تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 54 من سورةالأعراف - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾
[ سورة الأعراف: 54]

معنى و تفسير الآية 54 من سورة الأعراف : إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض


يقول تعالى مبينا أنه الرب المعبود وحده لا شريك له: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وما فيهما على عظمهما وسعتهما، وإحكامهما، وإتقانهما، وبديع خلقهما.
فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ أولها يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة، فلما قضاهما وأودع فيهما من أمره ما أودع اسْتَوَى تبارك وتعالى عَلَى الْعَرْشِ العظيم الذي يسع السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، استوى استواء يليق بجلاله وعظمته وسلطانه، فاستوى على العرش، واحتوى على الملك، ودبر الممالك، وأجرى عليهم أحكامه الكونية، وأحكامه الدينية، ولهذا قال: يُغْشِي اللَّيْلَ المظلم النَّهَارَ المضيء، فيظلم ما على وجه الأرض، ويسكن الآدميون، وتأوى المخلوقات إلى مساكنها، ويستريحون من التعب، والذهاب والإياب الذي حصل لهم في النهار.
يَطْلُبُهُ حَثِيثًا كلما جاء الليل ذهب النهار، وكلما جاء النهار ذهب الليل، وهكذا أبدا على الدوام، حتى يطوي اللّه هذا العالم، وينتقل العباد إلى دار غير هذه الدار.
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أي: بتسخيره وتدبيره، الدال على ما له من أوصاف الكمال، فخلْقُها وعظَمُها دالٌّ على كمال قدرته، وما فيها من الإحكام والانتظام والإتقان دال على كمال حكمته، وما فيها من المنافع والمصالح الضرورية وما دونها دال على سعة رحمته وذلك دال على سعة علمه، وأنه الإله الحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له.
أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ أي: له الخلق الذي صدرت عنه جميع المخلوقات علويها وسفليها، أعيانها وأوصافها وأفعالها والأمر المتضمن للشرائع والنبوات، فالخلق: يتضمن أحكامه الكونية القدرية، والأمر: يتضمن أحكامه الدينية الشرعية، وثم أحكام الجزاء، وذلك يكون في دار البقاء، تَبَارَكَ اللَّهُ أي: عظم وتعالى وكثر خيره وإحسانه، فتبارك في نفسه لعظمة أوصافه وكمالها، وبارك في غيره بإحلال الخير الجزيل والبر الكثير، فكل بركة في الكون، فمن آثار رحمته، ولهذا قال: ف تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ولما ذكر من عظمته وجلاله ما يدل ذوي الألباب على أنه وحده، المعبود المقصود في الحوائج كلها أمر بما يترتب على ذلك، فقال: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ

تفسير البغوي : مضمون الآية 54 من سورة الأعراف


قوله تعالى : ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ) أراد به في مقدار ستة أيام لأن اليوم من لدن طلوع الشمس إلى غروبها ، ولم يكن يومئذ يوم ولا شمس ولا سماء ، قيل: ستة أيام كأيام الآخرة وكل يوم كألف سنة .
وقيل: كأيام الدنيا ، قال سعيد بن جبير : كان الله - عز وجل - قادرا على خلق السماوات والأرض في لمحة ولحظة ، فخلقهن في ستة أيام تعليما لخلقه التثبت والتأني في الأمور وقد جاء في الحديث : " التأني من الله والعجلة من الشيطان " .
( ثم استوى على العرش ) قال الكلبي ومقاتل : استقر .
وقال أبو عبيدة : صعد .
وأولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء ، وأما أهل السنة فيقولون : الاستواء على العرش صفة لله تعالى ، بلا كيف ، يجب على الرجل الإيمان به ، ويكل العلم فيه إلى الله - عز وجل - .
وسأل رجل مالك بن أنس عن قوله : ( الرحمن على العرش استوى ) طه - 5 ، كيف استوى؟ فأطرق رأسه مليا ، وعلاه الرحضاء ، ثم قال : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وما أظنك إلا ضالا ثم أمر به فأخرج .
وروي عن سفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك وغيرهم من علماء السنة في هذه الآيات التي جاءت في الصفات المتشابهة : أمروها كما جاءت بلا كيف .
والعرش في اللغة : هو السرير .
وقيل: هو ما علا فأظل ، ومنه عرش الكروم .
وقيل: العرش الملك .
( يغشي الليل النهار ) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر ويعقوب : " يغشي " بالتشديد هاهنا وفي سورة الرعد ، والباقون بالتخفيف ، أي : يأتي الليل على النهار فيغطيه ، وفيه حذف أي : ويغشي النهار الليل ، ولم يذكره لدلالة الكلام عليه وذكر في آية أخرى فقال : " يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل " الزمر - 5 ، ( يطلبه حثيثا ) أي : سريعا ، وذلك أنه إذا كان يعقب أحدهم الآخر ويخلفه ، فكأنه يطلبه .
( والشمس والقمر والنجوم مسخرات ) قرأ ابن عامر كلها بالرفع على الابتداء والخبر ، والباقون بالنصب ، وكذلك في سورة النحل عطفا على قوله : " لخلق السماوات والأرض " ، أي : خلق هذه الأشياء مسخرات ، أي : مذللات ( بأمره ألا له الخلق والأمر ) له الخلق لأنه خلقهم وله الأمر ، يأمر في خلقه بما يشاء .
قال سفيان بن عيينة : فرق الله بين الخلق والأمر فمن جمع بينهما فقد كفر .
( تبارك الله ) أي : تعالى الله وتعظم .
وقيل: ارتفع .
والمبارك المرتفع .
وقيل: تبارك تفاعل من البركة وهي النماء والزيادة ، أي : البركة تكتسب وتنال بذكره .
وعن ابن عباس قال : جاء بكل بركة .
وقال الحسن : تجيء البركة من قبله وقيل: تبارك : تقدس .
والقدس : الطهارة .
وقيل: تبارك الله أي : باسمه يتبرك في كل شيء .
وقال المحققون : معنى هذه الصفة ثبت ودام بما لم يزل ولا يزال .
وأصل البركة الثبوت .
ويقال : تبارك الله ولا يقال : متبارك ولا مبارك ، لأنه لم يرد به التوقيف .
( رب العالمين ) .

التفسير الوسيط : إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض


أى: إن سيدكم ومالككم الذي يجب عليكم أن تفردوه بالعبادة هو الله الذي أنشأ السموات والأرض على غير مثال سابق في مقدار ستة أيام.
قال الشهاب: اليوم في اللغة مطلق الوقت، فإن أريد هذا فالمعنى في ستة أوقات.
وإن أريد المتعارف وهو زمان طلوع الشمس إلى غروبها فالمعنى في مقدار ستة أيام، لأن اليوم إنما كان بعد خلق الشمس والسموات فيقدر فيه مضاف .
وقال صاحب فتح البيان: «قيل هذه الأيام من أيام الدنيا، وقيل من أيام الآخرة، قال ابن عباس: يوم مقداره ألف سنة وبه قال الجمهور وقال سعيد ابن جبير، «كان الله قادرا على أن يخلق السموات والأرض وما بينهما في لمحة ولحظة، فخلقهن في ستة أيام تعليما لخلقه التثبت والتأنى في الأمور» .
وقوله: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ قال الشيخ القاسمى:ورد الاستواء على معان اشترك لفظه فيها، فجاء بمعنى الاستقرار، ومنه اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وبمعنى القصد ومنه ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ وكل من فرغ من أمر وقصد لغيره فقد استوى له وإليه.
قال الفراء: تقول العرب استوى إلى يخاصمني أى: قصد لي وأقبل على.
ويأتى بمعنى الاستيلاء.
قال الشاعر: ...
قد استوى بشر على العراقويأتى بمعنى العلو ومنه هذه الآية.
قال البخاري في آخر صحيحه في كتاب الرد على الجهمية في باب قوله-تبارك وتعالى-: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ.
قال مجاهد: استوى وعلا على العرش.
وقال ابن راهويه: سمعت غير واحد من المفسرين يقول: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى أى: علا وارتفع .
وعرش الله- كما قال الراغب- مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم، وليس كما تذهب إليه أوهام العامة، فإنه لو كان كذلك لكان حاملا له- تعالى الله عن ذلك- لا محمولا.
وقد ذكر العرش في إحدى وعشرين آية.
وذكر الاستواء على العرش في سبع آيات.
أما الاستواء على العرش فذهب سلف الأمة إلى أنه صفة الله-تبارك وتعالى- بلا كيف ولا انحصار ولا تشبيه ولا تمثيل لاستحالة اتصافه- سبحانه - بصفات المحدثين، ولوجوب تنزيهه عما لا يليق به «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير» وأنه يجب الإيمان بها كما وردت وتفويض العلم بحقيقتها إليه-تبارك وتعالى-.
فعن أم سلمة- رضى الله عنها- في تفسير قوله-تبارك وتعالى-: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى أنها قالت: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به من الإيمان، والجحود به كفر.
وقال الإمام مالك: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وقال محمد بن الحسن: اتفق الفقهاء جميعا على الإيمان بالصفات من غير تفسير ولا تشبيه.
وقال الإمام الرازي: إن هذا المذهب هو الذي نقول به ونختاره ونعتمد عليه.
وذهب بعض علماء الخلف إلى وجوب صرفه- أى الاستواء- عن ظاهره لاستحالته، وأن المراد منه- كما قال الإمام القفال- أنه استقام ملكه، واطرد أمره ونفذ حكمه-تبارك وتعالى- في مخلوقاته، والله-تبارك وتعالى- دل على ذاته وصفاته وكيفية تدبيره للعالم على الوجه الذي ألفوه من ملوكهم واستقر في قلوبهم «تنبيها على عظمته وكمال قدرته» وذلك مشروط بنفي التشبيه، ويشهد بذلك قوله-تبارك وتعالى-: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ .
هذا وللعلماء كلام طويل حول هذه المسألة التي تتعلق بالمحكم والمتشابه فليرجع إليها من شاء.
وقوله: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ التغشية: التغطية والستر، أى: يجعل الليل غاشيا للنهار مغطيا له فيذهب بنوره، ويصير الكون مظلما بعد أن كان مضيئا، ويجعل النهار غاشيا لليل فيصير الكون مضيئا بعد أن كان مظلما، وفي ذلك من منافع الناس ما فيه وبه تتم الحياة، وهو دليل القدرة والحكمة والتدبير من الإله العلى العظيم.
ولم يذكر في هذه الآية يغشى الليل بالنهار اكتفاء بأحد الأمرين عن الآخر كقوله-تبارك وتعالى-:سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ أو لدلالة الحال عليه، أو لأن اللفظ يحتملهما: يجعل الليل مفعولا أول والنهار مفعولا ثانيا أو بالعكس.
والآية الكريمة من باب أعطيت زيدا عمرا، لأن كلا من الليل والنهار يصلح أن يكون غاشيا ومغشيا، فوجب جعل الليل هو الفاعل المعنوي، والنهار هو المفعول من غير عكس لئلا يلتبس المعنى.
وقد قال-تبارك وتعالى- في آية أخرى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ.
وقوله: يَطْلُبُهُ حَثِيثاً أى: يطلب الليل النهار أو كلاهما بطلب الآخر طلبا سريعا حتى يلحقه ويدركه، وهو كناية عن أن أحدهما يأتى عقب الآخر ويخلفه بلا فاصل، فكأنه يطلبه طلبا سريعا لا يفتر عنه حتى يلحقه.
والحث على الشيء: الحض عليه.
يقال: حث الفرس على العدو يحثه حثا صاح به أو وكزه برجل أو ضرب.
وذهب حثيثا أى: مسرعا.
والجملة حال من الليل، لأنه هو المتحدث عنه أو حال من النهار أى: مطلوب حثيثا، أو من كل منهما على الرأى الثاني الذي يفسر «يطلبه حثيثا» بأن كليهما يطلب الآخر.
وقوله: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أى: وخلق الشمس والقمر والنجوم كونهن مذللات خاضعات لتصرفه، منقادات لمشيئته، كأنهن مميزات أمرن فانقدن، فتسمية ذلك أمر على سبيل التشبيه.
قال الآلوسى: ويصح حمل الأمر على الإرادة.
أى: هذه الأجرام العظيمة والمخلوقات البديعة منقادة لإرادته: ومنهم من حمل الأمر على الأمر الكلامى وقال: إنه- سبحانه - أمر هذه الأجرام بالسير الدائم والحركة المستمرة على الوجه المخصوص إلى حيث شاء ولا مانع أن يعطيها الله إدراكا وفهما لذلك » .
وقرأ الجمهور بنصب الألفاظ الثلاثة على أنها معطوفة على السموات، أى: خلق السموات وخلق الشمس والقمر والنجوم.
وبنصب مُسَخَّراتٍ أيضا على أنها حال من هذه الثلاثة.
وقرأ أبو عامر بالرفع في جميعها على الابتداء والخبر مسخرات.
وقوله: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ألا: أداة يفتتح بها القول الذي يهتم بشأنه لأجل تنبيه المخاطب لمضمونه وحمله على تأمله.
والخلق: إيجاد الشيء من العدم.
والأمر: التدبير والتصرف على حسب الإرادة لما خلقه.
فهو- سبحانه - الخالق والمدبر للعالم على حسب إرادته وحكمته لا شريك له في ذلك.
وهذه الجملة الكريمة كالتدليل للكلام السابق أى: أنه- سبحانه - هو الذي خلق الأشياء كلها ويدخل في ذلك السموات والأرض وغيرهما، وهو الذي دبر هذا الكون على حسب إرادته ويدخل في ذلك ما أشار إليه بقوله: مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ.
وقوله: تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.
تبارك: فعل ماض لا يتصرف، أى لم يجيء منه مضارع ولا أمر ولا اسم فاعل.
من البركة بمعنى الكثرة من كل خير.
وأصلها النماء والزيادة.
أى: كثر خيره وإحسانه وتعاظمت وتزايدت بركات الله رب العالمين.
أو من البركة بمعنى الثبوت.
يقال: برك البعير، إذا أناخ في موضعه فلزمه وثبت فيه.
وكل شيء ثبت ودام فقد برك.
أى: ثبت ودام خيره على خلقه.
أو المعنى: تعالى الله رب العالمين وتعظم وارتفع وتنزه عن كل نقص.
ثم أمر الله-تبارك وتعالى- عباده أن يكثروا من التضرع إليه بالدعاء الخالص فقال:

تفسير ابن كثير : شرح الآية 54 من سورة الأعراف


يخبر تعالى بأنه خلق هذا العالم : سماواته وأرضه ، وما بين ذلك في ستة أيام ، كما أخبر بذلك في غير ما آية من القرآن ، والستة الأيام هي : الأحد ، والاثنين ، والثلاثاء ، والأربعاء ، والخميس ، والجمعة - وفيه اجتمع الخلق كله ، وفيه خلق آدم ، عليه السلام . واختلفوا في هذه الأيام : هل كل يوم منها كهذه الأيام كما هو المتبادر إلى الأذهان ؟ أو كل يوم كألف سنة ، كما نص على ذلك مجاهد ، والإمام أحمد بن حنبل ، ويروى ذلك من رواية الضحاك عن ابن عباس ؟ فأما يوم السبت فلم يقع فيه خلق; لأنه اليوم السابع ، ومنه سمي السبت ، وهو القطع .فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال : حدثنا حجاج ، حدثنا ابن جريج ، أخبرني إسماعيل بن أمية ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع - مولى أم سلمة - عن أبي هريرة قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال : " خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق الجبال فيها يوم الأحد ، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق ، في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل "فقد رواه مسلم بن الحجاج في صحيحه والنسائي من غير وجه ، عن حجاج - وهو ابن محمد الأعور - عن ابن جريج به وفيه استيعاب الأيام السبعة ، والله تعالى قد قال في ستة أيام; ولهذا تكلم البخاري وغير واحد من الحفاظ في هذا الحديث ، وجعلوه من رواية أبي هريرة ، عن كعب الأحبار ، ليس مرفوعا ، والله أعلم .وأما قوله تعالى : ( ثم استوى على العرش ) فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا ، ليس هذا موضع بسطها ، وإنما يسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح : مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، والليث بن سعد ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه وغيرهم ، من أئمة المسلمين قديما وحديثا ، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل . والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله ، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه ، و ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) [ الشورى : 11 ] بل الأمر كما قال الأئمة - منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري - : " من شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر " وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه ، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة ، على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى ، ونفى عن الله تعالى النقائص ، فقد سلك سبيل الهدى .وقوله تعالى : ( يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا ) أي : يذهب ظلام هذا بضياء هذا ، وضياء هذا بظلام هذا ، وكل منهما يطلب الآخر طلبا حثيثا ، أي : سريعا لا يتأخر عنه ، بل إذا ذهب هذا جاء هذا ، وإذا جاء هذا ذهب هذا ، كما قال تعالى : ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) [ يس : 37 - 40 ] فقوله : ( ولا الليل سابق النهار ) أي : لا يفوته بوقت يتأخر عنه ، بل هو في أثره لا واسطة بينهما; ولهذا قال : ( يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ) - منهم من نصب ، ومنهم من رفع ، وكلاهما قريب المعنى ، أي : الجميع تحت قهره وتسخيره ومشيئته; ولهذا قال منبها : ( ألا له الخلق والأمر ) ؟ أي : له الملك والتصرف ، ( تبارك الله رب العالمين ) كما قال تعالى ( تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ) [ الفرقان : 61 ] .وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا إسحاق ، حدثنا هشام أبو عبد الرحمن ، حدثنا بقية بن الوليد ، حدثنا عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري ، عن عبد العزيز الشامي ، عن أبيه - وكانت له صحبة - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح ، وحمد نفسه ، فقد كفر وحبط عمله . ومن زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئا ، فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه ; لقوله : ( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) .وفي الدعاء المأثور ، عن أبي الدرداء - وروي مرفوعا - : " اللهم لك الملك كله ، ولك الحمد كله ، وإليك يرجع الأمر كله ، أسألك من الخير كله ، وأعوذ بك من الشر كله "

تفسير الطبري : معنى الآية 54 من سورة الأعراف


القول في تأويل قوله : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًاقال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن سيدكم ومصلح أموركم، أيها الناس، هو المعبود الذي له العبادة من كل شيء (16) =" الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام "، وذلك يوم الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة، كما:-14773 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن مجاهد قال: بدءُ الخلق العرشُ والماء والهواء، وخلقت الأرض من الماء، وكان بدء الخلق يوم الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، وجُمع الخلق في يوم الجمعة، وتهوَّدت اليهودُ يوم السبت.
ويوم من الستة الأيام كألف سنة مما تعدّون.
* * *=" ثم استوى على العرش ".
* * *وقد ذكرنا معنى " الاستواء " واختلاف الناس فيه، فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته.
(17)* * *وأما قوله: " يغشي الليل النهار يطلبه حثيثًا " ، فإنه يقول: يورد الليل على النهار فيلبسه إياه، حتى يذهب نضرته ونوره (18) =" يطلبه " ، يقول: يطلب الليل النهار =" حثيثًا " ، يعني: سريعًا.
* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:14774 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " يطلبه حثيثًا " ، يقول: سريعًا.
14775 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " يغشي الليل النهار يطلبه حثيثًا " ، قال: يغشي الليل النهارَ بضوئه، ويطلبه سريعًا حتى يدركه.
* * *القول في تأويل قوله : وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم، كلّ ذلك بأمره، أمرهن الله فأطعن أمرَه، ألا لله الخلق كله، والأمرُ الذي لا يخالف ولا يردّ أمره، دون ما سواه من الأشياء كلها، ودون ما عبده المشركون من الآلهة والأوثان التي لا تضر ولا تنفع، ولا تخلق ولا تأمر، تبارك الله معبودُنا الذي له عبادة كل شيء، رب العالمين.
(19)14776 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا هشام أبو عبد الرحمن قال، حدثنا بقية بن الوليد قال، حدثني عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري، عن عبد العزيز الشامي، عن أبيه، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسه، قلَّ شكره، وحَبِط عمله.
ومَنْ زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئًا فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه، لقوله: " ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ".
(20)-----------------الهوامش :(16) انظر تفسير"الرب" فيما سلف 1: 142- 143/ 12: 286.
(17) انظر تفسير"الاستواء" فيما سلف 1: 428- 431.
(18) انظر تفسير"الغشاوة" فيما سلف 1: 265 ، 266.
(19) انظر تفسير"تبارك" فيما سلف ص: 238 ، تعليق 2 ، والمراجع هناك.
= وتفسير"رب" فيما سلف قريبًا ص: 482 ، تعليق: 2 والمراجع هناك.
= وتفسير"العالمين" فيما سلف من فهارس اللغة (علم).
(20) الأثر: 14776 -"عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري" ، هكذا جاء هنا في المخطوطة والمطبوعة ، وهكذا نقله الحافظ ابن حجر عن هذا الموضع من التفسير في ترجمة (أبو عبد العزيز) من الإصابة ، وهكذا نقله ابن كثير في تفسيره 3: 489.
ولكن الذي أطبقت عليه كتب التراجم ، والأسانيد الأخرى التي نقلها الحافظ ابن حجر ، في موضع آخر من الإصابة أنه :"عبد الغفور بن عبد العزيز" ، وكنوه"أبو الصباح" ، ونسبوه"الواسطي" ، وهو مترجم في لسان الميزان 4: 43 ، 44 ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 55 ، وميزان الاعتدال 2 : 142 ، وهو ضعيف منكر الحديث ، وأخرجه البخاري في الضعفاء .
وأبوه هو: "عبد العزيز الشامي" ، ولم أجد له ذكرًا ، إلا في أثناء هذه الأسانيد .
وأبوه ، الذي له صحبة يقال اسمه"سعيد الشامي" ، وهو مترجم بذلك في الإصابة ، وكنيته"أبو عبد العزيز" ، وهو مترجم أيضًا في باب الكنى من الإصابة ، وفي أسد الغابة 5: 247.
وهذا الخبر ، رواه الحافظ ابن حجر في الموضعين من ترجمة"أبي عبد العزيز" و"سعيد" ، وابن الأثير في أسد الغابة 5: 247 ، وابن كثير في تفسيره 3 : 489 ، والسيوطي في الدر المنثور 3 : 92 .
وهو خبر ضعيف هالك الإسناد .
و"بقية بن الوليد" كما قال ابن المبارك : (( كان صدوقًا ، ولكنه يكتب عمن أقبل وأدبر )) .
وقال أحمد: "إذا حدث عن قوم ليسوا بمعروفين فلا تقبلوه".
وقال يحيى بن معين: "كان يحدث عن الضعفاء بمئة حديث قبل أن يحدث عن الثقات".
وقال أبو زرعة: "بقية عجب!! إذا روى عن الثقات فهو ثقة".
وذكر قول ابن المبارك الذي تقدم ، ثم قال: "وقد أصاب ابن المبارك.
ثم قال: هذا في الثقات ، فأما في المجهولين ، فيحدث عن قوم لا يعرفون ولا يضبطون".

إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين

سورة : الأعراف - الأية : ( 54 )  - الجزء : ( 8 )  -  الصفحة: ( 157 ) - عدد الأيات : ( 206 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم
  2. تفسير: إذا رجت الأرض رجا
  3. تفسير: فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين
  4. تفسير: يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا
  5. تفسير: ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى
  6. تفسير: إلا تذكرة لمن يخشى
  7. تفسير: فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا
  8. تفسير: وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين
  9. تفسير: فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما
  10. تفسير: إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون

تحميل سورة الأعراف mp3 :

سورة الأعراف mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الأعراف

سورة الأعراف بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة الأعراف بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة الأعراف بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة الأعراف بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة الأعراف بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة الأعراف بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة الأعراف بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة الأعراف بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة الأعراف بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة الأعراف بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب