تفسير الطبري تفسير الصفحة 386 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 386
387
385
 الآية : 5-6
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَنُرِيدُ أَن نّمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مّا كَانُواْ يَحْذَرونَ }. قوله: وَنُرِيدُ عطف علـى قوله يَسْتَضْعفُ طائِفَة مِنْهُمْ ومعنى الكلام: أن فرعون علا فـي الأرض وجعل أهلها من بنـي إسرائيـل فِرَقا يستضعِف طائفة منهم وَ نَـحْنُ نُرِيدُ أنْ نَـمُنّ عَلَـى الّذِينَ استضعفهم فرعون من بنـي إسرائيـل وَنَـجْعَلَهُمْ أئِمّةً. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20677ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وَنُرِيدُ أنْ نَـمُنّ عَلـى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِـي الأرْضِ قال: بنو إسرائيـل.
قوله: ونَـجْعَلَهُمْ أئمّةً أي ولاة وملوكا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20678ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة ونَـجْعَلَهُمْ أئمّةً أي ولاة الأمر:
وقوله: ونَـجْعَلَهُمُ الوَارِثـينَ يقول: ونـجعلهم ورّاث آل فرعون يرثون الأرض من بلد مهلكهم. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20679ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة ونَـجْعَلَهُمُ الوَارِثِـينَ: أي يرثون الأرض بعد فرعون وقومه.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي أبو سفـيان, عن معمر, عن قتادة ونَـجْعَلَهُمُ الوارِثِـينَ يقول: يرثون الأرض بعد فرعون.
وقوله: ونُـمَكّنَ لَهُمْ فِـي الأرْضِ يقول: ونوطيء لهم فـي أرض الشام ومصر. وَنُرِيَ فرْعَوْنَ وهامانَ وَجُنُودَهُمَا كانوا قد أخبروا أن هلاكهم علـى يد رجل من بنـي إسرائيـل, فكانوا من ذلك علـى وجل منهم, ولذلك كان فرعون يذبح أبناءهم, ويستـحيـي نساءهم, فأرى الله فرعون وهامان وجنودهما من بنـي إسرائيـل علـى يد موسى بن عمران نبـيه ما كانوا يحذرونه منهم من هلاكهم وخراب منازلهم ودورهم. كما:
20680ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة ونُـمَكّنَ لَهُمْ فِـي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ شيئا ما حذّر القوم, قال: وذُكر لنا أن حازيا حزا لعدوّ الله فرعون, فقال: يولد فـي هذا العام غلام من بنـي إسرائيـل يسلبك ملكك, فتتبّع أبناءهم ذلك العام, يقتل أبناءهم, ويستـحيـي نساءهم حذرا مـما قال له الـحازي.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن قَتادة, قال: كان لفرعون رجل ينظر له ويخبره, يعنـي أنه كاهن, فقال له: إنه يولد فـي هذا العام غلام يذهب بـملككم, فكان فرعون يذبح أبناءهم, ويستـحيـي نساءهم حذرا, فذلك قوله وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجنودهما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَنرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ فقرأ ذلك عامة قرّاء الـحجاز والبصرة وبعض الكوفـيـين: وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ بـمعنى: ونرى نـحن بـالنون عطفـا بذلك علـى قوله: ونُـمَكّنَ لَهُمْ. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: «وَيَرَى فِرْعَوْنُ» علـى أن الفعل لفرعون, بـمعنى: ويعاين فرعون, بـالـياء من يرى, ورفع فرعون وهامان والـجنود.
والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان معروفتان فـي قرّاء الأمصار, متقاربتا الـمعنى, قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء, فبأيتهما قرأ القارىء فهو مصيب, لأنه معلوم أن فرعون لـم يكن لـيرى من موسى ما رأى, إلاّ بأن يريه الله عزّ وجلّ منه, ولـم يكن لـيريه الله تعالـى ذكره ذلك منه إلاّ رآه.

الآية : 7
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَوْحَيْنَآ إِلَىَ أُمّ مُوسَىَ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيَ إِنّا رَآدّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وأوْحَيْنا إلـى أُمّ مُوسَى حين ولدت موسى أنْ أرْضِعِيهِ.
وكان قَتادة يقول, فـي معنى ذلك وأوْحَيْنا إلـى أُمّ مُوسَى: قذفنا فـي قلبها.
20681ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وأوْحَيْنا إلـى أُمّ مُوسَى وحيا جاءها من الله, فقذف فـي قلبها, ولـيس بوحي نبوّة, أن أرضعي موسى فإذَا خِفْتِ عَلَـيْهِ فَأَلْقِـيهِ فِـي الـيَـمّ, وَلا تَـخافِـي وَلا تَـحْزَنِـي... الاَية.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي أبو سفـيان, عن معمر, عن قتادة, قوله وأوْحَيْنا إلـى أُمّ مُوسَى قال: قذف فـي نفسها.
20682ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: أمر فرعون أن يذبح من ولد من بنـي إسرائيـل سنة, ويتركوا سنة فلـما كان فـي السنة التـي يذبحون فـيها حملت بـموسى فلـما أرادت وضعه, حزنت من شأنه, فأوحى الله إلـيها أنْ أرْضِعِيهِ فإذَا خِفْتِ عَلَـيْهِ فَألْقِـيهِ فِـي الـيَـمّ.
واختلف أهل التأويـل فـي الـحال التـي أمرت أمّ موسى أن تلقـي موسى فـي الـيـم, فقال بعضهم: أُمرت أن تلقـيه فـي الـيـمّ بعد ميلاده بأربعة أشهر, وذلك حال طلبه من الرضاع أكثر مـما يطلب الصبـيّ بعد حال سقوطه من بطن أمه. ذكر من قال ذلك:
20683ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: أنْ أرْضِعِيهِ فإذَا خِفْتِ عَلَـيْهِ قال: إذا بلغ أربعة أشهر وصاح وابتغى من الرضاع أكثر من ذلك فأَلْقِـيهِ حينئذٍ فـي الـيَـمّ فذلك قوله: فإذَا خِفْتِ عَلَـيْهِ.
20684ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر بن عبد الله, قال: لـم يقل لها: إذا ولدتـيه فألقـيه فـي الـيـمّ, إنـما قال لها أنْ أرْضِعيهِ, فإذَا خِفْتِ عَلَـيْهِ فَأَلْقـيهِ فِـي الْـيَـمّ بذلك أُمرت, قال: جعلته فـي بستان, فكانت تأتـيه كلّ يوم فترضعه, وتأتـيه كلّ لـيـلة فترضعه, فـيكفـيه ذلك.
وقال آخرون: بل أُمِرت أن تلقـيه فِـي الـيـم بعد ولادها إياه, وبعد رضاعها. ذكر من قال ذلك:
20685ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: لـما وضعته أرضعته ثم دعت له نـجارا, فجعل له تابوتا, وجعل مفتاح التابوت من داخـل, وجعلته فـيه, فألقته فـي الـيّـم.
وأولـى قول قـيـل فـي ذلك بـالصواب, أن يقال: إن الله تعالـى ذكره أمر أمّ موسى أن ترضعه, فإذا خافت علـيه من عدوّ الله فرعون وجنده أن تلقـيه فـي الـيـمّ. وجائز أن تكون خافتهم علـيه بعد أشهر من ولادها إياه وأيّ ذلك كان, فقد فعلت ما أوحى الله إلـيها فـيه, ولا خبر قامت به حجة, ولا فطرة فـي العقل لبـيان أيّ ذلك كان من أيَ, فأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصحة أن يُقال كما قال جلّ ثناؤه. والـيـمّ الذي أُمِرَت أن تلقـيه فـيه هو النـيـل. كما:
20686ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فَألْقِـيهِ فِـي الْـيَـمِ قال: هو البحر, وهو النـيـل. وقد بـيّنا ذلك بشواهده, وذكر الرواية فـيه فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته.
وقوله: وَلا تَـخافِـي وَلا تَـحْزَنِـي يقول: لا تـخافـي علـى ولدك من فرعون وجنده أن يقتلوه, ولا تـحزنـي لفراقه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20687ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: وَلا تَـخافِـي وَلا تَـحْزَنِـي قال: لا تـخافـي علـيه البحر, ولا تـحزنـي لفراقه إنّا رَادّوه إلَـيْكِ.
وقوله: إنّا رَادّوهُ إلَـيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الـمُرْسَلِـينَ يقول: إنا رادّو ولدك إلـيك للرضاع لتكونـي أنت ترضعيه, وبـاعثوه رسولاً إلـى من تـخافـينه علـيه أن يقتله, وفعل الله ذلك بها وبه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20688ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق إنّا رَادّوهُ إلَـيْكِ وبـاعثوه رسولاً إلـى هذه الطاغية, وجاعلو هلاكه ونـجاة بنـي إسرائيـل مـما هم فـيه من البلاء علـى يديه.
الآية : 8
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: فـالتقطه آل فرعون فأصابوه وأخذوه وأصله من اللقطة, وهو ما وُجد ضالاً فأخذ. والعرب تقول لـما وردت علـيه فجأة من غير طلب له ولا إرادة: أصبته التقاطا, ولقـيت فلانا التقاطا ومنه قول الراجز:
وَمَنْهَلٍ وَرَدْتُهُ الْتِقاطا لَـمْ أَلْقَ إذْ وَرَدْتُهُ فُرّاطا
يعنـي فجأة.
واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بقوله: آلُ فِرْعَوْنَ فـي هذا الـموضع, فقال بعضهم: عنى بذلك: جواري امرأة فرعون. ذكر من قال ذلك:
20689ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: أقبل الـموج بـالتابوت يرفعه مرّة ويخفضه أخرى, حتـى أدخـله بـين أشجار عند بـيت فرعون, فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغسلن, فوجدن التابوت, فأدخـلنه إلـى آسية, وظننّ أن فـيه مالاً فلـما نظرت إلـيه آسية, وقعت علـيها رحمته فأحبته فلـما أخبرت به فرعون أراد أن يذبحه, فلـم تزل آسية تكلـمه حتـى تركه لها, قال: إنـي أخاف أن يكون هذا بنـي إسرائيـل, وأن يكون هذا الذي علـى يديه هلاكنا, فذلك قول الله: فـالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِـيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّا وَحَزَنا.
وقال آخرون: بل عنى به ابنة فرعون. ذكر من قال ذلك:
20690ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي معشر, عن مـحمد بن قـيس, قال: كانت بنت فرعون برصاء, فجاءت إلـى النـيـل, فإذا التابوت فـي النـيـل تـخفقه الأمواج, فأخذته بنت فرعون, فلـما فتـحت التابوت, فإذا هي بصبـيّ, فلـما اطلعت فـي وجهه برأت من البرص, فجاءت به إلـى أمها, فقالت: إن هذا الصبـيّ مبـارك لـما نظرت إلـيه برئت, فقال فرعون: هذا من صبـيان من بنـي إسرائيـل, هلـمّ حتـى أقتله, فقالت: قُرّةُ عَيْنٍ لِـي وَلَكَ, لا تَقْتُلُوُهُ.
وقال آخرون: عنى به أعوان فرعون. ذكر من قال ذلك:
20691ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: أصبح فرعون فـي مـجلس له كان يجلسه علـى شفـير النـيـل كلّ غداة فبـينـما هو جالس, إذ مرّ النـيـل بـالتابوت يقذف به, وآسية بنت مزاحم امرأته جالسة إلـى جنبه, فقالت: إن هذا لشيء فـي البحر, فأتونـي به, فخرج إلـيه أعوانه, حتـى جاءوا به, ففتـح التابوت فإذا فـيه صبـيّ فـي مهده, فألقـى الله علـيه مـحبته, وعطف علـيه نفسه, قالت امرأته آسية: لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا.
ولا قول فـي ذلك عندنا أولـى بـالصواب مـما قال الله عزّ وجلّ: فـالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ وقد بـيّنا معنى الاَل فـيـما مضى بـما فـيه الكفـاية من إعادته ههنا.
وقوله: لِـيَكونَ لَهُمْ عَدُوّا وَحَزَنا فـيقول القائل: لـيكون موسى لاَل فرعون عدوّا وحزَنا فـالتقطوه, فـيقال فـالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِـيَكونَ لَهُمْ عَدُوّا وَحَزَنا قـيـل: إنهم حين التقطوه لـم يـلتقطوه لذلك, بل لـما تقدّم ذكره. ولكنه إن شاء الله كما.
20692ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سَلَـمة عن ابن إسحاق, فـي قوله: فـالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِـيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّا وحَزَنا قال: لـيكون فـي عاقبة أمره عدوا وحزنا لـما أراد الله به, ولـيس لذلك أخذوه, ولكن امرأة فرعون قالت: قُرّةُ عَيْنٍ لـي ولَكَ فكان قول الله: لِـيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّا وحَزَنا لـما هو كائن فـي عاقبة أمره لهم, وهو كقول الاَخر إذا قَرّعه لفعل كان فعله وهو يحسب مـحسنا فـي فعله, فأدّاه فعله ذلك إلـى مساءة مندّما له علـى فعله: فعلت هذا لضرّ نفسك, ولتضرّ به نفسك فعلت. وقد كان الفـاعل فـي حال فعله ذلك عند نفسه يفعله راجيا نفعه, غير أن العاقبة جاءت بخلاف ما كان يرجو. فكذلك قوله: فـالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِـيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّا وَحَزَنا إنـما هو: فـالتقطه آل فرعون ظنا منهم أنهم مـحسنون إلـى أنفسهم, لـيكون قرّة عين لهم, فكانت عاقبة التقاطهم إياه منه هلاكهم علـى يديه.
وقوله: عَدُوّا وَحَزَنا يقول: يكون لهم عدُوّا فـي دينهم, وحزَنا علـى ما ينالهم منه من الـمكروه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20693ـ حدثنـي بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: فـالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِـيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّا وَحَزَنا عدوّا لهم فـي دينهم, وحزنا لـما يأتـيهم.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: وَحَزَنا بفتـح الـحاء والزاي. وقرأته عامة قرّاء الكوفة: «وَحُزْنا» بضم الـحاء وتسكين الزاي. والـحَزَن بفتـح الـحاء والزاي مصدر من حزنت حَزَنا, والـحُزْن بضم الـحاء وتسكين الزاي الاسم: كالعَدَم والعُدْم ونـحوه.
والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان متقاربتا الـمعنى, وهما علـى اختلاف اللفظ فـيهما بـمنزلة العَدَم, والعُدْم, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وقوله: إنّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ يقول تعالـى ذكره: إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا بربهم آثمين, فلذلك كان لهم موسى عَدُوّا وحَزَنا.
الآية : 9
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرّةُ عَيْنٍ لّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىَ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَقالَتِ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ له هذا قُرةُ عَيْنٍ لـي ولَكَ يا فرعون فقرّة عين مرفوعة بـمضمر هو هذا, أو هو. وقوله: لا تَقْتُلُوهُ مسألة من امرأة فرعون أن لا يقتله. وذُكِر أن الـمرأة لـما قالت هذا القول لفرعون, قال فرعون: أمّا لك فنعم, وأما لـي فلا, فكان كذلك. ذكر من قال ذلك:
20694ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي مَعْشر, عن مـحمد بن قـيس, قال: قالت امرأة فرعون: قُرةُ عَيْنٍ لـي ولَكَ, لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا قال فرعون: قرّة عين لك, أما لـي فلا. قال مـحمد بن قـيس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ قالَ فِرْعَوْنُ: قُرةُ عَيْنٍ لـي ولَكِ, لَكانَ لَهُما جَمِيعا».
20695ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: اتـخذه فرعونُ ولدا, ودُعِيَ علـى أنه ابن فرعون فلـما تـحرّك الغلام أرته أمه آسية صبـيا, فبـينـما هي ترقصه وتلعب به, إذ ناولته فرعون, وقالت: خذه قرةَ عين لـي ولك, قال فرعون: هو قرّة عين لك, لا لـي. قال عبد الله بن عبـاس: لو أنه قال: وهو لـي قرّة عين إذن لاَمن به, ولكنه أبى.
20696ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قالت امرأة فرعون: قُرّةُ عَيْنٍ لـي ولَكَ تعنـي بذلك موسى.
20697ـ حدثنا العبـاس بن الولـيد, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ بن يزيد, قال: حدثنا القاسم بن أبـي أيوب, قال: ثنـي سعيد بن جُبـير, عن ابن عبـاس قال: لـما أتت بـموسى امرأة فرعونَ فرعون قالت: قُرّةُ عَيْنٍ لـي ولَكَ قال فرعون: يكون لك, فأما لـي فلا حاجة لـي فـيه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَالّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوْ أقَرّ فِرْعَوْنُ أنْ يَكُونَ لَهُ قُرّةَ عَيْنٍ كمَا أقَرّتْ, لَهَدَاهُ اللّهُ بِهِ كمَا هَدَى بِهِ امْرأتَهُ, وَلَكِنّ اللّهَ حَرَمَهُ ذلكَ».
وقوله: لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا ذُكِر أن امرأة فرعون قالت هذا القول حين همّ بقتله. قال بعضهم: حين أُتـيَ به يوم التقطه من الـيـم. وقال بعضهم: يوم نَتَف من لـحيته أو ضربه بعصا كانت فـي يده. ذكر من قال: قالت ذلك يوم نتف لـحيته:
20698ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: لـما أتـى فرعون به صبـيا أخذه إلـيه, فأخذ موسى بلـحيته فنتفها, قال فرعون: علـيّ بـالذبـاحين, هو هذا قالت آسية: لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا إنـما هو صبـيّ لا يعقل, وإنـما صنَع هذا من صبـاه.
20699ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا قال: أُلقِـيَتْ علـيه رحمتها حين أبصرته.
وقوله: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـله, فقال بعضهم: معنى ذلك: وهم لا يشعرون هلاكهم علـى يده. ذكر من قال ذلك:
20700ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال: وهم لا يشعرون أن هلكتهم علـى يديه, وفـي زمانه.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي سفـيان, عن معمر, عن قَتادة أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال: إن هلاكهم علـى يديه.
20701ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال: آل فرعون إنه لهم عدوّ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بـما هو كائن من أمرهم وأمره. ذكر من قال ذلك:
20702ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: قالت امرأة فرعون آسية: لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يقول الله: وهم لا يشعرون أي بـما هو كائن بـما أراد الله به.
وقال آخرون: بل معنى قوله وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بنو إسرائيـل لا يشعرون أنّا التقطناه. ذكر من قال ذلك:
20703ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي معشر, عن مـحمد بن قـيس لا تقتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال: يقول: لا تدري بنو إسرائيـل أنّا التقطناه.
والصواب من القول فـي ذلك, قول من قال: معنى ذلك: وفرعون وآله لا يشعرون بـما هو كائن من هلاكهم علـى يديه.
وإنـما قلنا ذلك أولـى التأويلات به لأنه عُقَـيب قوله: وَقالَتِ امْرأةُ فِرْعَوْنَ قُرّةُ عَيْنٍ لـي ولَكَ, لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا وإذا كان ذلك عقبه, فهو بأن يكون بـيانا عن القول الذي هو عقبه أحقّ من أن يكون بـيانا عن غيره.
الآية : 10
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَىَ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلآ أَن رّبَطْنَا عَلَىَ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }.
اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي عَنَى الله أنه أصبح منه فؤاد أمّ موسى فـارغا, فقال بعضهم: الذي عنى جلّ ثناؤه أنه أصبح منه فؤاد أمّ موسى فـارغا: كل شيء سوى ذكر ابنها موسى. ذكر من قال ذلك:
20704ـ حدثنـي مـحمد بن العلاء, قال: حدثنا جابر بن نوح, قال: حدثنا الأعمش, عن مـجاهد, وحسان أبـي الأشرس عن سعيد بن جُبـير, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا قال: فرغ من كلّ شيء إلاّ من ذكر مُوسى.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن حسان, عن سعيد بن جُبـير, عن ابن عبـاس وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا قال: فـارغا من كلّ شيء إلاّ من ذكر موسى.
حدثنا مـحمد بن عُمارة, قال: حدثنا عبد الله, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن رجل, عن ابن عبـاس وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا قال: فـارغا من كلّ شيء إلاّ من همّ موسى.
حدثنا علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا قال: يقول: لا تذكروا إلاّ موسى.
20705ـ حدثنا مـحمد بن عمارة, قال: حدثنا عبد الله, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي يحيى, عن مـجاهد وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فَـارِغا قالَ: من كل شيء غير ذكر موسى.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا قال: فرغ من كل شيء إلاّ من ذكر موسى.
20706ـ حدثنا عبد الـجبـار بن يحيى الرملـيّ, قال: حدثنا ضَمْرة بن ربـيعة, عن ابن شَوذَب, عن مطر, فـي قوله وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا قال: فـارغا من كلّ شيء إلاّ من همّ موسى.
20707ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا: أي لاغيا من كلّ شيء, إلاّ من ذكر موسى.
20708ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا قال: فرغ من كلّ شيء غير ذكر موسى.
وقال آخرون: بل عنى أن فؤادها أصبح فـارغا من الوحي الذي كان الله أوحاه إلـيها, إذ أمرها أن تلقـيه فـي الـيـمّ فقال وَلا تَـخافِـي وَلا تَـحْزَنِـي, إنّا رَادّوهُ إلَـيْكِ, وَجاعِلُوهُ مِنَ الـمُرْسَلِـينَ قال: فحزنت ونسيت عهد الله إلـيها, فقال الله عزّ وجلّ وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا من وحينا الذي أوحيناه إلـيها. ذكر من قال ذلك:
20709ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا قال: فـارغا من الوحي الذي أوحى الله إلـيها حين أمرها أن تلقـيه فـي البحر, ولا تـخاف ولا تـحزن. قال: فجاءها الشيطان, فقال: يا أمّ موسى, كرهت أن يقتل فرعون موسى, فـيكون لك أجره وثوابه وتولّـيت قتله, فألقـيتـيه فـي البحر وغرقتـيه, فقال الله: وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا من الوحي الذي أوحاه إلـيها.
20710ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر بن عبد الله, قال: ثنـي الـحسن, قال: أصبح فـارغا من العهد الذي عهدنا إلـيها, والوعد الذي وعدناها أن نردّ علـيها ابنها, فنسيت ذلك كله, حتـى كادت أن تُبْدِي به لولا أن ربطنا علـى قلبها.
20711ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: قال ابن إسحاق: قد كانت أمّ موسى ترفع له حين قذفته فـي البحر, هل تسمع له بذكر, حتـى أتاها الـخبر بأن فرعون أصاب الغداة صبـيا فـي النـيـل فـي التابوت, فعرفت الصفة, ورأت أنه وقع فـي يدي عدوّه الذي فرّت به منه, وأصبح فؤادها فـارغا من عهد الله إلـيها فـيه قد أنساها عظيـم البلاء ما كان من العهد عندها من الله فـيه. وقال بعض أهل الـمعرفة بكلام العرب: معنى ذلك: وَأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا من الـحزن, لعلـمها بأنه لـم يغرق. قال: وهو من قولهم: دم فرغ: أي لا قود ولا دية وهذا قول لا معنى له لـخلافه قول جميع أهل التأويـل.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب عندي قول من قال: معناه: وَأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا من كلّ شيء إلاّ من همّ موسى.
وإنـما قلنا: ذلك أولـى الأقوال فـيه بـالصواب لدلالة قوله: إنْ كادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلـى قَلْبِها ولو كان عَنَى بذلك: فراغ قلبها من الوحي لـم يعقب بقوله: إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لأنها إن كانت قاربت أن تبدي الوحي, فلـم تكد أن تبديه إلا لكثرة ذكرها إياه, وولوعها به, ومـحال أن تكون به ولعة إلا وهي ذاكرة. وإذا كان ذلك كذلك بطل القول بأنها كانت فـارغة القلب مـما أوحى إلـيها. وأخرى أن الله تعالـى ذكره أخبر عنها أنها أصبحت فـارغة القلب, ولـم يخصص فراغ قلبها من شيء دون شيء, فذلك علـى العموم إلا ما قامت حجته أن قلبها لـم يفرغ منه. وقد ذُكر عن فضالة بن عبـيد أنه كان يقرؤه: «وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـازِعا» من الفزع.
وقوله: إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي عادت علـيه الهاء فـي قوله: بِهِ فقال بعضهم: هي من ذكر موسى, وعلـيه عادت. ذكر من قال ذلك:
20712ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا جابر بن نوح, قال: حدثنا الأعمش, عن مـجاهد وحسان أبـي الأشرس, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أن تقول: يا ابناه.
قال: ثنـي يحيى بن سعيد, عن سفـيان, عن الأعمش, عن حسان, عن سعيد بن جُبـير, عن ابن عبـاس إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أن تقول: يا ابناه.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن حسان عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أن تقول: يا ابناه.
20713ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أي لتبدي به أنه ابنها من شدّة وجدها.
20714ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: لـما جاءت أمه أخذ منها, يعنـي الرضاع, فكادت أن تقول: هو ابنـي, فعصمها الله, فذلك قول الله إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلـى قَلْبِها.
وقال آخرون بِـمَا أوْحَيْناهُ إلَـيْها: أي تظفر.
والصواب من القول فـي ذلك ما قاله الذين ذكرنا قولهم أنهم قالوا: إن كادت لتقول: يا بنـياه, لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى ذلك, وأنه عقـيب قوله: وأصْبَحَ فُؤادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا فلأن يكون لو لـم يكن مـمن ذكرنا فـي ذلك إجماع علـى ذلك من ذكر موسى, لقربه منه, أشبه من أن يكون من ذكر الوحي.
وقال بعضهم: بل معنى ذلك إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بـموسى فتقول: هو ابنـي. قال: وذلك أن صدرها ضاق إذ نُسب إلـى فرعون, وقـيـل ابن فرعون. وعنى بقوله لِتُبْدِي بِهِ لتظهره وتـخبر به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20715ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاكّ يقول, فـي قوله: إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ: لتشعر به.
20716ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: إنْ كادَتْ لَتُبْدي بِهِ قال: لتُعلِنِ بأمره لولا أن ربطنا علـى قلبها لتكون من الـمؤمنـين.
وقوله: لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلـى قَلْبِهَا يقول: لولا أن عصمناها من ذلك بتثبـيتناها وتوفـيقناها للسكوت عنه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20717ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قال: قال الله لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلـى قَلْبِها: أي بـالإيـمان لِتَكُونَ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ.
20718ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: كادت تقول: هو ابنـي, فعصمها الله, فذلك قول الله: إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلـى قَلْبِها.
وقوله: لِتَكُونَ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ يقول تعالـى ذكره: عصمناها من إظهار ذلك وقـيـله بلسانها, وثبتناها للعهد الذي عهدنا إلـيها لِتَكُونَ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ بوعد الله, الـموقِنـين به.
الآية : 11
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَتْ لاُخْتِهِ قُصّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَقالَتْ أمّ موسى لأخت موسى حين ألقته فـي الـيـم قُصّيهِ يقول: قصي أثر موسى, اتبعي أثره, تقول: قصصت آثار القوم: إذا اتبعت آثارهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20719ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصام, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: لأِخْتِهِ قُصيّهِ قال: اتبعي أثره كيف يصنع به.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد قُصيّهِ أي قصي أثره.
20720ـ حدثنا ابن حميد, حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصيّهِ قال: اتبعي أثره.
20721ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَقالَتْ لأُخْتِهِ قُصيهِ أي انظري ماذا يفعلون به.
20722ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ وَقالَتْ لاِخْتِهِ قُصّيهِ يعنـي: قصي أثره.
20723ـ حدثنـي العبـاس بن الولـيد, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد, قال: حدثنا القاسم بن أبـي أيوب, قال: ثنـي سعيد بن جُبـير, عن ابن عبـاس وَقالَتْ لأُخْتِهِ قُصيّهِ أي قصي أثره واطلبـيه هل تسمعين له ذكرا, أحيّ ابنـي أو قد أكلته دوابّ البحر وحيتانه؟ ونَسيتِ الذي كان الله وعدها. وقوله: فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ يقول تعالـى ذكره: فقصت أخت موسى أثره, فبصرت به عن جُنُب: يقول فبصرت بـموسى عن بُعد لـم تدن منه ولـم تقرب, لئلا يعلـم أنها منه بسبـيـل. يقال منه: بصرت به وأبصرته, لغتان مشهورتان, وأبصرت عن جنب, وعن جنابة, كما قال الشاعر:
أتَـيْتُ حُرَيْثا زَائِرا عَنْ جَنابَةٍفَكانَ حُرَيْثٌ عَنْ عَطائي جاحِدَا
يعنـي بقوله: عن جنابة: عن بُعد. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20724ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسي وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: عَنْ جُنُبٍ قال: بُعد.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد عَنْ جُنُبٍ قال: عن بُعد. قال ابن جُرَيج عَنْ جُنُبٍ قال: هي علـى الـحدّ فـي الأرض, وموسى يجري به النـيـل وهما متـحاذيان كذلك تنظر إلـيه نظرة, وإلـى الناس نظرة, وقد جعل فـي تابوت مقـيّر ظهره وبطنه, وأقـفلته علـيه.
20725ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي سفـيان, عن معمر, عن قَتادة: فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ يقول: بصرت به وهي مـحاذيته لـم تأته.
20726ـ حدثنـي العبـاس بن الولـيد, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد, قال: ثنـي القاسم بن أبـي أيوب, قال: ثنـي سعيد بن جُبـير, عن ابن عبـاس فَبَصُرَتُ بِهِ عَنْ جُنُبٍ والـجنب: أن يسمو بصر الإنسان إلـى الشيء البعيد, وهو إلـى جنبه لا يشعر به.
وقوله: وَهُمْ لا يَشْعَرُونَ يقول: وقوم فرعون لا يشعرون بأخت. موسى أنها أخته. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20727ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال: آل فرعون.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
20728ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أنها أخته, قال: جعلت تنظر إلـيه كأنها لا تريده.
20729ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أنها أخته.
20730ـ حدثنا حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أي لا يعرفون أنها منه بسبـيـل.
الآية : 12
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَحَرّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَىَ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ومنعنا موسى الـمراضع أن يرتضع منهنّ من قبل أمه. ذكر أن أختا لـموسى هي التـي قالت لاَل فرعون: هَلْ أدُلكُمْ عَلـى أهْلِ بَـيْتٍ يكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَه ناصِحونَ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20731ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمور, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: أرادوا له الـمرضعات, فلـم يأخذ من أحد من النساء, وجعل النساء يطلبن ذلك لـينزلن عند فرعون فـي الرضاع, فأبى أن يأخذ, فذلك قوله: وَحَرّمْنا عَلَـيْهِ الـمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ أخته هَلْ أدُلكُمْ عَلـىْ أهْلِ بَـيْتٍ يكْفُلُونه لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ فلـما جاءت أمه أخذ منها.
20732ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَحَرّمْنا عَلَـيْهِ الـمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ قال: لا يقبل ثدي امرأة حتـى يرجع إلـى أمه.
20733ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن حسان, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس وَحَرّمْنا عَلَـيْهِ الـمَرَاضعَ مِنْ قَبْلُ قال: كان لا يؤتـى بـمرضع فـيقبلها.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قوله: وَحَرّمْنا عَلَـيْهِ الـمَرَاضِعَ مِنْ قَبْل قال: لا يرضع ثدي امرأة حتـى يرجع إلـى أمه.
20734ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وَحَرّمْنا عَلَـيْهِ الـمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ قال: جعل لا يؤتـى بـامرأة إلا لـم يأخذ ثديها, قال: فَقَالَتْ أخته هَلْ أدُلّكُمْ علـى أهْلِ بَـيْتٍ يكْفُلُونَه لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ.
20735ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: جمعوا الـمراضع حين ألقـى الله مـحبتهم علـيه, فلا يؤتـى بـامرأة فـيقبل ثديها فـير مضهم ذلك, فـيؤتـي بـمرضع بعد مرضع, فلا يقبل شيئا منهنّ فَقَالَتْ لهم أخته حين رأيت من وجدهم به, وحرصهم علـيه هَلْ أدُلُكُمْ عَلـى أهْلِ بَـيْتٍ يكْفُلُونَهُ لَكُمْ, ويعنـي بقوله يكْفُلُونَهُ لَكُمْ: يضمونه لكم. وقوله: وَهُمْ لَهُ ناصِحونَ ذكر أنها أخذت, فقـيـل: قد عرفته, فقالت: إنـما عنـيت أنهم للـملك ناصحون. ذكر من قال ذلك:
20736ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: لـما قالت أخته هَلْ أدُلّكُمْ عَلـى أهْلِ بَـيْتٍ يكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ أخذوها, وقالوا: إنك قد عَرَفت هذا الغلام, فدلـينا علـى أهله, فقالت: ما أعرفه, ولكنـي إنـما قلت: هم للـملك ناصحون.
20737ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله هَلْ أدُلّكُمْ عَلـى أهْلِ بَـيْتٍ يكْفُلونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحونَ قال: فعِلْقُوها حين قالت: وهم له ناصحون, قالوا: قد عرفته, قالت: إنـما أردت هم للـملك ناصحون.
20738ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق وَهُمْ لَهُ ناصحون أي لـمنزلته عندكم, وحرصكم علـى مسرّة الـملك, قالوا: هاتـي.
الآية : 13
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَىَ أُمّهِ كَيْ تَقَرّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: فَرَدَدْنَا موسى إلَـى أُمّهِ بعد أن التقطه آل فرعون, لتقرّ عينها بـابنها, إذ رجع إلـيها سلـيـما من قَتل فرعون وَلا تَـحْزَنْ علـى فراقه إياها وَلِتَعْلَـمَ أنّ وَعْدَ اللّهِ الذي وعدها إذ قال لها فإذَا خِفْتِ عَلَـيْهِ فأَلْقِـيهِ فِـي الْـيَـمّ وَلا تَـخافِـي وَلا تَـحْزَنِـي... الاَية, حقّ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20739ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة فَرَدَدْناهُ إلـى أُمّهِ فقرأ حتـى بلغ لا يَعْلَـمُونَ ووعدها أنه رادّه إلـيها وجاعله من الـمرسلـين, ففعل الله ذلك بها.
وقوله: وَلكِنّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ يقول تعالـى ذكره: ولكن أكثر الـمشركين لا يعلـمون أن وعد الله حقّ, لا يصدّقون بأن ذلك كذلك