تفسير الطبري تفسير الصفحة 559 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 559
560
558
 الآية : 6-7
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَسْكِنُوهُنّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَآرّوهُنّ لِتُضَيّقُواْ عَلَيْهِنّ وَإِن كُنّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنّ حَتّىَ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىَ * لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمّآ آتَاهُ اللّهُ لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ مَآ آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً }.
يقول تعالى ذكره: أسكنوا مطلقات نسائكم من الموضع الذي سكنتم من وُجْدِكُم: يقول: من سعتكم التي تجدون وإنما أمر الرجال أن يعطوهنّ مسكنا يسكنه مما يجدونه, حتى يقضين عِدَدهنّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26547ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: أسْكِنُوهُنّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ يقول: من سعتكم.
26548ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: مِنْ وُجْدِكُمْ قال: من سعتكم.
26549ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله أسْكِنُوهُنّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ قال: من سعتكم.
26550ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, قوله: أسْكِنُوهُنّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارّوهُنّ لِتُضَيّقُوا عَلَيْهِنّ فإن لم تجد إلا ناحية بيتك فأسكنها فيه.
26551ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: أسْكِنُوهُنّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ قال: المرأة يطلقها, فعليه أن يسكنها, وينفق عليها.
26552ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: وسألته عن قول الله عزّ وجلّ: أسْكِنُوهُنّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ قال: من مقدرتك حيث تقدر, فإن كنت لا تجد شيئا, وكنت في مسكن ليس لك, فجاء أمر أخرجك من المسكن, وليس لك مسكن تسكن فيه, وليس تجد فذاك, وإذا كان به قوّة على الكراء فذاك وجده, لا يخرجها من منزلها, وإذا لم يجد وقال صاحب المسكن: لا أنزل هذه في بيتي فلا, وإذا كان يجد, كان ذلك عليه.
وقوله: وَلا تُضارّوهُنّ لِتُضَيّقُوا عَلَيْهِنّ يقول جلّ ثناؤه: ولا تضارّوهنّ في المسكن الذي تسكنونهنّ فيه, وأنتم تجدون سعة من المنازل أن تطلبوا التضييق عليهنّ, فذلك قوله لِتُضَيّقُوا عَلَيْهِنّ يعني: لتضيقوا عليهنّ في المسكن مع وجودكم السعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26553ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَلا تُضَارّوهُنّ لِتضَيّقوا عَلَيْهِنّ قال: في المسكن.
26554ـ حدثني محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: مِنْ وُجْدِكُمْ قال: من ملككم, من مقدرتكم. وفي قوله وَلا تُضَارّوهُنّ لِتُضَيّقُوا عَلَيْهِنّ قال: لتضيقوا عليهنّ مساكنهنّ حتى يخرجن.
26555ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان وَلا تُضَارّوهُنّ لِتُضَيّقُوا عَلَيْهِنّ قال: ليس ينبغي له أن يضارّها ويضيق عليها مكانها حتى يضعن حملهنّ هذا لمن يملك الرجعة, ولمن لا يملك الرجعة.
وقوله: وَإنْ كُنّ أُولاتِ حَمْلٍ فأنْفِقُوا عَلَيْهنّ حتى يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ يقول تعالى ذكره: وإن كان نساؤكم المطلقات أولات حمل وكنّ بائنات منكم, فأنفقوا عليهنّ في عدتهنّ منكم حتى يضعن حملهنّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26556ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: وَإنْ كُنّ أُولاتِ حَمْلٍ فأنْفِقُوا عَلَيْهِنّ حتى يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ فهذه المرأة يطلقها زوجها, فيبتّ طلاقها وهي حامل, فيأمره الله أن يسكنها, وينفق عليها حتى تضع, وإن أرضعت فحتى تفطم, وإن أبان طلاقها, وليس بها حبل, فلها السكنى حتى تنقضي عدتها ولا نفقة, وكذلك المرأة يموت عنها زوجها, فإن كانت حاملاً أنفق عليها من نصيب ذي بطنها إذا كان ميراث, وإن لم يكن ميراث أنفق عليها الوارث حتى تضع وتفطم ولدها كما قال الله عزّ وجلّ: وَعلى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلكَ فإن لم تكن حاملاً, فإن نفقتها كانت من مالها.
26557ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: وَإنْ كُنّ أُولاتِ حَمْلٍ فأنْفِقُوا عَلَيْهِنّ حتى يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ قال: ينفق على الحبلىَ إذا كانت حاملاً حتى تضع حملها.
وقال آخرون: عُنِي بقوله: وَإنْ كُنّ أُولاتِ حَمْلٍ فأنْفِقُوا عَلَيْهِنّ حتى يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ كلّ مطلقة, ملك زوجُها رجْعَتَهَا أو لم يملك. وممن قال ذلك: عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما. ذكر الرواية عنهما بذلك:
26558ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيم, قال: كان عمرو وعبد الله يجعلان للمطلقة ثلاثا: السكنى, والنفقة, والمتعة. وكان عمر إذا ذكر عنده حديث فاطمة بنت قيس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتدّ في غير بيت زوجها, قال: ما كنا لنجيز في ديننا شهادة امرأة.
26559ـ حدثني نصر بن عبد الرحمن الأَوْدِيّ, قال: حدثنا يحيى بن إبراهيم, عن عيسى بن قرطاس, قال: سمعت عليّ بن الحسين يقول في المطلقة ثلاثا: لها السكنى, والنفقة والمتعة, فإن خرجت من بيتها فلا سكنى ولا نفقة ولا متعة.
26560ـ حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي, قال: حدثنا ابن فضيل, عن الأعمش, عن إبراهيم, قال: للمطلقة ثلاثا: السكنى والنفقة.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن حماد, عن إبراهيم, قال: إذا طلق الرجل ثلاثا, فإن لها السكنى والنفقة.
والصواب من القول في ذلك عندنا أن لا نفقة للمبتوتة إلا أن تكون حاملاً, لأن الله جلّ ثناؤه جعل النفقة بقوله وَإنْ كُنّ أُولاتِ حَمْلٍ فأنْفِقُوا عَلَيْهِنّ للحوامل دون غيرهنّ من البائنات من أزواجهن ولو كان البوائن من الحوامل وغير الحوامل في الواجب لهنّ من النفقة على أزواجهنّ سواء, لم يكن لخصوص أولات الأحمال بالذكر في هذا الموضع وجه مفهوم, إذ هنّ وغيرهنّ في ذلك سواء, وفي خصوصهن بالذكر دون غيرهنّ أدلّ الدليل على أن لا نفقة لبائن إلا أن تكون حاملاً. وبالذي قلنا في ذلك صحّ الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
26561ـ حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: حدثنا بشر بن بكر, عن الأوزاعيّ, قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير, قال: ثني أبو سلمة بن عبد الرحمن, قال: حدثتني فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس أن أبا عمرو المخزوميّ, طلقها ثلاثا فأمر لها بنفقة فاستقلتها, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه نحو اليمن, فانطلق خالد بن الوليد في نفر من بني مخزوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند ميمونة, فقال: يا رسول الله إن أبا عمرو طلق فاطمة ثلاثا, فهل لها من نفقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ», فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن «انتقلي إلى بيت أمّ شريك» وأرسل إليها «أن لا تسبقيني بنفسك», ثم أرسل إليها «أنّ أمّ شريك يأتيها المهاجرون الأوّلون, فانتقلي إلى ابن أمّ مكتوم, فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك», فزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسامة بن زيد.
وقوله: فإنْ أرْضَعْنَ لَكُمْ فآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ يقول جلّ ثناؤه: فإن أرضع لكم نساؤكم البوائن منكم أولادهنّ الأطفال منكم بأجرة, فآتوهنّ أجورهنّ على رضاعهنّ إياهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26562ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, عن جويبر, عن الضحاك أنه قال في الرضاع: إذا قام على شيء فأمّ الصبيّ أحقّ به, فإن شاءت أرضعته, وإن شاءت تركته إلا أن لا يقبل من غيرها, فإذا كان كذلك أُجْبِرت على رضاعه.
26563ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فإنْ أرْضَعْنَ لَكُمْ فآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ هي أحقّ بولدها أن تأخذه بما كنتَ مسترضِعا به غيرَها.
26564ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ فإنْ أرْضَعْنَ لَكُمْ فآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ قال: ما تراضوا عليه «على الموسع قدره, وعلى المقتر قدره».
26565ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن إبراهيم في الصبيّ إذا قام على ثمن فأمه أحقّ أن ترضعه, فإن لم يجد له من يرضعه أجبرت الأم على الرضاع.
26566ـ قال: ثنا مهران, عن سفيان فآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ قال: إن أرضعت لك بأجر فهي أحقّ من غيرها, وإن هي أبت أن ترضعه ولم تواتك فيما بينك وبينها عاسرتك في الأجر فاسترضع له أخرى.
وقوله: وأتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ يقول تعالى ذكره: وليقبل بعضكم أيها الناس من بعض ما أمركم بعضكم به بعضا من معروف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26567ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في وقوله: وأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ قال: اصنعوا المعروف فيما بينكم.
26568ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان وأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ حثّ بعضهم على بعض.
وقوله: وَإنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى يقول: وإن تعاسر الرجل والمرأة في رضاع ولدها منه, فامتنعت من رضاعه, فلا سبيل له عليها, وليس له إكراهها على إرضاعه, ولكنه يستأجر للصبيّ مرضعة غير أمه البائنة منه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26569ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: وَإنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى قال: إن أبت الأم أن ترضع ولدها إذا طلقها أبوه التمس له مرضعة أخرى, الأمّ أحقّ إذا رضيت من أجر الرضاع بما يرضى به غيرها, فلا ينبغي له أن ينتزع منها.
26570ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, قال: إن هي أبت أن ترضعه ولم تواتك فيما بينها وبينك عاسرتك في الأجر, فاسترضع له أخرى.
26571ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قول الله: وَإنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِه وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللّهُ قال: فرض لها من قدر ما يجد, فقالت: لا أرضى هذا قال: وهذا بعد الفراق, فأما وهي زوجته فإنها ترضع له طائعة ومكرهة إن شاءت وإن أبت, فقال لها: ليس لي زيادة على هذا إن أحببت أن ترضعي بهذا فأرضعي, وإن كرهت استرضعت ولدي, فهذا قوله: وَإنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى.
وقوله: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللّهُ: يقول تعالى ذكره: لينفق الذي بانت منه امرأته إذا كان ذا سعة من المال, وغني من سعة ماله وغناه على امرأته البائنة في أجر رضاع ولده منها, وعلى ولده الصغير وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ يقول: ومن ضيق عليه رزقه فلم يوسع عليه, فلينفق مما أعطاه الله على قدر ماله, وما أعطى منه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26572ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ قال: من سعة موجده, قال: وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ قال: من قتر عليه رزقه.
26573ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ يقول: من طاقته.
26574ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللّهُ قال: فرض لها من قدر ما يجد.
26575ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن قال: ثني ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ قال: على المطلقة إذا أرضعت له.
26576ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن أبي سنان, قال: سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه, عن أبي عُبيدة, فقيل له: إنه يلبس الغليظ من الثياب, ويأكل أخشن الطعام, فبعث إليه بألف دينار, وقال للرسول: انظر ما يصنع إذا هو أخذها, فما لبث أن لبس ألين الثياب, وأكل أطيب الطعام, فجاء الرسول فأخبره, فقال رحمه الله: تأوّل هذه الاَية لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيَنْفِقْ مِمّا آتاه اللّهُ.
وقوله: لا يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إلاّ ما آتاها يقول: لا يكلف الله أحدا من النفقة على من تلزمه نفقته بالقرابة والرحم لا ما أعطاه, إن كان ذا سعة فمن سعته, وإن كان مقدورا عليه رزقه فمما رزقه الله على قدر طاقته, لا يُكلف الفقير نفقة الغنيّ, ولا أحدَ من خلقه إلا فرضه الذي أوجبه عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26577ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: لا يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إلاّ ما آتاها قال: يقول: لا يكلف الفقير مثل ما يكلف الغنيّ.
26578ـ حدثنا عبد الله بن محمد الزهري, قال: حدثنا سفيان, عن هشيم لا يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إلاّ ما آتاها قال: إلا ما افترض عليها.
26579ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان لا يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إلاّ ما آتاها يقول: إلا ما أطاقت.
26580ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: لا يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إلاّ ما آتاها قال: لا يكلفه الله أن يتصدّق وليس عنده ما يتصدّق به, ولا يكلفه الله أن يزكي وليس عنده ما يزكي.
يقول تعالى ذكره: سَيَجْعَل اللّهُ للمقلّ من المال المقدور عليه رزقه بَعْدَ عُسْر يُسْرا يقول: من بعد شدّة رخاء, ومن بعد ضيق سعة, ومن بعد فقر غنى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26581ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان سَيَجْعَلُ اللّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرا بعد الشدة الرخاء.
الآية : 8
وقوله: وكأيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أمْرِ رَبّها وَرُسُلِهِ يقول تعالى ذكره: وكأين من أهل قرية طغوا عن أمر ربهم وخالفوه, وعن أمر رسل ربهم, فتمادوا في طغيانهم وعتوّهم, ولجوا في كفرهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26582ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط عن السدي, في قوله وكأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أمْرِ رَبّها وَرُسُلِهِ قال: غَيّرت وعَصَت.
26583ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وكأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أمْرِ رَبّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِسابا شَدِيدا قال: العتوّ ههنا الكفر والمعصية, عُتوّا: كفرا, وعتت عن أمر ربها: تركته ولم تقبله.
وقيل: إنهم كانوا قوما خالفوا أمر ربهم في الطلاق, فتوعد الله بالخبر عنهم هذه الأمة أن يفعل بهم فعله بهم إن خالفوا أمره في ذلك. ذكر من قال ذلك:
26584ـ حدثني ابن عبد الرحيم البرقي, قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة, قال: سمعت عمر بن سليمان يقول في قوله: وكأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أمْرِ رَبّها وَرُسُلِهِ قال: قرية عُذّبت في الطلاق.
وقوله: فَحاسَبْناها حِسابا شَدِيدا يقول: فحاسبناها على نعمتنا عندها وشكرها حسابا شديدا, يقول: حسابا استقصينا فيه عليهم, لم نعف لهم فيه عن شيء, ولم نتجاوز فيه عنهم, كما:
26585ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, قوله: فَحاسَبْناها حِسابا شَدِيدا قال: لم نعف عنها الحساب الشديد الذي ليس فيه من العفو شيء.
26586ـ حدثني عليّ قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: فَحاسَبْناها حِسابا شَدِيدا يقول: لم نرحم.
وقوله: وَعَذّبْناها عَذَابا نُكْرا يقول: وعذّبناها عذابا عظيما منكرا, وذلك عذاب جهنم.

الآية : 9
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً }.
وقوله: فَذَاقَتْ وَبالَ أمْرِها يقول: فذاقت هذه القرية التي عتت عن أمر ربها ورسله, عاقبة ما عملت وأتت من معاصي الله والكفر به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26587ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قوله: فَذَاقَتْ وَبالَ أمْرِها قال: عقوبة أمرها.
26588ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فَذَاقَتْ وَبالَ أمْرِها قال: ذاقت عاقبة ما عملت من الشرّ. الوبال: العاقبة.
26589ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَذَاقَتْ وَبالَ أمْرِها يقول: عاقبة أمرها.
26590ـ حدثنا محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: فَذَاقَتْ وَبالَ أمْرِها قال: جزاء أمرها.
26591ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: فَذَاقَتْ وَبالَ أمْرِها يعني بوبال أمرها: جزاء أمرها الذي قد حلّ.
وقوله: وكانَ عاقِبَةُ أمْرِها خُسْرا يقول تعالى ذكره: وكان الذي أعقب أمرهم, وذلك كفرهم بالله وعصيانهم إياه خسرا: يعني غَبْنا, لأنهم باعوا نعيم الاَخرة بخسيس من الدنيا قليل, وآثروا اتباع أهوائهم على اتباع أمر الله.
الآية : 10-11
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَعَدّ اللّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتّقُواْ اللّهَ يَأُوْلِي الألْبَابِ الّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللّهِ مُبَيّنَاتٍ لّيُخْرِجَ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللّهُ لَهُ رِزْقاً }.
يقول تعالى ذكره: أعدّ الله لهؤلاء القوم الذين عَتَوا عن أمر ربهم ورسله عذابا شديدا, وذلك عذاب النار الذي أعده لهم في القيامة فاتّقُوا اللّهَ يا أُولي الألباب يقول تعالى ذكره: فخافوا الله, واحذروا سخطه بأداء فرائضه, واجتناب معاصيه يا أولي العقول, كما:
26592ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: فاتّقُوا اللّهَ يا أُولي الألبابِ قال: يا أولي العقول.
وقوله: وَالّذِينَ آمَنُوا يقول: الذين صدّقوا الله ورسله.
وقوله: قَدْ أنْزَلَ اللّهُ إلَيْكُمْ ذِكْرا رَسُولاً اختلف أهل التأويل في المعنيّ بالذكر والرسول في هذا الموضع, فقال بعضهم: الذكر هو القرآن, والرسول محمد صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
26593ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: قَدْ أنْزَلَ اللّهُ إلَيْكُمْ ذِكْرا رَسُولاً قال: الذكر: القرآن, والرسول: محمد صلى الله عليه وسلم.
26594ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله عزّ وجلّ: قَدْ أنْزَلَ اللّهُ إلَيْكُمْ ذِكْرا قال: القرآن روح من الله, وقرأ: وكَذَلكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحا مِنْ أمْرِنا إلى آخر الاَية, وقرأ: قَدْ أنْزَلَ اللّهُ إلَيْكُمْ ذِكْرا رَسُولاً قال: القرآن, وقرأ: إنّ الّذِينَ كَفَرُوا بالذّكْرِ لمّا جاءَهُمْ قال: بالقرآن, وقرأ: إنّا نَحْنُ نَزّلْنا الذّكْرَ قال: القرآن, قال: وهو الذكر, وهو الروح.
وقال آخرون: الذكر: هو الرسول.
والصواب من القول في ذلك أن الرسول ترجمة عن الذكر, وذلك نصب لأنه مردود عليه على البيان عنه والترجمة.
فتأويل الكلام إذن: قد أنزل الله إليكم يا أولي الألباب ذِكرا من الله لكم يذكركم به, وينبهكم على حظكم من الإيمان بالله, والعمل بطاعته, رسولاً يتلو عليكم آيات الله التي أنزلها عليه مُبَيّنات يقول: مبينات لمن سمعها وتدبرها أنها من عند الله.
يقول تعالى ذكره: قد أنزل الله إليكم أيها الناس ذكرا رسولاً, يتلو عليكم آيات الله مبيّنات, كي يخرج الذين صدّقوا الله ورسوله وعَمِلُوا الصّالِحاتِ يقول: وعملوا بما أمرهم الله به وأطاعوه مِنَ الظّلُماتِ إلى النّورِ يعني من الكفر وهي الظلمات, إلى النور: يعني إلى الإيمان.
وقوله: وَمَنْ يُؤْمِنْ باللّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحا يقول: ومن يصدّق بالله ويعمل بطاعته يُدْخِلُهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ يقول: يُدخله بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار خالِدِينَ فِيها أبَدا يقول: ماكثين مقيمين في البساتين التي تجري من تحتها الأنهار أبدا, لا يموتون, ولا يخرجون منها أبدا.
وقوله: قَدْ أحْسَنَ اللّهُ لَهُ رِزْقا يقول: قد وسع الله له في الجنات رزقا, يعني بالرزق: ما رزقه فيها من المطاعم والمشارب, وسائر ما أعدّ لأوليائه فيها, فطيبه لهم.
الآية : 12
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{اللّهُ الّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنّ يَتَنَزّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنّ لّتَعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنّ اللّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلّ شَيْءٍ عِلْمَا }.
يقول تعالى ذكره: اللّهُ الّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ لا ما يعبده المشركون من الاَلهة والأوثان التي لا تقدر على خلق شيء.
وقوله: وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنّ يقول: وخلق من الأرض مثلهنّ لما في كلّ واحدة منهنّ مثل ما في السموات من الخلق. ذكر من قال ذلك:
26595ـ حدثني عمرو بن علي ومحمد بن المثنى, قالا: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن عمرو بن مرّة, عن أبي الضحى, عن ابن عباس, قال في هذه الاَية: اللّهُ الّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنّ قال عمرو: قال: في كل أرض مثل إبراهيم ونحو ما على الأرض من الخلق. وقال ابن المثنى: في كلّ سماء إبراهيم.
26596ـ حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا وكيع, قال: حدثنا الأعمش, عن إبراهيم بن مهاجر, عن مجاهد, عن ابن عباس, في قوله سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنّ قال: لو حدثتكم بتفسيرها لكفرتم وكفركم تكذيبكم بها.
26597ـ حدثنا أبو كُريب, قال: حدثنا أبو بكر, عن عاصم, عن زِرّ, عن عبد الله, قال: خلق الله سبع سموات غلظ كلّ واحدة مسيرة خمس مئة عام, وبين كلّ واحدة منهنّ خمس مئة عام, وفوق السبع السموات الماء, والله جلّ ثناؤه فوق الماء, لا يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم. والأرض سبع, بين كل أرضين خمس مئة عام, وغلظ كلّ أرض خمس مئة عام.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا يعقوب بن عبد الله بن سعد القُمى الأشعري, عن جعفر بن أبي المُغيرة الخزاعي, عن سعيد بن جبير, قال: قال رجل لابن عباس اللّهُ الّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنّ... الاَية, فقال ابن عباس: ما يؤمنك أن أخبرك بها فتكفر.
26598ـ قال: ثنا عباس, عن عنبسة, عن ليث, عن مجاهد, قال: هذه الأرض إلى تلك مثل الفسطاط ضربته في فلاة, وهذه السماء إلى تلك السماء, مثل حلقة رميت بها في أرض فلاة.
26599ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن أبي جعفر, عن الربيع بن أنس, قال: السماء أوّلها موج مكفوف والثانية صخرة والثالثة حديد والرابعة نحاس والخامسة فضة والسادسة ذهب, والسابعة ياقوتة.
26600ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: حدثنا جرير بن حازم, قال: ثني محمد بن قيس, عن مجاهد, قال: هذا البيت الكعبة رابع أربعة عشر بيتا في كل سماء بيت, كل بيت منها حذو صاحبه, لو وقع وقع عليه, وإن هذا الحرم حرمي بناؤه من السموات السبع والأرضين السبع.
26601ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: اللّه الذّي خَلَق سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمن الأرض مِثْلَهُنّ خلق سبع سموات وسبع أرضين في كلّ سماء من سمائه, وأرض من أرضه, خلق من خلقه وأمر من أمره, وقضاء من قضائه.
26602ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة قال: بينا النبيصلى الله عليه وسلم جالس مرّة مع أصحابه, إذا مرّت سحابة, قال النبيصلى الله عليه وسلم أتَدْرُون ما هَذَا هَذِهِ العَنانُ, هَذِهِ رَوَايا الأرْضِ يَسُوقُها اللّهُ إلى قَوْم لا يَعْبُدُونَه قال: أتَدْرُونَ ما هَذِهِ السّماءُ؟» قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: هذه السّماءُ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ, وَسَقْفٌ مَحْفُوظٌ ثم قال: أتَدْرُون ما فَوْقَ ذلكَ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: فَوْقَ ذلكَ سَماءٌ أُخْرَى, حتى عدّ سبع سموات وهو يقول: أتَدْرُونَ ما بَيْنَهُما خَمْس مئَة سَنَة ثُم قال: أتَدْرُونَ ما فَوْقَ ذلكَ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: فَوْقَ ذلكَ العَرْشُ, قال: أتَدْرُونَ ما بَيْنَهُما؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: بَيْنَهُما خَمْسُ مِئَةِ سَنَة ثم قال: أتدرون ما هَذِهِ الأرْضُ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: تَحْتَ ذلكَ أرْضٌ, قال: أتَدْرُونَ كَمْ بَيْنَهُما؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: بَيْنَهُما مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ, حتى عدّ سبع أرضين, ثم قال: وَالّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لَوْ دُلّيَ رَجُلٌ يِحَبْلٍ حتى يَبْلُغَ أسْفَلَ الأرضِينَ السّابِعَةِ لَهَبَطَ على اللّهِ ثم قال: هُوَ الأوّلُ والاَخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ وَهُوَ بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ.
26603ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: التقى أربعة من الملائكة بين السماء والأرض, فقال بعضهم لبعض: من أين جئت؟ قال أحدهم: أرْسلني ربي من السماء السابعة, وتركته ثم قال الاَخر: أرسلني ربي من الأرض السابعة وتركته ثم قال الاَخر: أرسلني ربي من المشرق وتركته ثم قال الاَخر: أرسلني ربي من المغرب وتركته ثمّ.
وقوله: يَتَنَزّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنّ يقول تعالى ذكره: يتنزّل أمر الله بين السماء السابعة والأرض السابعة, كما:
26604ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: يَتَنَزّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنّ قال: بين الأرض السابعة إلى السماء السابعة.
وقوله: لِتَعْلَمُوا أنّ اللّهَ على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ يقول تعالى ذكره: ينزل قضاء الله وأمره بين ذلك كي تعلموا أيها الناس كنه قدرته وسلطانه, وأنه لا يتعذّر عليه شيء أراده, ولا يمتنع عليه أمر شاءه, ولكنه على ما يشاء قدير وأنّ اللّهَ قَدْ أحاطَ بِكُلّ شَيْء عِلْما يقول جلّ ثناؤه: ولتعلموا أيها الناس أن الله بكل شيء من خلقه محيط علما, لا يعزُب عنه مثقالُ ذرّة في الأرض ولا في السماء, ولا أصغر من ذلك ولا أكبر. يقول جلّ ثناؤه: فخافوا أيها الناس المخالفون أمر ربكم عقوبته, فإنه لا يمنعه من عقوبتكم مانع, وهو على ذلك قادر, ومحيط أيضا بأعمالكم, فلا يخفي عليه منها خاف, وهو محصيها عليكم, ليجازيكم بها. يوم تجزى كلّ نفس ما كسبت.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة الطلاق