تفسير الطبري تفسير الصفحة 519 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 519
520
518
 الآية : 15-16
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأوّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }.
وهذا تقريع من الله لمشركي قريش الذين قالوا: أئِذَا مِتْنَا وكُنّا تُرَابا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ يقول لهم جلّ ثناؤه: أفعيينا بابتداع الخلق الأوّل الذي خلقناه, ولم يكن شيئا فنعيا بإعادتهم خلقا جديدا بعد بلائهم في التراب, وبعد فنائهم يقول: ليس يعيينا ذلك, بل نحن عليه قادرون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24663ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: أفَعَيِينا بالخَلْقِ الأوّلِ يقول: لم يعينا الخلق الأوّل.
24664ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: أفَعَيِينا بالخَلْقِ الأوّلِ يقول: أفعيي علينا حين أنشأناكم خلقا جديدا, فتمتروا بالبعث.
24665ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن عطاء بن السائب, عن أبي ميسرة أفَعَيِينا بالخَلْقِ الأوّلِ قال: إنا خلقناكم.
وقوله: بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ يقول تعالى ذكره: ما يشكّ هؤلاء المشركون المكذّبون بالبعث أنا لم نعي بالخلق الأوّل, ولكنهم في شكّ من قُدرتنا على أن نخلقهم خلقا جديدا بعد فنائهم, وبَلائهم في قبورهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24666ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: بَلْ هُمْ في لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ؟ يقول: في شكّ من البعث.
24667ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن عطاء بن السائب, عن أبي ميسرة بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ قال: الكفار مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ قال: أن يخلقوا من بعد الموت.
24668ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ: أي شكّ والخلق الجديد: البعث بعد الموت, فصار الناس فيه رجلين: مكذّب, ومصدّق.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ قال: البعث من بعد الموت.
وقوله: وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ يقول تعالى ذكره: ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما تحدّث به نفسه, فلا يخفى علينا سرائره وضمائر قلبه ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ يقول: ونحن أقرب للإنسان من حبل العاتق والوريد: عرق بين الحلقوم والعلباوين, والحبل: هو الوريد, فأضيف إلى نفسه لاختلاف لفظ اسميه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24669ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ يقول: عرق العنق.
24670ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد حَبْلِ الوَرِيدِ قال: الذي يكون في الحلق.
وقد اختلف أهل العربية في معنى قوله: ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلٍ الوَرِيدِ فقال بعضهم: معناه: نحن أملك به, وأقرب إليه في المقدرة عليه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ونَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيد بالعلم بما تُوَسْوس به نفسه.
الآية : 17-18
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِذْ يَتَلَقّى الْمُتَلَقّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشّمَالِ قَعِيدٌ * مّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }.
يقول تعالى ذكره: ونحن أقرب إلى الإنسان من وريد حلقه, حين يتلقى الملَكان, وهما المتلقيان عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيد وقيل: عنى بالقعيد: الرصد. ذكر من قال ذلك:
24671ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: قَعِيدٌ قال: رَصَد.
واختلف أهل العربية في وجه توحيد قعيد, وقد ذُكر من قبل متلقيان, فقال بعض نحويي البصرة: قيل: عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ ولم يقل: عن اليمين قعيد, وعن الشمال قعيد, أي أحدهما, ثم استغنى, كما قال: نُخْرِجْكُمْ طِفْلاً ثم استغنى بالواحد عن الجمع, كما قال: فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا. وقال بعض نحويي الكوفة قَعِيدٌ يريد: قعودا عن اليمين وعن الشمال, فجعل فعيل جمعا, كما يجعل الرسول للقوم وللاثنين, قال الله عزّ وجلّ: إنا رَسُولُ رَبّ العالَمِينَ لموسى وأخيه, وقال الشاعر:
أَلِكْنِي إلَيْها وَخَيْرُ الرّسُولِ أعْلَمُهُمْ بِنَوَاحي الخَبرْ
فجعل الرسول للجمع, فهذا وجه وإن شئت جعلت القعيد واحدا اكتفاء به من صاحبه, كما قال الشاعر:
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنا وأنْتَ بِمَاعِنْدَكَ رَاضٍ والرّأيُ مُخْتَلِفُ
ومنه قول الفَرَزدق:
إنّي ضَمِنْتُ لِمَنْ أتانِي ما جَنىوأَبى فَكانَ وكُنْتُ غَيرَ غَدُورِ
ولم يقل: غَدُورَيْن. وقوله: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ يقول تعالى ذكره: ما يلفظ الإنسان من من قول فيتكلم به, إلا عندما يلفظ به من قول رقيب عَتيد, يعني حافظ يحفظه, عتيد مُعَدّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24672ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد عن اليمين وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ قال: عن اليمين الذي يكتب الحسنات, وعن الشمال الذي يكتب السيئات.
24673ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن إبراهيم التيميّ, في قوله: إذْ يَتَلَقّى المُتَلَقّيانِ عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ قال: صاحب اليمين أمير أو أمين على صاحب الشمال, فإذا عمل العبد سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: أمسك لعله يتوب.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا حكام, قال: حدثنا عمرو, عن منصور, عن مجاهد إذ يَتَلَقّى المُتَلَقّيانِ عنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ قال ملك عن يمينه, وآخر عن يساره, فأما الذي عن يمينه فيكتب الخير, وأما الذي عن شماله فيكتب الشرّ.
قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, قال: مع كل إنسان مَلكان: ملك عن يمينه, وملك عن يساره قال: فأما الذي عن يمينه, فيكتب الخير, وأما الذي عن يساره فيكتب الشرّ.
24674ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ... إلى عَتِيدٌ قال: جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل, وحافظين في النهار, يحفظان عليه عمله, ويكتبان أثره.
24675ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إذْ يَتَلَقّى المُتَلَقّيانِ عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ, حتى بلغ عَتِيدٌ قال الحسن وقتادة ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ أي ما يتكلم به من شيء إلا كتب عليه. وكان عكرِمة يقول: إنما ذلك في الخير والشرّ يكتبان عليه.
24676ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: تلا الحسن عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ قال: فقال: يا ابن آدم بُسِطت لك صحيفة, ووكل بك ملَكان كريمان, أحدهما عن يمينك, والاَخر عن شمالك فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك, فاعمل بما شئت أقلل أو أكثر, حتى إذا متّ طويت صحيفتك, فجعلت في عنقك معك في قبرك, حتى تخرج يوم القيامة, فعند ذلك يقول: وكُلّ إنْسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ... حتى بلغ حَسِيبا عَدَل والله عليك من جعلك حسيب نفسك.
حدثنا ابن حُمَيْد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ قال: كاتب الحسنات عن يمينه, وكاتب السيئات عن شماله.
24677ـ قال: ثنا مهران, عن سفيان, قال: بلغني أن كاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات, فإذا أذنب قال له: لا تعجل لعله يستغفر.
24678ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ قال: جعل معه من يكتب كلّ ما لفظ به, وهو معه رقيب.
24679ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني عمرو بن الحارث, عن هشام الحمصي, أنه بلغه أن الرجل إذا عمل سيئة قال كاتب اليمين لصاحب الشمال: اكتب, فيقول: لا بل أنت اكتب, فيمتنعان, فينادي مناد: يا صاحب الشمال اكتب ما ترك صاحب اليمين.
الآية : 19-20
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصّورِ ذَلِكَ يَوْمَ الْوَعِيدِ }.
وفي قوله: وَجاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بالحَقّ وجهان من التأويل, أحدهما: وجاءت سكرة الموت وهي شدّته وغلبته على فهم الإنسان, كالسكرة من النوم أو الشراب بالحقّ من أمر الاَخرة, فتبينه الإنسان حتى تثبته وعرفه. والثاني: وجاءت سكرة الموت بحقيقة الموت.
وقد ذُكر عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه أنه كان يقرأ «وَجاءَتْ سَكْرَةُ الحَقّ بالمَوْتِ». ذكر الرواية بذلك:
24680ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن واصل, عن أبي وائل, قال: لما كان أبو بكر رضي الله عنه يقضي, قالت عائشة رضي الله عنها هذا, كما قال الشاعر:
إذَا حَشْرَجَتْ يَوْما وَضَاقَ بِها الصّدْرُ
فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا تقولي ذلك, ولكنه كما قال الله عزّ وجلّ: وَجاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بالحَقّ ذلكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. وقد ذُكر أن ذلك كذلك في قراءة ابن مسعود. ولقراءة من قرأ ذلك كذلك من التأويل وجهان::
أحدهما: وجاءت سكرة الله بالموت, فيكون الحقّ هو الله تعالى ذكره. والثاني: أن تكون السكرة هي الموت أُضيفت إلى نفسها, كما قيل: إنّ هذَا لهُوَ حَقّ اليَقِينِ. ويكون تأويل الكلام: وجاءت السكرةُ الحقّ بالموت.
وقوله: ذلكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ يقول: هذه السكرة التي جاءتك أيها الإنسان بالحقّ هو الشيء الذي كنت تهرب منه, وعنه تروغ.
وقوله: وَنُفِخَ فِي الصّورِ ذلكَ يَوْمُ الوَعِيدِ قد تقدّم بياننا عن معنى الصّور, وكيف النّفخ فيه بذكر اختلاف المختلفين. والذي هو أولى الأقوال عندنا فيه بالصواب, بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: ذلكَ يَوْمُ الوَعِيدِ يقول: هذا اليوم الذي ينفخ فيه هو يوم الوعيد الذي وعده الله الكفار أن يعذّبهم فيه.
الآية : 21-22
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَجَآءَتْ كُلّ نَفْسٍ مّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ * لّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مّنْ هَـَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ }.
يقول تعالى ذكره: وجاءت يوم ينفخ في الصور كلّ نفس ربها, معها سائق يسوقها إلى الله, وشهيد يشهد عليها بما في الدنيا من خير أو شرّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24681ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن يحيى بن رافع مولى لثقيف, قال: سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يخطب, فقرأ هذه الاَية سائِقٌ وشَهِيدٌ قال: سائق يسوقها إلى الله, وشاهد يشهد عليها بما عملت.
24682ـ قال: ثنا حكام, عن إسماعيل, عن أبي عيسى, قال: سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يخطب, فقرأ هذه الاَية وَجاءَتْ كُلّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وشَهِيدٌ قال: السائق يسوقها إلى أمر الله, والشهيد يشهد عليها بما عملت.
24683ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَجاءَتْ كُلّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ قال: السائق من الملائكة, والشهيد: شاهد عليه من نفسه.
24684ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا سفيان, عن مهران, عن خصِيف, عن مجاهد سائِقٌ وشَهِيدٌ سائق يسوقها إلى أمر الله, وشاهد يشهد عليها بما عملت.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد سائِقٌ وشَهِيدٌ سائق يسوقها إلى أمر الله, وشاهد يشهد عليها بما عملت.
24685ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن نجيح, عن مجاهد في قول الله سائِقٌ وشَهِيدٌ قال: المَلكان: كاتب, وشهيد.
24686ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَجاءَتْ كُلّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وشَهِيدٌ قال: سائق يسوقها إلى ربها, وشاهد يشهد عليها بعملها.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا سليمان بن حرب, قال: حدثنا أبو هلال, قال: حدثنا قتادة, في قوله: وَجاءَتْ كُلّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وشَهِيدٌ قال: سائق يسوقها إلى حسابها, وشاهد يشهد عليها بما عملت.
24687ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن مَعَها سائِقٌ وشَهِيدٌ قال: سائق يسوقها, وشاهد يشهد عليها بعملها.
24688ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع بن أنس سائِقٌ وشَهِيدٌ قال: سائق يسوقها, وشاهد يشهد عليها بعملها.
24689ـ وحُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَجاءَتْ كُلّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وشَهِيدٌ السائق من الملائكة, والشاهد من أنفسهم: الأيدي, والأرجل, والملائكة أيضا شهداء عليهم.
24690ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله سائِقٌ وشَهِيدٌ قال: مَلك وُكّل به يحصي عليه عمله, ومَلك يسوقه إلى محشره حتى يوافي محشره يوم القيامة.
واختلف أهل التأويل في المعنيّ بهذه الاَيات فقال بعضهم: عنى بها النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: عنى أهل الشرك, وقال بعضهم: عُنِي بها كلّ أحد. ذكر من قال ذلك:
24691ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب قال: ثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهريّ, قال: سألت زيدبن أسلم, عن قوله الله: وَجاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بالحَقّ... الاَية, إلى قوله: سائِقٌ وشَهيدٌ, فقلت له: من يُراد بهذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقلت له رسول الله؟ فقال: ما تنكر؟ قال الله عزّ وجلّ: ألَمْ يَجدْكَ يَتِيما فآوَى وَوَجَدَكَ ضَالاّ فَهَدَى قال: ثم سألت صالح بن كيسان عنها, فقال لي: هل سألت أحدا؟ فقلت: نعم, قد سألت عنها زيدبن أسلم, فقال: ما قال لك؟ فقلت: بل تخبرني ما تقول, فقال: لأخبرنك برأيي الذي عليه رأيي, فأخبرني ما قال لك؟ قلت: قال: يُراد بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: وما علم زيد؟ والله ما سنّ عالية, ولا لسان فصيح, ولا معرفة بكلام العرب, إنما يُراد بهذا الكافر. ثم قال: اقرأ ما بعدها يدلك على ذلك, قال: ثم سألت حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس, فقال لي مثل ما قال صالح: هل سألت أحدا فأخبرني به؟ قلت: إني قد سألت زيد بن أسلم وصالح بن كيسان, فقال لي: ما قالا لك؟ قلت: بل تخبرني بقولك, قال: لأخبرنك بقولي, فأخبرته بالذي قالا لي, قال: أخالفهما جميعا, يريد بها البرّ والفاجر, قال الله: وَجاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بالحَقّ ذلكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُك اليَوْمَ حَدِيدٌ قال: فانكشف الغطاء عن البرّ والفاجر, فرأى كلّ ما يصير إليه.
24692ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَجاءَتْ كُلّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وشَهِيدٌ يعني المشركين.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عنى بها البرّ والفاجر, لأن الله أتبع هذه الاَيات قوله: وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُه والإنسان في هذا الموضع بمعنى: الناس كلهم, غير مخصوص منهم بعض دون بعض. فمعلوم إذا كان ذلك كذلك أن معنى قوله: وَجاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بالحَقّ وجاءتك أيها الإنسان سكرة الموت بالحقّ ذلكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدٌ وإذا كان ذلك كذلك كانت بينةٌ صحة ما قلنا.
وقوله: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا يقول تعالى ذكره: يقال له: لقد كنت في غفلة من هذا الذي عاينت اليوم أيها الأنسان من الأهوال والشدائد فَكَشَفْنا عَنْكَ غطاءَكَ يقول: فجلينا ذلك لك, وأظهرناه لعينيك, حتى رأيته وعاينته, فزالت الغفلة عنك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل, وإن اختلفوا في المقول ذلك له, فقال بعضهم: المقول ذلك له الكافر. وقال آخرون: هو نبيّ الله صلى الله عليه وسلم. وقال آخرون: هو جميع الخلق من الجنّ والإنس. ذكر من قال: هو الكافر.
24693ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ وذلك الكافر.
24694ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ قال: للكافر يوم القيامة.
24695ـ حدثنا ابن حُميَد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان فَكَشَفْنا عَنْك غِطاءَكَ قال: في الكافر. ذكر من قال: هو نبيّ الله صلى الله عليه وسلم.
24696ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا قال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: لقد كنت في غفلة من هذا الأمر يا محمد, كنت مع القوم في جاهليتهم فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ.
وعلى هذا التأويل الذي قاله ابن زيد يجب أن يكون هذا الكلام خطابا من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه كان في غفلة في الجاهلية من هذا الدين الذي بعثه به, فكشف عنه غطاءه الذي كان عليه في الجاهلية, فنفذ بصره بالإيمان وتبيّنه حتى تقررّ ذلك عنده, فصار حادّ البصر به. ذكر من قال: هو جميع الخلق من الجنّ والإنس.
24697ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهريّ, قال: سألت عن ذلك الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس, فقال: يريد به البرّ والفاجر, فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكُ اليَوْمَ حَدِيدٌ قال: وكُشِف الغطاء عن البرّ والفاجر, فرأى كلّ ما يصير إليه. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24698ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ قال: الحياة بعد الموت.
24699ـ حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ قال: عاين الاَخرة.
وقوله: فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ يقول: فأنت اليوم نافذ البصر, عالم بما كنت عنه في الدنيا في غفلة, وهو من قولهم: فلان بصير بهذا الأمر: إذا كان ذا علم به, وله بهذا الأمر بصر: أي علم.
وقد رُوي عن الضحاك إنه قال: معنى ذلك فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ لسان الميزان, وأحسبه أراد بذلك أن معرفته وعلمه بما أسلف في الدنيا شاهد عدل عليه, فشبّه بصره بذلك بلسان الميزان الذي يعدل به الحقّ في الوزن, ويعرف مبلغه الواجب لأهله عما زاد على ذلك أو نقص, فكذلك علم من وافى القيامة بما اكتسب في الدنيا شاهد عليه كلسان الميزان.
الآية : 23-25
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَـَذَا مَا لَدَيّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنّمَ كُلّ كَفّارٍ عَنِيدٍ * مّنّاعٍ لّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مّرِيبٍ }.
يقول تعالى ذكره: وقال قرين هذا الإنسان الذي جاء به يوم القيامة معه سائق وشهيد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24700ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَقالَ قَرِينُهُ هَذَا ما لَدَيّ عَتِيدٌ الملك.
24701ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وقَالَ قَرِينُهُ هَذَا ما لَدَيّ عَتِيدٌ... إلى آخر الاَية, قال: هذا سائقه الذي وُكّل به, وقرأ وَجاءَتْ كُلّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهيدٌ.
وقوله: هَذَا ما لَدَيّ عَتِيدٌ يقول تعالى ذكره مخبرا عن قِيل قَرينِ هذا الإنسان عند موافاته ربه به, ربّ هذا ما لديّ عتيد: يقول: هذا الذي هو عندي معدّ محفوظ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: هَذَا ما لَدَيّ عَتِيدٌقال: والعتيد: الذي قد أخذه, وجاء به السائق والحافظ معه جميعا.
وقوله: أَلْقِيا فِي جَهَنّمَ كُلّ كَفّارٍ عَنِيدٍ فيه متروك استغنى بدلالة الظاهر عليه منه, وهو: يقال ألقيا في جهنم, أو قال تعالى: ألقيا, فأخرج الأمر للقرين, وهو بلفظ واحد مخرج خطاب الاثنين. وفي ذلك وجهان من التأويل: أحدهما: أن يكون القرين بمعنى الاثنين, كالرسول, والاسم الذي يكون بلفظ الواحد في الواحد, والتثنية والجمع, فردّ قوله: أَلْقِيا في جَهَنّمَ إلى المعنى. والثاني: أن يكون كما كان بعض أهل العربية يقول, وهو أن العرب تأمر الواحد والجماعة بما تأمر به الاثنين, فتقول للرجل ويلك أرحلاها وازجراها, وذكر أنه سَمِعها من العرب قال: وأنشدني بعضهم:
فَقُلْتُ لصَاحِبي لا تَحْبسانابنزْعِ أُصُولهِ واجْتَزّ شيحا
وقال: وأنشدني أبو ثروان:
فإنْ تَزْجُرانِي يا بْنَ عَقّانَ أنْزَجِرْوَإنْ تَدَعانِي أحْمِ عِرْضا مُمَنّعا
قال: فيروي أن ذلك منهم أن الرجل أدنى أعوانه في إبله وغنمه اثنان, وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة, فجرى كلام الواحد على صاحبيه, وقال: ألا ترى الشعراء أكثر قيلاً يا صاحبيّ يا خليليّ, وقال امرؤ القَيس:
خَلِيلَيّ مُرّا بِي على أُمّ جُنْدَبِنُقَضّ لُباناتِ الفُؤَادِ المُعَذّبِ
ثم قال:
ألَمْ تَرَ أنّي كُلّما جِئْتُ طارِفاوَجَدْتُ بِها طِيْبا وَإنْ لّمْ تَطَيّبِ
فرجع إلى الواحد, وأوّل الكلام اثنان قال: وأنشدني بعضهم:
خَلِيلَيّ قُوما في عَطالَةَ فانْظُرَا:أنارٌ تُرَى مِنْ ذِي أبانَيْنِ أَمْ بَرْقا
وبعضهم يروي: أنارا نرى.
كُلّ كَفّارٍ عَنِيدٍ يعني: كل جاحد وحدانية الله عنيد, وهو العاند عن الحقّ وسبيل الهدى.
وقوله: مَنّاعٍ للْخَيْرِ كان قتادة يقول في الخير في هذا الموضع: هو الزكاة المفروضة.
24702ـ حدثنا بذلك بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة.
والصواب من القول في ذلك عندي أنه كلّ حقّ وجب لله, أو لاَدمي في ماله, والخير في هذا الموضع هو المال.
وإنما قلنا ذلك هو الصواب من القول, لأن الله تعالى ذكره عمّ بقوله مناع للخير عنه أنه يمنع الخير ولم يخصص منه شيئا دون شيء, فذلك على كلّ خير يمكن منعه طالبه.
وقوله: مُعْتَدٍ يقول: معتد على الناس بلسانه بالبذاء والفحش في المنطق, وبيده بالسطوة والبطش ظلما. كما:
24703ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: معتد في منطقه وسيرته وأمره.
وقوله: مُرِيبٍ يعني: شاكّ في وحدانية الله وقُدرته على ما يشاء. كما:
24704ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: مُرِيبٌ: أي شاكّ.
الآية : 26
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {الّذِي جَعَلَ مَعَ اللّهِ إِلَـَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشّدِيدِ }.
يقول تعالى ذكره: الذي أشرك بالله فعبد معه معبودا آخر من خلقه فأَلْقِياهُ فِي العَذَابِ الشّدِيدِ يقول: فألقياه في عذاب جهنم الشديد.
الآية : 27-28
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قَالَ قرِينُهُ رَبّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ وَلَـَكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ * قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيّ وَقَدْ قَدّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ }.
يقول تعالى ذكره: قال قرين هذا الإنسان الكفّار المنّاع للخير, وهو شيطانه الذي كان موكلاً به في الدنيا. كما:
24705ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: قالَ قَرِينُهُ رَبّنا ما أطْغَيْتُهُ قال: قرينه شيطانه.
24706ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: قالَ قَرِينُهُ قال: الشيطان قُيّض له.
24707ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: الّذِي جَعَلَ مَعَ اللّهِ إلَها آخَرَ هو المشرك قالَ قَرِينُهُ رَبّنا ما أطْغَيْتُهُ قال: قرينه الشيطان.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة قالَ قَرِينُهُ رَبّنا ما أطْغَيْتُهُ قال: قرينه: الشيطان.
24708ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: قالَ قَرِينُهُ رَبّنا ما أطْغَيْتُهُ قال: قرينه: شيطانه.
24709ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: قالَ قَرِينُهُ رَبّنا ما أطْغَيْتُهُ قال: قرينه من الجنّ: ربنا ما أطغيته, تبرأ منه.
وقوله: رَبّنا ما أطْغَيْتُهُ يقول: ما أنا جعلته طاغيا متعدّيا إلى ما ليس له, وإنما يعني بذلك الكفر بالله وَلَكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ يقول: ولكن كان في طريق جائر عن سبيل الهدى جورا بعيدا. وإنما أخبر تعالى ذكره هذا الخبر, عن قول قرين الكافر له يوم القيامة, إعلاما منه عباده, تبرأ بعضهم من بعض يوم القيامة. كما:
24710ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: رَبّنا ما أطْغَيْتُهُ قال: تبرأ منه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24711ـ حدثني عبد الله بن أبي زياد, قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر, قال: حدثنا جعفر, قال: سمعت أبا عمران يقول في قوله: رَبّنا ما أطْغَيْتُهُ تبرأ منه.
وقوله: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيّ يقول تعالى ذكره: قال الله لهؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم, وصفة قرنائهم من الشياطين لا تَخْتَصِمُوا لَدَيّ اليوم وَقَدْ قَدّمْتُ إلَيْكُمْ في الدنيا قبل اختصامكم هذا, بالوعيد لمن كفر بي, وعصاني, وخالف أمري ونهي في كتبي, وعلى ألسن رسلي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24712ـ حدثني عبد الله بن أبي زياد, قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر, قال: حدثنا جعفر, قال: سمعت أبا عمران يقول في قوله: وَقَدْ قَدّمْتُ إلَيْكُمْ بالوَعِيدِ قال: بالقرآن.
24713ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيّ قال: إنهم اعتذروا بغير عذر, فأبطل الله حجتهم, وردّ عليهم قولهم.
24714ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيّ وَقَدْ قَدّمْتُ إلَيْكُمْ بالوَعِيدِ قال: يقول: قد أمرتكم ونهيتكم, قال: هذا ابن آدم وقرينه من الجن.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع, قال: قلت لأبي العالية لا تَخْتَصِمُوا لَدَيّ وَقَدْ قَدّمْتُ إلَيْكُمْ بالوَعِيدِ قال أبو جعفر الطبريّ: أحسبه قال: هم أهل الشرك, وقال في آية أخرى ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ فهم أهل القبلة.
الآية : 29-30
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {مَا يُبَدّلُ الْقَوْلُ لَدَيّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاّمٍ لّلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مّزِيدٍ }.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيله للمشركين وقرنائهم من الجنّ يوم القيامة, إذ تبرأ بعضهم من بعض: ما يغير القول الذي قلته لكم في الدنيا, وهو قوله لأَمْلأَنّ جَهَنّمَ مِنَ الجِنّةِ وَالنّاسِ أجمَعِينَ, ولا قضائي الذي قضيته فيهم فيها. كما:
24715ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ما يُبَدّلُ القَوْلُ لَدَيّ قد قضيت ما أنا قاض.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبي بزّة, عن مجاهد, في قوله: ما يُبَدّلُ القَوْلُ لَدَيّ قال: قد قضيت ما أنا قاض.
وقوله: وَما أنا بِظَلاّمٍ للْعَبِيدِ يقول: ولا أنا بمعاقب أحدا من خلقي بجرم غيره, ولا حامل على أحد منهم ذنب غيره فمعذّبه به.
وقوله: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنّمَ يقول: وما أنا بظلام للعبيد في يَوْمَ نَقُولُ لجَهَنّمَ هَلْ امْتَلأْتِ وذلك يوم القيامة, ويوم نقول من صلة ظلاّم. وقال تعالى ذكره لجهنم يوم القيامة: هَلِ امْتَلأْتِ؟ لما سبق من وعده إياها بأنه يملأها من الجِنّة والناس أجمعين.
وأما قوله: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله, فقال بعضهم: معناه: ما من مزيد. قالوا: وإنما يقول الله لها: هل امتلأت بعد أن يضع قدمه فيها, فينزوي بعضها إلى بعض, وتقول: قطِ قطِ, من تضايقها فإذا قال لها وقد صارت كذلك: هل امتلأت؟ قالت حينئذ: هل من مزيد: أي ما من مزيد, لشدّة امتلائها, وتضايق بعضها إلى بعض. ذكر من قال ذلك:
24716ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ قال ابن عباس: إن الله الملك تبارك وتعالى قد سبقت كلمته لأَمْلأَنّ جَهَنّمَ مِنَ الجِنّةِ والنّاسِ أجَمعِينَ فلما بعث الناس وأحضروا, وسيق أعداء الله إلى النار زمرا, جعلوا يقتحمون في جهنم فوجا فوجا, لا يلقى في جهنم شيء إلا ذهب فيها, ولا يملأها شيء, قالت: ألستَ قد أقسمت لتملأني من الجِنّة والناس أجمعين؟ فوضع قدمه, فقالت حين وضع قدمه فيها: قدِ قدِ, فإني قد امتلأت, فليس لي مزيد, ولم يكن يملأها شيء, حتى وَجَدَتْ مسّ ما وُضع عليها, فتضايقت حين جَعل عليها ما جعل, فامتلأت فما فيها موضع إبرة.
24717ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ قال: وعدها الله ليملأنها, فقال: هلا وفيتكِ؟ قالت: وهل من مَسلكٍ.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ, يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ كان ابن عباس يقول: إن الله الملك, قد سبقت منه كلمة لأَمْلأَنّ جَهَنّمَ لا يلقى فيها شيء إلا ذهب فيها, لا يملأها شيء, حتى إذا لم يبق من أهلها أحد إلا دخلها, وهي لا يملأها شيء, أتاها الربّ فوضع قدمه عليها, ثم قال لها: هل امتلأتِ يا جهنم؟ فتقول: قطِ قطِ قد امتلأت, ملأتني من الجنّ والإنس فليس فيّ مزيد قال ابن عباس: ولم يكن يملأها شيء حتى وجدت مسّ قدم الله تعالى ذكره, فتضايقت, فما فيها موضع إبرة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: زدني, إنما هو هل من مزيد, بمعنى الاستزادة. ذكر من قال ذلك:
24718ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الحسين بن ثابت, عن أنس, قال: يلقى في جهنم وتقول: هل من مزيد ثلاثا, حتى يضع قدمه فيها, فينزوي بعضها إلى بعض, فتقول: قطِ قطِ, ثلاثا.
24719ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ لأنها قد امتلأت, وهل من مزيد: هل بقي أحد؟ قال: هذان الوجهان في هذا, والله أعلم, قال: قالوا هذا وهذا.
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: هو بمعنى الاستزادة, هل من شيء أزداده؟
وإنما قلنا ذلك أولى القولين بالصواب لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما:
24720ـ حدثني أحمد بن المقدام العجلي, قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاويّ, قال: حدثنا أيوب, عن محمد, عن أبي هُريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ, لَمْ يَظْلِمِ اللّهُ أحَدا مِنْ خَلْقِهِ شَيْئا, وَيُلْقِي فِي النّارِ, تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ, حتى يَضَعَ عَلَيْها قَدَمَهُ, فَهُنالكَ يَمْلأُها, وَيُزْوَي بَعْضُها إلى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ».
24721ـ حدثنا أحمد بن المقدام, قال: حدثنا المعتمر بن سليمان, قال: سمعت أبي يحدّث عن قتادة, عن أنس, قال: ما تزال جهنم تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع الله عليها قدمه, فتقول: قدِ قدِ, وما يزال في الجنة فضل حتى ينشىء الله خلقا, فيُسكنه فضول الجنة.
24722ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, قال: أخبرنا أيوب وهشام بن حسان, عن محمد بن سيرين, عن أبي هُريرة, قال: اختصمت الجنة والنار, فقالت الجنة: ما لي إنما يدخلني فقراء الناس وسقطهم وقالت النار: ما لي إنما يدخلني الجبارون والمتكبرون, فقال: أنت رحمتي أصيب بك من أشاء, وأنت عذابي أصيب بك من أشاء, ولكلّ واحدة منكما ملؤها. فأما الجنة فإن الله ينشىء لها من خلقه ما شاء. وأما النار فيُلقون فيها وتقول: هل من مزيد؟ ويلقون فيها وتقول هل من مزيد, حتى يضع فيها قدمه, فهناك تملأ, ويزوي بعضها إلى بعض, وتقول: قط, قط.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن ثور, عن محمد بن سيرين, عن أبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «احْتَجّتِ الجَنّةُ والنّارُ, فَقالَتِ الجَنّةُ: مالي لا يَدْخُلُنِي إلا فُقَرَاءُ النّاسِ؟ وَقالتِ النّارُ: مالي لا يَدْخُلُنِي إلاّ الجَبّارُونَ والمُتَكَبّرُونَ؟ فَقالَ للنّارِ: أنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أشاءُ وَقالَ للْجَنّةِ: أنْتِ رَحْمَتِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أشاءُ, وَلِكُلّ وَاحِدَةٍ مِنْكُما مِلْؤُها فأمّا الجَنّةُ فإنّ الله عَزّ وَجَلّ يُنْشىءُ لَهَا ما شاء وأمّا النّارَ فَيُلْقُوْنَ فِيها وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ, حتى يَضَعَ قَدَمَهُ فِيها, هُنالكَ تَمْتَلِىء, وَيَنزْوِي بَعْضُها إلى بَعْضٍ, وَتَقُولُ: قَطْ, قَطْ».
24723ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن أنس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَزَالُ جَهَنّمُ يُلْقَى فِيها وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزيدٍ حتى يَضَعَ رَبّ العالَمِينَ قَدَمَهُ, فيَنْزَوي بَعْضُها إلى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَدْ, قَدْ, بِعِزّتِك وكَرَمِكَ, وَلا يَزَالُ فِي الجَنّةِ فَضْلٌ حتى يُنْشىءَ اللّهُ لَهَا خَلْقا فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنّةِ».
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الصمد, قال: حدثنا أبان العطار, قال: حدثنا قتادة, عن أنس, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «لا تَزَالُ جَهَنّمُ تَقُول هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حتى يَضَعَ رَبّ العالَمِينَ فِيها قَدَمَه, فَيَنْزَوِي بَعْضُها إلى بَعْض, فَتَقُولُ: بِعِزّتِكَ قَطْ, قَطْ وَما يَزَالُ فِي الجَنّةِ فَضْلٌ حتى يُنْشِىءَ اللّهُ خَلْقا فَيُسْكِنَه في فَضْلِ الجَنّةِ».
قال: ثنا عمرو بن عاصم الكلابي, قال: حدثنا المعتمر, عن أبيه, قال: حدثنا قتادة, عن أنس, قال: ما تزال جهنم تقول: هل من مزيد, فذكر نحوه غير أنه قال: أو كما قال.
حدثنا زياد بن أيوب, قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف, عن سعيد, عن قتادة, عن أنس, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, قال: «احْتَجّتِ الجَنّةُ والنّارُ, فَقالَتِ النّارُ: يَدْخُلُنِي الجَبّارُونَ والمُتَكَبّرُونَ وَقالَتِ الجَنّةُ: يَدْخُلُنِي الفُقَرَاءُ وَالمَساكِينُ فأَوْحَى اللّهُ عَزّ وَجَلّ إلى الجَنّة: أنْتِ رَحْمَتِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أشاءُ وأَوْحَى إلى النّارِ: أنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَن أشاءُ, وَلِكُلّ وَاحِدَةٍ مِنْكُما مِلْؤُها فأمّا النّارُ فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حتى يَضَعَ قَدَمَهُ فِيها, فتَقُولُ: قَطْ قَطْ». ففي قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا تَزَالُ جَهَنّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ» دليل واضح على أن ذلك بمعنى الاستزادة لا بمعنى النفي, لأن قوله: «لا تزال» دليل على اتصال قول بعد قول.
الآية : 31-33
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنّةُ لِلْمُتّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَـَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلّ أَوّابٍ حَفِيظٍ * مّنْ خَشِيَ الرّحْمَـَنَ بِالْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مّنِيبٍ }.
يعني تعالى ذكره بقوله: وأُزْلِفَتِ الجَنّةُ للْمُتّقِينَ غَيرَ بَعِيدٍ وأُدنيت الجنة وقرّبت للذين اتقوا ربهم, فخافوا عقوبته بأداء فرائضه, واجتناب معاصيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24724ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأُزْلِفَتِ الجَنّةُ للْمُتّقِينَ يقول: وأدنيت غَيرَ بَعِيدٍ.
وقوله: هَذَا ما تُوعَدُونَ يقول: قال لهم: هذا الذي توعدون أيها المتقون, أن تدخلوها وتسكنوها وقوله: لِكُلّ أوّابٍ يعني: لكل راجع من معصية الله إلى طاعته, تائب من ذنوبه.
وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك, فقال بعضهم: هو المسبح, وقال بعضهم: هو التائب, وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك فيما مضى بما أغني عن إعادته, غير أنا نذكر في هذا الموضع ما لم نذكره هنالك.
24725ـ حدثني سليمان بن عبد الجبار, قال: حدثنا محمد بن الصلت, قال: حدثنا أبو كدينة, عن عطاء, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس لِكُلّ أوّابٍ قال: لكلّ مسبّح.
24726ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن مسلم الأعور, عن مجاهد, قال: الأوّاب: المسبح.
24727ـ حدثنا الحسن بن عرفة, قال: ثني يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية, قال: ثني أبي, عن الحكم بن عُتيبة في قول الله: لِكُلّ أوّابٍ حَفِيظٍ قال: هو الذاكر الله في الخلاء.
24728ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن يونس بن خباب, عن مجاهد لِكُلّ أوّابٍ حَفِيظٍ قال: الذي يذكر ذنوبه فيستغفر منها.
24729ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: هَذَا ما تُوعَدُونَ لِكُلّ أوّابٍ.
24730ـ قال: ثنا مهران, عن خارجة, عن عيسى الحناط, عن الشعبيّ, قال: هو الذي يذكر ذنوبه في خلاء فيستغفر منها حَفِيظٍ: أي مطيع لله كثير الصلاة.
24731ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: لِكُلّ أوّابٍ حَفِيظٍ قال: الأوّاب: التوّاب الذي يؤوب إلى طاعة الله ويرجع إليها.
24732ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن يونس بن خباب في قوله: لِكُلّ أوّابٍ حَفِيظٍ قال: الرجل يذكر ذنوبه, فيستغفر الله لها.
وقوله: حَفِيظٍ اختلف أهل التأويل في تأويله, فقال بعضهم: حفظ ذنوبه حتى تاب منها. ذكر من قال ذلك:
24733ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن أبي سنان, عن أبي إسحاق, عن التميمي, قال: سألت ابن عباس, عن الأوّاب الحفيظ, قال: حفظ ذنوبه حتى رجع عنها.
وقال آخرون: معناه: أنه حفيظ على فرائض الله وما ائتمنه عليه. ذكر من قال ذلك:
24734ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة حَفِيظٍ قال: حفيظ لما استودعه الله من حقه ونعمته.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره وصف هذا التائب الأوّاب بأنه حفيظ, ولم يخصّ به على حفظ نوع من أنواع الطاعات دون نوع, فالواجب أن يعمّ كما عمّ جلّ ثناؤه, فيقال: هو حفيظ لكلّ ما قرّ به إلى ربه من الفرائض والطاعات والذنوب التي سلَفت منه للتوبة منها والاستغفار.
وقوله: مَنْ خَشِيَ الرّحْمَنَ بالغَيْبِ يقول: من خاف الله في الدنيا من قبل أن يلقاه, فأطاعه, واتبع أمره.
وفي مَن في قوله: مَنْ خَشِيَ وجهان من الإعراب: الخفض على إتباعه كلّ في قوله: لِكُلّ أوّابٍ والرفع على الاستئناف, وهو مراد به الجزاء من خشي الرحمن بالغيب, قيل له ادخل الجنة فيكون حينئذ قوله: ادْخُلُوها بِسَلامٍ جوابا للجزاء أضمر قبله القول, وجعل فعلاً للجميع, لأن مَن قد تكون في مذهب الجميع.
وقوله: وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ يقول: وجاء الله بقلب تائب من ذنوبه, راجع مما يكرهه الله إلى ما يرضيه. كما:
24735ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ: أي منيب إلى ربه مُقْبل.
الآية : 34-36
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ الُخُلُودِ * لَهُم مّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ * وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقّبُواْ فِي الْبِلاَدِ هَلْ مِن مّحِيصٍ }.
يعني تعالى ذكره بقوله: ادْخُلُوها بِسَلامٍ ادخلوا هذه الجنة بأمان من الهمّ والغضب والعذاب, وما كنتم تَلقَونه في الدنيا من المكاره. كما:
24736ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ادْخُلُوها بِسَلامٍ قال: سَلِموا من عذاب الله, وسلّم عليهم.
وقوله: ذلكَ يَوْمُ الخُلُودِ يقول: هذا الذي وصفت لكم أيها الناس صفته من إدخالي الجنة من أدخله, هو يوم دخول الناس الجنة, ماكثين فيها إلى غير نهاية. كما:
24737ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ذلكَ يَوْمُ الخُلُودِ خلدوا والله, فلا يموتون, وأقاموا فلا يَظْعُنون, ونَعِمُوا فلا يبأسون.
وقوله: لَهُمْ ما يَشاءُونَ فِيها يقول: لهؤلاء المتقين ما يريدون في هذه الجنة التي أُزلفت لهم من كل ما تشتهيه نفوسهم, وتلذّه عيونهم.
وقوله: وَلَدَيْنا مَزِيدٌ يقول: وعندنا لهم على ما أعطيناهم من هذه الكرامة التي وصف جلّ ثناؤه صفتها مزيد يزيدهم إياه. وقيل: إن ذلك المزيد: النظر إلى الله جلّ ثناؤه. ذكر من قال ذلك:
24738ـ حدثني أحمد بن سُهيل الواسطي, قال: حدثنا قُرةُ بن عيسى, قال: حدثنا النضر بن عربيّ جده, عن أنس, إن الله عزّ وجلّ إذا أسكن أهل الجنة الجنة, وأهل النار النار, هبط إلى مَرْج من الجنة أفيح, فمدّ بينه وبين خلقه حُجُبا من لؤلؤ, وحُجُبا من نور ثم وُضعت منابر النور وسُرُرُ النور وكراسيّ النور, ثم أُذِن لرجل على الله عزّ وجلّ بين يديه أمثال الجبال من النور يُسْمَع دَويّ تسبيح الملائكة معه, وصَفْق أجنحتهم فمدّ أهل الجنة أعناقهم, فقيل: من هذا الذي قد أُذِن له على الله؟ فقيل: هذا المجعول بيده, والمُعَلّم الأسماء, والذي أُمرت الملائكة فسجدت له, والذي له أبيحت الجنة, آدم عليه السلام, قد أُذِن له على الله تعالى قال: يؤذَن لرجل آخر بين يديه أمثال الجبال من النور, يُسْمع دَوِيّ تسبيح الملائكة معه, وصَفُق أجنحتهم فمدّ أهل الجنة أعناقهم, فقيل: من هذا الذي قد أُذِن له على الله؟ فقيل: هذا الذي اتخذه الله خليلاً, وجعل عليه النار بَرْدا وسلاما, إبراهيم قد أُذِن له على الله. قال: ثم أُذِن لرجل آخر على الله, بين يديه أمثال الجبال من النور يُسْمَع دَوِيّ تسبيح الملائكة معه, وصَفْق أجنحتهم فمدّ أهل الجنة أعناقهم, فقيل: من هذا الذي قد أُذن له على الله؟ فقيل: هذا الذي اصطفاه الله برسالته وقرّبه نجيا, وكلّمه (كلاما) موسى عليه السلام, قد أُذِن له على الله. قال: ثم يُؤذن لرجل آخر معه مثلُ جميع مواكب النبيين قبله, بين يديه أمثال الجبال, (من النور) يسمع دَوِيّ تسبيح الملائكة معه, وصَفْق أجنحتهم فمدّ أهل الجنة أعناقهم, فقيل: من هذا الذي قد أُذِن له على الله؟ فقيل: هذا أوّل شافع, وأوّل مشفّع, وأكثر الناس واردة, وسيد ولد آدم وأوّل من تنشقّ عن ذُؤابتيه الأرض, وصاحب لواء الحمد, أحمد صلى الله عليه وسلم, قد أُذِن له على الله. قال: فجلس النبيون على منابر النور, (والصدّيقون على سُرُر النور والشهداء على كراسيّ النور) وجلس سائر الناس على كُثْبان المسك الأذفر الأبيض, ثم ناداهم الربّ تعالى من وارء الحُجب: مَرْحَبا بعبادي وزوّاري وجيراني ووفدي. يا ملائكتي, انهضوا إلى عبادي, فأطعموهم. قال: فقرّبت إليهم من لحوم طير, كأنها البُخت لا ريش لها ولا عظم, فأكلوا, قال: ثم ناداهم الربّ من وراء الحجاب: مرحبا بعبادي وزوّاري وجيراني ووفدي, أكلوا اسقوهم. قال: فنهض إليهم غلمان كأنهم اللؤلؤ المكنون بأباريق الذهب والفضة بأشربة مختلفة لذيذة, لذة آخرها كلذّة أوّلها, لا يُصَدّعون عنها ولا يُنْزَفون ثم ناداهم الربّ من وراء الحُجب: مرحبا بعبادي وزوّاري وجيراني ووفدي, أكلوا وشربوا, فَكّهوهم. قال: فيقرّب إليهم على أطباق مكلّلة بالياقوت والمرجان ومن الرّطَب الذي سَمّى الله, أشدّ بياضا من اللبن, وأطيب عذوبة من العسل. قال: فأكلوا ثم ناداهم الربّ من وراء الحُجُب: مرحبا بعبادي وزوّاري وجيراني ووفدي, أكلوا وشربوا, وفُكّهوا اكسوهم قال ففتحت لهم ثمار الجنة بحلل مصقولة بنور الرحمن فأُلبسوها. قال: ثم ناداهم الربّ تبارك وتعالى من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزوّاري وجيراني ووفدي أكلوا وشربوا وفُكّهوا وكُسُوا طَيّبوهم. قال: فهاجت عليهم ريح يقال لها المُثِيرة, بأباريق المسك (الأبيض) الأذفر, فنفحت على وجوههم من غير غُبار ولا قَتام. قال: ثم ناداهم الربّ عزّ وجلّ من وراء الحُجب: مرحبا بعبادي وزوّاري وجيراني ووفدي, أكلوا وشربوا وفكهوا, وكسوا وطُيّبوا, وعزّتي لأتجلينّ لهم حتى ينظروا إليّ قال: فذلك انتهاء العطاء وفضل المزيد قال: فتجلى لهم الربّ عزّ وجلّ, ثم قال: السلام عليكم عبادي, انظروا إليّ فقد رضيت عنكم. قال: فتداعت قصور الجنة وشجرها, سبحانك أربع مرّات, وخرّ القوم سجدا قال: فناداهم الربّ تبارك وتعالى: عبادي ارفعوا رؤوسكم فإنها ليست بدار عمل, ولا دار نَصَب إنما هي دار جزاء وثواب, وعزّتي وجلالي ما خلقتها إلا من أجلكم, وما من ساعة ذكرتموني فيها في دار الدنيا, إلا ذكرتكم فوق عرشي.
24739ـ حدثنا عليّ بن الحسين بن أبجر, قال: حدثنا عمر بن يونس اليمامي, قال: حدثنا جهضم بن عبد الله بن أبي الطفيل قال: ثني أبو طيبة, عن معاوية العبسيّ, عن عثمان بن عمير, عن أنس بن مالك, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلامُ وفِي كَفّهِ مِرْآةٌ بَيْضَاءُ, فِيها نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَقُلْتُ: يا جِبْرِيلُ ما هَذِهِ؟ قالَ: هَذِهِ الجُمُعَةُ, قُلْتُ: فَمَا هَذِهِ النّكْتَةُ السّوْدَاءُ فِيها؟ قالَ: هِيَ السّاعَةُ تَقُومُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَهُوَ سَيّدُ الأَيّامِ عِنْدَنا, ونَحْنُ نَدْعُوهُ فِي الاَخِرَةِ يَوْمَ المَزِيدِ قُلْتُ: وَلِمَ تَدْعُونَ يَوْمَ المَزِيدِ قالَ: إنّ رَبّكَ تَبارَكَ وَتَعالى اتّخَذَ فِي الجَنّةِ وَادِيا أفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أبْيَضَ, فإذَا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ نَزَلَ مِنْ عِلّيّينَ على كُرْسِيّهِ, ثُمّ حَفّ الكُرْسِيّ بِمَنابِرَ مِنْ نُورٍ, ثُمّ جاءَ النّبِيّونَ حتى يَجْلِسُوا عَلَيْها ثُمّ تَجِيءُ أهْلُ الجَنّةِ حتى يَجْلِسُوا على الكُثُبِ فَيَتَجَلّى لَهُمْ رَبّهُمْ عَزّ وَجَلّ حتى يَنْظُرُوا إلى وَجْهِهِ وَهُوَ يَقُولُ: أنا الّذِي صَدَقْتُكُمْ عِدَتِي, وأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي, فَهَذَا مَحلّ كَرَامَتِي, فَسَلُونِي, فَيَسأَلُونَهُ الرّضَا, فَيَقُولُ: رضَايَ أحَلّكُمْ دَارِي وأنا لَكُم كَرَامَتِي, سَلُونِي, فَيَسألُونَهُ حتى تَنْتَهِيَ رَغْبَتُهُمْ, فَيُفْتَحُ لَهُمْ عِنْدَ ذلكَ ما لا عين رأَتْ, وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ, وَلا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ, إلى مِقْدَارِ مُنْصَرَفِ النّاسِ مِنَ الجُمُعُة حتى يَصْعَدَ على كُرْسِيّهِ فَيَصْعَدُ مَعَهُ الصّدّيقُونَ والشّهَدَاءُ, وَتَرْجِعُ أهْلُ الجَنّةِ إلى غُرَفِهِمْ دُرّةً بَيْضَاءَ, لا نَظْمَ فِيها وَلا فَصْمَ, أوْ ياقُوتَةً حَمْرَاءَ, أوْ زَبَرْجَدَةً خَضْرَاءَ, مِنْها غُرَفْها وأبْوَابُها, فَلَيْسُوا إلى شَيْءٍ أحْوَجَ مِنْهُمْ إلى يَوْمِ الجُمُعَةِ, لِيَزْدَادُوا مِنْهُ كَرَامَةً, وَلِيَزْدَادُوا نَظَرا إلى وَجْهِهِ, وَلِذَلكَ دُعِيَ يَوْمَ المَزِيدِ».
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا جرير, عن ليث بن أبي سليم, عن عثمان بن عمير, عن أنس بن مالك, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, نحو حديث عليّ بن الحسين.
حدثنا الربيع بن سليمان, قال: حدثنا أسد بن موسى, قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم, عن صالح بن حيان عن أبي بُرَيدة, عن أنس بن مالك, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحوه.
24740ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, قال: أخبرنا ابن عون, عن محمد, قال: حدثنا, أو قال: قالوا: إن أدنى أهل الجنة منزلة, الذي يقال له تمنّ, ويذكّره أصحابه فيتمنى, ويذكره أصحابه فيقال له ذلك ومثله معه. قال: قال ابن عمر: ذلك لك وعشرة أمثاله, وعند الله مزيد.
24741ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا عمرو بن الحارث أن درّاجا أبا السّمْح, حدثه عن أبي الهَيثم, عن أبي سعيد الخُدريّ, أنه قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الرّجُلَ فِي الجَنّةِ لَيَتّكِيءُ سَبْعِينَ سَنَةً قَبْلَ أنْ يَتَحَوّلَ ثُمّ تَأْتِيهِ امْرأتُهُ فَتَضْربُ على مَنْكِبَيْهِ, فَيَنْظُرُ وَجْهَهُ فِي خَدّها أصْفَى مِنْ المِرْآةِ, وإنّ أدْنَى لُؤْلُؤَةٍ عَلَيْها لَتُضِيءُ ما بَينَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِب, فَتُسَلّمُ عَلَيْهِ, فَيرُدّ السّلامَ, وَيَسألُها مَنْ أنْتِ؟ فَتَقُولُ: أنا مِنَ المَزِيدِ وَإنّهُ لَيَكُونَ عَلَيْها سَبْعُونَ ثَوْبا أدْناها مِثْلُ النّعْمانِ مِنْ طُوبى فَيَنْفُذُها بَصَرُهُ حتى يَرَى مُخّ ساقِها مِنْ وَرَاءِ ذلكَ, وَإنّ عَلَيْها مِنَ التّيجانِ, وَإنّ أدْنَى لُؤلُؤَةٍ فِيها لَتُضِيءُ ما بَينَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ».
وقوله: وكَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ يقول تعالى ذكره: وكثيرا أهلكنا قبل هؤلاء المشركين من قريش من القرون, هُمْ أشَدّ من قريش الذين كذّبوا محمدا بَطْشا فَنّقُبوا في البِلادِ يقول: فَخَرَقُوا البلادَ فساروا فيها, فطافوا وتوغّلوا إلى الأقاصي منها قال امرؤ القَيس:
لقَدْ نَقّبْتُ فِي الاَفاقِ حتّىرَضِيتُ مِنَ الغَنِيمَةِ بالإيابِ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24742ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس فَنَقّبُوا فِي البِلادِ قال: أثّروا.
24743ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: فَنَقّبُوا فِي البِلادِ قال: يقول: عملوا في البلاد ذاك النقْب. ذكر من قال ذلك:
وقوله: هَلْ مِنْ مَحِيصٍ يقول جلّ ثناؤه: فهل كان لهم بتنقبهم في البلاد من معدل عن الموت ومَنْجي من الهلاك إذ جاءهم أمرنا. وأضمرت كان في هذا الموضع, كما أضمرت في قوله وكأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أشَدّ قُوّةً مِنْ قَرْيَتِكَ التي أخْرَجَتْك أهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ بمعنى: فلم يكن لهم ناصر عند إهلاكهم. وقرأت القرّاء قوله فَنَقّبُوا بالتشديد وفتح القاف على وجه الخبر عنهم. وذُكر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ ذلك «فَنَقِبُوا» بكسر القاف على وجه التهديد والوعيد: أي طوّفوا في البلاد, وتردّدوا فيها, فإنكم لن تفوتونا بأنفسكم. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله مِنْ مَحِيصٍ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24744ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وكَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ... حتى بلغ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ قد حاص الفَجرة فوجدوا أمر الله مُتّبِعا.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله: فَنَقّبُوا فِي البِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ قال: حاص أعداء الله, فوجدوا أمر الله لهم مُدْرِكا.
24745ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: هَلْ مِنْ مَحِيصٍ قال: هل من منجي