تفسير الطبري تفسير الصفحة 385 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 385
386
384
 الآية : 89-90
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا وَهُمْ مّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَن جَآءَ بِالسّيّئَةِ فَكُبّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: مَنْ جَاءَ الله بتوحيده والإيـمان به, وقول لا إله إلا الله موقنا به قلبه, فَلَهُ من هذه الـحسنة عند الله خَيرٌ يوم القـيامة, وذلك الـخير أن يثـيبه الله مِنْهَا الـجنة, ويؤمّنه مِنْ فَزَعِ الصيحة الكبرى وهي النفخ فـي الصور وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ يقول: ومن جاء بـالشرك به يوم يـلقاه, وجحود وحدانـيته فَكُبّتْ وُجُوهُهُمْ فـي نار جهنـم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20648ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلانـي, قال: ثنـي الفضل بن دكين, قال: حدثنا يحيى بن أيوب البجلـي, قال: سمعت أبـا زرعة, قال: قال أبو هُريرة, قال يحيى: أحسبه عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ قال: وَهِيَ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ فَكُبّتْ وُجُوهُهُمْ فِـي النّارِ قال: وهِيَ الشّرْكُ».
20649ـ حدثنا موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـي, قال: حدثنا أبو يحيى الـحمانـي, عن النضر بن عربـيّ, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, فـي قوله: مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ قال: من جاء بلا إله إلا الله, وَمَنْ جَاءَ بـالسّيّئَةِ فَكُبّتْ وُجُوهُهُمْ فـي النّارِ, قال: بـالشرك.
حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها يقول: من جاء بلا إله إلا الله وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ وهو الشرك.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئةِ قال: بـالشرك.
20650ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ قال: كلـمة الإخلاص وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ قال: الشرك.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد بنـحوه. قال ابن جُرَيج: وسمعت عطاء يقول فـيها الشرك, يعنـي فـي قوله: وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ.
20651ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن أبـي الـمـحجل, عن أبـي معشر, عن إبراهيـم, قال: كان يحلف ما يستثنـي, أن مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ قال: لا إله إلا الله, وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ قال: الشرك.
20652ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عبد الـملك, عن عطاء مثله.
20653ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا جابر بن نوح, قال: حدثنا موسى بن عُبـيدة, عن مـحمد بن كعب وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ فَكُبّتْ وُجُوهُهُمْ فِـي النارِ قال: الشرك.
20654ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا حفص, قال: حدثنا سعيد بن سعيد, عن علـيّ بن الـحسين, وكان رجلاً غزّاء, قال: بـينا هو فـي بعض خـلواته حتـى رفع صوته: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الـمُلك وله الـحمد يحيـي ويـميت, بـيده الـخير, وهو علـى كلّ شيء قدير قال: فردّ علـيه رجل: ما تقول يا عبد الله؟ قال: أقول ما تسمع, قال: أما إنها الكلـمة التـي قال الله: مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ.
20655ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ قال: الإخلاص وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ قال: الشرك.
20656ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله: وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ يعنـي: الشرك.
20657ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن الـحسن وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ: يقول: الشرك.
20658ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ فَكُبّتْ وُجُوهُهُمْ فِـي النّارِ قال: السيئة: الشرك الكفر.
20659ـ حدثنـي سعد بن عبد الله بن عبد الـحكم قال: حدثنا حفص بن عمر العدنـي, قال: حدثنا الـحكم بن أبـان, عن عكرمة, قوله: مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ قال: شهادة أن لا إله إلا الله وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ قال: السيئة: الشرك. قال الـحكم: قال عكرِمة: كل شيء فـي القرآن السيئة فهو الشرك. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله: فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20660ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها فمنها وصل إلـيه الـخير, يعنـي ابن عبـاس بذلك: من الـحسنة وصل إلـى الذي جاء بها الـخير.
20661ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا روح بن عبـادة, قال: حدثنا حسين الشهيد, عن الـحسن مَنْ جاءَ بـالـحَسَنة فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها قال: له منها.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن الـحسن, قال: من جاء بلا إله إلا الله, فله خير منها خيرا.
20662ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها يقول: له منها حظّ.
20663ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها قال: له منها خير فأما أن يكون خيرا من الإيـمان فلا, ولكن منها خير يصيب منها خيرا.
20664ـ حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الـحكم, قال: حدثنا حفص بن عمر, قال: حدثنا الـحكم, عن عكرمة, قوله: مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها قال: لـيس شيء خيرا من لا إله إلا الله, ولكن له منها خير. وكان ابن زيد يقول فـي ذلك ما:
20665ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ فَلهُ خَيْرٌ مِنْها قال: أعطاه الله بـالواحدة عشرا, فهذا خير منها.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ فقرأ ذلك بعض قرّاء البصرة: «وَهُمْ مِنْ فَزَعِ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ» بِإضافة فزع إلـى الـيوم. وقرأ ذلك جماعة قرّاء أهل الكوفة: مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ بتنوين فزع.
والصواب من القول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان فـي قَرَأَة الأمصار متقاربتا الـمعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب, غير أن الإضافة أعجب إلـيّ, لأنه فزع معلوم. وإذا كان ذلك كذلك كان معرفة علـى أن ذلك فـي سياق قوله: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِـي الصّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِـي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِـي الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ فإذا كان ذلك كذلك, فمعلوم أنه عُنـي بقوله: وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ من الفزع الذي قد جرى ذكره قبله. وإذا كان ذلك كذلك, كان لا شكّ أنه معرفة, وأن الإضافة إذا كان معرفة به أولـى من ترك الإضافة وأخرى أن ذلك إذا أضيف فهو أبـين أنه خبر عن أمانه من كلّ أهوال ذلك الـيوم منه إذا لـم يضف ذلك, وذلك أنه إذا لـم يضف كان الأغلب علـيه أنه جعل الأمان من فزع بعض أهواله.
وقوله: هَلْ تُـجْزَوْنَ إلاّ ما كُنْتُـمْ تَعْمَلُونَ يقول تعالـى ذكره: يقال لهم: هل تـجزون أيها الـمشركون إلا ما كنتـم تعملون, إذ كبكم الله لوجوهكم فـي النار, وإلا جزاء ما كنتـم تعملون فـي الدنـيا بـما يسخط ربكم وترك «يقال لهم» اكتفـاءً بدلالة الكلام علـيه.
الآية : 91
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الّذِي حَرّمَهَا وَلَهُ كُلّ شَيءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: يا مـحمد قُلِ إنّـمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعُبُدَ رَبّ هِذِهِ الْبَلْدَةِ وهي مكة الّذِي حَرّمَهَا علـى خـلقه أن يسفكوا فـيها دما حراما, أو يظلـموا فـيها أحدا, أو يُصادَ صَيدُها, أو يتـخـلـى خلاها دون الأوثان التـي تعبدونها أيها الـمشركون. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20666ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: إنّـمَا أُمِرْتُ أنْ أعْبُدَ رَبّ هَذِهِ البَلْدَةِ الّذِي حَرّمَها يعنـي: مكة.
وقوله: وَلَهُ كُلّ شَيْءٍ يقول: ولربّ هذه البلدة الأشياء كلها ملكا, فإياه أمرت أن أعبد, لا من لا يـملك شيئا. وإنـما قال جلّ ثناؤه: رَبّ هَذِهِ البَلْدَةِ الّذِي حَرّمَها فخصها بـالذكر دون سائر البلدان, وهو ربّ البلاد كلها, لأنه أراد تعريف الـمشركين من قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم, الذين هم أهل مكة, بذلك نعمته علـيهم, وإحسانه إلـيهم, وأن الذي ينبغي لهم أن يعبدوه هو الذي حرّم بلدهم, فمنع الناس منهم, وهم فـي سائر البلاد يأكل بعضهم بعضا, ويقتل بعضهم بعضا, لا من لـم تـجر له علـيهم نعمة, ولا يقدر لهم علـى نفع ولا ضرّ. وقوله: وأُمِرْتُ أنْ أكُونَ مِنَ الـمُسْلِـمِينَ يقول: وأمرنـي ربـي أن أسلـم وجهي له حنـيفـا, فأكون من الـمسلـمين الذين دانوا بدين خـلـيـله إبراهيـم وجدكم أيها الـمشركون, لا من خالف دين جدّه الـمـحقّ, ودان دين إبلـيس عدوّ الله.
الآية : 92
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَىَ فَإِنّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلّ فَقُلْ إِنّمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُنذِرِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قُلِ إنّـما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبّ هذِه البَلْدَةِ و أَنْ أَكُونَ مِنَ الـمُسْلِـمِين وأنْ أتْلُوَا القُرآنَ, فَمَنِ اهْتَدَى يقول: فمن تبعنـي وآمن بـي وبـما جئت به, فسلك طريق الرشادفإنّـمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ يقول: فإنـما يسلك سبـيـل الصواب بـاتبـاعه إياي, وإيـمانه بـي, وبـما جئت به لنفسه, لأنه بإيـمانه بـي, وبـما جئت به يأمن نقمته فـي الدنـيا وعذابه فـي الاَخرة. وقوله: وَمَنْ ضَلّ يقول: ومن جار عن قصد السبـيـل بتكذيبه بـي وبـما جئت به من عند الله فَقُل إنّـمَا أنا مِنَ الـمُنْذِرِينَ يقول تعالـى ذكره: فقل يا مـحمد لـمن ضلّ عن قصد السبـيـل, وكذبك, ولـم يصدّق بـما جئت به من عندي, إنـما أنا مـمن ينذر قومه عذاب الله وسخطه علـى معصيتهم إياه, وقد أنذرتكم ذلك معشر كفـار قُريش, فإن قبلتـم وانتهيتـم عما يكرهه الله منكم من الشرك به, فحظوظَ أنفسكم تصيبون, وإن رددتـم وكذبتـم فعلـى أنفسكم جنـيتـم, وقد بلّغتكم ما أمرت بإبلاغه إياكم, ونصحت لكم.
الآية : 93
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقُلِ الْحَمْدُ للّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبّكَ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ يا مـحمد لهؤلاء القائلـين لك من مشركي قومك: مَتـى هَذَا الوَعْدُ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ: الـحَمْدُ لِلّهِ علـى نعمته علـينا بتوفـيقه إيانا للـحقّ الذي أنتـم عنه عمون, سيريكم ربكم آيات عذابه وسخطه, فتعرفون بها حقـيقة نصحى كان لكم, ويتبـين صدق ما دعوتكم إلـيه من الرشاد. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20667ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها قال: فـي أنفسكم, وفـي السماء والأرض والرزق.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قوله سَيُرِيكُم آياتِهِ فَتَعْرِفونَها قال: فـي أنفسكم والسماء والأرص والرزق.
وقوله: وَما رَبّكَ بغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ يقول تعالـى ذكره: وما ربك يا مـحمد بغافل عما يعمل هؤلاء الـمشركون, ولكن لهم أجل هم بـالغوه, فإذا بلغوه فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى الله عليه وسلم: فلا يحزنك تكذيبهم إياك, فإنـي من وراء إهلاكهم, وإنـي لهم بـالـمرصاد, فأيقن لنفسك بـالنصر, ولعدوّك بـالذلّ والـخزي.
آخر تفسير سورة النـمل
ولله الـحمد والـمنة, وبه الثقة والعصمة

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة النمل

سورة القصص مكيّة
وآياتها ثمان وثمانون
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1 -3
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {طسَمَ * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نّبَإِ مُوسَىَ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }.
قال أبو جعفر: قد بـيّنا قبل فـيـما مضى تأويـل قول الله عزّ وجل طسم, وذكرنا اختلاف أهل التأويـل فـي تأويـله, وأما قوله: تلكَ آياتُ الكِتابِ الـمُبِـينِ فإنه يعنـي هذه آيات الكتاب الذي أنزلته إلـيك يا مـحمد, الـمبـين أنه من عند الله, وأنك لـم تتقوّله ولـم تتـخرّصه. وكان قتادة فـيـما ذكر عنه يقول فـي ذلك ما:
20668ـ حدثنـي بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله طسم. تلكَ آياتُ الكِتابِ الـمُبِـينِ يعنـي مبـين والله بركته ورشده وهداه.
وقوله: نَتْلُو عَلَـيْكَ يقول: نقرأ علـيك ونقصّ فـي هذا القرآن من خبر موسى وَفِرْعَوْنَ بـالـحَقّ. كما:
20669ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله نَتْلُو عَلَـيْكَ مِنْ نَبإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بـالـحَقّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يقول: فـي هذا القرآن نبؤهم.
وقوله: لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يقول: لقوم يصدّقون بهذا الكتاب, لـيعلـموا أن ما نتلو علـيك من نبئهم فـيه نبؤهم, وتطمئنّ نفوسهم, بأن سنتنا فـيـمن خالفك وعاداك من الـمشركين سنتنا فـيـمن عادى موسى, ومن آمن به من بنـي إسرائيـل من فرعون وقومه, أن نهلكهم كما أهلكناهم, وننـجيهم منهم كما أنـجيناهم.
الآية : 4
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مّنْهُمْ يُذَبّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: إن فرعون تـجبر فـي أرض مصر وتكبر, وعلا أهلها وقهرهم, حتـى أقرّوا له بـالعبودة. كما:
20670ـ حدثنا مـحمد بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ إنّ فِرْعَوْنَ عَلا فـي الأرْضِ يقول: تـجبر فـي الأرض.
20671ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة إنّ فِرْعَوْنَ عَلا فِـي الأرْضِ أي بغى فـي الأرض.
وقوله: وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا يعنـي بـالشيع: الفِرَق, يقول: وجعل أهلَها فِرقا متفرّقـين. كما:
20672ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا: أي فرقا يذبح طائفة منهم, ويستـحيـي طائفة, ويعذّب طائفة, ويستعبد طائفة. قال الله عزّ وجلّ: يُذَبّحُ أبْناءَهُمْ, وَيَسْتَـحْيِـي نِساءَهُمْ, إنّهُ كانَ مِنَ الـمُفْسِدِينَ.
20673ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: كان من شأن فرعون أنه رأى رؤيا فـي منامه, أن نارا أقبلت من بـيت الـمقدس حتـى اشتـملت علـى بـيوت مصر, فأحرقت القبط, وتركت بنـي إسرائيـل, وأحرقت بـيوت مصر, فدعا السحرة والكهنة والقافة والـحازة, فسألهم عن رؤياه, فقالوا له: يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيـل منه, يعنون بـيت الـمقدس, رجل يكون علـى وجهه هلاك مصر, فأمر ببنـي إسرائيـل أو لا يولد لهم غلام إلاّ ذبحوه, ولا تولد لهم جارية إلاّ تركت, وقال للقبط: انظروا مـملوكيكم الذين يعملون خارجا, فأدخـلوهم, واجعلوا بنـي إسرائيـل يـلون تلك الأعمال القذرة, فجعل بنـي إسرائيـل فـي أعمال غلـمانهم, وأدخـلوا غلـمانهم, فذلك حين يقول: إنّ فِرْعَوْنَ عَلا فِـي الأرْضِ وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا يعنـي بنـي إسرائيـل حين جعلهم فـي الأعمال القذرة.
20674ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا قال: فرّق بـينهم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد: وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا قال: فِرَقا.
20675ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا قال: الشيع: الفِرَق.
وقوله: يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ ذكر أن استضعافه إياها كان استعبـاده. ذكر من قال ذلك:
20676ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي أبو سفـيان, عن معمر, عن قَتادة: يستعبد طائفة منهم, ويذبح طائفة, ويقتل طائفة, ويستـحيـي طائفة.
وقوله: إنّهُ كانَ مِنَ الـمُفْسِدِينَ يقول: إنه كان مـمن يفسد فـي الأرض بقتله من لا يستـحقّ منه القتل, واستعبـاده من لـيس له استعبـاده وتـجبره فـي الأرض علـى أهلها, وتكبره علـى عبـادة ربه