سورة ق | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 518 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 518
519
517
سورة ق مكية
وآياتها خمس وأربعون
بِسم الله الرحمَن الرحيم
الآية : 1-2
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قَ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوَاْ أَن جَآءَهُمْ مّنذِرٌ مّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَـَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ }.
اختلف أهل التأويل في قوله: ق, فقال بعضهم: هو اسم من أسماء الله تعالى أُقسم به ذكر من قال ذلك:
24616ـ حدثني عليّ بن داود, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس في قوله: ق و ن وأشباه هذا, فإنه قسم أقسمه الله, وهو اسم من أسماء الله.
وقال آخرون: هو اسم من أسماء القرآن. ذكر من قال ذلك:
24617ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله ق قال: اسم من أسماء القرآن.
وقال آخرون: ق اسم الجبل المحيط بالأرض, وقد تقدّم بياننا في تأويل حروف المعجم التي في أوائل سور القرآن بما فيه الكفاية عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: وَالقُرآنِ المَجِيدِ يقول: والقرآن الكريم. كما:
24618ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا يحيى بن يمان, عن أشعث بن إسحاق, عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد بن جُبَير ق والقرآن المَجِيدِ قال: الكريم.
واختلف أهل العربية في موضع جواب هذا القسم, فقال بعض نحوّيي البصرة ق والقُرآنِ المَجِيدِ قسم على قوله: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ وقال بعض نحوّيي أهل الكوفة: فيها المعنى الذي أقسم به, وقال: ذكر أنها قضى والله, وقال: يقال: إن قاف جبل محيط بالأرض, فإن يكن كذلك فكأنه في موضع رفع: أي هو قاف والله قال: وكان ينبغي لرفعه أن يظهر لأنه اسم وليس بهجاء قال: ولعلّ القاف وحدها ذكرت من اسمه, كما قال الشاعر:
(قُلْت لهَا قِفِي لَنَا قالَتْ قافْ )
ذُكرت القاف إرادة القاف من الوقف: أي إني واقفة.
وهذا القول الثاني عندنا أولى القولين بالصواب, لأنه لا يعرف في أجوبة الإيمان قد, وإنما تجاب الأيمان إذا أجيبت بأحد الحروف الأربعة: اللام, وإن, وما, ولا, أو بترك جوابها فيكون ساقطا.
وقوله: بَلْ عَجِبُوا أنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ما كذّبك يا محمد مشركو قومك أن لا يكونوا عالمين بأنك صادق محقّ, ولكنهم كذّبوا تعجبا من أن جاءهم منذر ينذرهم عقاب الله منهم, يعني بشرا منهم من بني آدم, ولم يأتهم مَلك برسالة من عند الله وقوله: فَقالَ الكافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ يقول تعالى ذكره: فقال المكذّبون بالله ورسوله من قريش إذ جاءهم منذر منهم هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ: أي مجيء رجل منا من بني آدم برسالة الله إلينا, هَلاّ أُنْزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرا.
الآية : 3-4
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرْضَ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ }.
يقول القائل: لم يجر للبعث ذكر, فيخبر عن هؤلاء القوم بكفرهم ما دعوا إليه من ذلك, فما وجه الخبر عنهم بإنكارهم ما لم يدعوا إليه, وجوابهم عما لم يُسألوا عنه. قيل: قد اختلف أهل العربية في ذلك, فنذكر ما قالوا في ذلك, ثم نتبعه البيان إن شاء الله تعالى, فقال في ذلك بعض نحوّيي البصرة قال: أئذا مِتْنا وكُنّا تُرَابا ذَلكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ, لم يذكر أنه راجع, وذلك والله أعلم لأنه كان على جواب, كأنه قيل لهم: إنكم ترجعون, فقالوا: أئِذَا متنا وكُنّا تُرَابا ذَلكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ وقال بعض نحوّيي الكوفة قوله: أئِذَا متْنا وكُنّا تُرَابا كلام لم يظهر قبله, ما يكون هذا جوابا له, ولكن معناه مضمر, إنما كان والله أعلم: ق والقرآن المجيد لَتُبْعثنّ بعد الموت, فقالوا: أئذَا كنا ترابا بُعثنا؟ جحدوا البعث, ثم قالوا: ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ جحدوه أصلاً, قوله: بَعِيدٌ كما تقول للرجل يخطىء في المسألة, لقد ذهبت مذهبا بعيدا من الصواب: أي أخطأت. والصواب من القول في ذلك عندنا, أن في هذا الكلام متروكا استغني بدلالة ما ذُكر عليه من ذكره, وذلك أن الله دلّ بخبره عن تكذيب هؤلاء المشركين الذين ابتدأ هذه السورة بالخبر عن تكذيبهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله: بَلْ عَجِبُوا أنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الكافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ على وعيده إياهم على تكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم, فكأنه قال لهم: إذ قالوا منكرين رسالة الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ستعلمون أيها القوم إذا أنتم بُعثتم يوم القيامة ما يكون حالكم في تكذيبكم محمدا صلى الله عليه وسلم, وإنكاركم نبوّته, فقالوا مجيبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أئِذَا مِتْنا وكُنّا تُرابا نعلم ذلك, ونرى ما تعدنا على تكذيبك ذلكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ: أي أن ذلك غير كائن, ولسنا راجعين أحياء بعد مماتنا, فاستغني بدلالة قوله: بَلْ عَجِبُوا أنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فقال الكافرون هَذَا شَيْءٌ عَجيبٌ من ذكر ما ذكرت من الخبر عن وعيدهم. وفيما:
24619ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول قي قوله: أئِذَا متْنا وكُنّا تُرَابا ذلكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ قالوا: كيف يحيينا الله, وقد صرنا عظاما ورفاتا, وضللنا في الأرض, دلالة على صحة ما قلنا من أنهم أنكروا البعث إذا توعّدوا به.
وقوله: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمُ يقول تعالى ذكره: قد علمنا ما تأكل الأرض من أجسامهم بعد مماتهم, وعندنا كتاب بما تأكل الأرض وتفني من أجسامهم, ولهم كتاب مكتوب مع علمنا بذلك, حافظ لذلك كله, وسماه الله تعالى حفيظا, لأنه لا يدرس ما كتب فيه, ولا يتغير ولا يتبدل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24620ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ يقول: ما تأكل الأرض من لحومهم وأبشارهم وعظامهم وأشعارهم.
24621ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ما تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ قال: من عظامهم.
24622ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمُ يقول: ما تأكل الأرض منهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ قال: يعني الموت, يقول: من يموت منهم, أو قال: ما تأكل الأرض منهم إذا ماتوا.
24623ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, قال الله قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ يقول: ما أكلت الأرض منهم ونحن عالمون به, وهم عندي مع علمي فيهم في كتاب حفيظ.
الآية : 5-6
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {بَلْ كَذّبُواْ بِالْحَقّ لَمّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِيَ أَمْرٍ مّرِيجٍ * أَفَلَمْ يَنظُرُوَاْ إِلَى السّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيّنّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ }.
يقول تعالى ذكره: ما أصاب هؤلاء المشركون القائلون أئِذَا مِتْنا وكُنّا تُرَابا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ في قيلهم هذا بَلْ كَذّبُوا بالحَقّ, وهو القرآن لَمّا جَاءَهُمْ من الله. كالذي:
24624ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة بَلْ كَذّبُوا بالحَقّ لَمّا جاءَهُمْ أي كذّبوا بالقرآن فَهُمْ فِي أمْرٍ مَرِيجٍ يقول: فهم في أمر مختلط عليهم ملتبس, لا يعرفون حقه من باطله, (يقال) قد مرج أمر الناس إذا اختلط وأهمل.
وقد اختلفت عبارات أهل التأويل في تأويلها, وإن كانت متقاربات المعاني, فقال بعضهم: معناها: فهم في أمر منكر وقال: المريج: هو الشيء المنكر. ذكر من قال ذلك:
24625ـ حدثني محمد بن خالد بن خداش, قال: ثني سلم بن قُتيبة, عن وهب بن حبيب الاَمديّ, عن أبي حمزة, عن ابن عباس أنه سُئل عن قوله: أمْرٍ مَرِيجٍ قال: المريج: الشيء المنكر أما سمعت قول الشاعر:
فَجالَتْ والْتَمَسَتْ بهِ حَشاهَافَخَرّ كأنّهُ خُوطٌ مَرِيج
وقال آخرون: بل معنى ذلك: في أمر مختلف. ذكر من قال ذلك:
24626ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله فِي أمْرٍ مَرِيجٍ يقول: مختلف.
وقال آخرون: بل معناه: في أمر ضلالة.
ذكر من قال ذلك:
24627ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس فَهُمْ في أمْرٍ مَرِيجٍ قال: هم في أمر ضلالة.
وقال آخرون: بل معناه: في أمر مُلْتبِس. ذكر من قال ذلك:
24628ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا يحيى بن يمان, عن أشعث بن إسحاق, عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد بن جُبَير, في قوله: فَهُمْ فِي أمْرٍ مَرِيجٍ قال: مُلْتَبِسٍ.
24629ـ حدثنا محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: أَمْرٍ مَرِيجٍ قال: ملتبس.
24630ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَهُمْ فِي أمْرٍ مَرِيجٍ ملتبس عليهم أمره.
24631ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, قال: والتبس عليه دينه.
وقال آخرون: بل هو المختلط. ذكر من قال ذلك:
24632ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فِي أمْرٍ مَرِيجٍ قال: المريج: المختلط.
وإنما قلت: هذه العبارات وإن اختلفت ألفاظها فهي في المعنى متقاربات, لأن الشيء مختلف ملتبس, معناه مشكل. وإذا كان كذلك كان منكرا, لأن المعروف واضح بين, وإذا كان غير معروف كان لا شكّ ضلالة, لأن الهدى بيّن لا لبس فيه.
وقوله: أفَلَمْ يَنظُرُوا إلى السّماء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها يقول تعالى ذكره: أفلم ينظر هؤلاء المكذّبون بالبعث بعد الموت المُنكرون قُدرتنا على إحيائهم بعد بلائهم إلى السّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْف بَنَيْناها فسوّيناها سقفا محفوظا, وزيناها بالنجوم وَما لَهَا مِنْ فُرُوج يعني: وما لها من صدوع وفُتوق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24633ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: مِنْ فُرُوجٍ قال: شَقّ.
24634ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ قلت له, يعني ابن زيد: الفروج: الشيء المتبرىء بعضه من بعض, قال: نعم.
الآية : 7-8
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَىَ لِكُلّ عَبْدٍ مّنِيبٍ }.
وقوله: والأرْضَ مَدَدْناها يقول: والأرض بسطناها وألْقَيْنا فِيها رَوَاسِيَ يقول: وجعلنا فيها جبالاً ثوابت, رست في الأرض, وأنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ يقول تعالى ذكره: وأنبتنا في الأرض من كلّ نوع من نبات حسن, وهو البهيج. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24635ـ حدثنا عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية بن صالح, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: بَهِيجٍ يقول: حسن.
24636ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأَلْقَيْنا فِيها رَوَاسِيَ والرواسي الجبال وأَنْبَتْنا فيها مِنْ كُلّ زَوْجٍ بَهِيج: أي من كلّ زوج حسن.
24637ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قلت لابن زيد البهيج: هو الحسن المنظر؟ قال نعم: وقوله تَبْصِرَةً يقول: فعلنا ذلك تبصرة لكم أيها الناس بنصركم بها قدرة ربكم على ما يشاء, وَذِكْرَى لِكُلّ عَبْدٍ مُنِيبٍ يقول: وتذكيرا من الله عظمته وسلطانه, وتنبيها على وحدانيته لِكُلّ عَبْدٍ مُنِيبٍ يقول: لكل عبد رجع إلى الإيمان بالله, والعمل بطاعته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24638ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: تَبْصِرَة نعمة من الله يبصرها العباد وَذِكْرَى لِكُلّ عَبْدٍ مُنِيبٍ: أي مقبل بقلبه إلى الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: تَبْصِرَةً وَذِكْرَى قال: تبصرة من الله.
24639ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: تَبْصِرَةً قال: بصيرة.
24640ـ حدثنا ابن حُمَيد قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن جابر, عن عطاء ومجاهد لِكُلّ عَبْدٍ مُنِيبٍ قالا مجيب.
الآية : 9-11
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَنَزّلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَآءً مّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنّاتٍ وَحَبّ الْحَصِيدِ * وَالنّخْلَ بَاسِقَاتٍ لّهَا طَلْعٌ نّضِيدٌ * رّزْقاً لّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مّيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ }.
يقول تعالى ذكره: وَنَزّلْنا مِنَ السّماءِ ماءً مطرا مباركا, فأنبتنا به بساتين أشجارا, وحبّ الزرع المحصود من البرّ والشعير, وسائر أنواع الحبوب. كما:
24641ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَحَبّ الحَصِيدِ هذا البرّ والشعير.
حدثني ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَحَبّ الْحَصِيدِ قال: هو البرّ والشعير.
24642ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَحَبّ الحَصِيدِ قال: الحِنطة.
وكان بعض أهل العربية يقول في قوله: وحَبّ الْحَصِيدِ الحبّ هو الحصيد, وهو مما أضيف إلى نفسه مثل قوله: إنّ هَذَا لَهُوَ حَقّ اليَقِينِ.
وقوله: والنّخْلَ باسِقاتٍ يقول: وأنبتنا بالماء الذي أنزلنا من السماء النخل طوالاً, والباسق: هو الطويل يقال للجبل الطويل: جبل باسق, كما قال أبو نوفل لابن هُبَيرة:
يا بْنَ الّذِينَ بِفَضْلِهِمْبَسَقَتْ عَلى قَيْسٍ فَزَارَهْ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24643ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح قال: ثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: باسِقاتٍ يقول: طوال.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله والنّخْلَ باسِقاتٍ قال: النخل الطوال.
24644ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن عبد الله بن شدّاد في قوله: والنّخْلَ باسِقاتٍ قال: بُسوقها: طولها في إقامة.
24645ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرِمة, في قوله: والنّخْلَ باسِقاتٍ الباسقات: الطوال.
24646ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: باسِقاتٍ قال: الطوال.
24647ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة والنّخْلِ باسِقاتٍ قال: بسوقها طولها.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة والنّخْلَ باسِقاتٍ قال: يعني طولها.
24648ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله والنّخْلَ باسِقاتٍ قال: البسوق: الطول.
وقوله: لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ يقول: لهذا النخل الباسقات طلع وهو الكُفُرّي, نضيد: يقول: منضود بعضه على بعض متراكب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24649ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي عن أبيه, عن ابن عباس لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ قال: يقول بعضه على بعض.
24650ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: نَضِيدٌ قال: المنضّد.
24651ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ يقول: بعضه على بعض.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ ينضد بعضه على بعض.
وقوله: رِزْقا للْعِبادِ يقول: أنبتنا بهذا الماء الذي أنزلناه من السماء هذه الجنات, والحبّ والنخل قوتا للعباد, بعضها غذاء, وبعضها فاكهة ومتاعا.
وقوله: وأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتا يقول تعالى ذكره وأحيينا بهذا الماء الذي أنزلناه من السماء بلدة ميتا قد أجدبت وقحطت, فلا زرع فيها ولا نبت.
وقوله: كَذَلكَ الخُرُوجُ يقول تعالى ذكره: كما أنبتنا بهذا الماء هذه الأرض الميتة, فأحييناها به, فأخرجنا نباتها وزرعها, كذلك نخرجكم يوم القيامة أحياء من قبوركم من بعد بلائكم فيها بما ينزل عليها من الماء.
الآية : 12-14
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {كَذّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرّسّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ وَقَوْمُ تّبّعٍ كُلّ كَذّبَ الرّسُلَ فَحَقّ وَعِيدِ }.
يقول تعالى ذكره كذّبتْ قبل هؤلاء المشركين الذين كذّبوا محمدا صلى الله عليه وسلم من قومه قَوْمُ نوحٍ وأصحْابُ الرّسّ وقد مضى ذكرنا قبل أمر أصحاب الرسّ, وأنهم قوم رسّوا نبيهم في بئر.
24652ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن أبي بكر, عن عكرِمة بذلك.
24653ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أصْحابُ الرّسّ والرس: بئر قُتل فيها صاحب يس.
24654ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: أصْحابُ الرّسّ قال: بئر.
24655ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا عمرو بن الحارث, عن سعيد بن أبي هلال, عن عمرو بن عبد الله, عن قتادة أنه قال: إن أصحاب الأيكة, والأيكة: الشجر الملتفّ, وأصحاب الرّسّ كانتا أمتين, فبعث الله إليهم نبيا واحدا شعيبا, وعذّبهما الله بعذابين وثَمُودُ وعَادٌ وَفِرْعُوْنُ وَإخْوَانُ لُوطٍ وأصْحابُ الأيْكَةِ وهم قوم شعيب, وقد مضى خبرهم قبل وَقَوْمُ تُبّعٍ.
وكان قوم تُبّعٍ أهل أوثان يعبدونها, فيما:
24656ـ حدثنا به ابن حُمَيد, قال: حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق.
وكان من خبره وخبر قومه ما:
24657ـ حدثنا به مجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا عمران بن حُدَير, عن أبي مجلز, عن ابن عباس, أنه سأل عبد الله بن سلام, عن تُبّع ما كان؟ فقال: إن تبعا كان رجلاً من العرب, وإنه ظهر على الناس, فاختار فِتية من الأخيار فاستبطنهم واستدخلهم, حتى أخذ منهم وبايعهم, وإن قومه استكبروا ذلك وقالوا: قد ترك دينكم, وبايع الفِتية فلما فشا ذلك, قال للفتية, فقال الفتية: بيننا وبينهم النار تُحْرِق الكاذب, وينجو منها الصادق, ففعلوا, فعلق الفتية مصاحفهم في أعناقهِم, ثم غدوا إلى النار, فلما ذهبوا أن يدخلوها, سفعت النار في وجوههم, فنكصوا عنها, فقال لهم تبّع: لتدخلنها فلما دخلوها أفرجت عنهم حتى قطعوها, وأنه قال لقومه ادخلوها فلما ذهبوا يدخلونهاسفعت النار وجوههم, فنكصوا عنها, فقال لهم تُبّع: لتدخلنها, فلما دخلوها أفرجت عنهم, حتى إذا توسطوا أحاطت بهم, فأحرقتهم, فأسلم تُبع, وكان تُبّع رجلاً صالحا.
24658ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن أبي مالك بن ثعلبة بن أبي مالك القرظي, قال: سمعت إبراهيم بن محمد القرظي, قال: سمعت إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد الله يحدّث أن تبعا لما دنا من اليمن ليدخلها, حالت حِمْيَر بينه وبين ذلك, وقالوا لا تدخلها علينا, وقد فارقت ديننا فدعاهم إلى دينه, وقال: إنه دين خير من دينكم, قالوا: فحاكمنا إلى النار, قال نعم, قال: وكانت في اليمن فيما يزعم أهل اليمن نار تحكم فيما بينهم فيما يختلفون فيه, تأكل الظالم ولا تضرّ المظلوم فلما قالوا ذلك لتبّع, قال: أنصفتم, فخرج قومه بأوثانهم, وما يتقرّبون به في دينهم قال: خرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما متقلديهما, حتى قعدوا للنار عند مخرجها التي تخرج منه, فخرجت النار إليهم فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها وهابوها, فرموهم من حضرهم من الناس, وأمروهم بالصبر لها, فصبروا حتى غشيتهم فأكلت الأوثان وما قرّبوا معها, ومن حمل ذلك من رجال حِمْيَر وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما, تعرق جباههما لم تضرّهما, فأطبقت حِمْيَر, عند ذلك على دينه, فمن هنالك وغير ذلك كان أصل اليهودية باليمن.
24659ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق عن بعض أصحابه أن الحَبرين, ومن خرج معهما من حِمْيَر, إنما اتبعوا النار ليردّوها, وقالوا: من ردّها فهو أولى بالحقّ فدنا منهم رجال من حمير بأوثانهم ليردّوها, فدنت منهم لتأكلهم, فحادوا فلم يستطيعوا ردّها, ودنا منها الحبران بعد ذلك وجعلا يتلوان التوراة, وتنكص حتى ردّاها إلى مخرجها الذي خرجت منه, فأطبقت عند ذلك على دينهما, وكان رئام بيتا لهم يعظمونه, وينحرون عنده, ويكلمون منه, إذ كانوا على شركهم, فقال الحبران لتبّع إنما هو شيطان يعينهم ويلعب بهم, فخلّ بيننا وبينه, قال: فشأنكما به فاستخرجا منه فيما يزعم أهل اليمن كلبا أسود, فذبحاه, ثم هدما ذلك البيت, فبقاياه اليوم باليمن كما ذُكر لي.
24660ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن لهيعة, عن عمرو بن جابر الحضرميّ, حدثه قال: سمعت سهل بن سعد الساعدي, يحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تَلْعَنُوا تُبّعا فإنّهُ كانَ قَدْ أسْلَمَ».
24661ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني ابن لهيعة, عن الحارث بن يزيد أن شعيب بن زرعة المعافريّ, حدثه, قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص وقال له رجل: إن حِمْيَر تزعم أن تبعا منهم, فقال: نعم والذي نفسي بيده, وإنه في العرب كالأنف بين العينين, وقد كان منهم سبعون ملكا.
وقوله: كُلّ كَذّب الرّسُلَ فَحَق وَعَيِدِ يقول تعالى ذكره: كلّ هؤلاء الذين ذكرناهم كذّبوا رسل الله الذين أرسلهم فَحَقّ وَعِيد يقول: فوجب لهم الوعيد الذي وعدناهم على كفرهم بالله, وحل بهم العذاب والنقمة. وإنما وصف ربنا جلّ ثناؤه ما وصف في هذه الاَية من إحلاله عقوبته بهؤلاء المكذّبين الرسل ترهيبا منه بذلك مشركي قريش وإعلاما منه لهم أنهم إن لم ينيبوا من تكذيبهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم, أنه محلّ بهم من العذاب, مثل الذي أحلّ بهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24662ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: فَحَقّ وَعِيدِ قال: ما أهلكوا به تخويفا لهؤلاء
519
517
سورة ق مكية
وآياتها خمس وأربعون
بِسم الله الرحمَن الرحيم
الآية : 1-2
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قَ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوَاْ أَن جَآءَهُمْ مّنذِرٌ مّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَـَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ }.
اختلف أهل التأويل في قوله: ق, فقال بعضهم: هو اسم من أسماء الله تعالى أُقسم به ذكر من قال ذلك:
24616ـ حدثني عليّ بن داود, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس في قوله: ق و ن وأشباه هذا, فإنه قسم أقسمه الله, وهو اسم من أسماء الله.
وقال آخرون: هو اسم من أسماء القرآن. ذكر من قال ذلك:
24617ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله ق قال: اسم من أسماء القرآن.
وقال آخرون: ق اسم الجبل المحيط بالأرض, وقد تقدّم بياننا في تأويل حروف المعجم التي في أوائل سور القرآن بما فيه الكفاية عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: وَالقُرآنِ المَجِيدِ يقول: والقرآن الكريم. كما:
24618ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا يحيى بن يمان, عن أشعث بن إسحاق, عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد بن جُبَير ق والقرآن المَجِيدِ قال: الكريم.
واختلف أهل العربية في موضع جواب هذا القسم, فقال بعض نحوّيي البصرة ق والقُرآنِ المَجِيدِ قسم على قوله: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ وقال بعض نحوّيي أهل الكوفة: فيها المعنى الذي أقسم به, وقال: ذكر أنها قضى والله, وقال: يقال: إن قاف جبل محيط بالأرض, فإن يكن كذلك فكأنه في موضع رفع: أي هو قاف والله قال: وكان ينبغي لرفعه أن يظهر لأنه اسم وليس بهجاء قال: ولعلّ القاف وحدها ذكرت من اسمه, كما قال الشاعر:
(قُلْت لهَا قِفِي لَنَا قالَتْ قافْ )
ذُكرت القاف إرادة القاف من الوقف: أي إني واقفة.
وهذا القول الثاني عندنا أولى القولين بالصواب, لأنه لا يعرف في أجوبة الإيمان قد, وإنما تجاب الأيمان إذا أجيبت بأحد الحروف الأربعة: اللام, وإن, وما, ولا, أو بترك جوابها فيكون ساقطا.
وقوله: بَلْ عَجِبُوا أنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ما كذّبك يا محمد مشركو قومك أن لا يكونوا عالمين بأنك صادق محقّ, ولكنهم كذّبوا تعجبا من أن جاءهم منذر ينذرهم عقاب الله منهم, يعني بشرا منهم من بني آدم, ولم يأتهم مَلك برسالة من عند الله وقوله: فَقالَ الكافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ يقول تعالى ذكره: فقال المكذّبون بالله ورسوله من قريش إذ جاءهم منذر منهم هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ: أي مجيء رجل منا من بني آدم برسالة الله إلينا, هَلاّ أُنْزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرا.
الآية : 3-4
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرْضَ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ }.
يقول القائل: لم يجر للبعث ذكر, فيخبر عن هؤلاء القوم بكفرهم ما دعوا إليه من ذلك, فما وجه الخبر عنهم بإنكارهم ما لم يدعوا إليه, وجوابهم عما لم يُسألوا عنه. قيل: قد اختلف أهل العربية في ذلك, فنذكر ما قالوا في ذلك, ثم نتبعه البيان إن شاء الله تعالى, فقال في ذلك بعض نحوّيي البصرة قال: أئذا مِتْنا وكُنّا تُرَابا ذَلكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ, لم يذكر أنه راجع, وذلك والله أعلم لأنه كان على جواب, كأنه قيل لهم: إنكم ترجعون, فقالوا: أئِذَا متنا وكُنّا تُرَابا ذَلكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ وقال بعض نحوّيي الكوفة قوله: أئِذَا متْنا وكُنّا تُرَابا كلام لم يظهر قبله, ما يكون هذا جوابا له, ولكن معناه مضمر, إنما كان والله أعلم: ق والقرآن المجيد لَتُبْعثنّ بعد الموت, فقالوا: أئذَا كنا ترابا بُعثنا؟ جحدوا البعث, ثم قالوا: ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ جحدوه أصلاً, قوله: بَعِيدٌ كما تقول للرجل يخطىء في المسألة, لقد ذهبت مذهبا بعيدا من الصواب: أي أخطأت. والصواب من القول في ذلك عندنا, أن في هذا الكلام متروكا استغني بدلالة ما ذُكر عليه من ذكره, وذلك أن الله دلّ بخبره عن تكذيب هؤلاء المشركين الذين ابتدأ هذه السورة بالخبر عن تكذيبهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله: بَلْ عَجِبُوا أنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الكافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ على وعيده إياهم على تكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم, فكأنه قال لهم: إذ قالوا منكرين رسالة الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ستعلمون أيها القوم إذا أنتم بُعثتم يوم القيامة ما يكون حالكم في تكذيبكم محمدا صلى الله عليه وسلم, وإنكاركم نبوّته, فقالوا مجيبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أئِذَا مِتْنا وكُنّا تُرابا نعلم ذلك, ونرى ما تعدنا على تكذيبك ذلكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ: أي أن ذلك غير كائن, ولسنا راجعين أحياء بعد مماتنا, فاستغني بدلالة قوله: بَلْ عَجِبُوا أنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فقال الكافرون هَذَا شَيْءٌ عَجيبٌ من ذكر ما ذكرت من الخبر عن وعيدهم. وفيما:
24619ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول قي قوله: أئِذَا متْنا وكُنّا تُرَابا ذلكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ قالوا: كيف يحيينا الله, وقد صرنا عظاما ورفاتا, وضللنا في الأرض, دلالة على صحة ما قلنا من أنهم أنكروا البعث إذا توعّدوا به.
وقوله: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمُ يقول تعالى ذكره: قد علمنا ما تأكل الأرض من أجسامهم بعد مماتهم, وعندنا كتاب بما تأكل الأرض وتفني من أجسامهم, ولهم كتاب مكتوب مع علمنا بذلك, حافظ لذلك كله, وسماه الله تعالى حفيظا, لأنه لا يدرس ما كتب فيه, ولا يتغير ولا يتبدل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24620ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ يقول: ما تأكل الأرض من لحومهم وأبشارهم وعظامهم وأشعارهم.
24621ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ما تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ قال: من عظامهم.
24622ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمُ يقول: ما تأكل الأرض منهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ قال: يعني الموت, يقول: من يموت منهم, أو قال: ما تأكل الأرض منهم إذا ماتوا.
24623ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, قال الله قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ يقول: ما أكلت الأرض منهم ونحن عالمون به, وهم عندي مع علمي فيهم في كتاب حفيظ.
الآية : 5-6
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {بَلْ كَذّبُواْ بِالْحَقّ لَمّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِيَ أَمْرٍ مّرِيجٍ * أَفَلَمْ يَنظُرُوَاْ إِلَى السّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيّنّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ }.
يقول تعالى ذكره: ما أصاب هؤلاء المشركون القائلون أئِذَا مِتْنا وكُنّا تُرَابا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ في قيلهم هذا بَلْ كَذّبُوا بالحَقّ, وهو القرآن لَمّا جَاءَهُمْ من الله. كالذي:
24624ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة بَلْ كَذّبُوا بالحَقّ لَمّا جاءَهُمْ أي كذّبوا بالقرآن فَهُمْ فِي أمْرٍ مَرِيجٍ يقول: فهم في أمر مختلط عليهم ملتبس, لا يعرفون حقه من باطله, (يقال) قد مرج أمر الناس إذا اختلط وأهمل.
وقد اختلفت عبارات أهل التأويل في تأويلها, وإن كانت متقاربات المعاني, فقال بعضهم: معناها: فهم في أمر منكر وقال: المريج: هو الشيء المنكر. ذكر من قال ذلك:
24625ـ حدثني محمد بن خالد بن خداش, قال: ثني سلم بن قُتيبة, عن وهب بن حبيب الاَمديّ, عن أبي حمزة, عن ابن عباس أنه سُئل عن قوله: أمْرٍ مَرِيجٍ قال: المريج: الشيء المنكر أما سمعت قول الشاعر:
فَجالَتْ والْتَمَسَتْ بهِ حَشاهَافَخَرّ كأنّهُ خُوطٌ مَرِيج
وقال آخرون: بل معنى ذلك: في أمر مختلف. ذكر من قال ذلك:
24626ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله فِي أمْرٍ مَرِيجٍ يقول: مختلف.
وقال آخرون: بل معناه: في أمر ضلالة.
ذكر من قال ذلك:
24627ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس فَهُمْ في أمْرٍ مَرِيجٍ قال: هم في أمر ضلالة.
وقال آخرون: بل معناه: في أمر مُلْتبِس. ذكر من قال ذلك:
24628ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا يحيى بن يمان, عن أشعث بن إسحاق, عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد بن جُبَير, في قوله: فَهُمْ فِي أمْرٍ مَرِيجٍ قال: مُلْتَبِسٍ.
24629ـ حدثنا محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: أَمْرٍ مَرِيجٍ قال: ملتبس.
24630ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَهُمْ فِي أمْرٍ مَرِيجٍ ملتبس عليهم أمره.
24631ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, قال: والتبس عليه دينه.
وقال آخرون: بل هو المختلط. ذكر من قال ذلك:
24632ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فِي أمْرٍ مَرِيجٍ قال: المريج: المختلط.
وإنما قلت: هذه العبارات وإن اختلفت ألفاظها فهي في المعنى متقاربات, لأن الشيء مختلف ملتبس, معناه مشكل. وإذا كان كذلك كان منكرا, لأن المعروف واضح بين, وإذا كان غير معروف كان لا شكّ ضلالة, لأن الهدى بيّن لا لبس فيه.
وقوله: أفَلَمْ يَنظُرُوا إلى السّماء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها يقول تعالى ذكره: أفلم ينظر هؤلاء المكذّبون بالبعث بعد الموت المُنكرون قُدرتنا على إحيائهم بعد بلائهم إلى السّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْف بَنَيْناها فسوّيناها سقفا محفوظا, وزيناها بالنجوم وَما لَهَا مِنْ فُرُوج يعني: وما لها من صدوع وفُتوق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24633ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: مِنْ فُرُوجٍ قال: شَقّ.
24634ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ قلت له, يعني ابن زيد: الفروج: الشيء المتبرىء بعضه من بعض, قال: نعم.
الآية : 7-8
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَىَ لِكُلّ عَبْدٍ مّنِيبٍ }.
وقوله: والأرْضَ مَدَدْناها يقول: والأرض بسطناها وألْقَيْنا فِيها رَوَاسِيَ يقول: وجعلنا فيها جبالاً ثوابت, رست في الأرض, وأنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ يقول تعالى ذكره: وأنبتنا في الأرض من كلّ نوع من نبات حسن, وهو البهيج. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24635ـ حدثنا عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية بن صالح, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: بَهِيجٍ يقول: حسن.
24636ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأَلْقَيْنا فِيها رَوَاسِيَ والرواسي الجبال وأَنْبَتْنا فيها مِنْ كُلّ زَوْجٍ بَهِيج: أي من كلّ زوج حسن.
24637ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قلت لابن زيد البهيج: هو الحسن المنظر؟ قال نعم: وقوله تَبْصِرَةً يقول: فعلنا ذلك تبصرة لكم أيها الناس بنصركم بها قدرة ربكم على ما يشاء, وَذِكْرَى لِكُلّ عَبْدٍ مُنِيبٍ يقول: وتذكيرا من الله عظمته وسلطانه, وتنبيها على وحدانيته لِكُلّ عَبْدٍ مُنِيبٍ يقول: لكل عبد رجع إلى الإيمان بالله, والعمل بطاعته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24638ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: تَبْصِرَة نعمة من الله يبصرها العباد وَذِكْرَى لِكُلّ عَبْدٍ مُنِيبٍ: أي مقبل بقلبه إلى الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: تَبْصِرَةً وَذِكْرَى قال: تبصرة من الله.
24639ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: تَبْصِرَةً قال: بصيرة.
24640ـ حدثنا ابن حُمَيد قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن جابر, عن عطاء ومجاهد لِكُلّ عَبْدٍ مُنِيبٍ قالا مجيب.
الآية : 9-11
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَنَزّلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَآءً مّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنّاتٍ وَحَبّ الْحَصِيدِ * وَالنّخْلَ بَاسِقَاتٍ لّهَا طَلْعٌ نّضِيدٌ * رّزْقاً لّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مّيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ }.
يقول تعالى ذكره: وَنَزّلْنا مِنَ السّماءِ ماءً مطرا مباركا, فأنبتنا به بساتين أشجارا, وحبّ الزرع المحصود من البرّ والشعير, وسائر أنواع الحبوب. كما:
24641ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَحَبّ الحَصِيدِ هذا البرّ والشعير.
حدثني ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَحَبّ الْحَصِيدِ قال: هو البرّ والشعير.
24642ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَحَبّ الحَصِيدِ قال: الحِنطة.
وكان بعض أهل العربية يقول في قوله: وحَبّ الْحَصِيدِ الحبّ هو الحصيد, وهو مما أضيف إلى نفسه مثل قوله: إنّ هَذَا لَهُوَ حَقّ اليَقِينِ.
وقوله: والنّخْلَ باسِقاتٍ يقول: وأنبتنا بالماء الذي أنزلنا من السماء النخل طوالاً, والباسق: هو الطويل يقال للجبل الطويل: جبل باسق, كما قال أبو نوفل لابن هُبَيرة:
يا بْنَ الّذِينَ بِفَضْلِهِمْبَسَقَتْ عَلى قَيْسٍ فَزَارَهْ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24643ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح قال: ثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: باسِقاتٍ يقول: طوال.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله والنّخْلَ باسِقاتٍ قال: النخل الطوال.
24644ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن عبد الله بن شدّاد في قوله: والنّخْلَ باسِقاتٍ قال: بُسوقها: طولها في إقامة.
24645ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرِمة, في قوله: والنّخْلَ باسِقاتٍ الباسقات: الطوال.
24646ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: باسِقاتٍ قال: الطوال.
24647ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة والنّخْلِ باسِقاتٍ قال: بسوقها طولها.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة والنّخْلَ باسِقاتٍ قال: يعني طولها.
24648ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله والنّخْلَ باسِقاتٍ قال: البسوق: الطول.
وقوله: لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ يقول: لهذا النخل الباسقات طلع وهو الكُفُرّي, نضيد: يقول: منضود بعضه على بعض متراكب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24649ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي عن أبيه, عن ابن عباس لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ قال: يقول بعضه على بعض.
24650ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: نَضِيدٌ قال: المنضّد.
24651ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ يقول: بعضه على بعض.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ ينضد بعضه على بعض.
وقوله: رِزْقا للْعِبادِ يقول: أنبتنا بهذا الماء الذي أنزلناه من السماء هذه الجنات, والحبّ والنخل قوتا للعباد, بعضها غذاء, وبعضها فاكهة ومتاعا.
وقوله: وأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتا يقول تعالى ذكره وأحيينا بهذا الماء الذي أنزلناه من السماء بلدة ميتا قد أجدبت وقحطت, فلا زرع فيها ولا نبت.
وقوله: كَذَلكَ الخُرُوجُ يقول تعالى ذكره: كما أنبتنا بهذا الماء هذه الأرض الميتة, فأحييناها به, فأخرجنا نباتها وزرعها, كذلك نخرجكم يوم القيامة أحياء من قبوركم من بعد بلائكم فيها بما ينزل عليها من الماء.
الآية : 12-14
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {كَذّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرّسّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ وَقَوْمُ تّبّعٍ كُلّ كَذّبَ الرّسُلَ فَحَقّ وَعِيدِ }.
يقول تعالى ذكره كذّبتْ قبل هؤلاء المشركين الذين كذّبوا محمدا صلى الله عليه وسلم من قومه قَوْمُ نوحٍ وأصحْابُ الرّسّ وقد مضى ذكرنا قبل أمر أصحاب الرسّ, وأنهم قوم رسّوا نبيهم في بئر.
24652ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن أبي بكر, عن عكرِمة بذلك.
24653ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أصْحابُ الرّسّ والرس: بئر قُتل فيها صاحب يس.
24654ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: أصْحابُ الرّسّ قال: بئر.
24655ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا عمرو بن الحارث, عن سعيد بن أبي هلال, عن عمرو بن عبد الله, عن قتادة أنه قال: إن أصحاب الأيكة, والأيكة: الشجر الملتفّ, وأصحاب الرّسّ كانتا أمتين, فبعث الله إليهم نبيا واحدا شعيبا, وعذّبهما الله بعذابين وثَمُودُ وعَادٌ وَفِرْعُوْنُ وَإخْوَانُ لُوطٍ وأصْحابُ الأيْكَةِ وهم قوم شعيب, وقد مضى خبرهم قبل وَقَوْمُ تُبّعٍ.
وكان قوم تُبّعٍ أهل أوثان يعبدونها, فيما:
24656ـ حدثنا به ابن حُمَيد, قال: حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق.
وكان من خبره وخبر قومه ما:
24657ـ حدثنا به مجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا عمران بن حُدَير, عن أبي مجلز, عن ابن عباس, أنه سأل عبد الله بن سلام, عن تُبّع ما كان؟ فقال: إن تبعا كان رجلاً من العرب, وإنه ظهر على الناس, فاختار فِتية من الأخيار فاستبطنهم واستدخلهم, حتى أخذ منهم وبايعهم, وإن قومه استكبروا ذلك وقالوا: قد ترك دينكم, وبايع الفِتية فلما فشا ذلك, قال للفتية, فقال الفتية: بيننا وبينهم النار تُحْرِق الكاذب, وينجو منها الصادق, ففعلوا, فعلق الفتية مصاحفهم في أعناقهِم, ثم غدوا إلى النار, فلما ذهبوا أن يدخلوها, سفعت النار في وجوههم, فنكصوا عنها, فقال لهم تبّع: لتدخلنها فلما دخلوها أفرجت عنهم حتى قطعوها, وأنه قال لقومه ادخلوها فلما ذهبوا يدخلونهاسفعت النار وجوههم, فنكصوا عنها, فقال لهم تُبّع: لتدخلنها, فلما دخلوها أفرجت عنهم, حتى إذا توسطوا أحاطت بهم, فأحرقتهم, فأسلم تُبع, وكان تُبّع رجلاً صالحا.
24658ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن أبي مالك بن ثعلبة بن أبي مالك القرظي, قال: سمعت إبراهيم بن محمد القرظي, قال: سمعت إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد الله يحدّث أن تبعا لما دنا من اليمن ليدخلها, حالت حِمْيَر بينه وبين ذلك, وقالوا لا تدخلها علينا, وقد فارقت ديننا فدعاهم إلى دينه, وقال: إنه دين خير من دينكم, قالوا: فحاكمنا إلى النار, قال نعم, قال: وكانت في اليمن فيما يزعم أهل اليمن نار تحكم فيما بينهم فيما يختلفون فيه, تأكل الظالم ولا تضرّ المظلوم فلما قالوا ذلك لتبّع, قال: أنصفتم, فخرج قومه بأوثانهم, وما يتقرّبون به في دينهم قال: خرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما متقلديهما, حتى قعدوا للنار عند مخرجها التي تخرج منه, فخرجت النار إليهم فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها وهابوها, فرموهم من حضرهم من الناس, وأمروهم بالصبر لها, فصبروا حتى غشيتهم فأكلت الأوثان وما قرّبوا معها, ومن حمل ذلك من رجال حِمْيَر وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما, تعرق جباههما لم تضرّهما, فأطبقت حِمْيَر, عند ذلك على دينه, فمن هنالك وغير ذلك كان أصل اليهودية باليمن.
24659ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق عن بعض أصحابه أن الحَبرين, ومن خرج معهما من حِمْيَر, إنما اتبعوا النار ليردّوها, وقالوا: من ردّها فهو أولى بالحقّ فدنا منهم رجال من حمير بأوثانهم ليردّوها, فدنت منهم لتأكلهم, فحادوا فلم يستطيعوا ردّها, ودنا منها الحبران بعد ذلك وجعلا يتلوان التوراة, وتنكص حتى ردّاها إلى مخرجها الذي خرجت منه, فأطبقت عند ذلك على دينهما, وكان رئام بيتا لهم يعظمونه, وينحرون عنده, ويكلمون منه, إذ كانوا على شركهم, فقال الحبران لتبّع إنما هو شيطان يعينهم ويلعب بهم, فخلّ بيننا وبينه, قال: فشأنكما به فاستخرجا منه فيما يزعم أهل اليمن كلبا أسود, فذبحاه, ثم هدما ذلك البيت, فبقاياه اليوم باليمن كما ذُكر لي.
24660ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن لهيعة, عن عمرو بن جابر الحضرميّ, حدثه قال: سمعت سهل بن سعد الساعدي, يحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تَلْعَنُوا تُبّعا فإنّهُ كانَ قَدْ أسْلَمَ».
24661ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني ابن لهيعة, عن الحارث بن يزيد أن شعيب بن زرعة المعافريّ, حدثه, قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص وقال له رجل: إن حِمْيَر تزعم أن تبعا منهم, فقال: نعم والذي نفسي بيده, وإنه في العرب كالأنف بين العينين, وقد كان منهم سبعون ملكا.
وقوله: كُلّ كَذّب الرّسُلَ فَحَق وَعَيِدِ يقول تعالى ذكره: كلّ هؤلاء الذين ذكرناهم كذّبوا رسل الله الذين أرسلهم فَحَقّ وَعِيد يقول: فوجب لهم الوعيد الذي وعدناهم على كفرهم بالله, وحل بهم العذاب والنقمة. وإنما وصف ربنا جلّ ثناؤه ما وصف في هذه الاَية من إحلاله عقوبته بهؤلاء المكذّبين الرسل ترهيبا منه بذلك مشركي قريش وإعلاما منه لهم أنهم إن لم ينيبوا من تكذيبهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم, أنه محلّ بهم من العذاب, مثل الذي أحلّ بهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24662ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: فَحَقّ وَعِيدِ قال: ما أهلكوا به تخويفا لهؤلاء
الصفحة رقم 518 من المصحف تحميل و استماع mp3