تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 140 من سورةالبقرة - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ۗ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾
[ سورة البقرة: 140]

معنى و تفسير الآية 140 من سورة البقرة : أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب


وهذه دعوى أخرى منهم, ومحاجة في رسل الله, زعموا أنهم أولى بهؤلاء الرسل المذكورين من المسلمين.
فرد الله عليهم بقوله: أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ فالله يقول: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وهم يقولون: بل كان يهوديا أو نصرانيا.
فإما أن يكونوا, هم الصادقين العالمين, أو يكون الله تعالى هو الصادق العالم بذلك, فأحد الأمرين متعين لا محالة، وصورة الجواب مبهم, وهو في غاية الوضوح والبيان، حتى إنه - من وضوحه - لم يحتج أن يقول بل الله أعلم وهو أصدق, ونحو ذلك, لانجلائه لكل أحد، كما إذا قيل: الليل أنور, أم النهار؟ والنار أحر أم الماء؟ والشرك أحسن أم التوحيد؟ ونحو ذلك.
وهذا يعرفه كل من له أدنى عقل حتى إنهم بأنفسهم يعرفون ذلك, ويعرفون أن إبراهيم وغيره من الأنبياء, لم يكونوا هودا ولا نصارى, فكتموا هذا العلم وهذه الشهادة, فلهذا كان ظلمهم أعظم الظلم.
ولهذا قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ فهي شهادة عندهم, مودعة من الله, لا من الخلق, فيقتضي الاهتمام بإقامتها, فكتموها, وأظهروا ضدها، جمعوا بين كتم الحق, وعدم النطق به, وإظهار الباطل, والدعوة إليه، أليس هذا أعظم الظلم؟ بلى والله, وسيعاقبهم عليه أشد العقوبة، فلهذا قال: وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ بل قد أحصى أعمالهم, وعدها وادخر لهم جزاءها, فبئس الجزاء جزاؤهم, وبئست النار, مثوى للظالمين، وهذه طريقة القرآن في ذكر العلم والقدرة, عقب الآيات المتضمنة للأعمال التي يجازى عليها.
فيفيد ذلك الوعد والوعيد, والترغيب والترهيب، ويفيد أيضا ذكر الأسماء الحسنى بعد الأحكام, أن الأمر الديني والجزائي, أثر من آثارها, وموجب من موجباتها, وهي مقتضية له.

تفسير البغوي : مضمون الآية 140 من سورة البقرة


قوله تعالى : أم تقولون يعني: أتقولون، صيفة استفهام ومعناه التوبيخ.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص بالتاء لقوله تعالى: قل أتحاجوننا في الله وقال بعده قل أأنتم أعلم أم الله وقرأ الآخرون بالياء يعني يقول اليهود والنصارى.
إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أو نصارى قل يا محمد.
أأنتم أعلم بدينهم.
أم الله وقد أخبر الله تعالى أن إبراهيم لم يكن يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً.
ومن أظلم ممن كتم أخفى.
شهادة عنده من الله وهي علمهم بأن إبراهيم وبنيه كانوا مسلمين وأن محمداً صلى الله عليه وسلم حق ورسول أشهدهم الله عليه في كتبهم.
وما الله بغافل عما تعملون.

التفسير الوسيط : أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب


وبعد أن أبطل القرآن الكريم محاجة أهل الكتاب في دين الله بغير حق وأنكر عليهم ذلك، عقبه بإبطال دعواهم أن أسلافهم من الأنبياء كانوا هودا أو نصارى فقال تعالى: أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى، قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
وقوله تعالى: أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ حرف «أم» فيه معادل للهمزة في قوله تعالى في الآية السابقة أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ على أحد الوجوه بمعنى أى الأمرين تأتون؟ المحاجة في حكمة الله أم ادعاء اليهودية والنصرانية على الأنبياء المذكورين فيهذه الآية والمراد من الاستفهام عنهما إنكارهما معا، إنكار حجاجهم في دين الله، وإنكار قولهم إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى.
فكأنه- سبحانه - يقول لنبيه صلّى الله عليه وسلّم قل لهم: لا تجادلوننا في دين الله بغير حق، ولا تقولوا إن الأنبياء كانوا على دينكم، فإن مجادلتكم وأقوالكم من قبيل المزاعم الباطلة التي لا سند لها من عقل أو نقل.
وقوله تعالى: قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ معناه قل لهم يا محمد إن زعموا أن الأنبياء المذكورين في الآية كانوا هودا أو نصارى: إن ما زعمتموه من أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب كانوا هودا أو نصارى هو على خلاف ما يعلمه الله، لأنه- سبحانه - قد أخبرنا بأنهم كانوا مسلمين مبرئين عن اليهودية والنصرانية، وأن يعقوب- عليه السلام- عند ما حضرته الوفاة أوصى بنيه بأن يموتوا على الإسلام، وأن التوراة والإنجيل ما أنزلا إلا من بعد أولئك الأنبياء جميعا، هكذا أخبرنا الله فهل أنتم أعلم بديانتهم أم الله ولا شك أنهم لن يستطيعوا أن يقولوا نحن أعلم، وإنما سيقولون الله اعلم، فإذا لزمهم هذا القول: قلنا لهم إذا فدعواكم لا أساس لها من الصحة وبذلك تكون الجملة الكريمة قد قطعت حجتهم بأجمع بيان وأحكمه.
وقوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ معناه لا أحد أشد ظلما ممن يكتم شهادة ثبتت عنده عن الله، تخبر بأن هؤلاء الأنبياء كانوا على الإسلام ولم يكونوا هودا أو نصارى.
قال فضيلة أستاذنا السيد محمد الخضر حسين- رحمه الله- ما ملخصه: ولما أنزل قوله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ: مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ.. إلى آخر الآية الكريمة، كان من أهل الكتاب من آمن به وأخبر بما في كتبهم من ذكره بصفته وعلاماته، وكان منهم من لا ينكر أن يكون قد ذكر في الكتابين.
ولكنه يكابر ويقول: المقصود نبي لم يأت بعد وقد تصدى لجمع هذه البشائر من كتابي التوراة والإنجيل طائفة من أهل البحث والعلم في القديم والحديث، وبينوا وجه انطباقها على حال النبي صلّى الله عليه وسلّم بحيث لا تأخذ الناظر الطالب للحق ريبة في أنه الرسول الذي بشرت الأنبياء بمبعثه وعموم رسالته، ومن هذه البشائر ما جاء في سفر التثنية من التوراة {أقيم لهم من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به} .
والنبي المماثل لموسى- عليه السلام- في الرسالة والشريعة المستأنفة هو النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم وإخوة بنى إسرائيل هم العرب، لأنهما يجتمعان في إبراهيم- عليه السلام- وقوله: «وأجعل كلامي في فمه، يوافق حال النبي صلّى الله عليه وسلّم من الأمية وعدم تعاطى الكتابة» .
ثم ختمت الآية بالوعيد الشديد لهم على مزاعمهم الباطلة، فقال تعالى وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
الغفلة: السهو والنسيان، والمراد أنه- سبحانه - محيط بأعمال هؤلاء الذين كتموا الحق، لا تخفى عليه منها خافية وسيحاسبهم عليها حسابا عسيرا، ويعاقبهم على مزاعمهم الباطلة عقابا أليما، فالجملة الكريمة تهديد ووعيد لأهل الكتاب.

تفسير ابن كثير : شرح الآية 140 من سورة البقرة


ثم أنكر تعالى عليهم ، في دعواهم أن إبراهيم ومن ذكر بعده من الأنبياء والأسباط كانوا على ملتهم ، إما اليهودية وإما النصرانية فقال : ( قل أأنتم أعلم أم الله ) يعني : بل الله أعلم ، وقد أخبر أنهم لم يكونوا هودا ولا نصارى ، كما قال تعالى : ( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ) الآية والتي بعدها [ آل عمران : 67 ، 68 ] .وقوله : ( ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله ) قال الحسن البصري : كانوا يقرؤون في كتاب الله الذي أتاهم : إن الدين [ عند الله ] الإسلام ، وإن محمدا رسول الله ، وإن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا برآء من اليهودية والنصرانية ، فشهد الله بذلك ، وأقروا به على أنفسهم لله ، فكتموا شهادة الله عندهم من ذلك .وقوله : ( وما الله بغافل عما تعملون ) [ فيه ] تهديد ووعيد شديد ، أي : [ أن ] علمه محيط بعملكم ، وسيجزيكم عليه .

تفسير الطبري : معنى الآية 140 من سورة البقرة


القول في تأويل قوله تعالى : أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُقال أبو جعفر: في قراءة ذلك وجهان.
أحدهما: " أمْ تَقولون " ب " التاء ".
فمن قرأ كذلك، فتأويله: قل يا محمد -للقائلين لَك من اليهود والنصارى: كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا -: أتجادلوننا في الله، أم تقولون إن إبراهيم؟ فيكون ذلك معطوفًا على قوله: أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ .
والوجه الآخر منهما: " أم يَقولون " ب " الياء ".
ومن قرأ ذلك كذلك وجّه قوله: " أم يقولون " إلى أنه استفهام مُستأنَف, كقوله: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ [سورة السجدة: 3]، وكما يقال: " إنها لإبل أم شَاءٌ".
(39) وإنما جعله استفهامًا مستأنَفًا، لمجيء خبر مستأنف, كما يقال: " أتقوم أم يقوم أخوك؟" فيصير قوله: " أم يقوم أخوك " خبرًا مستأنفًا لجملة ليست من الأول واستفهامًا مبتدأ.
ولو كان نَسقًا على الاستفهام الأول، لكان خبرًا عن الأول, فقيل: " أتقوم أم تقعد؟"وقد زعم بعض أهل العربية أنّ ذلك، إذا قرئ كذلك ب " الياء ", فإن كان الذي بعد " أم " جملة تامة، فهو عطفٌ على الاستفهام الأول.
لأن معنى الكلام: قيل: أيّ هذين الأمرين كائنٌ؟ هذا أم هذا؟* * *قال أبو جعفر: والصواب من القرَاءة عندنا في ذلك: " أم تقولون "" بالتاء " دون " الياء " عطفًا على قوله: قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا ، بمعنى: أيّ هذين الأمرين تفعلون؟ أتجادلوننا في دين الله, فتزعمون أنكم أولى منا وأهدى منا سبيلا -وأمرنا وأمركم ما وصفنا، على ما قد بيناه آنفًا (40) - أمْ تزعمون أنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوبَ، ومن سَمَّى الله، كانوا هُودًا أو نصارَى على ملتكم, فيصحّ للناس بَهتكم وكذبكم، (41) لأن اليهودية والنصرانية حدثت بعد هؤلاء الذين سماهم الله من أنبيائه.
وغير جائزة قراءة ذلك ب " الياء "، لشذوذها عن قراءة القراء.
* * *وهذه الآية أيضًا احتجاجٌ من الله تعالى ذكره لنبيّه صلى الله عليه وسلم على اليهود والنصارى، الذين ذكر الله قَصَصهم.
يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ يا محمد -لهؤلاء اليهود والنصارى-: أتحاجُّوننا في الله, وتزعمون أن دينكم أفضلُ من ديننا, وأنكم على هدى ونحنُ على ضَلالة، ببرهان من الله تعالى ذكره، فتدعوننا إلى دينكم؟ فهاتوا برهانكم على ذلك فنتبعكم عليه، أم تقولون: إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوبَ والأسباط كانوا هودًا أو نَصَارَى على دينكم؟ فهاتُوا -على دعواكم ما ادّعيتم من ذلك- برهانًا فنصدِّقكم، فإن الله قد جَعلهم أئمة يقتدى بهم.
ثم قال تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: قُل لهم يا محمد - إن ادَّعوا أن إبراهيمَ وإسماعيل وإسحاق ويعقوبَ والأسباطَ كانوا هودًا أو نصَارَى: أأنتم أعلم بهم وبما كانوا عليه من الأديان، أم الله؟* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِقال أبو جعفر: يعني: فإنْ زَعمتْ يا محمد اليهودُ والنصَارى - الذين قالوا لك ولأصحابك: كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى , أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودًا أو نصارى, فمن أظلمُ منهم؟ يقول: وأيُّ امرئ أظلم منهم؟ وقد كتموا شهادةً عندهم من الله بأن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوبَ والأسباطَ كانوا مسلمين، فكتموا ذلك، ونحلُوهم اليهوديةَ والنصرانية.
* * *واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك:2132- فحدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: " ومن أظلمُ ممن كتم شَهادةً عندهُ من الله " قال: في قول يهود لإبراهيم وإسماعيل ومن ذكر معهما، إنهم كانوا يهودَ أو نصارَى.
فيقول الله: لا تكتموا منّي شهادةً إن كانت عندكم فيهم.
وقد عَلم أنهم كاذبون.
2133- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " ومن أظلمُ ممن كتم شهادةً عنده من الله "، في قول اليهود لإبراهيم وإسماعيل ومن ذكر معهما: إنهم كانوا يهود أو نصارَى.
فقال الله لهم: لا تكتموا مني الشهادة فيهم، إن كانت عندكم فيهم.
وقد علم الله أنهم كانوا كاذبين.
2134- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني إسحاق, عن أبي الأشهب, عن الحسن أنه تلا هذه الآية: أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ إلى قوله: " قل أأنتم أعلمُ أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله "، قال الحسن: والله لقد كان عند القوم من الله شهادةُ أنّ أنبياءَه بُرَآء من اليهودية والنصرانية, كما أن عند القوم من الله شَهادة أن أموالكم ودماءكم بينكم حرام, فبم استحلُّوها؟2135- حدثت عن عمار قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قوله: " ومن أظلمُ ممن كتم شهادةً عنده من الله "، أهلُ الكتاب, كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه دينُ الله, وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل: أنّهم لم يكونوا يهودَ ولا نصارَى, وكانت اليهودية والنصرانية بعد هؤلاء بزمان.
* * *وإنما عنى تعالى ذكره بذلك أن اليهود والنصارَى، (42) إن ادَّعوْا أنَّ إبراهيم ومن سمِّي مَعه في هذه الآية، كانوا هودًا أو نصارى, تبيّن لأهل الشرك الذين هم نصراؤهم، (43) كذبُهم وادّعاؤهم على أنبياء الله الباطلَ = لأن اليهودية والنصرانية حدثت بعدهم = وإن هم نَفوْا عنهم اليهودية والنصرانية، (44) قيل لهم: فهلموا إلى ما كانوا عليه من الدين, فإنا وأنتم مقرُّون جميعًا بأنهم كانوا على حق, ونحن مختلفون فيما خالف الدّين الذي كانوا عليه.
* * *وقال آخرون: بل عَنى تعالى ذكره بقوله: " ومَنْ أظلم ممن كتم شهادةً عنده من الله "، اليهودَ في كتمانهم أمرَ محمد صلى الله عليه وسلم ونبوَّتَه, وهم يعلمون ذلك ويجدونه في كتبهم.
ذكر من قال ذلك:2136- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى ، أولئك أهل الكتاب كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه دينُ الله, واتخذوا اليهودية والنصرانيةَ, وكتموا محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم, يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.
2137- حدثنا الحسن بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر, عن قتادة قوله: " ومَنْ أظلمُ ممن كتم شهادة عنده من الله " قال: الشهادةُ، النبيُّ صلى الله عليه وسلم، مكتوبٌ عندهم, وهو الذي كتموا.
2138- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثني ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, نحو حديث بشر بن معاذ، عن يزيد.
(45)2139- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: " ومن أظلمُ ممن كتم شهادةً عند منَ الله " قال: هم يهودُ، يُسألون عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صفته في كتاب الله عندهم, فيكتمون الصفة.
* * *قال أبو جعفر: وإنما اخترنا القولَ الذي قلناه في تأويل ذلك، لأن قوله تعالى ذكره: " ومن أظلمُ ممن كتم شهادةً عنده من الله "، في إثر قصة من سمَّى الله من أنبيائه, وأمامَ قصته لهم.
فأوْلى بالذي هو بَين ذلك أن يكون من قَصصهم دون غَيره.
* * *فإن قال قائل: وأية شهادة عندَ اليهود والنصارى من الله في أمر إبراهيم وإسماعيل وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباطَ؟ قيل: الشهادةُ التي عندهم من الله في أمرهم, ما أنزل الله إليهم في التوراة والإنجيل, وأمرُهم فيها بالاستنان بسُنَّتهم واتباع ملتهم, وأنهم كانوا حُنفاء مسلمين.
وهي الشهادةُ التي عندهم من الله التي كتموها، حين دعاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام, فقالوا له: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى [سورة البقرة: 111]، وقالوا له ولأصحابه: كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا ، فأنزلَ الله فيهم هذه الآيات، في تكذيبهم، وكتمانهم الحق, وافترائهم على أنبياء الله الباطلَ والزُّورَ.
* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: وقل -لهؤلاء اليهود والنصارَى، الذين يحاجُّونك يا محمد-: " وما اللهُ بغافل عما تعملون "، من كتمانكم الحق فيما ألزَمكم في كتابه بيانَه للناس من أمر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوبَ والأسباطِ في أمر الإسلام, وأنهم كانُوا مسلمين, وأنّ الحنيفية المسلمة دينُ الله الذي على جميع الخلق الدينُونةُ به، دون اليهودية والنصرانية وغيرهما من الملل- ولا هُو سَاهٍ عن عقابكم على فعلكم ذلك، (46) بل هو مُحْصٍ عليكم حتى يُجازيكم به من الجزاء ما أنتم له أهلٌ في عاجل الدنيا وآجل الآخرة.
فجازاهم عاجلا في الدنيا، بقتل بعضهم، وإجلائه عن وطنه وداره, وهو مُجازيهم في الآخرة العذابَ المهين.
-----------الهوامش :(39) انظر ما سلف في خبر"أم" 2 : 492-494 ، وهذا الجزء 3 : 97 .
(40) في المطبوعة : "أيضًا" ، والصواب ما أثبت .
(41) أخشى أن يكون الصواب"فيتضح للناس" ، والذي في الأصل لا بأس به .
(42) في المطبوعة : "وأنه عنى تعالى ذكره .
.
.
" والسياق مختل ، فاستظهرت إصلاحه كما سترى في التعليق الآتي :(43) في المطبوعة"بين لأهل الشرك" .
والسياق يوجب ما أثبت .
(44) سياق هذه الجملة من أول الفقرة : "وإنما عنى تعالى ذكره أن اليهود والنصارى ، إن ادعوا أن إبراهيم .
.
.
تبين لأهل الشرك .
.
.
وإن نفوا عنهم اليهودية قيل لهم : .
.
.
" ، وبذلك يتبين أن الذي أثبتنا أحق بسياق الكلام .
(45) الأثر : 2138- كان في المطبوعة"حدثني المثنى قال حدثني ابن أبي جعفر" ، أسقط من الإسناد"حدثنا إسحاق" ، وهو إسناد دائر في التفسير ، أقربه رقم : 117 .
(46) انظر تفسير"غافل" فيما سلف 2 : 243-244 / ثم : 316 .

أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون

سورة : البقرة - الأية : ( 140 )  - الجزء : ( 1 )  -  الصفحة: ( 21 ) - عدد الأيات : ( 286 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد
  2. تفسير: أو آباؤنا الأولون
  3. تفسير: وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب
  4. تفسير: لمن شاء منكم أن يستقيم
  5. تفسير: إلى ربك منتهاها
  6. تفسير: أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله
  7. تفسير: وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب
  8. تفسير: بينهما برزخ لا يبغيان
  9. تفسير: إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم
  10. تفسير: لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

إبراهيم , إسماعيل , إسحاق , يعقوب , الأسباط , الله ,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب