تفسير الطبري تفسير الصفحة 76 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 76
077
075
 الآية : 195
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أَنّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىَ بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ فَالّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لاُكَفّرَنّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ وَلاُدْخِلَنّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ ثَوَاباً مّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثّوَابِ }.
يعنـي تعالـى ذكره: فأجاب هؤلاء الداعين بـما وصف الله عنهم أنهم دعوا به ربهم, بأنـي لا أضيع عمل عامل منكم عمل خيرا ذكرا كان العامل أو أنثى, وذكر أنه قـيـل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بـال الرجال يذكرون ولا تذكر النساء فـي الهجرة؟ فأنزل الله تبـارك وتعالـى فـي ذلك هذه الاَية.
6789ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد, قال: قالت أم سلـمة: يا رسول الله, تذكر الرجال فـي الهجرة ولا نذكر؟ فنزلت: {أنـي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى}... الاَية.
6790ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن عمرو بن دينار, قال: سمعت رجلاً من ولد أم سلـمة زوج النبـي صلى الله عليه وسلم, يقول: قالت أم سلـمة: يا رسول الله لا أسمع الله يذكر النساء فـي الهجرة بشيء! فأنزل الله تبـارك وتعالـى: {فـاسْتَـجابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أنـي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى}.
6791ـ حدثنا الربـيع بن سلـيـمان, قال: حدثنا أسد بن موسى, قال: حدثنا سفـيان, عن عمرو بن دينار, عن رجل من ولد أم سلـمة, عن أم سلـمة أنها قالت: يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء فـي الهجرة بشيء! فأنزل الله تعالـى: {فـاسْتَـجابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أنـي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}.
وقـيـل: فـاستـجاب لهم, بـمعنى: فأجابهم, كما قال الشاعر:
وَدَاعٍ دَعا يا مَنْ يُجِيبُ إلـى النّدَىفَلَـمْ يَسْتَـجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُـجِيبُ
بـمعنى: فلـم يجبه عند ذاك مـجيب.
وأدخـلت «من» فـي قوله: {مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى} علـى الترجمة والتفسير عن قوله «منكم», بـمعنى: لا أضيع عمل عامل منكم من الذكور والإناث ولـيست «من» هذه بـالتـي يجوز إسقاطها وحذفها من الكلام فـي الـجحد, لأنها دخـلت بـمعنى لا يصلـح الكلام إلا به. وزعم بعض نـحويـي البصرة أنها دخـلت فـي هذا الـموضع, كما تدخـل فـي قولهم: «قد كان من حديث» قال: «ومن» ههنا أحسن, لأن النهي قد دخـل فـي قوله: لا أضيع. وأنكر ذلك بعض نـحويـي الكوفة وقال: لا تدخـل «من» وتـخرج إلا فـي موضع الـجحد¹ وقال: قوله: {لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ} لـم يدركه الـجحد, لأنك لا تقول: لا أضرب غلام رجل فـي الدار ولا فـي البـيت فـيدخـل, ولا لأنه لـم ينله الـجحد, ولكن «مِنْ» مفسرة.
وأما قوله: {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} فإنه يعنـي: بعضكم أيها الـمؤمنون الذين يذكرون الله قـياما وقعودا وعلـى جنوبهم, مِنْ بعض, فـي النصرة والـمسألة والدين, وحكم جميعكم فـيـما أنا بكم فـاعل علـى حكم أحدكم فـي أنـي لا أضيع عمل ذكر منكم ولا أنثى.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فـالّذِينَ هاجَرُوا وأُخْرِجوا مِنْ دِيارِهِمْ وأُوذُوا فِـي سَبِـيـلـي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا ولأُكَفّرَنّ عَنْهُمْ سَيّئاتِهِمْ وَلأُدْخِـلَنّهُمْ جَنّاتٍ تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِها الأنهَارُ ثَوَابـا مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَاللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثّوَابِ}.
يعنـي بقوله جل ثناؤه: فـالذين هاجروا قومهم من أهل الكفر وعشيرتهم فـي الله, إلـى إخوانهم من أهل الإيـمان بـالله, والتصديق برسوله, وأخرجوا من ديارهم, وهم الـمهاجرون الذين أخرجهم مشركو قريش من ديارهم بـمكة, وأوذوا فـي سبـيـلـي, يعنـي: وأوذوا فـي طاعتهم ربهم, وعبـادتهم إياه, مخـلصين له الدين, وذلك هو سبـيـل الله التـي آذى فـيها الـمشركون من أهل مكة الـمؤمنـين برسول الله صلى الله عليه وسلم من أهلها¹ وقتلوا, يعنـي: وقتلوا فـي سبـيـل الله وقاتلوا فـيها, لأكفرن عنهم سيئاتهم, يعنـي: لأمـحونها عنهم, ولأتفضلن علـيهم بعفوي ورحمتـي, ولأغفرنها لهم, ولأدخـلنهم جنات تـجري من تـحتها الأنهار, ثوابها, يعنـي: جزاء لهم علـى ما عملوا وأبلوا فـي الله وفـي سبـيـله¹ من عند الله: يعنـي: من قِبَل الله لهم¹ والله عنده حسن الثواب, يعنـي: أن الله عنده من جزاء أعمالهم جميع صنوفه, وذلك ما لا يبلغه وصف واصف, لأنه مـما لا عين رأت ولا أذن سمعت, ولا خطر علـى قلب بشر. كما:
6792ـ حدثنا عبد الرحمن بن وهب, قال: حدثنا عمي عبد الله بن وهب, قال: ثنـي عمرو بن الـحارث: أن أبـا عشانة الـمعافري, حدثه أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم, يقول: «إن أول ثلة تدخـل الـجنة لفقراء الـمهاجرين, الذين تتقـى بهم الـمكاره, إذا أمروا سمعوا وأطاعوا وإن كانت لرجل منهم حاجة إلـى السلطان لـم تقض حتـى يـموت وهي فـي صدره, وإن الله يدعو يوم القـيامة الـجنة, فتأتـي بزخرفها وزينتها, فـيقول: أين عبـادي الذين قاتلوا فـي سبـيـلـي وقتلوا, وأوذوا فـي سبـيـلـي, وجاهدوا فـي سبـيـلـي, ادخـلوا الـجنة, فـيدخـلونها بغير عذاب, ولا حساب, وتأتـي الـملائكة فـيسجدون ويقولون: ربنا نـحن نسبح لك اللـيـل والنهار, ونقدّس لك من هؤلاء الذين آثرتهم علـينا, فـيقول الرب جل ثناؤه: هؤلاء عبـادي الذين قاتلوا فـي سبـيـلـي, وأوذوا فـي سبـيـلـي, فتدخـل الـملائكة علـيهم من كل بـاب: {سَلامٌ عَلَـيْكُمْ بـما صَبَرْتُـمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ}».
واختلفت القراء فـي قراءة قوله: {وَقاتَلُوا وَقُتِلُو} فقرأه بعضهم: «وَقَتَلُوا وَقُتِلُوا» بـالتـخفـيف, بـمعنى أنهم قتلوا من قتلوا من الـمشركين وقرأ ذلك آخرون: «وَقاتَلُوا وَقُتّلُوا» بتشديد قتّلوا, بـمعنى: أنهم قاتلوا الـمشركين, وقتلهم الـمشركون بعضا بعد بعض وقتلاً بعد قتل. وقرأ ذلك عامة قراء الـمدينة وبعض الكوفـيـين: «وَقاتَلُوا وَقَتَلُوا» بـالتـخفـيف, بـمعنى أنهم قاتلوا الـمشركين وقتلوا. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفـيـين: {وَقُتِلُو} بـالتـخفـيف {وَقاتَلُو} بـمعنى: أن بعضهم قُتل, وقاتل من بقـي منهم.
والقراءة التـي لا أستـجيز أن أعدوها إحدى هاتـين القراءتـين, وهي: «وَقاتَلُوا وقَتَلُوا» بـالتـخفـيف, أو {وقُتِلُو} بـالتـخفـيف {وَقاتَلُو} لأنها القراءة الـمنقولة نقل وراثة, وما عداهما فشاذ. وبأي هاتـين القراءتـين التـي ذكرت أنـي لا أستـجيز أن أعدوهما قرأ قارىء فمصيب فـي ذلك الصواب من القراءة, لاستفـاضة القراءة بكل واحدة منهما فـي قراء الإسلام مع اتفـاق معنـيـيهما.
الآية : 196-197
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لاَ يَغُرّنّكَ تَقَلّبُ الّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمّ مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }.
يعنـي بذلك جل ثناؤه: ولا يغرنك يا مـحمد تقلب الذين كفروا فـي البلاد, يعنـي: تصرفهم فـي الأرض وضربهم فـيها. كما:
6793ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: {لا يَغُرّنّكَ تَقَلّبُ الّذِينَ كَفَرُوا فِـي البِلادَ} يقول: ضربهم فـي البلاد.
فنهى الله تعالـى ذكره نبـيه صلى الله عليه وسلم عن الاغترار بضربهم فـي البِلاد, وإمهال الله إياهم مع شركهم وجحودهم نعمه, وعبـادتهم غيره. وخرج الـخطاب بذلك للنبـي صلى الله عليه وسلم, والـمعنـيّ به غيره من أتبـاعه وأصحابه, كما قد بـينا فـيـما مضى قبل من أمر الله, ولكن كان بأمر الله صادعا, وإلـى الـحق داعيا.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال قتادة.
6794ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {لا يَغُرّنّكَ تَقَلّبُ الّذِينَ كَفَرُوا فِـي البِلادَ} والله ما غروا نبـي الله, ولا وكل إلـيهم شيئا من أمر الله, حتـى قبضه الله علـى ذلك.
وأما قوله: {مَتاعٌ قَلِـيـلٌ} فإنه يعنـي: أن تقلبهم فـي البلاد وتصرفهم فـيها متعة يـمتعون بها قلـيلاً, حتـى يبلغوا آجالهم, فتـخترمهم منـياتهم, ثم مأواهم جهنـم بعد مـماتهم, والـمأوى: الـمصير الذي يأوون إلـيه يوم القـيامة, فـيصيرون فـيه. ويعنـي بقوله: {وَبِئْسَ الـمِهادُ} وبئس الفراش والـمضجع جهنـم.
الآية : 198
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَكِنِ الّذِينَ اتّقَوْاْ رَبّهُمْ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاٍ مّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لّلأبْرَارِ }.
يعنـي بذلك جل ثناؤه: {لَكِنِ الّذِينَ اتّقَوْا رَبّهُمْ}: لكن الذين اتقوا الله بطاعته, واتبـاع مرضاته, فـي العمل بـما أمرهم به, واجتناب ما نهاههم عنه. {لَهُمْ جَنّاتٌ} يعنـي: بساتـين, {تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِها الأنهَارُ خالِدِينَ فِـيه} يقول: بـاقـين فـيها أبدا, {نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللّهِ} يعنـي: إنزالاً من الله إياهم فـيها أنزلهموها¹ ونصب «نُزُلاً» علـى التفسير, من قوله: لهم جنات تـجري من تـحتها الأنهار, كما يقال: لك عند الله جّنات تـجري من تـحتها الأنهار ثوابـا, وكما يقال: هو لك صدقة, وهو لك هبة. وقوله: {مِنْ عِنْدِ اللّهِ} يعنـي: من قبل الله, ومن كرامة الله إياهم, وعطاياه لهم. وقوله: {وَما عِنْدَ اللّهِ خيْر للأَبْرَارِ} يقول: وما عند الله من الـحياة والكرامة, وحسن الـمآب خير للأبرار, مـما يتقلب فـيه الذين كفروا فإن الذي يتقلبون فـيه زائل فـان, وهو قلـيـل من الـمتاع خسيس, وما عند الله خير من كرامته للأبرار, وهم أهل طاعته, بـاق غير فـانٍ ولا زائل.
6795ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سمعت ابن زيد يقول فـي قوله: {وَما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ للأَبْرَارِ} قال: لـمن يطيع الله.
6796ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن الأعمش, عن خيثمة عن الأسود, عن عبد الله, قال: ما من نفس برّة ولا فـاجرة إلا والـموت خير لها. ثم قرأ عبد الله: {وَما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ للأَبْرَارِ} وقرأ هذه الاَية: {وَلا يَحْسَبنّ الّذِينَ كَفَرُوا أنّـمَا نُـمْلِـي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسَهِمْ}.
6797ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن فرج بن فضالة, عن لقمان, عن أبـي الدرداء أنه كان يقول: ما من مؤمن إلا والـموت خير له, وما من كافر إلا والـموت خير له. ومن لـم يصدقنـي, فإن الله يقول: {وَما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ للأَبْرَارِ} ويقول: {وَلا يَحْسَبنّ الّذِينَ كَفَرُوا أنّـمَا نُـمْلِـي لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ إنّـمَا نُـمْلِـي لَهُمْ لِـيَزْدَادُوا إثْم}.
الآية : 199
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ للّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }.
اختلف أهل التأويـل فـيـمن عنى بهذه الاَية, فقال بعضهم: عنى بها أصحمة النـجاشي, وفـيه أنزلت. ذكر من قال ذلك:
6798ـ حدثنا عصام بن زياد بن رواد بن الـجراح, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا أبو بكر الهذلـي, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب, عن جابر بن عبد الله: أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: «اخْرُجُوا فَصَلّوا علـى أخٍ لَكُمْ!» فصلـى بنا, فكبر أربع تكبـيرات, فقال: «هَذَا النّـجاشِي أصَحمةُ», فقال الـمنافقون: انظروا هذا يصلـي علـى علـج نصرانـي لـم يره قط! فأنزل الله: {وَإنّ مِنْ أهْلِ الكِتابِ لَـمَنْ يُوْمِنُ بـاللّهِ}.
6799ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: حدثنا أبـي, عن قتادة: أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ أخاكُمْ النّـجاشِيّ قَدْ ماتَ فَصَلّوا عَلَـيّهِ!» قالوا: نصلـي علـى رجل لـيس بـمسلـم؟ قال: فنزلت: {وَإنّ مِنْ أهْلِ الكِتابِ لَـمَنْ يُؤْمِنُ بـاللّهِ وَما أُنْزِلَ إلَـيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إلَـيْهِمْ خاشِعِينَ للّهِ} قال قتادة: فقالوا: فإنه كان لا يصلـي إلـى القبلة. فأنزل الله: {ولِلّهِ الـمَشْرِقُ وَالـمَغْرِبُ فَأيْنَـما تُوَلّوا فَثَمّ وَجْهُ اللّهِ}.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {وَإنّ مِنْ أهْلِ الكِتابِ لَـمَنْ يُؤْمِنُ بـاللّهِ وَما أنْزِلَ إلَـيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إلَـيْهِمْ} ذكر لنا أن هذه الاَية نزلت فـي النـجاشي وفـي ناس من أصحابه آمنوا بنبـي الله صلى الله عليه وسلم, وصدقوا به. قال: وذكر لنا أن نبـي الله صلى الله عليه وسلم استغفر للنـجاشي, وصلـى علـيه حين بلغه موته, قال لأصحابه: «صَلّوا علـى أخٍ لَكُمْ قَدْ ماتَ بِغَيْرِ بِلادِكُمْ!» فقال أناس من أهل النفـاق: يصلـي علـى رجل مات لـيس من أهل دينه! فأنزل الله هذه الاَية: {وَإنّ مِنْ أهْلِ الكِتابِ لَـمَنْ يُؤْمِنُ بـاللّهِ وَما أنْزِلَ إلَـيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إلَـيْهِمْ خاشِعِينَ لِلّهِ لا يَشْتَرُونَ بآياتِ اللّهِ ثَمَنا قَلِـيلاً أُولَئِكَ لَهُمْ أجْرُهُمْ عِنْدَ رَبّهِمْ إنّ اللّهَ سَرِيعُ الـحِسابِ}.
حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: {وَإنّ مِنْ أهْلِ الكِتابِ لَـمَنْ يُؤْمِنُ بـاللّهِ وَما أنْزِلَ إلَـيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إلَـيْهِمْ} قال: نزلت فـي النـجاشي وأصحابه مـمن آمن بـالنبـي صلى الله عليه وسلم, واسم النـجاشي أصحمة.
6800ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: قال عبد الرزاق, وقال ابن عيـينة: اسم النـجاشي بـالعربـية عطية.
6801ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, قال: لـما صلـى النبـي صلى الله عليه وسلم علـى النـجاشي, طعن فـي ذلك الـمنافقون, فنزلت هذه الاَية: {وَإنّ مِنْ أهْلِ الكِتابِ لَـمَنْ يُؤْمِنُ بـاللّهِ}... إلا آخر الاَية.
وقال آخرون: بل عنى بذلك عبد الله بن سلام ومن معه. ذكر من قال ذلك:
6802ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: نزلت ـ يعنـي هذه الاَية ـ فـي عبد الله بن سلام ومن معه.
6803ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي ابن زيد فـي قوله: {وَإنّ مِنْ أهْلِ الكِتابِ لَـمَنْ يُؤْمِنُ بـاللّهِ وَما أنْزِلَ إلَـيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إلَـيْهِمْ}... الاَية كلها, قال: هؤلاء يهود.
وقال آخرون: بل عنى بذلك: مسلـمة أهل الكتاب. ذكر من قال ذلك:
6804ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: {وَإنّ مِنْ أهْلِ الكِتابِ لَـمَنْ يُؤْمِنُ بـاللّهِ وَما أنْزِلَ إلَـيْكُمْ} من الـيهود والنصارى, وهم مسلـمة أهل الكتاب.
وأولـى هذه الأقوال بتأويـل الاَية ما قاله مـجاهد, وذلك أن الله جلّ ثناؤه عمّ بقوله: {وَإنّ مِنْ أهْلِ الكِتابِ} أهل الكتاب جميعا, فلـم يخصص منهم النصارى دون الـيهود, ولا الـيهود دون النصارى, وإنـما أخبر أن من أهل الكتاب من يؤمن بـالله, وكلا الفريقـين, أعنـي الـيهود والنصارى, من أهل الكتاب.
فإن قال قائل: فما أنت قائل فـي الـخبر الذي رويت عن جابر وغيره أنها نزلت فـي النـجاشي وأصحابه؟ قـيـل: ذلك خبر فـي إسناده نظر, ولو كان صحيحا لا شكّ فـيه لـم يكن لـما قلنا فـي معنى الاَية بخلاف, وذلك أن جابرا ومن قال بقوله إنـما قالوا: نزلت فـي النـجاشي, وقد تنزل الاَية فـي الشيء ثم يعمّ بها كلّ من كان فـي معناه. فـالاَية وإن كانت نزلت فـي النـجاشي, فإن الله تبـارك وتعالـى قد جعل الـحكم الذي حكم به للنـجاشي حكما لـجميع عبـاده الذين هم بصفة النـجاشي فـي اتبـاعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والتصديق بـما جاءهم به من عند الله, بعد الذي كانوا علـيه قبل ذلك من اتبـاع أمر الله فـيـما أمر به عبـاده فـي الكتابـين: التوراة والإنـجيـل. فإذ كان ذلك كذلك, فتأويـل الاَية: وإن من أهل الكتاب التوراة والإنـجيـل لـمن يؤمن بـالله, فـيقرّ بوحدانـيته, وما أنزل إلـيكم أيها الـمؤمنون, يقول: وما أنزل إلـيكم من كتابه ووحيه, علـى لسان رسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم, وما أنزل إلـيهم, يعنـي: وما أنزل علـى أهل الكتاب من الكتب, وذلك التوراة والإنـجيـل والزبور, خاشعين لله, يعنـي: خاضعين لله بـالطاعة, مستكينـين له بها متذللـين. كما:
6805ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي ابن زيد فـي قوله: {خاشِعِينَ لِلّهِ} قال: الـخاشع: الـمتذلل لله الـخائف.
ونصب قوله: {خاشِعِينَ لِلّهِ} علـى الـحال من قوله: {لَـمَنْ يُؤمِنُ بـاللّهِ} وهو حال مّـما فـي «يؤمن» من ذكر «من».
{لا يَشْتَرُونَ بآيَاتِ اللّهِ ثَمَنا قَلِـيل} يقول: لا يحرّفون ما أنزل إلـيهم فـي كتبه من نعت مـحمد صلى الله عليه وسلم فـيبدلونه, ولا غير ذلك من أحكامه وحججه فـيه, لعرض من الدنـيا خسيس, يعطونه علـى ذلك التبديـل, وابتغاء الرياسة علـى الـجهال, ولكن ينقادون للـحقّ, فـيعملون بـما أمرهم الله به, فـيـما أنزل إلـيهم من كتبه, وينتهون عما نهاهم عنه فـيها, ويؤثرون أمر الله تعالـى علـى هوى أنفسهم.
القول فـي تأويـل قوله: {أُولَئِكَ لَهُمْ أجْرُهُمْ عِنْدَ رَبّهِمْ إنّ اللّهَ سَرِيعُ الـحِسابِ}.
يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: {أولَئِكَ لَهُمْ أجْرُهُمْ}: هؤلاء الذين يؤمنون بـالله, وما أنزل إلـيكم, وما أنزل إلـيهم, لهم أجرهم عند ربهم¹ يعنـي: لهم عوض أعمالهم التـي عملوها, وثواب طاعتهم ربهم فـيـما أطاعوه فـيه عند ربهم, يعنـي: مذخور ذلك لهم لديه, حتـى يصيروا إلـيه فـي القـيامة, فـيوفـيهم ذلك {إنّ اللّهَ سريعُ الـحسابِ} وسرعة حسابه تعالـى ذكره, أنه لا يخفـى علـيه شيء من أعمالهم قبل أن يعملوها, وبعد ما عملوها, فلا حاجة به إلـى إحصاء عدد ذلك, فـيقع فـي الإحصاء إبطاء, فلذلك قال: {إنّ اللّهَ سَرِيعُ الـحِسابِ}.
الآية : 200
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتّقُواْ اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ }.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: اصبروا علـى دينكم, وصابروا الكفـار ورابطوهم. ذكر من قال ذلك:
6806ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن الـمبـارك بن فضالة, عن الـحسن أنه سمعه يقول فـي قول الله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُو} قال: أمرهم أن يصبروا علـى دينهم, ولا يدعوه لشدّة ولا رخاء, ولا سرّاء ولا ضرّاء, وأمرهم أن يصابروا الكفـار, وأن يرابطوا الـمشركين.
6807ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُو}: أي اصبروا علـى طاعة الله, وصابروا أهل الضلالة, ورابطوا فـي سبـيـل الله, {وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكمْ تُفْلِـحُونَ}.
حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُو} يقول: صابروا الـمشركين, ورابطوا فـي سبـيـل الله.
6808ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج: {اصْبِرُو} علـى الطاعة, {وَصَابِرُو} أعداء الله, {وَرَابِطُو} فـي سبـيـل الله.
6809ـ حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك فـي قوله: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُو} قال: اصبروا علـى ما أمرتـم به, وصابروا العدوّ ورابطوهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: اصبروا علـى دينكم, وصابروا وعدي إياكم علـى طاعتكم لـي, ورابطوا أعداءكم. ذكر من قال ذلك:
6810ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي أبو صخر, عن مـحمد بن كعب القرظي, أنه كان يقول فـي هذه الاَية: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُو} يقول: اصبروا علـى دينكم, وصابروا الوعد الذي وعدتكم, ورابطوا عدوّي وعدوّكم, حتـى يترك دينه لدينكم.
وقال آخرون: معنى ذلك: اصبروا علـى الـجهاد, وصابروا عدوّكم ورابطوهم. ذكر من قال ذلك:
6811ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا جعفر بن عون, قال: أخبرنا هشام بن سعد, عن زيد بن أسلـم فـي قوله: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُو} قال: اصبروا علـى الـجهاد, وصابروا عدوّكم, ورابطوا علـى عدوّكم.
6812ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا مطرف بن عبد الله الـمرّي, قال: حدثنا مالك بن أنس, عن زيد بن أسلـم, قال: كتب أبو عبـيدة بن الـجراح إلـى عمر بن الـخطاب, فذكر له جموعا من الروم وما يتـخوّف منهم, فكتب إلـيه عمر: أما بعد, فإنه مهما نزل بعبد مؤمن منزلة شدة يجعل الله بعدها فرجا, وإنه لن يغلب عسر يسرين, وإن الله يقول فـي كتابه: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ}.
وقال آخرون: معنى: {وَرَابِطُو}: أي رابطوا علـى الصلوات: أي انتظروها واحدة بعد واحدة. ذكر من قال ذلك:
6813ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبـير, قال: ثنـي داود بن صالـح, قال: قال لـي أبو سلـمة بن عبد الرحمن: يا ابن أخي هل تدري فـي أيّ شيء نزلت هذه الاَية {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُو}؟ قال: قلت لا. قال: إنه يا ابن أخي لـم يكن فـي زمان النبـيّ صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فـيه, ولكنه انتظار الصلاة خـلف الصلاة.
6814ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن عبد الله بن سعيد الـمقبري, عن جدّه, عن شرحبـيـل عن علـيّ, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدُلّكُمْ علـى ما يُكَفّرُ اللّهُ بِهِ الذّنُوبَ والـخَطايا؟ إسْبـاغُ الوُضُوءِ علـى الـمَكارِهِ, وانْتِظارُ الصّلاةِ بَعْدَ الصّلاةِ, فَذَلِكَ الرّبـاطُ».
6815ـ حدثنا موسى بن سهل الرملـي, قال: حدثنا يحيـى بن واضح, قال: حدثنا مـحمد بن مهاجر, قال: ثنـي يحيـى بن زيد, عن زيد بن أبـي أنـيسة, عن شرحبـيـل, عن جابر بن عبد الله, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدُلكُمْ علـى ما يَـمْـحُو اللّهَ بِهِ الـخطايا ويُكَفّرُ بِهِ الذّنُوبَ؟» قال: قلنا بلـى يا رسول الله! قال: «إسْبـاغُ الوضُوءِ فِـي أماكِنِها, وكَثْرَةُ الـخَطا إلـى الـمَساجِدِ, وَانْتِظارُ الصّلاةِ بَعْدَ الصّلاةِ, فَذَلِكُمُ الرّبـاطُ».
6816ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا خالد بن مخـلد, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, عن العلاء بن عبد الرحمن, عن أبـيه, عن أبـي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدُلّكُمْ علـى ما يَحُطّ اللّهُ بِهِ الـخَطايا وَيَرْفَعُ بِهِ الدّرَجاتِ؟» قالوا: بلـى يا رسول الله. قال: «إسْبـاغُ الُوضُوءِ عِنْدَ الـمَكارِهِ, وكَثْرَةُ الـخُطا إلـى الـمَساجِدِ, وَانْتِظارُ الصّلاةِ بَعْدَ الصّلاةِ, فَذَلِكُمُ الرّبـاطُ فَذَلِكُمُ الرّبـاطُ».
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا إسماعيـل بن جعفر, عن العلاء بن عبد الرحمن, عن أبـيه, عن أبـي هريرة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, بنـحوه.
وأولـى التأويلات بتأويـل الاَية, قول من قال فـي ذلك: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُو}: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله, اصبروا علـى دينكم, وطاعة ربكم, وذلك أن الله لـم يخصص من معانـي الصبر علـى الدين والطاعة شيئا فـيجوز إخراجه من ظاهر التنزيـل. فلذلك قلنا إنه عنى بقوله: {اصْبِرُو} الأمر بـالصبر علـى جميع معانـي طاعة الله فـيـما أمر ونهى, صعبها وشديدها, وسهلها وخفـيفها. {وَصَابِرُو} يعنـي: وصابروا أعداءكم من الـمشركين.
وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب, لأن الـمعروف من كلام العرب فـي الـمفـاعلة, أن تكون من فريقـين, أو اثنـين فصاعدا, ولا تكون من واحد إلا قلـيلاً فـي أحرف معدودة, وإذ كان ذلك كذلك, فإنـما أمر الـمؤمنون أن يصابروا غيرهم من أعدائهم, حتـى يظفرهم الله بهم, ويعلـي كلـمته, ويخزي أعداءهم, وأن لا يكن عدوّهم أصبر منهم. وكذلك قوله {وَرَابِطُو} معناه: ورابطوا أعداءكم وأعداء دينكم من أهل الشرك فـي سبـيـل الله. وأرى أنّ أصل الربـاط: ارتبـاط الـخيـل للعدوّ, كما ارتبط عدوّهم لهم خيـلهم, ثم استعمل ذلك فـي كل مقـيـم فـي ثغر, يدفع عمن وراءه من أراده من أعدائهم بسوء, ويحمي عنهم من بـينه وبـينهم, مـمن بغاهم بشرّ كان ذا خيـل قد ارتبطها, أو ذا رُجْلة لا مركب له.
وإنـما قلنا: معنى {وَرَابِطُو}: ورابطوا أعداءكم وأعداء دينكم, لأن ذلك هو الـمعنى الـمعروف من معانـي الربـاط. وإنـما توجه الكلام إلـى الأغلب الـمعروف فـي استعمال الناس من معانـيه دون الـخفـيّ, حتـى يأتـي بخلاف ذلك ما يوجب صرفه إلـى الـخفـيّ من معانـيه حجةٌ يجب التسلـيـم لها من كتاب أو خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم, أو إجماع من أهل التأويـل.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ}.
يعنـي بذلك تعالـى ذكره: واتقوا الله أيها الـمؤمنون, واحذروه أن تـخالفوا أمره, أو تتقدّموا نهيه, {لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ} يقول: لتفلـحوا فتبقوا فـي نعيـم الأبد, وتنـجحوا فـي طلبـاتكم عنده. كما:
6817ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي أبو صخر, عن مـحمد بن كعب القرظي أنه كان يقول فـي قوله: {وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ}: واتقوا الله فـيـما بـينـي وبـينكم لعلكم تفلـحون غدا إذا لقـيتـمونـي.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة آل عمران