تفسير الطبري تفسير الصفحة 576 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 576
577
575
 الآية : 18-25
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{إِنّهُ فَكّرَ وَقَدّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدّرَ * ثُمّ قُتِلَ كَيْفَ قَدّرَ * ثُمّ نَظَرَ * ثُمّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَـَذَآ إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَـَذَآ إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ }.
يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي خلقته وحيدا, فكّر فيما أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن, وقدّر فيما يقول فيه فَقُتِلَ كَيْفَ قَدّرَ يقول: ثم لعن كيف قدّر النازل فيه ثُمّ نَظَرَ يقول: ثم روّي في ذلك ثُمّ عَبَس يقول: ثم قبض ما بين عينيه وَبَسَرَ يقول: كلح وجهه ومنه قول توبة بن الحُمَيّر:
وَقَدْ رَابَنِي مِنْها صُدُودٌ رأيتُهُوإعْراضُها عَنْ حاجَتِي وبُسُورُها
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل, وجاءت الأخبار عن الوحيد أنه فعل. ذكر الرواية بذلك:
27389ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر عن عباد بن منصور, عن عكرِمة, أن الوليد بن المُغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقرأ عليه القرآن, فكأنه رقّ له, فبلغ ذلك أبا جهل, فقال: أي عمّ إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً, قال: لِمَ؟ قال: يعطونكه فإنك أتيت محمدا تتعرّض لما قِبَله قال: قد علمت قريش أني أكثرها مالاً, قال: فقل فيه قولاً يعلم قومك أنّك مُنكر لما قال, وأنك كاره له قال: فما أقول فيه, فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني, ولا أعلم برجزه مني, ولا بقصيده, ولا بأشعار الجنّ, والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا, ووالله إن لقوله لحلاوة, وإنه ليحطم ما تحته, وإنه ليعلو ولا يعلى قال: والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه, قال: فدعني حتى أفكر فيه فلما فكّر قال: هذا سحر يأثره عن غيره, فنزلت ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدا. قال قتادة: خرج من بطن أمه وحيدا, فنزلت هذه الاَية حتى بلغ تسعة عشر.
27390ـ حدثني محمد بن سعيد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: إنّهُ فَكّرَ وَقَدّرَ... إلى ثُمّ عَبَسَ وَبَسَرَ قال: دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر بن أبي قُحافة رضي الله عنه يسأله عن القرآن فلما أخبره خرج على قريش فقال: يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة, فوالله ما هو بشعر, ولا بسحر, ولا بهذي من الجنون, وإن قوله لمن كلام الله فلما سمع بذلك النفر من قريش ائتمروا وقالوا: والله لئن صبأ الوليد لتصبأن قريش, فلما سمع بذلك أبو جعل قال: أنا والله أكفيكم شأنه فانطلق حتى دخل عليه بيته, فقال للوليد: ألم تر قومك قد جمعوا لك الصدقة؟ قال: ألستُ أكثرهم مالاً وولدا؟ فقال له أبو جهل: يتحدّثون أنك إنما تدخل على ابن أبي قُحافة لتصيب من طعامه قال الوليد: أقد تحدثت به عشيرتي فلا يقصر عن سائر بني قُصيّ لا أقرب أبا بكر ولا عمر ولا ابن أبي كبشة, وما قوله إلا سحر يؤثر فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم: ذَرْنِي وَمَن خَلَقْتُ وَحِيدا... إلى لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ.
27391ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّهُ فَكّرَ وقدّر زعموا أنه قال: والله لقد نظرت فيما قال هذا الرجل, فإذا هو ليس له بشعر, وإن له لحلاوة, وإن عليه لطلاوة, وإنه ليعلو وما يعلى, وما أشكّ أنه سحر, فأنزل الله فيه: فَقُتِلَ كَيْفَ قَدّرَ... الاَية ثُمّ عَبَسَ وَبَسَرَ: قبض ما بين عينيه وكلح.
27392ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: فَكّرَ وَقَدّرَ قال: الوليد بن المغيرة يوم دار الندوة.
27393ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ذَرْنِي وَمَن خَلَقْتُ وَحِيدّا يعني الوليد بن المغيرة دعاه نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام, فقال: حتى أنظر, ففكر ثُمّ نَظَرَ ثُمّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمّ أدْبَرَ وَاسْتَكْبَر فَقالَ إنْ هَذَا إلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ فجعل الله له سقر.
27394ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدا وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُودا... إلى قوله: إنْ هَذَا إلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ قال: هذا الوليد بن المغيرة قال: سأبتار لكم هذا الرجل الليلة, فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم, فوجده قائما يصلي ويقتريء, وأتاهم فقالوا: مَهْ؟ قال: سمعت قولاً حلوا أخضر مثمرا يأخذ بالقلوب, فقالوا: هو شعر, فقال: لا والله ما هو بالشعر, ليس أحد أعلم بالشعر مني, أليس قد عرَضتْ عليّ الشعراء شعرَهم نابغة وفلان وفلان؟ قالوا: فهو كاهن, فقال: لا والله ما هو بكاهن, قد عرضت عليّ الكهانة, قالوا: فهذا سحر الأوّلين اكتتبه, قال: لا أدري إن كان شيئا فعسى هو إذا سحر يؤثر, فقرأ: فَقُتِلَ كَيْفَ قَدّرَ ثُمّ قُتِلَ كَيْفَ قَدّرَ قال: قتل كيف قدّر حين قال: ليس بشعر, ثم قتل كيف قدّر حين قال: ليس بكهانة.
وقوله: ثُمّ أدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ يقول تعالى ذكره: ثم ولى عن الإيمان والتصديق بما أنزل الله من كتابه, واستكبر عن الإقرار بالحقّ فقال إنْ هَذَا إلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ قال: يأثره عن غيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27395ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن إسماعيل بن سميع, عن أبي رزين إنْ هَذَا إلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ قال: يأخذه عن غيره.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن إسماعيل, عن أبي رزين إنْ هَذَا إلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ قال: يأثره عن غيره.
وقوله: إنْ هَذَا إلاّ قَوْلُ البَشَرِ يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الوحيد في القرآن إنْ هَذَا إلاّ قَوْلُ البَشَرِ ما هذا الذي يتلوه محمد إلا قول البشر, يقول: ما هو إلا كلام ابن آدم, وما هو بكلام الله.
الآية : 26-31
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ * لَوّاحَةٌ لّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النّارِ إِلاّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدّتَهُمْ إِلاّ فِتْنَةً لّلّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسْتَيْقِنَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الّذِينَ آمَنُوَاْ إِيمَاناً وَلاَ يَرْتَابَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ اللّهُ بِهَـَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلّ اللّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إِلاّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاّ ذِكْرَىَ لِلْبَشَرِ }.
يعني تعالى ذكره بقوله: سأُصْلِيهِ سَقَرَ سأورده بابا من أبواب جهنم اسمه سقر ولم يُجرّ سقر لأنه اسم من أسماء جهنم وَما أدْرَاكَ ما سَقَرُ يقول تعالى ذكره: وأيّ شيء أدراك يا محمد, أي, شيء سقر. ثم بين الله تعالى ذكره ما سقر, فقال: هي نار لا تُبْقى من فيها حيا وَلا تَذَرُ من فيها ميتا, ولكنها تحرقهم كلما جدّد خلقهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27396ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: لا تُبْقى وَلا تَذَرُ قال: لا تميت ولا تحي.
حدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
27397ـ حدثني محمد بن عمارة الأسدي, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, قال: أخبرنا أبو ليلى, عن مرثد, في قوله: لا تُبْقى وَلا تَذَرُ قال: لا تبقى منهم شيئا أن تأكلهم, فإذا خلقوا لها لا تذرهم حتى تأخذهم فتأكلهم.
وقوله: لَوّاحَةٌ للبَشَر يعني جلّ ثناؤه مغيّرة لبشر أهلها واللوّاحة من نعت سقر, وبالردّ عليها رُفعت, وحسُن الرفع فيها, وهي نكرة, وسقر معرفة, لما فيها من معنى المدح. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27398ـ حدثنا محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد لَوّاحَةٌ للْبَشَر قال: الجلد.
27399ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن إسماعيل, عن أبي رزين لَوّاحَةٌ للْبَشَر قال: تلفح الجلد لفحة, فتدعه أشدّ سوادا من الليل.
27400ـ حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: حدثنا أبي وشعيب بن الليث, عن خالد بن يزيد, عن ابن أبي هلال, قال: قال زيد بن أسلم لَوّاحَةٌ للْبَشَر: أي تلوّح أجسادهم عليها.
27401ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لَوّاحَةٌ للْبَشَر أي حرّاقة للجلد.
27402ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: لَوّاحَةٌ للْبَشَر يقول: تحرق بشرة الإنسان.
27403ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: لَوّاحَةٌ للْبَشَر قال: تغير البشر, تحرق البشر يقال: قد لاحه استقباله السماء, ثم قال: النار تغير ألوانهم.
27404ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن إسماعيل بن سميع, عن أبي رزين لَوّاحَةٌ لِلْبَشَر غيرت جلودهم فاسودّت.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن إسماعيل بن سميع, عن أبي رزين مثله.
27405ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لَوّاحَةٌ للْبَشَر يعني بشر الإنسان, يقول: تحرق بشره.
ورُوي عن ابن عباس في ذلك ما:
27406ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله لَوّاحَةٌ للْبَشَر يقول: معرّضة.
وأخشى أن يكون خبر عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس هذا غلطا, وأن يكون موضع معرّضة مغيّرة, لكن صحّف فيه.
وقوله: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ يقول تعالى ذكره: على سقر تسعة عشر من الخزَنة.
وذُكر أن ذلك لما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال أبو جهل ما:
27407ـ حدثني به محمد بن سعد قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ... إلى قوله: وَيَزْدادَ الّذِينَ آمَنُوا إيمَانا فلما سمع أبو جهل بذلك قال لقريش: ثكلتكم أمهاتكم, أسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزَنة النار تسعة عشر وأنتم الدّهم, أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم؟ فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي أبا جهل, فيأخذه بيده في بطحاء مكة فيقول له: أَوْلى لَكَ فأوْلى ثمّ أوْلى لَكَ فأَوْلى فلما فعل ذلك به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو جهل: والله لا تفعل أنت وربك شيئا فأخزاه الله يوم بدر.
27408ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ذُكر لنا أن أبا جهل حين أُنزلت هذه الاَية قال: يا معشر قريش ما يستطيع كلّ عشرة منكم أن يغلبوا واحدا من خزَنة النار وأنتم الدّهم؟ فصاحبكم يحدثكم أن عليها تسعة عشر.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: قال أبو جهل: يخبركم محمد أن خزَنة النار تسعة عشر, وأنتم الدّهم ليجتمع كلّ عشرة على واحد.
27409ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ قال: خزنتها تسعة عشر.
وقوله: وَما جَعَلْنا أصحَابَ النّارِ إلاّ مَلائِكَةً يقول تعالى ذكره: وما جعلنا خزَنة النار إلا ملائكة. يقول لأبي جهل في قوله لقريش: أما يستطيع كلّ عشرة منكم أن تغلب منها واحدا؟ فمن ذا يغلب خزنة النار وهم الملائكة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27410ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: حدثنا ابن زيد, في قوله: وَما جَعَلْنا أصحَابَ النّارِ إلاّ مَلائِكَةً قال: ما جعلناهم رجالاً, فيأخذ كلّ رجل رجلاً كما قال هذا.
وقوله: وَما جَعَلْنا عِدّتَهُمْ إلاّ فِتْنَةً للّذِينَ كَفَرُوا يقول: وما جعلنا عدّة هؤلاء الخزنة إلا فتنة للذين كفروا بالله من مُشركي قريش. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27411ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَما جَعَلْنا عِدّتَهُمْ إلاّ فِتْنَةً للّذِينَ كَفَرُوا: إلا بلاء.
وإنما جعل الله الخبر عن عدّة خزنة جهنم فتنة للذين كفروا, لتكذيبهم بذلك, وقول بعضهم لأصحابه: أنا أكفيكموهم. ذكر الخبر عمن قال ذلك:
27412ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: تِسْعَةَ عَشَرَ قال: جعلوا فتنة, قال أبو الأشدّ بن الجمحي: لا يبلغون رتوتي حتى أجهضهم عن جهنم.
وقوله: لِيَسْتَيْقِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ يقول تعالى ذكره: ليستيقن أهل التوراة والإنجيل حقيقة ما في كتبهم من الخبر عن عدّة خزَنة جهنم, إذ وافق ذلك ما أنزل الله في كتابه على محمد صلى الله عليه وسلم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27413ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: لِيَسْتَيْقِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ وَيَزْدَادَ الّذِينَ آمَنُوا إيمَانا قال: وإنها في التوراة والإنجيل تسعة عشرة, فأراد الله أن يستيقن أهل الكتاب, ويزداد الذين آمنوا إيمانا.
27414ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: لِيَسْتَيْقِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ قال: يجدونه مكتوبا عندهم عدّة خزَنة أهل النار.
27415ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لِيَسْتَيْقِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ يصدّق القرآن الكتب التي كانت قبله فيها كلها, التوراة والإنجيل أن خزنة النار تسعة عشر.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: لِيَسْتَيْقِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ قال: ليستيقن أهل الكتاب حين وافق عدّة خزنة النار ما في كتبهم.
27416ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لِيَسْتَيْقِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ قال: عدّة خزنة جهنم تسعة عشر في التوراة والإنجيل.
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما:
27417ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: لِيَسْتَيْقِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ أنك رسول الله.
وقوله: وَيَزْدَادَ الّذِينَ آمَنُوا إيمَانا يقول تعالى ذكره: وليزداد الذين آمنوا بالله تصديقا إلى تصديقهم بالله وبرسوله بتصديقهم بعدّة خزنة جهنم.
وقوله: وَلا يَرْتابَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ وَالمُؤْمِنُونَ يقول: ولا يشكّ أهل التوراة والإنجيل في حقيقة ذلك والمؤمنون بالله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: وَليَقُولَ الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والكافِرُونَ يقول تعالى ذكره: وليقول الذين في قلوبهم مرض النفاق, والكافرون بالله من مشركي قريش ماذَا أرَادَ اللّهُ بِهَذَا مَثَلاً, كما:
27418ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَلِيَقُولَ الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: أي نفاق.
27419ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَلِيَقُولَ الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والكافِرُونَ ماذَا أرَادَ اللّهُ بِهَذَا مَثَلاً يقول: حتى يخوّفنا بهؤلاء التسعة عشر.
وقوله: كَذَلكَ يُضِلّ اللّهُ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ يقول تعالى ذكره: كما أضل الله هؤلاء المنافقين والمشركين القائلين في خبر الله عن عدّة خزنة جهنم: أيّ شيء أراد الله بهذا الخبر من المثل حتى يخوّفنا بذكر عدتهم, ويهتدي به المؤمنون, فازدادوا بتصديقهم إلى إيمانهم إيمانا كَذلكَ يُضِل اللّهُ مَنْ يَشاءُ مِنْ خَلْقِهِ فيخذله عن إصابة الحقّ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ منهم, فيوفقه لإصابة الصواب وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ من كثرتهم إلاّ هُوَ: يعني الله, كما:
27420ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إلاّ هُوَ أي من كثرتهم.
وقوله: وَما هِيَ إلاّ ذِكْرَى للْبَشَرِ يقول تعالى ذكره: وما النار التي وصفتها إلا تذكرة ذكر بها البشر, وهم بنو آدم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27421ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَما هِيَ إلاّ ذِكْرَى للْبَشَر يعني النار.
27422ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَما هِيَ إلاّ ذِكْرَى للْبَشَر قال: النار.
الآية : 32-37
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{كَلاّ وَالْقَمَرِ * وَاللّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ * إِنّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيراً لّلْبَشَرِ * لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدّمَ أَوْ يَتَأَخّرَ }.
يعني تعالى ذكره بقوله كَلاّ: ليس القول كما يقول من زعم أنه يكفي أصحابَه المشركين خزنةُ جهنم حتى يجهضهم عنها ثم أقسم ربنا تعالى فقال: وَالقَمَرِ وَاللّيْل إذْ أدْبَرَ يقول: والليل إذ ولّى ذاهبا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27423ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَاللّيْل إذْ أدْبَرَ: إذ ولّى.
وقال آخرون في ذلك ما:
27424ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي عن أبيه, عن ابن عباس: والليل إذْ أدْبَرَ دبوره: إظلامه.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة إذْ أدْبَرَ, وبعض قرّاء مكة والكوفة: «إذا دَبَرَ».
والصواب من القول في ذلك عندنا, أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وقد اختلف أهل العلم بكلام العرب في ذلك, فقال بعض الكوفيين: هما لغتان, يقال: دبر النهار وأدبر, ودبر الصيف وأدبر قال: وكذلك قَبل وأقبل فإذا قالوا: أقبل الراكب وأدبر لم يقولوه إلا بالألف. وقال بعض البصريين: «واللّيْل إذَا دَبَرَ» يعني: إذا دبر النهار وكان في آخره قال: ويقال: دبرني: إذا جاء خلفي, وأدبر: إذا ولّى.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما لغتان بمعنى, وذلك أنه محكيّ عن العرب: قبح الله ما قَبِل منه وما دبر. وأخرى أن أهل التفسير لم يميزوا في تفسيرهم بين القراءتين, وذلك دليل على أنهم فعلوا ذلك كذلك, لأنهما بمعنى واحد.
وقوله: والصّبْح إذَا أسْفَرَ يقول تعالى ذكره: والصبح إذا أضاء, كما:
27425ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة والصّبْح إذَا أسْفَرَ: إذا أضاء وأقبل.
إنّها لإَحْدَى الكُبَرِ يقول تعالى ذكره: إن جهنم لإحدى الكبر, يعني الأمور العظام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27426ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: ثني عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا وقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد إنّها لإَحْدَى الكُبَرِ يعني: جهنم.
27427ـ حدثنا أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن إسماعيل بن سميع, عن أبي رزين إنّها لإَحْدَى الكُبَرِ قال: جهنم.
27428ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: إنّها لإَحْدَى الكُبَرِ قال: هذه النار.
27429ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة إنّها لإَحْدَى الكُبَرِ قال: هي النار.
27430ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: إنّها لإَحْدَى الكُبَرِ يعني: جهنم.
27431ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس إنّها لإَحْدَى الكُبَرِ: يعني جهنم.
وقوله: نَذِيرا للْبَشَرِ يقول تعالى ذكره: إن النار لإحدى الكبر, نذيرا لبني آدم.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله نَذِيرا للْبَشَر, وما الموصوف بذلك, فقال بعضهم: عُنِيَ بذلك النار, وقالوا: هي صفة للهاء التي في قوله «إنها» وقالوا: هي النذير فعلى قول هؤلاء النذير نصب على القطع من إحدى الكبر, لأن إحدى الكبر معرفة, وقوله نَذِيرا نكرة, والكلام قد يحسُن الوقوف عليه دونه. ذكر من قال ذلك:
27432ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال الحسن: والله ما أُنذر الناسُ بشيء أدهي منها, أو بداهية هي أدهي منها.
وقال آخرون: بل ذلك من صفة الله تعالى, وهو خبر من الله عن نفسه, أنه نذير لخلقه وعلى هذا القول يجب أن يكون نصب قوله نَذِيرا على الخروج من جملة الكلام المتقدّم, فيكون معنى الكلام: وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة نذيرا للبشر يعني: إنذارا لهم فيكون قوله: نَذِيرا بمعنى إنذارا لهم كما قال: «فَكَيْفَ كانَ نَذِيرِ» بمعنى إنذاري ويكون أيضا بمعنى: إنها لإحدى الكُبَر صيرنا ذلك كذلك نذيرا, فيكون قوله: إنّها لإَحْدَى الكُبَرِ مؤدّيا عن معنى صيرنا ذلك كذلك, وهذا المعنى قصد من قال ذلك إن شاء الله. ذكر من قال ذلك:
27433ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن إسماعيل, عن أبي رزين إنّها لإَحْدَى الكُبَرِ قال: جهنم نَذِيرا للْبَشَرِ يقول الله: أنا لكم منها نذير فاتقوها.
وقال آخرون: بل ذلك من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقالوا: نصب نذيرا على الحال مما في قوله «قم», وقالوا: معنى الكلام: قم نذيرا للبشر فأنذر. ذكر من قال ذلك:
27434ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: نَذِيرا للْبَشَرِ قال: الخلق, قال: بنو آدم البشر, فقيل له: محمد النذير؟ قال: نعم ينذرهم.
وقوله: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أنْ يَتَقَدّمَ أوْ يَتأَخّرَ يقول تعالى ذكره: نذيرا للبشر لمن شاء منكم أيها الناس أن يتقدّم في طاعة الله, أو يتأخر في معصية الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27435ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أنْ يَتَقدّمَ أوْ يَتأَخّرَ قال: من شاء اتبع طاعة الله, ومن شاء تأخر عنها.
27436ـ حدثني بشر, قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد عن قتادة لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أنْ يَتَقَدّمَ أوْ يَتأَخّرَ: يتقدّم في طاعة الله, أو يتأخر في معصيته.

الآية : 38-45
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنّا نَخُوضُ مَعَ الُخَآئِضِينَ }.
يقول تعالى ذكره: كلّ نفس مأمورة منهية بما عملت من معصية الله في الدنيا, رهينة في جهنم إلاّ أصحَابَ اليَمِينِ فإنهم غير مرتهنين, ولكنهم فِي جَنّاتٍ يَتَساءَلُونَ عن المجرمين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27437ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ يقول: مأخوذة بعملها.
27438ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إلاّ أصحَابَ اليَمِينِ قال: غَلِقَ الناس كلهم إلا أصحاب اليمين.
27439ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إلاّ أصحَابَ اليَمِينِ قال: لا يحاسبون.
27440ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله: كلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إلاّ أصحَابَ اليَمِينِ: أصحابُ اليمين لا يرتهنون بذنوبهم, ولكن يغفرها الله لهم وقرأ قول الله: إلاّ عِبَادَ اللّهِ المُخْلَصِينَ قال: لا يؤاخذهم الله بسيىء أعمالهم, ولكن يغفرها الله لهم, ويتجاوز عنهم كما وعدهم.
27441ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: كلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ قال: كل نفس سبقت له كلمة العذاب يرتهنه الله في النار, لا يرتهن الله أحدا من أهل الجنة, ألم تسمع أنه قال: كلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إلاّ أصحَابَ اليَمِينِ يقول: ليسوا رهينة فِي جَنّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ.
27442ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله إلاّ أصحَابَ اليَمينِ قال: إن كان أحدهم سبقت له كلمة العذاب جُعلَ منزله في النار يكون فيها رهنا, وليس يرتهن أحد من أهل الجنة هم في جنات يتساءلون.
واختلف أهل التأويل في أصحاب اليمين الذين ذكرهم الله في هذا الموضع, فقال بعضهم: هم أطفال المسلمين. ذكر من قال ذلك:
27443ـ حدثني واصل بن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن فضيل, عن الأعمش, عن عثمان, عن زاذان, عن عليّ رضي الله عنه في هذه الاَية: كلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إلاّ أصحَابَ اليَمِينِ قال: هم الولدان.
حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن عثمان أبي اليقظان, عن زاذان أبي عمر عن عليّ رضي الله عنه في قوله كلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إلاّ أصحَابَ اليَمِينِ قال: أطفال المسلمين.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الأعمش, عن عثمان بن عمير أبي اليقظان, عن زاذان أبي عمر, عن عليّ رضي الله عنه إلاّ أصحَابَ اليَمِين قال: أولاد المسلمين.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن أبي اليقظان, عن زاذان, عن عليّ رضي الله عنه إلاّ أصحَابَ اليَمِين قال: هم الولدان.
وقال آخرون: هم الملائكة. ذكر من قال ذلك:
27444ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن شريك, عن الأعمش, عن أبي ظبيان, عن ابن عباس, قال: هم الملائكة.
وإنما قال من قال: أصحاب اليمين في هذا الموضع: هم الولدان وأطفال المسلمين ومن قال: هم الملائكة, لأن هؤلاء لم يكن لهم ذنوب, وقالوا: لم يكونوا ليسألوا المجرمين ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ إلا أنهم لم يقترفوا في الدنيا مآثم, ولو كانوا اقترفوها وعرفوها لم يكونوا ليسألوهم عما سلكهم في سقر, لأن كلّ من دخل من بني آدم ممن بلغ حدّ التكليف, ولزِمه فرض الأمر والنهي, قد علم أن أحدا لا يعاقب إلا على المعصية.
وقوله: فِي جَنّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَن المُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ يقول: أصحاب اليمين في بساتين يتساءلون عن المجرمين الذين سُلكوا في سقر, أيّ شيء سلككم في سقر؟ قالُوا لَمْ نَك مِنَ المُصَلّينَ يقول: قال المجرمون لهم: لم نك في الدنيا من المصلين لله وَلمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ بخلاً بما خوّلهم الله, ومنعا له من حقه.
وكُنّا نَخُوضُ مَعَ الخائِضِينَ يقول: وكنا نخوض في الباطل وفيما يكرهه الله مع من يخوض فيه, كما:
27445ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وكُنّا نَخُوضُ مَعَ الخائِضِينَ قال: كلما غوى غاوٍ غوينا معه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله وكُنّا نَخُوضُ مَعَ الخائِضِينَ قال: يقولون: كلما غوى غاو غوينا معه