تفسير الطبري تفسير الصفحة 82 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 82
083
081
 الآية : 24
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النّسَآءِ إِلاّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلّ لَكُمْ مّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ مّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: حرّمت عليكم المحصنات من النساء, إلا ما ملكت أيمانكم.
واختلف أهل التأويل في المحصنات التي عناهنّ الله في هذه الاَية, فقال بعضهم: هن ذوات الأزواج غير المسبيات منهنّ. وملكُ اليمين: السبايا اللواتي فرّق بينهنّ وبين أزواجهنّ السباء, فحللن لمن صرن له بملك اليمين من غير طلاق كان من زوجها الحربيّ لها. ذكر من قال ذلك:
7240ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا إسرائيل, عن أبي حصين, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: كل ذات زوج إتيانها زنا, إلا ما سَبَيْتَ.
7241ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن عطية, قال: حدثنا إسرائيل, عن أبي حصين, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, مثله.
7242ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثنى معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس في قوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكْتَ أيمَانُكُمْ} يقول: كل امرأة لها زوج فهي عليك حرام إلا أمة ملكتها ولها زوج بأرض الحرب, فهي لك حلال إذا استبرأتها.
7243ـ وحدثني المثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيم, عن خالد, عن أبي قلابة في قوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمانُكُمْ} قال: ما سبيتم من النساء, إذا سَبَيْتَ المرأة ولها زوج في قومها, فلا بأس أن تطأها.
7244ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} قال: كل امرأة محصنة لها زوج فهي محرمة إلا ما ملكت يمينك من السبي وهي محصنة لها زوج, فلا تحرم عليك به. قال: كان أبي يقول ذلك.
7245ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عتبة بن سعيد الحمصي, قال: حدثنا سعيد, عن مكحول في قوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} قال: السبايا.
واعتلّ قائلوا هذه المقالة بالأخبار التي رُويت أن هذه الاَية نزلت فيمن سُبي من أَوْطاس. ذكر الرواية بذلك:
7246ـ حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن أبي الخليل, عن أبي علقمة الهاشمي, عن أبي سعيد الخدريّ: أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس, فلقوا عدوا, فأصابوا سبايا لهنّ أزواج من المشركين, فكان المسلمون يتأثّمون من غشيانهنّ, فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الاَية: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمانُكُمْ} أي هنّ حلال لكم إذا ما انقضت عِدَدُهن.
حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن صالح أبي الخليل: أن أبا علقمة الهاشمي حدّث, أن أبا سعيد الخدريّ حدّث: أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين سرية, فأصابوا حيّا من أحياء العرب يوم أوطاس, فهزموهم وأصابوا لهم سبايا, فكان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأثمون من غشيانهن من أجل أزواجهنّ, فأنزل الله تبارك وتعالى: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ منهنّ, فحلال لكم ذلك.
حدثني عليّ بن سعيد الكناني, قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان, عن أشعث بن سوار, عن عثمان البتي, عن أبي الخليل, عن أبي سعيد الخدري, قال: لما سبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أوطاس, قلنا: يا رسول الله, كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهن وأزواجهنّ؟ قال: فنزلت هذه الاَية: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ}.
حدثنا الحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن عثمان البتي, عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري, قال: أصبنا نساء من سبي أوطاس لهنّ أزواج, فكرهنا أن نقع عليهنّ ولهن أزواج, فسألنا النبيّ صلى الله عليه وسلم, فنزلت: {والمُحْصّناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} فاستحللنا فروجهنّ.
حدثنا الحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, عن أبي الخليل عن أبي سعيد, قال: نزلت في يوم أوطاس, أصاب المسلمون سبايا لهن أزواج في الشرك, فقال: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} يقول: إلا ما أفاء الله عليكم, قال: فاستحللنا بها فروجهنّ.
وقال آخرون ممن قال: «المحصنات ذوات الأزواج في هذا الموضع». بل هنّ كل ذات زوج من النساء حرام على غير أزواجهنّ, إلا أن تكون مملوكة اشتراها مشتر من مولاها فتحلّ لمشتريها, ويُبطل بيع سيدها إياها النكاحَ بينها وبين زوجها. ذكر من قال ذلك:
7247ـ حدثني أبو السائب سلم بن جنادة, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن عبد الله في قوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} قال: كل ذات زوج عليك حرام إلا أن تشتريها, أو ما ملكت يمينك.
حدثني المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, عن شعبة, عن مغيرة عن إبراهيم: أنه سئل عن الأمة تباع ولها زوج, قال: كان عبد الله يقول: بيعها طلاقها, ويتلو هذه الاَية: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ}.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيم, عن عبد الله في قوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} قال: كل ذات زوج عليك حرام, إلا ما اشتريت بمالك¹ وكان يقول: بيع الأمة: طلاقها.
7248ـ حدثنا الحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, عن ابن المسيب قوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ} قال: هنّ ذوات الأزواج حرم الله نكاحهنّ إلا ما ملكت يمينك, فبيعها طلاقها. قال معمر: وقال الحسن مثل ذلك.
7249ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الحسن في قوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} قال: إذا كان لها زوج فبيعها طلاقها.
7250ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أن أبيّ بن كعب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك قالوا: بيعها طلاقها.
7251ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أن أبيّ بن كعب وجابرا وابن عباس, قالوا: بيعها طلاقها.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عمر بن عبيد, عن مغيرة, عن إبراهيم, قال: قال عبد الله: بيع الأمة طلاقها.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور ومغيرة والأعمش, عن إبراهيم, عن عبد الله, قال: بيع الأمة طلاقها.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمّل, قال: حدثنا سعيد, عن حماد, عن إبراهيم, عن عبد الله. مثله.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن حماد, عن إبراهيم, عن عبد الله مثله.
7252ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن خالد, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: طلاق الأمة ستّ: بيعها طلاقها, وعتقها طلاقها, وهبتها طلاقها, وبراءتها طلاقها, وطلاق زوجها طلاقها.
7253ـ حدثني أحمد بن المغيرة الحمصي. قال: حدثنا عثمان بن سعيد, عن عيسى بن أبي إسحاق, عن أشعث, عن الحسن, عن أبيّ بن كعب: أنه قال: بيع الأمة طلاقها.
7254ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلى, عن عوف, عن الحسن, قال: بيع الأمة طلاقها, وبيعه طلاقها.
7255ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن المفضل, قال: حدثنا خالد, عن أبي قلابة, قال: قال عبد الله: مشتريها أحقّ ببُضْعِها. يعني: الأمة تباع ولها زوج.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر, عن أبيه, عن الحسن, قال: طلاق الأمة بيعها.
حدثنا حميد, قال: حدثنا سفيان بن حبيب, قال: حدثنا يونس, عن الحسن أن أبيّا, قال: بيعها طلاقها.
7256ـ حدثنا أحمد, قال: حدثنا سفيان, عن خالد, عن أبي قلابة, عن ابن مسعود, قال: إذا بيعت الأمة ولها زوج فسيدها أحقّ بُبْضعها.
7257ـ حدثنا حميد, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: ثنى سعيد, عن قتادة, عن أبي معشر, عن إبراهيم, قال: بيعها طلاقها. قال: فقيل لإبراهيم: فبيعه؟ قال: ذلك ما لا نقول فيه شيئا.
وقال آخرون: بل معنى المحصنات في هذا الموضع: العفائف. قالوا: وتأويل الاَية: والعفائف من النساء حرام أيضا عليكم, إلا ما ملكت أيمانكم منهنّ بنكاح وصداق وسنة وشهود من واحدة إلى أربع. ذكر من قال ذلك:
7258ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثنى حجاج, عن أبي جعفر, عن أبي العالية, قال: يقول: انكحوا ما طاب لكم من النساء: مثَنى, وثلاثَ, ورباع, ثم حرم ما حرم من النسب والصهر, ثم قال: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} قال: فرجع إلى أوّل السورة إلى أربع, فقال: هنّ حرام أيضا, ألا بصداق وسنّة وشهود.
7259ـ حدثنا الحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن أيوب, عن ابن سيرين عن عبيدة, قال: أحلّ الله لك أربعا في أوّل السورة, وحرّم نكاح كلّ محصنة بعد الأربع, إلا ما ملكت يمينك. قال معمر: وأخبرني ابن طاوس عن أبيه: إلا ما ملكت يمينك, قال: فزوجك مما ملكت يمينك, يقول: حرّم الله الزنا, لا يحلّ لك أن تطأ امرأة إلا ما ملكت يمينك.
7260ـ حدثني عليّ بن مسروق الكندي, قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان, عن هشام بن حسان, عن ابن سيرين, قال: سألت عبيدة عن قول الله تعالى: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} قال: أربع.
7261ـ حدثني عليّ بن سعيد, قال: حدثنا عبد الرحيم, عن أشعث بن سوار, عن ابن سيرين, عن عبيدة, عن عمر بن الخطاب, مثله.
7262ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد بن جبير في قوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} قال: الأربع, فمابعدهنّ حرام.
7263ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, قال: سألت عطاء عنها, فقال: حرّم الله ذوات القرابة, ثم قال: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} يقول: حرّم ما فوق الأربع منهنّ.
7264ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ} قال: الخامسة حرام كحرمة الأمهات والأخوات.
ذكر من قال: عَنَى بالمحصنات في هذا الموضع العفائفَ من المسلمين وأهل الكتاب:
7265ـ حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد, قال: حدثنا عتاب بن بشير, عن خصيف, عن مجاهد, عن ابن عباس في قوله: (والمُحْصَناتُ) قال: العفيفة العاقلة من مسلمة, أو من أهل الكتاب.
7266ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن بعض أصحابه, عن مجاهد: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} قال: العفائف.
وقال آخرون: المحصنات في هذا الموضع ذوات الأزواج, غير أن الذي حرم الله منهن في هذه الاَية الزنا بهن, وأباحهن بقوله: {إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} بالنكاح أو الملك. ذكر من قال ذلك:
7267ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله تعالى: {والمُحْصَناتُ} قال: نهى عن الزنا.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ} قال: نهى عن الزنا أن تنكح المرأة زوجين.
7268ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثنى معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: قوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} قال: كل ذات زوج عليكم حرام, إلا الأربع اللاتي ينكحن بالبينة والمهر.
7269ـ حدثنا أحمد بن عثمان, قال: حدثنا وهب بن جرير, قال: حدثنا أبي, قال: سمعت النعمان بن راشد يحدث عن الزهري, عن سعيد بن المسيب: أنه سئل عن المُحصنات من النساء, قال: هن ذوات الأزواج.
7270ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن حماد, عن إبراهيم, عن عبد الله, قال: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} قال: ذوات الأزواج من المسلمين والمشركين. وقال علي: ذوات الأزواج من المشركين.
7271ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا الحماني, قال: حدثنا شريك, عن سالم, عن سعيد, عن ابن عباس, في قوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ} قال: كل ذات زوج عليكم حرام.
7272ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا الحماني, قال: حدثنا شريك, عن عبد الكريم, عن مكحول, نحوه.
7273ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا الحماني, قال: حدثنا شريك, عن الصلب بن بهرام, عن إبراهيم, نحوه.
7274ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثنى أبي, قال: ثنى عمي, قال: ثنى أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ}... إلى: {وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ} يعني: ذوات الإزواج من النساء لا يحل نكاحهن, يقول: لا يخلب ولا يعد فتنشُز على زوجها, وكل امرأة لا تنكح إلا ببينة ومهر فهي من المحصنات التي حرم الله إلا ما ملكت أيمانكم, يعني: التي أحل الله من النساء, وهو ما أحل من حرائر النساء مثنى وثلاث ورباع.
وقال آخرون: بل هن نساء أهل الكتاب. ذكر من قال ذلك:
7275ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيـى بن واضح, قال: حدثنا عيسى بن عبيد, عن أيوب بن أبي العوجاء عن أبي مجلز في قوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} قال: نساء أهل الكتاب.
وقال آخرون: بل هن الحرائر. ذكر من قال ذلك:
7276ـ حدثنا ابن بشار, قال: ثنى حماد بن مسعدة, قال: حدثنا سليمان بن عرعرة, في قوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ} قال: الحرائر.
وقال آخرون: المحصنات: هن العفائف وذوات الأزواج, وحرام كل من الصنفين إلا بنكاح أو ملك يمين. ذكر من قال ذلك:
7277ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثنى الليث, قال: ثنى عقيل, عن ابن شهاب, وسئل عن قول الله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ}... الاَية, قال: نرى أنه حرم في هذه الاَية المحصنات من النساء ذوات الأزواج أن ينكحن مع أزواجهن ـ والمحصنات: العفائف ولا يحللن إلا بنكاح, أو ملك يمين. والإحصان إحصانان: إحصان تزويج, وإحصان عفاف في الحرائر والمملوكات, كل ذلك حرّم الله, إلا بنكاح أو ملك يمين.
وقال آخرون: نزلت هذه الاَية في نساءكنّ يهاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهنّ أزواج, فيتزوّجهن بعض المسلمين, ثم يقدم أزواجهنّ مهاجرين, فنهي المسلمون عن نكاحهن. ذكر من قال ذلك:
7278ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثنى حجاج, عن ابن جريج, قال: ثنى حبيب بن أبي ثابت عن أبي سعيد الخدري, قال: كان النساء يأتينا ثم يهاجر أزواجهنّ فمنعناهنّ¹ يعني قوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ}.
وقد ذكر ابن عباس وجماعة غيره أنه كان ملتبسا عليهم تأويل ذلك.
7279ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن عمرو بن مرة, قال: قال رجل لسعيد بن جبير: أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الاَية: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} فلم يقل فيها شيئا؟ قال: فقال: كان لا يعلمها.
7280ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يحيـى, عن مجاهد, قال: لو أعلم من يفسر لي هذه الاَية لضربت إليه أكباد الإبل, قوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ}... إلى قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ}... إلى آخر الاَية.
قال أبو جعفر: فأما المحصنات فإنهنّ جمع محصنة, وهي التي قد منع فرجها بزوج, يقال منه: أحصن الرجل امرأته فهو يُحْصِنها أحصانا وحَصُنَتْ هي فهي تَحْصُنُ حَصَانَةً: إذا عفّت, وهي حاصن من النساء: عفيفة, كما قال العجاج:
وحاصِنٍ مِنْ حاصِنَاتٍ مُلْسِعَنِ الأذَى وَعَنْ قِرَافِ الوَقْسِ
ويقال أيضا إذا هي عفت وحفظت فرجها من الفجور: قد أحصنت فرجها فيه محصنة, كما قال جلّ ثناؤه: {وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الّتِي أحْصَنَتْ فَرْجَه} بمعنى: حفظته من الريبة ومنعته من الفجور. وإنما قيل لحصون المدائن والقرى حصون لمنعها من أرادها وأهلها, وحفظها ما وراءها ممن بغاها من أعدائها, ولذلك قيل للدرع درع حصينة. فإذا كان أصل الإحصان ما ذكرنا من المنع والحفظ فبين أن معنى قوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ}: والممنوعات من النساء حرام عليكم {إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ}. وإذ كان ذلك معناه, وكان الإحصان قد يكون بالحرية, كما قال جل ثناؤه: {والمُحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} ويكون بالإسلام, كما قال تعالى ذكره: {فإذَا أُحْصِنّ فإنْ أتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنّ نِصْفُ ما على المُحْصَناتِ مِنَ العَذَابِ} ويكون بالعفة كما قال جل ثناؤه: {وَالّذِينَ يَرْمُون المُحْصَناتِ ثُمّ لَمْ يَأْتُوا بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} ويكون بالزوج¹ ولم يكن تبارك وتعالى خصّ محصنة دون محصنة في قوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ} فواجب أن يكون كل محصنة بأي معاني الإحصان كان إحصانها حراما علينا سفاحا أو نكاحا, إلا ما ملكته أيماننا منهن بشراء, كما أباحه لنا كتاب الله جل ثناؤه, أو نكاح على ما أطلقه لنا تنزيل الله. فالذي أباحه تبارك وتعالى لنا نكاحا من الحرائر الأربع سوى اللواتي حرمن علينا بالنسب والصهر, ومن الإماء ما سبينا من العدو سوى اللواتي وافق معناهن معنى ما حرم علينا من الحرائر بالنسب والصهر, فإنهن والحرائر فيما يحل ويحرم بذلك المعنى متفقات المعاني, وسوى اللواتي سبيناهن من أهل الكتابين ولهن أزواج, فإن السباء يحلهن لمن سباهن بعد الاستبراء, وبعد إخراج حق الله تبارك وتعالى الذي جعله لأهل الخمس منهن. فأما السّفاح فإن الله تبارك وتعالى حرمه من جميعهن, فلم يحلّه من حرّة ولا أمة ولا مسلمة ولا كافرة مشركة. وأما الأمة التي لها زوج فإنها لا تحل لمالكها إلا بعد طلاق زوجها إياها, أو وفاته وانقضاء عدتها منه, فأما بيع سيدها إياها فغير موجب بينها وبين زوجها فراقا ولا تحليلاً لمشتريها, لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه خير بريرة إذ أعتقتها عائشة بين المقام مع زوجها الذي كان سادتها زوّجوها منه في حال رقها, وبين فراقه» ولم يجعل صلى الله عليه وسلم عتق عائشة إياها طلاقا. ولو كان عتقها وزوال ملك عائشة إياها لها طلاقا لم يكن لتخيير النبيّ صلى الله عليه وسلم إياها بين المقام مع زوجها والفراق معنى, ولوجب بالعتق الفراق, وبزوال ملك عائشة عنها الطلاق¹ فلما خيرها النبيّ صلى الله عليه وسلم بين الذي ذكرنا وبين المقام مع زوجها والفراق كان معلوما أنه لم يخير بين ذلك إلا والنكاح عقده ثابت, كما كان قبل زوال ملك عائشة عنها, فكان نظيرا للعتق الذي هو زوال ملك مالك المملوكة ذات الزوج عنها البيع الذي هو زوال ملك مالكها عنها, إذ كان أحدهما زوالاً ببيع والاَخر بعتق في أن الفرقة لا يجب بها بينها وبين زوجها بهما ولا بواحد منهما طلاق وإن اختلفا في معان أخر, من أن لها في العتق الخيار في المقام مع زوجها والفراق, لعلة مفارقة معنى البيع, وليس ذلك لها في البيع.
فإن قال قائل: وكيف يكون معنيا بالاستثناء من قوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ} ما وراء الأربع من الخمس إلى ما فوقهنّ بالنكاح والمنكوحات به غير مملوكات؟ قيل له: إن الله تعالى لم يخصّ بقوله: {إلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} المملوكات الرقاب دون المملوك عليها بعقد النكاح أمرها, بل عمّ بقوله: {إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} كلا المعنيين, أعني ملك الرقبة وملك الاستمتاع بالنكاح, لأن جميع ذلك ملكته أيماننا, أما هذه فملك استمتاع, وأما هذه فملك استخدام واستمتاع وتصريف فيما أبيح لمالكها منها. ومن ادعى أن الله تبارك وتعالى عني بقوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ} محصنة وغير محصنة, سوى من ذكرنا أولاً بالاستثناء بقوله: {إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُم} بَعْضَ أملاك أيماننا دون بعض, غير الذي دللنا على أنه غير معني به, سئل البرهان على دعواه من أصل أو نظير, فلن يقول في ذلك قولاً إلا ألزم في الاَخر مثله. فإن اعتل معتل منكم بحديث أبي سعيد الخدري أن هذه الاَية نزلت في سبايا أوطاس, قيل له: إن سبايا أوطاس لم يوطأن بالملك والسباء دون الإسلام, وذلك أنهن كن مشركات من عبدة الأوثان, وقد قامت الحجة بأن نساء عبدة الأوثان لا يحللن بالملك دون الإسلام, وأنهن إذا أسلمن فرق الإسلام بينهنّ وبين الأزواج, سبايا كنّ أو مهاجرات, غير أنهّ إذا كنّ سبايا حللن إذا هن أسلمن بالاستبراء. فلا حجة لمحتج في أن المحصنات اللاتي عناهن بقوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ} ذوات الأزواج من السبايا دون غيرهن بخبر أبي سعيد الخدري أن ذلك نزل في سبايا أوطاس¹ لأنه وإن كان فيهن نزل, فلم ينزل في إباحة وطئهن بالسباء خاصة دون غيره من المعاني التي ذكرنا, مع أن الاَية تنزل في معنى فتعمّ ما نزلت به فيه وغيره, فيلزم حكمها جميع ما عمته لما قد بينا من القول في العموم والخصوص في كتابنا «كتاب البيان عن أصول الأحكام».
القول في تأويل قوله تعالى: {كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ}.
يعني تعالى ذكره: كتابا من الله عليكم. فأخرج الكتاب مُصَدّرا من غير لفظه. وإنما جاز ذلك لأن قوله تعالى: {حُرّمَتْ عَلَيْكُم أُمّهاتُكُمْ}... إلى قوله: {كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ} بمعنى: كتب الله تحريم ما حرم من ذلك وتحليل ما حلل من ذلك عليكم كتابا.
وبما قلنا في ذلك, قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
7281ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم, قال: {كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ} قال: ما حرم عليكم.
7282ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثنى حجاج, عن ابن جريج, قال: سألت عطاء عنها فقال: {كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ} قال: هو الذي كتب عليكم الأربع أن لا تزيدوا.
7283ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, عن ابن عون, عن محمد بن سيرين, قال: قلت لعبيدة: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ} وأشار ابن عون بأصابعه الأربع.
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا هشام, عن ابن سيرين, قال: سألت عبيدة, عن قوله: {كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ} قال: أربع.
7284ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: {كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ}: الأربع.
7285ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: {كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ} قال: هذا أمر الله عليكم, قال: يريد ما حرم عليهم من هؤلاء وما أحلّ لهم. وقرأ: {وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ أنْ تَبْتَغُوا بأمْوَالِكُمْ}... إلى آخر الاَية. قال: كتاب الله عليكم الذي كتبه, وأمره الذي أمركم به. {كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ}: أَمْرَ الله.
وقد كان بعض أهل العربية يزعم أن قوله: {كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ} منصوب على وجه الإغراء, بمعنى: عليكم كتابَ الله, الزموا كتابَ الله. والذي قال من ذلك غير مستفيض في كلام العرب, وذلك أنه لا (تكاد) تنصب بالحرف الذي تغري به, لا تكاد تقول: أخاك عليك وأباك دونك, وإن كان جائزا. والذي هو أولى بكتاب الله أن يكون محمولاً على المعروف من لسان من نزل بلسانه هذا مع ما ذكرنا من تأويل أهل التأويل ذلك بمعنى ما قلنا, وخلاف ما وجهه إليه من زعم أنه نصب على وجه الإغراء.
القول في تأويل قوله تعالى: {وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ أنْ تَبْتَغُوا بأمْوَالِكُمْ}.
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: وأحلّ لكم ما دون الخمس أن تبتغوا بأموالكم على وجه النكاح. ذكر من قال ذلك:
7286ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: {وأُحِلّ لَكُم ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ}: ما دون الأربع أن تبتغوا بأموالكم.
7287ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن هشام, عن ابن سيرين, عن عبيدة السلمانيّ: {وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ} يعني: ما دون الأربع.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأحلّ لكم ما وراء ذلكم من سَمّى لكم تحريمه من أقاربكم. ذكر من قال ذلك:
7288ـ حدثنا القاسم, قال حدثنا الحسين, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, قال: سألت عطاء عنها, فقال: {وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ} قال: ما وراءَ ذات القرابة, {أن تَبْتَغُوا بأمْوالِكُمْ}... الاَية.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: {وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ}: عدد ما أحل لكم من المحصنات من النساء الحرائر ومن الإماء. ذكر من قال ذلك:
7289ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة في قوله: {وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ} قال: ما ملكت أيمانكم.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب, ما نحن مبينوه¹ وهو أن الله جلّ ثناؤه بين لعباده المحرّمات بالنسب والصهر, ثم المحرّمات من المحصنات من النساء, ثم أخبرهم جلّ ثناؤه أنه قد أحلّ لهم ما عدا هؤلاء المحرّمات المبينات في هاتين الاَيتين أن نبتغيه بأموالنا نكاحا وملك يمين لا سفاحا.
فإن قال قائل: عرفنا المحللات اللواتي هنّ وراء المحرّمات بالأنساب والأصهار, فما المحللات من المحصنات والمحرّمات منهنّ؟ قيل: هو ما دون الخمس من واحدة إلى أربع على ما ذكرنا عن عبيدة والسديّ من الحرائر, فأما ما عدا ذوات الأزواج فغير عدد محصور بملك اليمين.
وإنما قلنا إن ذلك كذلك, لأن قوله: {وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاء ذَلِكُمْ} عامّ في كل محلّل لنا من النساء أن نبتغيها بأموالنا, فليس توجيه معنى ذلك إلى بعض منهنّ بأولى من بعض, إلا أن تقوم بأن ذلك كذلك حجة يجب التسليم لها, ولا حجة بأن ذلك كذلك.
واختلف القراء في قراءة قوله: {وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ} فقرأ ذلك بعضهم: «وأَحَلّ لَكُمْ» بفتح الألف من أحلّ, بمعنى: كتب الله عليكم وأحلّ لكم ما وراء ذلكم. وقرأه آخرون: {وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاء ذَلِكُم} اعتبارا بقوله: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أمّهاتُكُمْ... وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاء ذَلِكُمْ}.
قال أبو جعفر: والذي نقول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قراءة الإسلام غير مختلفتي المعنى, فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب الحقّ.
وأما معنى قوله: {ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ} فإنه يعني: ما عدا هؤلاء اللواتي حرمتهن عليكم أن تبتغوا بأموالكم, يقول: أن تطلبوا وتلتمسوا بأموالكم, إما شراء بها وإما نكاحا بصداق معلوم, كما قال جلّ ثناؤه: {ويكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ} يعني: بما عداه وبما سواه. وأما موضع «أن» من قوله: {أنْ تَبْتَغُوا بأمْوَالِكُمْ} فرفعٌ ترجمةً عن «ما» التي في قوله: {وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ} في قراءة من قرأ: {وأُحِلّ} بضم الألف. ونصبٌ على ذلك في قراءة من قرأ ذلك: «وأَحَلّ» بفتح الألف. وقد يحتمل النصب في ذلك في القراءتين على معنى: وأحلّ لكم ما وراء ذلكم لأن تبتغوا, فلما حذفت اللام الخافضة اتصلت بالفعل قبلها فنصبت. وقد يحتمل أن تكون في موضع خفض بهذا المعنى إذ كانت اللام في هذا الموضع معلوما أن بالكلام إليها الحاجة.
القول في تأويل قوله تعالى: {مُحْصِنِينَ غيْرَ مُسافِحِينَ}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {مُحْصِنِينَ} أعفاء بابتغائكم ما وراء ما حرّم عليكم من النساء بأموالكم {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} يقول: غير مزانين. كما:
7290ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله {مُحْصِنِينَ} قال: متناكحين. {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} قال: زانين بكل زانية.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: {مُحْصِنِينَ} متناكحين. {غير مُسَافِحِينَ} السفاح: الزنا.
7291ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: {مُحْصِنينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ} يقول: محصنين غير زناة.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنهُنّ فَآتُوهُنّ أجُورَهُنّ فَرِيضَةً}.
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: {فَما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ} فقال بعضهم: معناه: فما نكحتم منهنّ فجامعتموهنّ, يعني من النساء¹ {فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً} يعني: صدقاتهن فريضة معلومة. ذكر من قال ذلك:
7292ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثنى معاوية بن صالح, عن عليّ بن أي طلحة, عن ابن عباس, قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً} يقول: إذا تزوّج الرجل منكم ثم نكحها مرة واحدة فقد وجب صداقها كله. والاستمتاع هو النكاح, وهو قوله: {وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ نِحْلَةً}.
7293ـ حدثنا الحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الحسن, في قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ} قال: هو النكاح.
7294ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ}: النكاح.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثنى حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ} قال: النكاح أراد.
7295ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُوَرَهُنّ فَرِيضَة}... الاَية, قال: هذا النكاح, وما في القرآن الإنكاح إذا أخذتها واستمتعت بها, فأعطها أجرها الصداق, فإن وضعت لك منه شيئا فهو لك سائغ فرض الله عليها العدة وفرض لها الميراث. قال: والاستمتاع هو النكاح ههنا إذا دخل بها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فما تمتعتم به منهنّ بأجر تمتع اللذة, لا بنكاح مطلق على وجه النكاح الذي يكون بولىّ وشهود ومهر. ذكر من قال ذلك:
7296ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ إلى أجَلٍ مُسَمّى فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الفَريضَةِ». فهذه المتعة الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمى, ويشهد شاهدين, وينكح باذن وليها, وإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل وهي منه برة, وعليها أن تستبرىء ما في رحمها, وليس بينهما ميراث, ليس يرث واحد منهما صاحبه.
7297ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ} قال: يعني نكاح المتعة.
7298ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يحيـى بن عيسى, قال: حدثنا نصير بن أبي الأشعث, قال: ثنى حبيب ابن أبي ثابت, عن أبيه, قال: أعطاني ابن عباس مصحفا, فقال: هذا على قراءة أبيّ. قال أبو كريب, قال يحيـى: فرأيت المصحف عند نصير فيه: «فَما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ إلى أجل مسمّى».
7299ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن المفضل, قال: حدثنا داود, عن أبي نضرة, قال: سألت ابن عباس عن متعة النساء, قال: أما تقرأ سورة النساء؟ قال: قلت بلى. قال: فما تقرأ فيها: «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى»؟ قلت: لا, لو قرأتها هكذا ما سألتك! قال: فإنها كذا.
حدثنا ابن المثنى, قال: ثنى عبد الأعلى, قال: ثنى داود, عن أبي نضرة, قال: سألت ابن عباس عن المتعة, فذكر نحوه.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي سلمة, عن أبي نضرة, قال: قرأت هذه الاَية على ابن عباس: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ} قال ابن عباس: «إلى أجل مسمى», قال قلت: ما أقرؤها كذلك! قال: والله لأنزلها الله كذلك ثلاث مرات.
7300ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا شعبة, عن أبي إسحاق, عن عمير: أن ابن عباس قرأ: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ إلى أجل مسمّى».
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن شعبة وثنا خلاد بن أسلم, قال: أخبرنا النضر, قال: أخبرنا شعبة, عن أبي إسحاق, عن ابن عباس, بنحوه.
7301ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: في قراءة أبيّ بن كعب: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ إلى أجل مسمى».
7302ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الحكم, قاال: سألته عن هذه الاَية: {والمُحْصَنَاتُ مِن النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} إلى هذا الموضع: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ} أمنسوخة هي؟ قال: لا. قال الحكم: قال عليّ رضي الله عنه: لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقّى.
7303ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو نعيم, قال: حدثنا عيسى بن عمر القارىء الأسديّ, عن عمرو بن مرة أنه سمع سعيد بن جبير يقرأ: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ إلى أجَلٍ مُسَمّى فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ».
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأوله: فما نكحتموه منهنّ فجامعتموه فآتوهنّ أجورهنّ¹ لقيام الحجة بتحريم الله متعة النساء على غير وجه النكاح الصحيح أو الملك الصحيح على لسان رسوله اصلى الله عليه وسلم.
7304ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز, قال: ثنى الربيع بن سبرة الجهنيّ, عن أبيه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم, قال: «اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَذِهِ النّساءِ» والاستمتاع عندنا يومئذٍ التزويج.
وقد دللنا على أن المتعة على غير النكاح الصحيح حرام في غير هذا الموضع من كتبنا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وأما رُوي عن أبيّ بن كعب وابن عباس من قراءتهما: «فَمَا اسْتَمْتَعُتُمْ بِهِ مِنْهُنّ إلى أجل مسمّى» فقراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين, وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئا لم يأت به الخبر القاطع العذر عمن لا يجوّز خلافه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الفَرِيضَةِ إنّ اللّهَ كانَ عَلِيما حَكِيم}.
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: لا حرج عليكم أيها الإزواج إن أدركتكم عسرة بعد أن فرضتم لنسائكم أجورهنّ فريضة فيما تراضيتم به, من حطّ وبراءة, بعد الفرض الذي سلف منكم لهن ما كنتم فرضتم. ذكر من قال ذلك:
7305ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعمر بن سليمان, عن أبيه, قال: زعم حضرميّ أن رجالاً كانوا يفرضون المهر, ثم عسى أن يدرك أحدهم العسرة, فقال الله: {وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الفَرِيضَةِ}.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولا جناح عليكم أيها الناس فيما تراضيتم أنتم والنساء واللواتي استمتعتم بهنّ إلى أجل مسمى, إذا انقضى الأجل الذي أجلتموه بينكم وبينهم في الفراق, أن يزدنكم في الأجل وتزيدوا من الأجر والفريضة قبل أن يستبرئن أرحامهنّ. ذكر من قال ذلك:
7306ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: {وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الفَرِيضَةِ} إن شاء أرضاها من بعد الفريضة الأولى, يعني: الأجرة التي أعطاها على تمتعه بها قبل انقضاء الأجل بينهما, فقال: أتمتع منك أيضا بكذا وكذا, فازداد قبل أن يستبرىء رحمها, ثم تنقضي المدة, وهو قوله: {فِيما تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الفَرِيضَةِ}.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولا جناح عليكم أيها الناس فيما تراضيتم به أنتم ونساؤكم بعد أن تؤتوهن أجورهم على استمتاعكم بهنّ من مقام وفراق. ذكر من قال ذلك:
7307ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: حدثنا معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: {وَلا جَناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الفَرِيضَةِ} والتراضي أن يوفيها صداقها, ثم يخيرها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا جناح عليكم فيما وضعت عنكم نساؤكم من صدقاتهنّ من بعد الفريضة. ذكر من قال ذلك:
7308ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: {وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الفَرِيضَةِ} قال: إن وضعت لك منه شيئا فهو لك سائغ.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: معنى ذلك: ولا حرج عليكم أيها الناس فيما تَراضيتم به أنتم ونساؤكم من عد إعطائهنّ أجورهنّ على النكاح الذي جرى بينكم وبينهنّ من حطّ ما وجب لهنّ عليكم, أو إبراء أو تأخير ووضع. وذلك نظير قوله جلّ ثناؤه: {وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ نِحْلَةً فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا فَكُلُوهُ هَنِيئا مَرِيئَ}. فأما الذي قاله السدي فقول لا معنى له الفساد القول بإحلال جماع امرأة بغير نكاح ولا ملك يمين.
وأما قوله: {إنّ اللّهَ كانَ عَلِيما حكِيم} فإنه يعني: إن الله كان ذا علم بما يصلحكم أيها الناس في مناكحكم وغيرها من أموركم وأمور سائر خلقه بما يدبر لكم ولهم من التدبير, وفيما يأمركم وينهاكم¹ لا يدخل حكمته خلل ولا زلل.
الآية : 25
القول في تأويل قوله:
{وَمَن لّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنّ وَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ }..
اختلف أهل التأويل في معنى الطول الذي ذكره الله تعالى في هذه الاَية, فقال بعضهم: هو الفضل والمال والسعة. ذكر من قال ذلك:
7309ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْل} قال: الغنى.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
7310ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثنى معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: {وَمَنْ لَم يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْل} يقول: من لم يكن له سعة.
7311ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْل} يقول: من لم يستطع منكم سعة.
7312ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا هشيم, قال: حدثنا أبو بشر, عن سعيد بن جبير, قوله: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْل} قال: الطّوْل: الغنى.
حدثني ابن المثنى, قال: حدثنا حبان بن موسى, قال: أخبرنا ابن المبارك, قال: أخبرنا هشيم, عن أبي بشر, عن سعيد بن جبير في قوله: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْل} قال: الطول: السعة.
7313ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْل} أما قوله طولاً: فسعة من المال.
7314ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْل}... الاَية, قال: طولاً: لا يجد ما ينكح به حرّة.
وقال آخرون: معنى الطول في هذا الموضع: الهَوَى. ذكر من قال ذلك:
7315ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنى عبد الجبار بن عمر, عن ربيعة أنه قال في قول الله: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْل} قال: الطّوْلُ: الهوى, قال: ينكح الأمة إذا كان هواه فيها.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: كان ربيعة يلين فيه بعض التليين, كان يقول: إذا خشي على نفسه إذا أحبها ـ أي الأمة وإن كان يقدر على نكاح غيرها فإني أرى أن ينكحها.
7316ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا حبان بن موسى, قال: أخبرنا ابن المبارك, قال: أخبرنا حماد بن سلمة, عن أبي الزبير, عن جابر أنه سئل عن الحرّ يتزوّج الأمة, فقال: إن كان ذا طول فلا. قيل: إن وقع حبّ الأمة في نفسه؟ قال: إن خشي العنت فليتزوّجها.
7317ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن عبيدة, عن الشعبي, قال: لا يتزوّج الحرّ الأمة إلا أن لا يجد. وكان إبراهيم يقول: لا بأس به.
7318ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا حبان بن موسى, قال: أخبرنا ابن المبارك, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: سمعت عطاء يقول: لا نكره أن ينكح ذو اليسار الأمة إذا خشي أن يُسْعَى بها.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معنى الطول في هذا الموضع: السعة والغنى من المال, لإجماع الجميع على أن الله تبارك وتعالى لم يحرّم شيئا من الأشياء سوى نكاح الإماء لواجد الطول إلى الحرّة, فأحلّ ما حرّم من ذلك عند غلبته المحرم عليه له لقضاء لذة. فإذ كان ذلك إجماعا من الجميع فيما عدا نكاح الإماء لواجد الطول, فمثله في التحريم نكاح الإماء لواجد الطول: لا يحلّ له من أجل غلبة هوى سرّه فيها, لأن ذلك مع وجوده الطول إلى الحرة منه قضاء لذة وشهوة وليس بموضع ضرورة تدفع ترخصه كالميتة للمضطر الذي يخاف هلاك نفسه فيترخص في أكلها ليحيـى بها نفسه, وما أشبه ذلك من المحرّمات اللواتي رخص الله لعباده في حال الضرورة والخوف على أنفسهم الهلاك منه ما حرم عليهم منها فيغيرها من الأحوال. ولم يرخص الله تبارك وتعالى لعبد في حرام لقضاء لذة, وفي إجماع الجميع على أن رجلاً لو غلبه هوى امرأة حرة أو امرأة أنها لا تحلّ له إلا بنكاح أو شراء على ما أذن الله به, ما يوضح فساد قول من قال: معنى الطول في هذا الموضع: الهوى, وأجاز لواجد الطول لحرة نكاح الإماء.
فتأويل الاَية إذ كان الأمر على ما وصفنا: ومن لم يجد منكم سعة من مال لنكاح الحرائر, فلينكح مما ملكت أيمانكم. وأصل الطّوْل: الإفضال, يقال منه: طال عليه يَطُول طَوْلاً في الإفضال, وطال يَطُول طُولاً في الطول الذي هو خلاف القصر.
القول في تأويل قوله تعالى: {إنْ يَنْكِحَ المُحْصَناتِ المُؤْمناتِ فَمِمّا مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ}.
يعني بذلك: ومن لم يستطع منكم أيها الناس طولاً, يعني: من الأحرار أن ينكح المحصنات وهنّ الحرائر المؤمنات اللواتي قد صدّقن بتوحيد الله وبما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحقّ.
وبنحو ما قلنا في المحصنات قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
7319ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثنى معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: {أنْ يَنْكِحَ المُحْصَناتِ} يقول: أن ينكح الحرائر, فلينكح من إماء المؤمنين.
7320ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: {أنْ يَنْكَحَ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ فَمِمّا مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} قال: المحصنات الحرائر, فلينكح الأمة المؤمنة.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
7321ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السدّي: أما فيتاتكم: فإماؤكم.
7322ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: أخبرنا هشيم, قال: أخبرنا أبو بشر, عن سعيد بن جبير: {أنْ يَنْكِحَ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ فَمِمّا مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ} قال: أما من لم يجد ما ينكح به الحرّة فيتزوّج الأمة.
7323ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: {أنْ يَنْكِحَ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ فَمِمّا مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمْ المُؤْمِناتِ} قال: من لم يجد ما ينكح به حرة فينكح هذه الأمة فيتعفف بها ويكفيه أهلها مؤنتها, ولم يحل الله ذلك لأحد إلا لمن لا يجد ما ينكح به حرّة وينفق عليها, ولم يحلّ له حتى يخشى العنت.
7324ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا حبان بن موسى, قال: أخبرنا ابن المبارك, قال: أخبرنا سفيان, عن هشام الدستوائي, عن عامر الأحول, عن الحسن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح الأمة على الحرة وتنكح الحرة على الأمة, ومن وجد طَوْلاً لحرة فلاينكح أمة.
واختلفت القراء في قراءة ذلك, فقرأته جماعة من قراء الكوفيين والمكيين: {أنْ يَنْكِحَ المُحْصِناتِ} بكسر الصاد مع سائر ما في القرآن من نظائر ذلك سوى قوله: {والمُحْصَناتِ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيَمَانُكُمْ} فإنهم فتحوا الصاد منها, ووجهوا تأويله إلى أنهنّ محصنات بأزواجهنّ, وأن أزواجهنّ هم أحصنوهنّ. وأما سائر ما في القرآن فإنهم تأوّلوا في كسرهم الصاد منه إلى أن النساءهنّ أحصنّ أنفسهنّ بالعفة. وقرأت عامة قراء المدينة والعراق ذلك كله بالفتح, بمعنى أن بعضهن أحصنّهن أزواجهن, وبعضهن أحضهن حريتهن أو إسلامهن. وقرأ بعض المتقدمين كل ذلك بالكسر, بمعنى أنهن عففن وأحصن أنفسهنّ. وذكرت هذه القراءة أعني بكسر الجميع عن علقمة على الاختلاف في الرواية عنه.
قال أبو جعفر: والصواب عندنا من القول في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار مع اتفاق ذلك في المعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب, إلا في الحرف الأوّل من سورة النساء, وهو قوله: {والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكمْ} فإني لا أستجيز الكسر في صاده لاتفاق قراءة الأمصار على فتحها. ولو كانت القراءة بكسرها مستفيضة استفاضتها بفتحها كان صوابا القراءة بكسرها مستفيضة استفاضتها بفتحها كان صوابا القراءة بها كذلك لما ذكرنا من تصرّف الإحصان في المعاني التي بيناها, فيكون معنى ذلك لو كسر: والعفائف من النساء حرام عليكم, إلا ما ملكت أيمانكم, بمعنى أنهنّ أحصنّ أنفسهنّ بالعفة. وأما الفتيات فإنهنّ جمع فتاة, وهنّ الشواب من النساء, ثم يقال لكل مملوكة ذات سنّ أو شابة فتاة, والعبد فتى.
ثم اختلف أهل العلم في نكاح الفتيات غير المؤمنات, وهل عنى الله بقوله: {مِنْ فَتَياتِكُمْ المُؤْمناتِ} تحريم ما عدا المؤمنات منهنّ, أم ذلك من الله تأديب للمؤمنين؟ فقال بعضهم: ذلك من الله تعالى ذكره دلالة على تحريم نكاح إماء المشركين. ذكر من قال ذلك:
7325ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: أخبرنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: {مِنْ فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ} قال: لا ينبغي أن يتزوّج مملوكة نصرانية.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: {مِنْ فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ} قال: لا ينبغي للحرّ المسلم أن ينكح المملوكة من أهل الكتاب.
7326ـ حدثنا عليّ بن سهل, قال: حدثنا الوليد بن مسلم, قال: سمعت أبا عمرو, وسعيد بن عبد العزيز, ومالك ابن أنس, ومالك بن عبد الله بن أبي مريم, يقولون: لا يحلّ لحرّ مسلم ولا لعبد مسلم الأمة النصرانية, لأن الله يقول: {مِنْ فَتَياتِكُمْ المُؤْمِناتِ} يعني بالنكاح.
وقال آخرون: ذلك من الله على الإرشاد والندب, لا على التحريم. وممن قال ذلك جماعة من أهل العراق. ذكر من قال ذلك:
7327ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مغيرة, قال: قال أبو ميسرة, أما أهل الكتاب بمنزلة الحرائر.
ومنهم أبو حنيفة وأصحابه. واعتلوا لقولهم بقول الله: {أُحِلّ لَكُمُ الطّيّباتُ وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُو الكِتابَ حِلّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلّ لَهُمْ والمُحْصَناتُ مِنَ المُؤْمِناتِ وَالمُحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إذَا آتَيْتُمُوهُنّ أُجُورَهُنّ} قالوا: فقد أحلّ الله محصنات أهل الكتاب عاما, فليس لأحد أن يخصّ منهنّ أمة ولا حرّة. قالوا: ومعنى قوله: {فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ}: غير المشركات من عبدة الأوثان.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: هو دلالة على تحريم نكاح إماء أهل الكتاب فإنهن لا يحللن إلا بملك اليمين¹ وذلك أن الله جلّ ثناؤه أحلّ نكاح الإماء بشروط, فما لم تجتمع الشروط التي سماها فيهنّ, فغير جائز لمسلم نكاحهنّ.
فإن قال قائل: فإن الاَية التي في المائدة تدلّ على إباحتهنّ بالنكاح؟ قيل: إن التي في المائدة قد أبان أن حكمها في خاصّ من محصناتهم, وأنها معنّى بها حرائرهم دون إمائهم, قوله: {مِنْ فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ} وليست إحدى الاَيتين دافعة حكمها حكم الأخرى, بل إحداهما مبينة حكم الأخرى, وإنما تكون إحداهما دافعة حكم الأخرى لو لم يكن جائزا اجتماع حكميهما على صحة, فأما وهما جائز اجتماع حكمهما على الصحة, فغير جائز أن يحكم لإحدهما بأنها دافعة حكم الأخرى إلا بحجة التسليم لها من خبر أو قياس, ولا خبر بذلك ولا قياس, والاَية محتملة ما قلنا: والمحصنات من حرائر الذين أوتوا الكتاب من قبلكم دون إمائهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاللّهُ أعْلَمُ بإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}.
وهذا من المؤخر الذي معناه التقديم وتأويل ذلك: ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات, فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات, فلينكح بعضكم من بعض, بمعنى: فلينكح هذا فتاة هذا. فـ«البعض» مرفوع بتأويل الكلام, ومعناه إذ كان قوله: {فَمِمّا مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} في تأويل: فلينكح مما ملكت أيمانكم, ثم ردّ بعضكم على ذلك المعنى فرفع. ثم قال جلّ ثناؤه: {واللّهُ أعْلَمُ بإيمَانِكُمْ}: أي والله أعلم بإيمان من آمن منكم بالله ورسوله, وما جاء به من عند الله, فصدق بذلك كله منكم, يقول: فلينكح من لم يستطع منكم طولاً لحرة من فتياتكم المؤمنات, لينكح هذا المقتر الذي لا يجد طولاً لحرّة من هذا الموسر فتاته المؤمنة التي قد أبدت الإيمان فأظهرته وكِلوا سرائرهنّ إلى الله, فإن علم ذلك إلى الله دونكم, والله أعلم بسرائركم وسرائرهن.
القول في تأويل قوله تعالى: {فانْكِحُوهُنّ بإذْنِ أهْلِهِنّ وآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ بالمَعْرُوفِ}.
يعني بقوله جل ثناؤه: {فانْكِحُوهُنّ} فتزوّجوهنّ, وبقوله: {بإذْنِ أهْلِهنّ}: بإذن أربابهن وأمرهم إياكم بنكاحهنّ ورضاهم ويعني بقوله: {وآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ}: وأعطوهنّ مهورهنّ: كما:
7328ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: {وآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ} قال: الصداق.
ويعني بقوله {بالمَعْرُوفِ} على ما تراضيتم به مما أحلّ الله لكم وأباحه لكم أن تجعلوه مهورا لهن.
القول في تأويل قوله: {مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتّخِذَاتِ أخْدَانٍ}.
يعني بقوله: {مُحْصَناتٍ} عفيفات, {غيرَ مُسافِحاتٍ} غير مزانيات, {ولا مُتّخِذَاتِ أخْدَانٍ} يقول: ولا متخذات أصدقاء على السفاح. وقد ذكر أن ذلك قيل كذلك, لأن الزواني كنّ في الجاهلية في العرب المعلنات بالزنا, والمتخذات الأخدان: اللواتي قد حبسن أنفسهنّ على الخليل والصديق للفجور بها سرّا دون الإعلان بذلك. ذكر من قال ذلك:
7329ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثنى معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: {مُحْصَناتٍ غيرَ مُسافِحَاتٍ وَلا مُتّخذَاتِ أخْدَانٍ} يعني: تنكحوهنّ عفائف غير زواني في سرّ ولا علانية. {وَلا مُتّخِذَاتِ أخْدَانٍ} يعني: أخلاّء.
7330ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثنى أبي, قال: ثنى عمي, قال: ثنى أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: {غيرَ مُسافِحاتٍ} المسافحات: المعالنات بالزنا. {وَلاَ مُتّخِذَاتِ أخْدَانٍ} ذات الخليل الواحد. قال: كان أهل الجاهلية يحرّمون ما ظهر من الزنا, ويستحلون ما خفي, يقولون: أما ما ظهر منه فهو لؤم, وأما ما خفي فلا بأس بذلك. فأنزل الله تبارك وتعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها ما بَطَنَ}.
7331ـ حدثني محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا معتمر, قال: سمعت داود يحدّث عن عامر, قال: الزنا زنيان: تزني بالخدن ولا تزني بغيره, وتكون المرأة شؤما. ثم قرأ: {مُحْصَناتٍ غيرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتّخِذَاتِ أخْدَانٍ}.
7332ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السدّي: أما المحصنات: فالعفائف, فلتنكح الأمة بإذن أهلها محصنة, والمحصنات: العفائف, غير مسافحة, والمسافحة: المعالنة بالزنا, ولا متخذة صديقا.
7333ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: {وَلا مُتّخِذَاتِ أخْدَانٍ} قال: الخيلة يتخذها الرجل, والمرأة تتخذ الخليل.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
7334ـ حدثنا بشربن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {مُحْصَناتٍ غيرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتّخِذَاتِ أخْدَانٍ} المسافحة: البغيّ التي تؤاجر نفسها مَن عرض لها, وذات الخدن: ذات الخليل الواحد. فنهاهم الله عن نكاحهما جميعا.
7335ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: {مُحْصَناتٍ غير مُسافِحَاتٍ وَلا مُتّخِذَاتِ أخْدانٍ} أما المحصنات, فهنّ الحرائر, يقول: تزوّج حرّة. وأما المسافحات: فهنّ المعلنات بغير مهر. وأما متخذات أخدان: فذات الخليل الواحد المسترّة به. نهى الله عن ذلك.
7336ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم, عن الشعبي, قال: الزنا وجهان قبيحان, أحدهما أخبث من الاَخر: فأما الذي هو أخبثهما فالمسافحة التي تفجر بمن أتاها, وأما الاَخر فذات الخدن.
7337ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: {مُحْصَناتٍ غَيرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتّخِذَاتِ أخْدَانٍ} قال: المسافح: الذي يَلْقَى المرأة فيفجُر بها, ثم يذهب وتذهب. والمخادن: الذي يقيم معها على معصية الله وتقيم معه, فذاك «الأخدان».
القول في تأويل قوله تعالى: {فإذَا أُحْصِنّ}.
اختلفت القراء في قراءة ذلك, فقرأه بعضهم: «فإذا أَحْصَنّ» بفتح الألف, بمعنى: إذا أسلمن فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالإسلام.
وقرأه آخرون: {فإذَا أُحْصِنّ} بمعنى: فإذا تزوجن فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالإزواج.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في أمصار الإسلام, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب في قراءته الصواب. فإن ظنّ ظانّ أن ما قلنا في ذلك غير جائز إذ كانتا مختلفتي المعنى, وإنما تجوز القراءة بالوجهين فيما اتفقت عليه المعاني فقد أغفل¹ وذلك أن معنيـي ذلك وإن اختلفا فغير دافع أحدهما صاحبه, لأن الله قد أوجب على الأمة ذات الإسلام وغير ذات الإسلام على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم الحد, فقال صلى الله عليه وسلم: «إذَا زَنَتْ أمَةُ أحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْها كِتابَ اللّهِ وَلا يُثَرّبْ عَلَيْها, ثُمّ إنْ عادتْ فَلْيَضْرِبْها كِتابَ اللّهِ وَلاَ يُثرّبْ عَلَيْها, ثُمّ إنْ عادَتْ فَلْيَضْرِبْها كِتابَ اللّهِ وَلا يُثَرّبْ عَلَيْها, ثُمّ إنْ زنَتْ الرّابِعَةَ فَلْيَضْرِبْها كِتابَ اللّهِ ولْيَبِعها ولَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ». وقال صلى الله عليه وسلم: «أقِيمُوا الحُدُودَ على ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ». فلم يخصص بذلك ذات زوج منهنّ ولا غير ذات زوج, فالحدود واجبة على موالي الإماء إقامتها عليهنّ إذا فجرن بكتاب الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل: فما أنت قائل فيما:
7338ـ حدثكم به ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا مالك بن أنس عن الزهري, عن عبيد الله بن عبد الله, عن أبي هريرة وزيد بن خالد: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة تزني ولم تحصن, قال: «اجْلِدْها, فإنْ زَنَتْ فاجْلِدْها, فإنْ زَنَتْ فاجْلِدْها, فإنْ زَنَتْ ـ فقال في الثالثة أو الرابعة : فَبِعْهَا وَلَوْ بِضٍفِيرٍ» والضفير: الشعر.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن عيينة, عن الزهري, عن عبيد الله بن عبد الله, عن أبي هريرة وزيد بن خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل فذكر نحوه.
فقد بين أن الحدّ الذي وجب إقامته بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإماء هو ما كان قبل إحصانهنّ¹ فأما ما وجب من ذلك عليهنّ بالكتاب, فبعد إحصانهنّ؟ قيل له: قد بينا أن أحد معاني الإحصان: الإسلام, وأن الاَخر منه التزويج وأن الإحصان كلمة تشتمل على معان شتى, وليس في رواية من روى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الأمة تزنى قبل أن تحصن, بيان أن التي سئل عنها النبيّ صلى الله عليه وسلم هي التي تزنى قبل التزويج, فيكون ذلك حجة لمحتجّ في أن الإحصان الذي سنّ صلى الله عليه وسلم حدّ الإماء في الزنا هو الإسلام دون التزويج, ولا أنه هو التزويج دون الإسلام. وإذ كان لا بيان في ذلك, فالصواب من القول, أن كل مملوكة زنت فواجب على مولاها إقامة الحدّ عليها, متزوّجة كانت أو غير متزوّجة, لظاهر كتاب الله والثابت من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, إلا من أخرجه من جوب الحدّ عليه منهنّ بما يجب التسليم له. وإذ كان ذلك كذلك تبين به صحة ما اخترنا من القراءة في قوله: {فإذَا أُحْصِنّ}. فإن ظنّ ظانّ أن في قول الله تعالى ذكره: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أنْ يَنْكِحَ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ فَمِمّا مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ} دلالة على أن قوله: {فإذَا أُحْصِنّ} معناه: تزوّجن, إذ كان ذكر ذلك بعد وصفهنّ بالإيمان بقوله: {مِنْ فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ} وحسب أن ذلك لا يحتمل معنى غير معنى التزويج, مع ما تقدم ذلك من وصفهنّ بالإيمان, فقد ظنّ خطأ¹ وذلك أنه غير مستحيل في الكلام أن يكون معنى ذلك: ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فيتاتكم المؤمنات, فإذا هنّ آمن فإن أتين بفاحشة, فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب, فيكون الخبر بيانا عما يجب عليهنّ من الحدّ إذا أتين بفاحشة بعد إيمانهنّ بعد البيان عما لا يجوز لناكحهنّ من المؤمنين من نكاحهنّ, وعمن يجوز نكاحه له منهنّ. فإذ كان ذلك غير مستحيل في الكلام فغير جائز لأحد صرف معناه إلى أنه التزويج دون الإسلام, من أجل ما تقدّم من وصف الله إياهنّ بالإيمان غير أن الذي نختار لمن قرأ: «مُحْصَناتٍ غيَرَ مُسافِحاتٍ» بفتح الصاد في هذا الموضع أن يقرأ {فإذَا أُحْصِنّ فإنْ أتَيْنَ بِفاحِشَةٍ} بضم الألف, ولمن قرأ {مُحْصِناتٍ} بكسر الصاد فيه, أن يقرأ: «فإذَا أحْصَنّ» بفتح الألف, لتأتلف قراءة القارىء على معنى واحد وسياق واحد, لقرب قوله: «محصنات» من قوله: {فإذَا أُحْصِنّ} ولو خالف من ذلك لم يكن لحنا, غير أن وجه القراءة ما وصفت.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك نظير اختلاف القراء في قراءته, فقال بعضهم: معنى قوله {فإذَا أُحْصِنّ}: فإذا أسلمن. ذكر من قال ذلك:
7339ـ حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع, قال: حدثنا بشر بن المفضل, عن سعيد, عن أبي معشر, عن إبراهيم, أن ابن مسعود, قال: إسلامها إحصانها.
7340ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني جرير بن حازم أن سليمان بن مهران حدثه عن إبراهيم بن يزيد, عن همام بن الحرث: أن النعمان بن عبد الله بن مقرّن سأل عبد الله بن مسعود, فقال: أَمَتي زنت؟ فقال: اجلدها خمسين جلدة! قال: إنها لم تحصن! فقال ابن مسعود: إحصانها إسلامها.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن حماد, عن إبراهيم: أن النعمان بن مقرن سأل ابن مسعود عن أمة زنت وليس لها زوج, فقال: إسلامها إحصانها.
حدثني ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن حماد, عن إبراهيم أن النعمان قال: قلت لابن مسعود: أمتي زنت؟ قال: اجلدها, قلت: فإنها لم تحصن! قال: إحصانها إسلامها.
7341ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيم, عن علقمة, قال: كان عبد الله يقول: إحصانها: إسلامها.
7342ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم, عن الشعبي أنه تلا هذه الاَية: {فإذَا أُحْصِنّ} قال: يقول: إذا أسلمن.
7343ـ حدثنا أبو هشام الرفاعي, قال: حدثنا يحيـى بن أبي زائدة, عن أشعث, عن الشعبي, قال: قال عبد الله: الأمة إحصانها: إسلامها.
7344ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, قال مغيرة: أخبرنا عن إبراهيم أنه كان يقول: {فإذَا أُحُصنّ} يقول: إذا أسلمن.
حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا يحيـى بن أبي زائدة, عن أشعث, عن الشعبي, قال: الإحصان: الإسلام.
7345ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, عن برد بن سنان, عن الزهري, قال: جلد عمر رضي الله عنه ولائد أبكارا من ولائد الإمارة في الزنا.
7346ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: {فإذَا أُحْصِنّ} يقول: إذا أسلمن.
7347ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن إسرائيل, عن جابر, عن سالم والقاسم, قالا: إحصانها: إسلامها وعفافها, في قوله: {فإذَا أُحْصِنّ}.
وقال آخرون: معنى قوله: {فإذا أُحْصِنّ}: فإذا تزوّجن. ذكر من قال ذلك:
7348ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثنى معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: {فإذا أُحْصِنّ} يعني: إذا تزوّجن حرّا.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا حصين, عن عكرمة, عن ابن عباس أنه كان يقرأ: {فإذَا أُحْصِنّ} يقول: إذا تزوّجن.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن عكرمة أن ابن عباس كان يقرأ: {فإذَا أُحْصِنّ} يقول: تزوّجن.
7349ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت ليثا, عن مجاهد, قال: إحصان الأمة أن ينكحها الحرّ, وإحصان العبد أن ينكح الحرّة.
7350ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن عمرو بن مرة, أنه سمع سعيد بن جبير يقول: لا تضرب الأمة إذا زنت ما لم تتزوّج.
7351ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الحسن في قوله: {فإذَا أُحْصِنّ} قال: أحصنتهن البُعُولة.
7352ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {فإذا أُحْصِنّ} قال: أحصنتهن البعولة.
7353ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني عياض بن عبد الله, عن أبي الزناد أن الشعبي أخبره, أن ابن عباس أخبره أنه أصاب جارية له قد كانت زنت, وقال: أحصنتها.
قال أبو جعفر: وهذا التأويل على قراءة من قرأ: {فإذَا أُحْصِنّ} بضمّ الألف, وعلى تأويل من قرأ: «فإذا أَحْصَنّ» بفتحها. وقد بينا الصواب من القول والقراءة في ذلك عندنا.
القول في تأويل قوله تعالى: {فإنْ أتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنّ نِصْفُ ما على المُحْصَناتِ مِنَ العَذَابِ}:
يعني جل ثناؤه بقوله: {فإنْ أتَيْنَ بِفاحِشَةٍ}: فإن أتت فتياتكم, وهنّ إماؤكم, بعد ما أَحْصنّ باسلام, أو أحصنّ بنكاح بفاحشة, وهي الزنا, {فَعَلَيْهِنّ نِصْفُ ما على المُحْصَناتِ مِنَ العَذَابِ} يقول: فعليهنّ نصف ما على الحرائر من الحدّ إذا هن زنين قبل الإحصان بالأزواج والعذاب الذي ذكره الله تبارك وتعالى في هذا الموضع هو الحدّ. وذلك النصف الذي جعله الله عذابا لمن أتى بالفاحشة من ازاء إذا هنّ أحصنّ خمسون جلدة, ونفي ستة أشهر, وذلك نصف عام, لأن الواجب على الحرّة إذا هي أتت بفاحشة قبل الإحصان بالزوج: جلد مائة, ونفي حَوْل, فالنصف من ذلك خمسون جلدة, ونفي نصف سنة, وذلك الذي جعله الله عذابا للإماء المحصنات إذا هن أتين بفاحشة. كما:
7354ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, ثنى معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس: {فَعَلَيْهِنّ نِصْفُ ما على المُحْصَناتِ مِنَ الَعذَابِ}.
7355ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {فإنْ أتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنّ نِصْفُ مَا عَلى المُحْصَناتِ مِنَ الَعذَابِ} خمسون جلدة, ولا نفي ولا رجم.
فإن قال قائل: وكيف {فَعَلَيْهِنّ نِصْفُ مَا عَلى المُحْصَناتِ مِنَ العَذَابِ} وهل يكون الجلد على أحد؟ قيل: إن معنى ذلك فلازم أبدانهنّ أن تجلد نصف ما يلزم أبدان المحصنات, كما يقال: عليّ صلاة يوم, بمعنى: لازم عليّ أن أصلي صلاة يوم, وعليّ الحجّ والصيام مثل ذلك, وكذلك عليه الحدّ بمعنى لازم له إمكان نفسه من الحدّ ليقام عليه.
القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ لَمِنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُمْ}.
يعني تعالى ذكره بقوله ذلك: هذا الذي أبحت أيها الناس من نكاح فتياتكم المؤمنات لمن لا يستطيع منكم طولاً لنكاح المحصنات المؤمنات, أبحته لمن خشي العنت منكم دون غيره ممن لا يخشى العنت.
واختلف أهل التأويل في هذا الموضع, فقال بعضهم: هو الزنا. ذكر من قال ذلك:
7356ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت ليثا, عن مجاهد, قوله: {لِمَنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُمْ} قال: الزنا.
7357ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, عن العوّام, عمن حدثه, عن ابن عباس أنه قال: ما ازْلَحَفّ ناكح الأمة عن الزنا إلا قليلاً.
7358ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثنى معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قال: العنت: الزنا.
حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبيد بن يحيـى, قال: حدثنا شريك, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: العنت: الزنا.
7359ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا أبو بشر, عن سعيد بن جبير, قال: ما ازلحفّ ناكح الأمة عن الزنا إلا قليلاً, ذلك لمن خشي العنت منكم.
حدثنا أبو سلمة, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جبير نحوه.
7360ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا حبان بن موسى, قال: أخبرنا ابن المبارك, قال: أخبرنا فضيل بن مرزوق, عن عطية في قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُمْ} قال: الزنا.
حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبي حماد, قال: حدثنا فضيل, عن عطية العوفي, مثله.
7361ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك في قوله: {لِمَنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُمْ} قال: الزنا.
7362ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا عبيد, عن الشعبي وجويبر, عن الضحاك, قالا: العنت: الزنا.
حدثنا أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيم, قال: حدثنا فضيل بن مرزوق, عن عطية: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُمْ} قال: العنت: الزنا.
وقال آخرون: معنى ذلك: العقوبة التي تُعْنِتُهُ, وهي الحدّ.
والصواب من القول في قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُمْ}: ذلك لمن خاف منكم ضررا في دينه وبدنه. وذلك أن العنت هو ما ضرّ الرجل, يقال منه: قد عَنِتَ فلان فهو يَعْنَتُ عَنتا: إذا أتى ما يضره في دين أو دنيا, ومنه قول الله تبارك وتعالى: {وَدّوا ما عَنِتّمْ} ويقال: قد أعنتني فلان فهو يعنتني: إذا نالني بمضرّة¹ وقد قيل: العنت: الهلاك. فالذين وجهوا تأويل ذلك إلى الزنا, قالوا: الزنا ضرر في الدين, وهو من العنت. والذين وجهوه إلى الإثم, قالوا: الاَثام كلها ضرر في الدين وهي من العنت. والذين وجهوه إلى العقوبة التي تعنته في بدنه من الحدّ, فإنهم قالوا: الحدّ مضرّة على بدن المحدود في دنياه, وهو من العنت. وقد عمّ الله بقوله: {لِمَنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُمْ} جميع معاني العنت, ويجمع جميع ذلك الزنا, لأنه يوجب العقوبة على صاحبه في الدنيا بما يعنت بدنه, ويكتسب به إثما ومضرّة في دينه ودنياه. وقد اتفق أهل التأويل الذي هم أهله, على أن ذلك معناه. فهو وإن كان في عينه لذّة وقضاء شهوة فإنه بأدائه إلى العنت منسوب إليه موصوف به أن كان للعنت سببا.
القول في تأويل قوله تعالى: {وأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
يعني جلّ ثناؤه بذلك: وأن تصبروا أيها الناس عن نكاح الإماء خير لكم, والله غفور لكم نكاح الإماء أن تنكحوهنّ على ما أحلّ لكم وأذن لكم به, وما سلف منكم في ذلك إن أصلحتم أمور أنفسكم فيما بينكم وبين الله, رحيم بكم, إذ أذن لكم في نكاحهنّ عند الافتقاء وعدم الطول للحرة.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
7363ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا أبو بشر, عن سعيد بن جبير: {وأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} قال: عن نكاح الأمة.
7364ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت ليثا عن مجاهد: {وأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} قال: عن نكاح الإماء.
7365ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: {وأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} يقول: وأن تصبرَ ولا تنكح الأمة فيكون ولدك مملوكين فهو خير لك.
حدثنا محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: {وأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} يقول: وأن تصبروا عن نكاح الإماء خير لكم, وهو حلّ.
7366ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {وأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} يقول: وأن تصبروا عن نكاحهنّ, يعني: نكاح الإماء خير لكم.
7367ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا حبان بن موسى, قال: أخبرنا ابن المبارك, قال: أخبرنا فضيل بن مرزوق, عن عطية في قوله: {وأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} قال: أن تصبروا عن نكاح الإماء خير لكم.
7368ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا حبان, قال: حدثنا ابن المبارك, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: أخبرنا ابن طاوس, عن أبيه: {وأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} قال: أن تصبروا عن نكاح الأمة خير لكم.
7369ـ حدثني عليّ بن داود, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثنى معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس: {وأنْ تَصْبرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} قال: وأن تصبروا عن الأمة خير لكم.
و«أن» في قوله: {وأنْ تَصْبرُو} في موضع رفع بـ«خير», بمعنى: والصبر عن نكاح الإماء خير لكم.
الآية : 26
القول في تأويل قوله تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }..
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيّنَ لَكُمْ} حلاله وحرامه, {وَيهْدِيَكُمْ سُنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} يقول وليسددكم سنن الذين من قبلكم, يعني: سبل من قبلكم من أهل الإيمان بالله وأنبيائه ومناهجهم, فيما حرم عليكم من نكاح الأمهات والبنات والأخوات, وسائر ما حرم عليكم في الاَيتين اللتين بين فيهما ما حرم من النساء. {ويَتُوبَ عَلَيْكُمْ} يقول: يريد الله أن يرجع بكم إلى طاعته في ذلك مما كنتم عيه من معصيته في فعلكم ذلك قبل الإسلام, وقبل أن يوحي ما أوحى إلى نبيه من ذلك عليكم, ليتجاوز لكم بتوبتكم عما سلف منكم من قبيح ذلك قبل إنابتكم وتوبتكم. {وَاللّهُ عَلِيمٌ} يقول: والله ذو علم بما يصلح عباده في أديانهم ودنياهم, وغير ذلك من أمورهم, وبما يأتون ويذرون ما أحلّ أو حرّم عليهم حافظ ذلك كله عليهم, حكيم بتدبيره فيهم في تصريفهم فيما صرفهم فيه.
واختلف أهل العربية في معنى قوله: {يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيّنَ لَكُمْ} فقال بعضهم: معنى ذلك, يريد الله هذا من أجل أن يبين لكم, وقال: ذلك كما قال: {وَأُمِرْتُ لاِءَعْدِلَ بَيْنُكُمْ} بكسر اللام, لأن معناه: أمرت بهذا من أجل ذلك.
وقال آخرون: معنى ذلك: يريد الله أن يبين لكم, ويهديكم سنن الذين من قبلكم¹ وقالوا: من شأن العرب التعقيب بين كي ولام كي وأن, ووضع كل واحدة منهنّ موضع كل واحدة من أختها مع أردت وأمرت, فيقولون: أمرتك أن تذهب ولتذهب, وأردت أن تذهب ولتذهب, كما قال الله جلّ ثناؤه: {وأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبّ الْعَالَمِينَ}, وقال في موضع آخر: «وأُمِرْتُ أنْ أكُونَ أوّلَ مَن أسْلَمَ», وكما قال: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ}, ثم قال في موضع آخر: {يُرِيدُونَ أنْ يُطْفِئُو} واعتلوا في توجيههم «أن» مع «أمرت» و«أدت» إلى معنى «كي» وتوجيه «كي» مع ذلك إلى معنى «أن» لطلب «أردت» و«أمرت» الاستقبال, وأنها لا يصلح معها الماضي, لا يقال: أمرتك أن قمت ولا أردت أن قمت. قالوا: فلما كانت «أن» قد تكون مع الماضي في غير «أردت» و«أمرت», ذكروا لها معنى الاستقبال بما لا يكون معه ماض من الأفعال بحال, من «كي» واللام التي في معنى «كي»¹ قالوا: وكذلك جمعت العرب بينهنّ أحيانا في الحرف الواحد, فقال قائلهم في الجمع:
أرَدْتَ لِكَيْما أنْ تَطِيرَ بِقِرْبَتِيفَتَتْرُكَهَا شَنّا بِبَيْدَاءَ بَلْقَعِ
فجمع بينهنّ لاتفاق معانيهنّ واختلاف ألفاظهنّ, كما قال الاَخر:
قدْ يَكْسِبُ المَالَ الهِدانُ الجافِيبغير لا عَصْفٍ ولا اصْطِرَافِ
فجمع بين «غير» و«لا», توكيدا للنفي¹ قالوا: وإنما يجوز أن يجعل «أن» مكان كي, وكي مكان أن في الأماكن التي لا يصحب جالب ذلك ماض من الأفعال أو غير المستقبل¹ فأما ما صحبه ماض من الأفعال وغير المستقبل فلا يجوز ذلك. لا يجوز عندهم أن يقال: ظننت ليقوم, ولا أظنّ ليقوم, بمعنى: أظنّ أن يقوم, لأن التي تدخل مع الظن تكون مع الماضي من الفعل, يقال: أظنّ أن قد قام زيد ومع المستقبل ومع الأسماء.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي قول من قال: إن اللام في قوله: {يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيّنَ لَكُمْ} بمعنى: يريد الله أن يبين لكم¹ لما ذكرت من علة من قال إن ذلك كذلك