تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 14 من سورةالبقرة - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾
[ سورة البقرة: 14]

معنى و تفسير الآية 14 من سورة البقرة : وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا


هذا من قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، و[ذلك] أنهم إذا اجتمعوا بالمؤمنين, أظهروا أنهم على طريقتهم وأنهم معهم, فإذا خلوا إلى شياطينهم -- أي: رؤسائهم وكبرائهم في الشر - قالوا: إنا معكم في الحقيقة, وإنما نحن مستهزءون بالمؤمنين بإظهارنا لهم, أنا على طريقتهم، فهذه حالهم الباطنة والظاهرة, ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.

تفسير البغوي : مضمون الآية 14 من سورة البقرة


وإذا لقوا الذين آمنوا: يعني هؤلاء المنافقين إذا لقوا المهاجرين والأنصارقالوا آمنا كإيمانكموإذا خلوا رجعوا، ويجوز أن يكون من الخلوة.
إلى بمعنى الباء أي بشياطينهم، وقيل: (إلى) بمعنى مع؛ كما قال الله تعالى: ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم [2-النساء] أي مع أموالكم.
شياطينهم: أي رؤسائهم وكهنتهم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "وهم خمسة نفر من اليهود كعب بن الأشرف بالمدينة، وأبو بردة في بني أسلم، وعبد الدار في جهينة، وعوف بن عامر في بني أسد، وعبد الله بن السوداء بالشام".
ولا يكون كاهن إلا ومعه شيطان تابع له.
والشيطان: المتمرد العاتي من الجن والإنس، ومن كل شيء وأصله البعد، يقال: بئر شطون أي: بعيدة العمق، سمي الشيطان شيطانا لامتداده في الشر وبعده عن الخير .
وقال مجاهد: "إلى أصحابهم من المنافقين والمشركين".
قالوا إنا معكم: أي على دينكم.
إنما نحن مستهزئون: بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه بما نظهر من الإسلام .
قرأ أبو جعفر (مستهزون) و(يستهزون) وقل (استهزوا) و(ليطفوا) و(ليواطوا) و(يستنبونك) و(خاطين) و(خاطون) و(متكن) و(متكون) (فمالون) و(المنشون) بترك الهمزة فيهن.

التفسير الوسيط : وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا


{ وَإِذَا لَقُواْ الذين آمَنُواْ } يقال ولاقيته إذا استقبلته وصادفته وكان قريباً منك .
والمصدر اللقاء واللقى واللقية .
والمقصود : استقبلوهم وكانوا في مواجهتهم وقريبا منهم .
ومرادهم بقولهم " آمنا " أخلصنا الإِيمان بقلوبنا لأن الإِقرار باللسان معلوم منهم .
وإذا خلوا إلى شياطينهم ، أي : انفردوا مع رؤسائهم وقادتهم المشبهين الشياطين في تمردهم وعنوهم وصدهم عن سبيل الحق .
يقال : خلابه وإليه ومعه ، خلوا وخلاء وخلوة : سأله أن يجتمع به في خلوة ففعل وأخلاه معه .
أو المعنى : وإذا مضوا وذهبوا إلى شياطينهم ، يقال : خلا بمعنى مضى وذهب ، ومنه قوله تعالى { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } أي مضت .
وعبر عن حالهم مع المؤمنين بالملاقاة ، وعن حالهم مع الشياطين بالخلوة إيذانا بأن هؤلاء المنافقين لا أنس لهم بالمؤمنين ، ولا طمأنينة منهم إليهم فهم لا يجالسونهم ولا يسامرونهم ، وإنما كل ما هنالك أن يلقوهم في عرض طريق ، أما شأنهم مع شياطينهم فهم إليهم يركنون ، وإليهم يتسامرون ويتحادثون ، لذلك هم بهم يخلون .
والمعية في قولهم { إِنَّا مَعَكُمْ } ليزيلوا ما قد يجري في خواطراهم من أنهم فارقوا دينهم وانقلبوا إلى دين الإِسلام بقلوبهم .
ولم يؤكدوا ما خاطبوا به المؤمنين ، إذ قالوا لهم { آمَنَّا } ولم يقولوا " إنا آمنا " ليوهموهم أنهم بمرتبة لا ينبغي أن يترددوا في إيمانهم حتى يحتاجوا إلى تأكيد .
وقوله - تعالى - حكاية عنهم : { إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } .
وارد مورد الجواب عما قد يعترض به عليهم شياطينهم إذا قالوا لهم : كيف تدعون أنكم معنا مع أنكم توافقون المؤمنين في عقيدتهم وتشاركونهم في مظاهر دينهم؟فكان جوابهم عليهم { إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } والاستهزاء : السخرية والاستخفاف بالغير ، يقال : هزأ منه وبه - كمنع وسمع - واستهزأ به ، أي : سخر .
والمعنى : إننا نظهر للمؤمنين الموافقة على دينهم استخفافاً بهم وسخرية منهم ، لا أن ذلك صادر منا عن صدق وإخلاص .

تفسير ابن كثير : شرح الآية 14 من سورة البقرة


يقول [ الله ] تعالى : وإذا لقي هؤلاء المنافقون المؤمنين قالوا : ( آمنا ) أي : أظهروا لهم الإيمان والموالاة والمصافاة ، غرورا منهم للمؤمنين ونفاقا ومصانعة وتقية ، وليشركوهم فيما أصابوا من خير ومغنم ، ( وإذا خلوا إلى شياطينهم ) يعني : وإذا انصرفوا وذهبوا وخلصوا إلى شياطينهم . فضمن ( خلوا ) معنى انصرفوا ؛ لتعديته ب " إلى " ، ليدل على الفعل المضمر والفعل الملفوظ به . ومنهم من قال : " إلى " هنا بمعنى " مع " ، والأول أحسن ، وعليه يدور كلام ابن جرير .وقال السدي عن أبي مالك : ( خلوا ) يعني : مضوا ، و ( شياطينهم ) يعني : سادتهم وكبراءهم ورؤساءهم من أحبار اليهود ورءوس المشركين والمنافقين .قال السدي في تفسيره ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة عن ابن مسعود ، عن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ( وإذا خلوا إلى شياطينهم ) يعني : هم رءوسهم من الكفر .وقال الضحاك عن ابن عباس : وإذا خلوا إلى أصحابهم ، وهم شياطينهم .وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وإذا خلوا إلى شياطينهم ) من يهود ، الذين يأمرونهم بالتكذيب وخلاف ما جاء به الرسول .وقال مجاهد : ( وإذا خلوا إلى شياطينهم ) إلى أصحابهم من المنافقين والمشركين .وقال قتادة : ( وإذا خلوا إلى شياطينهم ) قال : إلى رءوسهم ، وقادتهم في الشرك ، والشر .وبنحو ذلك فسره أبو مالك ، وأبو العالية والسدي ، والربيع بن أنس .قال ابن جرير : وشياطين كل شيء مردته ، وتكون الشياطين من الإنس والجن ، كما قال تعالى : ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) [ الأنعام : 112 ] .وفي المسند عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعوذ بالله من شياطين الإنس والجن . فقلت : يا رسول الله ، وللإنس شياطين ؟ قال : نعم .وقوله تعالى : ( قالوا إنا معكم ) قال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أي : إنا على مثل ما أنتم عليه ( إنما نحن مستهزئون ) أي : إنما نحن نستهزئ بالقوم ونلعب بهم .وقال الضحاك ، عن ابن عباس : قالوا إنما نحن مستهزئون ساخرون بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .وكذلك قال الربيع بن أنس ، وقتادة .

تفسير الطبري : معنى الآية 14 من سورة البقرة


القول في تأويل قوله جل ثناؤه: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْقال أبو جعفر: وهذه الآية نظيرة الآية الأخرى التي أخبر الله جلّ ثناؤه فيها عن المنافقين بخداعهم الله ورسولَه والمؤمنين, فقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ .
ثم أكْذَبهم تعالى ذكره بقوله: وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ، وأنهم بقيلهم ذلك يخُادعون الله والذين آمنوا.
وكذلك أخبر عنهم في هذه الآية أنهم يقولون -للمؤمنين المصدِّقين بالله وكتابه ورسوله- بألسنتهم: آمنا وصدَّقنا بمحمد وبما جاء به من عند الله, خِداعًا عن دمائهم وأموالهم وذَرَاريهم, ودرءًا لهم عنها, وأنهم إذا خَلَوْا إلى مَرَدَتهم وأهل العُتُوّ والشر والخُبث منهم ومن سائر أهل الشرك (87) الذين هم على مثل الذي هم عليه من الكُفر بالله وبكتابه ورسوله - وهم شياطينهم، وقد دللنا فيما مضى من كتابنا على أن شياطينَ كل شيء مَرَدَتُه - قالوا لهم: " إنا معكم "، أي إنا معكم على دينكم, وظُهراؤكم على من خالفكُم فيه, وأولياؤكم دون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ بالله وبكتابه ورسوله وأصحابه، كالذي-:349- حدثنا محمد بن العلاء (88) قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بِشْر بن عُمارة، عن أبي رَوْق, عن الضحاك, عن ابن عباس في قوله: ( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا )، قال: كان رجال من اليهود إذا لقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو بعضهم, قالوا: إنا على دينكم.
وإذا خلوا إلى أصحابهم، وهم شياطينهم، قالوا: (إنا معكم إنما نحن مستهزئون).
350- حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق, عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: ( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ ) قال: إذا خلوا إلى شياطينهم من يهودَ، الذين يأمرونهم بالتكذيب وخلاف ما جاء به الرسول (قالوا إنا معكم)، أي إنا على مثل ما أنتم عليه إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ .
351- حدثني موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسباط, عن السُّدّيّ في خبر ذكره عن أبي مالك, وعن أبي صالح, عن ابن عباس - وعن مُرَّة الهَمْداني، عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإذا خلوا إلى شياطينهم)، أما شياطينهم, فهم رءوسهم في الكُفر.
352- حدثنا بشر بن مُعاذ العَقَدي (89) قال: حدثنا يزيد بن زُرَيْع, عن سعيد, عن قتادة قوله: (وإذا خلوا إلى شياطينهم) أي رؤسائهم في الشرّ قالوا إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ .
353- حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أنبأنا معمر عن قتادة في قوله: (وإذا خلوا إلى شياطينهم)، قال: المشركون.
354- حدثني محمد بن عمرو الباهلي, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى بن ميمون, قال: حدثنا عبد الله بن أبي نَجيح, عن مجاهد في قول الله عز وجل: (وإذا خلوا إلى شياطينهم)، قال: إذا خلا المنافقون إلى أصحابهم من الكفّار.
355- حدثني المثنى بن إبراهيم, قال: حدثنا أبو حُذيفة, عن شِبْل بن عبّاد, عن عبد الله بن أبي نَجيح, عن مجاهد: (وإذا خلوا إلى شياطينهم)، قال: أصحابِهم من المنافقين والمشركين.
356- حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج, عن عبد الله بن أبي [ 1-198 ] جعفر, عن أبيه, عن الربيع بن أنس (وإذا خلوا إلى شياطينهم)، قال: إخوانهم من المشركين, " قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ" .
357- حدثنا القاسم بن الحسن, قال: حدثنا الحسين بن داود, قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج في قوله: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا)، قال: إذا أصاب المؤمنين رخاءٌ قالوا: إنا نحن معكم، إنما نحن إخوانكم, وإذا خلوا إلى شياطينهم استهزءوا بالمؤمنين.
358- حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, قال: وقال مجاهد: شياطينُهم: أصحابُهم من المنافقين والمشركين (90) .
فإن قال لنا قائل: أرأيتَ قولَه (وإذا خلوا إلى شياطينهم)؟ فكيف قيل: (خلوا إلى شياطينهم)، ولم يقل خَلَوْا بشياطينهم؟ فقد علمتَ أنّ الجاريَ بين الناس في كلامهم: " خلوتُ بفلان " أكثر وأفشَى من: " خلوتُ إلى فلان "؛ ومن قولك: إن القرآن أفصح البيان!قيل: قد اختلف في ذلك أهل العلم بلغة العرب.
فكان بعض نحويِّي البصرة يقول: يقال " خلوتُ إلى فلان " إذا أريدَ به: خلوتُ إليه في حاجة خاصة.
لا يحتَمِل -إذا قيل كذلك- إلا الخلاءَ إليه في قضاء الحاجة.
فأما إذا قيل: " خلوت به " احتمل معنيين: أحدهما الخلاء به في الحاجة, والآخَر في السخرية به.
فعلى هذا القول، ( وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ )، لا شكّ أفصحُ منه لو قيل " وإذا خلوا بشياطينهم "، لما في قول القائل: " إذا خلوا بشياطينهم " من التباس المعنى على سامعيه، الذي هو مُنتفٍ عن قوله: " وإذا خلوا إلى شياطينهم ".
فهذا أحد الأقوال.
والقول الآخر: فأن تُوَجِّه معنى (91) قوله (وإذا خلوا إلى شياطينهم)،" وإذا ص[ 1-199 ]خلوا مع شياطينهم ", إذ كانت حروف الصِّفات يُعاقِبُ بعضُها بعضًا (92) ، كما قال الله مخبرًا عن عيسى ابن مريم أنه قال للحواريين: مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ [سورة الصف: 14]، يريد: مع الله.
وكما توضع " على " في موضع " من "، و " في" و " عن " و " الباء ", كما قال الشاعر:إِذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍلَعَمْرُ اللهِ أَعْجَبَنِي رِضَاهَا (93)بمعنى عَنِّي.
وأما بعض نحويي أهل الكوفة، فإنه كان يتأوَّل أن ذلك بمعنى: وإذا لَقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا صَرفوا خَلاءهم إلى شياطينهم - فيزعم أن الجالب لِ " إلى "، المعنى الذي دلّ عليه الكلامُ: من انصرافِ المنافقين عن لقاء المؤمنين إلى شياطينهم خالين بهم, لا قوله " خَلَوْا ".
وعلى هذا التأويل لا يصلح في موضع " إلى " غيرُها، لتغير الكلام بدخول غيرها من الحروف مكانها.
وهذا القول عندي أولى بالصواب, لأن لكل حرف من حُرُوف المعاني وجهًا هو به أولى من غيره (94) فلا يصلح تحويل ذلك عنه إلى غيره إلا بحجة يجب التسليم لها.
ولِ " إلى " في كل موضع دخلت من الكلام حُكْم، وغيرُ جائز سلبُها معانِيَها في أماكنها.
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)أجمع أهل التأويل جميعًا -لا خلاف بينهم- على أن معنى قوله: (إنما نحن مستهزئون) : إنما نحن ساخرون.
فمعنى الكلام إذًا: وإذا انصرف المنافقون خالين إلى مَرَدتهم من المنافقين والمشركين قالوا: إنا معكم عن ما أنتم عليه من التكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، ومعاداتِه ومعاداة أتباعه, إنما نحن ساخرون بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، بقيلنا لهم إذا لقيناهم: آمَنَّا بالله وباليوم الآخر (95) كما-:359- حدثنا محمد بن العلاء, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عُمارة، عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس: قالوا: ( إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ) ، ساخرون بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
360- حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا سلمة, عن محمد بن إسحاق, عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: (إنما نحن مستهزئون) ، أي: إنما نحن نستهزئ بالقوم ونلعبُ بهم.
361- حدثنا بشر بن مُعاذ العَقَدي, قال: حدثنا يزيد بن زُرَيع, عن سعيد, عن قتادة: (إنما نحن مستهزئون) ، إنما نستهزئ بهؤلاء القوم ونَسخَر بهم.
362- حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج, عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه, عن الربيع: (إنما نحن مستهزئون) ، أي نستهزئ بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم (96) .
-------------------الهوامش :(87) في المخطوطة : "وأنهم إذا خلوا إلى أهل مودتهم" ، والذي في المطبوعة أصح في سياق تفسيره .
(88) "محمد بن العلاء" ، هو"أبو كريب" ، الذي أكثر الرواية عنه فيما مضى وفيما يستقبل .
(89) بشر بن معاذ العقدي : ثقة معروف ، روى عنه الترمذي : والنسائي وابن ماجه وغيرهم .
و"العقدي" : بالعين المهملة والقاف المفتوحين ، نسبة إلى"العقد" : بطن من بجيلة .
(90) هذه الآثار السالفة : 349 - 358 : ذكر أكثرها ابن كثير في تفسيره 1 : 93 ، والسيوطي 1 : 31 ، والشوكاني 1 : 33 .
(91) في المطبوعة : "والقول الآخر : أن توجيه معنى قوله" .
(92) حروف الصفات : هي حرف الجر ، وسميت حروف الجر ، لأنها تجر ما بعدها ، وسميت حروف الصفات ، لأنها تحدث في الاسم صفة حادثة ، كقولك : "جلست في الدار" ، دلت على أن الدار وعاء للجلوس .
وقيل : سميت بذلك ، لأنها تقع صفات لما قبلها من النكرات .
ويسميها الكوفيون أيضًا : حروف الإضافة ، لأنها تضيف الاسم إلى الفعل ، أي توصله إليه وتربطه به .
(همع الهوامع 2 : 19) وتسمى أيضًا حروف المعاني ، كما سيأتي بعد قليل .
والمعاقبة : أن يستعمل أحدهما مكان الآخر بمثل معناه .
(93) الشعر للعقيف العقيلي ، يمدح حكيم بن المسيب القشيري .
نوادر أبي زيد : 176 ، خزانة الأدب 4 : 247 ، وغيرهما كثير .
(94) حروف المعاني ، هي حروف الصفات ، وحروف الجر ، كما مضى آنفًا ، تعليق : 1(95) في المطبوعة : "في قيلنا لهم إذا لقيناهم" .
(96) هذه الآثار تتمة الآثار السالفة في تفسير أول الآية

وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون

سورة : البقرة - الأية : ( 14 )  - الجزء : ( 1 )  -  الصفحة: ( 3 ) - عدد الأيات : ( 286 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب