تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 135 من سورةالنساء - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ ۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾
[ سورة النساء: 135]

معنى و تفسير الآية 135 من سورة النساء : ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء


يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ْ والقوَّام صيغة مبالغة، أي: كونوا في كل أحوالكم قائمين بالقسط الذي هو العدل في حقوق الله وحقوق عباده، فالقسط في حقوق الله أن لا يستعان بنعمه على معصيته، بل تصرف في طاعته.
والقسط في حقوق الآدميين أن تؤدي جميع الحقوق التي عليك كما تطلب حقوقك.
فتؤدي النفقات الواجبة، والديون، وتعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، من الأخلاق والمكافأة وغير ذلك.
ومن أعظم أنواع القسط القسط في المقالات والقائلين، فلا يحكم لأحد القولين أو أحد المتنازعين لانتسابه أو ميله لأحدهما، بل يجعل وجهته العدل بينهما، ومن القسط أداء الشهادة التي عندك على أي وجه كان، حتى على الأحباب بل على النفس، ولهذا قال: شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا ْ أي: فلا تراعوا الغني لغناه، ولا الفقير بزعمكم رحمة له، بل اشهدوا بالحق على من كان.
والقيام بالقسط من أعظم الأمور وأدل على دين القائم به، وورعه ومقامه في الإسلام، فيتعين على من نصح نفسه وأراد نجاتها أن يهتم له غاية الاهتمام، وأن يجعله نُصْب عينيه، ومحل إرادته، وأن يزيل عن نفسه كل مانع وعائق يعوقه عن إرادة القسط أو العمل به.
وأعظم عائق لذلك اتباع الهوى، ولهذا نبه تعالى على إزالة هذا المانع بقوله: فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا ْ أي: فلا تتبعوا شهوات أنفسكم المعارضة للحق، فإنكم إن اتبعتموها عدلتم عن الصواب، ولم توفقوا للعدل، فإن الهوى إما أن يعمي بصيرة صاحبه حتى يرى الحق باطلا والباطل حقا، وإما أن يعرف الحق ويتركه لأجل هواه، فمن سلم من هوى نفسه وفق للحق وهدي إلى الصراط المستقيم.
ولما بيَّن أن الواجب القيام بالقسط نهى عن ما يضاد ذلك، وهو لي اللسان عن الحق في الشهادات وغيرها، وتحريف النطق عن الصواب المقصود من كل وجه، أو من بعض الوجوه، ويدخل في ذلك تحريف الشهادة وعدم تكميلها، أو تأويل الشاهد على أمر آخر، فإن هذا من اللي لأنه الانحراف عن الحق.
أَوْ تُعْرِضُوا ْ أي: تتركوا القسط المنوط بكم، كترك الشاهد لشهادته، وترك الحاكم لحكمه الذي يجب عليه القيام به.
فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ْ أي: محيط بما فعلتم، يعلم أعمالكم خفيها وجليها، وفي هذا تهديد شديد للذي يلوي أو يعرض.
ومن باب أولى وأحرى الذي يحكم بالباطل أو يشهد بالزور، لأنه أعظم جرما، لأن الأولين تركا الحق، وهذا ترك الحق وقام بالباطل.

تفسير البغوي : مضمون الآية 135 من سورة النساء


( ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ) يعني : كونوا قائمين بالشهادة بالقسط ، أي : بالعدل لله ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : كونوا قوامين بالعدل في الشهادة على من كانت ، ( ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ) في الرحم ، أي : قولوا الحق ولو على أنفسكم بالإقرار أو الوالدين والأقربين ، فأقيموها عليهم لله ، ولا تحابوا غنيا لغناه ولا ترحموا فقيرا لفقره ، فذلك قوله تعالى : ( إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ) منكم أي أقيموا على المشهود عليه وإن كان غنيا وللمشهود له وإن كان فقيرا فالله أولى بهما منكم ، أي كلوا أمرهما إلى الله .
وقال الحسن : معناه الله أعلم بهما ، ( فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ) أي تجوروا وتميلوا إلى الباطل من الحق ، وقيل: معناه لا تتبعوا الهوى لتعدلوا ، أي : لتكونوا عادلين كما يقال : لا تتبع الهوى لترضي ربك .
( وإن تلووا ) أي : تحرفوا الشهادة لتبطلوا الحق ( أو تعرضوا ) عنها فتكتموها ولا تقيموها ، ويقال : تلووا أي تدافعوا في إقامة الشهادة ، يقال : لويته حقه إذا دفعته ، ومطلته ، وقيل: هذا خطاب مع الحكام في ليهم الأشداق ، يقول : وإن تلووا أي تميلوا إلى أحد الخصمين أو تعرضوا عنه ، قرأ ابن عامر وحمزة ( تلوا ) بضم اللام ، قيل: أصله تلووا ، فحذفت إحدى الواوين تخفيفا ، وقيل: معناه وإن تلوا القيام بأداء الشهادة أو تعرضوا فتتركوا أداءها ( فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) .

التفسير الوسيط : ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء


وقوله قَوَّامِينَ جمع قوام وهو صيغة مبالغة من قائم.
والقوام: هو المبالغ في القيام بالشيء وفي الإتيان به على أتم وجه وأحسنه.
وقوله شُهَداءَ جمع شهيد بوزن فعيل.
والأصل في هذه الصيغة أنها تدل على الصفات الراسخة في النفس ككريم وحكيم.
والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بالحق إيمانا صادقا.
كونوا مواظبين على إقامة العدل فيما بينكم في جميع الظروف والأحوال دون أن يصرفكم عن ذلك صارف، وكونوا «شهداء لله» أى: مقيمين للشهادة بالحق ابتغاء وجه الله لا لغرض من الأغراض الدنيوية.
ولا لمطمع من المطامع الشخصية، فإن الإيمان الحق يستلزم منكم أن تعدلوا في أحكامكم وأن تؤدوا الشهادة على وجهها.
وفي ندائه- سبحانه - لهم بقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تنبيه إلى الأمر الخير الذي ناداهم من أجله ودعاهم إلى تنفيذه وهو التزام العدالة في كل أمورهم، وتحريك لعاطفة الإيمان في قلوبهم بمقتضى وصفهم- بهذه الصفة الجليلة.
وعبر- سبحانه - بقوله كُونُوا قَوَّامِينَ بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة والمداومة على الشيء، لتمكين صفة العدالة في نفوسهم، وترسيخها في قلوبهم.
فكأنه- سبحانه - يقول لهم: روضوا أنفسكم على التزام كلمة الحق، وعودوها على نصرة المظلوم وخذلان الظلم، وليكن ذلك خلقا من أخلاقكم.
وسجية من سجاياكم، فلا يكفى أن تعدلوا في أحكامكم مرة أو مرتين، وإنما الواجب عليكم أن تداوموا على إقامة العدل في كل الأحوال، ومع كل الأشخاص.
قال صاحب المنار: وهذه العبارة- وهي قوله-تبارك وتعالى- كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ أبلغ ما يمكن أن يقال في تأكيد أمر العدل والعناية به فالأمر بالعدل والقسط مطلقا يكون بعبارات مختلفة بعضها آكد من بعض تقول: اعدلوا أو أقسطوا.
وتقول: كونوا عادلين أو مقسطين.
وهذه العبارة أبلغ لأنها أمر بتحصيل الصفة لا بمجرد الإتيان بالقسط الذي يصدق بمرة.
وتقول: أقيموا القسط.
وأبلغ منه: كونوا قائمين بالقسط.
وأبلغ من هذا وذاك: كونوا قوامين بالقسط.
أى: لتكن المبالغة والعناية بإقامة القسط على وجهه صفة من صفاتكم، بأن تتحروه بالدقة التامة حتى تكون ملكة راسخة في نفوسكم.
والقسط يكون في العمل كالقيام بما يجب من العدل بين الزوجات والأولاد ويكون في الحكم بين الناس.. .
وقوله شُهَداءَ خبر ثان لكونوا.
وقوله لِلَّهِ متعلق بمحذوف حال من ضمير شُهَداءَ.
أى: كونوا ملازمين للعدل في كل أموركم وكونوا مقيمين للشهادة على وجهها حالة كونها لوجه الله، لا لعرض من أعراض الدنيا.
قال الفخر الرازي: وإنما قدم- سبحانه - الأمر بالقيام بالقسط على الأمر بالشهادة لوجوه:الأول: أن أكثر الناس من عادتهم أنهم يأمرون غيرهم بالمعروف، فإذا آل الأمر إلى أنفسهم تركوه حتى إن أقبح القبيح إذا صدر عنهم كان في محل المسامحة وأحسن الحسن.
وإذا صدر عن غيرهم كان محل المنازعة.
فالله-تبارك وتعالى- نبه في هذه الآية على سوء هذه الطريقة.
وذلك أنه- سبحانه - أمرهم بالقيام بالقسط أولا، ثم أمرهم بالشهادة على الغير ثانيا، تنبيها على أن الطريقة الحسنة أن تكون مضايقة الإنسان مع نفسه فوق مضايقته مع الغير.
الثاني: أن القيام بالشهادة عبارة عن دفع ضرر العقاب عن الغير، وهو الذي عليه الحق.
ودفع الضرر عن النفس مقدم على دفع الضرر عن الغير.
الثالث: أن القيام بالقسط فعل، والشهادة قول والفعل أقوى من القول .
وقوله: وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ تأكيد للأمر بالتزام الحق في الأحكام والشهادات.
أى: كونوا قوامين بالقسط، وكونوا مقيمين للشهادة بالحق خالصة لوجه الله، ولو كانت الشهادة على أنفسكم- بأن تقروا بأن الحق عليها إذا كان واقع الأمر كذلك- ولو كانت- أيضا.
على والديكم وعلى أقرب الناس إليكم.
قال القرطبي: وشهادة المرء على نفسه إقراره بالحقوق عليها ثم ذكر الوالدين لوجوب برهما وعظم قدرهما.
ثم ثنى بالأقربين إذ هم مظنة المودة والتعصب فكان الأجنبى من الناس أحرى أن يقام عليه بالقسط ويشهد عليه ...
ولا خلاف بين أهل العلم في صحة أحكام هذه الآية، وأن شهادة الولد على الوالدين ماضية، ولا يمنع ذلك من برهما، بل أن يشهد عليهما ويخلصهما من الباطل.
وكان من مضى من السلف الصالح يجيزون شهادة الوالدين والأخ، لأنه لم يكن أحد يتهم في ذلك من السلف.
ثم ظهرت من الناس أمور حملت الولاة على اتهامهم، فتركت شهادة من يتهم.
وأجاز قوم شهادة بعضهم لبعض إذا كانوا عدولا .
ولَوْ في قوله وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ شرطية.
والجار والمجرور خبر لكان المحذوفة مع اسمها.
وجواب لو محذوف.
والتقدير: ولو كانت الشهادة على أنفسكم فاشهدوا عليها بأن تقروا على أنفسكم بالحق ولا تكتموه.
وقوله-تبارك وتعالى- إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما تأكيد لوجوب التزام الحق مع الغنى والفقير والصغير والكبير.
أى: إن يكن المشهود عليه غنيا يرجى في العادة ويخشى أو فقيرا يترحم عليه في الغالب ولا يخشى، فلا تمتنعوا عن الشهادة، لأن الله-تبارك وتعالى- هو الأولى والأجدر بحساب كل من الغنى والفقير، وهو الأعلم بمصالح الناس، والأرحم بهم منكم.
وجواب الشرط محذوف، أى: إن يكن المشهود عليه غنيا أو فقيرا فلا تتركوا الشهادة لأن الشهادة في مصلحتهما.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم ثنى الضمير في «أولى بهما» وكان حقه أن يوحد لأن قوله: إن يكن غنيا أو فقيرا في معنى إن يكن أحد هذين؟قلت قد رجع الضمير إلى ما دل عليه قوله: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً لا إلى المذكور، فلذلك ثنى ولم يفرد، وهو جنس الغنى وجنس الفقير.
فكأنه قيل: فالله أولى بجنسى الغنى والفقير.
أى: بالأغنياء والفقراء.
وفي قراءة أبى: فالله أولى بهم وهي شاهدة على ذلك.
وقال ابن جرير: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم إذ اختصم إليه رجلان: غنى وفقير.
وكان ضلعه- أى ميله- مع الفقير لأنه يرى أن الفقير لا يظلم الغنى.
فأبى الله إلا أن يقوم بالقسط في الغنى والفقير فقال: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما .
والذي يستفاد من هذه الرواية ومن ظاهر الآية أن الغنى أو الفقر لا يصح أن يكونا سببا في التفاوت في الحكم.
ويقاس عليهما غيرهما من أحوال الناس، لأن الله-تبارك وتعالى- هو الذي نظم الكون بحكمته، وهو أعلم بمصالح الناس من أنفسهم، وجعل فيهم الغنى والفقير لأن الغنى والفقر أمران ثابتان في هذا الوجود، ولا يمكن أن تخلو منهما الجماعة الإنسانية، لأن ذلك تنظيم الله- تعالى، وإرادته الخالدة، وهو الذي يتفق مع الطبيعة الإنسانية، إذ العقول متفاوتة، والعزائم مختلفة، والأعمال متنوعة، ونتيجة لذلك كانت الثمار ليست متحدة.
والمراد بالهوى في قوله: فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا الخضوع للشهوات والميل مع نزعات النفس الأمارة بالسوء.
وقوله أَنْ تَعْدِلُوا في موضع المفعول لأجله ويحتمل أن يكون بمعنى العدل فيكون علة للمنهى عنه، ويكون في الجملة مضاف مقدر.
والمعنى: فلا تتبعوا الهوى والميل مع الشهوات كراهة أن تعدلوا بين الناس ويحتمل أن يكون بمعنى العدول عن الحق فيكون علة للنهى بتقدير لا، أى: أنهاكم عن اتباع الهوى لئلا تميلوا عن الحق وتتركوا العدل.
قال ابن كثير: أى: لا يحملنكم الهوى والعصبية وبغض الناس إليكم، على ترك العدل في شئونكم.
بل الزموا العدل على أى حال كان.
كما قال-تبارك وتعالى- وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى.
ومن هذا قول عبد الله بن رواحة لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم، فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم، فقال: والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلى.
ولأنتم أبغض الخلق إلى.
وما يحملني حبى إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم.
فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض .
وقوله-تبارك وتعالى- وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً تذييل قصد به تهديدهم ووعيدهم على ترك العدل، وعلى الامتناع عن الشهادة بالحق.
قال الفخر الرازي ما ملخصه: وفي الآية قراءتان.
فقد قرأ الجمهور تَلْوُوا- بواوين قبلهما لام ساكنة- بمعنى الدفع والإعراض من قولهم: لواه حقه إذا مطله ودفعه.
أو بمعنى التحريف والتبديل من قولهم لوى الشيء إذا فتله.
وقرأ ابن عامر وحمزة تلوا بلام مضمومة بعدها واو ساكنة- من الولاية بمعنى مباشرة الشيء والاشتغال به .
والمعنى على قراءة الجمهور: وإن تلووا ألسنتكم عن الشهادة بالحق بأن تحرفوها وتقيموها على غير وجهتها أو تعرضوا عنها رأسا وتتركوها يعاقبكم الله عقابا شديدا فإنه- سبحانه - عليم بدقائق الأشياء، خبير بخفايا النفوس، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه.
والمعنى على القراءة الثانية: وإن تلوا الشهادة فتباشروها على وجهها يعطكم الله أجرا حسنا، وإن تعرضوا عنها وتتركوها يعاقبكم الله عقابا أليما، فإن الله-تبارك وتعالى- خبير بكل أقوالكم وأعمالكم.
وقيل: إن القراءتين بمعنى واحد لأن أصل {تلوا} - وهي قراءة حمزة وابن عامر- تلووا- وهي قراءة الجمهور- نقلت حركة الواو- في قراءة الجمهور- إلى الساكن قبلها فالتقى واوان ساكنان فحذفت إحداهما فصارت الكلمة {تلوا} .
هذا، والمتأمل في هذه الآية الكريمة يراها تبنى المجتمع الإسلامى على أقوى القواعد، وأمتن الأسس وأشرف المبادئ.
إنها تبنيه على قواعد العدل والقسط، وتأمر المؤمنين أن يلتزموا كلمة الحق مع أنفسهم ومع أقرب المقربين إليهم مهما تكلفوا في ذلك من جهاد شاق يقتضيه التزام الحق، فإن كلمة الحق كثيرا ما تجعل صاحبها عرضة للإيذاء والاعتداء والاتهام بالباطل من الأشرار والفجار.
بل إن كلمة الحق قد تفضى بصاحبها إلى الموت.
ولكن لا بأس، فإن الموت مع التمسك بالحق، خير من الحياة في ظلمات الباطل.

تفسير ابن كثير : شرح الآية 135 من سورة النساء


يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط ، أي بالعدل ، فلا يعدلوا عنه يمينا ولا شمالا ولا تأخذهم في الله لومة لائم ، ولا يصرفهم عنه صارف ، وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه .وقوله : ( شهداء لله ) كما قال ( وأقيموا الشهادة لله ) أي : ليكن أداؤها ابتغاء وجه الله ، فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقا ، خالية من التحريف والتبديل والكتمان ; ولهذا قال : ( ولو على أنفسكم ) أي : اشهد الحق ولو عاد ضررها عليك وإذا سئلت عن الأمر فقل الحق فيه ، وإن كان مضرة عليك ، فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجا ومخرجا من كل أمر يضيق عليه .وقوله : ( أو الوالدين والأقربين ) أي : وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك ، فلا تراعهم فيها ، بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم ، فإن الحق حاكم على كل أحد ، وهو مقدم على كل أحد .وقوله : ( إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ) أي : لا ترعاه لغناه ، ولا تشفق عليه لفقره ، الله يتولاهما ، بل هو أولى بهما منك ، وأعلم بما فيه صلاحهما .وقوله ( فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ) أي : فلا يحملنكم الهوى والعصبية وبغضة الناس إليكم ، على ترك العدل في أموركم وشؤونكم ، بل الزموا العدل على أي حال كان ، كما قال تعالى : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) [ المائدة : 8 ]ومن هذا القبيل قول عبد الله بن رواحة ، لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزرعهم ، فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم ، فقال : والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلي ، ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير ، وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على ألا أعدل فيكم . فقالوا : " بهذا قامت السماوات والأرض " . وسيأتي الحديث مسندا في سورة المائدة ، إن شاء الله [ تعالى ] .وقوله : ( وإن تلووا أو تعرضوا ) قال مجاهد وغير واحد من السلف : ( تلووا ) أي : تحرفوا الشهادة وتغيروها ، " واللي " هو : التحريف وتعمد الكذب ، قال الله تعالى : ( وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب [ لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ] ) [ آل عمران : 78 ] . و " الإعراض " هو : كتمان الشهادة وتركها ، قال الله تعالى : ( ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ) [ البقرة : 283 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها " . ولهذا توعدهم الله بقوله : ( فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) أي : وسيجازيكم بذلك .

تفسير الطبري : معنى الآية 135 من سورة النساء


القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُواوهذا تقدُّم من الله تعالى ذكره إلى عباده المؤمنين به وبرسوله (1) أن يفعلوا فعل الذين سَعَوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر بني أبيرقٍ أن يقوم بالعذر لهم في أصحابه، وذَبَّهم عنهم، وتحسينَهم أمرهم بأنهم أهل فاقة وفقر.
يقول الله لهم: " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوَّامين بالقسط"، يقول: ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيام بالقسط (2) =يعني: بالعدل=" شهداء لله ".
* * *= و " الشهداء " جمع " شهيد ".
(3)* * *ونصبت " الشهداء " على القطع مما في قوله: " قوامين " من ذكر " الذين آمنوا "، (4) ومعناه: قوموا بالقسط لله عند شهادتكم= أو: حين شهادتكم.
=" ولو على أنفسكم "، يقول: ولو كانت شهادتكم على أنفسكم، أو على والدين لكم أو أقربيكم، (5) فقوموا فيها بالقسط والعدل، وأقيموها على صحّتها بأن تقولوا فيها الحق، ولا تميلوا فيها لغنيٍّ لغناه على فقير، ولا لفقير لفقره على غنيّ، فتجوروا.
فإن الله الذي سوَّى بين حكم الغنيّ والفقير فيما ألزمكم، أيها الناس، من إقامة الشهادة لكل واحد منهما بالعدل=" أولى بهما "، وأحق منكم، (6) لأنه مالكهما وأولى بهما دونكم، فهو أعلم بما فيه مصلحة كلّ واحد منهما في ذلك وفي غيره من الأمور كلها منكم، فلذلك أمركم بالتسوية بينهما في الشهادة لهما وعليهما=" فلا تتبعوا الهوى أن تَعْدِلوا "، يقول: فلا تتبعوا أهواءَ أنفسكم في الميل في شهادتكم إذا قمتم بها -لغني على فقير، أو لفقير على غني- إلا أحد الفريقين، فتقولوا غير الحق، ولكن قوموا فيه بالقسط، وأدُّوا الشهادة على ما أمركم الله بأدائها، بالعدل لمن شهدتم له وعليه.
* * *فإن قال قائل: وكيف يقوم بالشهادة على نفسه الشاهدُ بالقسط؟ وهل يشهد الشاهد على نفسه؟ (7)قيل: نعم، وذلك أن يكون عليه حق لغيره فيقرّ له به، فذلك قيام منه له بالشهادة على نفسه.
* * *قال أبو جعفر: وهذه الآية عندي تأديبٌ من الله جل ثناؤه عبادَه المؤمنين أن يفعلوا ما فعله الذين عذَروا بني أبيرق= في سرقتهم ما سرقوا، وخيانتهم ما خانوا ممن ذكرنا قبل (8) = عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهادتهم لهم عنده بالصلاح.
فقال لهم: إذا قمتم بالشهادة لإنسان أو عليه، فقولوا فيها بالعدل، (9) ولو كانت شهادتكم على أنفسكم وآبائكم وأمهاتكم وأقربائكم، ولا يحملنكم غِنَى من شهدتم له أو فقره أو قرابته ورَحِمُه منكم، (10) على الشهادة له بالزور، ولا على ترك الشهادة عليه بالحق وكتمانها.
* * *وقد قيل إنها نزلت تأديبًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
*ذكر من قال ذلك:10678- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله "، قال: نزلت في النبيّ صلى الله عليه وسلم، واختصم إليه رجلان: غنيٌّ وفقير، وكان ضِلَعه مع الفقير، يرى أن الفقير لا يظلم الغنيَّ، فأبى الله إلا أن يقوم بالقسط في الغني والفقير فقال: " إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا "، الآية.
* * *وقال آخرون: في ذلك نحو قولنا: إنها نزلت في الشهادة، أمرًا من الله المؤمنين أن يسوُّوا -في قيامهم بشهاداتهم- لمن قاموا بها، (11) بين الغني والفقير.
*ذكر من قال ذلك:10679- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين "، قال: أمر الله المؤمنين أن يقولوا الحقَّ ولو على أنفسهم أو آبائهم أو أبنائهم، ولا يحابوا غنيًّا لغناه، ولا يرحموا مسكينًا لمسكنته، وذلك قوله: " إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا "، فتذروا الحق، فتجوروا.
10680- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن يونس، عن ابن شهاب في شهادة الوالد لولده وذي القرابة قال: كان ذلك فيما مضى من السُّنة في سلف المسلمين، وكانوا يتأولون في ذلك قول الله: " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فالله أولى بهما " الآية، فلم يكن يُتَّهَمُ سلفُ المسلمين الصالحُ في شهادة الوالد لولده، ولا الولد لوالده، ولا الأخ لأخيه، ولا الرجل لامرأته، ثم دَخِلَ الناسُ بعد ذلك، (12) فظهرت منهم أمور حملت الولاةَ على اتهامهم، فتركت شهادةُ من يتهم، إذا كانت من أقربائهم.
وصار ذلك من الولد والوالد، والأخ والزوج والمرأة، لم يتهم إلا هؤلاء في آخر الزمان.
(13)10681- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله " إلى آخر الآية، قال: لا يحملك فقرُ هذا على أن ترحَمه فلا تقيم عليه الشهادة.
قال: يقول هذا للشاهد.
10682- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله " الآية، هذا في الشهادة.
فأقم الشهادة، يا ابن آدم، ولو على نفسك، أو الوالدين، أو على ذوي قرابتك، أو شَرَفِ قومك.
(14) فإنما الشهادة لله وليست للناس، وإن الله رضي العدل لنفسه، والإقساط والعدل ميزانُ الله في الأرض، به يردُّ الله من الشديد على الضعيف، ومن الكاذب على الصادق، ومن المبطل على المحق.
وبالعدل يصدِّق الصادقَ، ويكذِّب الكاذبَ، ويردُّ المعتدي ويُرَنِّخُه، (15) تعالى ربنا وتبارك.
وبالعدل يصلح الناس، يا ابن آدم=" إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فالله أولى بهما "، يقول: أولى بغنيكم وفقيركم.
قال: وذكر لنا أن نبيَّ الله موسى عليه السلام قال: " يا ربِّ، أي شيء وضعت في الأرض أقلّ؟"، قال: " العدلُ أقلُّ ما وضعت في الأرض ".
فلا يمنعك غِنى غنيّ ولا فقر فقير أن تشهد عليه بما تعلم، فإن ذلك عليك من الحق، وقال جل ثناؤه: " فالله أولى بهما ".
* * *وقد قيل: " إن يكن غنيًّا أو فقيرًا "، الآية، أريد: فالله أولى بغنى الغني وفقر الفقير.
لأن ذلك منه لا من غيره، فلذلك قال: " بهما "، ولم يقل " به ".
* * *وقال آخرون: إنما قيل: " بهما "، لأنه قال: " إن يكن غنيًّا أو فقيرًا "، فلم يقصد فقيرًا بعينه ولا غنيًّا بعينه، وهو مجهول.
وإذا كان مجهولا جاز الردُّ منه بالتوحيد والتثنية والجمع.
(16)* * *وذكر قائلو هذا القول، أنه في قراءة أبيّ: ( فالله أولى بهم ) .
* * *وقال آخرون: " أو " بمعنى " الواو " في هذا الموضع.
(17)* * *وقال آخرون: جاز تثنية قوله: " بهما "، لأنهما قد ذكرا، كما قيل.
وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا [سورة النساء: 12].
* * *وقيل: جاز، لأنه أضمر فيه " مَن "، كأنه قيل: إن يكن مَن خاصم غنيًّا أو فقيرًا= بمعنى: غنيين أو فقيرين=" فالله أولى بهما ".
* * *وتأويل قوله: " فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا "، أي: عن الحق، فتجوزوا بترك إقامة الشهادة بالحق.
ولو وُجِّه إلى أن معناه: فلا تتَّبعوا أهواء أنفسكم هربًا من أن تعدلوا عن الحق في إقامة الشهادة بالقسط، لكان وجهًا.
(18)* * *وقد قيل: معنى ذلك: فلا تتبعوا الهوى لتعدلوا= كما يقال: " لا تتبع هواك لترضيَ ربك "، بمعنى: أنهاك عنه، كما ترضي ربّك بتركه.
(19)* * *القول في تأويل قوله : وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: عنى: " وإن تلووا "، أيها الحكام، في الحكم لأحد الخصمين على الآخر=" أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرًا ".
ووجهوا معنى الآية إلى أنها نزلت في الحكام، على نحو القول الذي ذكرنا عن السدِّي من قوله: إن الآية نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكرنا قبل.
(20)*ذكر من قال ذلك:10683- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس في قول الله: " وإن تلووا أو تعرضوا "، قال: هما الرجلان يجلسان بين يدي القاضي، فيكون لَيُّ القاضي وإعراضُه لأحدهما على الآخر.
(21)* * *وقال آخرون: معنى ذلك: وإن تلووا، أيها الشهداء، في شهاداتكم فتحرِّفوها ولا تقيموها= أو تعرضوا عنها فتتركوها.
*ذكر من قال ذلك:10684- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " وإن تلووا أو تعرضوا "، يقول: إن تلووا بألسنتكم بالشهادة، أو تعرضوا عنها.
10685- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ إلى قوله: " وإن تلووا أو تعرضوا "، يقول: تلوي لسانك بغير الحق، وهي اللَّجلجة، فلا تقيم الشهادة على وجهها.
و " الإعراض "، الترك.
10686- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " وإن تلووا "، أي تبدّلوا الشهادة=" أو تعرضوا "، قال: تكتموها.
10687- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وإن تلووا "، قال: بتبديل الشهادة، و " الإعراض " كتمانها.
10688- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وإن تلووا أو تعرضوا "، قال: إن تحرفوا أو تتركوا.
10689- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " وإن تلووا أو تعرضوا "، قال: تلجلجوا، أو تكتموا.
وهذا في الشهادة.
10690- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وإن تلووا أو تعرضوا "، أما " تلووا "، فتلوي للشهادة فتحرفها حتى لا تقيمها= وأما " تعرضوا " فتعرض عنها فتكتمها، وتقول: ليس عندي شهادة!10691- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " وإن تلووا "، فتكتموا الشهادة، يلوى ببعض منها (22) = أو يُعرض عنها فيكتمها، فيأبى أن يَشهد عليه، يقول: أكتم عنه لأنه مسكين أرحَمُه! فيقول: لا أقيم الشهادة عليه.
ويقول: هذا غنيٌّ أبقّيه وأرجو ما قِبَله، فلا أشهد عليه! فذلك قوله: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا .
10692- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وإن تلووا "، تحرّفوا=" أو تعرضوا "، تتركوا.
(23)10693- حدثنا محمد بن عمارة قال، حدثنا حسن بن عطية قال، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية في قوله: " وإن تلووا "، قال: إن تلجلجوا في الشهادة فتفسدوها=" أو تعرضوا "، قال: تتركوها.
(24)10694- حدثنا المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: " وإن تلووا أو تعرضوا "، قال: إن تلووا في الشهادة، أن لا تقيمها على وجهها (25) =" أو تعرضوا "، قال: تكتموا الشهادة.
10695- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال، حدثنا شيبان، عن قتادة: أنه كان يقول: " وإن تلووا أو تعرضوا "، يعني: تلجلجوا=" أو تعرضوا "، قال: تدعها فلا تشهد.
10696- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " وإن تلووا أو تعرضوا "، أما " تلووا "، فهو أن يلوي الرجل لسانَه بغير الحق.
يعني: في الشهادة.
* * *قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في ذلك، تأويلُ من تأوله، أنه لَيُّ الشاهد شهادته لمن يشهد له وعليه، وذلك تحريفه إياها بلسانه، (26) وتركه إقامتها، ليبطل بذلك شهادته لمن شهد له، وعمن شهد عليه.
(27)وأما إعراضه عنها، فإنه تركه أداءَها والقيام بها، فلا يشهد بها.
(28)وإنما قلنا: هذا التأويل أولى بالصواب، لأن الله جل ثناؤه قال: كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ، فأمرهم بالقيام بالعدل شهداء.
وأظهر معاني" الشهداء "، ما ذكرنا من وصفهم بالشهادة.
* * *واختلفت القرأة في قراءة قوله: " وإن تلووا ".
فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار سوى الكوفة: ( وَإِنْ تَلْوُوا ) بواوين، من: " لواني الرجل حقي، والقوم يلوونني دَيْني"= وذلك إذا مطلوه=" ليًّا ".
* * *وقرأ ذلك جماعة من قرأة أهل الكوفة: ( وإن تلوا ) بواو واحدة.
* * *ولقراءة من قرأ ذلك كذلك وجهان:أحدهما: أن يكون قارئها أراد همز " الواو " لانضمامها، ثم أسقط الهمز، فصار إعراب الهمز في اللام إذْ أسقطه، وبقيت واو واحدة.
كأنه أراد: " تَلْؤُوا " ثم حذف الهمز.
وإذا عني هذا الوجه، كان معناه معنى من قرأ: " وإن تلووا "، بواوين، غير أنه خالف المعروف من كلام العرب.
وذلك أن " الواو " الثانية من قوله: " تلووا " واو جمع، وهي علم لمعنى، فلا يصح همزها، ثم حذفها بعد همزها، فيبطل علَم المعنى الذي له أدخلت " الواو " المحذوفة.
(29)والوجه الآخر: أن يكون قارئها كذلك، أراد: أن " تلوا " من " الولاية "، فيكون معناه: وأن تلوا أمور الناس وتتركوا.
وهذا معنى= إذا وجّه القارئ قراءته على ما وصفنا، إليه= خارج عن معاني أهل التأويل، وما وجّه إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون، تأويلَ الآية.
* * *قال أبو جعفر: فإذْ كان فساد ذلك واضحًا من كلا وجهيه، فالصواب من القراءة الذي لا يصلح غيره أن يقرأ به عندنا: ( وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا ) ، بمعنى: " اللي" الذي هو مطل.
* * *فيكون تأويل الكلام: وإن تدفعوا القيام بالشهادة على وجهها لمن لزمكم القيامُ له بها، فتغيروها وتبدلوا، أو تعرضوا عنها فتتركوا القيام له بها، كما يلوي الرجل دينَ الرجل فيدافعه بأدائه إليه على ما أوجب عليه له مطلا منه له، (30) كما قال الأعشى:يَلْوِينَني دَيْنِي النَّهارَ, وأَقْتَضِيدَيْنِي إذَا وَقَذَ النُّعَاسُ الرُّقَّدَا (31)* * *وأما تأويل قوله: " فإن الله كان بما تعملون خبيرًا "، فإنه أراد: " فإن الله كان بما تعملون "، من إقامتكم الشهادة وتحريفكم إياها، وإعراضكم عنها بكتمانكموها=" خبيرًا "، يعني ذا خبرة وعلم به، يحفظ ذلك منكم عليكم، حتى يجازيكم به جزاءكم في الآخرة، المحسنَ منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته.
يقول: فاتقوا ربكم في ذلك.
(32)------------------الهوامش :(1) يقال: "تقدم إليه في كذا" أي أمره بأمر أو نهي ، وأراد هنا معنى النهي.
(2) انظر تفسير"القسط" فيما سلف 6 : 77 ، 270 / 7 : 541.
(3) انظر تفسير"شهيد" و"شهداء" فيما سلف من فهارس اللغة.
(4) "القطع" ، باب من الحال ، انظر ما سلف في فهارس المصطلحات.
(5) في المطبوعة: "أو على والديكم" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(6) انظر تفسير"أولى" فيما سلف 6: 497.
(7) في المطبوعة: "وهل يشهد الشاهد" ، وفي المخطوطة: "وبما يشهد".
وأرجح أن ما في المطبوعة هو الصواب ، لقوله في جوابه"نعم" ، وكدت أقرؤها: "وبم يشهد الشاهد" ، لولا أن جواب أبي جعفر دل على غير ذلك.
(8) في المطبوعة: "وخيانتهم ما خانوا من ذكر ما قيل عند رسول الله .
.
.
" ، وهو كلام فاسد ، غير ما في المخطوطة ، وهو كما أثبت ، إلا أنه كتب"من ذكرنا قبل" ووضع فتحة على الميم من"من" ، وهو خطأ في نسخ الناسخ ونقله ، إنما هذه الفتحة ميم أخرى في"ممن" أساء قراءتها ، فأساء نقلها.
وقد مضى مثل هذا في مثل هذا الحرف ، مرارًا فيما سلف ونبهت إليه.
(9) في المطبوعة: "فقوموا فيها بالعدل" ، والذي في المخطوطة صواب محض.
(10) في المطبوعة"فلا يحملنكم" ، والجيد ما أثبت من المخطوطة.
(11) في المطبوعة: "لمن قاموا له بها" زاد"له" ، وهي مفسدة للكلام ، غمض عليه السياق.
وإنما سياق الكلام: أمرًا من الله المؤمنين .
.
.
لمن قاموا بها" أي: لمن قام من المؤمنين بالشهادة ، وذكرها معترضة في كلام آخر ، وهو قوله: "في قيامهم بشهاداتهم".
(12) "دخل" على وزن"فرح" ، يقالك: "دخل أمره دخلا (بفتحتين)": أي فسد ، و"الدخل" (بفتحتين): الغش والفساد.
و"فلان مدخول الإسلام" ، إذا كان فيه غش وفساد ، وهو النفاق.
(13) فليت شعري ما كان يقول ابن شهاب لو أدرك زماننا الذي نحن فيه!! نسأل السلامة ، ونستهديه في القيام بما أمرنا به في كتابه.
(14) في المطبوعة: "أو أشراف قومك" ، كأنه ظن"شرفًا" خطأ ، وهو محض صواب ، يجمع"شريف" على"أشراف" و"شرفاء" و"شرف" (بفتح الشين والراء).
كما قالوا: "رجل كريم" و"قوم كرم".
ولو قيل: وهو وصف بالمصدر مثل"عدل" لكان صوابًا.
(15) في المطبوعة: "ويوبخه" والتوبيخ لا معنى له هنا.
وفي المخطوطة غير منقوطة.
وصواب قراءتها ما أثبت.
يقال: "رنخ الرجل": ذلَّله.
ولو قرئت"يريخه" بالياء لكان صوابًا ، يقال: "ضربوا فلانًا حتى ريخوه" ، أي أوهنوه وأذلوه.
هذا وقتادة السدوسي ، كان يكثر في كلامه غريب اللغة.
(16) في المطبوعة: "الرد عليه بالتوحيد .
.
.
" ، والذي أثبت من المخطوطة هو محض الصواب.
(17) انظر "أو" بمعنى"الواو" فيما سلف 1 : 336 ، 337 / 2 : 237.
(18) في المطبوعة: "كان وجها" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(19) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 291.
(20) هو الأثر السالف رقم: 10678.
(21) الأثر: 10683 -"قابوس بن أبي ظبيان الجنبي" ، روى عن أبيه"حصين بن جندب" وآخرين.
قال ابن معين: "ثقة ، ضعيف الحديث".
وقال ابن حبان: "ينفرد عن أبيه بما لا أصل له ، فربما رفع المرسل ، وأسند الموقوف.
وأبوه ثقة".
وانظر ما سلف رقم: 9745.
وأبوه: "أبو ظبيان" ، هو: "حصين بن جندب".
روى عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود.
ثقة ، انظر ما سلف رقم: 9745.
(22) في المطبوعة: "تلوى تنقص منها" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب جيد.
من قولهم: "لوى عنه الخبر" ، إذا طواه ، أو أخبره به على غير وجهه.
وكان سياق الكلام في المطبوعة بالتاء على معنى الخطاب ، "تلوى""تعرض" الخ ، فأثبت ما هو في المخطوطة منقوطًا كذلك.
(23) في المخطوطة: "تحرفوا أو تحرفوا" مكررة ، لا أظنه تحريفًا.
(24) في المطبوعة: "فتتركوها" ، والجيد ما في المخطوطة.
(25) في المطبوعة: "أن لا تقيموها" بالجمع ، والذي في المخطوطة حسن جيد.
(26) في المطبوعة: "لسانه" بغير باء ، والصواب من المخطوطة.
(27) انظر تفسير"اللي" فيما سلف 6 : 535-537 / 8 : 435.
(28) انظر تفسير"الإعراض" فيما سلف ص: 268 ، تعليق: 4 ، والمراجع هناك.
(29) هذا موضع وهم غريب من مثل أبي جعفر ، فإن الهمز في"تلؤوا" على واو الفعل ، وهي عين الفعل"لوى" ، والحذف بعد طرح الهمزة ، واقع بواو الفعل لا بواو الجماعة ، وهي أصل ، لم تدخل لمعنى.
فكيف أخطأ أبو جعفر فظنها واو الجماعة!! وانظر معاني القرآن للفراء 1 : 291.
(30) انظر مراجع تفسير"اللي" فيما سلف ص: 309 ، تعليق: 5 وفي المطبوعة"على ما أوجب عليه" ، والصواب من المخطوطة.
(31) ديوانه: 151 ، واللسان (لوى) و(وقذ) ، من أبيات ، جياد أولها فيما قبله:وَأَرَى الغَوَانِي حِينَ شِبْتُ هَجَرْنَنِيأَنْ لا أَكُونَ لَهُنّ مِثْلِيَ أَمْرَدَاإنَّ الغَوَانِي لا يُوَاصِلْنَ امْرَءًافَقَدَ الشَّبَابَ، وَقَدْ يَصِلْنَ الأَمْرَدَابَلْ لَيْتَ شِعْرِي! هَلْ أَعُودَنْ نَاشِئًامِثْلِي زُمَيْنَ أَحُلُّ بُرْقَةَ أَنْقَدَاإذْ لِمَّتِي سَوْدَاءُ أَتْبَعُ ظِلَّهَادَدَنًا قُعُودَ غَوَايَةٍ أَجْرِي دَدَايَلْوِينَنِي دَيْنِي .
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
هذا ، ورواية الديوان: "وأجتزى ديني" ، يقال: "اجتزى دينه" أي: تقاضاه ، ومثله"تجازى دينه".
و"وقذه": ضربه حتى استرخى وأشرف على الموت.
و"وقذه النعاس" مجاز منه ، أي صاروا كأنهم سكارى قد استرخوا وهمدوا من النعاس.
(32) انظر تفسير"الخبير" فيما سلف من فهارس اللغة.

ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا

سورة : النساء - الأية : ( 135 )  - الجزء : ( 5 )  -  الصفحة: ( 100 ) - عدد الأيات : ( 176 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون
  2. تفسير: وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا
  3. تفسير: قل ياأهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنـزل إليكم من ربكم
  4. تفسير: أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن
  5. تفسير: وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون
  6. تفسير: صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور
  7. تفسير: وما ذلك على الله بعزيز
  8. تفسير: قال ياموسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين
  9. تفسير: وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن
  10. تفسير: وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من

تحميل سورة النساء mp3 :

سورة النساء mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة النساء

سورة النساء بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة النساء بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة النساء بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة النساء بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة النساء بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة النساء بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة النساء بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة النساء بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة النساء بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة النساء بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب