تفسير الطبري تفسير الصفحة 59 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 59
060
058
 الآية : 71
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{يَأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: يا أهل التوراة والإنـجيـل, لـم تلبسون, يقول: لـم تـخـلطون الـحقّ بـالبـاطل. وكان خـلطهم الـحقّ بـالبـاطل: إظهارهم بألسنتهم من التصديق بـمـحمد صلى الله عليه وسلم, وما جاء به من عند الله, غير الذي فـي قلوبهم من الـيهودية والنصرانـية. كما:
5833ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد, عن عكرمة, أو سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: قال عبد الله بن الصيّف وعديّ بن زيد والـحارث بن عوف بعضهم لبعض: تعالوا نؤمن بـما أنزل علـى مـحمد وأصحابه غدوة, ونكفر به عشية, حتـى نلبس علـيهم دينهم, لعلهم يصنعون كما نصنع, فـيرجعوا عن دينهم. فأنزل الله عزّ وجلّ فـيهم: {يا أهْلَ الكِتابِ لِـمَ تَلْبِسُونَ الـحَقّ بـالبـاطِلِ}... إلـى قوله: {وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِـيـمٌ}.
5834ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {يا أهْلَ الكِتابِ لِـمَ تَلْبِسُونَ الـحَقّ بـالبـاطِلِ} يقول: لـم تلبسون الـيهودية والنصرانـية بـالإسلام, وقد علـمتـم أن دين الله الذي لا يقبل غيره الإسلام ولا يجزي إلا به.
5835ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بـمثله, إلا أنه قال: الذي لا يقبل من أحد غيره الإسلامُ, ولـم يقلْ: ولا يجزي إلا به.
5836ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: {يا أهْلَ الكِتابِ لِـمَ تَلْبِسُونَ الـحَقّ بـالبـاطِلِ}: الإسلام بـالـيهودية والنصرانـية.
وقال آخرون فـي ذلك بـما:
5837ـ حدثنـي به يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قول الله عزّ وجلّ: {لِـمَ تَلْبِسُونَ الـحَقّ بـالبـاطِلِ} قال: الـحقّ: التوراة التـي أنزل الله علـى موسى, والبـاطل: الذي كتبوه بأيديهم.
قال أبو جعفر: وقد بـينا معنى اللبس فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَتَكْتُـمُونَ الـحَقّ وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ}.
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: ولـم تكتـمون يا أهل الكتاب الـحقّ؟ والـحقّ الذي كتـموه ما فـي كتبهم من نعت مـحمد صلى الله عليه وسلم ومبعثه ونبوّته. كما:
5838ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {وَتَكْتُـمُونَ الـحَقّ وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ}: كتـموا شأن مـحمد, وهم يجدونه مكتوبـا عندهم فـي التوراة والإنـجيـل, يأمرهم بـالـمعروف, وينهاهم عن الـمنكر.
5839ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, قوله: {وَتَكْتُـمُونَ الـحَقّ وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ} يقول: يكتـمون شأن مـحمد صلى الله عليه وسلم, وهم يجدونه مكتوبـا عندهم فـي التوراة والإنـجيـل, يأمرهم بـالـمعروف, وينهاهم عن الـمنكر.
5840ـ حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: {تَكْتُـمُونَ الـحَقّ}: الإسلام, وأمر مـحمد صلى الله عليه وسلم, وأنتـم تعلـمون أن مـحمدا رسول الله, وأن الدين الإسلام.
وأما قوله: {وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ} فإنه يعنـي به: وأنتـم تعلـمون أن الذي تكتـمونه من الـحقّ حقّ, وأنه من عند الله. وهذا القول من الله عزّ وجلّ خبر عن تعمد أهل الكتاب الكفر به, وكتـمانهم ما قد علـموا من نبوّة مـحمد صلى الله عليه وسلم, ووجدوه فـي كتبهم وجاءتهم به أنبـياؤهم.
الآية : 72
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَقَالَتْ طّآئِفَةٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالّذِيَ أُنْزِلَ عَلَى الّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النّهَارِ وَاكْفُرُوَاْ آخِرَهُ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ }
اختلف أهل التأويـل فـي صفة الـمعنى الذي أمرت به هذه الطائفة من أمرت به من الإيـمان وجه النهار, والكفر آخره, فقال بعضهم: كان ذلك أمرا منهم إياهم بتصديق النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي نبوّته, وما جاء به من عند الله وأنه حقّ, فـي الظاهر من غير تصديقه فـي ذلك بـالعزم واعتقاد القلوب علـى ذلك, وبـالكفر به وجحود ذلك كله فـي آخره. ذكر من قال ذلك:
5841ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: {آمِنُوا بـالّذِي أُنْزِلَ عَلـى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرُهُ} فقال بعضهم لبعض: أعطوهم الرضا بدينهم أوّل النهار, واكفروا آخره, فإنه أجدر أن يصدّقوكم, ويعلـموا أنكم قد رأيتـم فـيهم ما تكرهون, وهو أجدر أن يرجعوا عن دينهم.
5842ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا معلـى بن أسد, قال: حدثنا خالد, عن حصين, عن أبـي مالك فـي قوله: {آمِنُوا بـالّذِينَ أُنْزِلَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَه} قال: قالت الـيهود: آمنوا معهم أوّل النهار, واكفروا آخره, لعلهم يرجعون معكم.
5843ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ آمِنُوا بِـالّذِي أُنْزِلَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ} كان أحبـار قرى عَرَبِـيّة اثنـي عشر حبرا, فقالوا لبعضهم: ادخـلوا فـي دين مـحمد أول النهار, وقولوا نشهد أن مـحمدا حقّ صادق, فإذا كان آخر النهار فـاكفروا وقولوا: إنا رجعنا إلـى علـمائنا وأحبرانا فسألناهم, فحدثونا أن مـحمدا كاذب, وأنكم لستـم علـى شيء, وقد رجعنا إلـى ديننا فهو أعجب إلـينا من دينكم, لعلهم يشكون, يقولون: هؤلاء كانوا معنا أوّل النهار, فما بـالهم؟ فأخبر الله عزّ وجلّ رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك.
حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن حصين, عن أبـي مالك الغفـاري, قال: قالت الـيهود بعضهم لبعض: أسلـموا أوّل النهار, وارتدّوا آخره, لعلهم يرجعون. فأطلع الله علـى سرّهم, فأنزل الله عزّ وجلّ: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ آمِنُوا بـالّذِي أُنْزِلَ عَلـى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
وقال آخرون: بل الذي أمرت به من الإيـمان: الصلاة, وحضورها معهم أوّل النهار, وترك ذلك آخره. ذكر من قال ذلك:
ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله عزّ وجلّ {آمِنُوا بـالّذِي أُنْزِلَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهَارِ} يهود تقوله صلت مع مـحمد صلاة الصبح, وكفروا آخر النهار مكرا منهم, لـيرُوا الناس أن قد بدت لهم منه الضلالة بعد أن كانوا اتبعوه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, بـمثله.
5844ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ آمِنُوا بـالّذِي أُنْزِلَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ}... الاَية. وذلك أن طائفة من الـيهود قالوا: إذا لقـيتـم أصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم أول النهار فآمنوا, وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم لعلهم يقولون: هؤلاء أهل الكتاب, وهم أعلـم منا, لعلهم ينقلبون عن دينهم, ولا تؤمنوا إلا لـمن تبع دينكم.
فتأويـل الكلام إذا: وقالت طائفة من أهل الكتاب, يعنـي من الـيهود الذي يقرءون التوراة: {آمِنُو} صدّقوا بـالذي أنزل علـى الذين آمنوا, وذلك ما جاءهم به مـحمد صلى الله عليه وسلم من الدين الـحقّ وشرائعه وسننه. {وَجْهَ النّهارِ} يعنـي أوّل النهار, وسمي أوله وجها له لأنه أحسنه, وأوّل ما يواجه الناظر فـيراه منه, كما يقال لأوّل الثوب وجهه, وكما قال ربـيع بن زياد:
مَنْ كانَ مَسْرُورا بِـمَقْتَلِ مالِكٍفَلْـيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهارِ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
5845ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {وَجْهَ النّهارِ}: أوّل النهار.
5846ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: {وَجْهَ النّهارِ}: أول النهار {وَاكْفُرُوا آخِرَهُ} يقول: آخر النهار.
5847ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: {آمِنُوا بـالّذِي أُنْزِلَ عَلـى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ} قال: قال صلوا معهم الصبح, ولا تصلوا معهم آخر النهار, لعلكم تستزلونهم بذلك.
وأما قوله: {وَاكْفُرُوا آخِرَهُ} فإنه يعنـي به أنهم قالوا: واجحدوا ما صدّقتـم به من دينهم فـي وجه النهار فـي آخر النهار {لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ}: يعنـي بذلك: لعلهم يرجعون عن دينهم معكم ويدعونه. كما:
5848ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ} يقول: لعلهم يدعون دينهم, ويرجعون إلـى الذي أنتـم علـيه.
5849ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, مثله.
5850ـ حدثنا مـحمد بن سعد, قال: حدثنا أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: {لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ}: لعلهم ينقلبون عن دينهم.
5851ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ} لعلهم يشكون.
5852ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قوله: {لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ} قال: يرجعون عن دينهم.
الآية : 73
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَلاَ تُؤْمِنُوَاْ إِلاّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنّ الْهُدَىَ هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَىَ أَحَدٌ مّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجّوكُمْ عِندَ رَبّكُمْ قُلْ إِنّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: ولا تصدّقوا إلا من تبع دينكم فكان يهوديا. وهذا خبر من الله عن قول الطائفة الذين قالوا لإخوانهم من الـيهود: {آمِنُوا بِـالّذِي أُنْزِلَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهَارِ}. واللام التـي فـي قوله: {لِـمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} نظيرة اللام التـي فـي قوله: {عَسَى أنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} بـمعنى: ردفكم {بَعْضُ الذي تَسْتَعْجِلُونَ}.
وبنـحو ما قلنا فـي تأويـل ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
5853ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {وَلا تُؤْمِنُوا إلاّ لِـمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} هذا قول بعضهم لبعض.
5854ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, مثله.
5855ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {وَلا تُؤْمِنُوا إلاّ لِـمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} قال: لا تؤمنوا إلا لـمن تبع الـيهودية.
5856ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب: قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَلا تُؤْمِنُوا إلاّ لِـمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} قال: لا تؤمنوا إلا لـمن آمن بدينكم لا من خالفه ـ, فلا تؤمنوا به.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ إنّ الهُدَى هُدَى اللّهِ أنْ يُؤْتَـى أحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِـيتُـمْ أوْ يُحاجّوكُمْ عِنْدَ رَبّكُمْ}.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: قوله: {قُلْ إنّ الهُدَى هُدَى اللّهِ} اعترض به فـي وسط الكلام خبرا من الله عن أن البـيان بـيانه والهدى هداه. قالوا: وسائر الكلام بعد ذلك متصل بـالكلام الأوّل خبرا عن قـيـل الـيهود بعضها لبعض. فمعنى الكلام عندهم: ولا تؤمنوا إلا لـمن تبع دينكم, ولا تؤمنوا أن يؤتـى أحد مثل ما أوتـيتـم, أو أن يحاجوكم عند ربكم: أي ولا تؤمنوا أن يحاجكم أحد عند ربكم. ثم قال الله عزّ وجلّ لنبـيه صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد إن الفضل بـيد الله يؤتـيه من يشاء, وإن الهدى هدى الله. ذكر من قال ذلك:
5857ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: {أنْ يُؤْتَـى أحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِـيتُـمْ}: حسدا من يهود أن تكون النبوّة فـي غيرهم, وإرادة أن يتبعوا علـى دينهم.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
وقال آخرون: تأويـل ذلك: قل يا مـحمد إن الهدى هدى الله, إن البـيان بـيان الله أن يؤتـى أحد, قالوا: ومعناه: لا يؤتـى أحد من الأمـم مثل ما أوتـيتـم, كما قال: {يُبَـيّنُ اللّهُ لَكُمْ أنْ تَضِلّو} بـمعنى لا تضلون, وكقوله: {كذلك سَلَكْناهُ فـي قُلُوبِ الـمـجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ} يعنـي: أن لا يؤمنوا {مِثْلَ ما أوتِـيتُـمْ}. يقول: مثل ما أوتـيت أنت يا مـحمد وأمتك من الإسلام والهدى, أو يحاجوكم عند ربكم. قالوا: ومعنى «أو» إلا: أي إلا أن يحاجوكم, يعنـي إلا أن يجادلوكم عند ربكم عند ما فعل بهم ربكم. ذكر من قال ذلك:
5858ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: قال الله عزّ وجلّ لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إنّ الهُدَى هُدَى اللّهِ أنْ يُؤْتَـى أحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِـيتُـمْ} يقول: مثل ما أوتـيتـم يا أمة مـحمد, أو يحاجوكم عند ربكم, تقول الـيهود: فعل الله بنا كذا وكذا من الكرامة, حتـى أنزل علـينا الـمنّ والسلوى, فإن الذي أعطيتكم أفضل, فقولوا: {إنّ الفَضْلَ بِـيَدِ اللّهِ يُؤْتِـيهِ مَنْ يَشَاءُ}... الاَية.
فعلـى هذا التأويـل جميع هذا الكلام (أَمْر) من الله لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم أن يقوله للـيهود, وهو متلاصق بعضه ببعض لا اعتراض فـيه, والهدى الثانـي ردّ علـى الهدى الأوّل, و«أن» فـي موضع رفع علـى أنه خبر عن الهدى.
وقال آخرون: بل هذا أمر من الله لنبـيه أن يقوله للـيهود, وقالوا: تأويـله: قل يا مـحمد إن الهدى هدى الله, أن يؤتـى أحد من الناس مثل ما أوتـيتـم, يقول: مثل الذي أوتـيتـموه أنتـم يا معشر الـيهود من كتاب الله, ومثل نبـيكم, فلا تـحسدوا الـمؤمنـين علـى ما أعطيتهم, مثل الذي أعطيتكم من فضلـي, فإن الفضل بـيدي أوتـيه من أشاء. ذكر من قال ذلك:
5859ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {قُلْ إنّ الهُدَى هُدَى اللّهِ أنْ يُؤْتَـى أحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِـيتُـمْ} يقول:لـما أنزل الله كتابـا مثل كتابكم, وبعث نبـيا مثل نبـيكم حسدتـموهم علـى ذلك¹ {قُلْ إنّ الفَضْلَ بِـيَدِ اللّهِ}... الاَية.
5860ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, مثله.
وقال آخرون: بل تأويل ذلك: قل يا محمد إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثلما أوتيتم أنتم يا معشر اليهود من كتاب الله. قالوا: وهذا آخر القول الذي أمر الله به نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول لليهود من هذه الاَية, قالوا: وقوله: {أوْ يُحاجّوكُمْ} مردود علـى قوله: {وَلا تُؤْمِنُوا إلاّ لِـمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ}. وتأويـل الكلام علـى قول أهل هذه الـمقالة: ولا تؤمنوا إلا لـمن تبع دينكم, فتتركوا الـحقّ أن يحاجوكم به عند ربكم من اتبعتـم دينه, فـاخترتـموه أنه مـحقّ, وأنكم تـجدون نعته فـي كتابكم. فـيكون حينئذ قوله: {أوْ يُحاجّوكُمْ} مردودا علـى جواب نهي متروك علـى قول هؤلاء. ذكر من قال ذلك:
5861ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: {إنّ الهُدَى هُدَى اللّهِ أنْ يُؤْتَـى أحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِـيتُـمْ} يقول: هذا الأمر الذي أنتـم علـيه أن يؤتـى أحد مثل ما أوتـيتـم, أو يحاجوكم عند ربكم, قال: قال بعضهم لبعض: لا تـخبروهم بـما بـين الله لكم فـي كتابه لـيحاجوكم, قال: لـيخاصموكم به عند ربكم.
{قُلْ إنّ الهُدَى هُدَى اللّهِ} معترض به, وسائر الكلام متسق علـى سياق واحد. فـيكون تأويـله حينئذ: ولا تؤمنوا إلا لـمن اتبع دينكم, ولا تؤمنوا أن يؤتـى أحد مثل ما أوتـيتـم, بـمعنى: لا يؤتـى أحد بـمثل ما أوتـيتـم, {أو يُحاجّوكُمْ عِنْدَ رَبّكُمْ} بـمعنى: أو أن يحاجكم عند ربكم أحد بإيـمانكم, لأنكم أكرم علـى الله منهم بـما فضلكم به علـيهم. فـيكون الكلام كله خبرا عن قول الطائفة التـي قال الله عزّ وجلّ {وَقَالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ آمِنُوا بـالّذِي أُنْزِلَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ} سوى قوله: {قُلْ إنّ الهُدَى هُدَى اللّهِ} ثم يكون الكلام مبتدأ بتكذيبهم فـي قولهم: قل يا مـحمد للقائلـين ما قالوا من الطائفة التـي وصفت لك قولها لتبّـاعها من الـيهود {إنّ الهُدَى هُدَى الله} إن التوفـيق توفـيق الله, والبـيان بـيانه, وإن الفضل بـيده يؤتـيه من يشاء, لا ما تـمنـيتـموه أنتـم يا معشر الـيهود. وإنـما اخترنا ذلك من سائر الأقوال التـي ذكرناها, لأنه أصحها معنى, وأحسنها استقامة علـى معنى كلام العرب, وأشدّها اتساقا علـى نظم الكلام وسياقه, وما عدا ذلك من القول, فـانتزاع يبعد من الصحة علـى استكراه شديد الكلام.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ إنّ الفَضْلَ بِـيَدِ اللّهِ يُؤْتِـيهِ مَنْ يَشاءُ وَالله وَاسِعٌ عَلِـيـمٌ}.
يعنـي بذلك جل ثناؤه: قل يا مـحمد لهؤلاء الـيهود الذين وصفت قولهم لأولـيائهم: إن الفضل بـيد الله, إن التوفـيق للإيـمان, والهداية للإسلام بـيد الله, وإلـيه دونكم ودون سائر خـلقه, {يُؤْتِـيهِ مَنْ يَشَاءُ} من خـلقه, يعنـي: يعطيه من أراد من عبـاده تكذيبـا من الله عزّ وجلّ لهم فـي قولهم لتبّـاعهم: لا يؤتـى أحد مثل ما أوتـيتـم. فقال الله عزّ وجلّ لنبـيه صلى الله عليه وسلم: قل لهم: لـيس ذلك إلـيكم, إنـما هو إلـى الله الذي بـيده الأشياء كلها, وإلـيه الفضل, وبـيده يعطيه من يشاء. {وَالله وَاسِعٌ عَلِـيـمٌ} يعنـي: والله ذو سعة بفضله علـى من يشاء أن يتفضل علـيه علـيـم ذو علـم بـمن هو منهم للفضل أهل.)
5862ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك قراءة عن ابن جريج, فـي قوله: {قُلْ إنّ الفَضْلَ بِـيَدِ اللّهِ يُؤْتِـيهِ مِنَ يَشاءُ} قال: الإسلام.
الآية : 74
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{يَخْتَصّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }
يعنـي بقوله: {يَخْتَصّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} يفتعل من قول القائل: خصصت فلانا بكذا, أخصه به. وأما رحمته فـي هذا الـموضع: فـالإسلام والقرآن مع النبوّة. كما:
5863ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: {يَخْتَصّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} قال: النبوّة يخصّ بها من يشاء.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
5864ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: {يَخْتَصّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ} قال: يختصّ بـالنبوّة من يشاء.
5865ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك قراءة, عن ابن جريج: {يَخْتَصّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} قال: القرآن والإسلام.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج مثله.
{وَاللّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيـمِ} يقول: ذو فضل يتفضل به علـى من أحبّ وشاء من خـلقه. ثم وصف فضله بـالعظم, فقال: فضله عظيـم لأنه غير مشبه فـي عظم موقعه مـمن أفضله علـيه أفضال خـلقه, ولا يقاربه فـي جلالة خطره ولا يدانـيه.
الآية : 75
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاّ يُؤَدّهِ إِلَيْكَ إِلاّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الاُمّيّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }
وهذا الـخبر من الله عزّ وجلّ أن من أهل الكتاب, وهم الـيهود من بنـي إسرائيـل أهل أمانة يؤدونها ولا يخونونها, ومنهم الـخائن أمانته, الفـاجر فـي يـمينه الـمستـحلّ.
فإن قال قائل: وما وجه إخبـار الله عزّ وجلّ بذلك نبـيه صلى الله عليه وسلم, وقد علـمت أن الناس لـم يزالوا كذلك منهم الـمؤدّي أمانت والـخائنها؟ قـيـل: إنـما أراد جلّ وعزّ بإخبـاره الـمؤمنـين خبرهم علـى ما بـينه فـي كتابه بهذه الاَيات تـحذيرهم أن يأتـمنوهم علـى أموالهم, وتـخويفهم الاغترار بهم, لاستـحلال كثـير منهم أموال الـمؤمنـين. فتأويـل الكلام: ومن أهل الكتاب الذي إن تأمنه يا مـحمد علـى عظيـم من الـمال كثـير, يؤدّه إلـيك, ولا يخنك فـيه¹ ومنهم الذي إن تأمنه علـى دينار يخنك فـيه, فلا يؤدّه إلـيك إلا أن تلـحّ علـيه بـالتقاضي والـمطالبة. والبـاء فـي قوله: {بِدِينارٍ}, وعلـى يتعاقبـان فـي هذا الـموضع, كما يقال: مررت به, ومررت علـيه.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: {إلاّ ما دُمْتَ عَلَـيْهِ قائم} فقال بعضهم: إلا ما دمت له متقاضيا. ذكر من قال ذلك:
5866ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {إلاّ ما دُمْتَ عَلَـيْهِ قائم}: إلا ما طلبته واتبعته.
حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: {إلاّ ما دُمْتَ عَلَـيْهِ قائم} قال: تقتضيه إياه.
5867ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: {إلاّ ما دُمْتَ عَلَـيْهِ قَائم} قال: مواظبـا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
وقال آخرون: معنى ذلك: إلا ما دمت علـيه قائما علـى رأسه. ذكر من قال ذلك:
5868ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قوله: {إلاّ ما دُمْتَ عَلَـيْهِ قائم} يقول: يعترف بأمانته ما دمت قائما علـى رأسه, فإذا قمت ثم جئت تطلبه كافَرَك الذي يؤدي, والذي يجحد.
وأولـى القولـين بتأويـل الاَية قول من قال: معنى ذلك: إلا ما دمت علـيه قائما بـالـمطالبة والاقتضاء, من قولهم: قام فلان بحقـي علـى فلان حتـى استـخرجه لـي, أي عمل فـي تـخـلـيصه, وسعى فـي استـخراجه منه حتـى استـخرجه, لأن الله عزّ وجلّ إنـما وصفهم بـاستـحلالهم أموال الأميـين, وأن منهم من لا يقضي ما علـيه إلا بـالاقتضاء الشديد والـمطالبة, ولـيس القـيام علـى رأس الذي علـيه الدين, بـموجب له النقلة عما هو علـيه من استـحلال ما هو له مستـحلّ, ولكن قد يكون ـ مع استـحلاله الذهاب بـما علـيه لربّ الـحق ـ إلـى استـخراجه السبـيـلُ بـالاقتضاء والـمـحاكمة والـمخاصمة, فذلك الاقتضاء: هو قـيام ربّ الـمال بـاستـخراج حقه مـمن هو علـيه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ذَلِكَ بِأنّهُمْ قالُوا لَـيْسَ عَلَـيْنَا فِـي الأُمّيّـينَ سَبِـيـلٌ}.
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: أن من استـحلّ الـخيانة من الـيهود وجحود حقوق العربـي التـي هي له علـيه, فلـم يؤدّ ما ائتـمنه العربـي علـيه إلـيه إلا ما دام له متقاضيا مطلبـا¹ من أجل أنه يقول: لا حرج علـينا فـيـما أصبنا من أموال العرب, ولا إثم, لأنهم علـى غير الـحقّ, وأنهم مشركون.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم نـحو قولنا فـيه. ذكر من قال ذلك:
5869ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {ذَلِكَ بأنّهُمْ قالُوا لَـيْسَ عَلَـيْنا فِـي الأُمّيّـينَ سَبِـيـلٌ}... الاَية, قالت الـيهود: لـيس علـينا فـيـما أصبنا من أموال العرب سبـيـل.
حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: {لَـيْسَ عَلَـيْنَا فِـي الأُمّيّـينَ سَبِـيـلٌ} قال لـيس علـينا فـي الـمشركين سبـيـل, يعنون: من لـيس من أهل الكتاب.
5870ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {ذَلِكَ بأنّهُمْ قالُوا لَـيْسَ عَلَـيْنَا فِـي الأُمّيّـينَ سَبِـيـلٌ} قال: يقال له: ما بـالك لا تؤدّي أمانتك؟ فـيقول: لـيس علـينا حرج فـي أموال العرب, قد أحلها الله لنا.
5871ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب القمي, عن جعفر, عن سعيد بن جبـير, لـما نزلت: {وَمِنْ أهْلِ الكِتابِ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدّهِ إلَـيْكَ وَمِنْهُ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدّهِ إلَـيْكَ إلاّ ما دُمْتَ عَلَـيْهِ قائما ذَلِكَ بأنّهُمْ قالُوا لَـيْسَ عَلَـيْنا فِـي الأُمّيّـينَ سَبِـيـلٌ} قال: قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «كَذَبَ أعْدَاءُ اللّهِ ما مِنْ شَيْءٍ كانَ فِـي الـجَاهِلـيةِ إلاّ وَهُوَ تَـحْتَ قَدَمَيّ, إلاّ الأمانَةَ فإنّهَا مُؤَدّاة إلـى البَرّ والفـاجِرِ».
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا هشام بن عبـيد الله, عن يعقوب القمي, عن جعفر, عن سعيد بن جبـير, قال: لـما قالت الـيهود: {لَـيْسَ عَلَـيْنَا فِـي الأُمّيّـينَ سَبِـيـلٌ} يعنون أخذ أموالهم, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم ذكر نـحوه, إلا أنه قال: «إلاّ وَهُوَ تَـحْتَ قَدَمَيّ هَاتَـيْنِ, إلاّ الأمانَةَ فَإنّها مُؤَدّاة» ولـم يزد علـى ذلك.
5872ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: {ذَلِكَ بأنّهُمْ قالُوا لَـيْسَ عَلَـيْنَا فِـي الأُمّيّـينَ سَبِـيـلٌ} وذلك أن أهل الكتاب كانوا يقولون: لـيس علـينا جناح فـيـما أصبنا من هؤلاء, لأنهم أميون, فذلك قوله: {لَـيْسَ عَلَـيْنَا فِـي الأُمّيّـينَ سَبِـيـلٌ}... إلـى آخر الاَية.
وقال آخرون فـي ذلك ما:
5873ـ حدثنا به القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: {ذَلِكَ بأنّهُمْ قالُوا لَـيْسَ عَلَـيْنَا فِـي الأُمّيّـينَ سَبِـيـلٌ} قال: بـايع الـيهود رجال من الـمسلـمين فـي الـجاهلـية فلـما أسلـموا تقاضوهم ثمن بـيوعهم, فقالوا: لـيس لكم علـينا أمانة, ولا قضاء لكم عندنا, لأنكم تركتـم دينكم الذي كنتـم علـيه, وادّعوا أنهم وجدوا ذلك فـي كتابهم, فقال الله عزّ وجلّ: {وَيَقُولُونَ علـى اللّهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَـمُونَ}.
5874ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي إسحاق, عن صعصعة, قال: قلت لابن عبـاس: إنا نغزو أهل الكتاب, فنصيب من ثمارهم؟ قال: وتقولون كما قال أهل الكتاب: {لَـيْسَ عَلَـيْنَا فِـي الأُمّيّـينَ سَبِـيـلٌ}.
5875ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن أبـي إسحاق الهمدانـي, عن صعصعة: أن رجلاً سأل ابن عبـاس فقال: إنا نصيب فـي الغزو ـ أو العذق, الشكّ من الـحسن ـ من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة, فقال ابن عبـاس: فتقولون ماذا؟ قال نقول: لـيس علـينا بذلك بأس. قال: هذا كما قال أهل الكتاب: {لَـيْسَ عَلَـيْنَا فِـي الأُمّيّـينَ سَبِـيـلٌ} إنهم إذا أدّوا الـجزية لـم تـحلّ لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَقُولُونَ علـى اللّهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَـمُونَ}.
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: إن القائلـين منهم لـيس علـينا فـي أموال الأميـين من العرب حرج أن نـختانهم إياه, يقولون ـ بقـيـلهم: إن الله أحلّ لنا ذلك, فلا حرج علـينا فـي خيانتهم إياه, وترك قضائهم ـ الكذبَ علـى الله عامدين الإثم بقـيـل الكذب علـى الله أنه أحلّ ذلك لهم, وذلك قوله عزّ وجلّ: {وَهُمْ يَعْلَـمُونَ}. كما:
5876ـ حدثنا مـحمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فـيقول علـى الله الكذب, وهو يعلـم, يعنـي الذي يقول منهم إذا قـيـل له: ما لك لا تؤدّي أمانتك؟ لـيس علـينا حرج فـي أموال العرب, قد أحلها الله لنا.
5877ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: {وَيَقُولُونَ علـى اللّهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَـمُونَ}: يعنـي ادّعاءهم أنهم وجدوا فـي كتابهم قولهم: {لَـيْسَ عَلَـيْنَا فِـي الأُمّيّـينَ سَبِـيـلٌ}.
الآية : 76
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{بَلَىَ مَنْ أَوْفَىَ بِعَهْدِهِ وَاتّقَى فَإِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتّقِينَ }
وهذا إخبـار من الله عزّ وجلّ عمّا لـمن أدّى أمانته إلـى من ائتـمنه علـيها اتقاءَ الله ومراقبَته عنده. فقال جل ثناؤه: لـيس الأمر كما يقول هؤلاء الكاذبون علـى الله من الـيهود, من أنه لـيس علـيهم فـي أموال الأميـين حرج ولا إثم, ثم قال بلـى, ولكن من أوفـى بعهده واتقـى, يعنـي ولكن الذي أوفـى بعهده, وذلك وصيته إياهم, التـي أوصاهم بها فـي التوراة من الإيـمان بـمـحمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به. والهاء فـي قوله: {مَنْ أَوْفَـى بِعَهْدِهِ} عائدة علـى اسم الله فـي قوله: {وَيَقُولُونَ علـى اللّهِ الكَذِبَ} يقول: بلـى من أوفـى بعهد الله الذي عاهده فـي كتابه, فآمن بـمـحمد صلى الله عليه وسلم وصدّق به. بـما جاء به من الله من أداء الأمانة إلـى من ائتـمنه علـيها, وغير ذلك من أمر الله ونهيه, و{وَاتّقَـى} يقول: واتقـى ما نهاه الله عنه من الكفر به وسائر معاصيه التـي حرّمها علـيه, فـاجتنب ذلك مراقبة وعيد الله, وخوف عقابه {فإنّ اللّهَ يُحِبّ الـمُتقـينَ} يعنـي: فإن الله يحبّ الذين يتقونه فـيخافون عقابه, ويحذرون عذابه, فـيجتنبون ما نهاهم عنه, وحرّمه علـيهم, ويطيعونه فـيـما أمرهم به. وقد رُوي عن ابن عبـاس أنه كان يقول: هو اتقاء الشرك.
5878ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنا معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: {بَلَـى مَنْ أَوْفَـى بِعَهْدِهِ وَاتّقَـى} يقول: اتقـى الشرك¹ {إنّ اللّهَ يُحِبّ الـمُتّقِـينَ} يقول: الذين يتقون الشرك.
وقد بـينا اختلاف أهل التأويـل فـي ذلك والصواب من القول فـيه بـالأدلة الدالة علـيه فـيـما مضى من كتابنا بـما فـيه الكفـاية عن إعادته.
الآية : 77
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{إِنّ الّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الاَخِرَةِ وَلاَ يُكَلّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: إن الذين يستبدلون بتركهم عهد الله الذي عهد إلـيهم, ووصيته التـي أوصاهم بها فـي الكتب التـي أنزلها الله إلـى أنبـيائه بـاتبـاع مـحمد وتصديقه, والإقرار به, وما جاء به من عند الله وبأيـمانهم الكاذبة التـي يستـحلون بها ما حرّم الله علـيهم من أموال الناس التـي اؤتـمنوا علـيها ثمنا, يعنـي عوضا وبدلاً خسيسا من عرض الدنـيا وحطامها. {أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِـي الاَخِرَةِ} يقول: فإن الذين يفعلون ذلك لا حظّ لهم فـي خيرات الاَخرة, ولا نصيب لهم من نعيـم الـجنة, وما أعدّ الله لأهلها فـيها. دون غيرهم.
وقد بـينا اختلاف أهل التأويـل فـيـما مضى فـي معنى الـخلاق, ودللنا علـى أولـى أقوالهم فـي ذلك بـالصواب بـما فـيه الكفـاية.
وأما قوله: {وَلا يُكَلّـمُهُمُ اللّهُ} فإنه يعنـي: ولا يكلـمهم الله بـما يسرّهم ولا ينظر إلـيهم, يقول: ولا يعطف علـيهم بخير مقتا من الله لهم كقول القائل لاَخر: انظر إلـيّ نظر الله إلـيك, بـمعنى:تعطف علـيّ تعطف الله علـيك بخير ورحمة, وكما يقال للرجل: لا سمع الله لك دعاءك, يراد: لا استـجاب الله لك, والله لا يخفـى علـيه خافـية, وكما قال الشاعر:
دَعَوْتُ اللّهَ حتـى خِفْتُ أنْ لا
يَكُونَ اللّهُ يَسْمَعُ ما أقُولُ
وقوله {وَلا يُزَكّيهِمْ} يعنـي: ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم, {وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ} يعنـي: ولهم عذاب موجع.
واختلف أهل التأويـل فـي السبب الذي من أجله أنزلت هذه الاَية, ومن عنـي بها؟ فقال بعضهم: نزلت فـي أحبـار من أحبـار الـيهود. ذكر من قال ذلك:
5879ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة, قال: نزلت هذه الاَية: {إنّ الّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأيْـمَانِهِمْ ثَمَنا قَلِـيل} فـي أبـي رافع وكنانة بن أبـي الـحقـيق وكعب بن الأشرف وحيـي بن أخطب.
وقال آخرون: بل نزلت فـي الأشعث بن قـيس وخصم له. ذكر من قال ذلك:
5880ـ حدثنـي أبو السائب سلـم بن جنادة, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن أبـي وائل, عن عبد الله, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ عَلَـى يَـمِينٍ هُوَ فِـيها فـاجِرٌ لِـيَقْتَطِعَ بِها مالَ امْرِىءٍ مُسْلِـمٍ, لَقِـيَ اللّهَ وَهُوَ عَلَـيْهِ غَضْبـانُ» فقال الأشعث بن قـيس: فـيّ والله كان ذلك, كان بـينـي وبـين رجل من الـيهود أرض, فجحدنـي, فقدمته إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال لـي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألَكَ بَـيّنَةً»؟ قلت: لا, فقال للـيهوديّ: «احْلِفْ»! قلت: يا رسول الله إذَنْ يحلف فـيذهب مالـي, فأنزل الله عزّ وجلّ: {إنّ الّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأيْـمَانِهِمْ ثَمَنا قَلِـيل} الاَية.
5881ـ حدثنا مـجاهد بن موسى قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا جرير بن حازم عن عديّ بن عديّ, عن رجاء بن حيوة والعُرْس, أنهما حدثاه, عن أبـيه عديّ بن عميرة, قال: كان بـين امرىء القـيس ورجل من حضرموت خصومة, فـارتفعا إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال للـحضرمي: «بَـيّنَتَكَ وَإلاّ فَـيَـمِينُهُ!» قال: يا رسول الله إن حلف ذهب بأرضي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ عَلـى يَـمِينٍ كَاذِبَةٍ لـيَقْتَطِعَ بِها حَقّ أخِيهِ لَقِـيَ اللّهَ وَهُوَ عَلَـيْهِ غَضْبـانُ». فقال امرؤ القـيس: يا رسول الله, فما لـمن تركها وهو يعلـم أنها حقّ؟ قال: «الـجنّة», قال: فإنـي أشهدك أنـي قد تركتها. قال جرير: فكنت مع أيوب السختـيانـي حين سمعنا هذا الـحديث من عديّ, فقال أيوب: إنّ عديا قال فـي حديث العرس بن عميرة: فنزلت هذه الاَية: {إنّ الّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وأيْـمانَهِمْ ثَمَنا قَلِـيل}... إلـى آخر الاَية, قال جرير: ولـم أحفظ يومئذ من عديّ.
5882ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج قال: قال آخرون: إن الأشعث بن قـيس اختصم هو ورجل إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي أرض كانت فـي يده لذلك الرجل أخذها لتعزّزه فـي الـجاهلـية, فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «أقِمْ بَـيّنَتَكَ!» قال الرجل: لـيس يشهد لـي أحد علـى الأشعث. قال: «فَلَكَ يَـمِينُهُ». فقام الأشعث لـيحلف, فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الاَية, فنكل الأشعث وقال: إنـي أشهد الله وأشهدكم أن خصمي صادق. فردّ إلـيه أرضه, وزاده من أرض نفسه زيادة كثـيرة, مخافة أن يبقـى فـي يده شيء من حقه, فهي لعقب ذلك الرجل بعده.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن شقـيق, عن عبد الله, قال: من حلف علـى يـمين يستـحقّ بها مالاً هو فـيها فـاجر لقـي الله وهو علـيه غضبـان, ثم أنزل الله تصديق ذلك: {إنّ الّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وأَيْـمانِهِمْ ثَمَنا قَلِـيل} الاَية... ثم إن الأشعث بن قـيس خرج إلـينا, فقال: ما حدثكم أبو عبد الرحمن؟ فحدثناه بـما قال, فقال: صدق لفـيّ أنزلت, كانت بـينـي وبـين رجل خصومة فـي بئر, فـاختصمنا إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «شاهِدَاكَ أوْ يَـمِينُهُ!» فقلت: إذا يحلف ولا يبـالـي. فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ عَلَـى يَـمِينٍ يَسْتَـحِقّ بِها مالاً هُوَ فِـيها فـاجِرٌ لَقِـيَ اللّهَ وَهُوَ عَلَـيْهِ غَضْبـانُ», ثم أنزل الله عزّ وجلّ تصديق ذلك: «إنّ الّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وأيْـمانِهِمْ ثَمَنا قَلِـيل}... الاَية.
وقال آخرون بـما:
5883ـ حدثنا به مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: أخبرنـي داود بن أبـي هند, عن عامر: أن رجلاً أقام سلعته أوّل النهار, فلـما كان آخره جاء رجل يساومه, فحلف لقد منعها أوّل النهار من كذا وكذا, ولولا الـمساء ما بـاعها به, فأنزل الله عزّ وجلّ: {إنّ الّذِي يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأيْـمانِهِمْ ثَمَنا قَلِـيل}.
5884ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن رجل, عن مـجاهد, نـحوه.
5885ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {إنّ الّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وأيْـمانِهِمْ ثَمَنا قَلِـيل}... الاَية, إلـى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ} أنزلهم الله بـمنزلة السحرة.
5886ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أن عمران بن حصين كان يقول: من حلف علـى يـمين فـاجرة يقتطع بها مال أخيه فلـيتبوأ مقعده من النار, فقال له قائل: شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال لهم: إنكم لتـجدون ذلك, ثم قرأ هذه الاَية: {إنّ الّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وأيْـمانِهِمْ ثَمَنا قَلِـيل}... الاَية.
5887ـ حدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـي, قال: حدثنا حسين بن علـيّ, عن زائدة, عن هشام, قال: قال مـحمد عن عمران بن حصين: من حلف علـى يـمين مصبورة فلـيتبوأ بوجهه مقعده من النار, ثم قرأ هذه الاَية كلها: {إنّ الّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وأيْـمانِهِمْ ثَمَنا قَلِـيل}.
5888ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن معمر, عن الزهري, عن سعيد بن الـمسيب, قال: إن الـيـمين الفـاجرة من الكبـائر, ثم تلا: {إنّ الّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وأيْـمانِهِمْ ثَمَنا قَلِـيل}.
5889ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, أن عبد الله بن مسعود, كان يقول: كنا نرى ونـحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من الذنب الذي لا يغفر يـمين الصبر إذا فجر فـيها صاحبها