تفسير الطبري تفسير الصفحة 462 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 462
463
461
 الآية : 30-32
القول فـي تأويـل قوله تعالى {إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُمْ مّيّتُونَ * ثُمّ إِنّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمّن كَذَبَ علَى اللّهِ وَكَذّبَ بِالصّدْقِ إِذْ جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنّمَ مَثْوًى لّلْكَافِرِينَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إنك يا محمد ميت عن قليل, وإن هؤلاء المكذّبيك من قومك والمؤمنين منهم ميتون ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ يقول: ثم إن جميعكم المؤمنين والكافرين يوم القيامة عند ربكم تختصمون فيأخذ للمظلوم منكم من الظالم, ويفصل بين جميعكم بالحقّ.
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: عنى به اختصام المؤمنين والكافرين, واختصام المظلوم والظالم. ذكر من قال ذلك:
23196ـ حدثنا عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, في قوله: ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ يقول: يخاصم الصادق الكاذب, والمظلوم الظالم, والمهتدي الضالّ, والضعيف المستكبر.
23197ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ قال: أهل الإسلام وأهل الكفر.
23198ـ حدثني ابن البرقي, قال: حدثنا ابن أبي مريم, قال: حدثنا ابن الدراوردي, قال: ثني محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن الزبير, قال: لما نزلت هذه الاَية: إنّكَ مَيّتٌ وإنّهُمْ مّيّتُونَ ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ قال الزبير: يا رسول الله, أينكر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ حتى يُوءَدّى إلى كُلّ ذي حَقَ حَقّهُ».
وقال آخرون: بل عُني بذلك اختصام أهل الإسلام. ذكر من قال ذلك:
23199ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, عن ابن عمر, قال: نزلت علينا هذه الاَية وما ندري ما تفسيرها حتى وقعت الفتنة, فقلنا: هذا الذي وعدنا ربّنا أن نختصم فيه ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ.
23200ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, قال: حدثنا ابن عون, عن إبراهيم, قال: لما نزلت: إنكَ مَيّتٌ وإنّهُمْ مَيّتُونَ ثُمّ إنّكُمْ... الاَية, قالوا: ما خصومتنا بيننا ونحن إخوان, قال: فلما قُتل عثمان بن عفان, قالوا: هذه خصومتنا بيننا.
23201ـ حُدثت عن ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية, في قوله ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ قال: هم أهل القبلة.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: عُني بذلك: إنك يا محمد ستموت, وإنكم أيها الناس ستموتون, ثم إن جميعكم أيها الناس تختصمون عند ربكم, مؤمنكم وكافركم, ومحقوكم ومبطلوكم, وظالموكم ومظلوموكم, حتى يؤخذ لكلّ منكم ممن لصاحبه قبله حق حقّه.
وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب لأن الله عمّ بقوله: ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ خطاب جميع عباده, فلم يخصص بذلك منهم بعضا دون بعض, فذلك على عمومه على ما عمه الله به وقد تنزل الاَية في معنى, ثم يكون داخلاً في حكمها كلّ ما كان في معنى ما نزلت به.
وقوله: فَمَنْ أظْلَمُ مِمّنْ كَذَبَ عَلى اللّهِ وكَذّبَ بالصّدْقِ إذْ جاءَهُ يقول تعالى ذكره: فمن من خلق الله أعظم فرية ممن كذب على الله, فادّعى أن له ولدا وصاحبه, أو أنه حرّم ما لم يحرمه من المطاعم وكَذّبَ بالصّدْقِ إذْ جاءَهُ يقول: وكذّب بكتاب الله إذ أنزله على محمد, وابتعثه الله به رسولاً, وأنكر قول لا إله إلا الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23202ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وكَذّبَ بالصّدْق إذ جاءَهُ: أي بالقرآن وقوله: ألَيْسَ فِي جَهَنّمَ مَثْوًى للْكافِرِينَ يقول تبارك وتعالى: أليس في النار مأوى ومسكن لمن كفر بالله, وامتنع من تصديق محمد صلى الله عليه وسلم, واتباعه على ما يدعوه إليه مما أتاه به من عند الله من التوحيد, وحكم القرآن؟
الآية : 33-34
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالّذِي جَآءَ بِالصّدْقِ وَصَدّقَ بِهِ أُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُتّقُونَ * لَهُم مّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبّهِمْ ذَلِكَ جَزَآءُ الْمُحْسِنِينَ }.
اختلف أهل التأويل في الذي جاء بالصدق وصدّق به, وما ذلك, فقال بعضهم: الذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: والصدق الذي جاء به: لا إله إلا الله, والذي صدّق به أيضا, هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
23203ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ يقول: من جاء بلا إله إلا الله وَصَدّقَ بِهِ يعني: رسوله.
وقال آخرون: الذي جاء بالصدق: رسول الله صلى الله عليه وسلم, والذي صدّق به: أبو بكر رضي الله عنه. ذكر من قال ذلك:
23204ـ حدثني أحمد بن منصور, قال: حدثنا أحمد بن مصعد المروزي, قال: حدثنا عمر بن إبراهيم بن خالد, عن عبد الملك بن عمير, عن أسيد بن صفوان, عن عليّ رضي الله عنه, في قوله: وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ قال: محمد صلى الله عليه وسلم, وصدّق به, قال: أبو بكر رضي الله عنه.
وقال آخرون: الذي جاء بالصدق: رسول الله صلى الله عليه وسلم, والصدق: القرآن, والمصدقون به: المؤمنون. ذكر من قال ذلك:
23205ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ قال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالقرآن, وصدّق به المؤمنون.
23206ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم, وصدّق به المسلمون.
وقال آخرون: الذي جاء بالصدق جبريل, والصدق: القرآن الذي جاء به من عند الله, وصدّق به رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
23207ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ وصَدّقَ بِهِ محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: الذي جاء بالصدق: المؤمنون, والصدق: القرآن, وهم المصدّقون به. ذكر من قال ذلك:
23208ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد قوله: وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ وَصَدّقَ بِهِ قال: الذين يجيئون بالقرآن يوم القيامة, فيقولون: هذا الذي أعطيتمونا فاتبعنا ما فيه.
قال: ثنا حكام, عن عمرو, عن منصور, عن مجاهد وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ وَصَدّقِ بِهِ قال: هم أهل القرآن يجيئون به يوم القيامة يقولون: هذا الذي أعطيتمونا, فاتبعنا ما فيه.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره عنى بقوله: وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ وَصَدّقَ بِهِ كلّ من دعا إلى توحيد الله, وتصديق رسله, والعمل بما ابتعث به رسوله صلى الله عليه وسلم من بين رسل الله وأتباعه والمؤمنين به, وأن يقال: الصدق هو القرآن, وشهادة أن لا إله إلا الله, والمصدّق به: المؤمنون بالقرآن, من جميع خلق الله كائنا من كان من نبيّ الله وأتباعه.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب, لأن قوله تعالى ذكره: وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ وَصَدّقَ بِهِ عُقيب قوله: فَمَنْ أظْلَمُ مِمّنْ كَذَبَ على اللّهِ, وَكَذّبَ بالصّدْقِ إذْ جاءَهُ وذلك ذمّ من الله للمفترين عليه, المكذّبين بتنزيله ووحيه, الجاحدين وحدانيته, فالواجب أن يكون عقيب ذلك مدح من كان بخلاف صفة هؤلاء المذمومين, وهم الذين دعوهم إلى توحيد الله, ووصفه بالصفة التي هو بها, وتصديقهم بتنزيل الله ووحيه, والذي كانوا يوم نزلت هذه الاَية, رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم, القائمون في كل عصر وزمان بالدعاء إلى توحيد الله, وحكم كتابه, لأن الله تعالى ذكره لم يخصّ وصفه بهذه الصفة التي في هذه الاَية على أشخاص بأعيانهم, ولا على أهل زمان دون غيرهم, وإنما وصفهم بصفة, ثم مدحهم بها, وهي المجيء بالصدق والتصديق به, فكل من كان كذلك وصفه فهو داخل في جملة هذه الاَية إذا كان من بني آدم.
ومن الدليل على صحة ما قلنا أن ذلك كذلك في قراءة ابن مسعود: «والّذِينَ جاءُوا بالصدْقِ وصدّقُوا بِهِ» فقد بين ذلك من قراءته أن الذي من قوله وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ لم يعن بها واحد بعينه, وأنه مراد بها جِمَاعٌ ذلك صفتهم, ولكنها أخرجت بلفظ الواحد, إذ لم تكن مؤقتة. وقد زعم بعض أهل العربية من البصريين, أن «الذي» في هذا الموضع جُعل في معنى جماعة بمنزلة «مَن». ومما يؤيد ما قلنا أيضا قوله: أُولَئِكَ هُمُ المُتّقُونَ فجُعل الخبر عن «الذي» جماعا, لأنها في معنى جماع. وأما الذين قالوا: عني بقوله: وَصَدّقَ بِهِ: غير الذي جاء بالصدق, فقول بعيد من المفهوم, لأن ذلك لو كان كما قالوا لكان التنزيل: والذي جاء بالصدق, والذي صدق به أولئك هم المتقون فكانت تكون «الذي» مكرّرة مع التصديق, ليكون المصدق غير المصدق فأما إذا لم يكرّر, فإن المفهوم من الكلام, أن التصديق من صفة الذي جاء بالصدق, لا وجه للكلام غير ذلك. وإذا كان ذلك كذلك, وكانت «الذي» في معنى الجماع بما قد بيّنا, كان الصواب من القول فـي تأويـله ما بَيّنا.
وقوله: أُولَئِكَ هُمُ المُتّقُونَ يقول جلّ ثناؤه: هؤلاء الذين هذه صفتهم, هم الذين اتقوا الله بتوحيده والبراءة من الأوثان والأنداد, وأداء فرائضه, واجتناب معاصيه, فخافوا عقابه, كما:
23209ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, أُولَئِكَ هُمُ المُتّقُونَ يقول: اتقوا الشرك.
وقوله: لَهُمْ ما يَشاءُونَ عِنْدَ رَبّهِمْ يقول تعالى ذكره: لهم عند ربهم يوم القيامة, ما تشتهيه أنفسهم, وتلذّه أعينهم ذلكَ جَزَاءُ المُحْسِنِينَ يقول تعالى ذكره: هذا الذي لهم عند ربهم, جزاء من أحسن في الدنيا فأطاع الله فيها, وأتمر لأمره, وانتهى عما نهاه فيها عنه.
الآية : 35
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {لِيُكَـفّرَ اللّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الّذِي عَمِلُواْ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الّذِي كَـانُواْ يَعْمَلُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وجزى هؤلاء المحسنين ربهم بإحسانهم, كي يكفر عنهم أسوأ الذي عملوا في الدنيا من الأعمال, فيما بينهم وبين ربهم, بما كان منهم فيها من توبة وإنابة مما اجترحوا من السيئات فيها ويَجْزِيهُمْ أجْرَهُمْ يقول: ويثيبهم ثوابهم بأحْسَنِ الّذي كانُوا في الدنيا يَعْمَلُونَ مما يرضى الله عنهم دون أسوئها, كما:
23210ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ وَصَدّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ المُتّقُونَ: ألهم ذنوب, أي ربّ نعم لَهُمْ فيها ما يَشاءُونَ عِنْدَ رَبّهِمْ ذلكَ جَزَاءُ المُحْسِنِينَ لِيُكَفّرَ اللّهُ عَنْهُمْ أسْوَأَ الّذِي عَمِلُوا ويَجْزيَهُم أجْرَهُمْ بأحْسَنِ الّذي كانُوا يَعْمَلُونَ, وقرأ: إنّما المُوءْمِنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ... إلى أن بلغ وَمَغْفِرَةٌ لئلا ييأس من لهم الذنوب أن لا يكونوا منهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ, وقرأ: إنّ المْسُلمينَ والمُسْلِمات... إلى آخر الاَية.

الآية : 36-37
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوّفُونَكَ بِالّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْـلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ * وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِن مّضِلّ أَلَيْسَ اللّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ }.
اختلفت القرّاء في قراءة: ألَيْسَ اللّهُ بكافٍ عَبْدَهُ فقرأ ذلك بعض قراء المدينة وعامة قرّاء أهل الكوفة: «ألَيْسَ اللّهُ بكافٍ عِبادَهُ» على الجماع, بمعنى: أليس الله بكاف محمدا وأنبياءه من قبله ما خوفتهم أممهم من أن تنالهم آلهتهم بسوء وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة, وبعض قرّاء الكوفة: بكافَ عَبْدَهُ على التوحيد, بمعنى: أليس الله بكاف عبده محمدا.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قَرَأةِ الأمصار. فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب لصحة مَعْنَيَيْهَما واستفاضة القراءة بهما في قَرَأةِ الأمصار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23211ـ حدثني محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السدّيّ ألَيْسَ اللّهُ بكافٍ عِبدَهُ يقول: محمد صلى الله عليه وسلم.
23212ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ألَيْسَ اللّهُ بِكافٍ عَبدَهُ قال: بلى, والله ليكفينه الله ويعزّه وينصره كما وعده.
وقوله: ويُخَوّفُونَكَ بالّذِينَ مِنْ دُونِهِ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ويخوّفك هؤلاء المشركون يا محمد بالذين من دون الله من الأوثان والاَلهة أن تصيبك بسوء, ببراءتك منها, وعيبك لها, والله كافيك ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23213ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ويُخَوّفُونَكَ بالّذِينَ مِنْ دُونِهِ الاَلهة, قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى شعب بسُقام ليكسر العزّى, فقال سادِنُها, وهو قيّمها: يا خالد أنا أحذّركها, إن لها شدّة لا يقوم إليها شيء, فمشى إليها خالد بالفأس فهشّم أنفها.
23214ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ ويُخَوفُونَكَ بالّذِينَ مِنَ دُونِهِ يقول: بآلهتهم التي كانوا يعبدون.
23215ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ويُخَوّفُونَكَ بالّذِينَ مِنْ دُونِهِ قال: يخوّفونك بآلهتهم التي من دونه.
وقوله: وَمَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هاد يقول تعالى ذكره: ومن يخذله الله فيضلّه عن طريق الحق وسبيل الرشد, فما له سواه من مرشد ومسدّد إلى طريق الحقّ, وموفّق للإيمان بالله, وتصديق رسوله, والعمل بطاعته وَمَنْ يَهْدِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلّ يقول: ومن يوفّقه الله للإيمان به, والعمل بكتابه, فما له من مضلّ, يقول: فما له من مزيغ يزيغه عن الحقّ الذي هو عليه إلى الارتداد إلى الكفر ألَيسَ اللّهُ بعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ يقول جل ثناؤه: أليس الله يا محمد بعزيز في انتقامه من كفرة خلقه, ذي انتقام من أعدائه الجاحدين وحدانيته.
الآية : 38
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنّ اللّهُ قُلْ أَفَرَأيْتُم مّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللّهُ بِضُرّ هَلْ هُنّ كَاشِفَاتُ ضُرّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكّـلُ الْمُتَوَكّلُونَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين العادلين بالله الأوثان والأصنام: مَنْ خلق السموات والأرض؟ ليقولنّ: الذي خلقهنّ الله فإذا قالوا ذلك, فقل: أفرأيتم أيها القوم هذا الذي تعبدون من دون الله من الأصنام والاَلهة إنْ أرَادَنِي اللّهُ بِضُرَ يقول: بشدة في معيشتي, هل هنّ كاشفات عني ما يصيبني به ربي من الضر؟ أوْ أرَادَنِي بِرَحْمَةٍ يقول: إن أرادني ربي أن يصيبني سعة في معيشتي, وكثرة مالي, ورخاء وعافية في بدني, هل هن ممسكات عني ما أراد أن يصيبني به من تلك الرحمة؟ وترك الجواب لاستغناء السامع بمعرفة ذلك, ودلالة ما ظهر من الكلام عليه. والمعنى: فإنهم سيقولون لا, فقل: حسبي الله مما سواه من الأشياء كلها, إياه أعبد, وإليه أفزع في أموري دون كلّ شيء سواه, فإنه الكافي, وبيده الضرّ والنفع, لا إلى الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع, عَلَيْه يَتَوَكّلُ المُتَوَكّلُونَ يقول: على الله يتوكل من هو متوكل, وبه فليثق لا بغيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23216ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلَئِنْ سألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضَ لَيَقُولُنّ اللّهُ حتى بلغ كاشِفاتُ ضُرّهِ يعني: الأصنام أوْ أرَادَنِي برَحْمَةٍ هَلْ هُنّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ.
واختلفت القراء في قراءة كاشِفاتُ ضُرّهِ و مُمْسِكاتُ رَحْمَتِه, فقرأه بعضهم بالإضافة وخفض الضر والرحمة, وقرأه بعض قراء المدينة وعامة قرّاء البصرة بالتنوين, ونصب الضر والرحمة.
والصواب من القول في ذلك عندنا, أنهما قراءتان مشهورتان, متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب, وهو نظير قوله: كَيْد الكافِرينَ في حال الإضافة والتنوين.
الآية : 39-40
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ يَقَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَىَ مَكَانَتِكُـمْ إِنّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مّقِيمٌ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لمشركي قومك, الذي اتخذوا الأوثان والأصنام آلهة يعبدونها من دون الله اعملوا أيها القوم على تمكنكم من العمل الذي تعملون ومنازلكم, كما:
23217ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: عَلى مَكانَتِكُمْ قال: على ناحيتكم إنّي عامِلٌ كذلك على تؤدة على عمل من سلف من أنبياء الله قبلي فَسَوْفَ تَعْلَمونَ إذا جاءكم بأس الله, من المحقّ منا من المبطل, والرشيد من الغويّ.
وقوله: مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يقول تعالى ذكره: من يأتيه عذاب يخزيه, ما أتاه من ذلك العذاب, يعني: يذلّه ويهينه وَيحِلّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ يقول: وينزل عليه عذاب دائم لا يفارقه