تفسير الطبري تفسير الصفحة 83 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 83
084
082
 الآية : 27
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الّذِينَ يَتّبِعُونَ الشّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً }..
يعني بذلك تعالى ذكره: والله يريد أني يراجع بكم طاعته, والإنابة إليه, ليعفو لكم عما سلف من آثامكم, ويتجاوز لكم عما كان منكم في جاهليتكم من استحلالكم ما هو حرام عليكم من نكاح حلائل آبائكم وأبنائكم, وغير ذلك مما كنت تستحلونه وتأتونه, مما كان غير جائز لكم إتيانه من معاصي الله {ويُرِيدُ الّذِينَ يَتّبِعُونَ الشّهَواتِ} يقول: يريد الذين يطلبون لذات الدنيا وشهوات أنفسهم فيها, أن تميلوا عن أمر الله تبارك وتعالى, فتجوروا عنه بإتيانكم ما حرّم عليكم وركوبكم معاصيه {مَيْلاً عَظِيم} جورا وعدولاً عنه شديدا.
واختلف أهل التأويل في الذين وصفهم الله بأنه يتبعون الشهوات, فقال بعضهم: هم الزناة. ذكر من قال ذلك:
7370ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: {ويُرِيدُ الّذِينَ يَتّبعُونَ الشّهَوَاتِ} قال: الزنا. {أنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيم} قال: يريدون أن تزنوا.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: {ويُرِيدُ الّذِينَ يَتّبعُونَ الشّهَوَاتِ أنْ تَميلُوا مَيْلاً عَظِيم} أن تكونوا مثلهم تزنون كما يزنون.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثنى حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: {ويُرِيدُ الّذِينَ يَتّبِعُونَ الشّهَواتِ} قال: الزنا. {أنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيم} قال: يزني أهل الإسلام كما يزنون. قال: هي كهيئة {وَدّوا لَوْتُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يحيـى بن أبي زائدة, عن ورقاء عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: {ويُرِيدُ الّذِينَ يَتّبِعُونَ الشّهَوَاتِ} قال: الزنا. {أنْ تَمِيلُو} قال: أن تزنوا.
وقال آخرون: بل هم اليهود والنصارى. ذكر من قال ذلك:
7371ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: {ويُرِيدُ الّذِينَ يَتّبعُونَ الشّهَوَاتِ} قال: هم اليهود والنصارى¹ {أنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيم}.
وقال آخرون: بل هم اليهود خاصة, وكانت إرادتهم من المسلمين اتباع شهواتهم في نكاح الأخوات من الأب, وذلك أنهم يحلون نكاحهنّ, فقال الله تبارك وتعالى للمؤمنين: ويريد الذين يحللون نكاح الأخوات من الأب, أن تميلوا عن الحقّ, فتستحلوهنّ كما استحلوا.
وقال آخرون: معنى ذلك: كل متبع شهوة في دينه لغير الذي أبيح له. ذكر من قال ذلك:
7372ـ حدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سمعت ابن زيد يقول في قوله: {ويُرِيدُ الّذِينَ يَتّبِعُونَ الشّهَوَاتِ}... الاَية, قال: يريد أهل الباطل وأهل الشهوات في دينهم, {أنْ تَمِيلُو} في دينكم {مَيْلاً عَظِيم} تتبعون أمر دينهم, وتتركون أمر الله وأمر دينكم.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: ويريد الذين يتبعون شهوات أنفسهم من أهل الباطل, وطلاب الزنا, ونكاح الأخوات من الاَباء, وغير ذلك مما حرّمه الله أن تميلوا ميلاً عظيما عن الحقّ, وعما أذن الله لكم فيه, فتجوروا عن طاعته إلى معصيته, وتكونوا أمثالهم في اتباع شهوات أنفسكم فيما حرّم الله وترك طاعته, ميلاً عظيما.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب, لأن الله عزّ وجلّ عمّ بقوله: {ويُرِيدُ الّذِينَ يَتّبعُونَ الشّهَوَاتِ} فوصفهم باتباع شهوات أنفسهم المذمومة, وعمهم بوصفهم بذلك من غير وصفهم باتباع بعض الشهوات المذمومة. فإذ كان ذلك كذلك, فأولى المعاني بالاَية ما دلّ عليه ظاهرها دون باطنها الذي لا شاهد عليه من أصل أو قياس. وإذ كان ذلك كذلك كان داخلاً في الذين يتبعون الشهوات اليهود والنصارى والزناة وكل متبع باطلاً, لأن كل متبع ما نهاه الله عنه فمتبع شهوة نفسه. فإذ كان ذلك بتأويل الاَية أولى, وجبت صحة ما اخترنا من القول في تأويل ذلك.
الآية : 28
القول في تأويل قوله تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً }..
يعني جلّ ثناأه بقوله: {يُرِيدُ الله أن يخَفّفَ عَنْكُمْ}: يريد الله أن ييسر عليكم بإذنه لكم في نكاح الفتيات المؤمنات إذا لم تستطيعوا طولاً لحرّة. {وَخُلِقَ الإنْسانُ ضَعيف} يقول: يسر ذلك عليكم إذا كنتم غير مستطيعي الطول للحرائر, لأنكم خلقتم ضعفاء عجزة عن ترك جماع النساء قليلي الصبر عنه, فأذن لكم في نكاح فتياتكم المؤمنات, عند خوفكم العنت على أنفسكم, ولم تجدوا طولاً لحرة لئلا تزنوا, لقلة صبركم على ترك جماع النساء.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
7373ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: {يُرِيدُ اللّهُ أنْ يُخَفّفَ عَنْكُمْ} في نكاح الأمة, وفي كلّ شيء فيه يسر.
7374ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري, قال: حدثنا سفيان, عن ابن طاوس, عن أبيه: {وخُلِقَ الإنْسانُ ضَعِيف} قال: في أمر الجماع.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفيان, عن ابن طاوس, عن أبيه: {وَخُلِقَ الإنْسانُ ضَعِيف} قال: في أمر النساء.
حدثنا الحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن طاوس, عن أبيه: {وَخُلِقَ الإنْسانُ ضَعِيف} قال: في أمور النساء, ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في النساء.
7375ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: {يُرِيدُ اللّهُ أنْ يُخَفّفَ عَنْكُمْ} قال: رخص لكم في نكاح هؤلاء الإماء حين اضطرّوا إليهنّ, {وَخُلِقَ الإنْسانُ ضَعيف} قال: لو لم يرخص له فيها لم يكن إلا الأمر الأول إذا لم يجد حرّة.
الآية : 29
القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوَاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوَاْ أَنْفُسَكُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }..
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُو} صَدّقوا الله ورسوله, {لا تَأْكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطلِ} يقول: لا يأكل بعضكم أموال بعض بما حرم عليه من الربا والقمار, وغير ذلك من الأمور التي نهاكم الله عنها, إلا أن تكون تجارة. كما:
7376ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السدّي: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تأْكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطِلِ, إلاّ أنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنكُم} نهى عن أكلهم أموالهم بينهم بالباطل وبالربا والقمار والبخس والظلم, إلا أن تكون تجارة, ليربح في الدرهم ألفا إن استطاع.
7377ـ حدثني محمد بن المثنى, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا خالد الطحان, قال: أخبرنا داود بن أبي هند, عن عكرمة, عن ابن عباس في قوله تعالى: {لا تَأْكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطِلِ} قال: الرجل يشتري السلعة, فيردّها ويردّ معها درهما.
حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا بعد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن عكرمة, عن ابن عباس في الرجل يشتري من الرجل الثوب, فيقول: إن رضيته أخذته, وإلا رددته ورددت معه درهما, قال: هو الذي قال الله: {لا تَأْكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطِلِ}.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الاَية بالنهي عن أن يأكل بعضهم طعام بعض إلا بشراء, فأما قِرًى فإنه كان محظورا بهذه الاَية, حتى نسخ ذلك بقوله في سورة النور: {لَيْسَ على الأعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعْرجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى المَرِيضِ حَرَجٌ وَلا على أنْفُسِكُمْ أنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ}... الاَية. ذكر من قال ذلك:
7378ـ حدثني محمد بن حميد, قال: حدثنا يحيـى بن واضح, عن الحسن بن واقد, عن يزيد النحويّ, عن عكرمة والحسن البصريّ, قالا في قوله: {لا تَأْكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطلِ إلاّ أنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَرَاضِ مِنْكُمْ}... الاَية, فكان الرجل يتحرّج أن يأكل عند أحد من الناس بعد ما نزلت هذه الاَية, فنسخ ذلك بالاَية التي في سورة النور, فقال: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتَكُمْ أوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أوْ بُيُوتِ أُمّهاتِكُمْ»... إلى قوله: {جَمِيعا أوْ أشْتات} فكان الرجل الغنيّ يدعو الرجل من أهله إلى الطعام, فيقول: إني لأتجنح ـ والتجنح: التحرّج ويقول: المساكين أحقّ مني به. فأحلّ من ذلك أن يأكلوا مما ذكر اسم الله عليه, وأحلّ طعام أهل الكتاب.
قال أبو جعفر: وأولى هذين القولين بالصواب في ذلك قول السدي: وذلك أن الله تعالى ذكره حرّم أكل أموالنا بيننا بالباطل, ولا خلاف بين المسلمين أن أكل ذلك حرام علينا, فإن الله لم يحلّ قَطّ أكل الأموال بالباطل, وإذا كان ذلك كذلك فلا معنى لقول من قال: كان ذلك نهيا عن أكل الرجل طعام أخيه قرى على وجه ما أذن له, ثم نسخ ذلك لنقل علماء الأمة جميعا وجها لها أن قرى الضيف, وإطعام الطعام كان من حميد أفعال أهل الشرك والإسلام, التي حمد الله أهلها عليه وندبهم إليها, وإن الله لم يحرّم ذلك في عصر من العصور, بل ندب الله عباده, وحثهم عليه, وإذ كان ذلك كذلك فهو من معنى الأكل بالباطل خارج, ومن أن يكون ناسخا أو منسوخا بمعزل, لأن النسخ إنما يكون لمنسوخ, ولم يثبت النهي عنه, فيجوز أن يكون منسوخا بالإباحة. وإذ كان ذلك كذلك, صحّ القول الذي قلناه, من أن الباطل الذي نهى الله عن أكل الأموال به, هو ما وصفنا مما حرمه على عباده في تنزيله, أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم, وشذّ ما خالفه.
واختلفت القراء في قراءة قوله: {إلاّ أنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} فقرأها بعضهم: {إلاّ أنْ تَكُونَ تِجاَرةٌ} رفعا بمعنى: إلا أن توجد تجارة, أو تقع تجارة عن تراض منكم, فيحلّ لكم أكلها حينئذٍ بذلك المعنى. ومذهب من قرأ ذلك على هذا الوجه «أن تكون» تامة ههنا لا حاجة بها إلى خبر على ما وصفت¹ وبهذه القراءة قرأ أكثر أهل الحجاز وأهل البصرة. وقرأ ذلك آخرون, وهم عامة قراء الكوفيين: {إلاّ أنْ تَكُونَ تِجَارَةً} نصبا, بمعنى: إلا أن تكون الأمْوَلُ التي تأكلونها بينكم تجارة عن تراض منكم, فيحل لكم هنالك أكلها, فتكون الأموال مضمرة في قوله: {إلاّ أنْ تَكُونَ} والتجارة منصوبة على الخبر. وكلتا القراءتين عندنا صواب جائز القراءة بهما, لاستفاضتهما في قراءة الأمصار مع تقارب معانيهما. غير أن الأمر وإن كان كذلك, فإن قراءة ذلك بالنصب أعجب إليّ من قراءته بالرفع, لقوّة النصب من وجهين: أحدهما: أنّ في تكون ذكرا من الأموال¹ والاَخر: أنه لو لم يجعل فيها ذكر منها ثم أفردت بالتجارة وهي نكرة, كان فصيحا في كلام العرب النصب, إذ كانت مبنية على اسم وخبر, فإذا لم يظهر معها إلا نكرة واحدة نصبوا ورفعوا, كما قال الشاعر:
إذَا كانَ طَعْنا بَيْنَهُمْ وَعِنَاقا
ففي هذه الاَية إبانة من الله تعالى ذكره عن تكذيب قول الجهلة من المتصوّفة المنكرين طلب الأقوات بالتجارات والصناعات, والله تعالى يقول: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطلِ إلاّ أنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}: اكتسابا أحلّ ذلك لها. كما:
7379ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: قوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطلِ إلاّ أنْ تَكُون تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ} قال: التجارة رزق من رزق الله, وحلال من حلال الله لمن طلبها بصدقها وبرّها, وقد كنا نحدّث أن التاجر الأمين الصدوق مع السبعة في ظلّ العرش يوم القيامة.
وأما قوله: {عَنْ تَراضٍ} فإن معناه كما:
7380ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله تبارك وتعالى: {عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} في تجارة أو بيع أو عطاء يعطيه أحد أحدا.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شيل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: {عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} في تجارة أو بيع أو عطاء يعطيه أحد أحدا.
7381ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن القاسم, عن سليمان الجعفي, عن أبيه, عن ميمون بن مهران, قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البَيْعُ عَنْ تَراضٍ, وَالخيارُ بَعْدَ الصّفْقَةِ, وَلا يَحِلّ لُمسْلمٍ أنْ يَغُشّ مُسْلِما».
7382ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثنى حجاج, عن ابن جريج, قال: قلت لعطاء: المماسحة بيع هي؟ قال: لا, حتى يخيره التخيير بعد ما يجب البيع, إن شاء أخذ وإن شاء ترك.
واختلف أهل العلم في معنى التراضي في التجارة, فقال بعضهم: هو أن يخير كل واحد من المتبايعين بعد عقدهما البيع بينهما فيما تبايعا فيه من إمضاء البيع أو نقضه, أو يتفرّقا عن مجلسهما الذي تواجبا فيه البيع بأبدانهما, عن تراض منهما بالعقد الذي تعاقداه بينهما قبل التفاسخ. ذكر من قال ذلك:
7383ـ حدثنا ابن بشار قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: ثنى أبي, عن قتادة, عن محمد بن سيرين, عن شريح قال: اختصم رجلان, باع أحدهما من الاَخر بُرْنُسا, فقال: إني بعت من هذا برنسا, فاسترضيته فلم يرضني. فقال: أرضه كما أرضاك! قال: إني قد أعطيته دراهم ولم يرض. قال: أرضه كما أرضاك! قال: قد أرضيته فلم يرض. فقال: البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن عبد الله بن أبي السفر, عن الشعبي, عن شريح, قال: البيعان بالخيار ما لم يتفرّقا.
حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, عن شعبة, عن الحكم, عن شريج, مثله.
7384ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد, قال: حدثنا شعبة, عن جابر, قال: ثنى أبو الضحى, عن شريح أنه قال: البيعان بالخيار ما لم يتفرّقا. قال: قال أبو الضحى: كان شريح يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, بنحوه.
7385ـ وحدثني الحسن بن يزيد الطحان, قال: حدثنا إسحاق بن منصور, عن عبد السلام, عن رجل, عن أبي حوشب, عن ميمون, قال: اشتريت من ابن سيرين سابريّا فسام عليّ سَوْمَة, فقلت: أحسن! فقال: إما أن تأخذ وإما أن تدع. فأخذت منه, فلما زنت الثمن وضع الدراهم, فقال: اختر إما الدراهم وإما المتاع! فاخترت المتاع فأخذته.
7386ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا هشيم, عن إسماعيل بن سالم, عن الشعبي أنه كان يقول في البيعين: إنهما بالخيار ما لم يتفرّقا, فإذا تصادر فقد وجب البيع.
7387ـ حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي, قال: حدثنا محمد بن عبيد, قال: حدثنا سفيان بن دينار, عن طيسلة, قال: كنت في السوق, وعليّ رضي الله عنه في السوق, فجاءته جارية إلى بَيّعِ فاكهة بدرهم, فقالت: أعطني هذا! فأعطاها إياه. فقالت: لا أريده أعطني درهمي! فأبي, فأخذه منه عليّ فأعطاها إياه.
7388ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن الشعبي أنه أتى في رجل اشترى من رجل برذونا ووجب له, ثم إن المبتاع ردّه قبل أن يتفرّقا, فقضى أنه قد وجب عليه. فشهد عنده أبو الضحى أن شريحا قضى في مثله أن يرده على صاحبه, فرجع الشعبي إلى قضاء شريح.
7389ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, قال: حدثنا هشام, عن ابن سيرين, عن شريح, أنه كان يقول في البيعين: إذا ادعى المشترى أنه قد أوجب له البيع, وقال البائع: لم أوجب له, قال شاهدان عدلان أنكما افترقتما عن تراض بعد بيع أو تخاير, وإلا فيمين البائع: أنكما (ما) افترقتما عن بيع ولا تخاير.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن أيوب, عن محمد, قال: كان شريح يقول: شاهدان ذوا عدل أنكما افترقتما عن تراض بعد بيع وتخاير, وإلا فيمينه بالله ما تفرّقتما عن تراض بعد بيع أو تخاير.
حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن المفضل, قال: حدثنا ابن عون, عن محمد بن سيرين, عن شريح أنه كان يقول: شاهدان ذوا عدل أنهما تفرّقا عن تراض بعد بيع أو تخاير.
وعلة من قال هذه المقالة ما:
7390ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا يحيـى بن سعيد, عن عبد الله, قال: أخبرني نافع, عن ابن عمر, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, قال: «كُلّ بَيّعَيْنِ فَلا بَيْعَ بَيْنَهُما حتى يَتَفَرّقا إلاّ أنْ يَكُونَ خِيارا».
7391ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا مروان بن معاوية, قال: ثنى يحيـى بن أيوب, قال: كان أبو زرعة إذا بايع رجلاً يقو له: خيّرني! ثم يقول: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَفْتَرِقُ اثْنانِ إلاّ عَنْ رِضا».
7392ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, قال: حدثنا أيوب, عن أبي قلابة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أهْلَ البَقِيعِ!» فسمعوا صوته, ثم قال: «يا أهْلَ البَقِيعِ!» فاشرأبوا ينظرون حتى عرفوا أنه صوته, ثم قال: «يا أهْلَ البَقِيعِ لا يَتَفَرّقَنّ بَيّعانِ إلاّ عَنْ رِضا».
7393ـ حدثني أحمد بن محمد الطوسيّ, قال: حدثنا النبيّ صلى الله عليه وسلم بايع رجلاً ثم قال له: «اخْتَرْ!» فقال: قد اخترت, فقال: «هَكَذَا البَيْعُ».
قالوا: فالتجارة عن تراض هو ما كان على بينه النبي صلى الله عليه وسلم من تخيير كل واحد من المشترى والبائع في إمضاء البيع فيما يتبايعانه بينهما, أو نقضه بعد عقد البيع بينهما وقبل الافتراق, أو ما تفرّقا عنه بأبدانهما, عن تراض منهما بعد مواجبة البيع فيه عن مجلسهما, فما كان بخلاف ذلك فليس من التجارة التي كانت بينهما عن تراض منهما.
وقال آخرون: بل التراضي في التجارة تواحب عقد البيع فيما تبايعه المتبايعان بينهما عن رضا من كل واحد منهما ما ملك عليه صاحبه وملك صاحبه عليه, افترقا عن مجلسهما ذلك أو لم يفترقا, تخايرا في المجلس أو لم يتخايرا فيه بعد عقده.
وعلة من قال هذه المقالة: أن البيع إنما هو بالقول, كما أن النكاح بالقول, ولا خلاف بين أهل العلم في الإجبار في النكاح لأحد المتناكحين على صاحبه, افترقا أو لم يفترقا عن مجلسهما, الذي جرى ذلك فيه قالوا: فكذلك حكم البيع. وتأوّلوا قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «البَيّعانِ بالخيارِ ما لَمْ يَتَفَرّقا» على أنه ما لم يتفرقا بالقول. وومن قال هذه المقالة مالك بن أنس, وأبو حنيفة, وأبو يوسف ومحمد.
قال أبو جعفر: وأولى القولين بالصواب في ذلك عندنا قول من قال: إن التجارة التي هي عن تراض بين المتبايعين: ما تفرق المتبايعان على المجلس الذي تواجبا فيه بينهما عقدة البيع بأبدانهما, عن تراض منهما بالعقد الذي جرى بينهما, وعن تخيير كل واحد منهما صاحبه¹ لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما:
7394ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, قال: أخبرنا أيوب, وحدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا أيوب, عن نافع, عن ابن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البَيّعانِ بالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرّقا, أوْ يَكُونَ بَيْعُ خِيارٍ» وربما قال: «أوْ يَقُولُ أحَدُهُما للاَخَرِ اخْتَرْ».
فإذ كان ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحا, فليس يخلو قول أحد المتبايعين لصاحبه اختر, من أن يكون قبل عقد البيع, أو معه, أو بعده. فإن يكن قبله, فذلك الخلف من الكلام الذي اختر, من أن يكون قبل عقد البيع, أو معه, أو بعده. فإن يكن قبله, فذلك الخلف من الكلام الذي لا معنى له, لأنه لم يملك قبل عقد البيع أحد المتبايعين على صاحبه, ما لم يكن له مالكا, فيكون لتخييره صاحبه فيما يملك عليه وجه مفهوم, ولا فيهما من يجهل أنه بالخيار في تمليك صاحبه ما هو له غير مالك بعوض يعتاضه منه, فيقال له: أنت بالخيار فيما تريد أن تحدثه من بيع أو شراء. أو يكون إن بطل هذا المعنى تخيير كل واحد منهما صاحبه مع عقد البيع, ومعنى التخيير في تلك الحال, نظير معنى التخيير قبلها, لأنها حالة لم يزل فيها عن أحدهما ما كان مالكه قبل ذلك إلى صاحبه, فيكون للتخيير وجه مفهوم. أو يكون ذلك بعد عقد البيع, إذا فسد هذان المعنيان. وإذا كان ذلك كذلك صحّ أن المعنى الاَخر من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم, أعني قوله: «ما لَمْ يَتَفَرَقّا» إنما هو التفرّق بعد عقد البيع, كما كان التخيير بعده, وإذا صحّ ذلك, فسد قول من زعم أن معنى ذلك: إنما هو التفرّق بالقول الذي به يكون البيع. وإذا فسد ذلك صحّ ما قلنا من أن التخيير والافتراق إنما هما معنيان بهما يكون تمام البيع بعد عقده, وصحّ تأويل من قال: معنى قوله: {إلاّ أنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} إلا أن يكون أكلكم الأموال التي يأكلها بعضكم لبعض عن ملك منكم عمن ملكتموها عليه بتجارة تبايعتموها بينكم, وافترقتم عنها, عن تراض منكم بعد عقد بينكم بأبدانكم, أو يخير بعضكم بعضا.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا تَقْتَلُوا أنْفُسَكُمْ إنّ اللّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيم}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وَلا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ} ولا يقتل بعضكم بعضا, وأنتم أهل ملة واحدة, ودعوة واحدة ودين واحد فجعل جلّ ثناؤه أهل الإسلام كلهم بعضهم من بعض, وجعل القاتل منهم قتيلاً في قتله إياه منهم بمنزلة قتله نفسه, إذ كان القاتل والمقتول أهل يد واحدة على من خالف ملتهما. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
7395ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: {وَلا تَقْتَلُوا أنْفُسَكُمْ} يقول: أهلَ ملتكم.
7396ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثنى حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء بن أبي رباح: {وَلا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ} قال: قتل بعضكم بعضا.
وأما قوله جل ثناؤه: {إنّ الله كانَ بِكُمْ رَحِيم} فإنه يعني أن الله تبارك وتعالى لم يزل رحيما بخلقه, ومن رحمته بكم كفّ بعضكم عن قتل بعض أيها المؤمنون, بتحريم دماء بعضكم على بعض إلا بحقها, وحظر أكل مال بعضكم على بعض بالباطل, إلا عن تجارة يملك بها عليه برضاه وطيب نفسه, لولا ذلك هلكتم وأهلك بعضكم بعضا قتلاً وسلبا وغصبا.
الآية : 30
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً }.
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَان} فقال بعضهم: معنى ذلك: ومن يقتل نفسه, بمعنى: ومن يقتل أخاه المؤمن عدوانا وظلما {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نار}. ذكر من قال ذلك:
7397ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثنى حجاج, عن ابن جريج, قال: قلت لعطاء أرأيت قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانا وَظُلْما فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نار} في كل ذلك, أو في قوله: {وَلا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ}؟ قال: بل في قوله: {وَلا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ}.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ومن يفعل ما حرّمته عليه من أوّل هذه السورة إلى قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلكَ} من نكاح من حرّمت نكاحه, وتعدّى حدوده, وأكل أموال الأيتام ظلما, وقتل النفس المحرّم قتلها ظلما بغير حقّ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ومن يأكل مال أخيه المسلم ظلما بغير طيب نفس منه وقتل أخاه المؤمن ظلما, فسوف نصليه نارا.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال معناه: ومن يفعل ما حرّم الله عليه من قوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَرِثُوا النّساءَ كَرْه}... إلى قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} من نكاح المحرّمات, وعضل المحرّم عضلها من النساء, وأكل المال بالباطل, وقتل المحرّم قتله من المؤمنين, لأن كل ذلك مما وعد الله عليه أهله العقوبة.
فإن قال قائل: فما منعك أن تجعل قوله: {ذَلِكَ} معنيا به جميع ما أوعد الله عليه العقوبة من أول السورة؟ قيل: منع ذلك أن كل فصل من ذلك قد قرن بالوعيد, إلى قوله: {أُولَئِكَ أعْتَدْنا لَهُمْ عَذَابا ألِيم} ولا ذكر للعقوبة من بعد ذلك على ما حرّم الله في الاَي التي بعده, إلى قوله: {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نار}. فكان قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} معنيا به ما قلنا مما لم يقرن بالوعيد مع إجماع الجميع على أن الله تعالى قد توعد على كل ذلك أولى من أن يكون معنيا به ما سلف فيه الوعيد بالنهي مقرونا قبل ذلك.
وأما قوله: {عُدْوَان} فإنه يعني به: تجاوزا لما أباح الله له إلى ما حرّمه عليه, {وَظُلْم} يعني: فعلاً منه ذلك بغير ما أذن الله به, وركوبا منه ما قد نهاه الله عنه. وقوله: {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَار} يقول: فسوف نورده نارا يصلي بها فيحترق فيها. {وكانَ ذلكَ على اللّهِ يَسِير} يعني: وكان إصلاء فاعل ذلك النار وإحراقه بها على الله سهلاً يسيرا, لأنه لا يقدر على الامتناع على ربه مما أراد به من سوء. وإنما يصعب الوفاء بالوعيد لمن توعده على من كان إذا حاول الوفاء به قدر المتوعد من الامتناع منه, فأما من كان في قبضة موعده فيسير عليه إمضاء حكمه فيه والوفاء له بوعيده, غير عسير عليه أمر أراده به.
الآية : 31-32
القول في تأويل قوله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مّدْخَلاً كَرِيماً * وَلاَ تَتَمَنّوْاْ مَا فَضّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىَ بَعْضٍ لّلرّجَالِ نَصِيبٌ مّمّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنّسَآءِ نَصِيبٌ مّمّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنّ اللّهَ كَانَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيماً }.
اختلف أهل التأويل في معنى الكبائر التي وعد الله جلّ ثناؤه عباده باجتنابها تكفير سائر سيئاتهم عنهم, فقال بعضهم: الكبائر التي قال الله تبارك وتعالى: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئاتِكُمْ} هي ما تقدم الله إلى عباده بالنهي عنه من أوّل سورة النساء إلى رأس الثلاثين منها. ذكر من قال ذلك:
7398ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن مسروق, عن عبد الله, قال: الكبائر من أوّل سورة النساء إلى ثلاثين منها.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن حماد, عن إبراهيم, عن عبد الله بمثله.
حدثني المثنى, قال: حجاج, قال: حدثنا حماد, عن إبراهيم, عن ابن مسعود, مثله.
حدثنا أبو هشام الرفاعي, قال: حدثنا وكيع, قال: حدثنا الأعمش, عن إبراهيم, قال: ثنى علقمة, عن عبد الله, قال: الكبائر من أوّل سورة النساء, إلى قوله: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ}.
حدثنا الرفاعي, قال: حدثنا أبو معاوية وأبو خالد, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن علقمة, عن عبد الله قال: الكبائر من أوّل سورة النساء, إلى قوله: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَونْ عَنْهُ}.
حدثني أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن مسلم, عن مسروق, قال: سئل عبد الله عن الكبائر, قال: ما بين فاتحة سورة النساء إلى رأس الثلاثين.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن حماد, عن إبراهيم, عن ابن مسعود, قال: الكبائر: ما بين فاتحة سورة النساء إلى ثلاثين آية منها: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ}.
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا مغيرة, عن إبراهيم, عن عبد الله, أنه قال: الكبائر من أوّل سورة النساء إلى الثلاثين منها: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ}.
7399ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن ابن عون, عن إبراهيم, قال: كانوا يرون أن الكبائر فيما بين أول هذه السورة, سورة النساء, إلى هذا الموضع: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ}.
حدثني المثنى, قال: حدثنا آدم العسقلاني, قال: حدثنا شعبة, عن عاصم بن أبي النجود, عن زرّ بن حبيش, عن ابن مسعود, قال: الكبائر من أوّل سورة النساء إلى ثلاثين آية منها. ثم تلا: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيم}.
حدثني المثنى, قال: حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مسعر, عن عاصم بن أبي النجود, عن زرّ بن حبيش, قال: قال عبد الله: الكبائر: ما بين أوّل سورة النساء إلى رأس الثلاثين.
وقال آخرون: الكبائر سبع. ذكر من قال ذلك:
7400ـ حدثني تميم بن المنتصر, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا محمد بن إسحاق, عن محمد بن سهل بن أبي حثمة, عن أبيه, قال: إني لفي هذا المسجد مسجد الكوفة, وعليّ رضي الله عنه يخطب الناس على المنبر, فقال: يا أيها الناس إن الكبائر سبع! فأصاخ الناس, فأعادها ثلاث مرات, ثم قال: ألا تسألوني عنها؟ قالوا¹ يا أمير المؤمنين ما هي؟ قال: الإشراك بالله, وقتل النفس التي حرّم الله, وقذف المحصنة, وأكل مال اليتيم, وأكل الربا, والفرار يوم الزحف, والتعرّب بعد الهجرة. فقلت لأبي: يا أبت التعرب بعد الهجرة, كيف لحق ههنا؟ فقال: يا نبيّ, وما أعظم من أن يهاجر الرجل, حتى إذا وقع سهمه في الفيء ووجب عليه الجهاد, خلع ذلك من عنقه فرجع أعرابيا كما كان.
7401ـ حدثني محمد بن عبيد المحاربي, قال: حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم, عن ابن إسحاق, عن عبيد بن عمير, قال: الكبائر سبع ليس منهنّ كبيرة إلا وفيها آية من كتاب الله, الإشراك بالله منهنّ: {وَمَنْ يُشركْ باللّهِ فكأنّمَا خَرّ مِنَ السّماءِ} و{الّذِينَ يَأْكُلُونَ أمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْما إنّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نار} وَ{الّذِينَ يأْكُلُونَ الرّبا لا يَقُومُونَ إلاّ كمَا يَقُومُ الّذِي يَتَخَبّطُهُ الشّيْطانُ مِنَ المَسّ} و{الّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ الغَافِلاَتِ المُؤْمِناتِ}, والفرار من الزحف: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيُتمُ الّذِينَ كَفَرُوا زَحْفا فَلا تُوَلّوهُمُ الأدْبارَ}, والتعرّب بعد الهجرة: {إنّ الّذِينَ ارْتَدّوا على أدْبِارِهمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيّنَ لَهُمُ الهُدَى}, وقتل النفس.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن ابن إسحاق, عن عبيد بن عمير الليثي, قال: الكبائر سبع: الإشراك بالله: {وَمَنْ يُشْرِكْ باللّهِ فَكأنّمَا خَرّ مِنَ السّمَاءِ فتَخْطَفُهُ الطّيْرُ أوْ تَهْوِى بِهِ الرّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ}, وقتل النفس: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنّمُ}... الاَية, وأكل الربا: {الّذِينَ يَأْكُلُونَ الرّبا لا يَقُومُونَ إلاّ كمَا يَقُومُ الّذِي يَتَخَبّطُهُ الشّيْطانُ مِنَ المَسّ}... الاَية, وأكل أموال اليتامى: {إنّ الّذِينَ يَأْكُلُونَ أمْوَالَ اليَتامَى ظُلْم}... الاَية, وقذف المحصنة: {إنّ الّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ الغَافِلاَتِ المؤمنات}... الاَية, والفرار من الزحف: {ومَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاّ مُتَحَرّفا لِقِتَالٍ أوْ مُتَحَيّزا إلى فِئَةٍ} ... الاَية. والمرتد أعرابيا بعد هجرته: {إنّ الّذِينَ ارْتَدّوا على أدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيّنَ لَهُمُ الهُدَى} الاَية.
7402ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, عن ابن عون, عن محمد, قال: سألت عبيدة عن الكبائر, فقال: الإشراك بالله, وقتل النفس التي حَرّمَ الله بغير حقها, وفرار يوم الزحف, وأكل مال اليتيم بغير حقه, وأكل الربا, والبهتان. قال: ويقولون أعرابية بعد هجرة. قال ابن عون: فقلت لمحمد فالسحر؟ قال: إن البهتان يجمع شرّا كثيرا.
7403ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا منصور وهشام, عن ابن سيرين, عن عبيدة أنه قال: الكبائر: الإشراك, وقتل النفس الحرام, وأكل الربا, وقذف المحصنة, وأكل مال اليتيم, والفرار من الزحف, والمرتدّ أعرابيا بعد هجرته.
حدثني يعقوب, قال حدثنا هشيم, ققال: حدثنا هشام, عن ابن سيرين, عن عبيدة, بنحو.
وعلة من قال هذه المقالة ما:
7404ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو صالح, قال: أخبرني الليث, قال: ثنى خالد, عن سعيد بن أبي هلال, عن نعيم المجمر, قال: أخبرني صهيب مولى العتواري أنه سمع من أبي هريرة وأبي سعيد الخدري يقولان: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما, فقال: «وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؟» ثَلاثَ مَرّاتٍ, ثم أكبّ, فأكبّ كل رجل منا يبكي لا يدري على ماذا حلف. ثم رفع رأسه وفي وجهه البشر, فكان أحبّ إلينا من حمر النعم, فقال: «ما مِنْ عَبْدٍ يُصَلّى الصّلَوَاتِ الخَمْسَ, وَيَصُومُ رَمَضَانَ, ويُخْرِجُ الزّكاةَ, وَيجْتَنِبُ الكَبائِرَ السّبْعَ, إلاّ فُتِحَتْ لَهُ أبْوَابُ الجَنّةِ, ثُمّ قِيلَ: ادْخُلْ بِسَلام».
7405ـ حدثنا الحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن شيخ من أهل مكة, قوله: {وَلا تَتَمَنّوْا مَا فَضّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ على بَعْضِ} قال: كان النساء يقلن: ليتنا رجال فنجاهد كما يجاهد الرجال, ونغزو في سبيل الله! فقال الله: {وَلا تَتَمَنّوْا ما فَضّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ على بَعْض}.
7406ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الحسن, قال: تتمنى مال فلان ومال فلان, وما يدريك لعلّ هلاكه في ذلك المال.
7407ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة ومجاهد أنهما قالا: نزلت في أمّ سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة.
7408ـ وبه قال: ثنى حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء, قال: هو الإنسان يقول: وددت أن لي مال فلان! قال: واسألوا الله من فضله, وقول النساء: ليتنا رجال فنغزو, ونبلغ ما يبلغ الرجال.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا يتمنّ بعضكم ما خصّ الله بعضا من منازل الفضل. ذكر من قال ذلك:
7409ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قوله: {وَلا تَتَمَنّوْا ما فَضّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ على بَعْض} فإن الرجال قالوا: نريد أن يكون لنا من الأجر الضعف على أجر النساء, كما لنا في السهام سهمان, فنريد أن يكون لنا في الأجر أجران, وقال النساء: نريد أن يكون لنا أجر مثل الرجال, فأنا لا نستطيع أن نقاتل, ولو كتب علينا القتال لقاتلنا. فأنزل الله تعالى الاَية, وقال لهم: سلوا الله من فضله, يرزقكم الأعمال, وهو خير لكم.
7410ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, عن أيوب, عن محمد, قال: نهيتم عن الأمانيّ, ودُللتم على ما هو خير منه, واسألوا الله من فضله.
7411ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عارم, قال: حدثنا حماد بن زيد, عن أيوب, قال: كان محمد إذا سمع الرجل يتمنى في الدنيا, قال: قد نهاكم الله عن هذا, {وَلاَ تَتَمَنّوْا ما فَضّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْض} ودلكم على خير منه, واسألوا الله من فضله.
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام على هذا التأويل: ولا تتمنوا أيها الرجال والنساء الذي فضل الله به بعضكم على بعض من منازل الفضل, ودرجات الخير وليرض أحدكم بما قسم الله له من نصيب, ولكن سلو الله من فضله.
القول في تأويل قوله تعالى: {للرّجالِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبُوا وَللنّساءِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبْنَ}.
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: للرجال نصيب مما اكتسبوا من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية, وللنساء نصيب من ذلك مثل ذلك. ذكر من قال ذلك:
7412ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {وَلا تَتَمَنّوْا ما فَضّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ للرّجالِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبُوا وللنّساءِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبْنَ} كان أهل الجاهلية لا يورثون المرأة شيئا ولا الصبيّ شيئا, وإنما يجعلون الميراث لمن يحترف وينفع ويدفع, فلما لحق للمرأة نصيبها وللصبيّ نصيبه, وجعل للذكر مثل حظّ الأنثيين, قال النساء: لو كان جعل أنصباءنا في الميراث كأنصباء الرجال! وقال الرجال: إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الاَخرة, كما فضلنا عليهنّ في الميراث! فأنزل الله: {للرّجالِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبُوا, وَللنّساءِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبْنَ}, يقول: المرأة تجزى بحسنتها عشر أمثالها كما يجزي الرجل, قال الله تعالى: {واسألُوا الله مِنْ فَضْلِهِ}.
7413ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد, قال: ثنى أبو ليلى, قال: سمعت أبا جرير يقول: لما نزل: {للذّكَر مِثْلَ حَظّ الأُنْثَيَيْنِ} قالت النساء: كذلك عليهم نصيبان من الذنوب, كما لهم نصيبان من الميراث! فأنزل الله: {للرّجالِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبُوا وَللنّساءِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبْنَ} يعني الذنوب, واسألوا الله يا معشر النساء من فضله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: للرجال نصيب مما اكتسبوا من ميراث موتاهم, وللنساء نصيب منهم. ذكر من قال ذلك:
7414ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثنى معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: {للرّجالِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبُوا وللنّساءِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبْنَ} يعني: ما ترك الوالدان والأقربون, يقول: {للذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الأُنْثَيْنِ}.
7415ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن أبي إسحاق, عن عكرمة أو غيره, في قوله: {للرّجالِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبُوا وَللنّساءِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبْنَ} قال: في الميراث كانوا لا يورّثون النساء.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بتأويل الاَية قول من قال معناه: للرجال نصيب من ثواب الله وعقابه مما اكتسبوا, فعملوه من خير أو شرّ, وللنساء نصيب مما اكتسبن من ذلك كما للرجال.
وإنما قلنا إن ذلك أولى بتأويل الاَية من قول من قال تأويله: للرجال نصيب من الميراث, وللنساء نصيب منه, لأن الله جلّ ثناؤه أخبر أن لكلّ فريق من الرجال والنساء نصيبا مما اكتسب, وليس الميراث مما اكتسبه الوارث, وإنما هو مال أورثه الله عن ميته بغير اكتساب, وإنما الكسب العمل, والمكتسب: المحترف, فغير جائز أن يكون معنى الاَية, وقد قال الله: {للرّجَالِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبُوا وَللنّساءِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبْنَ} للرجال نصيب مما ورثوا, وللنساء نصيب مما ورثن¹ لأن ذلك لو كان كذلك لقيل: للرجال نصيب مما لم يكتسبوا, وللنساء نصيب مما لم يكتسبن.
القول في تأويل قوله تعالى: {واسْئَلُوا اللّهَ مِنْ فَضْلِهِ}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: واسألوا الله من عونه وتوفيقه للعمل بما يرضيه عنكم من طاعته, ففضله في هذا الموضع: توفيقه ومعونته. كما:
7416ـ حدثنا محمد بن مسلم الرازي, قال: حدثنا أبو جعفر النفيلي, قال: حدثنا يحيـى بن يمان, عن أشعث, عن سعيد: {وَاسْئلُوا اللّهَ مِنْ فَضْلِهِ} قال: العبادة ليست من أمر الدنيا.
7417ـ حدثنا محمد بن مسلم, قال: ثنى أبو جعفر, قال: حدثنا موسى, عن ليث, قال: فضله العبادة ليس من أمر الدنيا.
7418ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هشام, عن ليث, عن مجاهد, في قوله: {وَاسْئَلُوا مِنْ فَضْلِهِ} قال: ليس بعرض الدنيا.
7419ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: {واسْئَلُوا اللّهَ مِنْ فَضْلِهِ} يرزقكم الأعمال, وهو خير لكم.
7420ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا إسرائيل, عن حكيم بن جبير, عن رجل لم يسمه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَلُوا اللّهَ مِنْ فَضْلِهِ فإنّهُ يُحِبّ أنْ يُسألَ, وإنّ مِنْ أفْضَلِ العِبادَةِ انْتِظارَ الفَرَج».
القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّهَ كانَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيم}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: إن الله كان بما يصلح عباده فيما قسم لهم من خير, ورفع بعضهم فوق بعض في الدين والدنيا, وبغير ذلك من قضائه وأحكامه فيهم {عَلِيم} يقول: ذا علم, ولا تتنموا غير الذي قضى لكم, ولكن عليكم بطاعته والتسليم لأمره, والرضا بقضائه ومسئلته من فضله.
الآية : 33
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلِكُلّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَالّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيداً }..
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوَالِيَ}: ولكلكم أيها الناس جعلنا موالي, يقول: ورثة من بني عمه وإخوته وسائر عصبته غيرهم. والعرب تسمي ابن العمّ المولى, ومنه قول الشاعر:
وَمَوْلًى رَمَيْنا حَوْلَهُ وَهُوَ مُدْغِلٌبِأعْرَاضِنا والمُنْدِياتُ سُرُوعُ
يعني بذلك: وابن عمّ رمينا حوله. ومنه قول الفضل بن العباس:
مَهْلاً بِنَى عَمّنا مَهْلاً مَوالِينالا تُظْهرِنّ لنَا ما كانَ مَدْفُونا
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
7421ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو أسامة, قال: حدثنا إدريس, قال: حدثنا طلحة بن مصرف, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, في قوله: {وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوَالِيَ} قال: ورثة.
حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثنى معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس: {وَلِكُلّ جَعَلنا مَوَالِيَ مِمّا تَرَكَ الوَالِدَانِ} قال: الموالي: العصبة, يعني: الورثة.
7422ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد, في قوله: {وَلِكُلّ جَعَلنا مَوَالِيَ} قال: الموالي: العصبة.
حدثنا الحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن منصور, عن مجاهد قوله: {وَلِكُلّ جَعَلنا مَوَالِيَ} قال: هم الأولياء.
7423ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {وَلِكُلّ جَعَلنا مَوَالِيَ} يقول: عصبة.
7424ـ حدثنا الحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: {وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوَالِيَ} قال: الموالي: أولياء الأب أو الأخ أو ابن الأخ أو غيرهما من العصبة.
7425ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: {وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوَالِيَ} أما موالي: فهم أهل الميراث.
7426ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: {وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوَالِيَ} قال: الموالي: العصبة هم كانوا في الجاهلية الموالي, فلما دخلت العجم على العرب لم يجدوا لهم أسما, فقال الله تبارك وتعالى: {فإنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فإخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ وَمَوَالِيكُمْ} فسموا الموالي. قال: والمولى اليوم موليان: مولى يرث ويورث فهؤلاء ذوو الأرحام, ومولى يورث ولا يرث فهؤلاء العَتَاقة¹ وقال: ألا ترون قول زكرياء: {وَإنّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائي}؟ فالموالي ههنا: الورثة ويعني بقوله: {مِمّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ}: مما تركه والده وأقرباؤه من الميراث.
فتأويل الكلام: ولكلكم أيها الناس جعلنا عصبة يرثون به مما ترك والده وأقرباؤه من ميراثهم.
القول في تأويل قوله تعالى:{وَالّذِينَ عَقَدَتْ أيمَانُكُمْ فآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ}.
اختلفت القراءة في قراءة ذلك, فقرأه بعضهم: {وَالّذِينَ عَقَدَتْ أيمَانُكُمْ} بمعنى: والذين عقدت أيمانكم الحلف بينكم وبينهم, وهي قراءة عامة قراء الكوفيين. وقرأ ذلك آخرون: «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ» بمعنى: والذين عاقدت أيمانكم وأيمانهم الحلِف بينكم وبينهم.
قال أبو جعفر: والذي نقول به في ذلك أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قراءة أمصار المسلمين بمعنى واحد وفي دلالة قوله: {أيمَانُكُمْ} على أنها أيمان العاقدين والمعقود عليهم الحلف, مستغنى عن الدلالة على ذلك بقراءة قوله «عقدت», «عاقدت», وذلك أن الذين قرءوا ذلك «عاقدت», قالوا: لا يكون عقد الحلف إلا من فريقين, ولا بدّ لنا من دلالة في الكلام على أن ذلك كذلك, وأغفلوا موضع دلالة قوله: «أيمانكم», على أن معنى ذلك: أيمانكم وأيمان المعقود عليهم, وأن العقد إنما هو صفة للأيمان دون العاقدين الحلف, حتى زعم بعضهم أن ذلك إذا قرىء: {عَقَدَتْ أيمَانُكُمْ} فالكلام محتاج إلى ضمير صلة في الكلام حتى يكون الكلام معناه: والذين عقدت لهم أيمانكم ذهابا منه عن الوجه الذي قلنا في ذلك من أن الأيمان معنىّ بها أيمان الفريقين وأما «عاقدت أيمانكم», فإنه في تأويل: عاقدت أيمان هؤلاء أيمان هؤلاء الحلف, فهما متقاربان في المعنى, وإن كانت قراءة من قرأ ذلك: {عَقَدَتْ أيمَانُكُمْ} بغير ألف, أصحّ معنى من قراءة من قرأه: «عَاقَدَتْ» للذي ذكرنا من الدلالة على المعنىّ في صفة الأيمان بالعقد على أنها أيمان الفريقين من الدلالة على ذلك بغيره. وأما معنى قوله: {عَقَدَتْ أيمَانُكُمْ} فإنه وصلت وشدّتْ ووكّدت أيمانكم, يعني: مواثيقكم التي واثق بعضهم بعضا, فآتوهم نصيبهم.
ثم اختلف أهل التأويل في معنى النصيب الذي أمر الله أهل الحلف أن يؤتي بعضهم بعضا في الإسلام, فقال بعضهم: هو نصيبه من الميراث لأنهم في الجاهلية كانوا يتوارثون, فأوجب الله في الإسلام من بعضهم لبعض بذلك الحلف, وبمثله في الإسلام من الموارثة مثل الذي كان لهم في الجاهلية, ثم نسخ ذلك بما فرض من الفرائض لذوي الأرحام والقرابات. ذكر من قال ذلك:
7427ـ حدثنا محمد بن حميد, قال: حدثنا يحيـى بن واضح, عن الحسن بن واقد, عن يزيد النحويّ, عن عكرمة والحسن البصريّ, في قوله: {وَالّذِينَ عَاقَدَتْ أيمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إنّ اللّهَ كانَ على كُلّ شَيْءٍ شَهِيد} قال: كان الرجل يحالف الرجل, ليس بنيهما نسب, فيرث أحدهما الاَخر, فنسخ الله ذلك في الأنفال, فقال: {وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلَى بِبَعضٍ في كِتابِ اللّهِ}.
7428ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جبير في قول الله: «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ» قال: كان الرجال يعاقد الرجل فيرثه, وعاقد أبو بكر رضي الله عنه مولى فورثه.
7429ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, ثني معاوية, عن علي بن طلحة, عن ابن عباس, قوله: «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ فآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ» فكان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الاَخر, فأنزل الله: {وأُلُوا الأرْحَامِ بَعْضَهُمُ أوْلَى بِبَعْضِ في كِتَابِ اللّهِ مِنَ المُؤْمِنينَ وَالمُهَاجِرِينَ إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُم مَعْرُوف} يقول: إلا أن يوصوا لأوليائهم الذين عاقدوا وصية فهو لهم جائز ن ثلث مال الميت, وذلك هو المعروف.
7430ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إنّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ شَهِيدا» كان الرجل يعاقد الرجلَ في الجاهلية, فيقول: دمى دمك, وهَدَمي هَدَمُ, وترثني وأرثك, وتطلب بي وأطلب بك. فجعل له السدس من جميع المال في الإسلاك, ثم يقسم أهل الميرات ميراثهم, فنسخ ذلك بعد في سورة الأنفال, فقال الله: {وأولُوا الأرْحَامِ بَعْضَهُمُ أوْلَى بِبَعْضِ في كِتَابِ اللّهِ}.
حدثنا الحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: «وَالّذِينَ عَاقَدَتْ أيمَانُكُمْ» قال: كان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول: دمى دمك, وترثني وأرثك, وتطلب بي وأطلب بك¹ فلما جاء الإسلام, بقي منهم ناس, فأمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث وهو السدس, ثم نسخ ذلك بالميراث, فقال: {وأولُوا الأرْحَامِ بَعْضَهُمُ أوْلَى بِبَعْضِ}.
حدثني المثنى, قال: حدثنا الحاجاج بن المنهال, قال: حدثنا همام بن يحيـى, قال: سمعت قتادة يقول في قوله: «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ فآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ» وذلك أن الرجل كان يعاقد الرجل في الجاهلية, فيقول: هدمى هدمك, ودمي دمك, وترثني وأرثك, وتطلب بي وأطلب بك. فجعل له السدس من جميع المال, ثم يقتسم أهل الميراث ميراثهم, فنسخ ذلك بعد الأنفال, فقال: {وأولُوا الأرْحَامِ بَعْضَهُمُ أوْلَى بِبَعْضِ في كِتَابِ اللّهِ} فصارت المواريث لذوي الأرحام.
7431ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن إسرائيل, عن جابر, عن عكرمة, قال: هذا حلف كان في الجاهلية, كان الرجل يقول للرجل: ترثني وأرثك, وتنصرني وأنصرك, وتعقل عني وأعقل عنك.
7432ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ» كان الرجل يتبع الرجل فيعاقده: إن متّ فلك مثل ما يرث بعض ولدي وهذا منسوخ.
7433ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثنى أبي, قال: ثنى عمي, قال: ثنى أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: «وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوَالِيَ مِمّا تَرَكَ الوَالِدانِ والأقْرَبُونَ وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصيبَهُمْ» فإن الرجل في الجاهلية قد كان يلحق به الرجل, فيكون تابعه, فإذا مات الرجل صار لأهله وأقاربه الميراث, وبقي تابعه ليس له شيء, فأنزل الله: «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ» فكان يعطَى من ميراثه, فأنزل الله بعد ذلك: {وأُولُوا الأرْحامٍ بَعْضُهُمْ أوْلَى بِبَعْضٍ في كِتاب اللّهِ}.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الاَية في الذين آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار, فكان بعضهم يرث بعضا بتلك المؤاخات ثم نسخ الله ذلك بالفرائض, وبقوله: {وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوَالِىَ ممّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأقْرَبُونَ}. ذكر من قال ذلك:
7434ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو أسامة, قال: حدثنا إدريس بن يزيد, قال: حدثنا طلحة بن مصرف, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, في قوله: «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ» قال: كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه, للأخوّة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم, فلما نزلت هذه الاَية: {وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوَالِيَ} نسخت.
7435ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكْم» الذين عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم, {فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} إذا لم يأت رحم يحول بينهم, قال: وهو لا يكون اليوم, إنما كان في نفر آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, وانقطع ذلك, ولا يكون هذا لأحد إلا للنبيّ صلى الله عليه وسلم, كان آخى بين المهاجرين والأنصار واليوم لا يؤاخي بين أحد.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الاَية في أهل العقد بالحلف, ولكنهم أمروا أن يؤتي بعضهم بعضا أنصباءهم من النصرة والنصيحة وما أشبه ذلك دون الميراث. ذكر من قال ذلك:
7436ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو أسامة, قال: حدثنا إدريس الأودي, قال: حدثنا طلحة بن مصرف, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: «وَالّذِين عَقَدَتْ إيمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصيبَهُمْ» من النصر والنصيحة والرفادة, ويوصي لهم, وقد ذهب الميراث.
7437ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد: {وَالّذِينَ عَقَدَتْ أيمَانُكُمْ} قال: كان حِلْفٌ في الجاهلية, فأمروا في الإسلام أن يعطوهم نصيبهم من العقل والنصرة والمشورة, ولا ميراث.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور, عن مجاهد أنه قال في هذه الاَية: «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ» من العون والنصر والخلف.
حدثنا الحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن منصور, عن مجاهد في قوله الله: «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ» قال: كان هذا حلفا في الجاهلية, فما كان الإسلام أمروا أن يؤتوهم نصيبهم من النصر والولاء والمشورة, ولا ميراث.
7438ـ حدثنا زكريا بن يحيـى بن أبي زائدة, قال: حدثنا حجاج, قال: ابن جريج: «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ» أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول: هو الحلف عقدت أيمانكم, قال: وأتوهم نصيبهم, قال: النصر.
7439ـ حدثني زكريا بن يحيـى, قال: حدثنا حجاج, قال: ابن جريج: أخبرني عطاء, قال: هو الحلف, قال: {فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} قال: العقل والنصر.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله: «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ» قال: لهم نصيبهم من النصر والرفادة والعقل..
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, نحوه.
7440ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا الحماني, قال: حدثنا شريك, عن سالم, عن سعيد: «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ» قال: هم الحلفاء.
7441ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا الحماني, قال: حدثنا عباد بن العوّام, عن خصيف, عن عكرمة, مثله.
7442ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ» أما عاقدت أيمانكم فالحلف كان الرجل في الجاهلية ينزل في القوم فيحالفونه على أنه منهم يواسونه بأنفسهم, فإذا كان لهم حقّ أو قتال كان مثلهم, وإذا كان له حقّ أو نصرة خذلوه¹ فلما جاء الإسلام سألوا عنه, وأبي الله إلا أن يشدده, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَمْ يَزِدِ الإسْلامُ الحُلَفاءَ إلاّ شِدّةً».
وقال آخرون: بل نزلت هذه الاَية في الذين كانوا يتبنون أبناء غيرهم في الجاهلية, فأمروا بالإسلام أن يوصوا لهم عند الموت وصية. ذكر من قال ذلك:
7443ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثنى الليث, عن عقيل, عن ابن شهاب, قال: ثنى سعيد بن المسيب, أن الله قال: «وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوَالِىَ مِمّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ» قال سعيد بن المسيب: إنما نزلت هذه الاَية في الذين كانوا يتبنون رجالاً غير أبنائهم ويورثونهم, فأنزل الله فيهم, فجعل لهم نصيبا في الوصية, وردّ الميراث إلى الموالي في ذوي الرحم والعصبة, وأبي الله للمدعين ميراثا ممن ادعاهم وتبّناهم, ولكن الله جعل لهم نصيبا في الوصية.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في تأويل قوله: {وَالّذِينَ عَقَدَتْ أيَمانُكُمْ} قول من قال: والذين عقدت أيمانكم على المحالفة, وهم الحلفاء, وذلك أنه معلوم عند جميع أهل العلم بأيام العرب وأخبارها أن عقد الحلف بينها كان يكون بالأيمان والعهود والمواثيق, على نحو ما قد ذكرنا من الرواية في ذلك. فإذ كان الله جلّ ثناؤه إنما وصف الذين عقدت أيمانهم ما عقدوه بها بينهم دون من لم يعقد عقد ما بينهم أيمانهم, وكانت مؤاخاة النبيّ صلى الله عليه وسلم بين من آخى بينه وبينه من المهاجرين والأنصار, لم تكن بينهم بأيمانهم, وكذلك التبني¹ كان معلوما أن الصواب من القول في ذلك قول من قال: هو الحلف دون غيره لما وصفنا من العلة.
وأما قوله: {فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} فإن أولى التأويلين به, ما عليه الجميع مجمعون من حكمه الثابت, وذلك إيتاء أهل الحلف الذي كان في الجاهلية دون الإسلام بعضهم بعضا أنصباءهم من النصرة والنصيحة والرأي دون الميراث, وذلك لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أنه قال: «لا حِلْفَ في الإسْلامِ, وما كَانَ مِنْ حِلْفٍ في الجَاهِلِيّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الإسْلامُ إلاّ شِدّةً».
7444ـ حدثنا بذلك أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن شريك, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
7445ـ وحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا مصعب بن المقدام, عن إسرائيل بن يونس, عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حِلْفَ في الإسْلامِ, وكُلّ حِلْف كانَ في الجاهِلِيَةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الإسْلامُ إلاّ شِدّةً, وَما يَسُرّني أنّ لي حُمْرَ النّعَمِ وأنّى نَقَضْتُ الحِلْفَ الّذِي كانَ فِي دَارِ النّدْوَةِ».
7446ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن أبيه, عن شعبة بن التوأم الضبيّ: أن قيس بن عاصم سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الحلف, فقال: «لا حِلْفَ فِي الإسْلامِ, وَلَكنْ تَمَسّكُوا بِحِلْفِ الجاهِلِيّةِ».
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا مغيرة, عن أبيه, عن شعبة بن التوأم, عن قيس بن عاصم أنه سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الحلف قال: فقال: «ما كانَ مِنْ حِلْفِ فِي الجاهِلِيّةِ فَتَمَسّكُوا بِهِ وَلا حِلْفَ فِي الإسْلامِ».
7447ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن داود بن أبي عبد الله, عن ابن جدعان, عمن حدثه, عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «لا حِلْفَ فِي الإسْلامِ, وَما كانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الجاهِلِيّةِ لَمْ يَزِدْهُ الإسْلامُ إلاّ شِدّةً».
7448ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا حسين المعلم. وحدثنا مجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حسين المعلم. وحدثنا حاتم بن بكر الضبيّ, قال: حدثنا عبد الأعلى, عن حسين المعلم, قال: حدثنا أبي, عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم فتح مكة: «فُوا بِحِلْفٍ, فإنّهُ لا يَزِيدُهُ الإسْلامُ إلاّ شِدّةً, وَلا تُحْدِثُوا حِلْفا في الإسْلامِ».
7449ـ حدثنا أبو كريب وعبدة بن عبد الله الصفار, قالا: حدثنا محمد بن بشر, قال: حدثنا زكريا بن أبي زائدة قال: ثنى سعد بن إبراهيم, عن أبيه, عن جبير بن مطعم: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا حِلْفَ فِي الإسْلامِ, وأيّمَا حِلْفٍ كانَ فِي الجاهِلِيّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الإسْلامُ إلاّ شِدّةً».
7450ـ حدثنا حميد بن مسعدة ومحمد بن عبد الأعلى, قالا: حدثنا بشر بن المفضل, قال: حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق, وحدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, عن عبد الرحمن بن إسحاق, عن الزهري, عن محمد بن جبير بن مطعم, عن أبيه, عن عبد الرحمن بن عوف, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «شَهِدْتُ حِلْفَ المُطَيّبِينَ وأنا غُلامٌ مَعَ عُمُومَتِي, فَمَا أُحِبّ أنّ لي حُمْرَ النّعَمِ وأَنّي أنْكُثُهْ» زاد يعقوب في حديثه عن ابن علية, قال: وقال الزهري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَمْ يُصِبِ الإسْلامُ حِلْفا إلاّ زَادَهُ شِدّةً» قال: «ولا حِلْفَ في الإسْلامِ», قال: وقد ألّف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار.
حدثنا تميم بن المنتصر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا محمد بن إسحاق, عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه, قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح, قام خطيبا في الناس, فقال: «يا أيّها النّاسُ ما كانَ مِنْ حِلْف في الجاهِلِيّةِ فإنّ الإسْلامَ لَمْ يَزِدْهُ إلاّ شِدّةً, وَلا حِلْفَ فِي الإسْلام».
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن بكير, قال: حدثنا محمد بن إسحاق, عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, نحوه.
حدثنا أبو كريب قال: حدثنا خالد بن مخلد, قال: حدثنا سليمان بن بلال, قال: حدثنا عبد الرحمن بن الحرث عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه.
فإذ كان ما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحا, وكانت الاَية إذا اختلف في حكمها منسوخ هو أم غير منسوخ, غير جائز القضاء عليه بأنه منسوخ ـ مع اختلاف المختلفين فيه, ولوجوب حكمها ونفي النسخ عنه وجه صحيح إلا بحجة يجب التسليم لها لما قد بينا في غير موضع من كتبنا الدلالة على صحة القول بذلك, فالواجب أن يكون الصحيح من القول في تأويل قوله: {وَالّذِينَ عَقَدَتْ أيمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصيبَهُمْ} هو ما ذكرنا من التأويل, وهو أن قوله: {عَقَدَتْ أيمَانُكُمْ} مِن الحلف, وقوله: {فَآتُوهُمْ نَصيبَهُمْ} من النصرة والمعونة والنصيحة والرأي على ما أمره به من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأخبار التي ذكرناه عنه, دون قول من قال: معنى قوله: {فآتُوهُمْ نَصيبَهُمْ} من الميراث, وإن ذلك كان حكما, ثم نسخ بقوله: {وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتاب اللّهِ} دون ما سوى القول الذي قلناه في تأويل ذلك. وإذا صحّ ما قلنا في ذلك وجب أن تكون الاَية محكمة لا منسوخة.
القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّهَ كانَ عَلى كُلّ شَيّءٍ شَهِيد}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: فآتوا الذين عقدت أيمانكم نصيبهم من النصرة والنصيحة والرأي, فإن الله شاهد على ما تفعلون من ذلك وعلى غيره من أفعالكم, مراع لكل ذلك حافظ, حتى يجازي جميعكم على جميع ذلك جزاءه, أما المحسن منكم المتبع أمري وطاعتي فبالحسنى, وأما المسيء منكم المخالف أمري ونهى فبالسوأي. ومعنى قوله: {شَهِيد}: ذو شهادة على ذلك