تفسير الطبري تفسير الصفحة 430 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 430
431
429
 الآية : 15
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رّزْقِ رَبّكُمْ وَاشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ وَرَبّ غَفُورٌ }.
يقول تعالـى ذكره: لقد كان لولد سبإ فـي مسكنهم علامة بـينة, وحجة واضحة, علـى أنه لا رب لهم إلا الذي أنعم علـيهم النعم التـي كانوا فـيها. وسبأ عن رسول الله اسم أبـي الـيـمن. ذكر من قال ذلك:
21972ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن أبـي حيان الكلبـي, عن يحيى بن هانىء, عن عروة الـمراديّ, عن رجل منهم يقال له: فروة بن مسيك, قال: قلت: يا رسول الله أخبرنـي عن سَبَإٍ ما كان؟ رجلاً كان أو امرأة, أو جبلاً, أو دوابّ؟ فقال: «لا, كانَ رَجُلاً مِن العَرَبِ وَلَهُ عَشَرَةُ أوْلادٍ, فَتَـيَـمّنَ مِنْهُمْ سِتّةٌ, وَتَشاءَمَ أرْبَعَةٌ, فأمّا الّذِينَ تَـيَـمّنُوا مِنْهُمْ فِكِنْدَةُ, وحِمْيَرُ, والأزْدُ, والأشْعَرِيّونَ, وَمَذْحِجُ, وأنْـمَارُ الّذِينَ مِنْها خَثْعَمٌ وَبُجَيْـلَةٌ. وأمّا الّذِينَ تَشاءَمُوا: فَعامِلَةُ, وَجُذَامُ, وَلـخْمُ, وَغَسّان».
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو أُسامة, قال: ثنـي الـحسن بن الـحكَم, قال: حدثنا أبو سَبْرة النـخَعيّ, عن فروة بن مُسَيْك القُطَيعِيّ, قال: قال رجل: يا رسولَ الله أخبرنـي عن سَبَإٍ ما هو؟ أرض أو امرأة؟ قال: «لَـيْسَ بأرْضٍ وَلا امْرأةٍ, وَلَكِنّهُ رَجُلٌ وَلَدَ عَشَرَةً مِنَ الوَلَد, فَتَـيامَنَ سِتّةٌ, وَتَشاءَمَ أرْبَعَةٌ, فأمّا الّذِين تَشاءَمُوا: فَلَـخْمٌ, وَجُذَامُ, وَعامِلَةُ, وَغَسّانُ وأمّا الّذِينَ تَـيامَنُوا: فَكِنْدَةُ, والأشْعَرِيّونَ, والأزْدُ, وَمَذْحجُ, وحِمْيَر, وأنْـمَارُ» فقال رجل: ما أنـمار؟ قال: «الّذِينَ مِنْهُمْ خَثْعَمُ وَبجِيْـلَةُ».
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا العَنْقَزيّ, قال: أخبرنـي أسبـاط بن نصر, عن يحيى بن هانىء الـمراديّ, عن أبـيه, أو عن عمه «أسبـاطٌ شكّ» قال: قدم فَرْوة بن مُسَيك علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, أخبرنـي عن سبإٍ, أجبلاً كان أو أرضا؟ فقال: «لـم يكُنْ جَبَلاً وَلا أرْضا, ولَكِنّهُ كان رَجُلاً مِنَ العَرَبِ وَلَدَ عَشَرَةَ قَبـائِلَ», ثم ذكر نـحوه, إلا أنه قال: «وأنـمار الذين يقولون منهم بجيـلة وخثعم».
فإن كان الأمر كما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, من أن سَبَأ رجل, كان الإجراء فـيه وغير الإجراء معتدلـين. أما الإجراء فعلـى أنه اسم رجل معروف, وأما ترك الإجراء فعلـى أنه اسم قبـيـلة أو أرض. وقد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: «فِـي مَساكِنِهِمْ» فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض الكوفـيـين: «فـي مساكنهم» علـى الـجماع بـمعنى منازل آل سبأ. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين «فِـي مَسْكِنِهِمْ» علـى التوحيد وبكسر الكاف, وهي لغة لأهل الـيـمن فـيـما ذُكر لـي. وقرأ حمزة: مَسْكَنِهِمْ علـى التوحيد وفتـح الكاف.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا: أن كلّ ذلك قراءات متقاربـات الـمعنى, فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب.
وقوله: آيَةٌ قد بـيّنا معناها قبل. وأما قوله: جَنّتانِ عَن يَـمِينٍ وَشِمالٍ فإنه يعنـي: بستانان كانا بـين جبلـين, عن يـمين من أتاهما وشماله. وكان من صنفهما فـيـما ذكر لنا ما:
21973ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا سلـيـمان, قال: حدثنا أبو هلال, قال: سمعت قتادة, فـي قوله: لَقَدْ كانَ لِسَبإٍ فِـي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنّتانِ عَنْ يَـمِينٍ وشِمالٍ قال: كانت جنتان بـين جبلـين, فكانت الـمرأة تُـخَرْجُ, مِكْتَلُها علـى رأسها, فتـمشي بـين جبلـين, فـيـمتلـىء مِكَتلُها, وما مست بـيدها, فلـما طَغَوا بعث الله علـيهم دابة, يقال لها «جُرَذ», فنقَبت علـيهم, فغرقتهم, فما بقـي لهم إلا أَثْل, وشيء من سِدْرٍ قلـيـل.
21974ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: لَقَدْ كانَ لِسَبإٍ فِـي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنّتانِ عَنْ يَـمِينٍ وَشِمالٍ... إلـى قوله: فَأَعْرَضُوا فَأرْسَلْنا عَلَـيْهِمْ سَيْـلَ العَرِمِ قال: ولـم يكن يرى فـي قريتهم بعوضة قط, ولا ذُبـاب, ولا بُرْغوث, ولا عَقْرب, ولا حَية, وإنْ كان الركبُ لـيأتون وفـي ثـيابهم القُمّل والدّوابّ, فما هم إلا أن ينظروا إلـى بـيوتهم, فتـموتَ الدوابّ, قال: وإن كان الإنسان لـيدخـل الـجنتـين, فـيـمسك القُـفّة علـى رأسه, فـيخرج حين يخرج وقد امتلأت تلك القـفة من أنواع الفـاكهة ولـم يتناول منها شيئا بـيده قال: والسّدّ يسقـيها.
ورُفعت الـجنتان فـي قوله: جَنّتانِ عنْ يَـمِينٍ وشِمالٍ ترجمة عن الاَية, لأن معنى الكلام: لقد كان لسبأ فـي مسكنهم آية هي جنتان عن أيـمانهم وشمائلهم.
وقوله: كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبّكُمْ الذي يرزقكم من هاتـين الـجنتـين من زروعهما وأثمارهما, وَاشْكُرُوا لَهُ علـى ما أنعم به علـيكم من رزقه ذلك وإلـى هذا منتهى الـخبر, ثم ابتدأ الـخبر عن البلدة, فقـيـل: هذه بلدة طيبة: أي لـيست بسبخة, ولكنها كما ذكرنا من صفتها عن عبد الرحمن بن زيد أن كانت كما وصفها به ابن زيد, من أنه لـم يكن فـيها شيء مؤذ, الهمـج والدبـيب والهوامّ وَرَبّ غَفُورٌ يقول: وربّ غفور لذنوبكم إن أنتـم أطعتـموه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21975ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ وَرَبّ غَفُورٌ وربكم غفور لذنوبكم, قوم أعطاهم الله نعمة, وأمرهم بطاعته, ونهاهم عن معصيته.
الآية : 16 -17
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدّلْنَاهُمْ بِجَنّاتِهِمْ جَنّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجْزِيَ إِلاّ الْكَفُورَ }.
يقول تعالـى ذكره: فأعرضت سبأ عن طاعة ربها وصدّت عن اتبـاع ما دعتها إلـيه رسلها من أنه خالقها, كما:
21976ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق, عن وهب بن منبه الـيـمانـي, قال: لقد بعث الله إلـى سبإ, ثلاثة عشر نبـيا, فكذّبوهم فأرْسَلْنا عَلَـيْهِمْ سَيْـلَ العَرِمِ يقول تعالـى ذكره: فثقبنا علـيهم حين أعرضوا عن تصديق رسلنا سدّهم الذي كان يحبس عنهم السيول.
والعرم: الـمسناة التـي تـحبس الـماء, واحدها: عرمة, وإياه عنى الأعشى بقوله:
فَفِـي ذَاكَ للْـمُؤْتَسِي أُسْوَةٌوَمأْرِبُ عَفّـى عَلَـيْهِ العَرِمْ
رِجامٌ بَنَتْهُ لَهم حِمْيَرٌإذَا جاءَ ماؤُهُمُ لَـمْ يَرِمْ
وكان العرم فـيـما ذُكر مـما بنته بلقـيس. ذكر من قال ذلك:
21977ـ حدثنا أحمد بن إبراهيـم الدورقـي, قال: ثنـي وهب بن جرير, قال: حدثنا أبـي, قال: سمعت الـمغيرة بن حكيـم, قال: لـما ملكت بلقـيس, جعل قومها يقتتلون علـى ماء واديهم قال: فجعلت تنهاهم فلا يطيعونها فتركت مُلكها, وانطلقت إلـى قصر لها, وتركتهم فلـما كثر الشرّ بـينهم, وندموا أتوها, فأرادوها علـى أن ترجع إلـى مُلكها, فأبت فقالوا: لترجعنّ أو لنقتلنك, فقالت: إنكم لا تطيعوننـي, ولـيست لكم عقول, ولا تطيعونـي, قالوا: فإنا نطيعك, وإنا لـم نـجد فـينا خيرا بعدك, فجاءت فأمرت بواديهم, فسدّ بـالعرم. قال أحمد, قال وهب, قال أبـي: فسألت الـمغيرة بن حكيـم عن العرم, فقال: هو بكلام حِمْير الـمُسنّاة فسدّت ما بـين الـجبلـين, فحبست الـماء من وراء السدّ, وجعلت له أبوابـا بعضها فوق بعض, وبنت من دونه بركة ضخمة, فجعلت فـيها اثنـي عشر مخرجا علـى عدّة أنهارهم فلـما جاء الـمطر احتبس السيـل من وراء السدّ, فأمرت بـالبـاب الأعلـى ففُتـح, فجرى ماؤه فـي البركة, وأمرت بـالبعر فألقـي فـيها, فجعل بعض البعر يخرج أسرع من بعض, فلـم تزل تضيق تلك الأنهار, وترسل البعر فـي الـماء, حتـى خرج جميعا معا, فكانت تقسمه بـينهم علـى ذلك, حتـى كان من شأنها وشأن سلـيـمان ما كان.
21978ـ حدثنا أحمد بن عمر البصري, قال: حدثنا أبو صالـح بن زريق, قال: أخبرنا شريك, عن أبـي إسحاق, عن أبـي ميسرة, فـي قوله فأَرْسَلْنا عَلَـيْهِمْ سَيْـلَ العَرِمِ قال: الـمسناة بلـحن الـيـمن.
21979ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: سَيْـلَ العَرِمِ قال: شديد.
وقـيـل: إن العرم: اسم واد كان لهؤلاء القوم. ذكر من قال ذلك:
21980ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: فأَرْسَلْنا عَلَـيْهِمْ سَيْـلَ العَرِمِ قال: واد كان بـالـيـمن, كان يسيـل إلـى مكة, وكانوا يسقون وينتهي سيـلهم إلـيه.
21981ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة فأَرْسَلْنا عَلَـيْهِمْ سَيْـلَ العَرِمِ ذُكر لنا أن سيـل العرم واد كانت تـجتـمع إلـيه مسايـل من أودية شتـى, فعمدوا فسدّوا ما بـين الـجبلـين بـالقـير والـحجارة, وجعلوا علـيه أبوابـا, وكانوا يأخذون من مائه ما احتاجوا إلـيه, ويسدّون عنهم ما لـم يعنوا به من مائه شيئا.
21982ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله: فأَرْسَلْنا عَلَـيْهِمْ سَيْـلَ العَرِمِ وَاد يُدعى العَرِم, وكان إذا مُطِر سالت أودية الـيـمن إلـى العرم, واجتـمع إلـيه الـماء, فَعمَدَت سَبأُ إلـى العرم, فسدّوا ما بـين الـجبلـين, فحجزوه بـالصخر والقار, فـانسدّ زمانا من الدهر, لا يَرْجون الـماء, يقول: لا يخافون.
وقال آخرون: العَرِم: صفة للـمُسَنّاة التـي كانت لهم ولـيس بـاسم لها. ذكر من قال ذلك:
21983ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: سَيْـلَ العَرِمِ يقول: الشديد, وكان السبب الذي سبب الله لإرسال ذلك السيـل علـيهم فـيـما ذُكر لـي جُرذا ابتعثه الله علـى سدّهم, فثقب فـيه ثقبـا.
ثم اختلف أهل العلـم فـي صفة ما حدث عن ذلك الثقب مـما كان فـيه خَراب جَنتـيهم.
فقال بعضهم: كان صفة ذلك أن السيـل لـما وجد عملاً فـي السدّ عمِل فـيه, ثم فـاض الـماء علـى جناتهم, فغرّقها وخرّب أرضهم وديارهم. ذكر من قال ذلك:
21984ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق, عن وهب بن مُنَبه الـيـمانـي, قال: كان لهم, يعنـي لسبأ سدّ, قد كانوا بنوْه بنـيانا أبدا, وهو الذي كان يَرُدّ عنهم السيـل إذا جاء أن يغشى أموالهم. وكان فـيـما يزعمون فـي علـمهم من كَهانتهم, أنه إنـما يخرّب علـيهم سدّهم ذلك فأرة, فلـم يتركوا فُرْجة بـين حجرين, إلا ربطوا عندها هرّة فلـما جاء زمانه, وما أراد الله بهم من التغريق, أقبلت فـيـما يذكرون فأرة حمراء إلـى هرّة من تلك الهِرر, فساورتها, حتـى استأخرت عنها أي الهرة, فدخـلت فـي الفُرجة التـي كانت عندها, فغلغلت فـي السدّ, فحفرت فـيه حتـى وَهّنته للسيـل وهم لا يدرون فلـما جاء السيـل وجد خَـلَلاً, فدخـل فـيه حتـى قلع السدّ, وفـاض علـى الأموال, فـاحتـملها فلـم يُبْق منها إلا ما ذكره الله فلـما تفرّقوا نزلوا علـى كَهانة عمران بن عامر.
21985ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: لـما ترك القوم أمر الله, بعث الله علـيهم جُرَذا يسمى الـخُـلْد, فثَقبه من أسفله حتـى غرّق به جناتُهم, وخَرب به أرضهم عقوبة بأعمالهم.
21986ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول: لـما طغَوْا وبَغَوْا, يعنـي سَبَأ, بعث الله علـيهم جُرَذا, فخَرَق علـيهم السّدّ, فأغرقهم الله.
21987ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: بعث الله علـيه جُرَذا, وسلّطه علـى الذي كان يحبس الـماء الذي يَسقـيها, فأخرب فـي أفواه تلك الـحجارة, وكلّ شيء منها من رَصاص وغيره, حتـى تركها حِجارة, ثم بعث الله سيـل العرم, فـاقتلع ذلك السّدّ, وما كان يحبس, واقتلع تلك الـجنتـين, فذهب بهما وقرأ: فأَرْسَلْنا عَلَـيْهِمْ سَيْـلَ العَرِمِ وَبَدّلْناهُمْ بِجَنّتَـيْهِمْ جَنّتَـيْنَ قال: ذهب بتلك القُرى والـجنتـين.
وقال آخرون: كانت صفة ذلك أن الـماء الذي كانوا يعمُرُون به جَناتهم سال إلـى موضع غير الـموضع الذي كانوا ينتفعون به, فبذلك خربت جناتهم. ذكر من قال ذلك:
21988ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قال: بعث الله علـيهم, يعنـي علـى العرم, دابة من الأرض, فثَقَبت فـيه ثَقبـا, فسال ذلك الـماء إلـى موضع غير الـموضع الذي كانوا ينتفعون به, وأبدلهم الله مكان جنتـيهم جنتـين ذواتـي أُكُلٍ خَمْط, وذلك حين عَصَوا, وبَطِروا الـمعيشة.
والقول الأوّل أشبه بـما دلّ علـيه ظاهر التنزيـل, وذلك أن الله تعالـى ذكره أخبر أنه أرسل علـيهم سيـل العرم, ولا يكون إرسال ذلك علـيهم إلا بإسالته علـيهم, أو علـى جناتهم وأرضهم, لا بصرفه عنهم.
وقوله: وَبَدّلْناهُمْ بِجَنّتَـيْهِمْ جَنّتَـيْنِ ذَوَاتـيْ أُكُلٍ خَمْطٍ يقول تعالـى ذكره: وجعلنا لهم مكان بساتـينهم من الفواكه والثمار, بساتـين من جَنى ثمر الأراك, والأراك: هو الـخَمْط. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21989ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قال: أبدلهم الله مكان جنّتـيهم جنتـين ذواتـي أُكُلٍ خَمْط, والـخمْط: الأَراك.
21990ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَـية, عن أبـي رجاء, قال: سمعت الـحسن, يقول فـي قوله: ذَوَاتـيْ أُكُلٍ خَمْطٍ قال: أراه قال: الـخَمْط: الأراك.
21991ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة, قال: ثنـي عبد الله بن موسى, قال: أخبرنا إسرائيـل, عن أبـي يحيى, عن مـجاهد أُكُلٍ خَمْطٍ قال: الـخمْط: الأراك.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد ذَوَاتـيْ أُكُلٍ خَمْطٍ قال: الأراك.
21992ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ذَوَاتـيْ أُكُلٍ خَمْطٍ والـخمط: الأراك, وأُكُلُه: بريره.
21993ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله: وَبَدّلْناهُمْ بِجَنّتَـيْهِمْ جَنّتَـيْنِ ذَوَاتـيْ أُكُلٍ خَمْطٍ قال: بدّلهم الله بجنان الفواكه والأعناب, إذ أصبحت جناتهم خَمْطا, وهو الأراك.
21994ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَبَدّلْناهُمْ بِجَنّتَـيْهِمْ جَنّتَـيْنِ قال: أذهب تلك القرى والـجنتـين, وأبدلهم الذي أخبرك ذواتـي أكل خَمْط قال: فـالـخَمْط: الأراك, قال: جعل مكان العنب أراكا, والفـاكهة أَثْلاً, وشيء من سدر قلـيـل.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الأمصار بتنوين أُكُلٍ غيرَ أبـي عمرو, فإنه يضيفها إلـى الـخمط, بـمعنى: ذواتـي ثمرِ خَمْطٍ. وأما الذين لـم يضيفوا ذلك إلـى الـخَمْط, وينوّنون الأُكُل, فإنهم جعلوا الـخمط هو الأُكُل, فردّوه علـيه فـي إعرابه. وبضم الألف والكاف من الأُكُل قرأت قرّاء الأمصار, غير نافع, فإنه كان يخفف منها.
والصواب من القراءة فـي ذلك عندي قراءة من قرأه: ذَوَاتَـيْ أُكُلٍ بضم الألف والكاف لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه, وبتنوين أُكُلٍ لاستفـاضة القراءة بذلك فـي قُرّاء الأمصار, من غير أن أرى خطأ قراءة من قرأ ذلك بإضافته إلـى الـخمط وذلك فـي إضافته وترك إضافته, نظيرُ قول العرب: فـي بُستان فلان أعنابُ كَرْمٍ وأعنابٌ كَرْمٌ, فتضيف أحيانا الأعناب إلـى الكرم, لأنها منه, وتنوّن أحيانا, ثم تترجم بـالكرم عنها, إذ كانت الأعنابُ ثمرَ الكَرْم. وأما الأَثْل فإنه يقال له الطّرْفـاء وقـيـل: شجر شبـيه بـالطّرْفـاء, غير أنه أعظم منها. وقـيـل: إنها السّمُر. ذكر من قال ذلك:
21995ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس وأَثْلٍ, قال: الأثل: الطرفـاء.
وقوله: وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِـيـلٍ يقول: ذواتـي أُكُل خَمْطٍ وأَثْلٍ وشيءٍ من سدر قلـيـل.
وكان قتادة يقول فـي ذلك ما:
21996ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: ثنـي سعيد, عن قتادة ذَوَاتَـي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِـيـلٍ قال: بـينـما شجر القوم خير الشجر, إذ صيره الله من شرّ الشجر بأعمالهم.
وقوله: ذلكَ جَزَيْناهُمْ بِـمَا كَفَرُوا يقول تعالـى ذكره: هذا الذي فعلنا بهؤلاء القوم من سبأ من إرسالنا علـيهم سيـل العرم, حتـى هلكت أموالهم, وخَرِبت جناتهم, جزاء منّا علـى كفرهم بنا, وتكذيبهم رسلنا «وذلك» من قوله: ذلكَ جَزَيْناهُمْ فـي موضع نصب بوقوع جزيناهم علـيه ومعنى الكلام: جزيناهم ذلك بـما كفروا.
وقوله: وَهَلْ نُـجازِي إلاّ الكَفُورَ اختلفت القرّاء فـي قراءته, فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة, وبعضُ أهل الكوفة: «وَهَلْ يُجازَي» بـالـياء وبفتـح الزاي علـى وجه ما لـم يُسَمّ فـاعله «إلاّ الكَفُورُ» رفعا. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: وَهَلْ نُـجازِي بـالنون وبكسر الزاي إلاّ الكَفُورَ بـالنصب.
والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان مشهورتان فـي قرّاء الأمصار, متقاربتا الـمعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. ومعنى الكلام: كذلك كافأناهم علـى كفرهم بـالله, وهل يُجازَي إلا الكفور لنعمة الله؟.
فإن قال قائل: أو ما يجزي الله أهل الإيـمان به علـى أعمالهم الصالـحة, فـيخصّ أهل الكفر بـالـجزاء؟ فـيقال وهل يجازي إلا الكفور؟ قـيـل: إن الـمـجازاة فـي هذا الـموضع: الـمكافأة, والله تعالـى ذكره وعد أهل الإيـمان به التفضل علـيهم, وأن يجعل لهم بـالواحدة من أعمالهم الصالـحة عشرَ أمثالها إلـى ما لا نهاية له من التضعيف, ووعد الـمسيء من عبـاده أن يجعل بـالواحدة من سيئاته, مثلَها مكافأة له علـى جُرمه, والـمكافأة لأهل الكبـائر والكفر والـجزاء لأهل الإيـمان مع التفضل, فلذلك قال جلّ ثناؤه فـي هذا الـموضع: «وَهَلْ يُجازَي إلاّ الكَفُورُ»؟ كأنه قال جلّ ثناؤه: لا يجازَي: لا يكافأ علـى عمله إلا الكفور, إذا كانت الـمكافأة مثل الـمكافَأ علـيه, والله لا يغفر له من ذنوبه شيئا, ولا يُـمَـحّصُ شيء منها فـي الدنـيا. وأما الـمؤمن فإنه يتفضل علـيه علـى ما وصفتُ.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21997ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَهَلْ نُـجازِي: نعاقِب.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ذلكَ جَزَيْناهُمْ بِـمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُـجازِي إلاّ الكَفُورَ إن الله تعالـى إذا أراد بعبده كرامة تقبّل حسناته, وإذا أراد بعبده هوانا أمسك علـيه ذنوبه حتـى يُوَافـيَ به يوم القـيامة. قال: وذُكر لنا أن رجلاً بـينـما هو فـي طريق من طرق الـمدينة, إذا مرّت به امرأة, فأتبعها بصره, حتـى أتـى علـى حائط, فشجّ وجهه, فأتـى نبـيّ الله ووجهه يسيـل دما, فقال: يا نبـيّ الله فعلت كذا وكذا, فقال له نبـيّ الله: «إنّ اللّهَ إذَا أرَادَ بِعَبْدٍ كَرَامَةً, عَجّلَ لَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ فِـي الدنـيا, وإذَا أرَادَ اللّهُ بِعَبْدٍ هَوَانا أمْسَكَ عَلَـيْهِ ذَنْبَهُ حتـى يُوَافِـيَ بِهِ يَوْمَ القِـيامَةِ, كأنّهُ عَيرٌ أبْتَر».

الآية : 18
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدّرْنَا فِيهَا السّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيّاماً آمِنِينَ }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن نعمته التـي كان أنعمها علـى هؤلاء القوم الذين ظلـموا أنفسهم. وجعلنا بـين بلدهم وبـين القُرى التـي بـاركنا فـيها وهي الشأم, قُرًى ظاهرة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21998ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد قوله: القُرَى التـي بـارَكْنا فِـيها قال: الشأم.
21999ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَجَعَلْنا بَـيْنَهُمْ وَبَـينَ القُرَى الّتِـي بـارَكْنا فِـيها يعنـي الشأم.
حدثنـي علـيّ بن سهل, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد القُرَى التـي بـارَكْنا فِـيها قال: الشأم.
وقـيـل: عُنِـي بـالقرى التـي بُورِك فـيَها بـيت الـمقدس. ذكر من قال ذلك:
22000ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس وَجَعَلْنا بَـيْنَهُمْ وَبَـينَ القُرَى التـي بـارَكْنا فِـيها قُرًى ظاهِرَةً قال: الأرض التـي بـاركنا فـيها: هي الأرض الـمقدسة.
وقوله: قُرًى ظاهِرَةً يعنـي: قُرًى متصلة, وهي قُرًى عَرَبِـيّةٌ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22001ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن أبـي رجاء, قال: سمعت الـحسن, فـي قوله: وَجَعَلْنا بَـيْنَهُمْ وَبَـينَ القُرَى التـي بـارَكْنا فِـيها قُرًى ظاهِرَةً قال: قُرًى متواصلة, قال: كان أحدهم يغدو فَـيَقِـيـل فـي قرية ويَرُوح, فـيأوِي إلـى قرية أخرى. قال: وكانت الـمرأة تضع زِنْبـيـلها علـى رأسها, ثم تـمتهن بـمغزلها, فلا تأتـي بـيتها حتـى يـمتلـىء من كلّ الثمار.
22002ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قُرًى ظاهِرَةً: أي متواصلة.
22003ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: قُرًى ظاهِرَةً يعنـي: قُرَى عَرَبِـيّةً, بـين الـمدينة والشام.
22004ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: ثنـي أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: ثناء ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: قُرًى ظاهِرَةً قال: السّرَوَات.
22005ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: قُرًى ظاهِرَةً يعنـي: قُرَى عَرَبِـيّةً, وهي بـين الـمدينة والشأم.
22006ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَجَعَلْنا بَـيْنَهُمْ وَبَـينَ القُرَى التـي بـارَكْنا فِـيها قُرًى ظاهِرَةً قال: كان بـين قريتهم وبـين الشأم قُرًى ظاهرة, قال: إن كانت الـمرأة لتَـخرجُ معها مِغْزلها ومِكْتلُها علـى رأسها, تروح من قريةٍ وتغدوها, وتبـيت فـي قرية لا تـحمل زادا ولا ماء لـما بـينها وبـين الشأم.
وقوله: وَقَدّرْنا فِـيها السّيْرَ يقول تعالـى ذكره: وجعلنا بـين قُراهم والقرى التـي بـاركنا فـيها سيرا مقدّرا من منزل إلـى منزل, وقرية إلـى قرية, لا ينزلون إلا فـي قرية, ولا يغدون إلا من قرية.
وقوله: سِيرُوا فِـيها لَـيالِـيَ وأيّاما آمِنـينَ يقول: وقلنا لهم سيروا فـي هذه القرى ما بـين قراكم, والقرى التـي بـاركنا فـيها لـيالـيَ وأياما, آمنـين لا تـخافون جوعا ولا عطشا, ولا من أحد ظلـما. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22007ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة سِيرُوا فِـيها لَـيالِـيَ وأيّاما آمِنِـينَ: لا يخافون ظلـما ولا جوعا, وإنـما يغدون فَـيقِـيـلون, ويروحون فـيبـيتون فـي قريةٍ أهلِ جنة ونهر, حتـى لقد ذُكر لنا أن الـمرأة كانت تضع مِكتلها علـى رأسها, وتـمتهن بـيدها, فـيـمتلـىء مكتلها من الثمر قبل أن ترجع إلـى أهلها من غير أن تـخترف شيئا, وكان الرجل يسافر لا يحمل معه زادا ولا سِقاء مـما بُسِط للقوم.
22008ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وأيّاما آمِنِـينَ قال: لـيس فـيها خوف.
الآية : 19
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَقَالُواْ رَبّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوَاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزّقْنَاهُمْ كُلّ مُمَزّقٍ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّكُلّ صَبّارٍ شَكُورٍ }.
اختلق القرّاء فـي قراءة قوله: رَبّنا بـاعِدْ بـينَ أسْفـارِنا فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والكُوفة: رَبّنا بـاعِدْ بـينَ أسْفـارِنا علـى وجه الدعاء والـمسألة بـالألف وقرأ ذلك بعض أهل مكة والبصرة: «بَعّدْ» بتشديد العين علـى الدعاء أيضا. وذُكر عن الـمتقدمين أنه كان يقرؤه: «رَبّنا بـاعَدَ بَـينَ أسْفـارِنا» علـى وجه الـخبر من الله أن الله فعل ذلك بهم. وحكي عن آخر أنه قرأه: «ربنا بَعّد» علـى وجه الـخبر أيضا غير أنّ الربّ منادي.
والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا: رَبّنا بـاعِدْ و«بَعّدْ» لأنهما القراءتان الـمعروفتان فـي قرأة الأمصار وما عداهما فغير معروف فـيهم علـى أن التأويـل من أهل التأويـل أيضا يحقّق قراءة من قرأه علـى وجه الدعاء والـمسألة, وذلك أيضا مـما يزيد القراءة الأخرى بُعدا من الصواب.
فإذا كان هو الصواب من القراءة, فتأويـل الكلام: فقالوا: يا ربنا بـاعِدْ بـين أسفـارنا, فـاجعل بـيننا وبـين الشأم فَلَوات ومَفـاوِز, لنركب فـيها الرواحل, ونتزوّد معنا فـيها الأزواد وهذا من الدلالة علـى بطر القوم نعمة الله علـيهم وإحسانه إلـيهم, وجهلهم بـمقدار العافـية ولقد عجل لهم ربهم الإجابة, كما عجل للقائلـين: إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عَنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذَابٍ ألِـيـمٍ أعطاهم ما رغبوا إلـيه فـيه وطلبوا من الـمسألة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22009ـ حدثنـي أبو خُصَين عبد الله بن أحمد بن يونس, قال: حدثنا عَبْثَر, قال: حدثنا حُصَين, عن أبـي مالك فـي هذه الاَية: فَقالُوا رَبّنا بـاعِدْ بـينَ أسْفـارِنا قال: كانت لهم قُرًى متصلة بـالـيـمن, كان بعضها ينظر إلـى بعض, فبطروا ذلك, وقالوا: ربنا بـاعدْ بـين أسفـارنا, قال: فأرسل الله علـيهم سَيْـل العَرِم, وجعل طعامهم أَثْلاً وخَمْطا وشيئا من سدر قلـيـل.
22010ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: فَقَالُوا رَبّنا بـاعِدْ بَـيْنَ أَسْفَـارِنَا وظَلَـمُوا أنْفُسَهُمْ قال: فإنهم بطِروا عيشهم, وقالوا: لو كان جَنَى جناتنا أبعد مـما هي كان أجدر أن نشتهيه, فمُزّقوا بـين الشأم وسبأ, وبدّلوا بجنتـيهم جنتـين ذواتـي أكل خمط وأثل, وشيء من سدر قلـيـل.
22011ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَقالُوا رَبّنا بـاعِدْ بـينَ أسْفـارِنا بطر القوم نعمة الله, وغَمَطوا كرامة الله, قال الله وَظَلَـمُوا أنُفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أحادِيثَ.
22012ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: فَقالُوا رَبّنا بـاعِدْ بَـينَ أسْفـارِنا حتـى نبـيت فـي الفَلَوات والصحاري فَظَلَـمُوا أنْفُسَهُمْ.
وقوله فَظَلَـمُوا أنْفُسَهُمْ وكان ظلـمهم إياها عَمَلَهم بـما يسخط الله علـيهم من معاصيه, مـما يوجب لهم عقاب الله فجَعَلْناهُمْ أحادِيثَ يقول: صيرناهم أحاديث للناس يضربون بهم الـمثل فـي السبّ, فـيقال: تفرّق القوم أيادِي سَبَـا, وأيدي سبـا, إذا تفرّقوا وتقطّعوا.
وقوله وَمَزّقْناهُمْ كُلّ مُـمَزّقٍ يقول: وقطعناهم فِـي البلاد كلّ مقطع, كما:
22013ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَظَلَـمُوا أنْفُسَهُمْ فجَعَلْناهُمْ أحادِيثَ وَمَزّقْناهُمْ كُلّ مُـمّزّقٍ قال قتادة: قال عامر الشّعْبِـي: أما غَسّان فقد لَـحِقوا بـالشأم, وأما الأنصار فلـحقوا بَـيثرِب, وأما خَزَاعة فلـحقوا بتهامة, وأما الأزد فلـحقوا بعُمان.
22014ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: يزعمون أن عمِران بن عامر, وهو عمّ القوم كان كاهنا, فرأى فـي كَهانته أن قومه سيـمزّقون ويتبـاعَدُون, فقال لهم: إنـي قد علـمت أنكم سَتُـمزّقون, فمن كان منكم ذا همّ بعيد, وجمل شديد, ومزاد جديد, فلـيـلـحق بكأس أو كرود, قال: فكانت وادعة بن عمرو ومن كان منكم ذا هم مدنٍ, وأمرد عَنٍ, فلـيـلْـحَق بأرض شَنّ, فكانت عوف بن عمرو, وهم الذين يقال لهم بـارق ومن كان منكم يريد عيشا آينا, وحرَما آمنا, فلـيـلـحق بـالأرزين, فكانت خزاعة ومن كان يريد الراسيات فـي الوحْل, الـمطْعِمات فـي الـمَـحْل, فلـيـلـحق بـيثرب ذات النـخـل, فكانت الأوس والـخزرج فهما هذان الـحيان من الأنصار ومن كان يريد خمرا وخميرا, وذهبـا وحريرا, وملكا وتأميرا فلـيـلـحق بكُوثىَ وبُصْرَى, فكانت غسان بنو جفنة ملوك الشأم ومن كان منهم بـالعراق. قال ابن إسحاق: قد سمعت بعض أهل العلـم يقول: إنـما قالت هذه الـمقالة طريفة امرأة عمران بن عامر, وكانت كاهنة, فرأت فـي كهانتها ذلك, والله أعلـم أيّ ذلك كان قال: فلـما تفرّقوا, نزلوا علـى كهانة عمران بن عامر.
وقوله: إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لِكُلّ صَبّـارٍ شَكُورٍ يقول تعالـى ذكره: إن فـي تـمزيقناهم كلّ مـمزّق لاَيات يقول: لعظة وعِبْرة ودلالة علـى واجب حق الله علـى عبده من الشكر علـى نعمه إذا أنعم علـيه, وحقه من الصبر علـى مـحنته إذا امتـحنه ببلاء لكلّ صبـار شكور علـى نعمه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22015ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لِكُلّ صَبّـارٍ شَكُورٍ كان مطرّف يقول: نعم العبد الصّبـار الشكور, الذي إذا أعطي شكر, وإذا ابتلـي صبر.
الآية : 20
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ صَدّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنّهُ فَاتّبَعُوهُ إِلاّ فَرِيقاً مّنَ الْمُؤْمِنِينَ }.
اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَلَقَدْ صَدّقَ عَلَـيْهِمْ إبْلِـيسُ ظَنّهُ فقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين: وَلَقَدْ صَدّقَ بتشديد الدال من صَدّق, بـمعنى أنه قال ظنا منه: وَلا تَـجِد أَكَثرَهُمْ شاكِرِينَ وقال: فَبِعِزّتِكَ لأُغَوْيَنّهُمْ أجَمعِينَ إلاّ عِبـادَكَ مِنْهُمُ الـمُخْـلَصِينَ ثم صدّق ظنه ذلك فـيهم, فحقّق ذلك بهم, وبـاتبـاعهم إياه. وقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والشأم والبصرة «وَلَقَدْ صَدَقَ» بتـخفـيف الدال, بـمعنى: ولقد صدق علـيهم ظنه.
والصواب من القول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا الـمعنى وذلك أن إبلـيس قد صدَق علـى كفرة بنـي آدم فـي ظنه, وصدق علـيهم ظنّه الذي ظنّ حين قال: ثُمّ لاَتِـيَنّهُمْ مِنْ بـينِ أيْدِيهِمْ وَمِنْ خَـلْفِهِمْ وَعَنْ أيـمانِهِمْ وَعَنْ شَمائلِهِمْ وَلا تَـجِدُ أكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ, وحين قال: وَلأُضِلّنّهُمْ وَلأُمَنّـيَنّهُمْ... الاَية, قال ذلك عدوّ الله, ظنا منه أنه يفعل ذلك لا علـما, فصار ذلك حقا بـاتبـاعهم إياه, فبأيّ القراءتـين قرأ القارىء فمصيب. فإذا كان ذلك كذلك, فتأويـل الكلام علـى قراءة من قرأ بتشديد الدال: ولقد ظنّ إبلـيس بهؤلاء الذين بدّلناهم بجنّتـيهم جنتـين ذواتـي أكل خمط, عقوبة منا لهم, ظنا غير يقـين, علـم أنهم يتبعونه ويطيعونه فـي معصية الله, فصدق ظنه علـيهم, بإغوائه إياهم, حتـى أطاعوه, وعصوا ربهم, إلا فريقا من الـمؤمنـين بـالله, فإنهم ثبتوا علـى طاعة الله ومعصية إبلـيس.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22016ـ حدثنـي أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا حجاج, عن هارون, قال: أخبرنـي عمرو بن مالك, عن أبـي الـجوزاء, عن ابن عبـاس أنه قرأ: وَلَقَدْ صَدّقَ عَلَـيْهِمْ إبْلِـيسُ ظَنّهُ مشددة, وقال: ظنّ ظنا, فصدّق ظنه.
22017ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, عن سفـيان, عن منصور, عن مـجاهد وَلَقَدْ صَدّقَ عَلَـيْهِمْ إبْلِـيسُ ظَنّهُ قال: ظنّ ظنا فـاتبعوا ظنه.
22018ـ قال: ثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلَقَدْ صَدّقَ عَلَـيْهِمْ إبْلِـيسُ ظَنّهُ قال ألله: ما كان إلا ظنا ظنه, والله لا يصدّق كاذبـا, ولا يكذّب صادقا.
22019ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلَقَدْ صَدّقَ عَلَـيْهِمْ إبْلِـيسُ ظَنّهُ قال: أرأيت هؤلاء الذين كرّمتهم علـيّ, وفضّلتهم وشرّفتهم, لا تـجد أكثرهم شاكرين, وكان ذلك ظنا منه بغير علـم, فقال الله: فـاتّبَعُوهُ إلاّ فَرِيقا منَ الـمُؤْمِنِـينَ.
الآية : 21
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مّن سُلْطَانٍ إِلاّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالاَخِرَةِ مِمّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكّ وَرَبّكَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ حَفُيظٌ }.
يقول تعالـى ذكره: وما كان لإبلـيس علـى هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم من حُجة يضلهم بها, إلا بتسلـيطناه علـيهم, لُـيعلـم حزبُنا وأولـياؤنا مَنْ يُؤْمِنُ بـالاَخِرَةِ يقول: من يصدّق بـالبعث والثواب والعقاب مِـمّنْ هُوَ مِنْها فِـي شَكَ فلا يُوقِن بـالـمعاد, ولا يصدّق بثواب ولا عقاب. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22020ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَما كانَ لَهُ عَلَـيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ قال: قال الـحسن: والله ما ضربهم بعصا ولا سَيف ولا سَوْط, إلا أمانـيّ وغرورا دعاهم إلـيها.
22021ـ قال: ثنا سعيد, عن قتادة قوله: إلاّ لِنَعْلَـمَ مَنْ يُؤْمِنُ بـالاَخِرَةِ مِـمّنْ هُوَ مِنْها فِـي شكّ قال: وإنـما كان بلاءً لـيَعلـم الله الكافر من الـمؤمن.
وقـيـل: عُنِـي بقوله: إلاّ لِنَعْلَـمَ مَنْ يُؤْمِنُ بـالاَخِرَةِ إلا لنعلـم ذلك موجودا ظاهرا لـيستـحقّ به الثواب أو العقاب.
وقوله: وَرَبّكَ علـى كُلّ شَيْءٍ حَفِـيظٌ يقول تعالـى ذكره: وربك يا مـحمد علـى أعمال هؤلاء الكفرة به, وغير ذلك من الأشياء كلها حَفِـيظٌ لا يعزب عنه علـم شيء منه, وهو مُـجازٍ جميعَهم يوم القـيامة, بـمِا كسبوا فـي الدنـيا من خير وشرّ.
الآية : 22
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلِ ادْعُواْ الّذِينَ زَعَمْتُمْ مّن دُونِ اللّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرّةٍ فِي السّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مّن ظَهِيرٍ }.
يقول تعالـى ذكره: فهذا فعلُنا بولـينا ومن أطاعنا, داود وسلـيـمان الذي فعلنا بهما من إنعامنا علـيهما النعم التـي لا كفـاءَ لها إذ شكرانا, وذاك فعلنا بسَبَإ الذين فعلنا بهم, إذ بَطِروا نعمتنا, وكذّبوا رسلنا, وكفروا أيادَينا, فقل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين بربهم من قومك, الـجاحدين نعمنا عندهم: ادعوا أيها القوم الذين زعمتـم أنهم لله شريك من دونه, فسلوهم أن يفعلوا بكم بعض أفعالنا, بـالذين وصفنا أمرهم من إنعام أو إياس, فإن لـم يقدروا علـى ذلك فـاعلـموا أنكم مبطلون, لأن الشركة فـي الربوبـية لا تصلـح ولا تـجوز, ثم وصف الذين يدعون من دون الله, فقال: إنهم لا يـملكون مثقال ذرّة فـي السموات ولا فـي الأرض من خير ولا شرّ ولا ضرّ ولا نفع, فكيف يكون إلها من كان كذلك. وقوله: وَما لَهُمْ فِـيهِما مِنْ شِرْكٍ يقول تعالـى ذكره: ولا هم إذ لـم يكونوا يـملكون مثقال ذرّة فـي السموات ولا فـي الأرض, منفردين بـملكه من دون الله, يـملكونه علـى وجه الشّرِكة, لأن الأملاك فـي الـمـملوكات, لا تكون لـمالكها إلا علـى أحد وجهين: إما مقسوما, وإما مُشَاعا يقول: وآلهتهم التـي يدعون من دون الله, لا يـملكون وزن ذَرّة فـي السموات ولا فـي الأرض, لا مُشاعا ولا مقسوما, فكيف يكون من كان هكذا شريكا لـمن له ملك جميع ذلك. وقوله: وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ يقول: وما لله من الاَلهة التـي يدعون من دونه مُعِين علـى خـلق شيء من ذلك, ولا علـى حفظه, إذ لـم يكن لها ملك شيء منه مُشاعا ولا مقسوما, فـيقال: هو لك شريك من أجل أنه أعان وإن لـم يكن له ملك شيء منه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22022ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: قُلِ ادْعُوا الّذِينَ زَعَمْتُـمْ مِنْ دُونِ اللّهِ لاَ يـمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرّةٍ فِـي السّمَوَاتِ وَلا فِـي الأرْضِ وَما لَهُمْ فِـيهِما مِنْ شِرْكٍ يقول: ما لله من شريك فـي السماء ولا فـي الأرض وما لَهُ مِنْهمْ من الذين يدعون من دون الله مِن ظهيرٍ من عون بشيء