تفسير الطبري تفسير الصفحة 401 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 401
402
400
 الآية : 39
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مّوسَىَ بِالْبَيّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُواْ فِي الأرْضِ وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: واذكر يا مـحمد قارون وفرعون وهامان, ولقد جاء جميعهم موسى بـالبـيّنات, يعنـي بـالواضحات من الاَيات, فـاستكبروا فـي الأرض عن التصديق بـالبـينات من الاَيات, وعن اتبـاع موسى صلوات الله علـيه وما كانوا سابقـين: يقول تعالـى ذكره: وما كانوا سابقـينا بأنفسهم, فـيفوتونا, بل كنا مقتدرين علـيهم.
الآية : 40
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَكُلاّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مّنْ أَخَذَتْهُ الصّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ وَمِنْهُمْ مّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـَكِن كَانُوَاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: فأخذنا جميع هذه الأمـم التـي ذكرناها لك يا مـحمد بعذابنا فَمِنْهُمْ مَنْ أرْسَلْنا عَلَـيْهِ حاصِبـا وهم قوم لُوط, الذين أمطر الله علـيهم حجارة من سجِيـل مَنضُود, والعرب تسمي الريح العاصف التـي فـيها الـحصى الصغار أو الثلـج أو البَرَد والـجلـيد حاصبـا ومنه قول الأخطل:
وَلقدْ عَلِـمْتُ إذا العِشارُ تَرَوّحَتْهَدَجَ الرّئالِ يَكُبّهُنّ شَمالا
تَرْمي العِضَاهَ بحاصِبٍ مِن ثَلْـجِهاحتـى يَبِـيتَ علـى العِضَاهِ جُفـالا
وقال الفرزدق:
مُسْتَقْبِلِـينَ شَمالَ الشّأْمِ تَضْرِبُنابحاصِبٍ كَنَدِيفِ القُطْنِ مَنْثُورِ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21141ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عبـاس: فَمِنْهُمْ مَنْ أرْسَلْنا عَلَـيْهِ حاصِبـا قوم لوط.
21142ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة فَمِنْهُمْ مَنْ أرْسَلْنا عَلَـيْهِ حاصبـا وهم قوم لوط. وَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ الصّيْحَةُ. اختلف أهل التأويـل فـي الذين عُنوا بذلك, فقال بعضهم: هم ثمود قوم صالـح. ذكر من قال ذلك:
21143ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عبـاس وَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ الصّيْحَةُ ثمود.
وقال آخرون: بل هم قوم شعيب. ذكر من قال ذلك:
21144ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ الصّيْحَةُ قوم شعيب.
والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن الله قد أخبر عن ثمود وقوم شعيب من أهل مدين أنه أهلكهم بـالصيحة فـي كتابه فـي غير هذا الـموضع, ثم قال جلّ ثناؤه لنبـيه صلى الله عليه وسلم: فمن الأمـم التـي أهلكناهم من أرسلنا علـيهم حاصبـا, ومنهم مَنْ أخذته الصيحة, فلـم يخصُصِ الـخبر بذلك عن بعض مَنْ أخذته الصيحة من الأمـم دون بعض, وكلا الأمتـين أعنـي ثمود ومَدين قد أخذتهم الصّيحة.
وقوله: وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الأرْضَ: يعنـي بذلك قارون. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21145ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عبـاس: وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الأرْضِ قارون وَمِنْهُمْ مَنْ أغْرَقْنا يعنـي: قوم نوح وفرعون وقومه.
واختلف أهل التأويـل فـي ذلك, فقال بعضهم: عُنـي بذلك: قومُ نوح علـيه السلام. ذكر من قال ذلك:
21146ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عبـاس: وَمِنْهُمْ مَنْ أغْرَقْنا قومُ نوح.
وقال آخرون: بل هم قوم فرعون. ذكر من قال ذلك:
21147ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وَمِنْهُمْ مَنْ أغْرَقْنا قوم فرعون.
والصواب من القول فـي ذلك, أن يُقال: عُنـي به قوم نوح وفرعونُ وقومه, لأن الله لـم يخصص بذلك إحدى الأمتـين دون الأخرى, وقد كان أهلكهما قبل نزول هذا الـخبر عنهما, فهما مَعْنـيتان به.
وقوله: وَما كانَ اللّهُ لِـيَظْلِـمَهُمْ وَلَكِنْ كانُوا أنْفُسَهُمْ يَظْلِـمُونَ يقول تعالـى ذكره: ولـم يكن الله لـيهلك هؤلاء الأمـم الذين أهلكهم بذنوب غيرهم, فـيظلـمَهم بإهلاكه إياهم بغير استـحقاق, بل إنـما أهلكهم بذنوبهم, وكفرهم بربهم, وجحودهم نعمه علـيهم, مع تتابع إحسانه علـيهم, وكثرة أياديه عندهم, ولكن كانوا أنفسهم يظلـمون بتصرّفهم فـي نعم ربهم, وتقلبهم فـي آلائه وعبـادتهم غيره, ومعصيتهم من أنعم علـيهم.
الآية : 41
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مَثَلُ الّذِينَ اتّخَذُواْ مِن دُونِ اللّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: مثل الذين اتـخذوا الاَلهة والأوثان من دون الله أولـياء يرجون نَصْرها ونفعها عند حاجتهم إلـيها فـي ضعف احتـيالهم, وقبح رواياتهم, وسوء اختـيارهم لأنفسهم, كمَثلِ العنكبوت فـي ضعفها, وقلة احتـيالها لنفسها, اتـخذت بـيتا لنفسها, كيـما يُكِنّها, فلـم يغن عنها شيئا عند حاجتها إلـيه, فكذلك هؤلاء الـمشركون لـم يغن عنهم حين نزل بهم أمر الله, وحلّ بهم سخطه أولـياؤُهم الذين اتـخذوهم من دون الله شيئا, ولـم يدفعوا عنهم ما أحلّ الله بهم من سخطه بعبـادتهم إياهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21148ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله مَثَلُ الّذِينَ اتّـخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أوْلِـياءَ كمَثَلِ العَنْكَبُوتِ اتّـخَذَتْ بَـيْتا... إلـى آخر الاَية, قال: ذلك مثل ضربه الله لـمن عبد غيره, إن مثله كمثل بـيت العنكبوت.
21149ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله مَثَلُ الّذِينَ اتّـخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أوْلـياءَ كمَثَلِ العَنْكَبُوتِ قال: هذا مثل ضربه الله للـمشرك مثَلُ إلهه الذي يدعوه من دون الله كمثل بـيت العنكبوت واهن ضعيف لا ينفعه.
21150ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله مَثَلُ الّذِينَ اتّـخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أوْلِـياء كمَثَلِ العَنْكَبُوتِ اتّـخَذَتْ بَـيْتا قال: هذا مثل ضربه الله, لا يغنـي أولـياؤهم عنهم شيئا كما لا يغنـي العنكبوت بـيتها هذا.
وقوله: وإنّ أوْهَنَ البُـيُوتِ يقول: وإن أضعف البـيوت لَبَـيْتُ العَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَـمُونَ يقول تعالـى ذكره: لو كان هؤلاء الذين اتـخذوا من دون الله أولـياء, يعلـمون أن أولـياءهم الذين اتـخذوهم من دون الله فـي قلة غنائهم عنهم, كغناء بـيت العنكبوت عنها, ولكنهم يجهلون ذلك, فـيحسبون أنهم ينفعونهم ويقرّبونهم إلـى الله زلفـى.
الآية : 42 -43
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاّ الْعَالِمُونَ }.
اختلف القرّاء فـي قراءة قوله: إنّ اللّهَ يَعْلَـمُ ما يدْعُونَ فقرأته عامة قرّاء الأمصار «تَدْعُونَ» بـالتاء بـمعنى الـخطاب لـمشركي قريش إنّ اللّهَ أيها الناس «يَعْلَـمُ ما تَدْعُونَ إلَـيْهِ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ». وقرأ ذلك أبو عمرو: إنّ اللّهَ يَعْلَـمُ ما يَدْعُونَ بـالـياء بـمعنى الـخبر عن الأمـم, إن الله يعلـم ما يدعو هؤلاء الذين أهلكناهم من الأمـم من دونه من شيء.
والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا, قراءة من قرأ بـالتاء, لأن ذلك لو كان خبرا عن الأمـم الذين ذكر الله أنه أهلكهم, لكان الكلام: إن الله يعلـم ما كانوا يدعون, لأن القوم فـي حال نزول هذا الـخبر علـى نبـيّ الله لـم يكونوا موجودين, إذ كانوا قد هلكوا فبـادوا, وإنـما يقال: إن الله يعلـم ما تدعون إذا أريد به الـخبر عن موجودين, لا عمن قد هلك.
فتأويـل الكلام إذ كان الأمر كما وصفنا: إن الله يعلـم أيها القوم حال ما تعبدون من دونه من شيء, وأن ذلك لا ينفعكم ولا يضرّكم, إن أراد الله بكم سوءا, ولا يغنـي عنكم شيئا وإن مثله فـي قلة غنائه عنكم, مَثَلُ بـيت العنكبوت فـي غنَائه عنها.
وقوله: وَهُوَ العَزِيزُ الـحَكِيـمُ يقول: والله العزيز فـي انتقامه مـمن كفر به, وأشرك فـي عبـادته معه غيره فـاتقوا أيها الـمشركون به عقابه بـالإيـمان به قبل نزوله بكم, كما نزل بـالأمـم الذين قصّ الله قصصهم فـي هذه السورة علـيكم, فإنه إن نزل بكم عقابُه لـم تغن عنكم أولـياؤكم الذين اتـخذتـموهم من دونه أولـياء, كما لـم يُغْنِ عنهم من قبلكم أولـياؤهم الذين اتـخذوهم من دونه, الـحكيـم فـي تدبـيره خـلقه, فمُهلك من استوجب الهلاك فـي الـحال التـي هلاكه صلاح, والـمؤخر من أخّر هلاكه من كفرة خـلقه به إلـى الـحين الذي فـي هلاكه الصلاح.
وقوله: وَتِلكَ الأَمْثالُ نَضْرِبُها للنّاسِ يقول تعالـى ذكره: وهذه الأمثال, وهي الأشبـاه والنظائر نضربها للناس يقول: نـمثلها ونشبهها ونـحتـجّ بها للناس, كما قال الأعشى:
هَلْ تَذْكُرَ العَهْدَ مِنْ تَنَـمّصَ إذْتَضْرِبُ لـي قاعِدا بِها مَثَلا
وَما يَعْقلُها إلاّ العالِـمُونَ يقول تعالـى ذكره: وما يعقل أنه أصيب بهذه الأمثال التـي نضربها للناس منهم الصواب والـحقّ فـيـما ضربت له مثلاً إلاّ العالـمون بـالله وآياته.

الآية : 44
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {خَلَقَ اللّهُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقّ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّلْمُؤْمِنِينَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: خـلق الله يا مـحمد السموات والأرض وحده منفردا بخـلقها, لا يشركه فـي خـلقها شريك إنّ فِـي ذلكَ لاَيَةً: يقول إن فـي خـلقه ذلك لـحجة لـمن صدق بـالـحجج إذا عاينها, والاَيات إذا رآها.
الآية : 45
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصّلاَةَ إِنّ الصّلاَةَ تَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللّهِ أَكْبَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم اتْلُ يعنـي اقرأ ما أُوحِيَ إلَـيْكَ مِنَ الكِتابِ يعنـي ما أنزل إلـيك من هذا القرآن وأقِمِ الصّلاة يعنـي: وأدّ الصلاة التـي فرضها الله علـيك بحدودها إنّ الصّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ وَالـمُنْكَر.
اختلف أهل التأويـل فـي معنى الصلاة التـي ذكرت فـي هذا الـموضع, فقال بعضهم: عنى بها القرآن الذي يقرأ فـي موضع الصلاة, أو فـي الصلاة. ذكر من قال ذلك:
21151ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن أبـي الوفـاء, عن أبـيه, عن ابن عمر إنّ الصّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ وَالـمُنْكَرِ قال: القرآن الذي يقرأ فـي الـمساجد.
وقال آخرون: بل عنى بها الصلاة. ذكر من قال ذلك:
21152ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله إنّ الصّلاة تَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ وَالـمُنْكَرِ يقول: فـي الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا خالد بن عبد الله, عن العلاء بن الـمسيب, عمن ذكره, عن ابن عبـاس, فـي قول الله إنّ الصّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ وَالـمُنْكَرِ من لـم تنهه صلاته عن الفحشاء والـمنكر لـم يزدد بصلاته إلاّ بُعْدا.
21153ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا خالد, قال: قال العلاء بن الـمسيب, عن سمرة بن عطية, قال: قـيـل لابن مسعود, إن فلانا كثـير الصلاة, قال: فإنها لا تنفع إلاّ من أطاعها.
قال: ثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن مالك بن الـحارث, عن عبد الرحمن بن يزيد, عن ابن مسعود, قال: من لـم تأمره صلاته بـالـمعروف, وتنهه عن الـمنكر, لـم يزدد بها من الله إلاّ بعدا.
21154ـ قال: ثنا الـحسين, قال: حدثنا علـيّ بن هاشم بن البريد, عن جُوَيبر, عن الضحاك, عن ابن مسعود, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا صَلاةَ لِـمَنْ لَـمْ يُطِعِ الصّلاةَ, وَطاعَةُ الصّلاةِ أنْ تَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ وَالـمُنْكَرِ» قال: قال سفـيان قالُوا يا شُعَيْبُ أصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ قال: فقال سفـيان: إي والله تأمره وتنهاه.
21155ـ قال علـي: وحدثنا إسماعيـل بن مسلـم, عن الـحسن, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلـى صَلاةً لَـمْ تَنْهَهُ عَنِ الفَحْشاءِ وَالـمُنْكَرِ لَـمْ يَزْدَدْ بِها مِنَ اللّهِ إلاّ بُعْدا».
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن يونس, عن الـحسن, قال: الصلاة إذا لـم تنهه عن الفحشاء والـمنكر, قال: من تنهه صلاته عن الفحشاء والـمنكر, لـم يزدد من الله إلاّ بعدا.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة والـحسن, قالا: من لـم تنهه صلاته عن الفحشاء والـمنكر, فإنه لا يزداد من الله بذلك إلاّ بعدا.
والصواب من القول فـي ذلك أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والـمنكر, كما قال ابن عبـاس وابن مسعود.
فإن قال قائل: وكيف تنهى الصلاة عن الفحشاء والـمنكر إن لـم يكن معنـيا بها ما يتلـى فـيها؟ قـيـل: تنهى من كان فـيها, فتـحول بـينه وبـين إتـيان الفواحش, لأن شغله بها يقطعه عن الشغل بـالـمنكر, ولذلك قال ابن مسعود: من لـم يطع صلاته لـم يزدد من الله إلاّ بعدا. وذلك أن طاعته لها إقامته إياها بحدودها, وفـي طاعته لها مزدجر عن الفحشاء والـمنكر.
21156ـ حدثنا أبو حميد الـحمصي, قال: حدثنا يحيى بن سعيد العطار, قال: حدثنا أرطاة, عن ابن عون, فـي قول الله إنّ الصّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ والـمُنْكَرِ قال: إذا كنت فـي صلاة, فأنت فـي معروف, وقد حجزتك عن الفحشاء والـمنكر, والفحشاء: هو الزنا. والـمنكر: معاصي الله. ومن أتـى فـاحشة أو عَصَى الله فـي صلاته بـما يفسد صلاته, فلا شكّ أنه لا صلاة له.
وقوله: وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـله, فقال بعضهم: معناه: ولذكر الله إياكم أفضل من ذكركم. ذكر من قال ذلك:
21157ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا عطاء بن السائب, عن عبد الله بن ربـيعة, قال: قال لـي ابن عبـاس: هل تدري ما قوله وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَر قال: قلت: نعم, قال: فما هو؟ قال: قلت: التسبـيح والتـحميد والتكبـير فـي الصلاة, وقراءة القرآن ونـحو ذلك, قال: لقد قلت قولاً عجبـا وما هو كذلك, ولكنه إنـما يقول: ذكر الله إياكم عندما أمر به أو نهى عنه إذا ذكرتـموه أكبر من ذكركم إياه.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن عطاء بن السائب, عن ابن ربـيعة, عن ابن عبـاس قال: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء, عن عبد الله بن ربـيعة, قال: سألنـي ابن عبـاس, عن قول الله وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ فقلت: ذكره بـالتسبـيح والتكبـير والقرآن حسن, وذكره عند الـمـحارم فـيحتـجز عنها, فقال: لقد قلت قولاً عجيبـا وما هو كما قلت, ولكن ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن عطاء بن السائب, عن عبد الله بن ربـيعة, عن ابن عبـاس وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال: ذكر الله للعبد أفضل من ذكره إياه.
21158ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى وابن وكيع, قال ابن الـمثنى: ثنـي عبد الأعلـى, وقال ابن وكيع: حدثنا عبد الأعلـى قال: حدثنا داود, عن مـحمد بن أبـي موسى, قال: كنت قاعدا عند ابن عبـاس, فجاءه رجل, فسأل ابن عبـاس عن ذكر الله أكبر, فقال ابن عبـاس: الصلاة والصوم قال: ذاك ذكر الله, قال رجل: إنـي تركت رجلاً فـي رحلـي يقول غير هذا, قال: وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال: ذكر الله العبـاد أكبر من ذكر العبـاد إياه, فقال ابن عبـاس: صدق والله صاحبك.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب القمي, عن جعفر, عن سعيد بن جُبَـير, قال: جاء رجل إلـى ابن عبـاس, فقال: حدثنـي عن قول الله وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال: ذكر الله لكم أكبر من ذكركم له.
21159ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن داود, عن عكرمة وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال: ذكر الله للعبد أفضل من ذكره إياه.
21160ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعي, قال: حدثنا ابن فضيـل, قال: حدثنا فضيـل بن مرزوق, عن عطية وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال: هو قوله: فـاذْكُرُونِـي أذْكُرْكُمْ وذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس وَلَذِكْرُ اللّهِ لعبـاده إذا ذكروه أكْبَرُ من ذكركم إياه.
21161ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال: ذكر الله عبده أكبر من ذكر العبد ربه فـي الصلاة أو غيرها.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, عن داود بن أبـي هند, عن مـحمد بن أبـي موسى, عن ابن عبـاس, قال: ذكر الله إياكم إذا ذكرتـموه أكبر من ذكركم إياه.
21162ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو تُـمَيْـلة, عن أبـي حمزة, عن جابر, عن عامر, عن أبـي قرة, عن سلـمان, مثله.
21163ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعي, قال: حدثنا أبو أسامة, قال: ثنـي عبد الـحميد بن جعفر, عن صالـح بن أبـي عَريب, عن كثـير بن مرّة الـحضرميّ, قال: سمعت أبـا الدرداء, يقول: «ألا أخبركم بخير أعمالكم وأحبها إلـى ملـيككم, وأرفعها فـي درجاتكم, وخير من أن تغزوا عدوّكم, فتضربوا أعناقهم, وخير من إعطاء الدنانـير والدراهم؟ قالوا: ما هو؟ قال: ذكركم ربكم, وذكر الله أكبر».
21164ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا سفـيان, عن جابر, عن عامر, عن أبـي قرّة, عن سلـمان وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال: قال ذكر الله إياك أكبر من ذكركم إياه.
21165ـ قال: ثنـي أبـي, عن إسرائيـل, عن جابر, عن عامر, قال: سألت أبـا قرة, عن قوله وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
21166ـ قال: ثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن جابر, عن مـجاهد وعكرمة قالا: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
قال: ثنا ابن فضيـل, عن مطرف, عن عطية, عن ابن عبـاس, قال: هو كقوله: فـاذْكُرُونِـي أذْكرْكُمْ فذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
قال: ثنا حسن بن علـيّ, عن زائدة, عن عاصم, عن شقـيق, عن عبد الله ولَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال: ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لربه.
21167ـ قال: ثنا أبو يزيد الرازي, عن يعقوب, عن جعفر, عن شعبة, قال: ذكر الله لكم أكبر من ذكركم له.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولذكركم الله أفضل من كلّ شيء. ذكر من قال ذلك:
21168ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا عمر بن أبـي زائدة, عن العيزار بن حريث, عن رجل, عن سلـمان, أنه سئل: أيّ العمل أفضل؟ قال: أما تقرأ القرآن وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ: لا شيء أفضل من ذكر الله.
21169ـ حدثنا ابن حميد أحمد بن الـمغيرة الـحمصي, قال: حدثنا علـي بن عياش, قال: حدثنا اللـيث, قال: ثنـي معاوية, عن ربـيعة بن يزيد, عن إسماعيـل بن عبـيد الله, عن أمّ الدرداء, أنها قالت: وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ فإن صلـيت فهو من ذكر الله, وإن صمت فهو من ذكر الله, وكلّ خير تعمله فهو من ذكر الله وكل شرّ تـجتنبه فهو من ذكر الله, وأفضل ذلك تسبـيحُ الله.
21170ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال: لا شيء أكبر من ذكر الله, قال: أكبر الأشياء كلها, وقرأ أقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي قال: لذكر الله: وإنه لـم يصفه عند القتال إلاّ أنه أكبر.
21171ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن الأعمش, عن أبـي إسحاق, قال: قال رجل لسلـمان: أيّ العمل أفضل, قال: ذكر الله.
وقال آخرون: هو مـحتـمل للوجهين جميعا, يعنون القول الأوّل الذي ذكرناه والثانـي. ذكر من قال ذلك:
21172ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن خالد, عن عكرِمة, عن ابن عبـاس, فـي قوله وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال: لها وجهان: ذكر الله أكبر مـما سواه, وذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا إسماعيـل بن إبراهيـم, قال: حدثنا خالد الـحذّاء, عن عكرِمة, عن ابن عبـاس فـي: وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال: لها وجهان: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه, وذكر الله عند ما حُرم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لذكر الله العبد فـي الصلاة أكبر من الصلاة. ذكر من قال ذلك:
21173ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبـيد الله, عن إسرائيـل, عن السّدّي عن أبـي مالك, فـي قوله وَلَذِكْرُ اللّهِ أكْبَرُ قال: ذكر الله العبد فـي الصلاة, أكبر من الصلاة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وللصلاة التـي أتـيت أنت بها, وذكرك الله فـيها أكبر مـما نهتك الصلاة من الفحشاء والـمنكر.
21174ـ حدثنـي أحمد بن الـمغيرة الـحمصي, قال: حدثنا يحيى بن سعيد العطار, قال: حدثنا أرطاة, عن ابن عون, فـي قول الله إنّ الصّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ وَالـمُنْكَرِ والذي أنت فـيه من ذكر الله أكبر.
قال أبو جعفر: وأشبه هذه الأقوال بـما دلّ علـيه ظاهر التنزيـل قول من قال: ولذكر الله إياكم أفضل من ذكركم إياه.
وقوله: وَاللّهُ يَعْلَـمُ ما تَصْنَعُونَ يقول: والله يعلـم ما تصنعون أيها الناس فـي صلاتكم من إقامة حدودها, وترك ذلك وغيره من أموركم, وهو مـجازيكم علـى ذلك, يقول: فـاتقوا أن تضيعوا شيئا من حدودها, والله أعلـم