تفسير الطبري تفسير الصفحة 436 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 436
437
435
 الآية : 12
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَـَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَـَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وما يعتدل البحران فـيستويان, أحدهما عَذْب فُرات والفرات: هو أعذب العذب, وهذا مِلْـحٌ أُجَاجٌ يقول: والاَخر منهما ملـح أجاج, وذلك هو ماء البحر الأخضر والأُجاج: الـمرّ, وهو أشدّ الـمياه مُلوحة, كما:
22129ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَهَذَا مِلْـحٌ أُجاجٌ والأُجاج: الـمرّ.
وقوله: وَمِنْ كُلَ تَأْكُلُونَ لَـحْما طَرِيّا يقول: ومن كلّ البحار تأكلون لـحما طَرِيا, وذلك السمك من عذبهما الفرات, وملـحهما الأجاج وتَسْتَـخْرِجُونَ حِلْـيَةً تَلْبَسُونَها يعنـي: الدرّ والـمرجان تستـخرجونها من الـملـح الأجاج. وقد بـيّنا قبل وجه تَسْتَـخْرِجُونَ حِلْـيَةً, وإنـما يستـخرج من الـملـح فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته وَتَرَى الفُلْكَ فِـيهِ مَوَاخِرَ يقول تعالـى ذكره: وترى السفن فـي كل تلك البحار مواخر, تـمخُر الـماء بصدورها, وذلك خرقها إياه إذا مرّت واحدتها ماخرة. يقال منه: مَخَرت تـمخُر, وتـمخَر مَخْرا, وذلك إذا اشقّت الـماء بصدورها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22130ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَمِنْ كُلّ تَأكُلُونَ لَـحْما طَرِيّا: أي منهما جميعا وتَسْتَـخْرِجونَ حِلْـيَةً تَلْبَسُونَها هذا اللؤلؤ, وترى الفُلك فـيه مواخر: فـيه السفن مُقبلةً ومدبرة بريح واحدة.
22131ـ حدثنا علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَتَرَى الفُلْكَ فِـيه مَوَاخِرَ يقول: جَوارِي.
وقوله: لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ يقول: لتطلبوا بركوبكم فـي هذه البحار فـي الفلك من معايشكم, ولتتصرّفوا فـيها فـي تـجاراتكم, وتشكروا الله علـى تسخيره ذلك لكم, وما رزقكم منه من طيبـات الرزق, وفـاخر الـحلـيّ.
الآية : 13
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يُولِجُ الْلّيْلَ فِي النّهَارِ وَيُولِجُ النّهَارَ فِي الْلّيْلِ وَسَخّرَ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلّ يَجْرِي لأجَلٍ مّسَمّى ذَلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ }.
يقول تعالـى ذكره: يدخـل اللـيـل فـي النهار, وذلك ما نقص من اللـيـل أدخـله فـي النهار فزاده فـيه, ويولـج النهار فـي اللـيـل, وذلك ما نقص من أجزاء النهار زاد فـي أجزاء اللـيـل, فأدخـله فـيها, كما:
22132ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يُولِـجُ اللّـيْـلَ فِـي النّهارِ وَيُولِـجُ النّهارَ فِـي اللّـيْـلِ زيادة هذا فـي نقصان هذا, ونقصان هذا فـي زيادة هذا.
22133ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: يُولِـجُ اللّـيْـلَ فِـي النّهارِ وَيُولِـجُ النّهارَ فِـي اللّـيْـلِ يقول: هو انتقاص أحدهما من الاَخر.
وقوله: وسَخّرَ الشّمْسَ والقَمَرَ كُلّ يَجْرَي لأَجَلٍ مُسَمّى يقول: وأَجْرى لكم الشمس والقمر نعمة منه علـيكم, ورحمة منه بكم, لتعلـموا عدد السنـين والـحساب, وتعرفوا اللـيـل من النهار.
وقوله: كُلّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمّى يقول: كل ذلك يجري لوقت معلوم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22134ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَسَخّرَ الشّمْسَ والقَمَرَ كُلّ يَجْرِي لاِءَجَلٍ مُسَمّى أجل معلوم, وحدّ لا يُقَصّر دونه ولا يتعدّاه.
وقوله: ذَلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمْ يقول: الذي يفعل هذه الأفعال معبودكم أيها الناس الذي لا تصلـح العبـادة إلاّ له, وهو الله ربكم, كما:
22135ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ذَلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمْ لَهُ الـمُلْكُ: أي هو الذي يفعل هذا.
وقوله: لَهُ الـمُلْكُ يقول تعالـى ذكره: له الـملك التامّ الذي لا شيء إلاّ وهو فـي ملُكه وسلطانه.
وقوله وَالّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَـمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ يقول تعالـى ذكره: والذين تعبدون أيها الناس من دون ربكم الذي هذه الصفة التـي ذكرها فـي هذه الاَيات الذي له الـمُلك الكامل, الذي لا يُشبهه ملك, صفته ما يَـمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ يقول: ما يـملكون قِشْر نواة فما فوقها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22136ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا عوف, عمن حدّثه, عن ابن عبـاس فـي قوله: ما يَـمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ قال: هو جلد النواة.
حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله مِنْ قِطْمِيرٍ يقول: الـجلد الذي يكون علـى ظهر النواة.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله ما يَـمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ يعنـي: قشر النواة.
22137ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: مِن قِطْمِيرٍ قال: لفـافة النواة كسحاة البـيضة.
22138ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, فـي قوله: ما يَـمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ والقطمير: القشرة التـي علـى رأس النواة.
22139ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد, قال: حدثنا مروان بن معاوية, عن جُوَيبر, عن بعض أصحابه, فـي قوله: ما يَـمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ قال: هو القِمع الذي يكون علـى التـمرة.
22140ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عامر, قال: حدثنا مرّة, عن عطية, قال: القطمير: قشر النواة.
الآية : 14
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ وَلاَ يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }.
قوله: إنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا ما اسْتَـجابُوا لَكُمْ يقول تعالـى ذكره: إن تدعوا أيها الناس هؤلاء الاَلهة التـي تعبدونها من دون الله لا يسمعوا دعاءكم, لأنها جماد لا تفهم عنكم ما تقولون وَلَوْ سَمِعُوا ما اسْتَـجابُوا لَكُمْ يقول: ولو سمعوا دعاءكم إياهم, وفهموا عنكم أنها قولكم, بأن جُعل لهم سمع يسمعون به, ما استـجابوا لكم, لأنها لـيست ناطقة, ولـيس كلّ سامع قولاً متـيسّرا له الـجواب عنه. يقول تعالـى ذكره للـمشركين به الاَلهة والأوثان: فكيف تعبدون من دون الله من هذه صفته, وهو لا نفع لكم عنده, ولا قُدرة له علـى ضرّكم, وتَدَعون عبـادة الذي بـيده نفعكم وضرّكم, وهو الذي خـلقكم وأنعم علـيكم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22141ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا ما اسْتَـجابُوا لَكُمْ أي ما قَبِلوا ذلك عنكم, ولا نفعوكم فـيه.
وقوله: وَيَوْمَ القِـيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ يقول تعالـى ذكره للـمشركين من عبدة الأوثان: ويوم القـيامة تتبرأ آلهتكم التـي تعبدونها من دون الله من أن تكون كانت لله شريكا فـي الدنـيا, كما:
22142ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَيَوْمَ القِـيامَةِ يكْفُرُونَ بشِرْكِكمْ إياهم, ولا يرضَوْن, ولا يُقِرّون به.
وقوله: وَلا يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِـيرٍ يقول تعالـى ذكره: ولا يخبرك يا مـحمد عن آلهة هؤلاء الـمشركين وما يكون من أمرها وأمر عَبَدَتها يوم القـيامة, من تَبَرّئها منهم, وكفرها بهم, مثل ذي خبرة بأمرها وأمرهم وذلك الـخبـير هو الله الذي لا يخفـى علـيه شيء كان أو يكون سبحانه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22143ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلا يُنَبّئُكَ مثْلُ خَبِـير والله هو الـخبـير أنه سيكون هذا منهم يوم القـيامة.
الآية : 15
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا النّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ إِلَى اللّهِ وَاللّهُ هُوَ الْغَنِيّ الْحَمِيدُ }.
يقول تعالـى ذكره: يا أيها الناس أنتـم أولو الـحاجة والفقر إلـى ربكم, فإياه فـاعبدوا, وفـي رضاه فسارعوا, يغنكم من فقركم, وتُنْـجح لديه حوائجكم وَاللّهُ هُوَ الغَنِـيّ عن عبـادتكم إياه, وعن خدمتكم, وعن غير ذلك من الأشياء, منكم ومن غيركم, الـحَمِيدُ يعنـي: الـمـحمود علـى نِعَمه, فإن كلّ نعمة بكم وبغيركم فمنه, فله الـحمد والشكر بكلّ حال.
الآية : 16-18
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللّهِ بِعَزِيزٍ * وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىَ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىَ إِنّمَا تُنذِرُ الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَمَن تَزَكّىَ فَإِنّمَا يَتَزَكّىَ لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ }.
يقول تعالـى ذكره: إن يشأ يُهلككم أيها الناس ربكم, لأن أنشأكم من غير ما حاجة به إلـيكم ويَأْتِ بِخَـلْقٍ جَدِيدٍ يقول: ويأت بخـلق سواكم يُطيعونه, ويأتـمرون لأمره, وينتهون عما نهاهم عنه, كما:
22144ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنْ يَشأْ يُذْهِبْكُمْ ويَأْتِ بِخَـلْقٍ جَدِيدٍ: أي ويأت بغيركم.
وقوله: وَما ذَلكَ علـى اللّهِ بِعَزِيزٍ يقول: وما إذهابكم والإتـيان بخـلق سواكم علـى الله بشديد, بل ذلك علـيه يسير سهل, يقول: فـاتقوا الله أيها الناس, وأطيعوه قبل أن يفعل بكم ذلك.
وقوله: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى يقول تعالـى ذكره: ولا تـحملْ آثمة إثم أخرى غيرها وَإنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلـى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبَى يقول تعالـى: وإن تسألْ ذاتُ ثِقْل من الذنوب مَنْ يحمل عنها ذنوبها, وتطلب ذلك لـم تـجد من يحمل عنها شيئا منها, ولو كان الذي سألته ذا قرابة من أب أو أخ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22145ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ أُخْرَى وَإنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلـى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبَى يقول: يكون علـيه وزر لا يجد أحدا يحمل عنه من وزره شيئا.
22146ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَإنْ تَدعُ مُثْقَلةٌ إلـى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ كنـحو: لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وَزْرَ أُخْرَى.
22147ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَإنْ تَدْع مُثْقَلَةٌ إلـى حِمْلِها إلـى ذنوبها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبَى: أي قريب القرابة منها, لا يحمل من ذنوبها شيئا, ولا تـحمل علـى غيرها من ذنوبها شيئاوَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ونصب ذا قربى علـى تـمام «كان» لأن معنى الكلام: ولو كان الذي تسأله أن يحمل عنها ذنوبها ذا قربى لها وأنثت «مثقلة», لأنه ذهب بـالكلام إلـى النفس, كأنه قـيـل: وإن تدع نفس مثقلة من الذنوب إلـى حمل ذنوبها. وإنـما قـيـل كذلك لأن النفس تؤدّي عن الذكر والأنثى, كما قـيـل: كُلّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الـمَوْتِ يعنـي بذلك: كلّ ذكر وأنثى.
وقوله: إنّـمَا تُنْذِرُ الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ بـالغَيْبِ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: إنـما تنذر يا مـحمد الذين يخافون عقاب الله يوم القـيامة من غير معاينة منهم لذلك, ولكن لإيـمانهم بـما أتـيتهم به, وتصديقهم لك فـيـما أنبأتهم عن الله فهؤلاء الذين ينفعهم إنذارك, ويتعظون بـمواعظك, لا الذين طَبَع الله علـى قلوبهم فهم لا يفقهون, كما:
22148ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّـمَا تُنْذِرُ الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ بـالغَيْبِ: أي يخشون النار.
وقوله: وأقامُوا الصّلاةَ يقول: وأَدّوْا الصلاة الـمفروضة بحدودها علـى ما فرضها الله علـيهم. وقوله: وَمَنْ تَزَكّى فإنّـمَا يتَزَكّى لِنَفْسِهِ يقول تعالـى ذكره: ومن يتطهّر من دنس الكفر والذنوب بـالتوبة إلـى الله, والإيـمان به, والعمل بطاعته, فإنـما يتطهّر لنفسه, وذلك أنه يثـيبها به رضا الله, والفوز بجنانه, والنـجاة من عقابه, الذي أعدّه لأهل الكفر به, كما:
22149ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَمَنْ تَزَكّى فإنّـمَا يَتَزَكّى لِنَفْسِهِ: أي من يعملْ صالـحا فإنـما يعمله لنفسه.
وقوله: وَإلـى اللّهِ الـمَصِيرُ يقول: وإلـى الله مصير كلّ عامل منكم أيها الناس, مؤمنكم وكافركم, وبرّكم وفـاجركم, وهو مـجاز جميعكم بـما قدّم من خير أو شرّ علـى ما أهل منه