تفسير الطبري تفسير الصفحة 382 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 382
383
381
 الآية : 56
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ * أَإِنّكُمْ لَتَأْتُونَ الرّجَالَ شَهْوَةً مّن دُونِ النّسَآءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ }. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَن قَالُوَاْ أَخْرِجُوَاْ آلَ لُوطٍ مّن قَرْيَتِكُمْ إِنّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهّرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: فلـم يكن لقوم لوط جواب له, إذ نهاهم عما أمره الله بنهيهم عنه من إتـيان الرجال, إلا قـيـل بعضهم لبعض: أخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إنّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهّرُونَ عما نفعله نـحن من إتـيان الذكران فـي أدبـارهم. كما:
20590ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: سمعت الـحسن بن عُمارة يذكر عن الـحكم, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, فـي قوله: أُناسٌ يَتَطَهّرُونَ قال: من إتـيان الرجال والنساء فـي أدبـارهن.
20591ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: إنّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهّرُونَ قال: من أدبـار الرجال وأدبـار النساء استهزاء بهم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قال: يَتَطَهّرُونَ من أدبـار الرجال والنساء, استهزاء بهم يقولون ذلك.
20592ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن قتادة أنه تلا: إنّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهّرُونَ قال: عابوهم بغير عيب: أي إنهم يتطهرون من أعمال السوء.
الآية : 57 -58
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاّ امْرَأَتَهُ قَدّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: فأنـجينا لوطأ وأهله سوى امرأته من عذابنا حين أحللناه بهم, ثم قَدّرْناها يقول: فإن امرأته قدرناها: جعلناها بتقديرنا مِنَ الغابِرِينَ من البـاقـين وأمْطَرْنا عَلَـيْهِمْ مَطَرا وهو إمطار الله علـيهم من السماء حجارة من سجيـل فَساءَ مَطَرُ الـمُنْذَرِينَ يقول: فساء ذلك الـمطر مطر القوم الذين أنذرهم الله عقابه علـى معصيتهم إياه, وخوّفهم بأسه بإرسال الرسول إلـيهم بذلك.
الآية : 59
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىَ عِبَادِهِ الّذِينَ اصْطَفَىَ ءَآللّهُ خَيْرٌ أَمّا يُشْرِكُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم قُل يا مـحمد الـحَمْدُ لِلّهِ علـى نعمه علـينا, وتوفـيقه إيانا لـما وفّقنا من الهداية وَسَلامٌ يقول: وأَمنة منه من عقابه الذي عاقب به قوم لوط, وقوم صالـح, علـى الذين اصطفـاهم, يقول: الذين اجتبـاهم لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم, فجعلهم أصحابه ووزراءه علـى الدّين الذي بعثه بـالدعاء إلـيه دون الـمشركين به, الـجاحدين نبوّة نبـيه. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20593ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا طلق, يعنـي ابن غنام, عن ابن ظهير, عن السديّ, عن أبـي مالك, عن ابن عبـاس وَسَلامٌ عَلـى عِبـادِهِ الّذِينَ اصْطَفَـى قال: أصحاب مـحمد اصطفـاهم الله لنبـيه.
20594ـ حدثنا علـيّ بن سهل, قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم, قال: قلت لعبد الله بن الـمبـارك: أرأيت قول الله قُلِ الـحَمْدُ لِلّهِ وَسَلامٌ عَلـى عِبـادِهِ الّذِينَ اصْطَفَـى من هؤلاء؟ فحدثنـي عن سفـيان الثوري, قال: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: آللّهُ خَيْرٌ أمّا يُشْرِكُونَ يقول تعالـى ذكره قل يا مـحمد لهؤلاء الذين زيّنا لهم أعمالهم من قومك فهم يعمهون: آلله الذي أنعم علـى أولـيائه هذه النّعم التـي قصّها علـيكم فـي هذه السورة, وأهلك أعداءه بـالذي أهلكهم به من صنوف العذاب التـي ذكرها لكم فـيها خير, أما تشركون من أوثانكم التـي لا تنفعكم ولا تضرّكم, ولا تدفع عن أنفسها ولا عن أولـيائها سوءا, ولا تـجلب إلـيها ولا إلـيهم نفعا؟ يقول: إن هذا الأمر لا يشكل علـى من له عقل, فكيف تستـجيزون أن تشركوا عبـادة من لا نفع عنده لكم, ولا دفع ضرّ عنكم فـي عبـادة من بـيده النفع والضرّ, وله كلّ شيء. ثم ابتدأ تعالـى ذكره تعديد نعمه علـيهم, وأياديه عندهم, وتعريفهم بقلة شكرهم إياه علـى ما أولاهم من ذلك, فقال: أمّنْ خَـلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضَ.
الآية : 60
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَـَهٌ مّعَ اللّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره للـمشركين به من قُرَيش: أعبـادة ما تعبدون من أوثانكم التـي لا تضرّ ولا تنفع خير, أم عبـادة من خـلق السموات والأرض؟ وأنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السّماءِ ماء يعنـي مطرا, وقد يجوز أن يكون مريدا به العيون التـي فجّرها فـي الأرض, لأن كل ذلك من خـلقه فَأنْبَتْنا بِهِ يعنـي بـالـماء الذي أنزل من السماء حَدَائِقَ وهي جمع حديقة, والـحديقة: البستان علـيه حائط مـحوّط, وإن لـم يكن علـيه حائط لـم يكن حديقة. وقوله: ذَاتَ بَهْجَةٍ يقول: ذات منظر حسن. وقـيـل ذات بـالتوحيد. وقد قـيـل حدائق, كما قال: وَلِلّهِ الأسْماءُ الـحُسْنَى, وقد بـيّنت ذلك فـيـما مضى. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20595ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء, جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ قال: البهجة: الفُقّاح مـما يأكل الناس والأنعام.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قوله: حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ قال: من كلّ شيء تأكله الناس والأنعام.
وقوله: ما كانَ لَكُمْ أنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها يقول تعالـى ذكره: أنبتنا بـالـماء الذي أنزلناه من السماء لكم هذه الـحدائق إذا لـم يكن لكم, لولا أنه أنزل علـيكم الـماء من السماء طاقة أن تنبتوا شجر هذه الـحدائق, ولـم تكونوا قادرين علـى ذهاب ذلك, لأنه لا يصلـح ذلك إلا بـالـماء. وقوله: أءِلَهٌ مَعَ اللّهِ يقول تعالـى ذكره: أمعبود مع الله أيها الـجهلة خـلق ذلك, وأنزل من السماء الـماء, فأنبت به لكم الـحدائق؟ فقوله: أءله مردود علـى تأويـل: أمع الله إله. بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ يقول جلّ ثناؤه: بل هؤلاء الـمشركون قوم ضلال, يعدلون عن الـحقّ, ويجورون علـيه, علـى عمد منهم لذلك, مع علـمهم بأنهم علـى خطأ وضلال ولـم يعدلوا عن جهل منهم, بأن من لا يقدر علـى نفع ولا ضرّ, خير مـمن خـلق السموات والأرض, وفعل هذه الأفعال, ولكنهم عدلوا علـى علـم منهم ومعرفة, اقتفـاء منهم سنة من مضى قبلهم من آبـائهم.
الآية : 61
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمّن جَعَلَ الأرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَـَهٌ مّعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: أعبـادة ما تشركون أيها الناس بربكم خير وهو لا يضرّ ولا ينفع, أم الذي جعل الأرض لكم قرارا تستقرّون علـيها لا تـميد بكم وَجَعَلَ لكم خِلاَلَها أنهارا يقول: بـينها أنهارا وجعل لَها رَوَاسِيَ وهي ثوابت الـجبـال, وَجَعَلَ بـينَ البَحْرَيْنِ حاجِزا بـين العذب والـملـح, أن يفسد أحدهما صاحبه أءِلَهٌ مَعَ الله سواه فعل هذه الأشياء فأشركتـموه فـي عبـادتكم إياه؟ وقوله: بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يَعْلَـمُونَ يقول تعالـى ذكره: بل أكثر هؤلاء الـمشركين لا يعلـمون قدر عظمة الله, وما علـيهم من الضرّ فـي إشراكهم فـي عبـادة الله غيره, وما لهم من النفع فـي إفرادهم الله بـالألوهة, وإخلاصهم له العبـادة, وبراءتهم من كلّ معبود سواه.
الآية : 62
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمّن يُجِيبُ الْمُضْطَرّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السّوَءَ وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَآءَ الأرْضِ أَإِلَـَهٌ مّعَ اللّهِ قَلِيلاً مّا تَذَكّرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: أم ما تُشركون بـالله خير, أم الذي يجيب الـمضطّر إذا دعاه, ويكشف السوء النازل به عنه؟ كما:
20596ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: وَيَكْشِفُ السّوءَ قال: الضرّ.
وقوله: ويجْعَلُكُمْ خُـلَفـاءَ الأرْضِ يقول: ويستـخـلف بعد أمرائكم فـي الأرض منكم خـلفـاء أحياء يخـلفونهم. وقوله: أءِلَهٌ مَعَ اللّهِ يقول: أءِلَهٌ مع الله سواه يفعل هذه الأشياء بكم, وينعم علـيكم هذه النعم؟ وقوله: قَلِـيلاً ما تَذَكّرُونَ يقول: تذكّرا قلـيلاً من عظمة الله وأياديه عندكم تذكرون وتعتبرون حجج الله علـيكم يسيرا, فلذلك أشركتـم بـالله غيره فـي عبـادته.
الآية : 63
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرّيَاحَ بُشْرًى بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَـَهٌ مّعَ اللّهِ تَعَالَى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: أم ما تشركون بـالله خير, أم الذي يهديكم فـي ظلـمات البرّ والبحر إذا ضللتـم فـيهما الطريق, فأظلـمت علـيكم السبل فـيهما؟ كما:
20597ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: أمّنْ يَهْدِيكُمْ فِـي ظُلُـمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ والظّلـمات فـي البر, ضلاله الطريق, والبحر, ضلاله طريقه وموجه وما يكون فـيه. قوله: وَمَنْ يُرْسِلُ الرّياحَ نُشْرا بـينَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ يقول: والذي يرسل الرياح نشرا لـموتان الأرض بـين يدي رحمته, يعنـي: قدام الغيث الذي يحيى موات الأرض. وقوله: أءِلَهٌ مَعَ اللّهِ تَعالـى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ يقول تعالـى ذكره: أءله مع الله سوى الله يفعل بكم شيئا من ذلك فتعبدوه من دونه, أو تشركوه فـي عبـادتكم إياه تَعَالـى اللّهُ يقول: لله العلوّ والرفعة عن شرككم الذي تشركون به, وعبـادتكم معه ما تعبدون