تفسير الطبري تفسير الصفحة 81 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 81
082
080
 الآية : 20
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنْ أَرَدْتّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مّبِيناً }.
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: {وَإنْ أرَدْتُـمْ اسْتِبْدَالَ زوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ} وإن أردتـم أيها الـمؤمنون نكاح امرأة مكان امرأة لكم تطلقونها {وآتَـيْتـمْ إحْدَاهنّ} يقول: وقد أعطيتـم التـي تريدون طلاقها من الـمهر قنطارا, والقنطار: الـمال الكثـير. وقد ذكرنا فـيـما مضى اختلاف أهل التأويـل فـي مبلغه والصواب من القول فـي ذلك عندنا. {فلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئ} يقول: فلا تضرّوا بهنّ إذا أردتـم طلاقهنّ لـيفتدين منكم بـما آتـيتـموهن. كما:
7206ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: {وَإنْ أرَدْتُـمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ}: طلاق امرأة مكان أخرى, فلا يحلّ له من مال الـمطلقة شيء وإن كثر.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أتأْخُذُونَهُ بُهْتانا وإثْما مبِـين}.
يعنـي بقوله تعالـى: {أتأْخُذُونَهُ}: أتأخذون ما آتـيتـموهنّ من مهورهنّ, {بُهْتان} يقول: ظلـما بغير حقّ, {وإثْما مُبِـين} يعنـي: وإثما قد أبـان أمر آخذه أنه بأخذه إياه لـمن أخذه منه ظالـم.
الآية : 21
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىَ بَعْضُكُمْ إِلَىَ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مّيثَاقاً غَلِيظاً }.
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: {وكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ}: وعلـى أيّ وجه تأخذون من نسائكم ما آتـيتـموهنّ من صدقاتهنّ إذا أردتـم طلاقهنّ واستبدال غيرهنّ بهنّ أزواجا, وقد أفضى بعضكم إلـى بعضكم فتبـاشرتـم وتلامستـم. وهذا كلام وإن كان مخرجه مخرج الاستفهام فإنه فـي معنى النكير والتغلـيظ, كما يقول الرجل لاَخر: كيف تفعل كذا وكذا وأنا غير راض به؟ علـى معنى التهديد والوعيد. وأما الإفضاء إلـى الشيء فإنه الوصول إلـيه بـالـمبـاشرة له, كما قال الشاعر:
بِلـىً... أفْضَى إلـى كُتْبِةٍ
بَدَا سيرُها مِنْ بـاطِنٍ بَعْدَ ظاهِرِ
يعنـي بذلك: أن الفساد والبلـى وصل إلـى الـخُرَز. والذي عُنـي به الإفضاء فـي هذا الـموضع: الـجماع فـي الفرج.
فتأويـل الكلام إذ كان ذلك معناه: وكيف تأخذون ما آتـيتـموهنّ وقد أفضى بعضكم إلـى بعض بـالـجماع؟.
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
7207ـ حدثنـي عبد الـحميد بن بـيان القناد, قال: حدثنا إسحاق, عن سفـيان, عن عاصم, عن بكر بن عبد الله, عن ابن عبـاس, قال: الإفضاء: الـمبـاشرة, ولكن الله كريـم يكنـي عما يشاء.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفـيان, عن عاصم, عن بكر, عن ابن عبـاس قال: الإفضاء: الـجماع, ولكن اللّهِ يكنـي.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عاصم بن بكر بن عبد الله الـمزنـي, عن ابن عبـاس, قال: الإفضاء: هو الـجماع.
7208ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: {وَقَدْ أفْضَى بَعْضُكُمْ إلـى بَعْضٍ} قال: مـجامعة النساء.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
7209ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أفْضَى بَعْضُكمْ إلـى بَعْضٍ} يعنـي: الـمـجامعة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظ}.
أما ما وثقت به لهنّ علـى أنفسكم من عهد, وإقرار منكم بـما أقررتـم به علـى أنفسكم, من إمساكهنّ بـمعروف, أو تسريحهنّ بإحسان, وكان فـي عقد الـمسلـمين النكاح قديـما, فـيـما بلغنا أن يقال للناكح: آلله علـيك لتـمسكنّ بـمعروف أو لتسرحنّ بإحسان.
7210ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظ} والـميثاق الغلـيظ الذي أخذه للنساء علـى الرجال: إمساك بـمعروف أو تسريح بإحسان. وقد كان فـي عهد الـمسلـمين عند إنكاحهم: آللّهِ علـيك لتـمسكنّ بـمعروف أو لتسرحنّ بإحسان.
واختلف أهل التأويـل فـي الـميثاق الذي عنى الله جلّ ثناؤه بقوله: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظ}. فقال بعضهم: هو إمساك بـمعروف, أو تسريح بإحسان. ذكر من قال ذلك:
7211ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك فـي قوله: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظ} قال: إمساك بـمعروف, أو تسريح بإحسان.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: حدثنا هشيـم, عن جويبر, عن الضحاك, مثله.
7212ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قوله: {وأخَذْن مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظ} قال: هو ما أخذ الله تبـارك وتعالـى للنساء علـى الرجال, فإمساك بـمعروف أو تسريح بإحسان. قال: وقد كان ذلك يؤخذ عند عقد النكاح.
7213ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: أما {وأخَذْنَ مِنْكُمْ ميثاقا غَلِـيظ} فهو أن ينكح الـمرأة فـيقول ولـيها: أنكحناكها بأمانة الله, علـى أن تـمسكها بـالـمعروف أو تسرّحها بإحسان.
حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فـي قوله: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظ} قال: الـميثاق الغلـيظ الذي أخذه الله للنساء: إمساك بـمعروف أو تسريح بإحسان, وكان فـي عقدة الـمسلـمين عند نكاحهنّ: ايـم الله علـيك لتـمسكنّ بـمعروف, ولتسرحنّ بإحسان.
7214ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا أبو قتـيبة, قال: حدثنا أبو بكر الهذلـي, عن الـحسن, ومـحمد بن سيرين فـي قوله: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظ} قال: إمساك بـمعروف. أو تسريح بإحسان.
وقال آخرون: هو كلـمة النكاح التـي استـحلّ بها الفرج. ذكر من قال ذلك:
7215ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظ} قال: كلـمة النكاح التـي استـحلّ بها فروجهنّ.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا يحيـى بن سعيد, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي هاشم الـمكي, عن مـجاهد فـي قوله: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظ} قال: قوله نكحت.
7216ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, قال: حدثنا عنبسة, عن مـحمد بن كعب القرضي: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظ} قال: هو قولهم: قد ملكت النكاح.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن سالـم الأفطس, عن مـجاهد: {وَأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظ} قال: كلـمة النكاح.
7217ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ققال ابن زيد فـي قوله: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظ} قال: الـميثاق: النكاح.
حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا يحيـى بن سعيد, قال: حدثنا سفـيان, قال: ثنـي سالـم الأفطس, عن مـجاهد: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظ} قال: كلـمة النكاح قوله نكحت.
وقال آخرون: بل عنى قول النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «أخَذْتُـمُوهُنّ بأمانَةِ اللّهِ, واسْتَـحْلَلْتُـمْ فُرُوجَهُنّ بِكَلِـمَةِ اللّهِ». ذكر من قال ذلك:
7218ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن جابر وعكرمة: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظ} قالا: أخذتـموهنّ بأمانة الله, واستـحللتـم فروجهنّ بكلـمة الله.
7219ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظ} والـميثاق الغلـيظ: أخذتـموهنّ بأمانة الله, واستـحللتـم فروجهنّ بكلـمة الله.
قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال بتأويـل ذلك قول من قال: الـميثاق الذي عنـي به فـي هذه الاَية, هو ما أخذ للـمرأة علـى زوجها عند عقدة النكاح, من عهد علـى إمساكها بـمعروف, أو تسريحها بإحسان, فأقرّ به الرجل, لأن الله جلّ ثناؤه بذلك أوصى الرجال فـي نساءهم وقد بـينا معنى الـميثاق فـيـما مضى قبل بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
واختلف فـي حكم هذه الاَية, أمـحكم أم منسوخ؟ فقال بعضهم: مـحكم, وغير جائز للرجل أخذ شيء مـما آتاها إذا أراد طلاقها, إلا أن تكون هي الـمريدة الطلاق.
وقال آخرون: هي مـحكمة, غير جائز له أخذ شيء مـما آتاها منها بحال, كانت هي الـمريدة للطلاق أو هو. ومـمن حكي عنه هذا القول بكر بن عبد الله بن الـمزنـي.
7220ـ حدثنا مـجاهد بن موسى, قال: حدثنا عبد الصمد, قال: حدثنا عقبة بن أبـي الـمهنا, قال: سألت بكرا عن الـمختلعة أيأخذ منها شيئا؟ قال: لا {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظ}.
وقال آخرون: بل هي منسوخة نسخها قوله: {وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأْخُذُوا مـما آتـيتُـمُوهُنّ شَيْئا إلاّ أنْ يَخافـا أنْ لا يَقِـيـما حُدُودَ اللْهِ} ذكر من قال ذلك:
7221ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَإنْ أرَدْتُـمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ} إلـى قوله: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقا غَلِـيظ} قال: ثم رخص بعد, فقال: {وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأْخُذُوا مِـمّا آتَـيْتُـمُوهُنّ شَيْئَا إلاّ أنْ يَخافـا ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ فَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ يُقِـيـمَا حُدودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فِـيـما افْتَدَتْ بِهِ} قال: فنسخت هذه تلك.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال بـالصواب فـي ذلك قول من قال: إنها مـحكمة غير منسوخة, وغير جائز للرجل أخذ شيء مـما آتاها إذا أراد طلاقها من غير نشوز كان منها, ولا ريبة أتت بها. وذلك أن الناسخ من الأحكام, ما نفـى خلافه من الأحكام, علـى ما قد بـينا فـي سائر كتبنا, ولـيس قوله: {وَإنْ أَرَدْتُـمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ} نفـي حكم قوله: {فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فِـيـما افْتَدَتْ بِهِ} لأن الذي حرّم الله علـى الرجل بقوله: {وَإنْ أرَدْتُـمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَـيْتُـمْ إحْدَاهُنّ قِنْطارا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئ} أخذ ما آتاها منها إذا كان هو الـمريد طلاقها.
وأما الذي أبـاح له أخذه منها بقوله: {فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فِـيـما افْتَدَتْ بِهِ} فهو إذا كانت هي الـمريدة طلاقه, وهو كاره له ببعض الـمعانـي التـي قد ذكرنا فـي غير هذا الـموضع, ولـيس فـي حكم إحدى الاَيتـين نفـي حكم الأخرى, وإذا كان ذلك كذلك لـم يجز أن يحكم لإحداهما بأنها ناسخة, وللأخرى بأنها منسوخة, إلا بحجة يجب التسلـيـم لها.
وأما ما قاله بكر بن عبد الله الـمزنـي من أنه لـيس لزوج الـمختلعة أخذ ما أعطته علـى فراقه إياها إذا كانت هي الطالبة الفرقة وهو الكاره, فلـيس بصواب لصحة الـخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أمر ثابت بن قـيس بن شماس بأخذ ما كان ساق إلـى زوجته وفراقها إن طلبت فراقه, وكان النشوز من قبلها.
الآية : 22
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مّنَ النّسَآءِ إِلاّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً }.
قد ذكر أن هذه الاَية نزلت فـي قوم كانوا يخـلفون علـى حلائل آبـائهم, فجاء الإسلام وهم علـى ذلك, فحرّم الله تبـارك وتعالـى علـيهم الـمقام علـيهن, وعفـا لهم عما كان سلف منهم فـي جاهلـيتهم وشركهم من فعل ذلك لـم يؤاخذهم به إن هم اتقوا الله فـي إسلامهم وأطاعوه فـيه. ذكر الأخبـار التـي رويت فـي ذلك:
7222ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الله الـمخرمي, قال: حدثنا قراد, قال: حدثنا ابن عيـينة وعمرو, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: كان أهل الـجاهلـية يحرّمون ما يحرّم إلا امرأة الأب, والـجمع بـين الأختـين, قال: فأنزل الله: {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبـاؤُكُمْ مِنَ النّساءِ إلاّ ما قَدْ سَلَفَ} {وأنْ تَـجْمَعُوا بَـيْنَ الأُخْتَـيْنِ}.
7223ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فـي قوله: {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبـاؤُكُمْ مِنَ النّساءِ}... الاَية, قال: كان أهل الـجاهلـية يحرّمون ما حرّم الله, إلا أن الرجل كان يخـلف علـى حلـيـلة أبـيه, ويجمعون بـين الأختـين, فمن ثم قال الله: {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبـاؤُكُمْ مِنَ النّساءِ إلاّ ما قَدْ سَلَفَ}.
7224ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة فـي قوله: {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبـاؤُكُمْ مِنَ النّساءِ إلاّ ما قَدْ سَلَفَ} قال: نزلت فـي أبـي قـيس بن الأسلت خـلف علـى أم عبـيد بنت ضمرة, كانت تـحت الأسلت أبـيه, وفـي الأسود بن خـلف, وكان خـلف علـى بنت أبـي طلـحة بن عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار, وكانت عند أبـيه خـلف, وفـي فـاختة بنت الأسود بن الـمطلب بن أسد, وكانت عند أمية بن خـلف, فخـلف علـيها صفوان بن أمية, وفـي منظور بن ربـاب, وكان خـلف علـى ملـيكة ابنة خارجة, وكانت عند أبـيه ربـاب بن سيار.
7225ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قلت لعطاء بن أبـي ربـاح: الرجل ينكح الـمرأة ثم لا يراها حتـى يطلقها, أتـحلّ لابنه؟ قال: هي مرسلة, قال الله تعالـى: {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبـاؤُكُمْ مِنَ النّساءِ} قال: قلت لعطاء: ما قوله: {إلاّ ما قَدْ سَلَفَ}؟ قال: كان الأبناء ينكحون نساء آبـائهم فـي الـجاهلـية.
7226ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبـاؤُكُمْ مِنَ النّساءِ}... الاَية, يقول: كل امرأة تزوّجها أبوك وابنك دخـل أو لـم يدخـل فهي علـيك حرام.
واختلف فـي معنى قوله: {إلاّ ما قَدْ سَلَفَ} فقال بعضهم: معناه: لكن ما قد سلف فدعوه, وقالوا هو من الاستثناء الـمنقطع.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تنكحوا نكاح آبـائكم, بـمعنى: ولا تنكحوا كنكاحهم كما نكحوا علـى الوجوه الفـاسدة التـي لا يجوز مثلها فـي الإسلام, {إنّهُ كَانَ فَـاحِشَةً وَمَقْتا وَسَاءَ سَبِـيل} يعنـي: أن نكاح آبـائكم الذي كانوا ينكحونه فـي جاهلـيتهم كان فـاحشة ومقتا وساء سبـيلاً, إلا ما قد سلف منكم فـي جاهلـيتكم من نكاح لا يجوز ابتداء مثله فـي الإسلام, فإنه معفوّ لكم عنه.
وقالوا: قوله: {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ أبـاؤُكُمْ مِنَ النّساءِ} كقول القائل للرجل: لا تفعل ما فعلت, ولا تأكل ما أكلت بـمعنى: ولا تأكل كما أكلت, ولا تفعل كما فعلت.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تنكحوا ما نكح آبـاؤكم من النساء بـالنكاح الـجائز كان عقده بـينهم, إلا ما قد سلف منهم من وجوه الزنا عندهم, فإن نكاحهنّ لكم حلال كان لأنهنّ لـم يكنّ لهم حلائل, وإنـما ما كان من آبـائكم منهنّ من ذلك فـاحشة ومقتا وساء سبـيلاً. ذكر من قال ذلك:
7227ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ أبـاؤُكُمْ مِنَ النّساءِ إلاّ ما قَدْ سَلَف}.... الاَية, قال: الزنا, إنه كان فـاحشة ومقتا وساء سبـيلاً. فزاد ههنا الـمقت.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب علـى ما قاله أهل التأويـل فـي تأويـله, أن يكون معناه: ولا تنكحوا من النساء نكاح آبـائكم إلا ما قد سلف منكم, فمضى فـي الـجاهلـية, فإنه كان فـاحشة ومقتا وساء سبـيلاً, فـيكون قوله: {مِنَ النّساءِ} من صلة قوله: {وَلا تَنْكِحُو} ويكون قوله: {ما نَكَحَ آبـاؤكُمْ} بـمعنى الـمصدر, ويكون قوله: {إلاّ ما قَدْ سَلَفَ} بـمعنى الاستثناء الـمنقطع, لأنه يحسن فـي موضعه: لكن ما قد سلف فمضى, إنه كان فـاحشة ومقتا وساء سبـيلاً.
فإن قال قائل: وكيف يكون هذا القول موافقا قول من ذكرت قوله من أهل التأويـل, وقد علـمت أن الذين ذكرت قولهم فـي ذلك, إنـما قالوا: أنزلت هذه الاَية فـي النهي عن نكاح حلائل الاَبـاء, وأنت تذكر أنهم إنـما نهوا أن ينكحوا نكاحهم؟ قـيـل له: وإن قلنا إن ذلك هو التأويـل الـموافق لظاهر التنزيـل, إذ كانت ما فـي كلام العرب لغير بنـي آدم, وإنه لو كان الـمقصود بذلك النهي عن حلائل الاَبـاء دون سائر ما كان من مناكح آبـائهم حراما, ابتدىء مثله فـي الإسلام, بنهي الله جلّ ثناؤه عنه, لقـيـل: ولا تنكحوا من نكح آبـاؤكم من النساء إلا ما قد سلف, لأن ذلك هو الـمعروف فـي كلام العرب, إذ كان «من» لبنـي آدم و«ما» لغيرهم, ولا تقل: ولا تنكحوا ما نكح آبـاؤكم من النساء, فإنه يدخـل فـي «ما» ما كان من مناكح آبـائهم التـي كانوا يتناكحونها فـي جاهلـيتهم, فحرم علـيهم فـي الإسلام بهذه الاَية نكاح حلائل الاَبـاء, وكل نكاح سواه, نهى الله تعالـى ذكره ابتداء مثله فـي الإسلام, مـما كان أهل الـجاهلـية يتناكحونه فـي شركهم.
ومعنى قوله: {إلاّ ما قَدْ سَلَفَ}: إلا ما قد مضى, {إنّهُ كان فـاحِشَةً} يقول: إن نكاحكم الذي سلف منكم, كنكاح آبـائكم الـمـحرّم علـيكم ابتداء مثله فـي الإسلام بعد تـحريـمي ذلك علـيكم فـاحشة, يقول: معصية {وَمَقْتا وَساءَ سَبِـيل}: أي بئس طريقا ومنهجا ما كنتـم تفعلون فـي جاهلـيتكم من الـمناكح التـي كنتـم تتناكحونها.
الآية : 23
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأخِ وَبَنَاتُ الاُخْتِ وَأُمّهَاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مّنَ الرّضَاعَةِ وَأُمّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مّن نّسَآئِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنّ فَإِن لّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاخْتَيْنِ إَلاّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رّحِيماً }.
يعنـي بذلك تعالـى ذكره: حرّم علـيكم نكاح أمهاتكم, فترك ذكر النكاح اكتفـاء بدلالة الكلام علـيه.
وكان ابن عبـاس يقول فـي ذلك, ما:
7228ـ حدثنا به أبو كريب, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, عن الثوري, عن الأعمش, عن إسماعيـل بن رجاء, عن عمير مولـى ابن عبـاس, عن ابن عبـاس, قال: حرم من النسب سبع, ومن الصهر سبع. ثم قرأ: {حُرّمَتْ عَلَـيْكُمْ أمّهاتُكُمْ} حتـى بلغ: {وأنْ تَـجْمَعُوا بَـيْنَ الأخْتَـيْنِ إلاّ ما قَدْ سَلَفَ} قال: والسابعة {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبـاؤكُمْ مِنَ النّساءِ}.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن إسماعيـل بن رجاء, عن عمير مولـى ابن عبـاس, عن ابن عبـاس, قال: يحرم من النسب سبع, ومن الصهر سبع, ثم قرأ: {حُرّمَتْ عَلَـيْكُمْ أمّهاتُكُمْ}... إلـى قوله: {والـمُـحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ}.
حدثنا ابن بشار مرة أخرى, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن إسماعيـل بن رجاء, عن عمير مولـى ابن عبـاس, عن ابن عبـاس, مثله.
7229ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي ذئب, عن الزهري بنـحوه.
7230ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن حبـيب, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: حرم علـيكم سبع نسبـا وسبع صهرا. {حُرّمَتْ عَلَـيْكُمْ أُمّهاتُكُمْ}... الاَية.
حدثنا ابن وكيع, قال حدثنا أبـي, عن علـيّ بن صالـح, عن سماك بن حرب, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: {حُرّمَتْ عَلَـيْكُمْ أُمّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وأخَوَاتُكُمْ} قال: حرّم الله من النسب سبعا, ومن الصهر سبعا, ثم قرأ: {وأُمّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبـائِبُكُمْ}... الاَية.
7231ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مطرف, عن عمرو بن سالـم مولـى الأنصار, قال: حرم من النسب سبع, ومن الصهر سبع: حرمت علـيكم أمهاتكم, وبناتكم, وأخواتكم, وعماتكم, وخالاتكم, وبنات الأخ, وبنات الأخت. ومن الصهر: أمهاتكم اللاتـي أرضعنكم, وأخواتكم من الرضاعة, وأمهات نسائكم, وربـائبكم اللاتـي فـي حجوركم من نسائكم اللاتـي دخـلتـم بهنّ, فإن لـم تكونوا دخـلتـم بهن, فلا جناح علـيكم, وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم, وأن تـجمعوا بـين الأختـين إلا ما قد سلف. ثم قال: {والـمُـحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكتْ أيـمَانُكُمْ}, {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبـاؤكُمْ مِنَ النّساءِ}.
فكل هؤلاء اللواتـي سماهنّ الله تعالـى وبـين تـحريـمهنّ فـي هذه الاَية مـحرّمات غير جائز نكاحهنّ لـمن حرّم الله ذلك علـيه من الرجال, بإجماع جميع الأمة, لا اختلاف بـينهم فـي ذلك, إلا فـي أمهات نسائنا اللواتـي لـم يدخـل بهنّ أزواجهنّ, فإن فـي نكاحهنّ اختلافـا بـين بعض الـمتقدمين من الصحابة إذا بـانت الابنة قبل الدخول بها من زوجها, هل هنّ من الـمبهات, أم هنّ من الـمشروط فـيهنّ الدخول ببناتهنّ. فقال جميع أهل العلـم متقدمهم ومتأخرهم: من الـمبهمات, وحرام علـى من تزوّج امرأة أمها دخـل بـامرأته التـي نكحها أو لـم يدخـل بها, وقالوا: شرط الدخول فـي الربـيبة دون الأم,, فأما أم الـمرأة فمطلقة بـالتـحريـم. قالوا: ولو جاز أن يكون شرط الدخول فـي قوله: {وَرَبـائِبِكُمُ اللاّتِـي فِـي حُجُورِكُمُ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِـي دَخَـلْتُـمْ بِهِنّ} فوضع موصولاً به قوله: {وأُمّهاتُ نِسائِكُمْ} جاز أن يكون الاستثناء فـي قوله: {وَالـمُـحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ} من جميع الـمـحرّمات بقوله: {حُرْمَتْ عَلَـيْكُمْ}... الاَية, قالوا: وفـي إجماع الـجميع علـى أن الاستثناء فـي ذلك إنـما هو مـما ولـيه من قوله: {والـمُـحْصَناتُ} أبـين الدلالة علـى أن الشرط فـي قوله: {مِنْ نِسائِكُمْ اللاّتِـي دَخَـلْتُـمْ بِهِنّ} مـما ولـيه من قوله: {وَرَبـائِبُكُمُ اللاّتِـي فـي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِـي دَخَـلْتُـمْ بِهِنّ} دون أمهات نسائنا. وروي عن بعض الـمتقدمين أنه كان يقول: حلال نكاح أمهات نسائنا اللواتـي لـم ندخـل بهنّ, وإن حكمهنّ فـي ذلك حكم الربـائب. ذكر من قال ذلك:
7232ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عدّي وعبد الأعلـى, عن سعيد, عن قتادة, عن خلاس بن عمرو, عن علـيّ رضي الله عنه فـي رجل تزوّج امرأة فطلقها قبل أن يدخـل بها, أيتزوّج أمها؟ قال: هي بـمنزلة الربـيبة.
حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, قال: حدثنا قتادة, عن خلاس, عن علـيّ رضي الله عنه, قال: هي بـمنزلة الربـيبة.
7233ـ حدثنا حميد, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, قال: حدثنا قتادة, عن سعيد بن الـمسيب, عن زيد بن ثابت أنه كان يقول: إذا ماتت عنده, وأخذ ميراثها, كره أن يخـلف علـى أمها, وإذا طلقها قبل أن يدخـل بها, فإن شاء فعل.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيـى بن سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب, عن زيد بن ثابت, قال: إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخـل بها فلا بأس أن يتزوّج أمها.
7234ـ حدثنا القاسم, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, أخبرنـي عكرمة بن خالد, أن مـجاهدا قال له: {وأُمّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبـائِبُكُمُ اللاّتِـي فـي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمْ} أريد بهما الدخول جميعا.
قال أبو جعفر: والقول الأوّل أولـى بـالصواب, أعنـي قول من قال: الأم من الـمبهمات, لأن الله لـم يشرط معهنّ الدخول ببناتهنّ, كما شرط ذلك مع أمهات الربـائب, مع أن ذلك أيضا إجماع من الـحجة التـي لا يجوز خلافها فـيـما جاءت به متفقة علـيه.
وقد رُوي بذلك أيضا عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم خبر, غير أن فـي إسناده نظرا, وهو ما:
7235ـ حدثنا به الـمثنى, قال: حدثنا حبـان بن موسى, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: أخبرنا الـمثنى بن الصبـاح, عن عمرو بن شعيب, عن أبـيه, عن جده, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, قال: «إذَا نَكَحَ الرّجُلُ الـمَرأةَ فَلا يَحِلّ لَهُ أنْ يَتَزَوّجَ أُمّها, دَخَـلَ بـالابْنَةِ أمْ لَـمْ يَدْخُـلْ, وَإذَا تَزَوّجَ الأُمّ فَلَـمْ يَدْخُـلْ بِهَا ثُمّ طَلّقَها, فإنْ شاءَ تَزَوّجَ الابْنَة».
قال أبو جعفر: وهذا خبر وإن كان فـي إسناده ما فـيه, فإن فـي إجماع الـحجة علـى صحة القول به مستغنى عن الاستشهاد علـى صحته بغيره.
7236ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال لعطاء: الرجل ينكح الـمرأة لـم يرها ولا يجامعها حتـى يطلقها, أيحلّ له أمها؟ قال: لا, هي مرسلة. قلت لعطاء: أكان ابن عبـاس يقرأ: {وأُمّهاتُ نِسائِكُمُ اللاّتِـي دَخَـلْتُـمْ بِهِنّ}؟ قال: لا تبرأ¹ قال حجاج: قلت لابن جريج: ما تبرأ؟ قال: كأنه قال: لا لا.
وأم الربـائب فإنه جمع ربـيبة وهي ابنة امرأة الرجل, قـيـل لها ربـيبة لتربـيته إياها, وإنـما هي مربوبة صرفت إلـى ربـيبة, كما يقال: هي قبـيـلة من مقبولة, وقد يقال لزوج الـمرأة: هو ربـيب ابن امرأته, يعنـي به: هو رابّه, كما يقال: هو جابر وجبـير, وشاهد وشهيد.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: {مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِـي دَخَـلْتُـمْ بِهِنّ} فقال بعضهم معنى الدخول فـي هذا الـموضع: الـجماع. ذكر من قال ذلك:
7237ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: {مِنْ نِسائِكُمْ اللاّتِـي دَخَـلْتُـمْ بِهِنّ} والدخول: النكاح.
وقال آخرون: الدخول فـي هذا الـموضع: هو التـجريد. ذكر من قال ذلك:
7238ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: قلت لعطاء, قوله: {اللاّتِـي دَخَـلْتُـمْ بِهِنّ} ما الدخول بهنّ؟ قال: أن تهدى إلـيه فـيكشف ويعتسّ, ويجلس بـين رجلـيها. قلت: أرأيت إن فعل ذلك فـي بـيت أهلها؟ قال: هو سواء, وحسبه قد حرم ذلك علـيه ابنتها. قلت: تـحرم الربـيبة مـمن يصنع هذا بأمها إلا ما يحرم علـيّ من أمتـي إن صنعته بأمها؟ قال: نعم سواء. قال عطاء: إذا كشف الرجل أمته وجلس بـين رجلـيها أنهاه عن أمها وابنتها.
قال أبو جعفر: وأولـى القولـين عندي بـالصواب فـي تأويـل ذلك, ما قاله ابن عبـاس, من أن معنى الدخول: الـجماع والنكاح, لأن ذلك لا يخـلو معناه من أحد أمرين: إما أن يكون علـى الظاهر الـمتعارف من معانـي الدخول فـي الناس, وهو الوصول إلـيها بـالـخـلوة بها, أو يكون بـمعنى الـجماع, وفـي إجماع الـجميع علـى أن خـلوة الرجل بـامرأته لا يحرّم علـيه ابنتها إذا طلقها قبل مسيسها ومبـاشرتها, أو قبل النظر إلـى فرجها بـالشهوة ما يدلّ علـى أن معنى ذلك: هو الوصول إلـيها بـالـجماع. وإذا كان ذلك كذلك, فمعلوم أن الصحيح من التأويـل فـي ذلك ما قلناه.
وأما قوله: {فإنْ لـمْ تَكُونُوا دخَـلْتُـمْ بِهِنّ فَلا جُناح عَلَـيْكُمْ} فإنه يقول: فإن لـم تكونوا أيها الناس دخـلتـم بأمهات ربـائبكم اللاتـي فـي حجوركم, فجامعتـموهنّ حتـى طلقتـموهنّ, {فلا جُنَاحَ عَلَـيْكُم} يقول: فلا حرج علـيكم فـي نكاح من كان من ربـائبكم كذلك.
وأما قوله: {وَحَلائِلُ أبْنائِكُمْ الّذِينَ مِنْ أصْلابِكُمْ} فإنه يعنـي: وأزواج أبنائكم الذين من أصلابكم, وهي جمع حلـيـلة وهي امرأته, وقـيـل: سميت امرأة الرجل حلـيـلته, لأنها تـحلّ معه فـي فراش واحد. ولا خلاف بـين جميع أهل العلـم أن حلـيـلة ابن الرجل حرام علـيه نكاحها بعقد ابنه علـيها النكاح, دخـل بها أو لـم يدخـل بها.
فإن قال قائل: فما أنت قائل فـي حلائل الأبناء من الرضاع, فإن الله تعالـى إنـما حرّم حلائئل أبنائنا من أصلابنا؟ قـيـل: إن حلائل الأبناء من الرضاع, وحلائل الأبناء من الأصلاب سواء فـي التـحريـم, وإنـما قال: {وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمْ الّذِين مِنْ أصْلابِكُمْ} لأن معناه: وحلائل أبنائكم الذين ولدتـموهم دون حلائل أبنائكم الذين تبنـيتوهم. كما:
7239ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, قال: قلت لعطاء, قوله: {وَحَلائِلُ أبْنائِكُمْ الّذِينَ مِنْ أصْلابِكُمْ} قال: كنا نُـحَدّث والله أعلـم أنها نزلت فـي مـحمد صلى الله عليه وسلم حين نكح امرأة زيد بن حارثة, قال الـمشركون فـي ذلك, فنزلت: {وَحَلائِلُ أبْنائِكمُ الّذِينَ مِنْ أصْلابِكُمْ}, ونزلت: {وَما جَعَلَ أدْعِياءكُمْ أبْناءَكُمْ}, ونزلت: {ما كانَ مُـحَمّد أبـا أحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ}.
وأما قوله: {وأنْ تَـجْمَعُوا بَـيْنَ الأُخْتَـيْنِ} فإن معناه: وحرّم علـيكم أن تـجمعوا بـين الأختـين عندكم بنكاح, فـ«أن» فـي موضع رفع, كأنه قـيـل: والـجمع بـين الأختـين. {إلاّ ما قدْ سلفَ} لكن ما قد مضى منكم. {فإنّ اللّهَ كانَ غفور} لذنوب عبـاده إذا تابوا إلـيه منها. {رَحِيـم} بهم فـيـما كلفهم من الفرائض وخفف عنهم فلـم يحملهم فوق طاقتهم. يخبر بذلك جلّ ثناؤه أنه غفور لـمن كان جمع بـين الأختـين بنكاح فـي جاهلـيته وقـيـل تـحريـمه ذلك, إذا اتقـى الله تبـارك وتعالـى بعد تـحريـمه ذلك علـيه فأطاعه بـاجتنابه, رحيـم به وبغيره من أهل طاعته من خـلقه