تفسير الطبري تفسير الصفحة 383 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 383
384
382
 الآية : 64
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمّ يُعيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مّنَ السّمَآءِ والأرْضِ أَإِلَـَهٌ مّعَ اللّهِ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: أم ما تشركون أيها القوم خير, أم الذي يبدأ الـخـلق ثم يعيده, فـينشئه من غير أصل, ويبتدعه ثم يفنـيه إذا شاء, ثم يعيده إذا أراد كهيئته قبل أن يفنـيه, والذي يرزقكم من السماء والأرض فـينزل من هذه الغيث, وينبت من هذه النبـات لأقواتكم, وأقوات أنعامكم أءِلَهٌ مَعَ اللّهِ سوى الله يفعل ذلك؟ وإن زعموا أن إلها غير الله يفعل ذلك أو شيئا منه فَقُلْ لهم يا مـحمد هاتُوا بَرْهانَكُمْ: أي حجتكم علـى أن شيئا سوى الله يفعل ذلك إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ فـي دعواكم. و«من» التـي فـي «أمّنْ» و«ما» مبتدأ فـي قوله: أما يشركون, والاَيات بعدها إلـى قوله: وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السّماءِ والأرْضِ بـمعنى «الذي», لا بـمعنى الاستفهام, وذلك أن الاستفهام لا يدخـل علـى الاستفهام.
الآية : 65 -66
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُل لاّ يَعْلَمُ مَن فِي السّمَاواتِ والأرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ * بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الاَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكّ مّنْهَا بَلْ هُم مّنْهَا عَمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ يا مـحمد لسائلـيك من الـمشركين عن الساعة متـى هي قائمة لا يَعْلَـمُ مَنْ فِـي السّمَوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ الذي قد استأثر الله بعلـمه, وحجب عنه خـلقه غيره والساعة من ذلك وَما يَشْعَرُونَ يقول: وما يدري من فـي السموات والأرض من خـلقه متـى هم مبعوثون من قبورهم لقـيام الساعة. وقد:
20598ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا داود بن أبـي هند, عن الشعبـيّ, عن مسروق, قال: قالت عائشة: من زعم أنه يخبر الناس بـما يكون فـي غد, فقد أعظم علـى اللّهِ الفِرْيَةَ, والله يقول: لا يَعْلَـمُ مَنْ فِـي السّمَواتِ والأرْضِ الغَيْبَ إلاّ اللّهُ.
واختلف أهل العربـية فـي وجه رفع الله, فقال بعض البصريـين: هو كما تقول: إلا قلـيـل منهم. وفـي حرف ابن مسعود: قلـيلاً بدلاً من الأوّل, لأنك نفـيته عنه وجعلته للاَخر. وقال بعض الكوفـيـين: إن شئت أن تتوهم فـي «من» الـمـجهول, فتكون معطوفة علـى: قل لا يعلـم أحد الغيب إلا الله. قال: ويجوز أن تكون «من» معرفة, ونزل ما بعد «إلا» علـيه, فـيكون عطفـا ولا يكون بدلاً, لأن الأوّل منفـي, والثانـي مثبت, فـيكون فـي النسق كما تقول: قام زيد إلا عمرو, فـيكون الثانـي عطفـا علـى الأوّل, والتأويـل جحد, ولا يكون أن يكون الـخبر جحدا, أو الـجحد خبرا. قال: وكذلك مَا فَعَلُوهُ إلاّ قَلِـيـلٌ وقلـيلاً من نَصَب, فعلـى الاستثناء فـي عبـادتكم إياه, ومن رَفَع فعلـى العطف, ولا يكون بدلاً.
وقوله: بَلِ ادّارَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الاَخِرَةِ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة سوى أبـي جعفر وعامة قرّاء أهل الكوفة: بَلِ ادّارَكَ بكسر اللام من «بل» وتشديد الدال من «ادّارك», بـمعنى: بل تدارك علـمهم أي تتابع علـمهم بـالاَخرة هل هي كائنة أم لا, ثم أدغمت التاء فـي الدال كما قـيـل: أثّاقَلْتُـمْ إلَـى الأرْضِ وقد بـيّنا ذلك فـيـما مضى بـما فـيه الكفـاية من إعادته.
وقرأته عامة قرّاء أهل مكة: «بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الاَخِرَةِ» بسكون الدال وفتـح الألف, بـمعنى هل أدرك علـمهم علـم الاَخرة. وكان أبو عمرو بن العلاء يُنكر فـيـما ذكر عنه قراءة من قرأ: «بَلْ أدْرَكَ» ويقول: إن «بل» إيجاب والاستفهام فـي هذا الـموضع إنكار. ومعنى الكلام: إذا قرىء كذلك «بَلْ أدْرَكَ» لـم يكن ذلك لـم يدرك علـمهم فـي الاَخرة, وبـالاستفهام قرأ ذلك ابن مـحيصن علـى الوجه الذي ذكرت أن أبـا عمرو أنكره.
وبنـحو الذي ذكرت عن الـمكيـين أنهم قرءوه ذُكر عن مـجاهد أنه قرأه, غير أنه كان يقرأ فـي موضع بل: أم.
20599ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن موسى, قال: حدثنا عثمان بن الأسود, عن مـجاهد, أنه قرأ «أمْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ» وكان ابن عبـاس فـيـما ذُكر عنه يقرأ بإثبـات ياء فـي بل, ثم يبتدىء أدّارك بفتـح ألفها علـى وجه الاستفهام وتشديد الدال.
20600ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي حمزة, عن ابن عبـاس فـي هذه الاَية: «بَلـى أدّارَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الاَخِرَةِ»: أي لـم يدرك.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي حمزة, قال: سمعت ابن عبـاس يقرأ بَلـى أدّرَاكَ عِلْـمُهُمِ فِـي الاَخِرَةِ إنـما هو استفهام أنه لـم يدرك. وكأن ابن عبـاس وجه ذلك إلـى أن مخرجه مخرج الاستهزاء بـالـمكذّبـين بـالبعث.
والصواب من القراءات عندنا فـي ذلك القراءتان اللتان ذكرت إحداهما عن قَرأَة أهل مكة والبصرة, وهي «بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ» بسكون لام بل وفتـح ألف أدرك وتـخفـيف دالها, والأخرى منهما عن قرأة الكوفة, وهي بَلِ ادّرَكَ بكسر اللام وتشديد الدال من أدّارك, لأنهما القراءتان الـمعروفتان فـي قرّاء الأمصار, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب عندنا. فأما القراءة التـي ذُكرت عن ابن عبـاس, فإنها وإن كانت صحيحة الـمعنى والإعراب, فخلاف لـما علـيه مصاحف الـمسلـمين, وذلك أن فـي بلـى زيادة ياء فـي قراءاته لـيست فـي الـمصاحف, وهي مع ذلك قراءة لا نعلـمها قرأ بها أحد من قرّاء الأمصار. وأما القراءة التـي ذكرت عن ابن مـحيصن, فإن الذي قال فـيها أبو عمرو قول صحيح, لأن العرب تـحقق ببل ما بعدها لا تنفـيه. والاستفهام فـي هذا الـموضع إنكار لا إثبـات, وذلك أن الله قد أخبر عن الـمشركين أنهم من الساعة فـي شكّ, فقال: بَلْ هُمْ فِـي شَكّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: معناه: بل أدرك علـمهم فـي الاَخرة فأيقنوها إذ عاينوها حين لـم ينفعهم يقـينهم بها, إذ كانوا بها فـي الدنـيا مكذّبـين. ذكر من قال ذلك:
20601ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال عطاء الـخراسانـي, عن ابن عبـاس «بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ» قال: بصرهم فـي الاَخرة حين لـم ينفعهم العلـم والبصر.
وقال آخرون: بل معناه: بل غاب علـمهم فـي الاَخرة. ذكر من قال ذلك:
20602ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: «بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الاَخِرَةِ» يقول: غاب علـمهم.
20603ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: بَلِ ادّرَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الاَخِرَةِ قال: يقول: ضلّ علـمهم فـي الاَخرة فلـيس لهم فـيها علـم, هُمْ مِنْهَا عَمُونَ.
وقال آخرون: معنى ذلك: لـم يبلغ لهم فـيها علـم. ذكر من قال ذلك:
20604ـ حدثنـي عبد الوارث بن عبد الصمد, قال: ثنـي أبـي, عن جدي, قال: حدثنا الـحسين, عن قتَادة فـي قوله: بَلِ ادّارَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الاَخِرَةِ قال: كان يقرؤها: «بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الاَخِرَةِ» قال: لـم يبلغ لهم فـيها علـم, ولا يصل إلـيها منهم رغبة.
وقال آخرون: معنى ذلك: بل أدْرَكَ: أم أدرك. ذكر من قال ذلك:
20605ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد «بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ» قال: أم أدرك.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عثمان, عن مـجاهد «بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ» قال: أم أدرك علـمهم من أين يدرك علـمهم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, بنـحوه.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي تأويـل ذلك بـالصواب علـى قراءة من قرأ «بَلْ أدْرَكَ» القول الذي ذكرناه عن عطاء الـخراسانـي, عن ابن عبـاس, وهو أن معناه: إذا قرىء كذلك وَما يَشْعُرُونَ أيّانَ يُبْعَثُونَ بل أدرك علـمهم نفس وقت ذلك فـي الاَخرة حين يبعثون, فلا ينفعهم علـمهم به حينئذٍ, فأما فـي الدنـيا فإنهم منها فـي شكّ, بل هم منها عمون.
وإنـما قلت: هذا القول أولـى الأقوال فـي تأويـل ذلك بـالصواب علـى القراءة التـي ذُكِرَتْ, لأن ذلك أظهر معانـيه. وإذ كان ذلك معناه كان فـي الكلام مـحذوف قد استُغنـي بدلالة ما ظهر منه عنه. وذلك أن معنى الكلام: وما يشعرون أيان يُبعثون, بل يشعرون ذلك فـي الاَخرة, فـالكلام إذا كان ذلك معناه, وما يشعرون أبـان يبعثون, بل أدرك علـمهم بذلك فـي الاَخرة, بل هم فـي الدنـيا فـي شكّ منها. وأما علـى قراءة من قرأه بَلِ ادّارَكَ بكسر اللام وتشديد الدال, فـالقول الذي ذكرنا عن مـجاهد, وهو أن يكون معنى بل: أم, والعرب تضع أم موضع بل, وموضع بل: أم, إذا كان فـي أوّل الكلام استفهام, كما قال الشاعر:
فَوَاللّهِ ما أدْرِي أسَلْـمَى تَغَوّلَتأمِ النّوْمُ أمْ كُلّ إلـيّ حَبِـيبُ
يعنـي بذلك بل كلّ إلـيّ حبـيب, فـيكون تأويـل الكلام: وما يشعرون أيان يبعثون, بل تدارك علـمهم فـي الاَخرة: يعنـي تتابع علـمهم فـي الاَخرة: أي بعلـم الاَخرة: أي لـم يتتابع بذلك ولـم يعلـموه, بل غاب علـمهم عنه, وضلّ فلـم يبلغوه ولـم يدركوه.
وقوله: بَلْ هُمْ فِـي شَكّ مِنْها يقول: بل هؤلاء الـمشركون الذين يسألونك عن الساعة فـي شك من قـيامها لا يوقنون بها ولا يصدّقون بأنهم مبعوثون من بعد الـموت, بَلْ هُمْ مِنْهمَا عمُونَ يقول: بل هم من العلـم بقـيامها عمون.
الآية : 67-68
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَإِذَا كُنّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنّا لَمُخْرَجُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا هَـَذَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَـَذَآ إِلاّ أَسَاطِيرُ الأوّلِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال: الذين كفروا بـالله أئنا لـمخرجون من قبورنا أحياء, كهيئتنا من بعد مـماتنا بعد أن كنا فـيها ترابـا قد بلـينا لَقَدْ وُعِدْنا هَذَا نَـحْنُ وآبـاؤُنا مِنْ قَبْلُ يقول: لقد وعدنا هذا من قبل مـحمد واعدون وعدوا ذلك آبـاءنا, فلـم نر لذلك حقـيقة, ولـم نتبـين له صحة إنْ هذَا إلاّ أساطِيرُ الأوّلِـينَ يقول: قالوا: ما هذا الوعد إلا ما سطّر الأوّلون من الأكاذيب فـي كتبهم, فأثبتوه فـيها وتـحدّثوا به من غير أن يكون له صحة.
الآية : 69-70
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ سِيرُواْ فِي الأرْضِ فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ * وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ يا مـحمد لهؤلاء الـمكذّبـين ما جئتهم به من الأنبـاء من عند ربك: سِيرُوا فِـي الأَرْضِ فَـانْظُرُوا إلـى ديار من كان قبلكم من الـمكذّبـين رسلَ الله ومساكنهم كيف هي, ألـم يخرّبها الله, ويهلك أهلها بتكذيبهم رسلهم, وردّهم علـيهم نصائحهم فخـلت منهم الديار وتعّفت منهم الرسوم والاَثار, فإن ذلك كان عاقبة إجرامهم, وذلك سنة ربكم فـي كلّ من سلك سبـيـلهم فـي تكذيب رسل ربهم, والله فـاعل ذلك بكم إن أنتـم لـم تبـادروا الإنابة من كفركم وتكذيبكم رسول ربكم. وقوله: وَلا تَـحْزَنْ عَلَـيْهِمْ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: ولا تـحزن علـى إدبـار هؤلاء الـمشركين عنك وتكذيبهم لك وَلا تَكُنْ فِـي ضَيْقٍ مِـمّا يَـمْكُرُونَ يقول: ولا يضق صدرك من مكرهم بك, فإن الله ناصرك علـيهم, ومهلكهم قتلاً بـالسيف.

الآية : 71-72
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَقُولُونَ مَتَىَ هَـَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ عَسَىَ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الّذِي تَسْتَعْجِلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ويقول مشركو قومك يا مـحمد, الـمكذّبوك فـيـما أتـيتهم به من عند ربك. مَتـى يكون هَذَا الوَعْدُ الذي تعدُناه من العذاب, الذي هو بنا فـيـما تقول حالّ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ فـيـما تعدوننا به قُلْ عَسَى أنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ يقول جلّ جلاله: قل لهم يا مـحمد: عسى أن يكون اقترب لكم ودنا بَعْضُ الّذِي تَسْتَعْجِلُونَ من عذاب الله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20606ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: قُلْ عَسَى أنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ يقول: اقترب لكم.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: قُلْ عَسَى أنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الّذِي تَسْتَعْجِلُونَ يقول: اقترب لكم بعض الذي تستعجلون.
20607ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: عَسَى أنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ قال: ردف: أعجل لكم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قوله: قُلْ عَسَى أنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الّذِي تَسْتَعْجِلُونَ قال: أزِف.
20608ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: رَدِفَ لَكُمْ اقترب لكم.
واختلف أهل العربـية فـي وجه دخول اللام فـي قوله: رَدفَ لَكُمْ وكلام العرب الـمعروف: ردفه أمرٌ, وأردفه, كما يقال: تبعه وأتبعه, فقال بعض نـحويـي البصرة: أدخـل اللام فـي ذلك فأضاف بها الفعل كما يقال: للرّؤْيا تَعْبُرُون ولِرَبّهِمْ يَرْهَبُونَ. وقال بعض نـحويـي الكوفة: أدخـل اللام فـي ذلك للـمعنى, لأن معناه: دنا لهم, كما قال الشاعر:
()(فَقُلْتُ لَها الـحاجاتُ يَطْرَحْنَ بـالفَتـى )
فأدخـل الـياء فـي يطرحن, وإنـما يقال طرحته, لأن معنى الطرح: الرمى, فأدخـل البـاء للـمعنى, إذ كان معنى ذلك يرمين بـالفتـى, وهذا القول الثانـي هو أولاهما عندي بـالصواب, وقد مضى البـيان عن نظائره فـي غير موضع من الكتاب بـما أغنى عن تكراره فـي هذا الـموضع.
وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله: تَسْتَعْجِلُونَ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20609ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الّذِي تَسْتَعْجِلُونَ قال: من العذاب.
الآية : 73 -74
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّ رَبّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ * وَإِنّ رَبّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ }. يقول تعالـى ذكره: وَإنّ رَبكَ يا مـحمد لَذُو فَضْلٍ عَلَـى النّاسِ بتركه معاجلتهم بـالعقوبة علـى معصيتهم إياه, وكفرهم به, وذو إحسان إلـيهم فـي ذلك وفـي غيره من نعمه عندهم وَلَكِنّ أكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَهُ علـى ذلك من إحسانه وفضله علـيهم, فـيخـلصوا له العبـادة, ولكنهم يشركون معه فـي العبـادة ما يضرّهم ولا ينفعهم ومن لا فضل له عندهم ولا إحسان. وقوله: وَإنّ رَبّكَ لَـيَعْلَـمُ ما تُكِنّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ يقول: وإن ربك لـيعلـم ضمائر صدور خـلقه, ومكنون أنفسهم, وخفـيّ أسرارهم, وعلانـية أمورهم الظاهرة, لا يخفـى علـيه شيء من ذلك, وهو مـحصيها علـيهم حتـى يجازي جميعهم بـالإحسان إحسانا وبـالإساءة جزاءها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20610ـ حدثنا القاسم, قال: ثنـي الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج وَإنّ رَبّكَ لَـيَعْلَـمُ ما تُكِنّ صُدُورُهُمْ قال: السرّ.

الآية : 75-76
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ فِي السّمَآءِ وَالأرْضِ إِلاّ فِي كِتَابٍ مّبِينٍ * إِنّ هَـَذَا الْقُرْآنَ يَقُصّ عَلَىَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَمَا مِنْ مكتوم سرّ وخفـيّ أمر يغيب عن أبصار الناظرين فِـي السَمَاءِ وَالأرْضِ إلاّ فِـي كِتَابٍ وهو أمّ الكتاب الذي أثبت ربنا فـيه كلّ ما هو كائن من لدن ابتدأ خـلق خـلقه إلـى يوم القـيامة. ويعنـي بقوله: مُبِـينٌ أنه يبـين لـمن نظر إلـيه, وقرأ ما فـيه مـما أثبت فـيه ربنا جلّ ثناؤه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20611ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَما مِنْ غائِبَةٍ فِـي السّماءِ والأرْضِ إلاّ فِـي كِتابٍ مُبِـينٍ يقول: ما من شيء فـي السماء والأرض سرّ ولا علانـية إلا يعلـمه.
وقوله: إنّ هَذَا القُرآنَ يَقُصّ عَلـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ أكْثَرَ الّذِي هُمْ فِـيهِ يَخْتَلِفُونَ يقول تعالـى ذكره: إن هذا القرآن الذي أنزلته إلـيك يا مـحمد يقصّ علـى بنـي إسرائيـل الـحقّ فـي أكثر الأشياء التـي اختلفوا فـيها, وذلك كالذي اختلفوا فـيه من أمر عيسى, فقالت الـيهود فـيه ما قالت, وقالت النصارى فـيه ما قالت, وتبرأ لاختلافهم فـيه هؤلاء من هؤلاء, وهؤلاء من هؤلاء, وغير ذلك من الأمور التـي اختلفوا فـيها, فقال جلّ ثناؤه لهم: إن هذا القرآن يقصّ علـيكم الـحقّ فـيـما اختلفتـم فـيه فـاتبعوه, وأقرّوا لـما فـيه, فإنه يقصّ علـيكم بـالـحقّ, ويهديكم إلـى سبـيـل الرشاد