تفسير الطبري تفسير الصفحة 536 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 536
537
535
 الآية : 51 -53
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{ثُمّ إِنّكُمْ أَيّهَا الضّآلّونَ الْمُكَذّبُونَ * لاَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مّن زَقّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ }.
يقول تعالى ذكره لأصحاب الشمال: ثم إنكم أيها الضالون عن طريق الهدى, المكذّبون بوعيد الله ووعده, لاَكلون من شجر من زقوم:
وقوله: فَمالِئُونَ مِنْها البُطُونَ يقول: فمالئون من الشجر الزّقوم بطونهم:
واختلف أهل العربية في وجه تأنيث الشجر في قوله: فَمالِئُونَ مِنْها البُطُونَ: أي من الشجر, فَشارِبُونَ عَلَيْهِ لأن الشجر تؤنث وتذكر, وأنث لأنه حمله على الشجرة, لأن الشجرة قد تدلّ على الجميع, فتقول العرب: نبتت قبلنا شجرة مرّة وبقلة رديئة, وهم يعنون الجميع. وقال بعض نحويي الكوفة لاََكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقّومٍ, وفي قراءة عبد الله «لاََكِلُونَ مِنْ شَجَرَةٍ مِنْ زَقّومٍ» على واحدة, فمعنى شجر وشجرة واحد, لأنك إذا قلت أخذت من الشاء, فإن نويت واحدة أو أكثر من ذلك, فهو جائز, ثم قال: فَمالِئُونَ مِنْها البُطُونَ يريد من الشجرة ولو قال: فمالئون منه إذا لم يذكر الشجر كان صوابا يذهب إلى الشجر في منه, ويؤنث الشجر, فيكون منها كناية عن الشجر والشجر يؤنث ويذكر, مثل التمر يؤنث ويذكر.
والصواب من القول في ذلك عندنا القول الثاني, وهو أن قوله: فَمَالِئُونَ مِنْها مراد به من الشجر أنث للمعنى, وقال فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مذكرا للفظ الشجر.
الآية : 54 - 57
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَـَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدّينِ * نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدّقُونَ }.
يقول تعالى ذكره: فشاربٌ أصحابُ الشمال على الشجر من الزّقوم إذا أكلوه, فملأوا منه بطونهم من الحميم الذي انتهى غليه وحرّه. وقد قيل: إن معنى قوله: فَشارِبُونَ عَلَيْهِ: فشاربون على الأكل من الشجر من الزقوم.
وقوله: فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة شُرْبَ الهِيمِ بضم الشين, وقرأ ذلك بعض قرّاء مكة والبصرة والشأم «شَرْبَ الهِيمِ» اعتلالاً بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لأيام مني: «إنّها أيّامُ أكْلٍ وشُرْبٍ».
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما علماء من القرّاء مع تقارب معنييهما, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب في قراءته, لأن ذلك في فتحه وضمه نظير فتح قولهم: الضّعف والضّعف بضمه. وأما الهِيم, فإنها جمع أهيم, والأنثى هيماء والهيم: الإبل التي يصيبها داء فلا تروى من الماء. ومن العرب من يقول: هائم, والأنثى هائمة, ثم يجمعونه على هيم, كما قالوا: عائط وعِيط, وحائل وحول ويقال: إن الهيم: الرمل, بمعنى أن أهل النار يشربون الحميم شرب الرمل الماء. ذكر من قال عنى بالهيم الإبل العطاش:
25886ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: شُرْبَ الهِيِمْ يقول: شرب الإبل العطاش.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ قال: الإبل الظماء.
25887ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن عمران بن حدير, عن عكرمة, في قوله: فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ قال: هي الإبل المِراض, تَمَصّ الماء مَصّا ولا تَرْوَى.
25888ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الحسين, عن يزيد, عن عكرمة, في قوله: فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ قال: الإبل يأخذها العُطاش, فلا تزال تشرب حتى تهلك.
حدثنا ابن حُمَيْد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن خصيف, عن عكرِمة فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ قال: هي الإبل يأخذها العطاش.
قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن ابن عباس, قال: هي الإبل العطاش.
25889ـ حدثنا محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: شُرْبَ الهِيمِ قال: الإبل الهيم.
25890ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ الهيم: الإبل العطاش, تشرب فلا تروى, يأخذها داء يقال له الهُيام.
25891ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ قال: داء بالإبل لا تَرْوَى معه. ذكر من قال هي الرملة:
25892ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان فَاشرِبُونَ شَرْبَ الهِيمِ قال: السّهْلة.
وقوله: هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدّينِ يقول تعالى ذكره: هذا الذي وصفت لكم أيها الناس, أن هؤلاء المكذّبين الضالين يأكلونه من شجر من زقوم, يشربون عليه من الحميم, هو نزلهم الذي ينزلهم ربهم يوم الدين, يعني: يوم يدين الله عباده.
وقوله: نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدّقونَ يقول تعالى ذكره لكفار قريش والمكذّبين بالبعث: نحن خلقناكم أيها الناس ولم تكونوا شيئا, فأوجدناكم بشرا, فهلا تصدّقون من فعل ذلك بكم في قيله لكم: إنه يبعثكم بعد مماتكم وبِلاكم في قبوركم, كهيأتكم قبل مماتكم.

الآية : 58-61
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَفَرَأَيْتُمْ مّا تُمْنُونَ * أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَىَ أَن نّبَدّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ }.
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذّبين بالبعث: أفرأيتم أيها المُنكرون قُدرة الله على إحيائكم من بعد مماتكم النطف التي تمنون في أرحام نسائكم, أأنتم تخلقون تلك أم نحن الخالقون.
وقوله: نَحْنُ قَدّرْنا بَيْنَكُمُ المَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ يقول تعالى ذكره: نحن قدرنا بينكم أيها الناس الموت, فعجّلناه لبعض, وأخّرناه عن بعض إلى أجل مسمى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25893ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: قَدّرْنا بَيْنَكُمُ المَوْتَ قال: المستأخر والمستعجل.
وقوله: وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أنْ نُبَدّل أمْثالَكُمْ, يقول تعالى ذكره: وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ أيها الناس في أنفسكم وآجالكم, فمفتات علينا فيها في الأمر الذي قدّرناه لها من حياة وموت بل لا يتقدم شيء من أجلنا, ولا يتأخر عنه.
وقوله: على أنْ نُبَدّل أمْثالَكُمْ يقول: على أنْ نُبَدّل منكم أمْثالَكَمْ بعد مهلككم فنجيء بآخرين من جنسكم.
وقوله: وَنُنْشِئَكُمْ فِيما لا تَعْلَمُون يقول: ونبدلكم عما تعلمون من أنفسكم فيما لا تعلمون منها من الصور. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25894ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: وَنُنْشِئَكُمْ في أيّ خلق شئنا.

الآية : 62 -64
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النّشْأَةَ الاُولَىَ فَلَوْلاَ تَذَكّرُونَ * أَفَرَأَيْتُم مّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ }.
يقول تعالى ذكره: ولقد علمتم أيها الناس الإحداثة الأولى التي أحدثناكموها, ولم تكونوا من قبل ذلك شيئا. وبنحو الذين قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25895ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: النّشأَةَ الأُولى قال: إذ لم تكونوا شيئا.
25896ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النّشأَةَ الأُولى يعني خلق آدم لستَ سائلاً أحدا من الخلق إلا أنبأك أن الله خلق آدم من طين.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النّشأَةَ الأُولى قال: هو خلق آدم.
25897ـ حدثني محمد بن موسى الحرسي, قال: حدثنا جعفر بن سليمان, قال: سمعت أبا عمران الجوني يقرأ هذه الاَية وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النّشأَةَ الأُولى قال: هو خلق آدم.
وقوله: فَلَوْلا تَذَكّرُونَ يقول تعالى ذكره: فهلا تذكرون أيها الناس, فتعلموا أن الذي أنشأكم النشأة الأولى, ولم تكونوا شيئا, لا يتعذّر عليه أن يعيدكم من بعد مماتكم وفنائكم أحياء.
وقوله: أفَرأيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها الناس الحرث الذي تحرثونه أأنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ يقول: أأنتم تصيرونه زرعا, أم نحن نجعله كذلك؟ وقد:
25898ـ حدثني أحمد بن الوليد القرشي, قال: حدثنا مسلم بن أبي مسلم الحرميّ, قال: حدثنا مخلد بن الحسين, عن هاشم, عن محمد, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَقُولَنّ زَرَعْتُ وَلَكِنْ قُلْ حَرَثْتُ» قال أبو هريرة ألم تسمع إلى قول الله: «أفُرأيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ ءأنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ؟».

الآية : 65 -67
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ * إِنّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ }.
يقول تعالى ذكره: لو نشاء جعلنا ذلك الزرع الذي زرعناه حُطاما, يعني هشيما لا يُنتفع به في مطعم وغذاء.
وقوله: فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: فظلتم تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم من المصيبة باحتراقه وهلاكه. ذكر من قال ذلك:
25899ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال: تعجبون.
25900ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال: تعجبون.
25901ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال: تعجبون.
وقال آخرون: معنى ذلك: فظلتم تلاومون بينكم في تفريطكم في طاعة ربكم جلّ ثناؤه, حتى نالكم بما نالكم من إهلاك زرعكم. ذكر من قال ذلك:
25902ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الحسين, عن يزيد, عن عكرِمة, في قوله: فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ يقول: تلاومون.
قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن سماك بن حرب البكري, عن عكرِمة فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال: تلاومون.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فظلتم تندمون على ما سلف منكم من معصية الله التي أوجب لكم عقوبته, حتى نالكم في زرعكم ما نالكم. ذكر من قال ذلك:
25903ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: ثني ابن علية, عن أبي رجاء, عن الحسن فَظَلْتُمْ تَتَفكّهُونَ قال: تندمون.
25904ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال تندمون.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فظلتم تعجبون. ذكر من قال ذلك:
25905ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال: تعجبون حين صنع بحرثكم ما صنع به, وقرأ قول الله عزّ وجلّ إنّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُمونَ وقرأ قول الله: وَإَذَا انْقَلَبُوا إلى أهْلِهِمْ انْقَلَبُوا فَكِهِين قال: هؤلاء ناعمين, وقرأ قول الله جل ثناؤه: فأخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ... إلى قوله: كانُوا فِيها فاكِهِينَ.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى فَظَلْتُم: فأقمتم تعجبون مما نزل بزرعكم وأصله من التفكه بالحديث إذا حدّث الرجلُ الرجلَ بالحديث يعجب منه, ويلهى به, فكذلك ذلك. وكأن معنى الكلام: فأقمتم تتعجبون يُعَجّب بعضكم بعضا مما نزل بكم.
وقوله: إنّا لَمُغْرَمُونَ اختلف أهل التأويل في معناه, فقال بعضهم: إنا لموَلع بنا. ذكر من قال ذلك:
25906ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي, قال: حدثنا زيد بن الحباب, قال: أخبرني الحسين بن واقد, قال: ثني يزيد النحويّ, عن عكرِمة, في قول الله تعالى ذكره: إنّا لَمُغْرَمُونَ قال: إنا لمولَع بنا.
25907ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, قال: قال مجاهد, في قوله: إنّا لَمُغْرَمُونَ أي لمولع بنا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنا لمعذّبون. ذكر من قال ذلك:
25908ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إنّا لَمَغْرَمُونَ: أي معذّبون وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنا لملقون للشرّ. ذكر من قال ذلك:
25909ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد إنّا لَمُغْرَمُونَ قال: مُلْقون للشرّ.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: إنا لمعذّبون, وذلك أن الغرام عند العرب: العذاب ومنه قول الأعشى:
إنْ يُعاقِبْ يَكُنْ غَرَاما وَإنْ يُعْطِ جَزِيلاً فإنّهُ لا يُبالي
يعني بقوله: يكن غراما: يكن عذابا. وفي الكلام متروك اكتفى بدلالة الكلام عليه, وهو: فظلتم تفكهون «تقولون» إنا لمغرمون, فترك تقولون من الكلام لما وصفنا.
وقوله: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ يعني بذلك تعالى ذكره أنهم يقولون: ما هلك زرعنا وأصبنا به من أجل إنّا لَمُغْرَمُونَ ولكنا قوم محرومون, يقول: إنهم غير مجدودين, ليس لهم جَدّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25910ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قال: حُورِفنا فحرمنا.
25911ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قال: أي محارَفون.

الآية : 68-70
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَآءَ الّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها الناس الماء الذي تشربون, ءأنتم أنزلتموه من السحاب فوقكم إلى قرار الأرض, أم نحن منزلوه لكم. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله المُزن, قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25912ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: مِنَ المُزْنِ قال السحاب.
25913ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: أأنْتُمْ أنْزَلْتُمُوهُ مِنَ المُزْنِ أي من السّحاب.
25914ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: أأَنْتُمْ أنْزَلْتُمُوهُ مِنَ المُزْنِ قال: المزن: السحاب اسمها, أنزلتموه من المزن, قال: السحاب.
25915ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله: أنْزَلْتُمُوهُ مِنَ المُزْنِ قال: المزن: السماء والسحاب.
وقوله: لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجا يقول تعالى ذكره: لو نشاء جعلنا ذلك الماء الذي أنزلناه لكم من المزن مِلحا, وهو الأجاج, والأجاج من الماء: ما اشتدّت ملوحته, يقول: لو نشاء فعلنا ذلك به فلم تنتفعوا به في شرب ولا غرس. ولا غرس ولا زرع.
وقوله: فَلَوْلا تَشْكُرُونَ يقول تعالى ذكره: فهلا تشكرون ربكم على إعطائه ما أعطاكم من الماء العذب لشربكم ومنافعكم, وصلاح معايشكم, وتركه أن يجعله أُجاجا لا تنتفعون به.
الآية : 71 -73
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَفَرَأَيْتُمُ النّارَ الّتِي تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لّلْمُقْوِينَ }.
يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها الناس النار التي تستخرجون من زَنْدكم أأنْتُمْ أنْشأْتُم شَجَرَتَهَايقول: أأنتم أحدثتم شجرتها واخترعتم أصلها أمْ نَحْنُ المُنْشِئُونَ؟ يقول: أم نحن اخترعنا ذلك وأحدثناه؟.
وقوله: نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً يقول: نحن جعلنا النار تذكرة لكم تذكرون بها نار جهنم, فتعتبرون وتتعظون بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25916ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: تَذْكِرَةً قال: تذكرة النار الكبرى.
25917ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أفَرأيْتُمُ النّارَ التي تُورُونَ أأَنْتُمْ أنْشأْتُمْ شَجَرَتها أمْ نَحْنُ المُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً للنار الكبرى.
ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: «نارُكُمْ هَذِهِ التي تُوقِدُونَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزءا مِنْ نارِ جَهَنّمِ,» قالوا: يا نبيّ الله إن كان لكافية, قال: «قَدْ ضُرِبَتْ بالمَاءِ ضَرْبَتَيْن أوْ مَرّتَينِ, ليَسْتَنْفِعَ بِها بَنُوا آدَمَ وَيَدْنُو مِنْها».
25918ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن جابر, عن مجاهد تَذْكِرَةً قال: للنار الكبرى التي في الاَخرة.
وقوله: وَمَتاعا للْمُقْوِينَ اختلف أهل التأويل في معنى المقوين, فقال بعضهم: هم المسافرون. ذكر من قال ذلك:
25919ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: للّمُقْوِينَ قال: للمسافرين.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَمَتاعا للْمُقْوِينَ قال: يعني المسافرين.
25920ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَمَتاعا للْمُقْوِينَ قال للمُرْمل: المسافر.
حدثني ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: للْمُقْوِينَ قال: للمسافرين.
25921ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَمَتاعا للْمُقْوِينَ قال: للمسافرين.
وقال آخرون: عُنِي بالْمُقْوِين: المستمتعون بها. ذكر من قال ذلك:
25922ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح عن مجاهد, قوله: وَمَتاعا للْمُقْوِينَ للمستمتعين الناس أجمعين.
25923ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن جابر, عن مجاهد وَمَتاعا للْمُقْوِينَ للمستمتعين المسافر والحاضر.
25924ـ حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب الشهيد, قال: حدثنا عتاب بن بشر, عن خصيف في قوله: وَمَتاعا للْمُقْوِينَ قال: للخلق.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك: الجائعون. ذكر من قال ذلك:
25925ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ابن زيد, في قوله: وَمَتاعا للْمُقْوِينَ قال: المقوي: الجائع. في كلام العرب, يقول: أقويت منه كذا وكذا: ما أكلت منه كذا وكذا شيئا.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال: عُنِي بذلك للمسافر الذي لازاد معه, ولا شيء له, وأصله من قولهم: أقوت الدار: إذا خلت من أهلها وسكانها كما قال الشاعر:
أقْوَى وأقْفَرَ مِنْ نُعْمٍ وغَيّرَهاهُوجُ الرّياحِ بهابي التّرْبِ مَوّارِ
يعني بقوله: «أقوى»: خلا من سكانه, وقد يكون المقوي: ذا الفرس القويّ, وذا المال الكثير في غير هذا الموضع