي سورة أخرى فـي نظيره: مَا لَكَ ألاّ تَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ فوضع «ما منعك» موضع «ما لك», و«ما لك» موضع «ما منعك» لاتفـاق معنـيـيهما وإن اختلفت ألفـاظهما, كما تفعل العرب ذلك فـي نظائره مـما تتفق معانـيه وتـختلف ألفـاظه, كما قال الشاعر:
يقُولُ إذا اقلَوْلَـى عَلَـيَها وأقْرَدَتْألا هَلْ أخُو عَيشٍ لَذِيذٍ بِدَائمِ
فأدخـل فـي «دائم» «البـاء» مع «هل» وهي استفهام, وإنـما تدخـل فـي خبر «ما» التـي فـي معنى الـجحد لتقارب معنى الاستفهام والـجحد.
وكان بعض أهل العربـية يقول: أدخـلت «أن» فـي: ألاّ تُقاتِلُوا لأنه بـمعنى قول القائل: ما لك فـي ألا تقاتل؟ ولو كان ذلك جائزا لـجاز أن يقال: ما لك أن قمت؟ وما لك أنك قائم؟ وذلك غير جائز لأن الـمنع إنـما يكون للـمستقبل من الأفعال, كما يقال: منعتك أن تقوم, ولا يقال: منعتك أن قمت فلذك قـيـل فـي «ما لك»: ما لك ألا تقوم, ولـم يقل: ما لك أن قمت.
وقال آخرون منهم: «أن» ههنا زائدة بعد «ما» «فلـما» «ولـما» «ولو» وهي تزاد فـي هذا الـمعنى كثـيرا قال: ومعناه: وما لنا لا نقاتل فـي سبـيـل الله فأعمل «أن» وهي زائدة وقال الفرزدق:
لَو لَـمْ تَكُنْ غَطَفـانُ لا ذُنوبَ لهَاإذَنْ لَلامَ ذَوُو أحْسابِها عُمَرَا
والـمعنى: لو لـم تكن غطفـان لها ذنوب. «ولا» زائدة فأعملها وأنكر ما قال هذا القائل من قوله الذي حكينا عنه آخرون, وقالوا: غير جائز أن تـجعل «أن» زائدة فـي الكلام وهو صحيح فـي الـمعنى وبـالكلام إلـيه الـحاجة قالوا: والـمعنى: ما يـمنعنا ألا نقاتل؟ فلا وجه لدعوى مدّع أنّ «أن» زائدة, وله معنى مفهوم صحيح.
قالوا: وأما قوله: «لو لـم تكن غطفـان لا ذنوب لها», فإن «لا» غير زائدة فـي هذا الـموضع, لأنه جحد, والـجحد إذا جحد صار إثبـاتا. قالوا: فقوله: «لو لـم تكن غطفـان لا ذنوب لها» إثبـات الذنوب لها, كما يقال: ما أخوك لـيس يقوم, بـمعنى: هو يقوم.
وقال آخرون: معنى قوله: ما لَنا ألاّ نُقاتِلَ ما لنا ولأن لا نقاتل, ثم حذفت الواو فتركت, كما يقال فـي الكلام: ما لك ولأن تذهب إلـى فلان؟ فألقـي منها الواو, لأن «أن» حرف غير متـمكن فـي الأسماء وقالوا: نـجيز أن يقال: ما لك أن تقوم؟ ولا نـجيز: ما لك القـيام؟ لأن القـيام اسم صحيح, و«أن» اسم غير صحيح وقالوا: قد تقول العرب: إياك أن تتكلـم, بـمعنى إياك وأن تتكلـم.
وأنكر ذلك من قولهم آخرون, وقالوا: لو جاز أن يقال ذلك علـى التأويـل الذي تأوّله قائل من حكينا قوله, لوجب أن يكون جائزا: «ضربتك بـالـجارية وأنت كفـيـل», بـمعنى: وأنت كفـيـل بـالـجارية, وأن تقول: «رأيتك أبـانا ويزيد», بـمعنى: رأيتك وأبـانا يزيد لأن العرب تقول: إياك بـالبـاطل أن تنطق قالوا: فلو كانت الواو مضمرة فـي أن لـجاز جميع ما ذكرنا ولكن ذلك غير جائز, لأن ما بعد الواو من الأفـاعيـل غير جائز له أن يقع علـى ما قبلها. واستشهدوا علـى فساد قول من زعم أن الواو مضمرة مع «أن» بقول الشاعر:
فَبُحْ بـالسّرَائِرِ فـي أهْلِهاوإيّاكَ فـي غَيْرِهِمْ أنْ تَبُوحا
وأنّ «أن تبوحا» لو كان فـيها واو مضمرة لـم يجز تقديـم غيرهم علـيها.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنَا وأبْنائِنا. فإنه يعنـي: وقد أخرج من غلب علـيه من رجالنا ونسائنا من ديارهم وأولادهم ومن سبـي. وهذا الكلام ظاهره العموم, وبـاطنه الـخصوص لأن الذين قالوا لنبـيهم: ابْعَثْ لَنا مَلِكا نُقاتِلْ فِـي سَبِـيـلِ اللّهِ كانوا فـي ديارهم وأوطانهم, وإنـما كان أخرج من داره وولده من أسر وقهر منهم.
وأما قوله: فَلَـمّا كُتِبَ عَلَـيْهِمُ القِتَالُ تَوَلّوْا إلاّ قَلِـيلاً مِنْهُمْ يقول: فلـما فرض علـيهم قتال عدوّهم والـجهاد فـي سبـيـله, تولّوا إلا قَلـيلاً مِنْهُم يقول: أدبروا مولـين عن القتال, وضيعوا ما سألوه نبـيهم من فرض الـجهاد. والقلـيـل الذي استثناهم الله منهم, هم الذين عبروا النهر مع طالوت وسنذكر سبب تولّـي من تولّـى منهم وعبور من عبر منهم النهر بعد إن شاء الله إذا أتـينا علـيه.
يقول الله تعالـى ذكره: وَاللّهُ عَلِـيـمٌ بـالظّالِـمِينَ يعنـي: والله ذو علـم بـمن ظلـم منهم نفسه, فأخـلف اللّهَ ما وعده من نفسه وخالف أمر ربه فـيـما سأله ابتداء أن يوجبه علـيه. وهذا من الله تعالـى ذكره تقريعٌ للـيهود الذين كانوا بـين ظهرانـي مهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي تكذيبهم نبـينا مـحمدا صلى الله عليه وسلم ومخالفتهم أمر ربهم. يقول الله تعالـى ذكره لهم: إنكم يا معشر الـيهود عصيتـم الله وخالفتـم أمره فـيـما سألتـموه أن يفرضه علـيكم ابتداء من غير أن يبتدئكم ربكم بفرض ما عصيتـموه فـيه, فأنتـم بـمعصيته فـيـما ابتدأكم به من إلزام فرضه أَحْرَى. وفـي هذا الكلام متروك قد استغنـي بذكر ما ذكر عما ترك منه وذلك أن معنى الكلام: قالوا: وما لنا ألا نقاتل فـي سبـيـل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فسأل نبـيهم ربهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه فـي سبـيـل الله. فبعث لهم ملكا, وكتب علـيهم القتال فَلَـمّا كُتِبَ عَلَـيْهِمُ القِتَالُ تَوَلّوْا إلاّ قَلِـيلاً مِنْهُمْ واللّهُ عَلِـيـمٌ بـالظّالِـمِينَ
040
038
الآية : 239
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلّمَكُم مّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: وقوموا لله فـي صلاتكم مطيعين له, لـما قد بـيناه من معناه, فإن خفتـم من عدوّ لكم أيها الناس, تـخشونهم علـى أنفسكم فـي حال التقائكم معهم, أن تصلوا قـياما علـى أرجلكم بـالأرض, قانتـين لله, فصلوا رجالاً مشاة علـى أرجلكم, وأنتـم فـي حربكم وقتالكم وجهاد عدوّكم, أو ركبـانا علـى ظهور دوابكم, فإن ذلك يجزيكم حينئذٍ من القـيام منكم قانتـين.
ولـما قلنا من أن معنى ذلك كذلك, جاز نصب الرجال بـالـمعنى الـمـحذوف, وذلك أن العرب تفعل ذلك فـي الـجزاء خاصة لأن ثانـيه شبـيه بـالـمعطوف علـى أوله, ويبـين ذلك أنهم يقولون إن خيرا فخيرا, وإن شرّا فشرّا, بـمعنى: إن تفعل خيرا تصب خيرا, وإن تفعل شرّا تصب شرّا, فـيعطفون الـجواب علـى الأول لا نـجزام الثانـي بجزم الأول, فكذلك قوله: فإن خِفْتُـمْ فَرجالاً أوْ رُكبْـانا بـمعنى: إن خفتـم أن تصلوا قـياما بـالأرض فصلوا رجالاً والرجال جمع راجل ورَجِل. وأما أهل الـحجاز فإنهم يقولون لواحد الرجال رَجُل, مسموع منهم: مشى فلان إلـى بـيت الله حافـيا رَجُلاً, وقد سمع من بعض أحياء العرب فـي واحدهم رَجْلان, كما قال بعض بنـي عقـيـل:
علـيّ إذَا أبْصَرْتُ لَـيْـلَـى بِخَـلْوَةٍأنَ ازْدَارَ بَـيْتَ اللّهِ رَجْلانَ حافِـيا
فمن قال رَجْلان للذكر, قال للأنثى رَجْلَـى, وجاز فـي جمع الـمذكر والـمؤنث فـيه أن يقال: أتـى القوم رُجَالَـى, ورَجَالـى مثل كُسالـى وكَسالـى.
وقد حُكي عن بعضهم أنه كان يقرأ ذلك: «فإنْ خِفْتُـمْ فَرُجّالاً» مشددة. وعن بعضهم أنه كان يقرأ: «فُرجَالاً», وكلتا القراءتـين غير جائزة القراءة بها عندنا بخلاف القراءة الـموروثة الـمستفـيضة فـي أمصار الـمسلـمين. وأما الركبـان, فجمع راكب, يقال: هو راكب وهو رُكْبـان ورَكْب وَرَكَبة وُركّاب وأَركُب وأَرْكُوب, يقال: جاءنا أُرْكُوبٌ من الناس وأراكيب. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
4516ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا مغيرة, عن إبراهيـم, قال: سألته عن قوله: فَرِجالاً أو رُكْبـانا قال: عند الـمطاردة يصلـي حيث كان وجهه, راكبـا أو راجلاًف, ويجعل السجود أخفض من الركوع, ويصلـي ركعتـين يومىء إيـماء.
4517ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفـيان, عن مغيرة عن إبراهيـم فـي قوله: فَرِجالاً أوْ رُكْبـانا قال: صلاة الضّراب ركعتـين يومىء إيـماء.
4518ـ حدثنـي أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, عن سفـيان, عن مغيرة, عن إبراهيـم قوله: فَرجالاً أوْ رُكْبـانا قال: يصلـي ركعتـين حيث كان وجهه يومىء إيـماء.
4519ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن سالـم, عن سعيد بن جبـير: فَرِجالاً أوْ ركْبـانا قال: إذا طردت الـخيـل فأومىء إيـماء.
الآية : 240-246
تأويل قوله تعالى: {وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيّةً لأزْوَاجِهِمْ مّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنْفُسِهِنّ مِن مّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَلِلْمُطَلّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتّقِينَ * كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ * أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمّ أَحْيَاهُمْ إِنّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ * وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * مّن ذَا الّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىَ إِذْ قَالُواْ لِنَبِيّ لّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلّوْاْ إِلاّ قَلِيلاً مّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ }
حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن مالك, عن سعيد, قال: يومىء إيـماء.
4520ـ حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا هشيـم, عن يونس, عن الـحسن: فَرجالاً أوْ رُكْبـانا قال: إذا كان عند القتال صلـى راكبـا أو ماشيا حيث كان وجهه يومىء إيـماء.
4521ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: فإنْ خِفْتُـمْ فَرِجالاً أوْ رُكْبَـانا أصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم فـي القتال علـى الـخيـل, فإذا وقع الـخوفُ فلـيصل الرجل علـى كل جهة قائما أو راكبـا, أو كما قدر, علـى أن يومىء برأسه أو يتكلـم بلسانه.
4522ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد بنـحوه, إلا أنه قال: أو راكبـا لأصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم, وقال أيضا: أو راكبـا, أو ما قدر أن يومىء برأسه, وسائر الـحديث مثله.
4523ـ حدثنا يحيى بن أبـي طالب, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك فـي قوله: فإنْ خِفْتُـمْ فَرجّالاً أوْ رُكْبـانا قال: إذا التقوا عند القتال وطَلَبوا, أو طُلِبوا, أو طلبهم سَبُع, فصلاتهم تكبـيرتان إيـماء أيّ جهة كانت.
4524ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك فـي قوله: فَرِجالاً أوْ رُكْبـانا قال: ذلك عند القتال يصلـي حيث كان وجهه راكبـا أو راجلاً إذا كان يطلب أو يطلبه سبع, فلـيصلّ ركعة يومىء إيـماء, فإن لـم يستطع فلـيكبر تكبـيرتـين.
4525ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن الفضل بن دَلْهم, عن الـحسن: فإنْ خِفْتُـمْ فَرِجالاً أوْ رُكْبـانا قال: ركعة وأنت تـمشي, وأنت يُوضِع بك بعيرك, ويركض بك فرسك علـى أيّ جهة كان.
4526ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: فإنْ خِفْتُـمْ فَرِجالاً أوْ رُكْبـانا أما رجالاً: فعلـى أرجلكم إذا قاتلتـم, يصلـي الرجل يومىء برأسه أينـما توجه, والراكب علـى دابته يومىء برأسه أينـما توجه.
4527ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فإنْ خِفْتُـمْ فَرِجالاً أو رُكبْـانا الآية. أحلّ الله لك إذا كنت خائفـا عند القتال أن تصلـي وأنت راكب وأنت تسعى, تومىء برأسك من حيث كان وجهك إن قدرت علـى ركعتـين, وإلا فواحدة.
4528ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن طاوس, عن أبـيه: فإنْ خِفْتُـمْ فَرجّالاً أوْ رُكْبـانا قال: ذاك عند الـمسايفة.
4529ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن معمر, عن الزهري فـي قوله: فإنْ خِفْتُـمْ فَرِجالاً أوْ رُكبْـانا قال: إذا طلب الأعداء فقد حلّ لهم أن يصلوا قبل أيّ جهة كانوا رجالاً أو ركبـانا يومئون إيـماء ركعتـين. وقال قتادة: تـجزي ركعة.
4530ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله: فإنْ خِفْتُـمْ فَرِجالاً أوْ رُكْبـاناقال: كانوا إذا خشوا العدو صلوا ركعتـين راكبـا كان أو راجلاً.
4531ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيـم فـي قوله: فإنْ خِفْتُـمْ فَرِجالاً أوْ رُكبْـانا قال: يصلـي الرجل فـي القتال الـمكتوبة علـى دابته, وعلـى راحلته حيث كان وجهه, يومىء إيـماء عند كل ركوع وسجود, ولكن السجود أخفض من الركوع, فهذا حين تأخذ السيوف بعضها بعضا هذا فـي الـمطاردة.
4532ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: ثنـي أبـي, قال: كان قتادة يقول: إن استطاع ركعتـين وإلا فواحدة يومىء إيـماء, إن شاء راكبـا أو راجلاً, قال الله تعالـى ذكره: فإنْ خِفْتُـمْ فَرِجالاً أوْ رُكبْـانا.
4533ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: ثنـي أبـي, عن قتادة, عن الـحسن, قال فـي الـخائف الذي يطلبه العدوّ, قال: إن استطاع أن يصلـي ركعتـين, وإلا صلـى ركعة.
4534ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن يونس, عن الـحسن, قال: ركعة.
وقال آخرون: كان سبب مسألتهم نبـيهم ذلك, ما:
4535ـ حدثنـي به موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: ألَـمْ تَرَ إلـى الـمَلإِ مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إذْ قالُوا لِنَبِـيّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكا نُقاتِلْ فِـي سَبِـيـلِ اللّهِ. قال: كانت بنو إسرائيـل يقاتلون العمالقة, وكان ملك العمالقة جالوت. وإنهم ظهروا علـى بنـي إسرائيـل, فضربوا علـيهم الـجزية, وأخذوا توراتهم وكانت بنو إسرائيـل يسألون الله أن يبعث لهم نبـيا يقاتلون معه وكان سبط النبوّة قد هلكوا, فلـم يبق منهم إلا امرأة حبلـى, فأخذوها فحبسوها فـي بـيتٍ رهبة أن تلد جارية فتبدلها بغلام, لـما ترى من رغبة بنـي إسرائيـل فـي ولدها. فجعلت الـمرأة تدعو الله أن يرزقها غلاما, فولدت غلاما فسمته شمعون. فكبر الغلام فأرسلته يتعلـم التوراة فـي بـيت الـمقدس, وكفله شيخ من علـمائهم وتبناه. فلـما بلغ الغلام أن يبعثه الله نبـيا أتاه جبريـل والغلام نائم إلـى جنب الشيخ, وكان لا يأتـمن علـيه أحدا غيره, فدعاه بلـحن الشيخ: يا شماول فقام الغلام فزعا إلـى الشيخ, فقال: يا أبتاه دعوتنـي؟ فكره الشيخ أن يقول لا فـيفزع الغلام, فقال: يا بنـيّ ارجع فنـم فرجع فنام ثم دعاه الثانـية, فأتاه الغلام أيضا, فقال: دعوتنـي؟ فقال: ارجع فنـم, فإن دعوتك الثالثة فلا تـجبنـي فلـما كانت الثالثة ظهر له جبريـل, فقال: اذهب إلـى قومك فبلغهم رسالة ربك, فإن الله قد بعثك فـيهم نبـيا فلـما أتاهم كذبوه وقالوا: استعجلت بـالنبوّة ولـم يأنِ لك وقالوا: إن كنت صادقا فـابعث لنا ملكا نقاتل فـي سبـيـل الله آية من نبوّتك فقال لهم شمعون: عسى أن كتب علـيكم القتال ألا تقاتلوا والله أعلـم.
قال أبو جعفر: وغير جائز فـي قول الله تعالـى ذكره: نُقاتِلْ فِـي سَبِـيـلِ اللّهِ إذا قرىء بـالنون غير الـجزم علـى معنى الـمـجازاة وشرط الأمر. فإن ظنّ ظانّ أن الرفع فـيه جائز وقد قرىء بـالنون بـمعنى الذي نقاتل فـي سبـيـل الله, فإن ذلك غير جائز لأن العرب لا تضمر حرفـين. ولكن لو كان قرىء ذلك بـالـياء لـجاز رفعه, لأنه يكون لو قرىء كذلك صلة للـملك, فـيصير تأويـل الكلام حينئذ: ابعث لنا الذي يقاتل فـي سبـيـل الله, كما قال تعالـى ذكره: وَابعَثْ فِـيهمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَـيْهمْ آياتِك لأن قوله «يتلو» من صلة «الرسول».
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: قالَ هَلْ عَسَيْتُـمْ إنْ كُتِبَ عَلَـيْكُمُ القِتالُ ألاّ تُقاتِلُوا قالُوا ومَا لَنَا ألاّ نُقاتِلَ فـي سَبِـيـلِ اللّهِ وقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيارنَا وَأبْنَائِنَا فَلَـمّا كُتِبَ عَلَـيْهِمُ القِتَالُ تَوَلّوْا إلاّ قَلِـيلاً مِنْهُمْ واللّهُ عَلِـيـمٌ بـالظّالِـمِينَ.
يعنـي تعالـى ذكره بذلك: قال النبـيّ الذي سألوه أن يبعث لهم ملكا يقاتلوا فـي سبـيـل الله: هَلْ عَسَيْتُـمْ هل تعدون إن كتب, يعنـي إن فرض علـيكم القتال ألا تقاتلوا؟ يعنـي أن لا تفوا بـما تعدون الله من أنفسكم من الـجهاد فـي سبـيـله؟ فإنكم أهل نكث وغدر, وقلة وفـاء بـما تعدون قالُوا وَما لَنا ألاّ نُقاتِل فـي سَبِـيـلِ اللّهِ يعنـي قال الـملأ من بنـي إسرائيـل لنبـيهم ذلك: وأيّ شيء يـمنعنا أن نقاتل فـي سبـيـل الله عدوّنا وعدوّ الله, وَقَدْ أخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأبْنائِنَا بـالقهر والغلبة؟
فإن قال لنا قائل: وما وجه دخول «أن» فـي قوله: وما لَنا ألاّ نُقاتِلَ فـي سَبِـيـلِ اللّهِ وحذفه من قوله: وما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بـاللّهِ والرّسُولُ يَدْعُوكُمْ؟ قـيـل: هما لغتان فصيحتان للعرب, تـحذف «أن» مرة مع قولنا «ما لك», فتقول: ما لك لا تفعل كذا؟ بـمعنى: ما لك غير فـاعله, كما قال الشاعر:
ما لَكِ تَرْغِينَ ولا تَرْغُو الـخَـلِفْ
وذلك هو الكلام الذي لا حاجة بـالـمتكلـم به إلـى الاستشهاد علـى صحته لفشوّ ذلك علـى ألسن العرب. وتثبت «أن» فـيه أخرى, توجيها لقولها ما لك إلـى معناه, إذ كان معناه: ما منعك, كما قال تعالـى ذكره: ما مَنَعَك ألاّ تَسجُدَ إذْ أمَرْتُكَ ثم قال فـي سورة أخرى فـي نظيره: مَا لَكَ ألاّ تَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ فوضع «ما منعك» موضع «ما لك», و«ما لك» موضع «ما منعك» لاتفـاق معنـيـيهما وإن اختلفت ألفـاظهما, كما تفعل العرب ذلك فـي نظائره مـما تتفق معانـيه وتـختلف ألفـاظه, كما قال الشاعر:
يقُولُ إذا اقلَوْلَـى عَلَـيَها وأقْرَدَتْألا هَلْ أخُو عَيشٍ لَذِيذٍ بِدَائمِ
فأدخـل فـي «دائم» «البـاء» مع «هل» وهي استفهام, وإنـما تدخـل فـي خبر «ما» التـي فـي معنى الـجحد لتقارب معنى الاستفهام والـجحد.
وكان بعض أهل العربـية يقول: أدخـلت «أن» فـي: ألاّ تُقاتِلُوا لأنه بـمعنى قول القائل: ما لك فـي ألا تقاتل؟ ولو كان ذلك جائزا لـجاز أن يقال: ما لك أن قمت؟ وما لك أنك قائم؟ وذلك غير جائز لأن الـمنع إنـما يكون للـمستقبل من الأفعال, كما يقال: منعتك أن تقوم, ولا يقال: منعتك أن قمت فلذك قـيـل فـي «ما لك»: ما لك ألا تقوم, ولـم يقل: ما لك أن قمت.
وقال آخرون منهم: «أن» ههنا زائدة بعد «ما» «فلـما» «ولـما» «ولو» وهي تزاد فـي هذا الـمعنى كثـيرا قال: ومعناه: وما لنا لا نقاتل فـي سبـيـل الله فأعمل «أن» وهي زائدة وقال الفرزدق:
لَو لَـمْ تَكُنْ غَطَفـانُ لا ذُنوبَ لهَاإذَنْ لَلامَ ذَوُو أحْسابِها عُمَرَا
والـمعنى: لو لـم تكن غطفـان لها ذنوب. «ولا» زائدة فأعملها وأنكر ما قال هذا القائل من قوله الذي حكينا عنه آخرون, وقالوا: غير جائز أن تـجعل «أن» زائدة فـي الكلام وهو صحيح فـي الـمعنى وبـالكلام إلـيه الـحاجة قالوا: والـمعنى: ما يـمنعنا ألا نقاتل؟ فلا وجه لدعوى مدّع أنّ «أن» زائدة, وله معنى مفهوم صحيح.
قالوا: وأما قوله: «لو لـم تكن غطفـان لا ذنوب لها», فإن «لا» غير زائدة فـي هذا الـموضع, لأنه جحد, والـجحد إذا جحد صار إثبـاتا. قالوا: فقوله: «لو لـم تكن غطفـان لا ذنوب لها» إثبـات الذنوب لها, كما يقال: ما أخوك لـيس يقوم, بـمعنى: هو يقوم.
وقال آخرون: معنى قوله: ما لَنا ألاّ نُقاتِلَ ما لنا ولأن لا نقاتل, ثم حذفت الواو فتركت, كما يقال فـي الكلام: ما لك ولأن تذهب إلـى فلان؟ فألقـي منها الواو, لأن «أن» حرف غير متـمكن فـي الأسماء وقالوا: نـجيز أن يقال: ما لك أن تقوم؟ ولا نـجيز: ما لك القـيام؟ لأن القـيام اسم صحيح, و«أن» اسم غير صحيح وقالوا: قد تقول العرب: إياك أن تتكلـم, بـمعنى إياك وأن تتكلـم.
وأنكر ذلك من قولهم آخرون, وقالوا: لو جاز أن يقال ذلك علـى التأويـل الذي تأوّله قائل من حكينا قوله, لوجب أن يكون جائزا: «ضربتك بـالـجارية وأنت كفـيـل», بـمعنى: وأنت كفـيـل بـالـجارية, وأن تقول: «رأيتك أبـانا ويزيد», بـمعنى: رأيتك وأبـانا يزيد لأن العرب تقول: إياك بـالبـاطل أن تنطق قالوا: فلو كانت الواو مضمرة فـي أن لـجاز جميع ما ذكرنا ولكن ذلك غير جائز, لأن ما بعد الواو من الأفـاعيـل غير جائز له أن يقع علـى ما قبلها. واستشهدوا علـى فساد قول من زعم أن الواو مضمرة مع «أن» بقول الشاعر:
فَبُحْ بـالسّرَائِرِ فـي أهْلِهاوإيّاكَ فـي غَيْرِهِمْ أنْ تَبُوحا
وأنّ «أن تبوحا» لو كان فـيها واو مضمرة لـم يجز تقديـم غيرهم علـيها.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنَا وأبْنائِنا. فإنه يعنـي: وقد أخرج من غلب علـيه من رجالنا ونسائنا من ديارهم وأولادهم ومن سبـي. وهذا الكلام ظاهره العموم, وبـاطنه الـخصوص لأن الذين قالوا لنبـيهم: ابْعَثْ لَنا مَلِكا نُقاتِلْ فِـي سَبِـيـلِ اللّهِ كانوا فـي ديارهم وأوطانهم, وإنـما كان أخرج من داره وولده من أسر وقهر منهم.
وأما قوله: فَلَـمّا كُتِبَ عَلَـيْهِمُ القِتَالُ تَوَلّوْا إلاّ قَلِـيلاً مِنْهُمْ يقول: فلـما فرض علـيهم قتال عدوّهم والـجهاد فـي سبـيـله, تولّوا إلا قَلـيلاً مِنْهُم يقول: أدبروا مولـين عن القتال, وضيعوا ما سألوه نبـيهم من فرض الـجهاد. والقلـيـل الذي استثناهم الله منهم, هم الذين عبروا النهر مع طالوت وسنذكر سبب تولّـي من تولّـى منهم وعبور من عبر منهم النهر بعد إن شاء الله إذا أتـينا علـيه.
يقول الله تعالـى ذكره: وَاللّهُ عَلِـيـمٌ بـالظّالِـمِينَ يعنـي: والله ذو علـم بـمن ظلـم منهم نفسه, فأخـلف اللّهَ ما وعده من نفسه وخالف أمر ربه فـيـما سأله ابتداء أن يوجبه علـيه. وهذا من الله تعالـى ذكره تقريعٌ للـيهود الذين كانوا بـين ظهرانـي مهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي تكذيبهم نبـينا مـحمدا صلى الله عليه وسلم ومخالفتهم أمر ربهم. يقول الله تعالـى ذكره لهم: إنكم يا معشر الـيهود عصيتـم الله وخالفتـم أمره فـيـما سألتـموه أن يفرضه علـيكم ابتداء من غير أن يبتدئكم ربكم بفرض ما عصيتـموه فـيه, فأنتـم بـمعصيته فـيـما ابتدأكم به من إلزام فرضه أَحْرَى. وفـي هذا الكلام متروك قد استغنـي بذكر ما ذكر عما ترك منه وذلك أن معنى الكلام: قالوا: وما لنا ألا نقاتل فـي سبـيـل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فسأل نبـيهم ربهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه فـي سبـيـل الله. فبعث لهم ملكا, وكتب علـيهم القتال فَلَـمّا كُتِبَ عَلَـيْهِمُ القِتَالُ تَوَلّوْا إلاّ قَلِـيلاً مِنْهُمْ واللّهُ عَلِـيـمٌ بـالظّالِـمِينَ
الصفحة رقم 39 من المصحف تحميل و استماع mp3