سورة لقمان | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 414 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 414
415
413
الآية : 29
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُولِجُ الْلّيْلَ فِي النّهَارِ وَيُولِجُ النّهَارَ فِي الْلّيْلِ وَسَخّرَ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلّ يَجْرِيَ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى وَأَنّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }.
يقول تعالـى ذكره: ألَـمْ تَرَ يا مـحمد بعينك أنّ اللّهَ يُولِـجُ اللّـيْـلَ فِـي النّهارِ يقول: يزيد من نقصان ساعات اللـيـل فـي ساعات النهار وَيُولِـجُ النّهارَ فِـي اللّـيْـلِ يقول: يزيد ما نقص من ساعات النهار فـي ساعات اللّـيـل. كما:
21438ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: ألَـمْ تَرَ أنّ اللّهَ يُولِـجُ اللّـيْـلَ فِـي النّهارِ نقصان اللـيـل فـي زيادة النهار وَيُولِـجُ النّهار فِـي اللّـيْـلِ نقصان النهار فـي زيادة اللـيـل.
وقوله: وَسَخّر الشّمْسَ والقَمَرَ, كُلّ يَجْرِي إلـى أجَل مُسَمّى يقول تعالـى ذكره: وسخر الشمس والقمر لـمصالـح خـلقه ومنافعهم, كلّ يجري يقول: كلّ ذلك يجري بأمره إلـى وقت معلوم, وأجل مـحدود إذا بلغه, كوّرت الشمس والقمر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21439ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: وَسَخّرَ الشّمْسَ والقَمَرَ كُلّ يَجْرِي إلـى أجَلٍ مُسَمّى يقول: لذلك كله وقت, وحدّ معلوم, لا يجاوزه ولا يعدوه.
وقوله: وَأنّ اللّهَ بـمَا تَعْمَلُونَ خَبِـيرٌ يقول: وإن الله بأعمالكم أيها الناس من خير أو شرّ ذو خبرة وعلـم, لا يخفـى علـيه منها شيء, وهو مـجازيكم علـى جميع ذلك, وخرج هذا الكلام خطابـا لرسول الله صلى الله عليه وسلم, والـمعنـيّ به الـمشركون, وذلك أنه تعالـى ذكره, نبّه بقوله: أنّ اللّهَ يُولِـجُ اللّـيْـلَ فـي النّهارِ, وَيُولِـجُ النّهارَ فِـي اللّـيْـلِ علـى موضع حجته من جهل عظمته, وأشرك فـي عبـادته معه غيره, يدلّ علـى ذلك قوله: ذلكَ بأنّ اللّهَ هُوَ الـحَقّ, وأنّ ما يَدْعُونَ منْ دُونهِ البـاطِلُ.
الآية : 30
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ذَلِكَ بِأَنّ اللّهَ هُوَ الْحَقّ وَأَنّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنّ اللّهَ هُوَ الْعَلِيّ الْكَبِيرُ }.
يقول تعالـى ذكره: هذا الذي أخبرتك يا مـحمد أن الله فعله من إيلاجه اللـيـل فـي النهار, والنهار فـي اللـيـل, وغير ذلك من عظيـم قُدرته, إنـما فعله بأنه الله حقا, دون ما يدعوه هؤلاء الـمشركون به, وأنه لا يقدر علـى فعل ذلك سواه, ولا تصلـح الألوهة إلاّ لـمن فعل ذلك بقُدرته. وقوله: وأنّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ البـاطِلُ يقول تعالـى ذكره: وبأن الذي يعبد هؤلاء الـمشركون من دون الله البـاطل الذي يضمـحلّ, فـيبـيد ويفنـي وأنّ اللّهَ هُوَ العَلِـيّ الكَبِـيرُ يقول تعالـى ذكره: وبأن الله هو العلـيّ, يقول: ذو العلوّ علـى كلّ شيء, وكلّ ما دونه فله متذلل منقاد, الكبـير الذي كل شيء دونه, فله متصاغر.
الآية : 31
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلَمْ تَرَ أَنّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللّهِ لِيُرِيَكُمْ مّنْ آيَاتِهِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّكُلّ صَبّارٍ شَكُورٍ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: ألـم تر يا مـحمد أن السفن تـجري فـي البحر نعمة من الله علـى خـلقه لِـيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ يقول: لـيريكم من عبره وحججه علـيكم إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لِكُلّ صَبّـارٍ شَكُورٍ يقول: إن فـي جري الفلك فـي البحر دلالة علـى أن الله الذي أجراها هو الـحقّ, وأنّ ما يدعون من دونه البـاطللكُلّ صَبّـارٍ شَكُورٍ يقول: لكلّ من صبر نفسه عن مـحارم الله, وشكره علـى نعمه فلـم يكفره.
21440ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قال: كان مطرف يقول: إنّ من أحبّ عبـاد الله إلـيه: الصبّـار الشّكور.
21441ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, قال: الصبر نصف الإيـمان, والشكر نصف الإيـمان, والـيقـين: الإيـمان كله, ألـم تر إلـى قوله: إنّ فِـي ذلك لاَياتٍ لكُلّ صَبّـارٍ شَكُورٍ, إنّ فـي ذلكَ لاَياتٍ للْـمُوقِنـينَ إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ للْـمُؤْمِنـينَ.
21442ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفـيان, عن مغيرة, عن الشعبـيّ إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لكُلّ صَبّـارٍ شَكُور قال: الصبر: نصف الإيـمان, والـيقـين: الإيـمان كله.
إن قال قائل: وكيف خصّ هذه الدلالة بأنها دلالة للصبّـار الشّكور دون سائر الـخـلق؟ قـيـل: لأنّ الصبر والشكر من أفعال ذوي الـحجى والعقول, فأخبر أن فـي ذلك لاَيات لكلّ ذي عقل, لأن الاَيات جعلها الله عبرا لذوي العقول والتـميـيز.
الآية : 32
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مّوْجٌ كَالظّلَلِ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرّ فَمِنْهُمْ مّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وإذا غشى هؤلاء الذين يدعون من دون الله الاَلهة والأوثان فـي البحر, إذا ركبوا فـي الفُلك, موج كالظّل, وهي جمع ظُلّة, شبّه بها الـموج فـي شدة سواد كثرة الـماء قال نابغة بنـي جعدة فـي صفة بحر:
يُـماشِيهِنّ أخْضَرُ ذُو ظِلالٍعَلـى حافـاتِهِ فِلَق الدّنانِ
وشبه الـموج وهو واحد بـالظلل, وهي جماع, لأن الـموج يأتـي شيء منه بعد شيء, ويركب بعضه بعضا كهيئة الظلل. وقوله: دَعَوُا اللّهَ مُخْـلِصِينَ لَهُ الدّينَ يقول تعالـى ذكره: وإذا غشى هؤلاء موج كالظلل, فخافوا الغرق, فزعوا إلـى الله بـالدعاء مخـلصين له الطاعة, لا يشركون به هنالك شيئا, ولا يدعون معه أحدا سواه, ولا يستغيثون بغيره. قوله: فَلَـمّا نَـجّاهُمْ إلـى البَرّ مـما كانوا يخافونه فـي البحر من الغرق والهلاك إلـى البرّ. فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ يقول: فمنهم مقتصد فـي قوله وإقراره بربه, وهو مع ذلك مضمر الكفر به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21443ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ قال: الـمقتصد فـي القول وهو كافر.
21444ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله فَمِنْهُمْ مُقْتَصدٌ قال: الـمقتصد الذي علـى صلاح من الأمر.
وقوله: وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ يقول تعالـى ذكره: وما يكفر بأدلتنا وحججنا إلاّ كلّ غدّار بعهده, والـختر عند العرب: أقبح الغدر ومنه قول عمرو بن معدي كرب:
وَإنّكَ لَوْ رأيْتَ أبـا عُمَيْرٍمَلأْتَ يَدَيْكَ مِنْ غَدْرٍ وَخَتْرِ
وقوله: كَفُورٌ يعنـي: جحودا للنّعم, غير شاكر ما أسدى إلـيه من نعمة. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى الـختار قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21445ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن لـيث, عن مـجاهد كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ قال: كلّ غدّار.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله كُلّ خَتّارٍ قال: غدّار.
21446ـ حدثنـي يعقوب وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن علـية, عن أبـي رجاء, عن الـحسن, فـي قوله وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ قال: غدّار.
21447ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة قوله وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ الـختار: الغدار, كلّ غدار بذمته كفور بربه.
21448ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ قال: كلّ جحاد كفور.
21449ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ قال: الـختار: الغدّار, كما تقول: غدرنـي.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن مسعر, قال: سمعت قَتادة قال: الذي يغدر بعهده.
21450ـ قال: ثنا الـمـحاربـي, عن جُوَيبر, عن الضحاك, قال: الغدّار.
21451ـ قال: ثنا أبـي: عن الأعمش, عن سمر بن عطية الكاهلـي, عن علـيّ رضي الله عنه قال: الـمكر غدر, والغدر كفر.
الآية : 33
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمْ وَاخْشَوْاْ يَوْماً لاّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ فَلاَ تَغُرّنّكُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَلاَ يَغُرّنّكُم بِاللّهِ الْغَرُورُ }. يقول تعالـى ذكره: أيها الـمشركون من قريش, اتقوا الله, وخافوا أن يحلّ بكم سخطه فـي يوم لا يغنى والد عن ولده, ولا مولود هو مغن عن والده شيئا, لأن الأمر يصير هنالك بـيد من لا يغالب, ولا تنفع عنده الشفـاعة والوسائل, إلاّ وسيـلة من صالـح الأعمال التـي أسلفها فـي الدنـيا. وقوله: إنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ يقول: اعلـموا أن مـجيء هذا الـيوم حقّ, وذلك أن الله قد وعد عبـاده ولا خـلف لوعده فَلا تَغُرّنّكُمُ الـحَياةُ الدّنْـيا يقول: فلا تـخدعنكم زينة الـحياة الدنـيا ولذّاتها, فتـميـلوا إلـيها, وتدعوا الاستعداد لـما فـيه خلاصكم من عقاب الله ذلك الـيوم. وقوله: وَلا يَغُرّنّكُمْ بـالله الغَرُورِ يقول: ولا يخدعنّكم بـالله خادع. والغَرور بفتـح الغين: هو ما غرّ الإنسان من شيء, كائنا ما كان شيطانا كان أو إنسانا, أو دنـيا وأما الغُرور بضمّ الغين: فهو مصدر من قول القائل: غررته غرورا. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله وَلا يَغُرّنّكُمْ بـاللّهِ الغَرُور قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21452ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله الغَرُور قال: الشيطان.
21453ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة قوله وَلا يَغُرّنكُمْ بِـاللّهِ الغَرُورُ ذاكم الشيطان.
21454ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد الـمروزي, يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله الغَرُورُ قال: الشيطان.
وكان بعضهم يتأوّل الغَرور بـما:
21455ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن ابن لهيعة, عن عطاء بن دينار, عن سعيد بن جُبَـير, قوله: وَلا يَغُرّنّكُمْ بـاللّهِ الغَرُورُ قال: إن تعمل بـالـمعصية وتتـمنى الـمغفرة.
الآية : 34
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ اللّهَ عِندَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ }.
يقول تعالـى ذكره: يا أيّها النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمْ, وَاخْشَوْا يَوْما لا يَجْزِي وَالدٌ عَنْ وَلَدِهِ, وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئا هو آتـيكم علـم إتـيانه إياكم عند ربكم, لا يعلـم أحد متـى هو جائيكم, لا يأتـيكم إلاّ بغتة, فـاتقوه أن يفجأكم بغتة, وأنتـم علـى ضلالتكم لـم تنـيبوا منها, فتصيروا من عذاب الله وعقابه إلـى ما لا قِبل لكم به وابتدأ تعالـى ذكره الـخبر عن علـمه بـمـجيء الساعة. والـمعنى: ما ذكرت لدلالة الكلام علـى الـمراد منه, فقال: إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ التـي تقوم فـيها القـيامة, لا يعلـم ذلك أحد غيره وينزّلُ الغَيْثَ من السماء, لا يقدر علـى ذلك أحد غيره وَيَعْلَـمُ ما فـي الأرْحامِ أرحام الإناث وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا يقول: وما تعلـم نفس حيّ ماذا تعمل فـي غد, وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْض تَـمُوتُ يقول: وما تعلـم نفس حيّ بأيّ أرض تكون منـيتها إنّ اللّهَ عَلِـيـمٌ خَبِـيرٌ يقول: إن الذي يعلـم ذلك كله, هو الله دون كلّ أحد سواه, إنه ذو علـم بكلّ شيء, لا يخفـى علـيه شيء, خبـير بـما هو كائن, وما قد كان. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21456ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ قال: جاء رجل قال قال أبو جعفر: أحسبه أنا, قال إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ امرأتـي حُبلـى, فأخبرنـي ماذا تلد؟ وبلادنا مـحل جدبة, فأخبرنـي متـى ينزل الغيث؟ وقد علـمت متـى وَلدت, فأخبرنـي متـى أموت, فأنزل الله: إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ, وَيُنَزّلُ الغَيْثَ... إلـى آخر السورة, قال: فكان مـجاهد يقول: هنّ مفـاتـح الغيب التـي قال الله وَعِنْدَهُ مَفـاتِـحُ الغَيْبِ لا يَعْلَـمُها إلاّ هُوَ.
21457ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ... الاَية, أشياء من الغيب, استأثر الله بهنّ, فلـم يطلع علـيهنّ ملَكا مقرّبـا, ولا نبـيا مرسلاً إنّ اللّهَ عِندَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ فلا يدري أحد من الناس متـى تقوم الساعة, فـي أيّ سنة, أو فـي أيّ شهر, أو لـيـل, أو نهار ويُنزّلُ الغَيْثَ فلا يعلـم أحد متـى ينزل الغيث, لـيلاً أو نهارا ينزل؟ وَيَعْلَـمُ ما فِـي الأرْحامِ فلا يعلـم أحد ما فِـي الأرحام, أذكر أو أنثى, أحمر أو أسود, أو ما هو؟ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا خير أم شرّ, ولا تدري يا ابن آدم متـى تـموت؟ لعلك الـميت غدا, لعلك الـمصاب غدا وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَـمُوتُ لـيس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض فـي بحر أو برّ أو سهل أو جبل, تعالـى وتبـارك.
21458ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن الشعبـيّ, قال: قالت عائشة: من قال: إن أحدا يعلـم الغيب إلاّ الله فقد كذب, وأعظمَ الفريةَ علـى الله. قال الله: لاَ يَعْلَـمُ مَنْ فِـي السّمَوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ إلاّ اللّهُ.
21459ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن يونس بن عبـيد, عن عمرو بن شُعيب أن رجلاً قال: يا رسول الله, هل من العلـم علـم لـم تؤته؟ قال: «لَقَدْ أُوتِـيتُ عِلْـما كَثِـيرا, وَعِلْـما حَسَنا», أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاَية: إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ وَيُنَزّلُ الغَيْثَ... إلـى إنّ اللّهَ عَلِـيـمٌ خَبِـيرٌ «لا يَعْلَـمُهُنّ إلاّ اللّهُ تَبـارَكَ وَتَعالـى».
21460ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي عمرو بن مـحمد, عن أبـيه, عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَفـاتِـحُ الغَيْبِ خَمْسَةٌ, ثم قرأ هؤلاء الاَيات إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ... إلـى آخرها».
21461ـ حدثنـي علـيّ بن سهل, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن عبد الله بن دينار, أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَفـاتِـحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَـمُهُنّ إلاّ اللّهُ, إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ, ويُنزّلُ الغَيْثَ, ويَعْلَـمُ ما فِـي الأرْحامِ... الاَية, ثم قال: لا يَعْلَـمُ ما فِـي غَد إلاّ اللّهُ, وَلا يَعْلَـمُ أحَدٌ مَتـى يَنْزِلُ الغَيْثَ إلاّ اللّهُ, وَلا يَعْلَـمُ أحَدٌ مَتـى قِـيامُ السّاعَةِ إلاّ اللّهُ, وَلا يَعْلَـمُ أحَدٌ ما فِـي الأرْحامِ إلاّ اللّهُ, وَلا تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْض تَـمُوتُ.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن عبد الله بن دينار, عن ابن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَفـاتِـحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَـمُها إلاّ اللّهُ: إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ, ويُنَزّلُ الغَيْثَ, وَيَعْلَـمُ ما فِـي الأرْحامِ, وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا, وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَـمُوتُ, إنّ اللّهَ عَلِـيـمٌ خَبِـيرٌ».
21462ـ حدثنا ابن وكيع, قال: ثنـي أبـي, عن مسعر, عن عمرو بن مرّة, عن عبد الله بن سلـمة, عن ابن مسعود قال: كلّ شيء أوتـيه نبـيكم صلى الله عليه وسلم, إلاّ علـم الغيب الـخمس: إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ, ويُنَزّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَـمُ ما فـي الأرْحامِ, وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا, وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَـمُوتُ.
21463ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن ابن أبـي خالد, عن عامر, عن مسروق, عن عائشة, قالت: من حدّثك أنه يعلـم ما فـي غد فقد كذب, ثم قرأت: وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسبُ غَدا.
21464ـ قال: ثنا جرير وابن علـية, عن أبـي خبـاب, عن أبـي زُرعة, عن أبـي هريرة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «خَمْسٌ لا يَعْلَـمُهُنّ إلاّ اللّهُ: إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ, ويُنَزّلُ الغَيْثَ... الاَية».
حدثنـي أبو شُرَحبـيـل, قال: حدثنا أبو الـيـمان, قال: حدثنا إسماعيـل, عن جعفر, عن عمرو بن مرّة, عن عبد الله بن سلـمة, عن ابن مسعود, قال: كلّ شيء قد أوتـي نبـيكم غير مفـاتـح الغيب الـخمس, ثم قرأ هذه الاَية إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ... إلـى آخرها.
وقـيـل: بأيّ أرض تـموت. وفـيه لغة أخرى: «بأيّةِ أرْضٍ» فمن قال: بأيّ أرْضٍ اجتزأ بتأنـيث الأرض من أن يظهر فـي أيّ تأنـيث آخر, ومن قال «بأيّة أرْضٍ» فأنث, أي قال: قد تـجتزىء بأي مـما أضيف إلـيه, فلا بدّ من التأنـيث, كقول القائل: مررت بـامرأة, فـيقال له: بأية, ومررت برجل, فـيقال له بأيّ ويقال: أيّ امرأة جاءتك وجاءك, وأية امرأة جاءتك.
نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة لقمان
415
413
الآية : 29
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُولِجُ الْلّيْلَ فِي النّهَارِ وَيُولِجُ النّهَارَ فِي الْلّيْلِ وَسَخّرَ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلّ يَجْرِيَ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى وَأَنّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }.
يقول تعالـى ذكره: ألَـمْ تَرَ يا مـحمد بعينك أنّ اللّهَ يُولِـجُ اللّـيْـلَ فِـي النّهارِ يقول: يزيد من نقصان ساعات اللـيـل فـي ساعات النهار وَيُولِـجُ النّهارَ فِـي اللّـيْـلِ يقول: يزيد ما نقص من ساعات النهار فـي ساعات اللّـيـل. كما:
21438ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: ألَـمْ تَرَ أنّ اللّهَ يُولِـجُ اللّـيْـلَ فِـي النّهارِ نقصان اللـيـل فـي زيادة النهار وَيُولِـجُ النّهار فِـي اللّـيْـلِ نقصان النهار فـي زيادة اللـيـل.
وقوله: وَسَخّر الشّمْسَ والقَمَرَ, كُلّ يَجْرِي إلـى أجَل مُسَمّى يقول تعالـى ذكره: وسخر الشمس والقمر لـمصالـح خـلقه ومنافعهم, كلّ يجري يقول: كلّ ذلك يجري بأمره إلـى وقت معلوم, وأجل مـحدود إذا بلغه, كوّرت الشمس والقمر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21439ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: وَسَخّرَ الشّمْسَ والقَمَرَ كُلّ يَجْرِي إلـى أجَلٍ مُسَمّى يقول: لذلك كله وقت, وحدّ معلوم, لا يجاوزه ولا يعدوه.
وقوله: وَأنّ اللّهَ بـمَا تَعْمَلُونَ خَبِـيرٌ يقول: وإن الله بأعمالكم أيها الناس من خير أو شرّ ذو خبرة وعلـم, لا يخفـى علـيه منها شيء, وهو مـجازيكم علـى جميع ذلك, وخرج هذا الكلام خطابـا لرسول الله صلى الله عليه وسلم, والـمعنـيّ به الـمشركون, وذلك أنه تعالـى ذكره, نبّه بقوله: أنّ اللّهَ يُولِـجُ اللّـيْـلَ فـي النّهارِ, وَيُولِـجُ النّهارَ فِـي اللّـيْـلِ علـى موضع حجته من جهل عظمته, وأشرك فـي عبـادته معه غيره, يدلّ علـى ذلك قوله: ذلكَ بأنّ اللّهَ هُوَ الـحَقّ, وأنّ ما يَدْعُونَ منْ دُونهِ البـاطِلُ.
الآية : 30
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ذَلِكَ بِأَنّ اللّهَ هُوَ الْحَقّ وَأَنّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنّ اللّهَ هُوَ الْعَلِيّ الْكَبِيرُ }.
يقول تعالـى ذكره: هذا الذي أخبرتك يا مـحمد أن الله فعله من إيلاجه اللـيـل فـي النهار, والنهار فـي اللـيـل, وغير ذلك من عظيـم قُدرته, إنـما فعله بأنه الله حقا, دون ما يدعوه هؤلاء الـمشركون به, وأنه لا يقدر علـى فعل ذلك سواه, ولا تصلـح الألوهة إلاّ لـمن فعل ذلك بقُدرته. وقوله: وأنّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ البـاطِلُ يقول تعالـى ذكره: وبأن الذي يعبد هؤلاء الـمشركون من دون الله البـاطل الذي يضمـحلّ, فـيبـيد ويفنـي وأنّ اللّهَ هُوَ العَلِـيّ الكَبِـيرُ يقول تعالـى ذكره: وبأن الله هو العلـيّ, يقول: ذو العلوّ علـى كلّ شيء, وكلّ ما دونه فله متذلل منقاد, الكبـير الذي كل شيء دونه, فله متصاغر.
الآية : 31
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلَمْ تَرَ أَنّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللّهِ لِيُرِيَكُمْ مّنْ آيَاتِهِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّكُلّ صَبّارٍ شَكُورٍ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: ألـم تر يا مـحمد أن السفن تـجري فـي البحر نعمة من الله علـى خـلقه لِـيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ يقول: لـيريكم من عبره وحججه علـيكم إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لِكُلّ صَبّـارٍ شَكُورٍ يقول: إن فـي جري الفلك فـي البحر دلالة علـى أن الله الذي أجراها هو الـحقّ, وأنّ ما يدعون من دونه البـاطللكُلّ صَبّـارٍ شَكُورٍ يقول: لكلّ من صبر نفسه عن مـحارم الله, وشكره علـى نعمه فلـم يكفره.
21440ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قال: كان مطرف يقول: إنّ من أحبّ عبـاد الله إلـيه: الصبّـار الشّكور.
21441ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, قال: الصبر نصف الإيـمان, والشكر نصف الإيـمان, والـيقـين: الإيـمان كله, ألـم تر إلـى قوله: إنّ فِـي ذلك لاَياتٍ لكُلّ صَبّـارٍ شَكُورٍ, إنّ فـي ذلكَ لاَياتٍ للْـمُوقِنـينَ إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ للْـمُؤْمِنـينَ.
21442ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفـيان, عن مغيرة, عن الشعبـيّ إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لكُلّ صَبّـارٍ شَكُور قال: الصبر: نصف الإيـمان, والـيقـين: الإيـمان كله.
إن قال قائل: وكيف خصّ هذه الدلالة بأنها دلالة للصبّـار الشّكور دون سائر الـخـلق؟ قـيـل: لأنّ الصبر والشكر من أفعال ذوي الـحجى والعقول, فأخبر أن فـي ذلك لاَيات لكلّ ذي عقل, لأن الاَيات جعلها الله عبرا لذوي العقول والتـميـيز.
الآية : 32
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مّوْجٌ كَالظّلَلِ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرّ فَمِنْهُمْ مّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وإذا غشى هؤلاء الذين يدعون من دون الله الاَلهة والأوثان فـي البحر, إذا ركبوا فـي الفُلك, موج كالظّل, وهي جمع ظُلّة, شبّه بها الـموج فـي شدة سواد كثرة الـماء قال نابغة بنـي جعدة فـي صفة بحر:
يُـماشِيهِنّ أخْضَرُ ذُو ظِلالٍعَلـى حافـاتِهِ فِلَق الدّنانِ
وشبه الـموج وهو واحد بـالظلل, وهي جماع, لأن الـموج يأتـي شيء منه بعد شيء, ويركب بعضه بعضا كهيئة الظلل. وقوله: دَعَوُا اللّهَ مُخْـلِصِينَ لَهُ الدّينَ يقول تعالـى ذكره: وإذا غشى هؤلاء موج كالظلل, فخافوا الغرق, فزعوا إلـى الله بـالدعاء مخـلصين له الطاعة, لا يشركون به هنالك شيئا, ولا يدعون معه أحدا سواه, ولا يستغيثون بغيره. قوله: فَلَـمّا نَـجّاهُمْ إلـى البَرّ مـما كانوا يخافونه فـي البحر من الغرق والهلاك إلـى البرّ. فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ يقول: فمنهم مقتصد فـي قوله وإقراره بربه, وهو مع ذلك مضمر الكفر به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21443ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ قال: الـمقتصد فـي القول وهو كافر.
21444ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله فَمِنْهُمْ مُقْتَصدٌ قال: الـمقتصد الذي علـى صلاح من الأمر.
وقوله: وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ يقول تعالـى ذكره: وما يكفر بأدلتنا وحججنا إلاّ كلّ غدّار بعهده, والـختر عند العرب: أقبح الغدر ومنه قول عمرو بن معدي كرب:
وَإنّكَ لَوْ رأيْتَ أبـا عُمَيْرٍمَلأْتَ يَدَيْكَ مِنْ غَدْرٍ وَخَتْرِ
وقوله: كَفُورٌ يعنـي: جحودا للنّعم, غير شاكر ما أسدى إلـيه من نعمة. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى الـختار قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21445ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن لـيث, عن مـجاهد كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ قال: كلّ غدّار.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله كُلّ خَتّارٍ قال: غدّار.
21446ـ حدثنـي يعقوب وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن علـية, عن أبـي رجاء, عن الـحسن, فـي قوله وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ قال: غدّار.
21447ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة قوله وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ الـختار: الغدار, كلّ غدار بذمته كفور بربه.
21448ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ قال: كلّ جحاد كفور.
21449ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ قال: الـختار: الغدّار, كما تقول: غدرنـي.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن مسعر, قال: سمعت قَتادة قال: الذي يغدر بعهده.
21450ـ قال: ثنا الـمـحاربـي, عن جُوَيبر, عن الضحاك, قال: الغدّار.
21451ـ قال: ثنا أبـي: عن الأعمش, عن سمر بن عطية الكاهلـي, عن علـيّ رضي الله عنه قال: الـمكر غدر, والغدر كفر.
الآية : 33
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمْ وَاخْشَوْاْ يَوْماً لاّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ فَلاَ تَغُرّنّكُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَلاَ يَغُرّنّكُم بِاللّهِ الْغَرُورُ }. يقول تعالـى ذكره: أيها الـمشركون من قريش, اتقوا الله, وخافوا أن يحلّ بكم سخطه فـي يوم لا يغنى والد عن ولده, ولا مولود هو مغن عن والده شيئا, لأن الأمر يصير هنالك بـيد من لا يغالب, ولا تنفع عنده الشفـاعة والوسائل, إلاّ وسيـلة من صالـح الأعمال التـي أسلفها فـي الدنـيا. وقوله: إنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ يقول: اعلـموا أن مـجيء هذا الـيوم حقّ, وذلك أن الله قد وعد عبـاده ولا خـلف لوعده فَلا تَغُرّنّكُمُ الـحَياةُ الدّنْـيا يقول: فلا تـخدعنكم زينة الـحياة الدنـيا ولذّاتها, فتـميـلوا إلـيها, وتدعوا الاستعداد لـما فـيه خلاصكم من عقاب الله ذلك الـيوم. وقوله: وَلا يَغُرّنّكُمْ بـالله الغَرُورِ يقول: ولا يخدعنّكم بـالله خادع. والغَرور بفتـح الغين: هو ما غرّ الإنسان من شيء, كائنا ما كان شيطانا كان أو إنسانا, أو دنـيا وأما الغُرور بضمّ الغين: فهو مصدر من قول القائل: غررته غرورا. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله وَلا يَغُرّنّكُمْ بـاللّهِ الغَرُور قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21452ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله الغَرُور قال: الشيطان.
21453ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة قوله وَلا يَغُرّنكُمْ بِـاللّهِ الغَرُورُ ذاكم الشيطان.
21454ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد الـمروزي, يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله الغَرُورُ قال: الشيطان.
وكان بعضهم يتأوّل الغَرور بـما:
21455ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن ابن لهيعة, عن عطاء بن دينار, عن سعيد بن جُبَـير, قوله: وَلا يَغُرّنّكُمْ بـاللّهِ الغَرُورُ قال: إن تعمل بـالـمعصية وتتـمنى الـمغفرة.
الآية : 34
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ اللّهَ عِندَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ }.
يقول تعالـى ذكره: يا أيّها النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمْ, وَاخْشَوْا يَوْما لا يَجْزِي وَالدٌ عَنْ وَلَدِهِ, وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئا هو آتـيكم علـم إتـيانه إياكم عند ربكم, لا يعلـم أحد متـى هو جائيكم, لا يأتـيكم إلاّ بغتة, فـاتقوه أن يفجأكم بغتة, وأنتـم علـى ضلالتكم لـم تنـيبوا منها, فتصيروا من عذاب الله وعقابه إلـى ما لا قِبل لكم به وابتدأ تعالـى ذكره الـخبر عن علـمه بـمـجيء الساعة. والـمعنى: ما ذكرت لدلالة الكلام علـى الـمراد منه, فقال: إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ التـي تقوم فـيها القـيامة, لا يعلـم ذلك أحد غيره وينزّلُ الغَيْثَ من السماء, لا يقدر علـى ذلك أحد غيره وَيَعْلَـمُ ما فـي الأرْحامِ أرحام الإناث وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا يقول: وما تعلـم نفس حيّ ماذا تعمل فـي غد, وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْض تَـمُوتُ يقول: وما تعلـم نفس حيّ بأيّ أرض تكون منـيتها إنّ اللّهَ عَلِـيـمٌ خَبِـيرٌ يقول: إن الذي يعلـم ذلك كله, هو الله دون كلّ أحد سواه, إنه ذو علـم بكلّ شيء, لا يخفـى علـيه شيء, خبـير بـما هو كائن, وما قد كان. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21456ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ قال: جاء رجل قال قال أبو جعفر: أحسبه أنا, قال إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ امرأتـي حُبلـى, فأخبرنـي ماذا تلد؟ وبلادنا مـحل جدبة, فأخبرنـي متـى ينزل الغيث؟ وقد علـمت متـى وَلدت, فأخبرنـي متـى أموت, فأنزل الله: إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ, وَيُنَزّلُ الغَيْثَ... إلـى آخر السورة, قال: فكان مـجاهد يقول: هنّ مفـاتـح الغيب التـي قال الله وَعِنْدَهُ مَفـاتِـحُ الغَيْبِ لا يَعْلَـمُها إلاّ هُوَ.
21457ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ... الاَية, أشياء من الغيب, استأثر الله بهنّ, فلـم يطلع علـيهنّ ملَكا مقرّبـا, ولا نبـيا مرسلاً إنّ اللّهَ عِندَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ فلا يدري أحد من الناس متـى تقوم الساعة, فـي أيّ سنة, أو فـي أيّ شهر, أو لـيـل, أو نهار ويُنزّلُ الغَيْثَ فلا يعلـم أحد متـى ينزل الغيث, لـيلاً أو نهارا ينزل؟ وَيَعْلَـمُ ما فِـي الأرْحامِ فلا يعلـم أحد ما فِـي الأرحام, أذكر أو أنثى, أحمر أو أسود, أو ما هو؟ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا خير أم شرّ, ولا تدري يا ابن آدم متـى تـموت؟ لعلك الـميت غدا, لعلك الـمصاب غدا وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَـمُوتُ لـيس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض فـي بحر أو برّ أو سهل أو جبل, تعالـى وتبـارك.
21458ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن الشعبـيّ, قال: قالت عائشة: من قال: إن أحدا يعلـم الغيب إلاّ الله فقد كذب, وأعظمَ الفريةَ علـى الله. قال الله: لاَ يَعْلَـمُ مَنْ فِـي السّمَوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ إلاّ اللّهُ.
21459ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن يونس بن عبـيد, عن عمرو بن شُعيب أن رجلاً قال: يا رسول الله, هل من العلـم علـم لـم تؤته؟ قال: «لَقَدْ أُوتِـيتُ عِلْـما كَثِـيرا, وَعِلْـما حَسَنا», أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاَية: إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ وَيُنَزّلُ الغَيْثَ... إلـى إنّ اللّهَ عَلِـيـمٌ خَبِـيرٌ «لا يَعْلَـمُهُنّ إلاّ اللّهُ تَبـارَكَ وَتَعالـى».
21460ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي عمرو بن مـحمد, عن أبـيه, عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَفـاتِـحُ الغَيْبِ خَمْسَةٌ, ثم قرأ هؤلاء الاَيات إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ... إلـى آخرها».
21461ـ حدثنـي علـيّ بن سهل, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن عبد الله بن دينار, أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَفـاتِـحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَـمُهُنّ إلاّ اللّهُ, إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ, ويُنزّلُ الغَيْثَ, ويَعْلَـمُ ما فِـي الأرْحامِ... الاَية, ثم قال: لا يَعْلَـمُ ما فِـي غَد إلاّ اللّهُ, وَلا يَعْلَـمُ أحَدٌ مَتـى يَنْزِلُ الغَيْثَ إلاّ اللّهُ, وَلا يَعْلَـمُ أحَدٌ مَتـى قِـيامُ السّاعَةِ إلاّ اللّهُ, وَلا يَعْلَـمُ أحَدٌ ما فِـي الأرْحامِ إلاّ اللّهُ, وَلا تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْض تَـمُوتُ.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن عبد الله بن دينار, عن ابن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَفـاتِـحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَـمُها إلاّ اللّهُ: إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ, ويُنَزّلُ الغَيْثَ, وَيَعْلَـمُ ما فِـي الأرْحامِ, وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا, وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَـمُوتُ, إنّ اللّهَ عَلِـيـمٌ خَبِـيرٌ».
21462ـ حدثنا ابن وكيع, قال: ثنـي أبـي, عن مسعر, عن عمرو بن مرّة, عن عبد الله بن سلـمة, عن ابن مسعود قال: كلّ شيء أوتـيه نبـيكم صلى الله عليه وسلم, إلاّ علـم الغيب الـخمس: إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ, ويُنَزّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَـمُ ما فـي الأرْحامِ, وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا, وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَـمُوتُ.
21463ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن ابن أبـي خالد, عن عامر, عن مسروق, عن عائشة, قالت: من حدّثك أنه يعلـم ما فـي غد فقد كذب, ثم قرأت: وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسبُ غَدا.
21464ـ قال: ثنا جرير وابن علـية, عن أبـي خبـاب, عن أبـي زُرعة, عن أبـي هريرة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «خَمْسٌ لا يَعْلَـمُهُنّ إلاّ اللّهُ: إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ, ويُنَزّلُ الغَيْثَ... الاَية».
حدثنـي أبو شُرَحبـيـل, قال: حدثنا أبو الـيـمان, قال: حدثنا إسماعيـل, عن جعفر, عن عمرو بن مرّة, عن عبد الله بن سلـمة, عن ابن مسعود, قال: كلّ شيء قد أوتـي نبـيكم غير مفـاتـح الغيب الـخمس, ثم قرأ هذه الاَية إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ... إلـى آخرها.
وقـيـل: بأيّ أرض تـموت. وفـيه لغة أخرى: «بأيّةِ أرْضٍ» فمن قال: بأيّ أرْضٍ اجتزأ بتأنـيث الأرض من أن يظهر فـي أيّ تأنـيث آخر, ومن قال «بأيّة أرْضٍ» فأنث, أي قال: قد تـجتزىء بأي مـما أضيف إلـيه, فلا بدّ من التأنـيث, كقول القائل: مررت بـامرأة, فـيقال له: بأية, ومررت برجل, فـيقال له بأيّ ويقال: أيّ امرأة جاءتك وجاءك, وأية امرأة جاءتك.
نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة لقمان