تفسير الطبري تفسير الصفحة 463 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 463
464
462
 الآية : 41
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِنّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنّـاسِ بِالْحَقّ فَـمَنِ اهْتَـدَىَ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَـلّ فَإنّمَا يَضِلّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إنا أنزلنا عليك يا محمد الكتاب تبيانا للناس بالحقّ فَمَن اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ يقول: فمن عمل بما في الكتاب الذي أنزلناه إليه واتبعه فلنفسه, يقول: فإنما عمل بذلك لنفسه, وإياها بغى الخير لا غيرها, لأنه أكسبها رضا الله والفوز بالجنة, والنجاة من النار. وَمَنْ ضَلّ يقول: ومن جار عن الكتاب الذي أنزلناه إليك, والبيان الذي بيّناه لك, فضل عن قصد المحجة, وزال عن سواء السبيل, فإنما يجوز على نفسه, وإليها يسوق العطب والهلاك, لأنه يكسبها سخط الله, وأليم عقابه, والخزي الدائم. وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بوَكِيل يقول تعالى ذكره: وما أنت يا محمد على من أرسلتك إليه من الناس برقيب ترقب أعمالهم, وتحفظ عليهم أفعالهم, إنما أنت رسول, وإنما عليك البلاغ, وعلينا الحساب, كما:
23218ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بوَكِيلٍ أي بحفيظ.
23219ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بوَكِيلٍ قال: بحفيظ.

الآية : 42
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {اللّهُ يَتَوَفّى الأنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا وَالّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا فَيُمْسِكُ الّتِي قَضَىَ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الاُخْرَىَ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: ومن الدلالة على أن الألوهة لله الواحد القهار خالصة دون كلّ ما سواه, أنه يميت ويحيي, ويفعل ما يشاء, ولا يقدر على ذلك شيء سواه فجعل ذلك خبرا نبههم به على عظيم قُدرته, فقال: اللّهُ يَتَوَفّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِها فيقبضها عند فناء أجلها, وانقضاء مدة حياتها, ويتوفى أيضا التي لم تمت في منامها, كما التي ماتت عند مماتها فَيُمْسِكُ التي قَضَى عَلَيْها المَوْتَ. ذُكر أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام, فيتعارف ما شاء الله منها, فإذا أراد جميعها الرجوع إلى أجسادها أمسك الله أرواح الأموات عنده وحبسها, وأرسل أرواح الأحياء حتى ترجع إلى أجسادها إلى أجل مسمى وذلك إلى انقضاء مدة حياتها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23220ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن جُبير, في قوله: اللّهُ يَتَوَفّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها... الاَية. قال: يجمع بين أرواح الأحياء, وأرواح الأموات, فيتعارف منها ما شاء الله أن يتعارف, فيمسك التي قضى عليها الموت, ويُرسل الأخرى إلى أجسادها.
23221ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: اللّهُ يَتَوَفّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها قال: تقبض الأرواح عند نيام النائم, فتقبض روحه في منامه, فتلقى الأرواح بعضها بعضا: أرواح الموتى وأرواح النيام, فتلتقي فتساءل, قال: فيخلّي عن أرواح الأحياء, فترجع إلى أجسادها, وتريد الأخرى أن ترجع, فيحبس التي قضى عليها الموت, ويرسِلُ الأخرى إلى أجل مسمى, قال: إلى بقية آجالها.
23222ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: اللّهُ يَتَوَفّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتها والتي لَمْ تَمُتْ فِي منَامِها قال: فالنوم وفاة فَيُمْسِكُ التي قَضَى عَلَيْها المَوْتَ ويُرْسِلُ الأُخْرَى التي لم يقبضها إلى أجَلٍ مُسَمّى.
وقوله: إنّ فِي ذلكَ لاَياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ يقول تعالى ذكره: إن في قبض الله نفس النائم والميت وإرساله بعدُ نَفْسَ هذا ترجع إلى جسمها, وحبسه لغيرها عن جسمها لعبرةً وعظة لمن تفكر وتدبر, وبيانا له أن الله يحيي من يشاء من خلقه إذا شاء, ويميت من شاء إذا شاء.
الآية : 43-44
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَمِ اتّخَذُواْ مِن دُونِ اللّهِ شُفَعَآءَ قُلْ أَوَلَوْ كَـانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ * قُل لِلّهِ الشّفَاعَةُ جَمِيعاً لّهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ثُمّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }.
يقول تعالى ذكره: أم اتخذ هؤلاء المشركون بالله من دونه آلهتهم التي يعبدونها شفعاء تشفع لهم عند الله في حاجاتهم. وقوله: قُلْ أوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئا وَلا يَعْقِلُونَ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهم: أتتخذون هذه الاَلهة شفعاء كما تزعمون ولو كانوا لا يملكون لكم نفعا ولا ضرا, ولا يعقلون شيئا, قل لهم: إن تكونوا تعبدونها لذلك, وتشفع لكم عند الله, فأخلصوا عبادتكم لله, وأفردوه بالألوهة, فإن الشفاعة جميعا له, لا يشفع عنده إلا من أذن له, ورضي له قولاً, وأنتم متى أخلصتم له العبادة, فدعوتموه, وشفعكم لهُ ملكُ السمواتِ والأرض, يقول: له سلطان السموات والأرض ومُلكها, وما تعبدون أيها المشركون من دونه له يقول: فاعبدوا الملك لا المملوك الذي لا يملك شيئا. ثُمّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ يقول: ثم إلى الله مصيركم, وهو معاقبكم على إشراككم به, إن متم على شرككم.
ومعنى الكلام: لله الشفاعة جميعا, له مُلك السموات والأرض, فاعبدوا المالك الذي له مُلك السموات والأرض, الذي يقدر على نفعكم في الدنيا, وعلى ضرّكم فيها, وعند مرجعكم إليه بعد مماتكم, فإنكم إليه ترجعون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23223ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أمِ اتّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ شُفَعاء الاَلهة قُلْ أوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئا الشفاعة.
23224ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: قُلْ لِلّهِ الشّفاعَةُ جَمِيعا قال: لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه.

الآية : 45
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزّتْ قُلُوبُ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وإذا أفرد الله جلّ ثناؤه بالذكر, فدعي وحده, وقيل لا إله إلا الله, اشمأزّت قلوب الذين لا يؤمنون بالمعاد والبعث بعد الممات. وعني بقوله: اشْمأَزّتْ: نفرت من توحيد الله. وَإذَا ذُكِرَ الّذِينَ مِنْ دُونِهِ يقول: وإذا ذُكر الاَلهة التي يدعونها من دون الله مع الله, فقيل: تلك الغرانيق العُلى, وإن شفاعتها لترتجى, إذا الذين لا يؤمنون بالاَخرة يستبشرون بذلك ويفرحون, كما:
23225ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَإذَا ذُكِرَ اللّهُ وَحْدَهُ اشْمأَزّتْ قُلُوبُ الّذِينَ لا يُوءْمِنُونَ بالاَخِرَة: أي نفرت قلوبهم واستكبرت وَإذَا ذُكِرَ الّذِينَ مِنْ دُونِهِ الاَلهة إذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ.
23226ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: اشمأَزّتْ قال: انقبضت, قال: وذلك يوم قرأ عليهم «النجم» عند باب الكعبة.
23227ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ قوله: اشْمأزّتْ قال: نفرت وَإذَا ذُكِرَ الّذِينَ مِنْ دُونِهِ أوثانهم.

الآية : 46
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلِ اللّهُمّ فَاطِرَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد, الله خالق السموات والأرض عالمَ الغَيْبِ والشّهادَةِ الذي لا تراه الأبصار, ولا تحسه العيون والشهادة الذي تشهده أبصار خلقه, وتراه أعينهم أنْتَ تَحْكُمُ بينَ عِبادِكَ فتفصل بينهم بالحقّ يوم تجمعهم لفصل القضاء بينهم فيما كانُوا فِيهِ في الدنيا يَخْتَلِفُونَ من القول فيك, وفي عظمتك وسلطانك, وغير ذلك من اختلافهم بينهم, فتقضي يومئذ بيننا وبين هؤلاء المشركين الذين إذا ذكرت وحدك اشمأزّت قلوبهم, وإذا ذكر مَنْ دونك استبشروا بالحقّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23228ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: فاطِرَ السّمَوَاتِ والأرْضِ فاطر: قال خالق. وفي قوله عالِمَ الغَيْبِ قال: ما غاب عن العباد فهو يعلمه, وَالشّهادَةِ: ما عرف العباد وشهدوا, فهو يعلمه.

الآية : 47
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَلَوْ أَنّ لِلّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوَءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مّنَ اللّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ }.
يقول تعالى ذكره: ولو أن لهؤلاء المشركين بالله يوم القيامة, وهم الذين ظلموا أنفسهم ما فِي الأرْض جَمِيعا في الدنيا من أموالها وزينتها وَمِثْلَهُ مَعَهُ مضاعفا, فقبل ذلك منهم عوضا من أنفسهم, لفدوا بذلك كله أنفسهم عوضا منها, لينجو من سوء عذاب الله, الذي هو معذّبهم به يومئذ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللّهِ يقول: وظهر لهم يومئذ من أمر الله وعذابه, الذي كان أعدّه لهم, ما لم يكونوا قبل ذلك يحتسبون أنه أعدّه لهم