تفسير الطبري تفسير الصفحة 435 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 435
436
434
 الآية : 4-5
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الاُمُورُ * يَأَيّهَا النّاسُ إِنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ فَلاَ تَغُرّنّكُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَلاَ يَغُرّنّكُمْ بِاللّهِ الْغَرُورُ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وإن يكذّبك يا مـحمد هؤلاء الـمشركون بـالله من قومك فلا يحزننك ذاك, ولا يعظم علـيك, فإن ذلك سنة أمثالهم من كفرة الأمـم بـالله, من قبلهم, وتكذيبهم رسل الله التـي أرسلها إلـيهم من قبلك, ولن يعدو مشركو قومك أن يكونوا مثلهم, فـيتبعوا فـي تكذيبك منهاجهم, ويسلكوا سبـيـلهم وَإلـى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ يقول تعالـى ذكره: وإلـى الله مرجع أمرك وأمرهم, فمـحلّ بهم العقوبة, إن هم لـم ينـيبوا إلـى طاعتنا فـي اتبـاعك, والإقرار بنبوّتك, وقبول ما دعوتهم إلـيه من النصيحة, نظير ما أحللنا بنظرائهم من الأمـم الـمكذّبة رسلها قبلك, ومنـجّيك وأتبـاعك من ذلك, سنتنا بـمن قبلك فـي رسلنا وأولـيائنا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22103ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَإنْ يُكَذّبوكَ فَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ يعزّي نبـيه كما تسمعون.
وقوله: يا أيها النّاسُ إنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ يقول تعالـى ذكره لـمشركي قريش, الـمكذّبـي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس إن وعد الله إياكم بأسه علـى إصراركم علـى الكفر به, وتكذيب رسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم, وتـحذيركم, وتـحذيركم نزول سطوته بكم علـى ذلك حقّ, فأيقنوا بذلك, وبـادروا حلول عقوبتكم بـالتوبة والإنابة إلـى طاعة الله والإيـمان به وبرسوله فَلا تَغُرّنّكُمْ الـحَياةُ الدّنْـيا يقول: فلا يغرّنكم ما أنتـم فـيه من العيش فـي هذه الدنـيا ورياستكم التـي تترأسون بها فـي ضعفـائكم فـيها عن اتبـاع مـحمد والإيـمان وَلا يَغُرّنّكُمْ بـاللّهِ الغَرُورُ يقول: ولا يخدعنكم بـالله الشيطان, فـيـمنـيكم الأمانـيّ, ويعدكم من الله العدات الكاذبة, ويحملكم علـى الإصرار علـى كفركم بـالله, كما:
22104ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَلا يَغُرّنّكُمْ بـاللّهِ الغَرُورُ يقول: الشيطان.
الآية : 6
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الشّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السّعِيرِ }.
يقول تعالـى ذكره: إنّ الشّيْطانَ الذي نهيتكم أيها الناس أن تغترّوا بغروره إياكم بـالله لَكُمْ عَدُوّ فـاتّـخِذُوهُ عَدُوّا يقول: فأنزلوه من أنفسكم منزل العدوّ منكم, واحذروه بطاعة الله واستغشاشكم إياه, خذركم من عدوّكم الذي تـخافون غائلته علـى أنفسكم, فلا تطيعوه ولا تتّبعوا خطواته, فإنه إنـما يدعو حزبه, يعنـي شيعته, ومن أطاعه إلـى طاعته والقبول منه, والكفر بـالله لِـيَكُونُوا منْ أصحَابِ السّعِيرِ يقول: لـيكونوا من الـمخـلدين فـي نار جهنـم التـي تتوقد علـى أهلها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22105ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّ الشّيْطانَ لَكُمْ عَدُوّ فـاتّـخِذُوهُ عَدُوّا فإنه لـحقّ علـى كلّ مسلـم عدواته, وعدواته أن يعاديه بطاعة الله إنـمَا يَدْعُو حِزْبَهُ وحزبه: أولـياؤه لِـيَكُونُوا مِنْ أصحَابِ السّعِيرِ: أي لـيسوقهم إلـى النار, فهذه عداوته.
22106ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: إنّـمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِـيَكونُوا مِنْ أصحَابِ السّعِيرِ وقال: هؤلاء حزبه من الإنس, يقول: أولئك حزب الشيطان, والـحزب: ولاته الذين يتولاهم ويتولونه, وقرأ: إنّ وَلِـيّـيَ اللّهُ الّذِي نَزّلَ الكِتابَ وَهوَ يَتَوَلّـى الصّالِـحِينَ.
الآية : 7
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لَهُم مّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }.
يقول تعالـى ذكره: الّذِينَ كَفَروا بـالله ورسوله لَهُمْ عَذَابٌ من الله شَدِيدٌ, وذلك عذاب النار. وقوله: وَالّذِينَ آمَنُوا يقول: والذين صدّقوا الله ورسوله, وعملوا بـما أمرهم الله, وانتهوا عما نهاهم عنه لَهُمْ مَغْفِرَةٌ من الله لذنوبهم وأجْرٌ كَبِـيرٌ وذلك الـجنة, كما:
22107ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ كَبِـيرٌ وهي الـجنة.
الآية : 8
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوَءَ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنّ اللّهَ يُضِلّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: أفمن حسّن له الشيطان أعماله السيئة من معاصي الله والكفر به, وعبـادة ما دونه من الاَلهة والأوثان, فرآه حسنا, فحسب سيىء ذلك حسنا, وظنّ أن قُبحه جميـل, لتزيـين الشيطان ذلك له, ذهبت نفسك علـيهم حسرات وحذف من الكلام: ذهبت نفسك علـيهم حسرات, اكتفـاء بدلالة قوله: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَـيْهِمْ حَسَرَاتٍ منه. وقوله: فإنّ اللّهَ يُضِلّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ يقول: فإن الله يخذل من يشاء عن الإيـمان به واتبـاعك وتصديقك, فـيضله عن الرشاد إلـى الـحقّ فـي ذلك, ويهدي من يشاء يقول: ويوفّق من يشاء للإيـمان به واتبـاعك, والقبول منك, فتهديه إلـى سبـيـل الرشاد فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَـيْهِمْ حَسَراتٍ يقول: فلا تُهلك نفسك حزنا علـى ضلالتهم وكفرهم بـالله, وتكذيبهم لك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22108ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أفمَنْ زُيّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرآهُ حَسَنا فإنّ اللّهِ يُضِلّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ قال قتادة والـحسن: الشيطان زين لهم فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَـيْهِمْ حَسَرَاتٍ: أي لا يُحزنك ذلك علـيهم, فإن الله يضلّ من يشاء, ويهدي من يشاء.
22109ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قول الله: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَـيْهِمْ حَسَراتٍ قال: الـحسرات: الـحزن, وقرأ قول الله: يا حَسْرَتا علـى ما فَرّطْتُ فِـي جَنْبِ اللّهِ.
ووقع قوله: فإنّ اللّهَ يُضِلّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ موضع الـجواب, وإنـما هو منبع الـجواب, لأن الـجواب هو الـمتروك الذي ذكرت, فـاكتفـى به من الـجواب لدلالته علـى الـجواب ومعنى الكلام.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَـيْهِمْ حَسَراتٍ فقرأته قرّاء الأمصار سوى أبـي جعفر الـمدنـي فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ بفتـح التاء من تَذهَبْ, ونفسك برفعها. وقرأ ذلك أبو جعفر: «فَلا تُذْهِبْ» بضم التاء من تَذْهَبْ, ونفسَك بنصبها, بـمعنى: لا تذهب أنت يا مـحمد نفسك.
والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا ما علـيه قرّاء الأمصار, لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه.
وقوله: إنّ اللّهَ عَلِـيـمٌ بِـمَا يَصْنَعُونَ يقول تعالـى ذكره: إن الله يا مـحمد ذو علـم بـما يصنع هؤلاء الذين زيّن لهم الشيطان سوء أعمالهم, وهو مـحصيه علـيهم, ومـجازيهم به جزاءهم.
الآية : 9
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّهُ الّذِيَ أَرْسَلَ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَىَ بَلَدٍ مّيّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النّشُورُ }.
يقول تعالـى ذكره: والله الذي أرسل الرياح فتثـير السحاب للـحَيا والغيث فَسقْناهُ إلـى بَلَدٍ مَيّتٍ يقول: فسقناه إلـى بلد مـجدب الأهل, مـحل الأرض, داثر لا نبت فـيه ولا زرع فَأحْيَـيْنا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها يقول: فأخصبنا بغيث ذلك السحاب الأرض التـي سقناه إلـيها بعد جدوبها, وأنبتنا فـيها الزرع بعد الـمـحل كَذلكَ النّشُورُ يقول تعالـى ذكره: هكذا يُنْشِر الله الـموتـى بعد بلائهم فـي قبورهم, فـيحيـيهم بعد فنائهم, كما أحيـينا هذه الأرض بـالغيث بعد مـماتها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: 22110ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن سلـمة بن كهيـل, قال: حدثنا أبو الزعراء, عن عبد الله, قال: يكون بـين النفختـين ما شاء الله أن يكون, فلـيس من بنـي آدم إلاّ وفـي الأرض منه شيء. قال: فـيرسل الله ماء من تـحت العرش منـيّا كمنـيّ الرجل, فتنبت أجسادهم ولـحمانهم من ذلك, كما تنبت الأرض من الثرى, ثم قرأ: وَاللّهُ الّذِي أرْسَلَ الرّياحَ فَتُثـيرُ سَحَابـا فَسقْناهُ إلـى بَلَدٍ مَيّتْ... إلـى قوله: كَذلكَ النُشُورُ قال: ثم يقوم ملَك بـالصور بـين السماء والأرض, فـينفخ فـيه, فتنطلق كلّ نفس إلـى جسدها, فتدخـل فـيه.
22111ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَاللّهُ الّذِي أرْسَلَ الرّياحَ فَتُثـيرُ سحَابـا قال: يرسل الرياح فتسوق السحاب, فأحيا الله به هذه الأرض الـميتة بهذا الـماء, فكذلك يبعثه يوم القـيامة.
الآية : 10
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزّةَ فَلِلّهِ الْعِزّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطّيّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالّذِينَ يَمْكُرُونَ السّيّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ }.
اختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ العِزّةَ فَلِلّهِ العِزّةُ جَمِيعا فقال بعضهم: معنى ذلك: من كان يريد العزّة بعبـادة الاَلهة والأوثان, فإن العزة لله جميعا. ذكر من قال ذلك:
22112ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: مَنْ كانَ يُرِيدُ العِزّةَ يقول: من كان يريد العزّة بعبـادته الاَلهة فإنّ العِزّةَ لِلّهِ جَمِيعا.
وقال آخرون: معنى ذلك: من كان يريد العزة فلـيتعزّز بطاعة الله. ذكر من قال ذلك:
22113ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ العِزّةَ فَلِلّهِ العِزّةُ جَمِيعا يقول: فلـيتعزّز بطاعة الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: من كان يريد علـم العزّة لـمن هي, فإنه لله جميعا كلها: أي كلّ وجه من العزّة فللّه.
والذي هو أولـى الأقوال بـالصواب عندي قول من قال: من كان يريد العزّة, فبـالله فلـيتعزّز, فللّه العزّة جميعا, دون كلّ ما دونه من الاَلهة والأوثان.
وإنـما قلت: ذلك أولـى بـالصواب, لأن الاَيات التـي قبل هذه الاَية, جرت بتقريع الله الـمشركين علـى عبـادتهم الأوثان, وتوبـيخه إياهم, ووعيده لهم علـيها, فأولـى بهذه أيضا أن تكون من جنس الـحث علـى فراق ذلك, فكانت قصتها شبـيهة بقصتها, وكانت فـي سياقها.
وقوله: إلَـيْه يَصْعَدُ الكَلِـمُ الطّيّب يقول تعالـى ذكره: إلـى الله يصعد ذكر العبد إياه وثناؤه علـيه والعَمَلُ الصّالِـحُ يَرْفَعُهُ يقول: ويرفع ذكر العبد ربه إلـيه عمله الصالـح, وهو العمل بطاعته, وأداء فرائضه, والانتهاء إلـى ما أمر به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22114ـ حدثنـي مـحمد بن إسماعيـل الأحمسي, قال: أخبرنـي جعفر بن عون, عن عبد الرحمن بن عبد الله الـمسعودي, عن عبد الله بن الـمخارق, عن أبـيه الـمخارق بن سلـيـم, قال: قال لنا عبد الله: إذا حدّثناكم بحديث أتـيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله. إن العبد الـمسلـم إذا قال: سبحان الله وبحمده, الـحمد لله لا إله إلاّ الله, والله أكبر, تبـارك الله, أخذهنّ ملك, فجعلهنّ تـحت جناحيه, ثم صعد بهنّ إلـى السماء, فلا يـمرّ بهنّ علـى جمع من الـملائكة إلاّ استغفروا لقائلهنّ حتـى يحيـي بهنّ وجه الرحمن, ثم قرأ عبد الله: إلَـيْهِ يَصْعَدُ الكَلِـمُ الطّيّبِ والعَمَلُ الصّالِـحُ يَرْفَعُهُ.
22115ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا سعيد الـجريري, عن عبد الله بن شقـيق, قال: قال كعب: إن لسبحان الله, والـحمد لله, ولا إله إلاّ الله, والله أكبر, لدويا حول العرش كدويّ النـحل, يذكرن بصاحبهنّ, والعمل الصالـح فـي الـخزائن.
22116ـ حدثنـي يونس, قال: حدثنا سفـيان, عن لـيث بن أبـي سلـيـم, عن شهر بن حوشب الأشعري, قوله: إِلـيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِـمُ الطّيّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِـحُ يَرْفَعُهُ قال: العمل الصالـح يرفع الكلـم الطيب.
22117ـ حدثنـي علـيّ, حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: إلَـيْهِ يَصْعَدُ الكَلِـمُ الطّيّبُ والعَمَلُ الصّالِـحُ يَرْفَعُهُ قال: الكلام الطيب: ذكر الله, والعمل الصالـح: أداء فرائضه فمن ذَكَر الله سبحانه فـي أداء فرائضه, حُمِل علـيه ذكر الله فصعد به إلـى الله, ومن ذكر الله, ولـم يؤدّ فرائضه, رُدّ كلامه علـى عمله, فكان أولـى به.
22118ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: إلَـيْهِ يَصْعَدُ الكَلِـمُ الطّيّبُ وَالعَمَلُ الصّالِـحُ يَرْفَعُهُ قال: العمل الصالـح يرفع الكلام الطيب.
22119ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد عن قتادة قوله: إلَـيْهِ يَصْعَدُ الكَلِـمُ الطّيّبُ والعَمَلُ الصّالِـحُ يَرْفَعُهُ قال: قال الـحسن وقتادة: لا يقبل الله قولاً إلاّ بعمل, من قال وأحسن العمل قبل الله منه.
وقوله: وَالّذِينَ يَـمْكُرُونَ السّيّئاتِ يقول تعالـى ذكره: والذين يكسبون السيئات لهم عذاب جهنـم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22120ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: ثنـي سعيد, عن قتادة, قوله: وَالّذِينَ يَـمْكُرُونَ السّيّئاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ قال: هؤلاء أهل الشرك.
وقوله: وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ يقول: وعمل هؤلاء الـمشركين يَبور, فـيبطُل فـيذهب, لأنه لـم يكن لله, فلـم ينفع عامله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22121ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ: أي يفسد.
22122ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا سفـيان, عن لـيث بن أبـي سلـيـم, عن شهر بن حوشب وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ قال: هم أصحاب الرياء.
حدثنـي مـحمد بن عمارة, قال: حدثنا سهل بن أبـي عامر, قال: حدثنا جعفر الأحمر, عن شهر بن حوشب, فـي قوله وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ قال: هم أصحاب الرياء.
22123ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ قال: بـار فلـم ينفعهم, ولـم ينتفعوا به, وضرّهم.
الآية : 11
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّهُ خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّطْفَةٍ ثُمّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىَ وَلاَ تَضَعُ إِلاّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمّرُ مِن مّعَمّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّ فِي كِتَابٍ إِنّ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ }.
يقول تعالـى ذكره: وَاللّهُ خَـلَقَكُمْ أيها الناس مِنْ تُرابٍ يعنـي بذلك أنه خـلق أبـاهم آدم من تراب, فجعل خـلق أبـيهم منه لهم خـلقا ثُمّ مِنْ نُطْفَةٍ يقول: ثم خـلقكم من نطفة الرجل والـمرأة ثُمّ جَعَلَكُمْ أزْوَاجا يعنـي أنه زوّج منهم الأنثى من الذكر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22124ـ حدثنـي بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَاللّهُ خَـلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ يعنـي آدم ثُمّ مِنْ نُطْفَةٍ يعنـي ذرّيته ثُمّ جَعَلَكُمْ أزْوَاجا فزوّج بعضكم بعضا.
وقوله: وَما تَـحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إلاّ بعِلْـمِهِ يقول تعالـى ذكره: وما تـحمل من أنثى منكم أيها الناس من حمل ولا نطفة إلاّ وهو عالـم بحملها إياه ووضعها, وما هو؟ ذكر أو أنثى؟ لا يخفـى علـيه شيء من ذلك.
وقوله: وَما يُعَمّرُ مِنْ مُعَمّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلاّ فِـي كِتابٍ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: معناه: وما يعمر من معمر فـيطول عمره, ولا ينقص من عمر آخر غيره عن عمر هذا الذي عمّر عمرا طويلاً إلاّ فِـي كِتابٍ عنده مكتوب قبل أن تـحمل به أمه, وقبل أن تضعه, قد أحصى ذلك كله وعلـمه قبل أن يخـلقه, لا يُزاد فـيـما كتب له ولا ينقص. ذكر من قال ذلك:
22125ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَما يُعَمّرُ مِنْ مُعَمّرٍ... إلـى يَسِيرٌ يقول: لـيس أحد قضيت له طول العمر والـحياة إلاّ وهو بـالِغ ما قدّرت له من العمر, وقد قضيت ذلك له, وإنـما ينتهي إلـى الكتاب الذي قدّرت له, لا يزاد علـيه ولـيس أحد قضيت له أنه قصير العمر والـحياة ببـالغ العمر, ولكن ينتهي إلـى الكتاب الذي قدّرت له لا يزاد علـيه, فذلك قوله: وَلا يُنْقَصُ مِنْ عمُرِهِ إلاّ فِـي كِتابٍ يقول: كلّ ذلك فـي كتاب عنده.
22126ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: من قضيت له أن يعمر حتـى يُدركه الكبر, أو يعمر أنقص من ذلك, فكلّ بـالغ أجله الذي قد قضى له, كلّ ذلك فـي كتاب.
22127ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَما يُعَمّرُ مِنْ مُعَمّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلاّ فِـي كِتابٍ قال: ألا ترى الناس: الإنسانُ يعيش مئة سنة, وآخرُ يـموت حين يولد؟ فهذا هذا.
فـالهاء التـي فـي قوله وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ علـى هذا التأويـل وإن كانت فـي الظاهر أنها كناية عن اسم الـمْعَمّر الأوّل, فهي كناية اسم آخر غيره, وإنـما حسُن ذلك لأن صاحبها لو أظهر لظهر بلفظ الأوّل, وذلك كقولهم: عندي ثوب ونصفه, والـمعنى: ونصف الاَخر.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما يُعمّر من معمّر ولا ينقص من عمره بفناء ما فنـي من أيام حياته, فذلك هو نقصان عمره. والهاء علـى هذا التأويـل للـمُعَمّر الأوّل, لأن معنى الكلام: ما يطوّل عمر أحد, ولا يذهب من عمره شيء, فـيُنْقَص إلاّ وهو فـي كتاب عبد الله مكتوب قد أحصاه وعلـمه. ذكر من قال ذلك:
22128ـ حدثنـي أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس, قال: حدثنا عبثر, قال: حدثنا حصين, عن أبـي مالك فـي هذه الاَية: وَما يُعَمّرُ مِنْ مُعَمّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلاّ فِـي كِتابٍ قال: ما يقضي كم أيامه التـي عددت له إلاّ فـي كتاب.
وأولـى التأويـلـين فـي ذلك عندي الصواب, التأويـل الأوّل وذلك أن ذلك هو أظهر معنـيـيه, وأشبههما بظاهر التنزيـل.
وقوله: إنّ ذلكَ علـى اللّهِ يَسيرٌ: يقول تعالـى ذكره: إن إحصاء أعمار خـلقه علـيه يسير سهل, طويـلُ ذلك وقصيره, لا يتعذّر علـيه شيء منه