تفسير الطبري تفسير الصفحة 476 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 476
477
475
 الآية : 78
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ مِنْهُم مّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مّن لّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ اللّهِ قُضِيَ بِالْحَقّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وَلَقَدْ أرْسَلْنا يامحمد رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ إلى أممها مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ يقول: من أولئك الذين أرسلنا إلى أممهم من قصصنا عليك نبأهم وَمِنْهُمْ مِنْ لَمْ نَقْصُصّ عَلَيْكَ نبأهم. وذُكر عن أنس أنهم ثمانية آلاف. ذكر الرواية بذلك:
23448ـ حدثنا عليّ بن شعيب السمسار, قال: حدثنا معن بن عيسى, قال: حدثنا إبراهيم بن المهاجر بن مسمار, عن محمد بن المنكدر, عن يزيد بن أبان, عن أنس بن مالك, قال: بُعث النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ثمانية آلاف من الأنبياء, منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل.
23449ـ حدثنا أبو كُرَيْب قال: حدثنا يونس, عن عتبة بن عتيبة البصريّ العبديّ, عن أبي سهل عن وهب بن عبد الله بن كعب بن سور الأزدي, عن سلمان, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بعث الله أربعة آلاف نبي».
23450ـ حدثني أحمد بن الحسين الترمذي, قال: حدثنا آدم بن أبي إياس, قال: حدثنا إسرائيل, عن جابر, عن ابن عبد الله بن يحيى, عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه, في قوله: مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مِنْ لَمْ نَقْصُصّ عَلَيْكَ قال: بعث الله عبدا حبشيا نبيا, فهو الذي لم نقصص عليك.
وقوله: وَما كانَ لِرَسُولِ أنْ يَأْتِيَ بآيَةٍ إلاّ بإذْنِ اللّهِ يقول تعالى ذكره: وما جعلنا لرسول ممن أرسلناه من قبلك الذين قصصناهم عليك, والذين لم نقصصهم عليك إلى أممها أن يأتي قومه بآية فاصلة بينه وبينهم, إلا بإذن الله له بذلك, فيأتيهم بها يقول جلّ ثناؤه لنبيه: فلذلك لم يجعل لك أن تأتي قومك بما يسألونك من الاَيات دون إذننا لك بذلك, كما لم نجعل لمن قبلك من رسلنا إلا أن نأذن له به فإذَا جاءَ أمْرُ اللّهِ قُضِيَ بالحَقّ يعني بالعدل, وهو أن ينجي رسله والذين آمنوا معهم وخَسِرَ هُنالِكَ المُبْطِلُونَ يقول: وهلك هنالك الذين أبطلوا في قيلهم الكذب, وافترائهم على الله وادعائهم له شريكا.
الآية : 79-81
القول في تأويل قوله تعالى: {اللّهُ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ * وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيّ آيَاتِ اللّهِ تُنكِرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: اللّهُ الذي لا تصلح الألوهة إلا له أيها المشركون به من قريش الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأنْعامَ من الإبل والبقر والغنم والخيل, وغير ذلك من البهائم التي يقتنيها أهل الإسلام لمركب أو لمطعم لِتَرْكَبُوا مِنْها يعني: الخيل والحمير وَمِنْها تَأكُلُونَ يعني الإبل والبقر والغنم. وقال: لِتَرْكَبُوا مِنْها ومعناه: لتركبوا منها بعضا ومنها بعضا تأكلون, فحذف استغناء بدلالة الكلام على ما حذف.
وقوله: وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وذلك أن جعل لكم من جلودها بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم, ويوم إقامتكم, ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين.
وقوله: وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةَ في صُدُورِكُمْ يقول: ولتبلغوا بالحمولة على بعضها, وذلك الإبل حاجة في صدروكم لم تكونوا بالغيها لولا هي, إلا بشقّ أنفسكم, كما قال جلّ ثناؤه: وَتحْمِلُ أثْقالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إلاّ بِشِقّ الأنْفُسِ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23451ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً في صُدُورِكُمْ يعني الإبل تحمل أثقالكم إلى بلد.
23452ـ حدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةَ في صُدُورِكُمْ لحاجتكم ما كانت.
وقوله: وَعَلَيْها يعني: وعلى هذه الإبل, وما جانسها من الأنعام المركوبة وَعَلى الفُلْكِ يعني: وعلى السفن تُحْمَلُونَ يقول نحملكم على هذه في البرّ, وعلى هذه في البحر ويُرِيكُمْ آياتِهِ يقول: ويريكم حججه, فأيّ آياتِ اللّهِ تُنْكَرونَ يقول: فأي حجج الله التي يريكم أيها الناس. في السماء والأرض تنكرون صحتها, فتكذّبون من أجل فسادها بتوحيد الله, وتدعون من دونه إلها.
الآية : 82
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوَاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدّ قُوّةً وَآثَاراً فِي الأرْضِ فَمَآ أَغْنَىَ عَنْهُم مّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }.
يقول تعالى ذكره: أفلم يسر يا محمد هؤلاء المجادلون في آيات الله من مشركي قومك في البلاد, فإنهم أهل سفر إلى الشأم واليمن, رحلتهم في الشتاء والصيف, فينظروا فيما وطئوا من البلاد إلى وقائعنا بمن أوقعنا به من الأمم قبلهم, ويروا ما أحللنا بهم من بأسنا بتكذيبهم رسلنا, وجحودهم آياتنا, كيف كان عقبى تكذيبهم. كانوا أكثر منهم يقول: كان أولئك الذين من قبل هؤلاء المكذّبيك من قريش أكثر عددا من هؤلاء وأشدّ بطشا, وأقوى قوّة, وأبقى في الأرض آثارا, لأنهم كانوا ينحتون من الجبال بيوتا ويتخذون مصانع. وكان مجاهد يقول في ذلك ما:
23453ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وآثارا فِي الأرْضِ المشي بأرجلهم.
فَمَا أغْنَى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ يقول: فلما جاءهم بأسنا وسطوتنا, لم يغن عنهم ما كانوا يعملون من البيوت في الجبال, ولم يدفع عنهم ذلك شيئا, ولكنهم بادوا جميعا فهلكوا. وقد قيل: إن معنى قوله: فَمَا أغْنَى عَنْهُمْ فأيّ شيء أغنى عنهم وعلى هذا التأويل يجب أن يكون «ما» الأولى في موضع نصب, والثانية في موضع رفع. يقول: فلهؤلاء المجادليك من قومك يا محمد في أولئك معتبر إن اعتبروا, ومتعظ إن اتعظوا, وإن بأسنا إذا حلّ بالقوم المجرمين لم يدفعه دافع, ولم يمنعه مانع, وهو بهم إن لم ينيبوا إلى تصديقك واقع.
الآية : 83
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَلَمّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }.
يقول تعالى ذكره: فلما جاءت هؤلاء الأمم الذين من قبل قريش المكذّبة رسلها رسلهم الذين أرسلهم الله إليهم بالبينات, يعني: بالواضحات من حجج الله عزّ وجلّ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ يقول: فرحوا جهلاً منهم بما عندهم من العلم وقالوا: لن نبعث, ولن يعذّبنا الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23454ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ قال: قولهم: نحن أعلم منهم, لن نعذّب, ولن نبعث.
23455ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ بجهالتهم.
وقوله: وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ يقول: وحاق بهم من عذاب الله ما كانوا يستعجلون رسلهم به استهزاء وسخرية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23456ـ حدثنا محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ما جاءتهم به رسلهم من الحقّ.
الآية : 84
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَلَمّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوَاْ آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ }.
يقول تعالى ذكره: فلما رأت هذه الأمم المكذّبة رسلها بأسنا, يعني عقاب الله الذي وعدتهم به رسُلهم قد حلّ بهم, كما:
23457ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ فَلَمّارأَوْا بأسَنا قال: النقمات التي نزلت بهم.
وقوله: قَالُوا آمَنّا باللّهِ وَحْدَهُ يقول: قالوا: أقررنا بتوحيد الله, وصدّقنا أنه لا آله غيره وَكَفَرْنا بِمَا كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ يقول: وجحدنا الاَلهة التي كنا قبل وقتنا هذا نشركها في عبادتنا الله ونعبدها معه, ونتخذها آلهة, فبرئنا منها.
الآية : 85
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنّةَ اللّهِ الّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: فلم يك ينفعهم تصديقهم في الدنيا بتوحيد الله عند معاينة عقابه قد نزل, وعذابه قد حلّ, لأنهم صدّقوا حين لا ينفع التصديق مصدّقا, إذ كان قد مضى حكم الله في السابق من علمه, أن من تاب بعد نزول العذاب من الله على تكذيبه لم تنفعه توبته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23458ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لَما رأَوْا بأْسَنا: لما رأوا عذاب الله في الدنيا لم ينفعهم الإيمان عند ذلك.
وقوله: سُنّةَ اللّهِ التي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ يقول: ترك الله تبارك وتعالى إقالتهم, وقبول التوبة منهم, ومراجعتهم الإيمان بالله, وتصديق رسلهم بعد معاينتهم بأسه, قد نزل بهم سنته التي قد مضت في خلقه, فلذلك لم يُقلهم ولم يقبل توبتهم في تلك الحال, كما:
23459ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة سُنّةَ اللّهِ الّتي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادهِ يقول: كذلك كانت سنة الله في الذين خلوا من قبل إذا عاينوا عذاب الله لم ينفعهم إيمانهم عند ذلك.
وقوله: وَخَسِرَ هُنالِكَ الكافِرُونَ يقول: وهلك عند مجيء بأس الله, فغبنت صفقته ووضُع في بيعه الاَخرة بالدنيا, والمغفرة بالعذاب, والإيمان بالكفر, الكافرون بربهم, الجاحدون توحيد خالقهم, المتخذون من دونه آلهة يعبدونهم من دون بارئهم.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة غافر