تفسير الطبري تفسير الصفحة 537 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 537
538
536
 الآية : 74 -80
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَسَبّحْ بِاسْمِ رَبّكَ الْعَظِيمِ * فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُومِ * وَإِنّهُ لَقَسَمٌ لّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مّكْنُونٍ * لاّ يَمَسّهُ إِلاّ الْمُطَهّرُونَ * تَنزِيلٌ مّن رّبّ الْعَالَمِينَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فسبح يا محمد بذكر ربك العظيم, وتسميته.
وقوله: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُومِ اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِع النّجُومِ فقال بعضهم: عُنِي بقوله: فَلا أُقْسِمُ: أقسم. ذكر من قال ذلك:
25926ـ حدثنا بن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ابن جُرَيج, عن الحسن بن مسلم, عن سعيد بن جُبَير فَلا أُقْسِمُ قال: أقسم.
وقال بعض أهل العربية: معنى قوله: فَلا فليس الأمر كما تقولون ثم استأنف القسم بعد فقيل أُقسم.
وقوله: بِمَوَاقِعِ النّجُومِ اختلف أهل التأويل في معنى ذلك, فقال بعضهم: معناه: فلا أقسم بمنازل القرآن, وقالوا: أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوما متفرّقة. ذكر من قال ذلك:
25927ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا حُصَين, عن حكيم بن جُبَير, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, قال: نزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة, ثم فرق في السنين بعد. قال: وتلا ابن عباس هذه الاَية فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُومِ قال: نزل متفرّقا.
25928ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الحسين, عن يزيد, عن عكرِمة, في قوله: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النّجُومِ قال: أنزل الله القرآن نجوما ثلاث آيات وأربع آيات وخمس آيات.
25929ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر, عن أبيه, عن عكرِمة: إن القرآن نزل جميعا, فوضع بمواقع النجوم, فجعل جبريل يأتي بالسورة, وإنما نزل جميعا في ليلة القدر.
25930ـ حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي, قال: حدثنا أبي, عن أبيه, عن جده, عن الأعمش, عن مجاهد فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُومِ قال: هو مُحْكَم القرآن.
25931ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُوم وَإنّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ قال: مستقرّ الكتاب أوّله وآخره.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فلا أقسم بمساقط النجوم. ذكر من قال ذلك:
25932ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: بِمَواقِعِ النّجُومِ قال في السماء ويقال مطالعها ومساقطها.
25933ـ حدثني بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النّجُومِ: أي مساقطها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بمنازل النجوم. ذكر من قال ذلك:
25934ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُومِ قال: بمنازل النجوم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بانتثار النجوم عند قيام الساعة. ذكر من قال ذلك:
25935ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النّجومِ قال: قال الحسن انكدارها وانتثارها يوم القيامة.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فلا أقسم بمساقط النجوم ومغايبها في السماء, وذلك أن المواقع جمع موقع, والموقع المفعل, من وقع يقع موقعا, فالأغلب من معانيه والأظهر من تأويله ما قلنا في ذلك, ولذلك قلنا: هو أولى معانيه به.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الكوفة بموقع على التوحيد, وقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين بمواقع: على الجماع.
والصواب من القول في ذلك, أنهما قراءتان معروفتان بمعنى واحد, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وقوله: وَإنّهُ لَقَسمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ يقول تعالى ذكره وإن هذا القسم الذي أقسمت لقسم لو تعلمون ما هو, وما قدره, قسم عظيم من المؤخر الذي معناه التقديم, وإنما هو: وإنه لقسم عظيم لو تعلمون عظمه.
وقوله: إنّهُ لقُرآنٌ كَرِيمٌ يقول تعالى ذكره: فلا أقسم بمواقع النجوم أن هذا القرآن لقرآن كريم, والهاء في قوله: «إنه» من ذكر القرآن.
وقوله: فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ يقول تعالى ذكره: هو في كتاب مصون عند الله لا يمسه شيء من أذى من غبار ولا غيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25936ـ حدثني إسماعيل بن موسى, قال: أخبرنا شريك, عن حكيم, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ الكتاب الذي في السماء.
25937ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ قال: القرآن في كتابه المكنون الذي لا يمسه شيء من تراب ولا غبار.
25938ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لا يَمُسّهُ إلا المُطَهّرُونَ زعموا أن الشياطين تنزّلت به على محمد, فأخبرهم الله أنها لا تقدر على ذلك, ولا تستطيعه, وما ينبغي لهم أن ينزلوا بهذا, وهو محجوب عنهم, وقرأ قول الله: وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ إنّهُمْ عَنِ السّمْعِ لَمَعْزُولُونَ.
25939ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبيد الله, يعني العتكي, عن جابر بن زيد وأبي نهيك, في قوله: فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ قال: هو كتاب في السماء.
قوله: لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ يقول تعالى ذكره: لا يمسّ ذلك الكتاب المكنون إلا الذين قد طهّرهم الله من الذنوب. واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: إلاّ المُطَهّرُونَ فقال بعضهم: هم الملائكة. ذكر من قال ذلك:
25940ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قال: إذا أراد الله أن ينزل كتابا نسخته السفرة, فلا يمسه إلا المطهرون, قال: يعني الملائكة.
25941ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن الربيع بن أبي راشد, عن سعيد بن جُبَير لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال: الملائكة الذين في السماء.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الربيع بن أبي راشد, عن سعيد بن جُبَير لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال: الملائكة.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, عن سفيان, عن الربيع بن أبي راشد, عن سعيد بن جُبَير. لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال: الملائكة.
25942ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبيد الله, يعني العتكي, عن جبار بن زيد وأبي نهيك في قوله: لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ يقول: الملائكة.
25943ـ قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن أبيه, عن عكرِمة لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال الملائكة.
25944ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال الملائكة.
25945ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا جرير, عن عاصم, عن أبي العالية لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال: الملائكة.
وقال آخرون: هم حملة التوراة. والإنجيل. ذكر من قال ذلك:
25946ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, عن سفيان, عن أبيه, عن عكِرمة لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال: حملة التوراة والإنجيل.
وقال آخرون في ذلك: هم الذين قد طهروا من الذنوب كالملائكة والرسل. ذكر من قال ذلك:
25947ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا مروان, قال: أخبرنا عاصم الأحول, عن أبي العالية الرياحي, في قوله: لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال: ليس أنتم, أنتم أصحاب الذنوب.
25948ـ حدثني يونس, قال أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال: الملائكة والأنبياء والرسل التي تنزل به من عند الله مطهرة, والأنبياء مطهرة, فجبريل ينزل به مُطَهّر, والرسل الذين تجيئهم به مُطَهّرون فذلك قوله: لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ والملائكة والأنبياء والرسل من الملائكة, والرسل من بني آدم, فهؤلاء ينزلون به مطهرون, وهؤلاء يتلونه على الناس مطهرون, وقرأ قول الله بأيْدِي سَفَرةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ قال: بأيدي الملائكة الذين يحصون على الناس أعمالهم.
وقال آخرون: عنى بذلك: أنه لا يمسه عند الله إلا المطهرون. ذكر من قال ذلك:
25949ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ ذاكم عند ربّ العالمين, فأما عندكم فيمسه المشرك النجس, والمنافق الرّجِس.
25950ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله: لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال لا يمسه عند الله إلا المطهرون, فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسيّ النجس, والمنافق الرجس. وقال في حرف ابن مسعود «ما يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ».
والصواب من القول من ذلك عندنا, أن الله جلّ ثناؤه, أخبر أن لا يمسّ الكتاب المكنون إلا المطهرون فعمّ بخبره المطهرين, ولم يخصص بعضا دون بعض فالملائكة من المطهرين, والرسل والأنبياء من المطهرين وكل من كان مطهرا من الذنوب, فهو ممن استثني, وعني بقوله: إلاّ المُطَهّرُونَ.
وقوله: تَنْزِيلٌ مِنْ رَبّ العالمِينَ يقول: هذا القرآن تنزيل من ربّ العالمين, نزّله من الكتاب المكنون. كما:
25951ـ حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبيد الله العتكي, عن جابر بن زيد وأبي نهيك, في قوله: تَنْزِيلٌ مِنْ رَبّ العالَمِينَ قال: القرآن من ذلك الكتاب.
الآية : 81-85
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَفَبِهَـَذَا الْحَدِيثِ أَنتُمْ مّدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنّكُمْ تُكَذّبُونَ * فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـَكِن لاّ تُبْصِرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: أفبهذا القرآن الذي أنبأتكم خبره, وقصصت عليكم أمره أيها الناس أنتم تلينون القول للمكذّبين به, ممالأة منكم لهم على التكذيب به والكفر.
واختلف أهل التأويل في تأويله, فقال بعضهم في ذلك نحو قولنا فيه. ذكر من قال ذلك:
25952ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: أفَبِهَذَا الحَدِيثِ أنْتُمْ مُدْهِنُونَ قال: تريدون أن تمالئوهم فيه, وتركنوا إليهم.
وقال آخرون: بل معناه: أفبهذا الحديث أنتم مكذّبون. ذكر من قال ذلك:
25953ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: أفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أنْتُمْ مُدْهِنُونَ يقول: مكذّبون غير مصدّقين.
25954ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: أنْتُمْ مُدْهِنُونَ يقول: مكذّبون.
وقوله: وَتَجْعَلُونَ رِزقَكمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ يقول: وتجعلون شكر الله على رزقه إياكم التكذيب, وذلك كقول القائل الاَخر: جعلت إحساني إليك إساءة منك إليّ, بمعنى: جعلت: شكر إحساني, أو ثواب إحساني إليك إساءة منك إليّ.
وقد ذُكر عن الهيثم بن عديّ: أن من لغة أزد شنوءة: ما رزق فلان: بمعنى ما شكر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف فيه منهم. ذكر من قال ذلك:
25955ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا سفيان, قال: ثني عبد الأعلى الثعلبي, عن أبي عبد الرحمن السلميّ, عن عليّ رضي الله عنه وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ قال: شكركم.
25956ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, عن إسرائيل, عن عبد الأعلى الثعلبي, عن أبي عبد الرحمن السلمي, عن عليّ رفعه وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ قال: «شكركم تقولون مُطرنا بنوء كذا وكذا, وبنجم كذا وكذا».
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا يحيى بن أبي بكر, عن إسرائيل, عن عبد الأعلى, عن أبي عبد الرحمن, عن عليّ, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبون قال: «شُكْرَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ», قال: «يَقُولُونَ مُطِرْنا بنَوْءِ كَذا وكَذا».
25957ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, قال: ما مُطر قوم قط إلا أصبح بعضهم كافرا, يقولون: مُطرنا بنوء كذا وكذَا, وقرأ ابن عباس وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن عطية, قال: حدثنا معاذ بن سليمان, عن جعفر, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, أنه كان يقرأ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُون ثم قال: ما مُطر الناس ليلة قطّ, إلا أصبح بعض الناس مشركين يقولون: مُطرنا بنوء كذا وكذا. قال: وقال وتجعلون شكركم أنكم تكذّبون.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا هشيم, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, في قوله: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ يقول: شكركم على ما أنزلت عليكم من الغيث والرحمة تقولون: مُطرنا بنوء كذا وكذا قال: فكان ذلك منهم كفرا بما أنعم عليهم.
25958ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا سفيان, عن إسماعيل بن أمية, قال: أحسبه أو غيره «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً ومطروا يقول: مُطرنا ببعض عثانين الأسد, فقال: «كَذَبْتَ بَلْ هُوَ رِزْقُ اللّهِ».
25959ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا سفيان, عن محمد بن إسحاق, عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ اللّهَ لَيُصَبّحُ القَوْمَ بالنّعْمَةِ, أوْ يُمَسّيهِمِ بِها, فَيُصْبِحُ بِها قَوْمٌ كافِرِينَ يَقُولُونَ: مُطِرْنا بَنْوْءِ كَذَا وكَذا» قال محمد: فذكرت هذا الحديث لسعيد بن المسيب, فقال: ونحن قد سمعنا من أبي هريرة, وقد أخبرني من شهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يستسقي, فلما استسقى التفت إلى العباس فقال: يا عباس يا عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم, كم بقي من نوء الثريا؟ فقال: العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الأفق بعد سقوطها سبعا, قال: فما مضت سابعة حتى مُطروا.
25960ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن عبد الأعلى, عن أبي عبد الرحمن, عن عليّ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ قال: كان يقرأها «وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أنّكُم تُكَذبُونَ» يقول: جعلتم رزق الله بنوء النجم, وكان رزقهم في أنفسهم بالأنواء أنواء المطر إذا نزل عليهم المطر, قالوا: رزُقنا بنوء كذا وكذا, وإذا أمسك عنهم كذّبوا, فذلك تكذيبهم.
25961ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن عطاء الخراساني, في قوله: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ قال: كان ناس يمطرون فيقولون: مُطرنا بنوء كذا, مُطرنا بنوء كذا.
25962ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَتَجْعَلُونَ رِزقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبونَ قال: قولهم في الأنواء: مُطرنا بنوء كذا ونوء كذا, يقول: قولوا هو من عند الله وهو رزقه.
25963ـ حُدثت , عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ يقول: جعل الله رزقكم في السماء, وأنتم تجعلونه في الأنواء.
25964ـ حدثني أبو صالح الصراري, قال: حدثنا أبو جابر «محمد بن عبد الملك الأزدي» قال: حدثنا جعفر بن الزبير, عن القاسم بن أبي أُمامة, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما مُطِر قَوْمٌ مِنْ لَيْلَةٍ إلاّ أصْبَحَ قَوْمٌ بِها كافِرِينَ, ثم قال: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذبُون» يقول قائِلٌ مُطِرْنا بنَجْمِ كَذَا وكَذَا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وتجعلون حظكم منه التكذيب. ذكر من قال ذلك:
25965ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُم تُكَذّبُونَ أما الحسن فكان يقول: بئسما أخذ قوم لأنفسهم لم يرزقوا من كتاب الله إلا التكذيب به.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, قال: قال الحسن, في قوله: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب.
وقوله: فَلَوْلا إذا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ يقول تعالى ذكره: فهلا إذا بلغت النفوس عند خروجها من أجسادكم أيها الناس حلاقيمكم وأنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ يقول ومن حضرهم منكم من أهليهم حينئذٍ إليهم ينظر, وخرج الخطاب ها هنا عاما للجميع, والمراد به: من حضر الميت من أهله وغيرهم وذلك معروف من كلام العرب وهو أن يخاطب الجماعة بالفعل, كأنهم أهله وأصحابه, والمراد به بعضهم غائبا كان أو شاهدا, فيقول: قتلتم فلانا, والقاتل منهم واحد, إما غائب, وإما شاهد. وقد بيّنا نظائر ذلك في مواضع كثيرة من كتابنا هذا.
يقول: وَنَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنْكُمْ يقول: ورسلنا الذين يقبضون روحه أقرب إليه منكم, وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ.
وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: قيل فَلَوْلا إذَا بَلَغَتِ الْحُلْقومَ وأنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ كأنه قد سمع منهم, والله أعلم: إنا نقدر على أن لا نموت, فقال: فَلَوْلا إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ, ثم قال فَلَوْلا إنْ كُنْتُمْ غَيرَ مَدِينِينَ أي غير مجزيين ترجعون تلك النفوس وأنتم ترون كيف تخرج عند ذلك إن كنتم صادقين بأنكم تمتنعون من الموت.
الآية : 86 -89
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنّاتُ نَعِيمٍ }.
يقول تعالى ذكره: فهلاّ إن كنتم أيها الناس غير مدينين.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: مَدِينِينَ فقال بعضهم: غير محاسبين. ذكر من قال ذلك:
25966ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: فَلَوْلا إنْ كُنْتُمْ غَيرَ مَدِينِينَ يقول: غير محاسبين.
25967ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: غِيرَ مَدِينِينَ قال: محاسبين.
25968ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَلَوْلا إنْ كُنْتُمْ غَيرَ مَدِينِينَ: أي محاسبين.
25969ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله: فَلَوْلا إنْ كُنْتُمْ غَيرَ مدِينِينَ قال: كانوا يجحدون أن يُدانوا بعد الموت, قال: وهو مالك يوم الدين, يوم يُدان الناس بأعمالهم, قال: يدانون: يحاسبون.
25970ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, قال: أخبرنا أبو رجاء, عن الحسن, في قوله: فَلَوْلا إنْ كُنْتُمْ غَيَرَ مَدِينِينَ قال: غير محاسبين.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا سليمان, قال: حدثنا أبو هلال, عن قتادة فَلَوْلا إنْ كُمْتُمْ غَيَرَ مَدِينِينَ قال: غير مبعوثين, غير محاسبين.
وقال آخرون: معناه: غير مبعوثين. ذكر من قال ذلك:
25971ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا هوذة, قال: حدثنا عوف, عن الحسن فَلَوْلا إنْ كُنْتُمْ غَيرَ مَدِينِينَ غير مبعوثين يوم القيامة, ترجعونها إن كنتم صادقين.
وقال آخرون: بل معناه: غير مجزيين بأعمالكم.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: غير محاسبين فمجزيين بأعمالكم من قولهم: كما تدين تدان, ومن قول الله: مالِكِ يَوْمِ الدّينِ.
وقوله: تَرْجِعُوَنها إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ يقول: تردّون تلك النفوس من بعد مصيرها إلى الحلاقيم إلى مستقرّها من الأجساد إن كنتم صادقين, إن كنتم تمتنعون من الموت والحساب والمجازاة, وجواب قوله: فَلَوْلا إذَا بَلَغَتِ الْحَلْقُومَ, وجواب قوله: فَلَوْلا إنْ كُنْتُمْ غَيرَ مَدِينِينَ جواب واحد وهو قوله: تَرْجِعُوَنها وذلك نحو قوله: فإمّا يأْتِيَنّكُمْ مِنّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ جعل جواب الجزاءين جوابا واحدا. وبنحو الذي قلنا في قوله: تَرْجِعُوَنها قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25972ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: تَرْجِعُوَنها قال: لتلك النفس إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.
وقوله: فأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرّبِينَ فَرَوْحَ وَرَيْحانٌ يقول تعالى ذكره: فأما إن كان الميت من المقرّبين الذين قرّبهم الله من جواره في جنانه فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ يقول: فله روح وريحان.
واختلف القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الأمصار فَرَوْحٌ بفتح الراء, بمعنى: فله برد. وَرَيْحانٌ يقول: ورزق واسع في قول بعضهم, وفي قول آخرين فله راحة وريحان وقرأ ذلك الحسن البصريّ «فَرُوحٌ» بضم الراء, بمعنى: أن روحه تخرج في ريحانة.
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأه بالفتح لإجماع الحجة من القرّاء عليه, بمعنى: فله الرحمة والمغفرة, والرزق الطيب الهنّي.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: فَرَوْحٌ ورَيْحانٌ فقال بعضهم: معنى ذلك: فراحة ومستراح. ذكر من قال ذلك:
25973ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ يقول: راحة ومستراح.
25974ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: فأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ قال: يعني بالريحان: المستريح من الدنيا وَجَنّةُ نَعِيمٍ يقول: مغفرة ورحمة.
وقال آخرون: الرّوح: الراحة, والرّيْحان: الرزق. ذكر من قال ذلك:
25975ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ قال: راحة. وقوله: وريحان قال: الرزق.
وقال آخرون: الرّوْح: الفرح, والرّيْحان: الرزق. ذكر من قال ذلك:
25976ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا إدريس, قال: سمعت أبي, عن أبي إسحاق, عن سعيد بن جُبَير, في قوله: فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ قال: الرّوْح: الفرح, والرّيحان: الرزق.
وأما الذين قرأوا ذلك بضم الراء فإنهم قالوا: الرّوح: هي رُوح الإنسان, والرّيحان: هو الريحان المعروف. وقالوا: معنى ذلك: أن أرواح المقرّبين تخرج من أبدانهم عند الموت برَيحان تشمه. ذكر من قال ذلك:
25977ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر, عن أبيه, عن الحسن فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ قال: تخرج رُوحه في ريحانة.
25978ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية فأما إنْ كانَ مِنَ المقرّبين قال: لم يكن أحد من المقرّبين يفارق الدنيا, والمقرّبون السابقون, حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمه, ثم يُقبض.
وقال آخرون ممن قرأ ذلك بفتح الراء: الرّوْح: الرحمة, والرّيحان: الريحان المعروف. ذكر من قال ذلك:
25979ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ قال: الروح: الرحمة, والريحان: يُتَلَقى به عند الموت.
وقال آخرون منهم: الرّوْح: الرحمة, والرّيحان: الاستراحة. ذكر من قال ذلك:
25980ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ الرّوْح: المغفرة والرحمة, والرّيحان: الاستراحة.
25981ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن أبيه, عن منذر الثوريّ, عن الربيع بن خثيم فأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرّبِينَ قال: هذا عند الموت فَرَوْحٌ وَرَيحانٌ قال: يُجاء له من الجنة.
25982ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عامر, قال: حدثنا قرة, عن الحسن, في قوله: فأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَربِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنةُ نَعِيمٍ قال: ذلك في الاَخرة, فقال له بعض القوم قال: أما والله إنهم ليرون عند الموت.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا حماد, قال: حدثنا قُرة, عن الحسن, بمثله.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي: قول من قال: عُني بالرّوْح: الفرح والرحمة والمغفرة, وأصله من قولهم: وجدت رَوْحا: إذا وجد نسيما يَسَترْوح إليه من كَرَبِ الحرّ. وأما الرّيحان, فإنه عندي الريحان الذي يُتَلقى به عند الموت, كما قال أبو العالية والحسن, ومن قال في ذلك نحو قولهما, لأن ذلك الأغلب والأظهر من معانيه.
وقوله: وَجَنّةُ نَعِيمٍ يقول: وله مع ذلك بستان نعيم يتنعم فيه.
25983ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: وجنة نعيم, قال: قد عُرِضت عليه.
الآية : 90 -94
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَأَمّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلاَمٌ لّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذّبِينَ الضّآلّينَ * فَنُزُلٌ مّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ }.
يقول تعالى ذكره: وأمّا إنْ كانَ الميت مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ الذين يُؤخذ بهم إلى الجنة من ذات أيمانهم فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ. ثم اختلف في معنى قوله: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ فقال أهل التأويل فيه ما:
25984ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأمّا إنْ كانَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ فسلام لك من أصحاب اليمين قال: سلام من عند الله, وسلّمت عليه ملائكة الله.
25985ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: وأمّا إنْ كانَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَاب اليَمِينٍ قال: سلم مما يكره.
وأما أهل العربية, فإنهم اختلفوا في ذلك, فقال بعض نحوّيي البصرة وأمّا إنْ كانَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ: أي فيقال سلم لك. وقال بعض نحويّي الكوفة: قوله: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ: أي فذلك مسلم لك أنك من أصحاب اليمين, وألقيت «أن» ونوى معناها, كما تقول: أنت مصدّق مسافر عن قليل, إذا كان قد قال: إني مسافر عن قليل, وكذلك يجب معناه أنك مسافر عن قليل, ومصدّق عن قليل. قال: وقوله: فَسَلامٌ لَكَ معناه: فسلم لك أنت من أصحاب اليَمين. قال: وقد يكون كالدعاء له, كقوله: فسُقيا لك من الرجال. قال: وإن رفعت السلام فهو دعاء, والله أعلم بصوابه.
وقال آخر منهم قوله: فأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرّبِينَ فإنه جمع بين جوابين, ليعلم أن أمّا جزاء. قال: وأما قوله: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَاب اليَمِينِ قال: وهذا أصل الكلمة مسلم لك هذا, ثم حذفت «أن» وأقيم «مِنْ» مَقامها. قال: وقد قيل: فسلام لك أنت من أصحاب اليَمِينِ, فهو على ذاك: أي سلام لك, يقال: أنت من أصحاب اليمين, وهذا كله على كلامين. قال: وقد قيل مسلم: أي كما تقول: فسلام لك من القوم, كما تقول: فسُقيا لك من القوم, فتكون كلمة واحدة.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: معناه: فسلام لك إنك من أصحاب اليمين, ثم حُذفت واجتزىء بدلالة مِنْ عليها منها, فسلمت من عذاب الله, ومما تكره, لأنك من أصحاب اليمين.
وقوله: وأمّا إنْ كانَ مِنَ المُكَذّبِينَ الضّآلّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ يقول تعالى: وأما إن كان الميت من المكذّبين بآيات الله, الجائرين عن سبيله, فله نُزل من حميم قد أغلي حتى انتهى حرّه, فهو شرابه. وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ يقول: وحريق النار يحرق بها والتصلية: التفعلة من صلاّة الله النار فهو يصليه تصلية, وذلك إذا أحرقه بها.
الآية : 95-96
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{إِنّ هَـَذَا لَهُوَ حَقّ الْيَقِينِ * فَسَبّحْ بِاسْمِ رَبّكَ الْعَظِيمِ }.
يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي أخبرتكم به أيها الناس من الخبر عن المقرّبين وأصحاب اليمين, وعن المكذّبين الضآلين, وما إليه صائرة أمورهم لَهُوَ حَقّ اليَقِينِ يقول: لهو الحقّ من الخبر اليقين لا شكّ فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25986ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد إنّ هَذَا لَهُوَ حَقّ اليَقِينِ قال: الخبر اليقين.
25987ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وأمّا إنْ كانَ مِنَ المُكَذْبِينَ الضّآلّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إنّ هَذَا لَهُوَ حَقّ اليَقِينِ حتى ختم, إن الله تعالى ليس تاركا أحدا من خلقه حتى يوقفه على اليقين من هذا القرآن. فأما المؤمن فأيقن في الدنيا, فنفعه ذلك يوم القيامة. وأما الكافر, فأيقن يوم القيامة حين لا ينفعه.
واختلف أهل العربية في وجه إضافة الحقّ إلى اليقين, والحقّ يقين, فقال بعض نحويي البصرة, قال: حقّ اليقين, فأضاف الحقّ إلى اليقين, كما قال: ذلكَ دِينُ القَيّمَةِ: أي ذلك دين الملّة القيمة, وذلك حقّ الأمر اليقين. قال: وأما هذا رجل السّوء, فلا يكون فيه هذا الرجل السّوء, كما يكون في الحقّ اليقن, لأن السوء ليس بالرجل, واليقين هو الحقّ. وقال بعض أهل الكوفة: اليقين نعت للحقّ, كأنه قال: الحقّ اليقين, والدين القيم, فقد جاء مثله في كثير من الكلام والقرآن وَلَدَارُ الاَخِرَةُ والدارُ الاَخِرَةُ قال: فإذا أضيف توهم به غير الأوّل.
وقوله: فَسَبّحْ باسْم رَبّكَ العَظِيمِ يقول تعالى ذكره: فسبح بتسمية ربك العظيم بأسمائه الحسنى.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة الواقعةسورة الحديد
مدنية
وآياتها تسع وعشرون
القول في تفسير السورة التي يذكر فيها الحديد:
بسم الله الرحمن الرحيم
الآية : 1-2
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {سَبّحَ للّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.
يعني تعالى ذكره بقوله: سَبّحَ لِلّهِ ما في السّمَوَاتِ والأرْضِ أن كلّ ما دونه من خلقه يسبحه تعظيما له, وإقرارا بربوبيته, وإذعانا لطاعته, كما قال جلّ ثناؤه: تُسَبّحُ لَهُ السّمَوَاتُ السّبْعُ والأرْضُ وَمَنْ فِيهِنّ وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقُهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.
وقوله: وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ يقول: ولكنه جلّ جلاله العزيز في انتقامه ممن عصاه, فخالف أمره مما في السموات والأرض من خلقه الحَكِيمُ فِي تَدْبِيرِهِ أمرهم, وتصريفه إياهم فيما شاء وأحبّ.
وقوله: لَهُ مُلْكُ السّمَوَاتِ والأرْضِ يقول تعالى ذكره: له سلطان السموات والأرض وما فيهنّ ولا شيء فيهنّ يقدر على الامتناع منه, وهو في جميعهم نافذ الأمر, ماضي الحكم.
وقوله: يُحْيِي ويُمِيتُ يقول يحيي ما يشاء من الخلق بأن يوجده كيف يشاء, وذلك بأن يحدث من النطفة الميتة حيوانا بنفخ الروح فيها من بعد تارات يقلبها فيها, ونحو ذلك من الأشياء, ويميت ما يشاء من الأحياء بعد الحياة بعد بلوغه أجله فيفنيه وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يقول جلّ ثناؤه: وهو على كل شيء ذو قدرة, لا يتعذّر عليه شيء أراده, من إحياء وإماتة, وإعزاز وإذلال, وغير ذلك من الأمور