تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 107 من سورةهود - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾
[ سورة هود: 107]

معنى و تفسير الآية 107 من سورة هود : خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا


خَالِدِينَ فِيهَا ْ أي: في النار، التي هذا عذابها مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ْ أي: خالدين فيها أبدا، إلا المدة التي شاء الله, أن لا يكونوا فيها، وذلك قبل دخولها، كما قاله جمهور المفسرين، فالاستثناء على هذا، راجع إلى ما قبل دخولها، فهم خالدون فيها جميع الأزمان، سوى الزمن الذي قبل الدخول فيها.
إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ْ فكل ما أراد فعله واقتضته حكمته فعله، تبارك وتعالى، لا يرده أحد عن مراده.

تفسير البغوي : مضمون الآية 107 من سورة هود


( خالدين فيها ) لابثين مقيمين فيها ( ما دامت السماوات والأرض ) قال الضحاك : ما دامت سموات الجنة والنار وأرضهما ، وكل ما علاك وأظلك فهو سماء ، وكل ما استقرت عليه قدمك فهو أرض .
وقال أهل المعاني : هذا عبارة عن التأبيد على عادة العرب ، يقولون : لا آتيك ما دامت السماوات والأرض ، ولا يكون كذا ما اختلف الليل والنهار ، يعنون : أبدا .
قوله تعالى : ( إلا ما شاء ربك ) .
اختلفوا في هذين الاستثناءين ، فقال بعضهم : الاستثناء في أهل الشقاء يرجع إلى قوم من المؤمنين يدخلهم الله النار بذنوب اقترفوها ، ثم يخرجهم منها فيكون ذلك استثناء من غير الجنس ، لأن الذين أخرجوا من النار سعداء استثناهم [ الله من جملة الأشقياء ] وهذا كما :أخبرنا عبد الواحد بن أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا حفص بن عمر ، حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن أنس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليصيبن أقواما سفع من النار بذنوب أصابوها عقوبة ، ثم يدخلهم الله الجنة بفضل رحمته ، فيقال لهم : الجهنميون " .
وأخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، قال : أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا مسدد ، أخبرنا يحيى ، عن الحسن بن ذكوان ، أنبأنا أبو رجاء ، حدثني عمران بن حصين رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يخرج قوم من النار بشفاعة محمد ، فيدخلون الجنة ويسمون الجهنميين " .
وأما الاستثناء في أهل السعادة فيرجع إلى مدة لبثهم في النار قبل دخول الجنة .
وقيل: إلا ما شاء ربك من الفريقين من تعميرهم في الدنيا واحتباسهم في البرزخ ما بين الموت والبعث ، قبل مصيرهم إلى الجنة أو النار .
يعني : هم خالدون في الجنة أو النار إلا هذا المقدار .
وقيل: إلا ما شاء ربك : سوى ما شاء ربك ، [ معناه خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض سوى ما شاء ربك ] .
من الزيادة على قدر مدة بقاء السماوات والأرض ، وذلك هو الخلود فيها ، كما تقول : لفلان علي ألف إلا الألفين ، أي : سوى الألفين اللتين تقدمتا .
وقيل: إلا بمعنى الواو ، أي : وقد شاء ربك خلود هؤلاء في النار وهؤلاء في الجنة ، كقوله : ( لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا ) ( البقرة - 150 ) ، أي : ولا الذين ظلموا .
وقيل: معناه ولو شاء ربك لأخرجهم منها ولكنه لا يشاء أنه حكم لهم بالخلود .
قال الفراء : هذا الاستثناء استثناه الله ولا يفعله ، كقولك : والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك ، وعزيمتك أن تضربه .
( إن ربك فعال لما يريد ) .

التفسير الوسيط : خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا


ثم أكد- سبحانه - خلودهم في النار فقال: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ....أى أن الأشقياء لهم في النار العذاب الأليم، وهم ماكثون فيها مكث بقاء وخلود لا يبرحونها مدة دوام السموات التي تظلهم، والأرض التي تقلهم فهو في معنى قوله-تبارك وتعالى- خالِدِينَ فِيها أَبَداً.
قال الآلوسى ما ملخصه: والمقصود من هذا التعبير: التأبيد ونفى الانقطاع على منهاج قول العرب لا أفعل كذا، ما لاح كوكب، وما أضاء الفجر، وما اختلف الليل والنهار ...
إلى غير ذلك من كلمات التأبيد عندهم ...
وليس المقصود منه تعليق قرارهم فيها بدوام هذه السموات والأرض، فإن النصوص القاطعة دالة على تأبيد قرارهم فيها.
وجوز أن يحمل ذلك على التعليق، ويراد بالسموات والأرض، سماوات الآخرة وأرضها، وهما دائمتان أبدا ...
} .
أما قوله- سبحانه - إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ فقد ذكر العلماء في المقصود به أقوالا متعددة أوصلها بعضهم إلى ثلاثة عشر قولا من أشهرها:أن هذا الاستثناء في معنى الشرط فكأنه- سبحانه - يقول:1- خالدين فيها خلودا أبديا إن شاء ربك ذلك إذ كل شيء خاضع لمشيئة ربك وإرادته ...
وعليه يكون المقصود من هذا الاستثناء وأمثاله إرشاد العباد إلى وجوب تفويض الأمور إليه- سبحانه - وإعلامهم بأن كل شيء خاضع لإرادته ومشيئته فهو الفاعل المختار الذي لا يجب عليه شيء ولا حق لأحد عليه إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ.
وليس المقصود من هذا الاستثناء وأمثاله نفى خلودهم في النار لأنه لا يلزم من الاستثناء المعلق على المشيئة وقوع المشيئة ولأنه قد أخبرنا- سبحانه - في كتابه بخلود الكافرين خلودا أبديا في النار.
قال-تبارك وتعالى- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً.
إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً .
وشبيه بهذا الاستثناء ما حكاه- سبحانه - عن نبيه شعيب- عليه السلام- في قوله:قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ.
قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها، وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا، وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ...
.
فشعيب- عليه السلام- مع ثقته المطلقة في أنه لن يعود هو وأتباعه إلى ملة الكفر، نراه يفوض الأمر إلى مشيئة الله تأدبا معه- سبحانه..فيقول: وما يكون لنا أن نعود فيها- أى ملة الكفر- إلا أن يشاء ربنا شيئا غير ذلك وهذا من الأدب العالي في مخاطبة الأنبياء لخالقهم- عز وجل.
وقد ذكر كثير من المفسرين هذا القول ضمن الأقوال في معنى الآية، وبعضهم اقتصر عليه ولم يذكر سواه، ومن هذا البعض صاحب المنار، وصاحب محاسن التأويل ...
أما صاحب المنار فقد قال: قوله إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ أى: أن هذا الخلود الدائم هو المعد لهم في الآخرة ...
إلا ما شاء ربك من تغيير في هذا النظام في طور آخر، فهو إنما وضع بمشيئته، وسيبقى في قبضة مشيئته، وقد عهد مثل هذا الاستثناء في سياق الأحكام القطعية للدلالة على تقييد تأبيدها بمشيئة الله- تعالى ...
فقط، لا لإفادة عدم عمومها ...
» .
وأما صاحب محاسن التأويل فقد قال: فإن قلت: ما معنى الاستثناء بالمشيئة، وقد ثبت خلود أهل الدارين فيهما من غير استثناء؟.
فالجواب: أن الاستثناء بالمشيئة قد استعمل في أسلوب القرآن، للدلالة على الثبوت والاستمرار.
والنكتة في الاستثناء بيان أن هذه الأمور الثابتة الدائمة، إنما كانت كذلك بمشيئة الله-تبارك وتعالى- لا بطبيعتها في نفسها، ولو شاء-تبارك وتعالى- أن يغيرها لفعل.
وابن كثير قد أشار إلى ذلك بقوله: يعنى أن دوامهم فيها ليس أمرا واجبا بذاته، بل هو موكول إلى مشيئته-تبارك وتعالى-» .
2- أن الاستثناء هنا خاص بالعصاة من المؤمنين.
ومن العلماء الذين رجحوا هذا القول الإمامان: ابن جرير وابن كثير.
أما ابن جرير فقد قال ما ملخصه بعد أن سرد الأقوال في ذلك:«وأولى الأقوال في تأويل هذه الآية بالصواب، القول الذي ذكرناه عن الضحاك وقتادة من أن ذلك استثناء في أهل التوحيد من أهل الكبائر، أنه يدخلهم النار خالدين فيها أبدا، إلا ما شاء تركهم فيها أقل من ذلك، ثم يخرجهم فيدخلهم الجنة- أى العصاة من المؤمنين ...
» .
وأما ابن كثير فقد وضح ما اختاره ابن جرير ورجحه فقال ما ملخصه:وقد اختلف المفسرون في المراد من هذا الاستثناء على أقوال كثيرة ...
نقل كثيرا منها الإمام ابن جرير، واختار: أن الاستثناء عائد على العصاة من أهل التوحيد، ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين، من الملائكة والنبيين والمؤمنين، حين يشفعون في أصحاب الكبائر، ثم تأتى رحمة أرحم الراحمين، فتخرج من النار من لم يعمل خيرا قط، وقال يوما من الدهر: لا إله إلا الله، كما وردت بذلك الأخبار الصحيحة المستفيضة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم، ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها، ولا محيد له عنها، وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديما وحديثا في تفسير هذه الآية الكريمة» .
وقد ذكر الشيخ الشوكانى هذا القول ضمن أحد عشر قولا فقال ما ملخصه:وقوله إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ: قد اختلف أهل العلم في هذا الاستثناء على أقوال منها:{أ} أنه من قوله فَفِي النَّارِ كأنه قال: إلا ما شاء ربك من تأخير قوم عن ذلك ...
{ب} أن الاستثناء إنما هو للعصاة من الموحدين وإنهم يخرجون بعد مدة من النار، وعلى هذا يكون قوله فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا عاما في الكفرة والعصاة، ويكون الاستثناء من خالدين، وتكون ما بمعنى من، وقد ثبت بالأحاديث المتواترة تواترا يفيد العلم الضروري بأنه يخرج من النار أهل التوحيد، فكان ذلك مخصصا لكل عموم.
{ج} أن الاستثناء من الزفير والشهيق، أى لهم فيها زفير وشهيق إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ من أنواع العذاب غير الزفير والشهيق ...
» .
ويبدو لنا أن الرأى الأول أرجح الآراء، ويشهد لهذا قوله-تبارك وتعالى- بعد ذلك:إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ أى فهو إن شاء غير ذلك فعله، وإن شاء ذلك فعله، ما شاء من الأفعال كان وما لم يشاء لم يكن.
وجاء- سبحانه - بصيغة المبالغة فَعَّالٌ للإشارة إلى أنه- سبحانه - لا يتعاصى عليه فعل من الأفعال بأى وجه من الوجوه.

تفسير ابن كثير : شرح الآية 107 من سورة هود


( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ) قال الإمام أبو جعفر بن جرير : من عادة العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدا قالت : " هذا دائم دوام السموات والأرض " ، وكذلك يقولون : هو باق ما اختلف الليل والنهار ، وما سمر ابنا سمير ، وما لألأت العفر بأذنابها . يعنون بذلك كلمة : " أبدا " ، فخاطبهم جل ثناؤه بما يتعارفونه بينهم ، فقال : ( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ) .قلت : ويحتمل أن المراد بما دامت السموات والأرض : الجنس; لأنه لا بد في عالم الآخرة من سموات وأرض ، كما قال تعالى : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) [ إبراهيم : 48 ] ; ولهذا قال الحسن البصري في قوله : ( ما دامت السماوات والأرض ) قال : تبدل سماء غير هذه السماء ، وأرض غير هذه الأرض ، فما دامت تلك السماء وتلك الأرض .وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ( ما دامت السماوات والأرض ) قال : لكل جنة سماء وأرض .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ما دامت الأرض أرضا ، والسماء سماء .وقوله : ( إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد ) كقوله تعالى : ( النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم ) [ الأنعام : 128 ] .وقد اختلف المفسرون في المراد من هذا الاستثناء ، على أقوال كثيرة ، حكاها الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتابه " زاد المسير " وغيره من علماء التفسير ، ونقل كثيرا منها الإمام أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله ، في كتابه واختار هو ما نقله عن خالد بن معدان ، والضحاك ، وقتادة ، وأبي سنان ، ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن أيضا : أن الاستثناء عائد على العصاة من أهل التوحيد ، ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين ، من الملائكة والنبيين والمؤمنين ، حين يشفعون في أصحاب الكبائر ، ثم تأتي رحمة أرحم الراحمين ، فتخرج من النار من لم يعمل خيرا قط ، وقال يوما من الدهر : لا إله إلا الله . كما وردت بذلك الأخبار الصحيحة المستفيضة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمضمون ذلك من حديث أنس ، وجابر ، وأبي سعيد ، وأبي هريرة ، وغيرهم من الصحابة ، ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها ولا محيد له عنها . وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديما وحديثا في تفسير هذه الآية الكريمة . وقد روي في تفسيرها عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وأبي هريرة ، وعبد الله بن عمرو ، وجابر ، وأبي سعيد ، من الصحابة . وعن أبي مجلز ، والشعبي ، وغيرهما من التابعين . وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وإسحاق بن راهويه وغيرهما من الأئمة ، أقوال غريبة . وورد حديث غريب في معجم الطبراني الكبير ، عن أبي أمامة صدى بن عجلان الباهلي ، ولكن سنده ضعيف ، والله أعلم .وقال قتادة : الله أعلم بثنياه .وقال السدي : هي منسوخة بقوله : ( خالدين فيها أبدا ) [ النساء : 57 ] .

تفسير الطبري : معنى الآية 107 من سورة هود


وقوله: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد)، يعني تعالى ذكره بقوله: (خالدين فيها)، لابثين فيها (20) ، ويعني بقوله: (ما دامت السماوات والأرض)، أبدًا .
(21)* * *وذلك أن العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدًا قالت: هذا دائم دوام السموات والأرض ، بمعنى أنه دائم أبدًا، وكذلك يقولون: " هو باقٍ ما اختلف الليل والنهار ".
و " ما سمر ابنا سَمِير "، و " ما لألأت العُفْرُ بأذنابها " يعنون بذلك كله " أبدا ".
فخاطبهم جل ثناؤه بما يتعارفون به بينهم فقال: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض) ، والمعنى في ذلك: خالدين فيها أبدًا.
* * *وكان ابن زيد يقول في ذلك بنحو ما قلنا فيه.
18572- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض) ، قال: ما دامت الأرض أرضًا، والسماءُ سماءً.
* * *ثم قال: (إلا ما شاء ربك)، واختلف أهل العلم والتأويل في معنى ذلك فقال بعضهم: هذا استثناءٌ استثناه الله في بأهل التوحيد ، أنه يخرجهم من النار إذا شاء ، بعد أن أدخلهم النار.
*ذكر من قال ذلك:18573- حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ ) ، قال: الله أعلم بثُنَياه.
(22)وذكر لنا أن ناسًا يصيبهم سَفْعٌ من النار بذنوب أصابوها، (23) ثم يدخلهم الجنة.
18574- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك) ، والله أعلم بثَنيَّته .
(24) ذكر لنا أن ناسًا يصيبهم سَفْعٌ من النار بذنوب أصابتهم، ثم يدخلهم الله الجنة بفضل رحمته، يقال لهم : " الجهنَّميُّون ".
18575- حدثنا محمد بن المثني قال ، حدثنا شيبان بن فروخ قال ، حدثنا أبو هلال قال ، حدثنا قتادة، وتلا هذه الآية: ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ) ، إلى قوله: (لما يريد) ، فقال عند ذلك: حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يَخْرج قومٌ من النار ، قال قتادة: ولا نقول مثل ما يقول أهل حَرُوراء.
(25)18576- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب، عن أبي مالك، يعني ثعلبة، عن أبي سنان في قوله: ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ )، قال: استثناء في أهل التوحيد.
18577- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الضحاك بن مزاحم: ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ )، إلى قوله: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك) ، قال: يخرج قوم من النار فيدخلون الجنة، فهم الذين استثنى لهم.
18578- حدثني المثني قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال، ثني معاوية، عن عامر بن جشيب، عن خالد بن معدان في قوله: لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ، [سورة النبأ: 23] ، وقوله: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك) ، أنهما في أهل التوحيد.
(26)* * *وقال آخرون: الاستثناء في هذه الآية في أهل التوحيد، إلا أنهم قالوا: معنى قوله: (إلا ما شاء ربك) ، إلا أن يشاء ربك أن يتجاوز عنهم فلا يدخلهم النار.
ووجهوا الاستثناء إلى أنه من قوله: ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ ) ، (إلا ما شاء ربك)، لا من " الخلود ".
*ذكر من قال ذلك:18579- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال ، حدثنا ابن التيمي، عن أبيه، عن أبي نضرة، عن جابر أو: أبي سعيد ، يعني الخدري ، أو : عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في قوله: (إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد) ، قال: هذه الآية تأتي على القرآن كلِّه يقول: حيث كان في القرآن (خالدين فيها)، تأتي عليه ، قال: وسمعت أبا مجلز يقول: هو جزاؤه، فإن شاء الله تجاوَزَ عن عذابه.
* * *وقال آخرون: عنى بذلك أهل النار وكلَّ من دخلها.
*ذكر من قال ذلك :18580- حدثت عن المسيب عمن ذكره، عن ابن عباس: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض)، لا يموتون، ولا هم منها يخرجون ما دامت السموات والأرض، (إلا ما شاء ربك) ، قال: استثناءُ الله.
قال: يأمر النار أن تأكلهم.
قال: وقال ابن مسعود: ليأتين على جهنَّم زمان تخفِقُ أبوابُها ، ليس فيها أحد، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابًا.
18581- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن بيان، عن الشعبي قال: جهنم أسرع الدارين عمرانًا وأسرعهما خرابًا.
* * *وقال آخرون: أخبرنا الله بمشيئته لأهل الجنة، فعرَّفنا معنى ثُنْياه بقوله: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ، أنها في الزيادة على مقدار مدَّة السموات والأرض .
قال: ولم يخبرنا بمشيئته في أهل النار.
وجائز أن تكون مشيئته في الزيادة ، وجائز أن تكون في النقصان.
*ذكر من قال ذلك:18582- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك) ، فقرأ حتى بلغ: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ، قال: وأخبرنا بالذي يشاء لأهل الجنة، فقال: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ، ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار.
* * *قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في تأويل هذه الآية بالصواب، القولُ الذي ذكرنا عن قتادة والضحاك: من أن ذلك استثناء في أهل التوحيد من أهل الكبائر أنه يدخلهم النار، خالدين فيها أبدًا إلا ما شاءَ من تركهم فيها أقل من ذلك، ثم يخرجهم فيدخلهم الجنة، كما قد بينا في غير هذا الموضع ، (27) بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
(28)وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصحة في ذلك ، لأن الله جل ثناؤه أوعد أهل الشرك به الخلود في النار، وتظاهرت بذلك الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغير جائز أن يكون استثناءً في أهل الشرك ، وأن الأخبار قد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يدخل قومًا من أهل الإيمان به بذنوبٍ أصابوها النارَ، ثم يخرجهم منها فيدخلهم الجنة ، فغير جائز أن يكون ذلك استثناء في أهل التوحيد قبل دُخُولها ، مع صحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا ، وأنّا إن جعلناه استثناء في ذلك، كنا قد دخلنا في قول من يقول: " لا يدخل الجنة فاسق ، ولا النار مؤمن "، وذلك خلاف مذاهب أهل العلم ، وما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا فسد هذان الوجهان ، فلا قول قال به القُدْوة من أهل العلم إلا الثالث.
* * *ولأهل العربية في ذلك مذهبٌ غير ذلك، سنذكره بعدُ، ونبينه إن شاء الله .
(29) .
* * *وقوله: (إن ربك فعال لما يريد) ، يقول تعالى ذكره: إن ربك ، يا محمد ، لا يمنعه مانع من فعل ما أراد فعله بمن عصاه وخالف أمره ، من الانتقام منه، ولكنه يفعل ما يشاء فعلَه ، فيمضي فيهم وفيمن شاء من خلقه فعلُه وقضاؤهُ.
(30)---------------------------الهوامش :(20) انظر تفسير " الخلود " فيما سلف من فهارس اللغة ( خلد ) .
(21) انظر تفسير " ما دام " 10 : 185 / 11 : 74 ، 238 .
(22) " الثنيا " ( بضمك فسكون ) و " الثنية " ، على وزن ( فعيلة ) ، و " المثنوية " ، كله الاستثناء .
(23) " سفعته النار والشمس سفعًا " ، لفحته لفحًا يسيرًا ، فغيرت لون بشرته وسودته .
(24) انظر التعليق رقم : 1 .
(25) " أهل حروراء " ، هم الخوارج ، يقولون إن صاحب الكبيرة مخلد في النار ، لأنهم يكفرون أهل الكبائر .
(26) الأثر : 18578 - " عامر بن جشيب الحمصي " ، روى عن أبي أمامة ، وخالد بن معدان ، وغيرهما .
ثقة .
مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 319 .
وكان في المطبوعة : " جشب " ، وهو خطأ ، والمخطوطة كما أثبت إلا أنها غير منقوطة .
وهذا الخبر سيأتي في التفسير 30 : 8 ، 9 ، ( بولاق ) في تفسير سورة " النبأ " .
(27) في المطبوعة : " كذا قد بينا " ، وهو كلام غث ، ورطه فيه سوء كتابة الناسخ .
(28) غاب عني مكانه ، فمن وجده فليثبته .
(29) انظر ما سيأتي ص : 487 - 489 .
(30) في المطبوعة والمخطوطة : " ولكنه يفعل ما يشاء ، فيمضي فعله فيهم وفيمن شاء من خلقه فعله وقضاؤه " ، وهو غير مستقيم ، والآفة من الناسخ ، والصواب ما أثبت ، بتقديم " فعله " الأولى .

خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد

سورة : هود - الأية : ( 107 )  - الجزء : ( 12 )  -  الصفحة: ( 233 ) - عدد الأيات : ( 123 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون
  2. تفسير: قالوا لم نك من المصلين
  3. تفسير: ثم أماته فأقبره
  4. تفسير: ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين
  5. تفسير: للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم
  6. تفسير: ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا
  7. تفسير: قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين
  8. تفسير: إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا
  9. تفسير: فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في
  10. تفسير: ولا تمنن تستكثر

تحميل سورة هود mp3 :

سورة هود mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة هود

سورة هود بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة هود بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة هود بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة هود بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة هود بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة هود بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة هود بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة هود بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة هود بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة هود بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب