تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 72 من سورةالأحزاب - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾
[ سورة الأحزاب: 72]

معنى و تفسير الآية 72 من سورة الأحزاب : إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال


يعظم تعالى شأن الأمانة، التي ائتمن اللّه عليها المكلفين، التي هي امتثال الأوامر، واجتناب المحارم، في حال السر والخفية، كحال العلانية، وأنه تعالى عرضها على المخلوقات العظيمة، السماوات والأرض والجبال، عرض تخيير لا تحتيم، وأنك إن قمت بها وأدَّيتِهَا على وجهها، فلك الثواب، وإن لم تقومي بها، [ولم تؤديها] فعليك العقاب.
فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا أي: خوفًا أن لا يقمن بما حُمِّلْنَ، لا عصيانًا لربهن، ولا زهدًا في ثوابه، وعرضها اللّه على الإنسان، على ذلك الشرط المذكور، فقبلها، وحملها مع ظلمه وجهله، وحمل هذا الحمل الثقيل.
فانقسم الناس -بحسب قيامهم بها وعدمه- إلى ثلاثة أقسام:منافقون، أظهروا أنهم قاموا بها ظاهرًا لا باطنًا، ومشركون، تركوها ظاهرًا وباطنًا، ومؤمنون، قائمون بها ظاهرًا وباطنًا.

تفسير البغوي : مضمون الآية 72 من سورة الأحزاب


قوله - عز وجل - : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال ) الآية .
أراد بالأمانة الطاعة والفرائض التي فرضها الله على عباده ، عرضها على السماوات والأرض والجبال على أنهم إن أدوها أثابهم وإن ضيعوها عذبهم ، وهذا قول ابن عباس .
وقال ابن مسعود : الأمانة : أداء الصلوات ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت ، وصدق الحديث ، وقضاء الدين ، والعدل في المكيال والميزان ، وأشد من هذا كله الودائع .
وقال مجاهد : الأمانة : الفرائض ، وقضاء الدين .
وقال أبو العالية : ما أمروا به ونهوا عنهوقال زيد بن أسلم : هو الصوم ، والغسل من الجنابة ، وما يخفى من الشرائع .
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : أول ما خلق الله من الإنسان فرجه وقال : هذه أمانة استودعتكها ، فالفرج أمانة ، والأذن أمانة ، والعين أمانة ، واليد أمانة ، والرجل أمانة ، ولا إيمان لمن لا أمانة له .
وقال بعضهم : هي أمانات الناس والوفاء بالعهود ، فحق على كل مؤمن أن لا يغش مؤمنا ولا معاهدا في شيء قليل ولا كثير ، وهي رواية الضحاك عن ابن عباس ، فعرض الله هذه الأمانة على أعيان السماوات والأرض والجبال ، هذا قول ابن عباس وجماعة من التابعين وأكثر السلف ، فقال لهن أتحملن هذه الأمانة بما فيها ؟ قلن : وما فيها ؟ قال : إن أحسنتن جوزيتن وإن عصيتن عوقبتن ، فقلن : لا يا ربنا ، نحن مسخرات لأمرك لا نريد ثوابا ولا عقابا ، وقلن ذلك خوفا وخشية وتعظيما لدين الله أن لا يقوموا بها لا معصية ولا مخالفة ، وكان العرض عليهن تخييرا لا إلزاما ولو ألزمهن لم يمتنعن من حملها ، والجمادات كلها خاضعة لله - عز وجل - مطيعة ساجدة له كما قال جل ذكره للسماوات والأرض : " ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " ( فصلت - 11 ) ، وقال للحجارة : " وإن منها لما يهبط من خشية الله " ( البقرة - 74 ) ، وقال تعالى : " ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب " ( الحج - 18 ) الآية .
وقال بعض أهل العلم : ركب الله - عز وجل - فيهن العقل والفهم حين عرض الأمانة عليهن حتى عقلن الخطاب وأجبن بما أجبن .
وقال بعضهم : المراد من العرض على السماوات والأرض هو العرض على أهل السماوات والأرض ، عرضها على من فيها من الملائكة .
وقيل: على أهلها كلها دون أعيانها ، كقوله تعالى : " واسأل القرية " ( يوسف - 82 ) ، أي : أهل القرية .
والأول أصح وهو قول العلماء .
( فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ) أي : خفن من الأمانة أن لا يؤدينها فيلحقهن العقاب ( وحملها الإنسان ) يعني : آدم عليه السلام ، فقال الله لآدم : إني عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم تطقها فهل أنت آخذها بما فيها ؟ قال : يا رب وما فيها ؟ قال إن أحسنت جوزيت ، وإن أسأت عوقبت ، فتحملها آدم ، وقال : بين أذني وعاتقي ، قال الله تعالى : أما إذا تحملت فسأعينك ، اجعل لبصرك حجابا فإذا خشيت أن تنظر إلى ما لا يحل لك فأرخ عليه حجابه ، واجعل للسانك لحيين غلقا فإذا غشيت فأغلق ، واجعل لفرجك لباسا فلا تكشفه على ما حرمت عليك .
قال مجاهد : فما كان بين أن تحملها وبين أن خرج من الجنة إلا مقدار ما بين الظهر والعصروحكى النقاش بإسناده عن ابن مسعود أنه قال : مثلت الأمانة كصخرة ملقاة ، ودعيت السماوات والأرض والجبال إليها فلم يقربوا منها ، وقالوا : لا نطيق حملها ، وجاء آدم من غير أن يدعى ، وحرك الصخرة ، وقال : لو أمرت بحملها لحملتها ، فقلن له : احملها ، فحملها إلى ركبتيه ثم وضعها ، وقال والله لو أردت أن أزداد لزدت ، فقلن له : احملها فحملها إلى حقوه ، ثم وضعها ، وقال : والله لو أردت أن أزداد لزدت ، فقلن له احمل فحملها حتى وضعها على عاتقه ، فأراد أن يضعها فقال الله : مكانك فإنها في عنقك وعنق ذريتك إلى يوم القيامة .
( إنه كان ظلوما جهولا ) قال ابن عباس : ظلوما لنفسه جهولا بأمر الله وما احتمل من الأمانة .
وقال الكلبي : ظلوما حين عصى ربه ، جهولا لا يدري ما العقاب في ترك الأمانة .
وقال مقاتل : ظلوما لنفسه جهولا بعاقبة ما تحمل .
وذكر الزجاج وغيره من أهل المعاني ، في قوله وحملها الإنسان قولان ، فقالوا : إن الله ائتمن آدم وأولاده على شيء وائتمن السماوات والأرض والجبال على شيء ، فالأمانة في حق بني آدم ما ذكرنا في الطاعة والقيام بالفرائض ، والأمانة في حق السماوات والأرض والجبال هي الخضوع والطاعة لما خلقهن له .
وقيل: قوله : ( فأبين أن يحملنها ) أي : أدين الأمانة ، يقال : فلان لم يتحمل الأمانة أي : لم يخن فيها وحملها الإنسان أي : خان فيها ، يقال : فلان حمل الأمانة أي : أثم فيها بالخيانة .
قال الله تعالى : " وليحملن أثقالهم " ( العنكبوت - 13 ) ، إنه كان ظلوما جهولا .
حكي عن الحسن على هذا التأويل : أنه قال وحملها الإنسان يعني الكافر والمنافق ، حملا الأمانة أي : خانا .
وقول السلف ما ذكرنا .

التفسير الوسيط : إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال


ثم بين- سبحانه - ضخامة التبعة التي حملها الإنسان فقال: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ ...
وأرجح الأقوال وأجمعها في المراد بالأمانة هنا: أنها التكاليف والفرائض الشرعية التي كلف الله-تبارك وتعالى- بها عباده، من إخلاص في العبادة، ومن أداء للطاعات، ومن محافظة على آداب هذا الدين وشعائره وسننه.
وسمى- سبحانه - ما كلفنا به أمانة، لأن هذه التكاليف حقوق أمرنا- سبحانه - بها، وائتمننا عليها، وأوجب علينا مراعاتها والمحافظة عليها، وأداءها بدون إخلال بشيء منها.
والمراد بالإنسان: آدم- عليه السلام- أو جنس الإنسان.
والمراد بحمله إياها: تقبله لحمل هذه التكاليف والأوامر والنواهي مع ثقلها وضخامتها.
وللعلماء في تفسير هذه الآية اتجاهات، فمنهم من يرى أن الكلام على حقيقته، وأن الله-تبارك وتعالى- قد عرض هذه التكاليف الشرعية المعبر عنها بالأمانة، على السموات والأرض والجبال فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها لثقلها وضخامتها وَأَشْفَقْنَ مِنْها أى: وخفن من عواقب حملها أن ينشأ لهن من ذلك ما يؤدى بهن إلى عذاب الله وسخطه بسبب التقصير في أداء ما كلفن بأدائه.
وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ أى: وقبل الإنسان حمل هذه الأمانة عند عرضها عليه، بعد أن أبت السموات والأرض والجبال حملها، وأشفقن منها.
إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا أى: إنه كان مفرطا في ظلمه لنفسه، ومبالغا في الجهل، لأن هذا الجنس من الناس لم يلتزموا جميعا بأداء ما كلفهم الله-تبارك وتعالى- بأدائه.
وإنما منهم من أداها على وجهها- وهم الأقلون-، ومنهم من لم يؤدها وإنما عصى ما أمره به ربه، وخان الأمانة التي التزم بأدائها.
فالضمير في قوله إِنَّهُ يعود على بعض أفراد جنس الإنسان، وهم الذين لم يؤدوا حقوق هذه الامانة التي التزموا بحملها.
قال الآلوسى: إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا أى: بحسب غالب أفراده الذين لم يعملوا بموجب فطرتهم السليمة، دون من عداهم من الذين لم يبدلوا فطرة الله ويكفى في صدق الحكم على الجنس بشيء، وجوده في بعض أفراده، فضلا عن وجوده في غالبها...
وقال بعض العلماء: ورجوع الضمير إلى مجرد اللفظ دون اعتبار المعنى التفصيلي معروف في اللغة التي نزل بها القرآن.
وقد جاء فعلا في آية من كتاب الله، وهي قوله-تبارك وتعالى-: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ ...
لأن الضمير في قوله: وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ راجع إلى لفظ المعمر دون معناه التفصيلي، كما هو ظاهر.
وهذه المسألة هي المعروفة عند علماء العربية بمسألة: عندي درهم ونصفه.
أى: ونصف درهم آخر .
وأصحاب هذا الاتجاه يقولون: لا مانع إطلاقا من أن يخلق الله-تبارك وتعالى- إدراكا ونطقا للسموات والأرض والجبال، ولكن هذا الإدراك والنطق لا يعلمه إلا هو- سبحانه -.
ومما يشهد لذلك قوله-تبارك وتعالى-: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً .
قال الجمل: وكان هذا العرض عليهن- أى على السموات والأرض والجبال تخييرا لا إلزاما، ولو ألزمهن لم يمتنعن عن حملها.
والجمادات كلها خاضعة لله-تبارك وتعالى- مطيعة لأمره، ساجدة له.
قال بعض أهل العلم: ركب الله-تبارك وتعالى- فيهن العقل والفهم حين عرض عليهن الأمانة، حتى عقلن الخطاب، وأجبن بما أجبن.
ويرى بعضهم أن العرض في الآية الكريمة من قبيل ضرب المثل، أو من قبيل المجاز.
قال الإمام القرطبي ما ملخصه: لما بين-تبارك وتعالى- في هذه السورة من الأحكام ما بين، أمر بالتزام أوامره، والأمانة تعم جميع وظائف الدين، على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور..ويصح أن يكون عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال على سبيل الحقيقة..وقال القفال وغيره: العرض في هذه الآية ضرب مثل، أى: أن السموات والأرض والجبال على كبر أجرامها، لو كانت بحيث يجوز تكليفها، لثقل عليها تقلد الشرائع، لما فيها من الثواب والعقاب.
أى: أن التكليف أمر حقه أن تعجز عنه السموات والأرض والجبال، وقد حمله الإنسان وهو ظلوم جهول لو عقل.
وهذا كقوله: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ، لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ....وقال قوم: إن الآية من المجاز: أى: أنا إذا قايسنا ثقل الأمانة بقوة السموات والأرض والجبال، رأينا أنها لا تطيقها، وأنها لو تكلمت لأبت وأشفقت، فعبّر عن هذا بعرض الأمانة.
كما تقول: عرضت الحمل على البعير فأباه، وأنت تريد: قايست قوته بثقل الحمل فرأيت أنها تقصر عنه..وقيل: عَرَضْنَا يعنى عارضنا الأمانة بالسموات والأرض والجبال، فضعفت هذه الأشياء عن الأمانة.
ورجحت الأمانة بثقلها عليها..ويبدو لنا أن حمل الكلام على الحقيقة أولى بالقبول، لأنه ما دام لم يوجد مانع يمنع منه، فلا داعي لصرفه عن ذلك.
ومما لا شك أن قدرة الله-تبارك وتعالى- لا يعجزها أن تخلق في السموات والأرض والجبال إدراكا وتمييزا ونطقا لا يعلمه إلا هو- سبحانه.

تفسير ابن كثير : شرح الآية 72 من سورة الأحزاب


قال العوفي ، عن ابن عباس : يعني بالأمانة : الطاعة ، وعرضها عليهم قبل أن يعرضها على آدم ، فلم يطقنها ، فقال لآدم : إني قد عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم يطقنها ، فهل أنت آخذ بما فيها ؟ قال : يا رب ، وما فيها ؟ قال : إن أحسنت جزيت ، وإن أسأت عوقبت . فأخذها آدم فتحملها ، فذلك قوله : ( وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ) .وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، الأمانة : الفرائض ، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال ، إن أدوها أثابهم . وإن ضيعوها عذبهم ، فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية ، ولكن تعظيما لدين الله ألا يقوموا بها ، ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها ، وهو قوله : ( وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ) يعني : غرا بأمر الله .وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ) قال : عرضت على آدم فقال : خذها بما فيها ، فإن أطعت غفرت لك ، وإن عصيت عذبتك . قال : قبلت ، فما كان إلا قدر ما بين العصر إلى الليل من ذلك اليوم ، حتى أصاب الخطيئة .وقد روى الضحاك ، عن ابن عباس ، قريبا من هذا . وفيه نظر وانقطاع بين الضحاك وبينه ، والله أعلم . وهكذا قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، والحسن البصري ، وغير واحد : [ ألا ] إن الأمانة هي الفرائض .وقال آخرون : هي الطاعة .وقال الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق [ قال ] : قال أبي بن كعب : من الأمانة أن المرأة اؤتمنت على فرجها .وقال قتادة : الأمانة : الدين والفرائض والحدود .وقال بعضهم : الغسل من الجنابة .وقال مالك ، عن زيد بن أسلم قال : الأمانة ثلاثة : الصلاة ، والصوم ، والاغتسال من الجنابة .وكل هذه الأقوال لا تنافي بينها ، بل هي متفقة وراجعة إلى أنها التكليف ، وقبول الأوامر والنواهي بشرطها ، وهو أنه إن قام بذلك أثيب ، وإن تركها عوقب ، فقبلها الإنسان على ضعفه وجهله وظلمه ، إلا من وفق الله ، وبالله المستعان .قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد العزيز بن المغيرة [ البصري ] ، حدثنا حماد بن واقد - يعني : أبا عمر الصفار - سمعت أبا معمر - يعني : عون بن معمر - يحدث عن الحسن - يعني : البصري - أنه تلا هذه الآية : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال ) قال : عرضها على السبع الطباق الطرائق التي زينت بالنجوم ، وحملة العرش العظيم ، فقيل لها : هل تحملين الأمانة وما فيها ؟ قالت : وما فيها ؟ قال : قيل لها : إن أحسنت جزيت ، وإن أسأت عوقبت . قالت : لا . ثم عرضها على الأرضين السبع الشداد ، التي شدت بالأوتاد ، وذللت بالمهاد ، قال : فقيل لها : هل تحملين الأمانة وما فيها ؟ قالت : وما فيها ؟ قال : قيل لها : إن أحسنت جزيت ، وإن أسأت عوقبت . قالت : لا . ثم عرضها على الجبال الشم الشوامخ الصعاب الصلاب ، قال : قيل لها : هل تحملين الأمانة وما فيها ؟ قالت : وما فيها ؟ قال : قيل لها : إن أحسنت جزيت ، وإن أسأت عوقبت . قالت : لا .وقال مقاتل بن حيان : إن الله حين خلق خلقه ، جمع بين الإنس والجن ، والسماوات والأرض والجبال ، فبدأ بالسماوات فعرض عليهن الأمانة وهي الطاعة ، فقال لهن : أتحملن هذه الأمانة ، ولكن على الفضل والكرامة والثواب في الجنة . . . ؟ فقلن : يا رب ، إنا لا نستطيع هذا الأمر ، وليست بنا قوة ، ولكنا لك مطيعين . ثم عرض الأمانة على الأرضين ، فقال لهن : أتحملن هذه الأمانة وتقبلنها مني ، وأعطيكن الفضل والكرامة ؟ فقلن : لا صبر لنا على هذا يا رب ولا نطيق ، ولكنا لك سامعين مطيعين ، لا نعصيك في شيء تأمرنا به . ثم قرب آدم فقال له : أتحمل هذه الأمانة وترعاها حق رعايتها ؟ فقال عند ذلك آدم : ما لي عندك ؟ قال : يا آدم ، إن أحسنت وأطعت ورعيت الأمانة ، فلك عندي الكرامة والفضل وحسن الثواب في الجنة . وإن عصيت ولم ترعها حق رعايتها وأسأت ، فإني معذبك ومعاقبك وأنزلك النار . قال : رضيت [ يا ] رب . وتحملها ، فقال الله عز وجل : قد حملتكها . فذلك قوله : ( وحملها الإنسان ( . رواه ابن أبي حاتم .وعن مجاهد أنه قال : عرضها على السماوات فقالت : يا رب ، حملتني الكواكب وسكان السماء وما ذكر ، وما أريد ثوابا ولا أحمل فريضة . قال : وعرضها على الأرض فقالت : يا رب ، غرست في الأشجار ، وأجريت في الأنهار وسكان الأرض وما ذكر ، وما أريد ثوابا ولا أحمل فريضة . وقالت الجبال مثل ذلك ، قال الله تعالى : ( وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ) في عاقبة أمره . وهكذا قال ابن جريج .وعن ابن أشوع أنه قال : لما عرض الله عليهن حمل الأمانة ، ضججن إلى الله ثلاثة أيام ولياليهن ، وقلن : ربنا . لا طاقة لنا بالعمل ، ولا نريد الثواب .ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء الموصلي ، حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم في هذه الآية : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال ) [ الآية ] ، فقال الإنسان : بين أذني وعاتقي فقال الله تعالى : إني معينك عليها ، أي : معينك على عينيك بطبقتين ، فإذا نازعاك إلى ما أكره فأطبق . ومعينك على لسانك بطبقتين ، فإذا نازعك إلى ما أكره فأطبق . ومعينك على فرجك بلباس ، فلا تكشفه إلى ما أكره .ثم روي عن أبي حازم نحو هذا .وقال ابن جرير : حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله ، عز وجل : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ) قال : إن الله عرض عليهن الأمانة أن يفترض عليهن الدين ، ويجعل لهن ثوابا وعقابا ، ويستأمنهن على الدين . فقلن : لا نحن مسخرات لأمرك ، لا نريد ثوابا ولا عقابا . قال : وعرضها الله على آدم فقال : بين أذني وعاتقي . قال ابن زيد : فقال الله تعالى له : أما إذ تحملت هذا فسأعينك ، أجعل لبصرك حجابا ، فإذا خشيت أن تنظر إلى ما لا يحل لك فأرخ عليه حجابه ، وأجعل للسانك بابا وغلقا ، فإذا خشيت فأغلق ، وأجعل لفرجك لباسا فلا تكشفه إلا على ما أحللت لك .وقال ابن جرير : حدثني سعيد بن عمرو السكوني ، حدثنا بقية ، حدثنا عيسى بن إبراهيم ، عن موسى بن أبي حبيب ، عن الحكم بن عمير - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الأمانة والوفاء نزلا على ابن آدم مع الأنبياء ، فأرسلوا به ، فمنهم رسول الله ، ومنهم نبي ، ومنهم نبي رسول ، ونزل القرآن وهو كلام الله ، ونزلت العربية والعجمية ، فعلموا أمر القرآن وعلموا أمر السنن بألسنتهم ، ولم يدع الله شيئا من أمره مما يأتون وما يجتنبون وهي الحجج عليهم ، إلا بينه لهم . فليس أهل لسان إلا وهم يعرفون الحسن والقبيح ، ثم الأمانة أول شيء يرفع ويبقى أثرها في جذور قلوب الناس ، ثم يرفع الوفاء والعهد والذمم وتبقى الكتب ، فعالم يعمل ، وجاهل يعرفها وينكرها ولا يحملها ، حتى وصل إلي وإلى أمتي ، ولا يهلك على الله إلا هالك ، ولا يغفله إلا تارك . فالحذر أيها الناس ، وإياكم والوسواس الخناس ، فإنما يبلوكم أيكم أحسن عملا .هذا حديث غريب جدا ، وله شواهد من وجوه أخرى .ثم قال ابن جرير : حدثنا محمد بن خلف العسقلاني ، حدثنا عبد الله بن عبد المجيد الحنفي ، أخبرنا أبو العوام القطان ، حدثنا قتادة ، وأبان بن أبي عياش ، عن خليد العصري ، عن أبي الدرداء ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خمس من جاء بهن يوم القيامة مع إيمان دخل الجنة : من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن ، وأعطى الزكاة من ماله طيب النفس بها - وكان يقول ، وايم الله لا يفعل ذلك إلا مؤمن - [ وصام رمضان ، وحج البيت إن استطاع إلى ذلك سبيلا ] ، وأدى الأمانة " . قالوا : يا أبا الدرداء ، وما أداء الأمانة ؟ قال : الغسل من الجنابة ، فإن الله لم يأمن ابن آدم على شيء من دينه غيره .وهكذا رواه أبو داود عن محمد بن عبد الرحمن العنبري ، عن أبي علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي ، عن أبي العوام عمران بن داور القطان ، به .وقال ابن جرير أيضا : حدثنا تميم بن المنتصر ، أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن السائب ، عن زاذان ، عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها - أو قال : يكفر كل شيء - إلا الأمانة ، يؤتى بصاحب الأمانة فيقال له : أد أمانتك . فيقول : أنى يا رب وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقال له : أد أمانتك . فيقول : أنى يا رب ، وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقال له : أد أمانتك . فيقول : أنى يا رب وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقول : اذهبوا به إلى أمه الهاوية . فيذهب به إلى الهاوية ، فيهوي فيها حتى ينتهي إلى قعرها ، فيجدها هنالك كهيئتها ، فيحملها فيضعها على عاتقه ، فيصعد بها إلى شفير جهنم ، حتى إذا رأى أنه قد خرج زلت فهوى في أثرها أبد الآبدين " . وقال : والأمانة في الصوم ، والأمانة في الوضوء ، والأمانة في الحديث ، وأشد ذلك الودائع . فلقيت البراء فقلت : ألا تسمع إلى ما يقول أخوك عبد الله ؟ فقال : صدق .قال شريك : وحدثنا عياش العامري ، عن زاذان ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . ولم يذكر : " الأمانة في الصلاة وفي كل شيء " . إسناده جيد ، ولم يخرجوه .ومما يتعلق بالأمانة الحديث الذي رواه الإمام أحمد :حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن حذيفة قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر ، حدثنا " أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة " . ثم حدثنا عن رفع الأمانة ، فقال : " ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه ، فيظل أثرها مثل أثر [ الوكت ، فتقبض الأمانة من قلبه ، فيظل أثرها مثل أثر ] المجل كجمر دحرجته [ على رجلك ، تراه منتبرا وليس فيه شيء " . قال : ثم أخذ حصى فدحرجه ] على رجله ، قال : " فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة ، حتى يقال : إن في بني فلان رجلا أمينا ، حتى يقال للرجل : ما أجلده وأظرفه وأعقله . وما في قلبه حبة من خردل من إيمان . ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت ، إن كان مسلما ليردنه علي دينه ، وإن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه علي ساعيه ، فأما اليوم فما كنت أبايع منكم إلا فلانا وفلانا " .وأخرجاه في الصحيحين من حديث الأعمش ، به .وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد الحضرمي ، عن عبد الله بن عمرو ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا : حفظ أمانة ، وصدق حديث ، وحسن خليقة ، وعفة طعمة " .هكذا رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص .وقد قال الطبراني في مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب : حدثني يحيى بن أيوب العلاف المصري ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن ابن حجيرة ، عن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا : حفظ أمانة ، وصدق حديث ، وحسن خليقة ، وعفة طعمة " . فزاد في الإسناد : " ابن حجيرة " ، وجعله من مسند ابن عمر . وقد ورد النهي عن الحلف بالأمانة ، قال عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق الشيباني ، عن خناس بن سحيم - أو قال : جبلة بن سحيم - قال : أقبلت مع زياد بن حدير من الجابية فقلت في كلامي : لا والأمانة . فجعل زياد يبكي ويبكي ، فظننت أني أتيت أمرا عظيما ، فقلت له : أكان يكره هذا ؟ قال : نعم . كان عمر بن الخطاب ينهى عن الحلف بالأمانة أشد النهي .وقد ورد في ذلك حديث مرفوع ، قال أبو داود : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، حدثنا زهير ، حدثنا الوليد بن ثعلبة الطائي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حلف بالأمانة فليس منا " ، تفرد به أبو داود ، رحمه الله .

تفسير الطبري : معنى الآية 72 من سورة الأحزاب


القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا (72)اختلف أهل التأويل في معنى ذلك فقال بعضهم: معناه: إن الله عرض طاعته وفرائضه على السموات والأرض والجبال على أنها إن أحسنت أثيبت وجوزيت، وإن ضيعت عوقبت، فأبت حملها شفقًا منها أن لا تقوم بالواجب عليها، وحملها آدم (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا) لنفسه (َجُهولا) بالذي فيه الحظ له.
* ذكر من قال ذلك:حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم عن أَبي بشر عن سعيد بن جبير في قوله ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ) قال: الأمانة: الفرائض التي افترضها الله على العباد.
قال: ثنا هشيم عن العوام عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس في قوله ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا ) قال: الأمانة الفرائض التي افترضها الله على عباده.
قال: ثنا هشيم قال أخبرنا العوام بن حوشب وجويبر (1) كلاهما عن الضحاك عن ابن عباس في قوله (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ .
.
.
) إلى قوله: (جَهُولا) قال: الأمانة الفرائض.
قال جويبر في حديثه: فلما عرضت على آدم قال: أي رب وما الأمانة؟ قال: قيل: إن أديتها جزيت، وإن ضيعتها عوقبت، قال: أي رب حملتها بما فيها، قال: فما مكث في الجنة إلا قدر ما بين العصر إلى غروب الشمس حتى عمل بالمعصية، فأخرج منها.
حدثنا ابن بشار قال ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن أَبي بشر عن سعيد عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ) قال: عرضت على آدم، فقال: خذها بما فيها فإن أطعت غفرت لك وإن عصيت عذبتك، قال: قد قبلت، فما كان إلا قدر ما بين العصر إلى الليل من ذلك اليوم حتى أصاب الخطيئة.
حدثني علي قال: ثنا أَبو صالح قال: ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله: ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ ) إن أدوها أثابهم وإن ضيعوها عذبهم، فكرهوا ذلك، وأشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيما لدين الله أن لا يقوموا بها، ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها، وهو قوله: ( وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ) غرًّا بأمر الله.
حدثني محمد بن سعد قال: ثني أَبى قال: ثني عمي قال: ثني أَبي عن أبيه عن ابن عباس قوله (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ) : الطاعة عرضها عليها قبل أن يعرضها على آدم، فلم تطقها، فقال لآدم: يا آدم إني قد عرضت الأمانة على السموات والأرض والجبال، فلم تطقها، فهل أنت آخذها بما فيها؟ فقال: يا رب: وما فيها؟ قال: إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت، فأخذها آدم فتحملها فذلك قوله ( وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ) .
حدثنا ابن بشار قال: ثنا أَبو أحمد الزبيري قال: ثنا سفيان عن رجل عن الضحاك بن مزاحم في قوله ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ) قال: آدم قيل له خذها بحقها قال وما حقها؟ قيل: إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت، فما لبث ما بين الظهر والعصر حتى أخرج منها.
حُدثت عن الحسين قال سمعت أبا معاذ يقول أخبرنا عبيد قال سمعت الضحاك يقول في قوله: ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ ) فلم يطقن حملها فهل أنت يا آدم آخذها بما فيها؟ قال آدم وما فيها يا رب؟ قال: إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت فقال: تحملتها، فقال الله تبارك وتعالى: قد حملتكها، فما مكث آدم إلا مقدار ما بين الأولى إلى العصر حتى أخرجه إبليس لعنه الله من الجنة، والأمانة الطاعة.
حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال ثنا بقية قال ثني عيسى بن إبراهيم عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمرو وكان من أصحاب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: قال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " إِنَّ الأمَانَةَ وَالْوَفَاءَ نزلا عَلَى ابنِ آدَمَ مَعَ الأنْبِيَاءِ، فَأُرْسِلُوا بِهِ؛ فَمِنهُمْ رَسُولَ اللهِ وَمِنْهُمْ نَبِي وَمِنْهُمْ نَبِي رَسُولٌ، نزل القرآن وهو كلام الله ونزلت العربية والعجمية، فعلموا أمر القرآن وعلموا أمر السنن بألسنتهم، ولم يدع الله شيئًا من أمره مما يأتون ومما يجتنبون وهي الحجج عليهم إلا بينة لهم، فليس أهل لسان إلا وهم يعرفون الحسن من القبيح.
ثم الأمانة أول شيء يرفع، ويبقى أثرها في جذور قلوب الناس، ثم يرفع الوفاء والعهد والذمم، وتبقى الكتب؛ فعالم يعمل وجاهل يعرفها وينكرها حتى وصل إليَّ وإلى أمتي فلا يهلك على الله إلا هالك، ولا يغفله إلا تارك، والحذر &; 20-339 &; أيها الناس، وإياكم والوسواس الخناس، وإنما يبلوكم أيكم أحسن عملا ".
حدثني محمد بن خلف العسقلاني قال ثنا عبد الله بن عبد المجيد الحنفي قال ثنا العوام العطار قال ثنا قتادة وأبان بن أبي عياش عن خليد العصري عن أَبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " خمس من جاء بهن يوم القيامة مع إيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس؛ على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وأعطى الزكاة من ماله طيب النفس بها " وكان يقول: وايم الله لا يفعل ذلك إلا مؤمن، وصام رمضان، وحج البيت إن استطاع إلى ذلك سبيلا وأدى الأمانة، قالوا: يا أبا الدرداء وما الأمانة؟ قال: الغسل من الجنابة فإن الله لم يأمن ابن آدم على شيء من دينه غيره.
حدثنا ابن بشار قال: ثنا عبد الرحمن قال: ثنا سفيان عن الأعمش عن أَبي الضحى عن مسروق عن أُبي بن كعب، قال: من الأمانة أن المرأة اؤتمنت على فرجها.
حدثني يونس قال: ثنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قول الله ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ) قال: إن الله عرض عليهن الأمانة أن يفترض عليهن الدين، ويجعل لهن ثوابًا وعقابًا، ويستأمنهن على الدين، فقلن: لا نحن مسخرات لأمرك، لا نريد ثوابًا ولا عقابًا، قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " وعرضها الله على آدم، فقال: بين أذني وعاتقي" .
قال ابن زيد فقال الله له: أما إذ تحملت هذا فسأعينك، أجعل لبصرك حجابًا إذا خشيت أن تنظر إلى ما لا يحل لك، فأرْخ عليه حجابه، وأجعل للسانك بابًا وغلقًا، فإذا خشيت فأغلق، وأجعل لفرجك لباسًا، فلا تكشفه إلا على ما أحللت لك.
حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ ) يعني به: الدين والفرائض والحدود ( فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ) قيل لهن: احملنها تؤدين حقها؟ فقلن: لا نطيق ذلك ( وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ) قيل له: أتحملها؟ قال: نعم، قيل: أتؤدي حقها؟ قال: نعم، قال الله: إنه كان ظلومًا جهولا عن حقها.
وقال آخرون: بل عنى بالأمانة في هذا الموضع: أمانات الناس.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا تميم بن المنتصر قال: ثنا إسحاق عن شريك عن الأعمش عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله بن مسعود عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه قال: " القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها، أو قال: يكفر كل شيء إلا الأمانة؛ يؤتى بصاحب الأمانة فيقال له: أد أمانتك، فيقول: أي رب وقد ذهبت الدنيا، ثلاثًا.
فيقال: اذهبوا به إلى الهاوية، فيذهب به إليها، فيهوي فيها حتى ينتهي إلى قعرها، فيجدها هناك كهيئتها، فيحملها فيضعها على عاتقه فيصعد بها إلى شفير جهنم، حتى إذا رأى أنه قد خرج زلت، فهوى في أثرها أبد الآبدين ".
قالوا: والأمانة في الصلاة والأمانة في الصوم والأمانة في الحديث، وأشد ذلك الودائع، فلقيت البراء فقلت: ألا تسمع إلى ما يقول أخوك عبد الله؟ فقال: صدق.
قال شريك وثني عياش العامري عن زاذان عن عبد الله بن مسعود عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بنحوه، لم يذكر الأمانة في الصلاة وفي كل شيء.
حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: أخبرني عمرو بن الحارث عن ابن أَبي هلال عن أَبي حازم قال: إن الله عرض الأمانة على سماء الدنيا فأبت ثم التي تليها حتى فرغ منها، ثم الأرضين ثم الجبال، ثم عرضها على آدم فقال: نعم بين أذني وعاتقي.
فثلاث آمرك بهن فإنهن لك عون: إني جعلت لك لسانًا بين لحيين فكفه عن كل شيء نهيتك عنه، وجعلت لك فرجًا وواريته فلا تكشفه إلى ما حرمت عليك (2) .
وقال آخرون: بل ذلك إنما عنى به ائتمان آدم ابنه قابيل على أهله وولده، وخيانة قابيل أباه في قتله أخاه.
* ذكر من قال ذلك:حدثني موسى بن هارون قال: ثنا عمرو بن حماد قال: ثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أَبي مالك وعن أَبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: كان لا يولد لآدم مولود إلا ولد معه جارية، فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر، ويزوج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر، حتى ولد له اثنان، يقال لهما: قابيل وهابيل، وكان قابيل صاحب زرع وكان هابيل صاحب ضرع، وكان قابيل أكبرهما وكان له أخت أحسن من أخت هابيل، وإن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل، فأبى عليه وقال: هي أختي ولدت معي وهي أحسن من أختك وأنا أحق أن أتزوجها فأمره أبوه أن يزوجها هابيل فأبى، وإنهما قربا قربانًا إلى الله أيهما أحق بالجارية، وكان آدم يومئذ قد غاب عنهما، أي بمكة ينظر إليها، قال الله لآدم: يا آدم هل تعلم أن لي بيتًا في الأرض؟ قال: اللهم لا قال: إن لي بيتا بمكة فأته، فقال آدم للسماء: احفظي ولدي بالأمانة فأبت، وقال للأرض فأبت، فقال للجبال فأبت، فقال لقابيل فقال: نعم، تذهب وترجع وتجد أهلك كما يسرك، فلما انطلق آدم وقربا قربانًا وكان قابيل يفخر عليه فيقول: أنا أحق بها منك؛ هي أختي، وأنا أكبر منك، وأنا وصي والدي، فلما قربا، قرب هابيل جَذَعَة سمينة وقرب هابيل حزمة سنبل، فوجد فيها سنبلة عظيمة ففركها فأكلها، فنزلت النار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي فقال هابيل إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ .
.
.
إلى قوله فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فطلبه ليقتله فراغ الغلام منه في رءوس الجبال، وأتاه يوما من الأيام وهو يرعى غنمه في جبل وهو نائم، فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات، وتركه بالعراء ولا يعلم كيف يدفن؛ فبعث الله غرابين أخوين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه فحفر له ثم حثا عليه فلما رآه قال: يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فهو قول الله تبارك وتعالى فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ فرجع آدم فوجد ابنه قد قتل أخاه فذلك حين يقول ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ .
.
.
) إلى آخر الآية.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما قاله الذين قالوا: إنه عُنِي بالأمانة في هذا الموضع: جميع معاني الأمانات في الدين وأمانات الناس وذلك أن الله لم يخص بقوله (عَرَضْنَا الأمَانَةَ) بعض معاني الأمانات لما وصفنا.
وبنحو قولنا قال أهل التأويل في معنى قول الله (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) .
* ذكر من قال ذلك:حدثني موسى قال ثنا عمرو قال ثنا أسباط عن السدي (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) يعني قابيل حين حمل أمانة آدم لم يحفظ له أهله.
حدثنا ابن بشار قال ثنا أَبو أحمد الزبيري قال ثنا سفيان عن رجل عن الضحاك في قوله (وَحَملَهَا الإنْسَانُ) قال آدم (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) قال: ظلومًا لنفسه جهولا فيما احتمل فيما بينه وبين ربه.
حدثنا علي قال ثنا أَبو صالح قال ثني معاوية، عن علي عن ابن عباس (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) غر بأمر الله.
حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة (إِنَّه كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) قال: ظلومًا لها يعني الأمانة جهولا عن حقها.
------------------------الهوامش:(1) في الأصل: وجبير.
وسيأتي في الحديث نفسه أنه جويبر.
(2) ترك الثالثة والذي في الدر: إني جعلت لك بصرا، وجعلت لك شفرتين، فعضمها عن كل شيء نهيتك عنه، وجعلت لك لسانك .
.
.
إلخ .

إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا

سورة : الأحزاب - الأية : ( 72 )  - الجزء : ( 22 )  -  الصفحة: ( 427 ) - عدد الأيات : ( 73 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله
  2. تفسير: فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا
  3. تفسير: اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري
  4. تفسير: وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين
  5. تفسير: ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينـزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها
  6. تفسير: الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد
  7. تفسير: إله الناس
  8. تفسير: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر
  9. تفسير: فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا
  10. تفسير: ذلك بأن الله نـزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد

تحميل سورة الأحزاب mp3 :

سورة الأحزاب mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الأحزاب

سورة الأحزاب بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة الأحزاب بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة الأحزاب بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة الأحزاب بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة الأحزاب بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة الأحزاب بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة الأحزاب بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة الأحزاب بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة الأحزاب بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة الأحزاب بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب