تفسير الطبري تفسير الصفحة 515 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 515
516
514
 الآية : 28-29
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {هُوَ الّذِيَ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىَ وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَكَفَىَ بِاللّهِ شَهِيداً * مّحَمّدٌ رّسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّآءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكّعاً سُجّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىَ عَلَىَ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفّارَ وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ مِنْهُم مّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }.
يعني تعالى ذكره بقوله: هُوَ الّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدَى وَدِينِ الحَقّ الذي أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالبيان الواضح, وَدِين الحَق, وهو الإسلام الذي أرسله داعيا خلقه إليه لِيُظْهِرَهُ عَلى الدّينِ كُلّهِ يقول: ليبطل به الملل كلها, حتى لا يكون دين سواه, وذلك كان كذلك حتى ينزل عيسى ابن مريم, فيقتل الدجال, فحينئذٍ تبطل الأديان كلها, غير, دين الله الذي بعث به محمدا صلى الله عليه وسلم, ويظهر الإسلام على الأديان كلها.
وقوله: وكَفَى باللّهِ شَهِيدا يقول جلّ ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم: أشهدك يا محمد ربك على نفسه, أنه سيظهر الدين الذي بعثك به وكَفَى باللّهِ شَهِيدا يقول: وحسبك به شاهدا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24461ـ حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا أبو بكر الهُذليّ, عن الحسن هُوَ الّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدَى وَدِين الحَقّ ليُظْهِرَهُ على الدّينِ كُلّهِ وكَفَى شَهِيدا يقول: أشهد لك على نفسه أنه سيُظْهِر دينك على الدين كله, وهذا إعلام من الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم, والذين كرهوا الصلح يوم الحُديبية من أصحابه, أن الله فاتح عليهم مكة وغيرها من البلدان, مسليهم بذلك عما نالهم من الكآبة والحزن, بانصرافهم عن مكة قبل دخولهموها, وقبل طوافهم بالبيت,
وقوله: مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَالّذِين مَعَهُ أشِدّاءُ على الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ يقول تعالى ذكره: محمد رسول الله وأتباعه من أصحابه الذين هم معه على دينه, أشدّاء على الكفار, غليظة عليهم قلوبهم, قليلة بهم رحمتهم رُحَماءُ بَيْنَهُمْ يقول: رقيقة قلوب بعضهم لبعض, لينة أنفسهم لهم, هينة عليهم لهم. كما:
24462ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ألقى الله في قلوبهم الرحمة, بعضهم لبعض تَرَاهُمْ رُكّعا سُجّدا يقول: تراهم ركعا أحيانا لله في صلاتهم سجدا أحيانا يبتغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ يقول: يلتمسون بركوعهم وسجودهم وشدّتهم على الكفار ورحمة بعضهم بعضا, فضلاً من الله, وذلك رحمته إياهم, بأن يتفضل عليهم, فيُدخلهم جنته وَرِضْوَانا يقول: وأن يرضى عنهم ربهم.
وقوله: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنَ أثَرِ السّجُودِ يقول: علامتهم في وجوههم من أثر السجود في صلاتهم. ثم اختلف أهل التأويل في السيما الذي عناه الله في هذا الموضع, فقال بعضهم: ذلك علامة يجعلها الله في وجوه المؤمنين يوم القيامة, يعرفون بها لما كان من سجودهم له في الدينا. ذكر من قال ذلك:
24463ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السّجُودِ قال: صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة.
24464ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبيد الله العتكي, عن خالد الحنفي, قوله: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السجُودِ قال: يعرف ذلك يوم القيامة في وجوههم من أثر سجودهم في الدنيا, وهو كقوله: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النّعِيمِ.
24465ـ حدثني عبيد بن أسباط بن محمد, قال: حدثنا أبي, عن فضيل بن مروزق, عن عطية, في قوله: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السّجُودِ قال: مواضع السجود من وجوههم يوم القيامة أشد وجوههم بياضا.
حدثنا محمد بن عمارة, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, قال: أخبرنا ابن فضيل, عن فضيل, عن عطية, بنحوه.
حدثني أبو السائب, قال: حدثنا ابن فضيل, عن فضيل, عن عطية, بنحوه.
حدثنا مجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا فضيل, عن عطية, مثله.
24466ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر, قال: سمعت شبيبا يقول عن مقاتل بن حيان, قال: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السّجُودِ قال: النور يوم القيامة.
24467ـ حدثنا ابن سنان القزاز, قال: حدثنا هارون بن إسماعيل, قال: قال عليّ بن المبارك: سمعت غير واحد عن الحسن, في قوله: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ منْ أثَرِ السّجُودِ قال: بياضا في وجوههم يوم القيامة.
وقال آخرون: بل ذلك سيما الإسلام وسَمْته وخشوعه, وعنى بذلك أنه يرى من ذلك عليهم في الدنيا ذكر من قال ذلك:
24468ـ حدثنا علي, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ قال: السّمُت الحَسَن.
24469ـ قال: ثنا مجاهد, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا الحسن بن عُمارة, عن الحكم, عن مجاهد, عن ابن عباس, في قوله: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السّجُودِ قال: أما إنه ليس بالذي تَرَوْن, ولكنه سيما الإسلام وسَحْنته وسَمْته وخشوعه.
24470ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عامر, قال: حدثنا سفيان, عن حميد الأعرج, عن مجاهد سِيماهُمْ في وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السّجُودِ قال: الخشوع والتواضع.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن حميد الأعرج, عن مجاهد, مثله.
قال: ثنا أبو عامر, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السّجُودِ قال: الخشوع.
24471ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, عن شعبة, عن الحكم, عن مجاهد, في هذه الآية سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السّجُودِ قال: السّحنْة.
24472ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, في قوله: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السّجُودِ قال: هو الخشوع, فقلت: هو أثر السجود, فقال: إنه يكون بين عينيه مثل ركبة العَنْز, وهو كما شاء الله.
وقال آخرون: ذلك أثر يكون في وجوه المصلين, مثل أثر السّهَر, الذي يظهر في الوجه مثل الكَلَف والتهيج والصفرة, وما أشبه ذلك مما يظهره السهر والتعب في الوجه, ووجهوا التأويل في ذلك إلى أنه سيما في الدنيا. ذكر من قال ذلك:
24473ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, عن سفيان, عن رجل, عن الحسن سِيماهُمْ في وجُوُهِهِمْ مِنْ أثَرِ السّجُودِ قال: الصفرة.
24474ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر, عن أبيه, قال: زعم الشيخ الذي كان يقصّ في عُسر, وقرأ سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السّجُودِ فزعم أنه السّهَر يُرى في وجوههم.
24475ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يعقوب القُمّيّ, عن حفص, عن شَمِر بن عَطية, في قوله: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ قال: تهيّج في الوجه من سهر الليل.
وقال آخرون: ذلك آثار ترى في الوجه من ثَرَى الأرض, أو نَدَى الطّهّور. ذكر من قال ذلك:
24476ـ حدثنا حَوْثرة بن محمد المِنقري, قال: حدثنا حماد بن مسعدة وحدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا جرير جميعا عن ثعلبة بن سهيل, عن جعفر بن أبي المُغيرة, عن سعيد بن جُبير, في قوله: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السّجُودِ قال: ثَرى الأرض, ونَدى الطّهُور.
24477ـ حدثنا ابن سنان القزّاز, قال: حدثنا هارون بن إسماعيل, قال: حدثنا عليّ بن المبارك, قال: حدثنا مالك بن دينار, قال: سمعت عكرِمة يقول: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السّجُودِ قال: هو أثر التراب.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبرنا أن سيما هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في وجوههم من أثر السجود, ولم يخصّ ذلك على وقت دون وقت. وإذ كان ذلك كذلك, فذلك على كلّ الأوقات, فكان سيماهم الذي كانوا يعرفون به في الدنيا أثر الإسلام, وذلك خشوعه وهديه وزهده وسمته, وآثار أداء فرائضه وتطوّعه, وفي الاَخرة ما أخبر أنهم يعرفون به, وذلك الغرّة في الوجه والتحجيل في الأيدي والأرجل من أثر الوضوء, وبياض الوجوه من أثر السجود. وبنحو الذي قلنا في معنى السيما قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24478ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السّجُودِ يقول: علامتهم أو أعلمتهم الصلاة.
وقوله: ذلكَ مَثَلَهُمْ فِي التّوْرَاةِ يقول: هذه الصفة التي وصفت لكم من صفة أتباع محمد صلى الله عليه وسلم الذين معه صفتهم في التوراة.
وقوله: وَمَثَلُهُمْ في الإنجِيلِ كَزَرْع أخْرَجَ شَطْأَهُ يقول: وصفتهم في إنجيل عيسى صفة زرع أخرج شطأه, وهو فراخه, يقال منه: قد أشطأ الزرع: إذا فرّخ فهو يشطىء إشطاء, وإنما مثلهم بالزرع المشطىء, لأنهم ابتدأوا في الدخول في الإسلام, وهم عدد قليلون, ثم جعلوا يتزايدون, ويدخل فيه الجماعة بعدهم, ثم الجماعة بعد الجماعة, حتى كثر عددهم, كما يحدث في أصل الزرع الفرخ منه, ثم الفرخ بعده حتى يكثر وينمى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24479ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: حدثنا معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أصحابه مثلهم, يعني نعتهم مكتوبا في التوراة والإنجيل قبل أن يخلق السموات والأرض.
24480ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبيد, عن الضحاك مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أشِدّاءُ على الكُفّارِ... إلى قوله: ذلكَ مَثَلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ ثم قال: وَمَثَلهُمْ في الإنجيل كَزَرْعَ أخْرَجَ شَطْأَهُ... الآية.
24481ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ذلك مَثَلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ: أي هذا المثل في التوراة وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأَهُ فهذا مثل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإنجيل.
24482ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السّجُودِ قال ذلكَ مَثَلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أخْرَجَ شطأَهُ.
24483ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: سيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السّجُودِ ذلكَ مَثَلُهُمْ فِي التّوْرَاة يعني السيما في الوجوه مثلهم في التوراة, وليس بمَثَلهم في الإنجيل, ثم قال عزّ وجلّ: وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأهُ... الآية, هذا مثلهم في الإنجيل.
24484ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السّجُودِ ذلكَ مَثَلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأَهُ.
24485ـ حدثنا عمرو بن عبد الحميد, قال: حدثنا مروان بن معاوية, عن جُوَيبر, عن الضحاك في قول الله: مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ... الآية, قال: هذا مثلهم في التوراة, ومثل آخر في الإنجيل كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأهُ فآزَرَهُ الآية.
وقال آخرون: هذان المَثَلان في التوراة والإنجيل مثلهم. ذكر من قال ذلك:
24486ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: ذلكَ مَثَلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ والإنجيل واحد.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: مثلهم في التوراة, غير مثَلهم في الإنجيل, وإن الخبر عن مَثلهم في التوراة متناهٍ عند قوله: ذلكَ مَثَلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ وذلك أن القول لو كان كما قال مجاهد من أن مثلهم في التوراة والإنجيل واحد, لكان التنزيل: ومثلهم في الإنجيل, وكزرع أخرج شطأه, فكان تمثيلهم بالزرع معطوفا على قوله: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السّجُودِ حتى يكون ذلك خبرا عن أن ذلك مَثلهم في التوراة والإنجيل, وفي مجيء الكلام بغير واو في قوله: كَزَرْعٍ دليل بَيّن على صحة ما قُلنا, وأن قولهم وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ خبر مبتدأ عن صفتهم التي هي في الإنجيل دون ما في التوراة منها. وبنحو الذي قلنا في قوله أخْرَجَ شَطْأَهُ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24487ـ حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ, قال: حدثنا أبي, عن أبيه, عن جدّه, عن الأعمش, عن خيثمة, قال: بينا عبد الله يقرىء رجلاً عند غروب الشمس, إذ مرّ بهذه الآية كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأَهُ قال: أنتم الزرع, وقد دنا حصادكم.
24488ـ قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, عن حُميد الطويل, قال: قرأ أنس بن مالك: كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأَهُ فآزَرَهُ قال: تدرون ما شطأه؟ قال: نباته.
24489ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ذلكَ مَثَلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأَهُ قال: سنبله حين يتسلع نباته عن حباته.
24490ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجيلِ كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأهُ قال: هذا مثل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل, قيل لهم: إنه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع, منهم قوم يأمرون بالمعروف, وينهوّن عن المنكر.
24491ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة والزهريّ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ قالا: أخرج نباته.
24492ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأَهُ يعني: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, يكونون قليلاً, ثم يزدادون ويكثرون ويستغلظون.
24493ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ أولاده, ثم كثرت أولاده.
24494ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ قال: ما يخرج بجنب الحقلة فيتمّ وينمى.
وقوله: فآزرَهُ يقول: فقوّاه: أي قوّى الزرعَ شطأه وأعانه, وهو من المؤازرة التي بمعنى المعاونة فاسْتَغْلَظَ يقول: فغلظ الزرع فاسْتَوَى على سُوقِهِ والسوق: جمع ساق, وساق الزرع والشجر: حاملته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24495ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, فآزَرَهُ يقول: نباته مع التفافه حين يسنبل ذلكَ مَثَلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ فهو مثل ضربه لأهل الكتاب إذا خرج قوم ينبتون كما ينبت الزرع فيبلغ فيهم رجل يأمرون بالمعروف, وينهون عن المنكر, ثم يغلظون, فهم أولئك الذين كانوا معهم. وهو مَثل ضربه الله لمحمد صلى الله عليه وسلم يقول: بعث الله صلى الله عليه وسلم وحده, ثم اجتمع إليه ناس قليل يؤمنون به, ثم يكون القليل كثيرا, ويستغلظون, ويغيظ الله بهم الكفار.
24496ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله فآزَرَهُ قال: فشدّه وأعانه.
وقوله: عَلى سُوقِهِ قال: أصوله.
24497ـ حدثني ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة والزهري فآزَرَهُ فاسْتَغْلَظ فاسْتَوَى عَلى سُوقِهِ يقول: فتلاحق.
24498ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فآزَرَهُ اجتمع ذلك فالتفّ قال: وكذلك المؤمنون خرجوا وهم قليل ضعفاء, فلم يزل الله يزيد فيهم, ويؤيدهم بالإسلام, كما أيّد هذا الزرع بأولاده, فآزره, فكان مثلاً للمؤمنين.
24499ـ حدثني عمرو بن عبد الحميد, قال: حدثنا مروان بن معاوية, عن جُوَيبر, عن الضحاك كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فآزَرَهُ فاسْتَغْلَظَ فاسْتَوَى عَلى سُوقِهِ يقول: حبّ برّ نُثِرَ متفرّقا, فتنبت كلّ حبة واحدة, ثم أنبتت كلّ واحدة منها, حتى استغلظ فاستوى على سوقه قال: يقول: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قليلاً, ثم كثروا, ثم استغلظوا لِيَغِيظَ الله بِهِمُ الكُفّارَ.
وقوله: يُعْجِبُ الزّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفّارَ يقول تعالى ذكره: يعجب هذا الزرعُ الذي استغلظ فاستوى على سوقه في تمامه وحُسن نباته, وبلوغه وانتهائه الذين زرعوه لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفّارَ يقول: فكذلك مَثل محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه, واجتماع عددهم حتى كثروا ونموا, وغلظ أمرهم كهذا الزرع الذي وصف جلّ ثناؤه صفته, ثم قال: لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفّارِ فدلّ ذلك على متروك من الكلام, وهو أن الله تعالى فعل ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليغيظ بهم الكفار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24500ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفّارَ يقول الله: مثلهم كمثل زرع أخرج شطأه فآزَره, فاستغلظ, فاستوى على سوقه, حتى بلغ أحسن النبات, يُعْجِب الزرّاع من كثرته, وحُسن نباته.
24501ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: يُعْجِبُ الزرّاع قال: يعجب الزرّاع حُسنه لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفّارَ بالمؤمنين, لكثرتهم, فهذا مثلهم في الإنجيل.
وقوله: وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وعَملُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وأجْرا عَظِيما يقول تعالى ذكره: وعد الله الذين صدّقوا الله ورسوله وعَمِلُوا الصّالِحاتِ يقول: وعملوا بما أمرهم الله به من فرائضه التي أوجبها عليهم.
وقوله: مِنْهُمْ يعني: من الشطء الذي أخرجه الزرع, وهم الداخلون فِي الإسلام بعد الزرع الذي وصف ربنا تبارك وتعالى صفته. والهاء والميم في قوله مِنْهُمْ عائدة على معنى الشطء لا على لفظه, ولذلك جمع فقيل: «منهم», ولم يقل «منه». وإنما جمع الشطء لأنه أريد به من يدخل في دين محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة بعد الجماعة الذين وصف الله صفتهم بقوله: وَالّذِين مَعَهُ أشِدّاءُ عَلى الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُم رُكّعا سُجّدا.
وقوله وَمَغْفِرَةً يعني: عفوا عما مضى من ذنوبهم, وسيىء أعمالهم بحسنها. وقوله: وأجْرا عَظيما يعني: وثوابا جزيلاً, وذلك الجنة.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة الفتح

سورة الحجرات مدنية
وآياتها ثماني عشرة
بسم الله الرحمَن الرحيم
الآية : 1
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }.
يعني تعالى ذكره بقوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا: يا أيها الذين أقروا بوحدانية الله, وبنبوّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لا تُقَدّمُوا بَينَ يَدَي اللّهَ وَرَسُولِهِ يقول: لا تعجلوا بقضاء أمر في حروبكم أو دينكم, قبل أن يقضي الله لكم فيه ورسوله, فتقضوا بخلاف أمر الله وأمر رسوله, محكيّ عن العرب فلان يقدّم بين يدي إمامه, بمعنى يعجل بالأمر والنهي دونه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم بالبيان عن معناه ذكر من قال ذلك:
24502ـ حدثنا عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: لا تُقَدّموا بينَ يَدَي اللّهِ وَرَسُولِهِ يقول: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة.
24503ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدّمُوا بَينَ يَدَي اللّهِ ورَسُولِهِ... الاَية قال: نُهُوا أن يتكلموا بين يدي كلامه.
24504ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدّمُوا بَينَ يَدَي اللّهِ وَرَسُولِهِ قال: لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضيه الله على لسانه.
24505ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة يا أيّها الّذينَ آمَنُوا لا تُقَدّمُوا بَينَ يَدَي اللّهِ وَرَسُولِهِ ذُكر لنا أن ناسا كانوا يقولون: لو أنزل في كذا لوضع كذا وكذا, قال: فكره الله عزّ وجلّ ذلك, وقدم فيه.
24506ـ وقال: الحسن: أناس من المسلمين ذبحوا قبل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر, فأمرهم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أن يعيدوا ذبحا آخر.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدّمُوا بَينَ يَدَي اللّهِ وَرَسُولِهِ قال: إن أُناسا كانوا يقولون: لو أنزل في كذا, لو أنزل في كذا, وقال الحسن: هم قوم نحروا قبل أن يصلي النبيّ صلى الله عليه وسلم, فأمرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يعيدوا الذبح.
24507ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدّمُوا بَينَ يَدَيِ اللّهِ وَرَسُولِهِ يعني بذلك في القتال, وكان من أمورهم لا يصلح أن يُقْضَى إلا بأمره ما كان من شرائع دينهم.
24508ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله جلّ ثناؤه: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدّمُوا بَينَ يَدَي اللّهِ وَرَسُولِهِ قال: لا تقطعوا الأمر دون الله ورسوله.
24509ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدّمُوا بَينَ يَدَي اللّهِ وَرَسُولِهِ قال: لا تقضوا أمرا دون رسول الله, وبضم التاء من قوله: لا تُقَدّمُوا قرأ قرّاء الأمصار, وهي القراءة التي لا أستجيز القراءة بخلافها, لإجماع الحجة من القرّاء عليها, وقد حكي عن العرب قدّمت في كذا, وتقدّمت في كذا, فعلى هذه اللغة لو كان قيل: «لا تَقَدّمُوا» بفتح التاء كان جائزا.
وقوله: وَاتّقُوا اللّهَ إنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يقول: وخافوا الله أيها الذين آمنوا في قولكم, أن تقولوا ما لم يأذن لكم به الله ولا رسوله, وفي غير ذلك من أموركم, وراقبوه, إن الله سميع لما تقولون, عليم بما تريدون بقولكم إذا قلتم, لا يخفى عليه شيء من ضمائر صدوركم, وغير ذلك من أموركم وأمور غيركم.
الآية : 2
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوَاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله, لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت رسول الله تتجهموه بالكلام, وتغلظون له في الخطاب وَلا تجْهَرُوا لَهُ بالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ يقول: ولا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضا: يا محمد, يا محمد, يا نبيّ الله, يا نبي الله, يا رسول الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24510ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ, قال لا تنادُوه نداء, ولكن قولاً لينا يا رسول الله.
24511ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ كانوا يجهرون له بالكلام, ويرفعون أصواتهم, فوعظهم الله, ونهاهم عن ذلك.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, كانوا يرفعون, ويجهرون عند النبيّ صلى الله عليه وسلم, فوعظوا, ونهوا عن ذلك.
24512ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لا تَرْفَعُوا أصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ... الاَية, هو كقوله: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضا نهاهم الله أن ينادوه كما ينادي بعضهم بعضا وأمرهم أن يشرّفوه ويعظّموه, ويدعوه إذا دعوه باسم النبوّة.
24513ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا زيد بن حباب, قال: حدثنا أبو ثابت بن ثابت قيس بن الشماس, قال: ثني عمي إسماعيل بن محمد بن ثابت بن شماس, عن أبيه, قال: لما نزلت هذه الاَية لا تَرْفَعُوا أصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بالقَوْلِ قال: قعد ثابت في الطريق يبكي, قال: فمرّ به عاصم بن عديّ من بني العَجلان, فقال: ما يُبكيك يا ثابت؟ قال: لهذه الاَية, أتخوّف أن تكون نزلت فيّ, وأنا صيّت رفيع الصوت قال: فمضى عاصم بن عديّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: وغلبه البكاء, قال: فأتى امرأته جميلة ابنة عبد الله بن أُبيّ ابن سلول, فقال لها: إذا دخلتُ بيت فرسي, فشدّى على الضبة بمسمار, فضربته بمسمار حتى إذا خرج عطفه وقال: لا أخرج حتى يتوفاني الله, أو يرضى عني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وأتى عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره, فقال: «اذْهَبْ فادْعُهُ لي» فجاء عاصم إلى المكان, فلم يجده, فجاء إلى أهله, فوجده في بيت الفرس, فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك, فقال: اكسر الضّبة, قال: فخرجا فأتيا نبيّ الله صلى الله عليه وسلم, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يُبْكِيكَ يا ثابِتُ»؟ فقال: أنا صيّت, وأتخوّف أن تكون هذه الاَية نزلت فيّ لا تَرْفَعوا أصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ القَولِ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما تَرْضَى أنْ تَعِيشَ حَميدا, وتَقْتَلَ شَهيدا, وَتَدْخُلَ الجَنّةَ»؟ فقال: رضيت ببُشرى الله ورسوله, لا أرفع صوتي أبدا على رسول الله, فأنزل الله إنّ الّذِينَ يَغُضّونَ أصوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ أُولَئِكَ الّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ للتّقْوَى... الاَية.
24514ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن حفص, عن شمر بن عطية, قال: جاء ثابت بن قيس بن الشماس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محزون, فقال: «يا ثابت ما الذي أرى بك»؟ فقال: آية قرأتها الليلة, فأخشى أن يكون قد حَبِط عملي يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتٍ النّبِيّ وكان في أُذنه صمم, فقال: يا نبيّ الله أخشى أن أكون قد رفعت صوتي, وجهرت لك بالقول, وأن أكون قد حبط عملي, وأنا لا أشعر: فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «امْشِ على الأرْضِ نَشِيطا فإنّكَ مِنْ أهْلِ الجَنّةِ».
24515ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن عليه, قال: حدثنا أيوب, عن عكرِمة, قال: لما نزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ... الاَية, قال ثابت بن قيس: فأنا كنت أرفع صوتي فوق صوت النبيّ صلى الله عليه وسلم, وأجهر له بالقول, فأنا من أهل النار, فقعد في بيته, فتفقده رسول الله صلى الله عليه وسلم, وسأل عنه, فقال رجل: إنه لجاري, ولئن شئت لأعلمنّ لك علمه, فقال: «نعم», فأتاه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تفقدك, وسأل عنك, فقال: نزلت هذه الاَية يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ... الاَية وأنا كنت أرفع صوتي فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأجهر له بالقول, فأنا من أهل النار, فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره, فقال: «بَلْ هُوَ مِنْ أهْلِ الجَنّةِ» فلما كان يوم اليمامة انهزم الناس, فقال: «أفّ لهؤلاء وما يعبدون, وأفّ لهؤلاء وما يصنعون», يا معشر الأنصار خلوا لي بشيء لعلي أصلى بحرّها ساعة قال: ورجل قائم على ثلمة, فقتل وقُتِل.
24516ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الزّهريّ, أن ثابت بن قيس بن شماس, قال: لما نزلت لا تَرْفَعُوا أصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ قال: يا نبيّ الله, لقد خشيت أن أكون قد هلكت, نهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك, وإني امرؤ جهير الصوت, ونهى الله المرء أن يحبّ أن يُحمد بما لم يفعل, فأجدني أحبّ أن أُحمد ونهى الله عن الخُيَلاء وأجدني أحبّ الجمال قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ثابِتُ أما تَرْضَى أنْ تَعيشَ حَمِيدا, وَتُقْتَلَ شَهِيدا, وَتَدْخُلَ الجَنّةَ؟» فعاش حميدا, وقُتل شهيدا يوم مُسَيلمة.
24517ـ حدثني عليّ بن سهل, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا نافع بن عمر بن جُميْل الجمحي, قال: ثني أبن أبي مليكة, عن الزبير, قال: «قدم وفد أراه قال تميم, على النبيّ صلى الله عليه وسلم, منهم الأقرع بن حابس, فكلم أبو بكر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستعمله على قومه, قال: فقال عمر: لا تفعل يا رسول الله, قال: فتكلما حتى ارتفعت أصواتهما عند النبيّ صلى الله عليه وسلم, قال: فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي, قال: ما أردت خلافك. قال: ونزل القرآن: يا أيّها الّذِينَ آمَنوا لا تَرْفَعوا أصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ... إلى قوله: وأَجْرٌ عَظِيمٌ قال: فما حدّث عمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك, فَيُسْمِعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم, قال: وما ذكر ابن الزبير جدّه, يعني أبا بكر.
وقوله: أنْ تَحْبَطَ أعمالُكُمْ يقول: أن لا تحبط أعمالكم فتذهب باطلة لا ثواب لكم عليها, ولا جزاء برفعكم أصواتكم فوق صوت نبيكم, وجهركم له بالقول كجهر بعضكم لبعض.
وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك, فقال بعض نجوّيي الكوفة: معناه: لا تحبط أعمالكم. قال: وفيه الجزم والرفع إذا وضعت «لا» مكان «أن». قال: وهي في قراءة عبد الله «فَتَحْبَطْ أعمالُكُمْ» وهو دليل على جواز الجزم, وقال بعض نحويي البصرة: قال: أن تحبط أعمالكم: أي مخافة أن تحبط أعمالكم وقد يقال: أسند الحائط أن يميل.
وقوله: وأنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ يقول: وأنتم لا تعلمونً ولا تدورن.
الآية : 3
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِنّ الّذِينَ يَغُضّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللّهِ أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتّقْوَىَ لَهُم مّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }.
يقول تعالى ذكره: إن الذين يكفون رفع أصواتهم عند رسول الله, وأصل الغضّ: الكفّ في لين. ومنه: غضّ البصر, وهو كفه عن النظر, كما قال جرير:
فَغُضّ الطّرْفَ إنّكَ مِنْ نُمَيْرٍفَلا كَعْبا بَلَغْتَ وَلا كِلابا
وقوله: أُولَئِكَ الّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ للتّقْوى يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله, هم الذين اختبر الله قلوبهم بامتحانه إياها, فاصطفاها وأخلصها للتقوى, يعني لاتقائه بأداء طاعته, واجتناب معاصيه, كما يمتحن الذهب بالنار, فيخلص جيدها, ويبطل خبثها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24518ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ قال: أخلص.
24519ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ قال: أخلص الله قلوبهم فيما أحبّ.
وقوله: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ يقول: لهم من الله عفو عن ذنوبهم السالفة, وصفح منه عنها لهم وأَجْرٌ عَظِيمٌ يقول: وثواب جزيل, وهو الجنة.
الآية : 4-5
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إَنّ الّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنّهُمْ صَبَرُواْ حَتّىَ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن الذين ينادونك يا محمد من وراء حجراتكِ, والحجرات: جمع حجرة, والثلاث: حُجَر, ثم تجمع الحجر فيقال: حَجُرات وحُجْرات, وقد تجمع بعض العرب الحجر: حَجَرات بفتح الجيم, وكذلك كلّ جمع كان من ثلاثة إلى عشرة على فُعَلٍ يجمعونه على فعَلات بفتح ثانيه, والرفع أفصح وأجود ومنه قول الشاعر:
أما كانَ عَبّادٌ كَفِيئا لِدَارِمبَلى, وَلأبْياتٍ بِها الحُجُرَاتُ
يقول: بلى ولبني هاشم.
وقوله: وأكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُون يقول: أكثرهم جهال بدين الله, واللازم لهم من حقك وتعظيمك. وذُكر أن هذه الاَية والتي بعدها نزلت في قوم من الأعراب جاؤوا ينادون رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته: يا محمد اخرج إلينا. ذكر الرواية بذلك:
24520ـ حدثنا أبو عمار المروزي, والحسن بن الحارث, قالا: حدثنا الفضل بن موسى, عن الحسين بن واقد, عن أبي إسحاق, عن البراء في قوله: إنّ الّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الحُجُرَات قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: يا محمد إنْ حمدي زين, وإن ذمّي شين, فقال: «ذَاكَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعَالى».
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الحسين, عن أبي إسحاق, عن البراء بمثله, إلا أنه قال: ذاكم الله عزّ وجلّ.
24521ـ حدثنا الحسن بن عرفة, قال: حدثنا المعتمر بن سليمان التيمي, قال: سمعت داود الطّفاوي يقول: سمعت أبا مسلم البجلي يحدّث عن زيد بن أرقم, قال: جاء أناس من العرب إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم, فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى هذا الرجل, فإن يكن نبيا فنحن أسعد الناس به, وإن يكن ملِكا نعش في جناحه قال: فأتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم, فأخبرته بذلك, قال: ثم جاؤوا إلى حجر النبيّ صلى الله عليه وسلم, فجعلوا ينادونه. يا محمد, فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم: إنّ الّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُون قال: فأخذ نبيّ الله بأذني فمدّها, فجعل يقول: «قَدْ صَدّقَ اللّهُ قَوْلَكَ يا زَيْدُ, قَدْ صَدّقَ اللّهُ قَوْلَكَ يا زَيْدُ».
24522ـ حدثنا الحسن بن أبي يحيى المقدمي, قال: حدثنا عفان, قال: حدثنا وُهَيب, قال: حدثنا موسى بن عقبة, عن أبي سَلَمة, قال: ثني الأقرع بن حابس التميميّ أنه أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم, فناداه, فقال: يا محمد إنّ مدحي زَيْن, وإنّ شتمي شَيْن فخرج إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «وَيْلَكَ ذلكَ اللّهُ» فأنزل الله إنّ الّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَرَاء الحُجُرَاتِ... الاَية.
24523ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: إنّ الّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الحُجُرَاتِ: أعراب بني تميم.
24524ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة أن رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم, فناداه من وراء الحُجَر, فقال: يا محمد إنْ مدحي زين, وإنّ شتمي شَيْن فخرج إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: «وَيْلَكَ ذلكَ اللّهُ فأنزل الله إنّ الّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ.
24525ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: إنّ الّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الحُجُرَاتِ... الاَية, ذُكر لنا أن رجلاً جعل ينادي يا نبيّ الله يا محمد, فخرج إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: «ما شأنُكَ»؟ فقال: والله إنّ حمده لزين, وإنّ ذمّه لشَيْن, فقال نبيّ صلى الله عليه وسلم: «ذَاكُمُ اللّهُ», فأدبر الرجل, وذُكر لنا أن الرجل كان شاعرا.
24526ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن حبيب بن أبي عمرة, قال: كان بشر بن غالب ولَبيد بن عُطارد, أو بشر بن عُطارد ولبيد بن غالب, وهما عند الحجاج جالسان, يقول بشر بن غالب للبيد بن عطارد نزلت في قومك بني تميم إنّ الّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الحُجُرَاتِ فذكرت ذلك لسعيد بن جُبَير, فقال: أما إنه لو علم بآخر الاَية, أجابه: يَمُنّون عَلَيْكَ أنْ أسْلَمُوا قالوا: أسلمنا, ولم يقاتلك بنو أسد.
24527ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن المبارك بن فضالة, عن الحسن, قال: «أتى أعرابيّ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم من وراء حجرته, فقال: يا محمد, يا محمد فخرج إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «مالَكَ مالَكَ», فقال: تعلم أنْ مدحي لزين, وأن ذمّي لشين, فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ذَاكُمُ اللّهُ», فنزلت يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْوَاتَكُمْ فَوقَ صَوْتِ النّبِيّ».
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: مِنْ وَرَاءِ الحُجُرَاتِ فقرأته قرّاء الأمصار بضمّ الحاء والجيم من الحُجُرات, سوى أبي جعفر القارىء, فإنه قرأ بضم الحاء وفتح الجيم على ما وصفت من جمع الحُجْرة حُجَر, ثم جمع الحُجَر: حُجَرات.
والصواب من القراءة عندنا الضم في الحرفين كليهما لما وصفت قبل.
وقوله: وَلَوْ أنّهُمْ صَبَرُوا حتى تَخْرُجَ إلَيْهِمْ لَكانَ خَيْرا لهُمْ يقول تعالى ذكره: ولو أن هؤلاء الذين ينادونك يا محمد من وراء الحجرات صبروا فلم ينادوك حتى تخرج إليهم إذا خرجت, لكان خيرا لهم عند الله, لأن الله قد أمرهم بتوقيرك وتعظيمك, فهم بتركهم نداءك تاركون ما قد نهاهم الله عنه, واللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يقول تعالى ذكره: الله ذو عفو عمن ناداك من وراء الحجاب, إن هو تاب من معصية الله بندائك كذلك, وراجع أمر الله في ذلك وفي غيره رحيم به أن يعاقبه على ذنبه ذلك من بعد توبته منه