تفسير الطبري تفسير الصفحة 391 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 391
392
390
 الآية : 44
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىَ مُوسَى الأمْرَ وَمَا كنتَ مِنَ الشّاهِدِينَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وَمَا كُنْتَ يا مـحمد بِجَانِب غربـيّ الـجبل إذْ قَضَيْنا إلـى مُوسَى الأمْرَ يقول: إذ فرضنا إلـى موسى الأمر فـيـما ألزمناه وقومه, وعهدنا إلـيه من عهد وَما كُنْتَ مِنَ الشّاهِدِينَ يقول: وما كنت لذلك من الشاهدين. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20919ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: وَما كُنْتَ يا مـحمد بِجانِبِ الغَرْبِـيّ يقول: بجانب غربـي الـجبل إذْ قَضَيْنا إلـى مُوسَى الأَمْرَ.
20920ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: غربـيّ الـجبل.
20921ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا الضحاك بن مخـلد, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن علـيّ بن مدرك, عن أبـي زرعة بن عمرو, قال: إنكم أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم قد أجبتـم قبل أن تسألوا, وقرأ: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الغَرْبِـيّ إذْ قَضَيْنا إلـى مُوسَى الأَمْرَ.
الآية : 45
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَكِنّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِيَ أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ }.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وَلَكِنّا أنْشأنا قُرُونا ولكنا خـلقنا أمـما فأحدثناها من بعد ذلك فَتَطاوَلَ عَلَـيْهِمُ العُمُرُ. وقوله: وَما كُنْتَ ثاوِيا فِـي أهْلِ مَدْيَنَ يقول: وما كنت مقـيـما فـي أهل مدين, يقال: ثويت بـالـمكان أثْوِي به ثَواء, قال أعشي ثعلبة:
أثْوَى وَقَصّرَ لَـيْـلَهُ لِـيُزَوّدا فَمَضَى وأخْـلَفَ مِنْ قُتَـيْـلَةَ مَوْعِدَا
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20922ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَما كُنْتَ ثاوِيا فِـي أهْلِ مَدْيَنَ قال: الثاوي: الـمقـيـم تَتْلُوا عَلَـيْهِمْ آياتِنا يقول: تقرأ علـيهم كتابنا وَلَكِنّا كُنّا مُرْسِلِـينَ يقول: لـم تشهد شيئا من ذلك يا مـحمد, ولكنا كنا نـحن نفعل ذلك ونرسل الرسل.
الآية : 46
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَـَكِن رّحْمَةً مّن رّبّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مّآ أَتَاهُم مّن نّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وما كنت يا مـحمد بجانب الـجبل إذ نادينا موسى بأن سأَكْتُبُها لِلّذِينَ يَتّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزّكاةَ, وَالّذِينَ هُمْ بآياتِنا يُؤْمِنُونَ. الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِـيّ الأُمّيّ... الاَية, كما:
20923ـ حدثنا عيسى بن عثمان بن عيسى الرملـي, قال: حدثنا يحيى بن عيسى, عن الأعمش, عن علـيّ بن مدرك, عن أبـي زُرعة, فـي قول الله: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطورِ إذْ نادَيْنا قال: نادى يا أمة مـحمد أعطيتكم قبل أن تسألونـي, وأجبتكم قبل أن تدعونـي.
20924ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطورِ إذْ نادَيْنا قال: نُودوا: يا أمة مـحمد أعطيتكم قبل أن تسألونـي, واستـجبت لكم قبل أن تَدْعُونـي.
20925ـ حدثنـي ابن وكيع, قال: حدثنا حرملة بن قـيس النـخعيّ, قال: سمعت هذا الـحديث من أبـي زُرْعة بن عمرو بن جرير, عن أبـي هريرة وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطّورِ إذْ نادَيْنا قال: نودوا يا أمة مـحمد أعطيتكم قبل أن تسألونـي, واستـجبت لكم قبل أن تدعونـي.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا معتـمر عن سلـيـمان, وسفـيان عن سلـيـمان, وحجاج, عن حمزة الزيات, عن الأعمش, عن علـيّ بن مدرك, عن أبـي زرعة بن عمرو, عن أبـي هريرة, فـي قوله: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطورِ إذْ نادَيْنا قال: نُودوا يا أمة مـحمد أعطيتكم قبل أن تسألونـي, واستـجبت لكم قبل أن تدعونـي, قال: وهو قوله حين قال موسى وَاكْتُبْ لَنا فِـي هَذِهِ الدّنـيْا حَسَنَةً, وفِـي الاَخِرَةٍ... الاَية.
20926ـ قال: ثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج مثل ذلك.
وقوله: وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ يقول تعالـى ذكره: لـم تشهد شيئا من ذلك يا مـحمد فتعلـمه, ولكنا عرفناكه, وأنزلنا إلـيك, فـاقتصصنا ذلك كله علـيك فـي كتابنا, وابتعثناك بـما أنزلنا إلـيك من ذلك رسولاً إلـى من ابتعثناك إلـيه من الـخـلق رحمة منا لك ولهم, كما:
20927ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ ما قصصنا علـيك لِتُنْذِرَ قَوْما... الاَية.
20928ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ قال: كان رحمة من ربك النبوّة.
وقوله: لِتُنْذِرَ قَوْما ما أتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ يقول تعالـى ذكره: ولكن أرسلناك بهذا الكتاب وهذا الدين لتنذر قوما لـم يأتهم من قبلك نذير, وهم العرب الذين بُعث إلـيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, بعثه الله إلـيهم رحمة لـينذرهم بأسه علـى عبـادتهم الأصنام, وإشراكهم به الأوثان والأنداد.
وقوله: لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ يقول: لـيتذكروا خَطأ ما هم علـيه مقـيـمون من كفرهم بربهم, فـينـيبوا إلـى الإقرار لله بـالوحدانـية, وإفراده بـالعبـادة دون كلّ ما سواه من الاَلهة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20929ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ قال: الذي أنزلنا علـيك من القرآن لِتُنْذِرَ قَوْما ما أتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ.
الآية : 47
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْلآ أَن تُصِيبَهُم مّصِيبَةٌ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبّنَا لَوْلآ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولولا أن يقول هؤلاء الذين أرسلتك يا مـحمد إلـيهم, لو حلّ بهم بأسنا, أو أتاهم عذابنا من قبل أن نرسلك إلـيهم علـى كفرهم بربهم, واكتسابهم الاَثام, واجترامهم الـمعاصي: ربنا هلا أرسلت إلـينا رسولاً من قبل أن يحلّ بنا سخطك, وينزل بنا عذابك فنتبع أدلتك, وآي كتابك الذي تنزله علـى رسولك ونكون من الـمؤمنـين بألوهيتك, الـمصدّقـين رسولك فـيـما أمرتنا ونهيتنا, لعاجلناهم العقوبة علـى شركهم من قبل ما أرسلناك إلـيهم, ولكنا بعثناك إلـيهم نذيرا بأسنا علـى كفرهم, لئلا يكون للناس علـى الله حجة بعد الرسل. والـمصيبة فـي هذا الـموضع: العذاب والنقمة. ويعنـي بقوله: بِـمَا قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ بـما اكتسبوا.
الآية : 48
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا جَآءَهُمُ الْحَقّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلآ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىَ أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىَ مِن قَبْلُ قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُواْ إِنّا بِكُلّ كَافِرُونَ }. يقول تعالـى ذكره: فلـما جاء هؤلاء الذين لـم يأتهم من قبلك يا مـحمد نذير فبعثناك إلـيهم نذيرا الـحقّ من عِنْدِنَا, وهو مـحمد صلى الله عليه وسلم بـالرسالة من الله إلـيهم, قالوا تـمْردا علـى الله, وتـماديا فـي الغيّ: هلا أوتـي هذا الذي أرسل إلـينا, وهو مـحمد صلى الله عليه وسلم مثل ما أوتـي موسى بن عمران من الكتاب؟ يقول الله تبـارك وتعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد لقومك من قريش, القائلـين لك لَوْلاَ أُوتِـيَ مِثْلَ ما أُوتِـيَ مُوسَى: أو لـم يكفر الذين علـموا هذه الـحجة من الـيهود بـما أوتـي موسى من قبلك؟. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20930ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: الـيهود تأمر قريشا أن تسأل مـحمدا مثل ما أوتـي موسى, يقول الله لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: قل لقريش يقولوا لهم: أو لـم يكفروا بـما أوتـي موسى من قبل؟.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد قالُوا لَوْلا أُوتِـيَ مِثْلَ ما أُوتِـيَ مُوسَى قال: الـيهود تأمر قريشا, ثم ذكر نـحوه قالوا ساحِرَانِ تَظاهَرَا.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة: «قالُوا ساحِرَانِ تَظاهَرَا» بـمعنى: أو لـم يكفروا بـما أوتـي موسى من قبل, وقالوا له ولـمـحمد صلى الله عليه وسلم فـي قول بعض الـمفسرين, وفـي قول بعضهم لـموسى وهارون علـيهما السلام, وفـي قول بعضهم: لعيسى ومـحمد ساحران تعاونا. وقرأ عامة قرّاء الكوفة: قالُوا سِحْرَانِ تَظاهَرَا بـمعنى: وقالوا للتوراة والفرقان فـي قول بعض أهل التأويـل, وفـي قول بعضهم للإنـجيـل والفُرقان.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك علـى قدر اختلاف القرّاء فـي قراءته. ذكر من قال: عُنِـيَ بـالساحرين اللذين تظاهرا مـحمد وموسى صلـى الله علـيهما:
20931ـ حدثنا سلـيـمان بن مـحمد بن معدي كرب الرعينـي, قال: حدثنا بقـية بن الولـيد, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي حمزة قال: سمعت مسلـم بن يسار, يحدّث عن ابن عبـاس, فـي قول الله ساحِرانِ تَظاهَرَا قال: موسى ومـحمد.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي حمزة, قال: سمعت مسلـم ابن يسار, قال: سألت ابن عبـاس, عن هذه الاَية ساحِرَانِ تَظاهَرَا قال: موسى ومـحمد.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن شعبة, عن أبـي حمزة, عن مسلـم بن يسار, أن ابن عبـاس, قرأ ساحِرَانِ قال موسى ومـحمد علـيهما السلام.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن شعبة, عن كيسان أبـي حمزة, عن مسلـم بن يسار, عن ابن عبـاس, مثله.
ومن قال: موسى وهارون علـيهما السلام:
20932ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله ساحِرانِ تَظاهَرَا قال: الـيهودُ لـموسى وهارون.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد قالُوا ساحِرَانِ تَظاهَرَا قول يهودَ لـموسى وهارون علـيهما السلام.
20933ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا إسماعيـل بن أبـي خالد, عن سعيد بن جُبَـير وأبـي رزين أن أحدهما قرأ: «ساحِرَانِ تَظاهَرَا», والاَخر: سِحْرَانِ, قال: الذي قرأ سِحْرَانِ قال: التوراة والإنـجيـل. وقال: الذي قرأ: «ساحِرَانِ» قال: موسى وهارون.
وقال آخرون: عنوا بـالساحرين: عيسى ومـحمدا صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
20934ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن الـحسن, قوله: ساحِرَانِ تَظاهَرَا قال: عيسى ومـحمد, أو قال موسى صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال: عنوا بذلك التوراة والفرقان, ووجه تأويـله إلـى قراءة من قرأ سِحْرَانِ تَظاهَرَا:
20935ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: سِحْرانِ تَظاهَرَا يقول: التوراة والقرآن.
20936ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قالُوا سِحْرَانِ تَظاهَرَا يعنـي: التوراة والفرقان.
20937ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: قالُوا سِحْرَانِ تَظاهَرَا قال: كتاب موسى, وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال: عنوا به التوراة والإنـجيـل:
20938ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عُلَـية, عن حميد الأعرج, عن مـجاهد, قال: كنت إلـى جنب ابن عبـاس وهو يتعوّذ بـين الركن والـمقام, فقلت: كيف تقرأ سِحْران, أو ساحران؟ فلـم يردّ علـيّ شيئا, فقال عكرِمة: ساحران, وظننت أنه لو كره ذلك أنكره علـيّ. قال حميد: فلقـيت عكرِمة بعد ذلك فذكرت ذلك له, وقلت: كيف كان يقرؤها؟ قال: كان يقرأ سِحْرانِ تَظاهَرَا أي التوراة والإنـجيـل. ذكر من قال: عنوا به الفرقان والإنـجيـل:
20939ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبـيد, عن الضحاك, أنه قرأ سِحْرانِ تظَاهَرا يعنون الإنـجيـل والفرقان.
20940ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله قالُوا سِحْرَانِ تَظاهَرَا قالت ذلك أعداء الله الـيهود للإنـجيـل والفرقان, فمن قال ساحِرَانِ فـيقول: مـحمد, وعيسى ابن مريـم.
قال أبو جعفر: وأولـى القراءتـين فـي ذلك عندك بـالصواب, قراءة من قرأه قالُوا سِحْرَانِ تَظاهَرَا بـمعنى: كتاب موسى وهو التوراة, وكتاب عيسى وهو الإنـجيـل.
وإنـما قلنا: ذلك أولـى القراءتـين بـالصواب, لأن الكلام من قبله جرى بذكر الكتاب, وهو قوله: وَقالُوا لَوْلا أُوتِـيَ مثْلَ ما أُوتِـيَ مُوسَى والذي يـلـيه من بعده ذكر الكتاب, وهو قوله: فَأْتُوا بكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللّهِ هُوَ أهْدَى مِنْهُما أتّبِعْهُ فـالذي بـينهما بأن يكون من ذكره أولـى وأشبه بأن يكون من ذكر غيره. وإذ كان ذلك هو الأولـى بـالقراءة, فمعلوم أن معنى الكلام: قل يا مـحمد: أَوَ لـم يكفر هؤلاء الـيهود بـما أوتـي موسى من قبل, وقالوا لـما أوتـي موسى من الكتاب وما أوتـيته أنت, سحران تعاونا.
وقوله: وَقالُوا إنّا بِكُلّ كافِرُونَ يقول تعالـى ذكره: وقالت الـيهود: إنا بكلّ كتاب فـي الأرض من توراة وإنـجيـل, وزبور وفرقان كافرون. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال بعض أهل التأويـل, وخالفه فـيه مخالفون. ذكر من قال مثل الذي قلنا فـي ذلك:
20941ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: إنّا بكُلّ كافِرُونَ قالوا: نكفر أيضا بـما أوتـي مـحمد.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد وَقالُوا إنّا بكُلَ كافِرُونَ قال الـيهود أيضا: نكفر بـما أوتـي مـحمد أيضا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وقالوا إنا بكلّ الكتابـين الفرقان والإنـجيـل كافرون. ذكر من قال ذلك:
20942ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبـيد, عن الضحاك وَقالُوا إنّا بكُلّ كافِرونَ يقول: بـالإنـجيـل والقرآن.
حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله وَقالُوا إنّا بِكُلَ كافِرُونَ: يعنون الإنـجيـل والفرقان.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس وَقالُوا إنّا بِكُلَ كافِرُونَ قال: هم أهل الكتاب, يقول: بـالكتابـين: التوراة والفُرقان.
20943ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله وَقالُوا إنّا بِكُلَ كافِرُونَ الذي جاء به موسى, والذي جاء به مـحمد صلى الله عليه وسلم.

الآية : 49
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مّنْ عِندِ اللّهِ هُوَ أَهْدَىَ مِنْهُمَآ أَتّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد للقائِلـين للتوراة والإنـجيـل: هما سحران تظاهرا: ائتوا بكتاب من عند الله, هو أهدى منهما لطريق الـحقّ, ولسبـيـل الرشاد أتّبِعْهُ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ فِـي زعمكم أن هذين الكتابـين سحران, وأن الـحقّ فـي غيرهما. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20944ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قال: فقال الله تعالـى قُلْ فَأْتُوا بكِتابِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ هُوَ أهْدَى مِنْهُما... الاَية.
20945ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فقال الله ائْتُونِـي بكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللّهِ هُوَ أهْدَى مِنْهُما من هذين الكتابـين الذي بعث به موسى, والذي بعث به مـحمد صلى الله عليه وسلم.

الآية : 50
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإِن لّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَاعْلَمْ أَنّمَا يَتّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَمَنْ أَضَلّ مِمّنْ اتّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ اللّهِ إِنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: فإن لـم يجبك هؤلاء القائلون للتوراة والإنـجيـل: سحران تظاهرا, الزاعمون أن الـحقّ فـي غيرهما, من الـيهود يا مـحمد, إلـى أن يأتوك بكتاب من عند الله, هو أهدى منهما, فـاعلـم أنـما يتبعون أهواءهم, وأن الذي ينطقون به, ويقولون فـي الكتابـين, قول كذب وبـاطل, لا حقـيقة له, ولعل قائلاً أن يقول: أو لـم يكن النبـيّ صلى الله عليه وسلم يعلـم أن ما قال القائلون من الـيهود وغيرهم فـي التوراة والإنـجيـل من الإفك والزور, الـمسموهما سحرين: بـاطل من القول, إلاّ بأن لا يجيبوه إلـى إتـيانهم بكتاب هو أهدى منهما؟ قـيـل: هذا كلام خرج مخرج الـخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم, والـمراد به الـمقول لهم أو لـم يكفروا بـما أوتـي موسى من قبل من كفـار قريش, وذلك أنه قـيـل للنبـيّ صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد لـمشركي قريش: أو لـم يكفر هؤلاء الذين أمروكم أن تقولوا: هلا أوتـي مـحمد مثل ما أوتـي موسى, بـالذي أوتـي موسى من قبل هذا القرآن, ويقولوا للذي أنزل علـيه وعلـى عيسى سِحْرَانِ تَظاهَرَا فقولوا لهم إن كنتـم صادقـين أن ما أوتـي موسى وعيسى سحر, فأتونـي بكتاب من عند الله, هو أهدى من كتابـيهما, فإن هم لـم يجيبوكم إلـى ذلك فـاعلـموا أنهم كذبة, وأنهم إنـما يتبعون فـي تكذيبهم مـحمدا, وما جاءهم به من عند الله أهواء أنفسهم, ويتركون الـحقّ وهم يعلـمون. يقول تعالـى ذكره: ومن أضلّ عن طريق الرشاد, وسبـيـل السداد مـمن اتبع هوى نفسه بغير بـيان من عند الله, وعهد من الله, ويترك عهد الله الذي عهده إلـى خـلقه فـي وحيه وتنزيـله إنّ اللّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالـمِينَ يقول تعالـى ذكره: إن الله لا يوفق لإصابة الـحقّ وسبـيـل الرشد القوم الذين خالفوا أمر الله وتركوا طاعته, وكذّبوا رسوله, وبدّلوا عهده, واتبعوا أهواء أنفسهم إيثارا منهم لطاعة الشيطان علـى طاعة ربهم