تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم ..
﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾
[ سورة آل عمران: 81]
معنى و تفسير الآية 81 من سورة آل عمران : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم .
تفسير الجلالين | التفسير الميسر | تفسير السعدي |
تفسير البغوي | التفسير الوسيط | تفسير ابن كثير |
تفسير الطبري | تفسير القرطبي | إعراب الآية |
تفسير السعدي : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم
يخبر تعالى أنه أخذ ميثاق النبيين وعهدهم المؤكد بسبب ما أعطاهم من كتاب الله المنزل، والحكمة الفاصلة بين الحق والباطل والهدى والضلال، إنه إن بعث الله رسولا مصدقا لما معهم أن يؤمنوا به ويصدقوه ويأخذوا ذلك على أممهم، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد أوجب الله عليهم أن يؤمن بعضهم ببعض، ويصدق بعضهم بعضا لأن جميع ما عندهم هو من عند الله، وكل ما من عند الله يجب التصديق به والإيمان، فهم كالشيء الواحد، فعلى هذا قد علم أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتمهم، فكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لو أدركوه لوجب عليهم الإيمان به واتباعه ونصرته، وكان هو إمامهم ومقدمهم ومتبوعهم، فهذه الآية الكريمة من أعظم الدلائل على علو مرتبته وجلالة قدره، وأنه أفضل الأنبياء وسيدهم صلى الله عليه وسلم لما قررهم تعالى قالوا أقررنا أي: قبلنا ما أمرتنا به على الرأس والعين قال الله لهم: فاشهدوا على أنفسكم وعلى أممكم بذلك، قال وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك العهد والميثاق المؤكد بالشهادة من الله ومن رسله
تفسير البغوي : مضمون الآية 81 من سورة آل عمران
قوله عز وجل : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ) قرأ حمزة " لما " بكسر اللام وقرأ الآخرون بفتحها ، فمن كسر اللام فهي لام الإضافة دخلت على ما ، ومعناه الذي يريد للذي آتيتكم أي : أخذ ميثاق النبيين لأجل الذي آتاهم من الكتاب والحكمة يعني أنهم أصحاب الشرائع ومن فتح اللام فمعناه : للذي آتيتكم بمعنى الخبر وقيل: بمعنى الجزاء أي : لئن آتيتكم ومهما آتيتكم وجواب الجزاء قوله ( لتؤمنن )قوله : ( لما آتيتكم ) قرأ نافع وأهل المدينة " آتيناكم " على التعظيم كما قال : " وآتينا داود زبورا " ( النساء - 163 ) " وآتيناه الحكم صبيا " ( سورة مريم 12 ) وقرأ الآخرون بالتاء لموافقة الخط ولقوله : ( وأنا معكم )واختلفوا في المعني بهذه الآية : فذهب قوم إلى أن الله تعالى أخذ الميثاق على النبيين خاصة أن يبلغوا كتاب الله ورسالاته إلى عباده ، وأن يصدق بعضهم بعضا وأخذ العهد على كل نبي أن يؤمن بمن يأتي بعده من الأنبياء وينصره إن أدركه ، وإن لم يدركه أن يأمر قومه بنصرته إن أدركوه ، فأخذ الميثاق من موسى أن يؤمن بعيسى ، ومن عيسى أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم .( وقال الآخرون : بما أخذ الله الميثاق منهم في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ) فعلى هذا اختلفوا : منهم من قال : إنما أخذ الميثاق على أهل الكتاب الذين أرسل منهم النبيين ، وهذا قول مجاهد والربيع ، ألا ترى إلى قوله ( ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ) وإنما كان محمد صلى الله عليه وسلم مبعوثا إلى أهل الكتاب دون النبيين يدل عليه أن في قراءة عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ) وأما القراءة المعروفة ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ) فأراد : أن الله أخذ ميثاق النبيين أن يأخذوا الميثاق على أممهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويصدقوه وينصروه إن أدركوه .وقال بعضهم : أراد أخذ الله الميثاق على النبيين ، وأممهم جميعا في أمر محمد صلى الله عليه وسلم فاكتفى بذكر الأنبياء لأن العهد مع المتبوع عهد على الأتباع ، وهذا معنى قول ابن عباس ، وقال علي بن أبي طالب : لم يبعث الله نبيا ، آدم ومن بعده إلا أخذ عليه العهد في أمر محمد ، وأخذ العهد على قومه ليؤمنن به ولئن بعث وهم أحياء لينصرنه .قوله : ( ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم ) يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم ، ( لتؤمنن به ولتنصرنه ) يقول الله تعالى للأنبياء حين استخرج الذرية من صلب آدم عليه السلام ، والأنبياء فيهم كالمصابيح والسرج ، وأخذ عليهم الميثاق في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ( قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري ) أي : قبلتم على ذلكم عهدي ، والإصر : العهد الثقيل ، ( قالوا أقررنا قال ) الله تعالى : ( فاشهدوا ) أي : فاشهدوا أنتم على أنفسكم وعلى أتباعكم ، ( وأنا معكم من الشاهدين ) عليكم وعليهم ، وقال ابن عباس : فاشهدوا ، أي : فاعلموا ، وقال سعيد بن المسيب قال الله تعالى للملائكة فاشهدوا عليهم كناية عن غير مذكور .
التفسير الوسيط : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم
قوله-تبارك وتعالى- وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ الظرف «إذ» منصوب بفعل مقدر تقديره اذكر، والخطاب فيه للنبي صلّى الله عليه وسلّم أو لكل من يصلح للخطاب.والميثاق: هو العقد المؤكد بيمين.أى: اذكر يا محمد أو أيها المخاطب وقت أن أخذ الله الميثاق من النبيين.وللمفسرين في تفسير هذه الآية الكريمة أقوال أشهرها قولان:أولهما: وهو رأى جمهور العلماء- أن المراد أن الله-تبارك وتعالى- أخذ الميثاق من النبيين.وثانيهما: وهو رأى بعض العلماء- أن المراد أن الأنبياء هم الذين أخذوا الميثاق من غيرهم.والمعنى على رأى فريق من أصحاب القول الأول- منهم الحسن والسدى وسعيد بن جبير-:أن الله-تبارك وتعالى- أخذ الميثاق من النبيين أن يصدق بعضهم بعضا، وأخذ العهد على كل نبي أن يؤمن بمن يأتى بعده من الأنبياء وينصره إن أدركه فإن لم يدركه يأمر قومه بنصرته إن أدركوه. فأخذ- سبحانه - الميثاق من موسى أن يؤمن بعيسى، ومن عيسى أن يؤمن بمحمد - صلوات الله وسلامه عليهم جميعا- وإذا كان هذا حكم الأنبياء، كانت الأمم بذلك أولى وأحرى.والمعنى على رأى فريق آخر من أصحاب هذا القول منهم على وابن عباس وقتادة: أن الله-تبارك وتعالى- أخذ الميثاق من النبيين أن يؤمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم إذا أدركوه، وأن يأمروا أقوامهم بالإيمان به.قالوا: يؤيد هذا ما أخرجه ابن جرير عن على بن أبى طالب قال: لم يبعث الله نبيّا: آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد صلّى الله عليه وسلّم لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، ويأمره فيأخذ العهد على قومه. ثم تلا الآية» .فكأن أصحاب هذا القول الأول متفقون فيما بينهم عن أن الميثاق إنما أخذه الله من النبيين إلا أن بعضهم يرى أن هذا الميثاق أخذه الله منهم لكي يصدق بعضهم بعضا والبعض الآخر يرى أن هذا الميثاق أخذه الله منهم في شأن محمد صلّى الله عليه وسلّم خاصة.قال ابن كثير ما ملخصه. وما قاله الحسن ومن معه لا يضاد ما قاله على وابن عباس ولا ينفيه، بل يستلزمه ويقتضيه ... وقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن ثابت قال: جاء عمر إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله: إنى مررت بأخ لي من بنى قريظة، فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغير وجه النبي صلّى الله عليه وسلّم قال عبد الله بن ثابت: فقلت له:ألا ترى ما بوجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال عمر: رضيت بالله ربا. وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا. قال: فسرى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال: «والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى- عليه السلام- ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، إنكم حظى من الأمم وأنا حظكم من النبيين.وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا. وإنكم إما أن تصدقوا بباطل وإما أن تكذبوا بحق، وإنه والله لو كان موسى حيّا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني» وفي بعض الأحاديث: «لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعى» .فالرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم «هو الإمام الأعظم الذي لو وجد في أى عصر وجد- كان هو الواجب الطاعة المقدم على الأنبياء كلهم» .هذا هو معنى الجملة الكريمة عند أصحاب الرأى الأول الذين يرون أن الله-تبارك وتعالى- أخذ الميثاق من النبيين. وأصحاب هذا الرأى كما سبق أن بيناهم جمهور العلماء.أما أصحاب الرأى الثاني الذين يرون أن المراد من الآية أن الأنبياء هم الذين أخذوا الميثاق من غيرهم، فالمعنى عليه.واذكر يا محمد أو أيها المخاطب وقت أن أخذ الأنبياء العهد على أقوامهم بأنه إذا بعث محمد صلّى الله عليه وسلّم وأدركوه فعليهم أن يؤمنوا به ويصدقوه وينصروه فكأن معنى الآية: واذكر وقت أن أخذ الله الميثاق الذي وثق الأنبياء على أقوامهم..هذا، وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذين الرأيين وغيرهما فقال:«ميثاق النبيين» فيه غير وجه:أحدهما: أن يكون على ظاهره من أخذ الميثاق على النبيين بذلك.والثاني: أن يضيف الميثاق إلى النبيين إضافته إلى الموثق لا إلى الموثق عليه، كما تقول: ميثاق الله وعهد الله كأنه قيل: وإذ أخذ الله الميثاق الذي وثقه النبيون على أممهم.والثالث: أن يراد ميثاق أولاد النبيين وهم بنو إسرائيل على حذف المضاف.والرابع: أن يراد أهل الكتاب وأن يرد زعمهم تهكما بهم لأنهم كانوا يقولون: نحن أولى بالنبوة من محمد لأنا أهل الكتاب، ومنا كان النبيون» .والذي تسكن إليه النفس في معنى الآية. هو الرأى الأول الذي قال به جمهور العلماء، وذلك لأن الآيات الكريمة مسوقة- كما يقول الفخر الرازي لتعديد تقرير الأشياء المعروفة عند أهل الكتاب، مما يدل على نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم قطعا لعذرهم، وإظهارا لعنادهم، ومن جملة هذه الأشياء ما ذكره- سبحانه - في هذه الآية. وهو أنه-تبارك وتعالى- أخذ الميثاق من الأنبياء بأنهم كلما جاءهم رسول مصدق لما معهم آمنوا به ونصروه، وأخبر أنهم قبلوا ذلك، وحكم- سبحانه - بأنه من رجع عن ذلك كان من الفاسقين.. فحاصل الكلام أنه-تبارك وتعالى- أوجب على جميع الأنبياء الإيمان بكل رسول جاء مصدقا لما معهم، ولا شك أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم قد جاء مصدقا لما معهم فوجب على الجميع أن يؤمنوا به» .ولأن هذا المعنى هو الظاهر من الآية الكريمة. ولا تحتاج إلى تقدير مضاف أو غيره، والأخذ بالمعنى الظاهر الذي لا يحتاج إلى تقدير أولى من الأخذ بغيره.ولأن أخذ العهد على الأنبياء بأن يؤمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم أعلى وأشرف لقدره صلّى الله عليه وسلّم من أخذه على أممهم وأقوامهم.ولأن أخذ العهد على الأنبياء أخذ له على الأمم، إذ كل أمة يجب أن تصدق بما جاءها به نبيها.واللام في قوله-تبارك وتعالى- لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ قرأها الجمهور بالفتح. وقرأها حمزة بالكسر.أما قراءة الفتح فلها وجهان:أولهما: أن تجعل «ما» اسم موصول مبتدأ، وما بعده صلة له، وخبره قوله لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ.والتقدير: واذكر وقت أن أخذ الله ميثاق النبيين قائلا لهم: الذي آتيتكم إياه من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما أوتيتموه لتؤمنن بهذا الرسول ولتنصرنه. وعلى هذا الوجه تكون اللام في قوله «لما» للابتداء وحسن دخولها هنا لأن قوله لَما آتَيْتُكُمْ في مقام المقسم عليه، وقوله وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ في مقام القسم، إذ هو بمنزلة الاستحلاف تقول:أخذت ميثاقك لتفعلن كذا فكأنك قلت: استحلفتك لتفعلن كذا..وثانيهما: أن تجعل «ما» هاهنا، اسم شرط جازم في موضع نصب بآتيتكم.والتقدير: ما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم، لتؤمنن به ولتنصرنه.وعلى هذا الوجه يكون فعل الشرط مكونا من جملتين:الأولى: آتَيْتُكُمْ.والثانية: ثُمَّ جاءَكُمْ وهما معا في محل جزم بما الشرطية. وقوله لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ جواب القسم الذي تضمنه قوله: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ وجواب الشرط محذوف، لأن القاعدة النحوية أنه إذا اجتمع شرط. وقسم فالجواب المذكور للسابق منهما وجواب اللاحق محذوف وهنا السابق هو القسم. قال ابن مالك:واحذف لدى اجتماع شرط وقسم ... جواب ما أخرت فهو ملتزموأما على قراءة الكسر التي قرأها حمزة فتكون اللام للتعليل كأنه قيل: اذكر وقت أن أخذ الله ميثاق النبيين، لأن إيتاءهم الكتاب والحكمة، ثم مجيء من يصدقهم يوجب عليهم الإيمان بهذا الرسول المصدق لما معهم ويوجب عليهم نصرته.والمراد بالكتاب: ما أنزله الله-تبارك وتعالى- على هؤلاء النبيين من كتب تنطق بالحق.والمراد بالحكمة: الوحى الوارد بالتكاليف المفصلة التي لم يشتمل عليها الكتاب.أو المراد بها العلم النافع الذي أعطاه- سبحانه - لهم، ووفقهم للعمل به.ومِنْ في قوله مِنْ كِتابٍ للبيان.قال القرطبي: والمراد بالرسول هنا محمد صلّى الله عليه وسلّم واللفظ وإن كان نكرة فالإشارة إلى معين، كقوله-تبارك وتعالى- «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً» إلى قوله-تبارك وتعالى- «وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ» فأخذ الله ميثاق النبيين أجمعين أن يؤمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وينصروه إن أدركوه، وأمرهم أن يأخذوا بذلك الميثاق على أممهم» .ثم حكى- سبحانه - ما قاله لهم بعد أن أمرهم بالإيمان بهذا الرسول وبنصرته فقال:«قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي» ؟.والإصر: العهد. وأصله من الإصار- أى الحبال التي يعقد بها الشيء ويشد- وسمى العهد إصرا لأنه تقوى به الأقوال والعقود.أى- قال الله-تبارك وتعالى- للنبيين: أأقررتم بهذا الذي أمرتكم به وقبلتم عهدي؟ والاستفهام للتقرير والتوكيد عليهم لاستحالة معناه الحقيقي في حقه- سبحانه -.ثم حكى- سبحانه - ما أجاب به الرسل وما رد به عليهم فقال: «قالُوا أَقْرَرْنا، قالَ: فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ» .أى: قال الرسل مجيبين لخالقهم- عز وجل - أقررنا يا ربنا وقبلنا عهدك وأطعناه.فرد عليهم- سبحانه - بقوله: «فَاشْهَدُوا» أى فليشهد بعضكم على بعض بهذا الإقرار، وأنا على إقراركم وإشهاد بعضكم على بعض من الشاهدين.وهذا توكيد عليهم، وتحذير من الرجوع.
تفسير ابن كثير : شرح الآية 81 من سورة آل عمران
يخبر تعالى أنه أخذ ميثاق كل نبي بعثه من لدن آدم ، عليه السلام ، إلى عيسى ، عليه السلام ، لمهما آتى الله أحدهم من كتاب وحكمة ، وبلغ أي مبلغ ، ثم جاءه رسول من بعده ، ليؤمنن به ولينصرنه ، ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباع من بعث بعده ونصرته ، ولهذا قال تعالى وتقدس : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ) أي : لمهما أعطيتكم من كتاب وحكمة ( ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري )وقال ابن عباس ، ومجاهد ، والربيع ، وقتادة ، والسدي : يعني عهدي .وقال محمد بن إسحاق : ( إصري ) أي : ثقل ما حملتم من عهدي ، أي ميثاقي الشديد المؤكد .( قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين)
تفسير الطبري : معنى الآية 81 من سورة آل عمران
القول في تأويل قوله : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: واذكروا، يا أهل الكتاب،" إذ أخذ الله ميثاق النبيين "، يعني: حين أخذ الله ميثاق النبيين =" وميثاقهم "، ما وثقوا به على أنفسهم طاعةَ الله فيما أمرهم ونهاهم.* * *وقد بينا أصل " الميثاق " باختلاف أهل التأويل فيه، بما فيه الكفاية. (28)* * *=: " لما آتيتكم من كتاب وحكمة "، (29) فاختلفت القرأة في قراءة ذلك.فقرأته عامة قرأة الحجاز والعراق ( لَمَا آتَيْتُكُمْ ) بفتح " اللام " من " لما "، إلا أنهم اختلفوا في قراءة: "آتيتكم ".فقرأه بعضهم: "آتيتكم " على التوحيد.وقرأه آخرون: (آتينَاكم) على الجمع.* * *ثم اختلف أهل العربية إذا قرئ ذلك كذلك.فقال بعض نحويي البصرة: " اللام " التي مع " ما " في أول الكلام " لام الابتداء "، نحو قول القائل: " لزيدٌ أفضل منك "، لأن " ما " اسم، والذي بعدها صلة لها، (30) " واللام " التي في: " لتؤمنن به ولتنصرنه "، لام القسم، كأنه قال: والله لتؤمنن به = يؤكد في أول الكلام وفي آخره، كما يقال: " أما والله أن لو جئتني لكان كذا وكذا "، وقد يستغنى عنها. فوكَّد في: " لتؤمنن به "، باللام في آخر الكلام. (31) وقد يستغنى عنها، ويجعل خبر " ما آتيتكم من كتاب وحكمة "" لتؤمنن به ". مثل: " لعبد الله والله لتأتينَّه ". (32) قال: وإن شئت جعلت خبر " ما "" من كتاب "، يريد: لما آتيتكم، كتابٌ وحكمة = وتكون " من " زائدة.* * *وخطّأ بعضُ نحويي الكوفيين ذلك كله وقال: " اللام " التي تدخل في أوائل الجزاء، تجابُ بجوابات الأيمان، يقال: " لَمَن قام لآتينّه "،" ولَمَن قام ما أحسن "، (33) فإذا وقع في جوابها " ما " و " لا "، علم أن اللام ليست بتوكيد للأولى، لأنه يوضع موضعها " ما " و " لا "، فتكون كالأولى، (34) وهي جواب للأولى. قال: وأما قوله: " لما آتيتكم من كتاب وحكمة "، بمعنى إسقاط" من "، غلطٌ. لأن " منْ" التي تدخل وتخرج، لا تقع مواقع الأسماء، قال: ولا تقع في الخبر أيضًا، إنما تقع في الجحد والاستفهام والجزاء. (35)* * *قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل هذه الآية - على قراءة من قرأ ذلك بفتح " اللام " - بالصواب: أن يكون قوله: " لما " بمعنى " لمهما "، وأن تكون " ما " حرف جزاء أدخلت عليها " اللام "، وصيِّر الفعل معها على " فَعَل "، (36) ثم أجيبت بما تجاب به الأيمان، فصارت " اللام " الأولى يمينًا، إذ تُلقِّيت بجواب اليمين.* * *وقرأ ذلك آخرون: ( لِمَا آتَيْتكُمْ )" بكسر " اللام " من " لما "، وذلك قراءة جماعة من أهل الكوفة.* * *ثم اختلف قارئو ذلك كذلك في تأويله.فقال بعضهم: معناه إذا قرئ كذلك: وإذ أخذَ الله ميثاق النبيين للذي آتيتكم = ف" ما " على هذه القراءة. بمعنى " الذي" عندهم. وكان تأويل الكلام: وإذ أخذَ الله ميثاق النبيين من أجل الذي آتاهم من كتاب وحكمة = ثم " جاءكم رسول "، يعني: ثم إنْ جاءكم رسول، يعني: ذكر محمد في التوراة =" لتؤمنن به "، أي: ليكونن إيمانكم به، للذي عندكم في التوراة من ذكره.* * *وقال آخرون منهم: تأويل ذلك إذا قرئ بكسر " اللام " من " لما ": وإذْ أخذ الله ميثاق النبيين، للذي آتاهم من الحكمة. ثم جعل قوله: " لتؤمنن به " من الأخذِ أخذِ الميثاق. كما يقال في الكلام: " أخذتُ ميثاقك لتفعلن ". لأن أخذ الميثاق بمنزلة الاستحلاف. فكان تأويل الكلام عند قائل هذا القول: وإذ استحلف الله النبيين للذي آتاهم من كتاب وحكمة، متى جاءهم رسولٌ مصدق لما معهم، ليؤمننّ به ولينصرنه.* * *قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءةُ من قرأ: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم "، بفتح " اللام ". لأن الله عز وجل أخذ ميثاقَ جميع الأنبياء بتصديق كل رسول له ابتعثه إلى خلقه فيما ابتعثه به إليهم، كان ممن آتاه كتابًا أو ممن لم يؤته كتابًا. وذلك أنه غير جائز وصف أحد من أنبياء الله عز وجل ورسله، بأنه كان ممن أبيح له التكذيب بأحد من رسله. فإذْ كان ذلك كذلك، وكان معلومًا أن منهم من أنزل عليه الكتابَ، وأنّ منهم من لم ينزل عليه الكتاب = كان بينًا أن قراءة من قرأ ذلك: " لمِا آتيتكم "، بكسر " اللام "، بمعنى: من أجل الذي آتيتكم من كتاب، لا وجه له مفهومٌ إلا على تأويل بعيد، وانتزاع عميق.* * *ثم اختلف أهل التأويل فيمن أخذ ميثاقه بالإيمان بمن جاءه من رُسل الله مصدّقًا لما معه.فقال بعضهم: إنما أخذ الله بذلك ميثاقَ أهل الكتاب دون أنبيائهم. واستشهدوا لصحة قولهم بذلك بقوله: " لتؤمنن به ولتنصرنه ". قالوا: فإنما أمر الذين أرسلت إليهم الرّسل من الأمم بالإيمان برسل الله ونُصْرتها على من خالفها. وأما الرسل، فإنه لا وجه لأمرها بنصرة أحد، لأنها المحتاجةُ إلى المعونة على من خالفها من كفَرة بني آدم. فأما هي، فإنها لا تعين الكفرة على كفرها ولا تنصرها. قالوا: وإذا لم يكن غيرُها وغيرُ الأمم الكافرة، فمن الذي ينصر النبي، فيؤخذ ميثاقه بنصرته؟ذكر من قال ذلك:7323 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " وإذ أخذَ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة "، قال: هي خطأ من الكاتب، وهي في قراءة ابن مسعود: " وإذ أخذَ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ". (37)7324 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.7325 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين "، يقول: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب، وكذلك كان يقرؤها الربيع: " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب "، إنما هي أهل الكتاب. (38) قال: وكذلك كان يقرأها أبي بن كعب. قال الربيع: ألا ترى أنه يقول: " ثم جاءكم رسولٌ مصدقٌ لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه؟ يقول: لتؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم ولتنصرنه. قال: هم أهل الكتاب.* * *وقال آخرون: بل الذين أخذ ميثاقهم بذلك، الأنبياءُ دون أممها.ذكر من قال ذلك:7326 - حدثني المثنى وأحمد بن حازم قالا حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم.7327 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه في قوله: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين "، أن يصدّق بعضُهم بعضًا.7328 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه في قوله: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم " الآية، قال: أخذ الله ميثاق الأوَل من الأنبياء، ليصدقن وليؤمنن بما جَاء به الآخِرُ منهم.7329 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن هاشم قال، أخبرنا سيف بن عُمر، (39) عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي بن أبي طالب قال: لم يبعث الله عز وجل نبيًّا، آدمَ فمن بعدَه - إلا أخذ عليه العهدَ في محمد: لئن بعث وهو حيّ ليؤمنن به ولينصرَنّه = ويأمرُه فيأخذ العهدَ على قومه، فقال: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة "، الآية.7330 - حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب "، الآية: هذا ميثاق أخذه الله على النبيين أن يصدق بعضُهم بعضًا، وأن يبلِّغوا كتاب الله ورسالاته، فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم، وأخذ عليهم - فيما بلَّغتهم رُسلهم - أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويصدّقوه وينصروه.7331 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة "، الآية. قال: لم يبعث الله عز وجل نبيًّا قطُّ من لدُنْ نوح، إلا أخذ ميثاقه ليؤمننّ بمحمد ولينصرنَّه إن خَرَج وهو حيّ، وإلا أخذ على قومه أن يؤمنوا به ولينصرُنَّه إن خَرَج وهم أحياء.7332 - حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا عبد الكبير بن عبد المجيد أبو بكر الحنفي قال، حدثنا عباد بن منصور قال، سألت الحسن عن قوله: " وإذ أخذ الله ميثاقَ النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة "، الآية كلها، قال: أخذ الله ميثاق النبيين: ليبلِّغن آخرُكم أولكم، ولا تختلفوا.وقال آخرون: معنى ذلك: أنه أخذ ميثاق النبيين وأممهم = فاجتزأ بذكر الأنبياء عن ذكر أممها، لأن في ذكر أخذ الميثاق على المتبوع، دلالةٌ على أخذه على التبَّاع، لأن الأمم هم تُبَّاعُ الأنبياء. (40)ذكر من قال ذلك:7333 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: ثم ذكر ما أخذ عليهم - يعني على أهل الكتاب - وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه - يعني بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم - إذا جاءَهم، وإقرارهم به على أنفسهم. فقال: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة " إلى آخر الآية. (41)7334 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس مثله.* * *قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: الخبرُ عن أخذ الله الميثاقَ من أنبيائه بتصديق بعضهم بعضًا، وأخذ الأنبياء على أممها وتُبَّاعها الميثاقَ بنحو الذي أخذَ عليها ربُّها من تصديق أنبياء الله ورسله بما جاءتها به لأن الأنبياء عليهم السلام بذلك أرسلت إلى أممها. ولم يدَّع أحدٌ ممن صدَّق المرسلين، أن نبيًّا أرسِل إلى أمة بتكذيب أحد من أنبياء الله عز وجل وحُجَجه في عباده بل كلها = وإن كذب بعض الأمم بعض أنبياء الله، بجحودها نبوّته = مقرّةٌ بأنّ من ثبتت صحّة نبوته، فعليها الدينونة بتصديقه. فذلك ميثاق مقرٌّ به جميعهم.* * *ولا معنى لقول من زعم أن الميثاق إنما أخذ على الأمم دون الأنبياء. لأن الله عز وجل قد أخبر أنه أخذ ذلك من النبيين، فسواءٌ قال قائل: " لم يأخذ ذلك منها ربها " أو قال: " لم يأمرها ببلاغ ما أرسلت "، وقد نصّ الله عز وجل أنه أمرها بتبليغه، لأنهما جميعًا خبرَان من الله عنها: أحدهما أنه أخذ منها، والآخر منهما أنه أمرَها. فإن جاز الشك في أحدهما، جازَ في الآخر.* * *وأما ما استشهد به الربيع بن أنس، على أن المعنيَّ بذلك أهلُ الكتاب من قوله: " لتؤمنن به ولتنصرنه "، فإن ذلك غير شاهد على صحة ما قال. لأن الأنبياء قد أمر بعضُها بتصديق بعض، وتصديقُ بعضها بعضًا، نُصرةٌ من بعضها بعضًا.* * *تم اختلفوا في الذين عُنوا بقوله: " ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ".فقال بعضهم: الذين عنوا بذلك، هم الأنبياء، أخذت مواثيقهم أن يصدّق بعضهم بعضًا وأن ينصروه، وقد ذكرنا الرواية بذلك عمن قاله. (42)* * *وقال آخرون: هم أهل الكتاب، أمروا بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم إذا بعثه الله وبنصرته، وأخذ ميثاقهم في كتبهم بذلك. وقد ذكرنا الرواية بذلك أيضًا عمن قاله. (43)* * *وقال آخرون = ممن قال: الذين عُنوا بأخذ الله ميثاقهم منهم في هذه الآية هم الأنبياء = قوله: " ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم "، معنيٌّ به أهل الكتاب.ذكر من قال ذلك:7335 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، أخبرنا ابن طاوس، عن أبيه في قوله: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة "، قال أخذَ الله ميثاق النبيين أن يصدّق بعضهم بعضًا، ثم قال: " ثم جاءكم رسولٌ مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه "، قال: فهذه الآية لأهل الكتاب، أخذ الله ميثاقهم أن يؤمنوا بمحمد ويصدِّقوه.7336 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثني ابن أبي جعفر، عن أبيه قال، قال قتادة: أخذ الله على النبيين ميثاقهم: أن يصدق بعضهم بعضًا، وأن يبلغوا كتابَ الله ورسالتَه إلى عباده، فبلَّغت الأنبياء كتابَ الله ورسالاته إلى قومهم، وأخذوا مواثيقَ أهل الكتاب - في كتابهم، فيما بلَّغتهم رسلهم -: أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويصدّقوه وينصروه.* * *قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب عندنا في تأويل هذه الآية: أنّ جميع ذلك خبرٌ من الله عز وجل عن أنبيائه أنه أخذ ميثاقهم به، وألزمهم دعاء أممها إليه، (44) والإقرار به. لأن ابتداء الآية خبرٌ من الله عز وجل عن أنبيائه أنه أخذ ميثاقهم، ثم وصف الذي أخذ به ميثاقهم فقال: هو كذا وهو كذا.وإنما قلنا إنّ ما أخبر الله أنه أخذ به مواثيق أنبيائه من ذلك، قد أخذت الأنبياءُ مواثيق أممها به، لأنها أرسلت لتدعو عبادَ الله إلى الدينونة بما أمرت بالدينونة به في أنفسها، من تصديق رسل الله، على ما قدمنا البيانَ قبل.* * *قال أبو جعفر: فتأويل الآية: واذكرُوا يا معشرَ أهل الكتاب، إذ أخذَ الله ميثاق النبيين لَمَهْما آتيتكم، أيها النبيون، من كتاب وحكمة، ثم جاءكم رسول من عندي مصدق لما معكم، لتؤمنن به = يقول: لتصدقنه = ولتنصرنه.* * *وقد قال السديّ في ذلك بما:-7337 - حدثنا به محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: " لما آتيتكم "، يقول لليهود: أخذت ميثاقَ النبيين بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي ذكر في الكتاب عندكم.* * *فتأويل ذلك على قول السدّي الذي ذكرناه: واذكروا، يا معشر أهل الكتاب، إذ أخذ الله ميثاق النبيين بما آتيتكم، أيها اليهود، من كتاب وحكمة. (45)وهذا الذي قاله السدي كان تأويلا له وجهٌ، (46) لو كان التنزيل: " بما آتيتكم "، ولكن التنزيل باللام " لما آتيتكم ". وغير جائز في لغة أحد من العرب أن يقال: " أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم "، بمعنى: بما آتيتكم.* * *القول في تأويل قوله : قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَاقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين بما ذكر، فقال لهم تعالى ذكره: أأقررتم بالميثاق الذي واثقتموني عليه: (47) من أنكم مهما أتاكم رسولٌ من عندي مصدق لما معكم =" لتؤمنن به ولتنصرنه " =" وأخذتم على ذلك إصري"؟ يقول: وأخذتم = على ما واثقتموني عليه من الإيمان بالرسل التي تأتيكم بتصديق ما معكم من عندي والقيام بنصرتهم =" إصري". يعني عهدي ووصيتي، وقبلتم في ذلك منّي ورضيتموه.* * *و " الأخذ ": هو القبول - في هذا الموضع - والرّضى، من قولهم: " أخذ الوالي عليه البيعة "، بمعنى: بايعه وقبل ولايته ورَضي بها.* * *وقد بينا معنى " الإصر " باختلاف المختلفين فيه، والصحيح من القول في ذلك فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (48)* * *وحذفت " الفاء " من قوله: " قال أأقررتم "، لأنه ابتداء كلام، على نحو ما قد بينا في نظائره فيما مضى. (49)* * *وأما قوله: " قالوا أقررنا "، فإنه يعني به: قال النبيون الذين أخذ الله ميثاقهم بما ذكر في هذه الآية: أقرَرْنا بما ألزمتنا من الإيمان برسلك الذين ترسلهم مصدّقين لما معنا من كتبك، وبنصرتهم.* * *القول في تأويل قوله : قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: قال الله: فاشهدوا، أيها النبيون، بما أخذتُ به ميثاقكم من الإيمان بتصديق رسلي التي تأتيكم بتصديق ما معكم من الكتاب والحكمة، ونُصرتهم على أنفسكم وعلى أتباعكم من الأمم إذ أنتم أخذتم ميثاقهم على ذلك، وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعليهم بذلك، كما:-7338 - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن هاشم قال، قال، أخبرنا سيف بن عمر، (50) عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي بن أبي طالب في قوله: " قال فاشهدوا "، يقول: فاشهدوا على أممكم بذلك =" وأنا معكم من الشاهدين "، عليكم وعليهم.-----------------الهوامش :(28) انظر ما سلف 1: 414 / 2: 156 ، 157 ، 288.(29) في المطبوعة: "اختلفت" ، وأثبت ما في المخطوطة.(30) في المخطوطة: "لأن لما اسم..." ، وهو جيدًا أيضًا وتركت ما في المطبوعة على حاله.(31) في المطبوعة: "فيؤكد في لتومنن به" ، والصواب ما في المخطوطة. و"وكد" و"أكد" واحد.(32) في المطبوعة: "لا يأتينه" ، والصواب ما في المخطوطة.(33) في المطبوعة: "اللام التي تدخل في أوائل الجزاء لا تجاب بما ولا لا" ، فلا يقال: لمن قام لا تتبعه ، ولا: لمن قام ما أحسن" ، أحدثوا في نص المخطوطة تغييرًا تامًا. فاضطرب الكلام اضطرابًا شديدًا ، واختلفت معانيه.(34) يعني"ما" و"لا" التي يتلقى بها القسم.(35) انظر ذلك فيما سلف 2: 126 ، 127 ، 442 ، 470.(36) قوله: "على فعل" ، يعني على الفعل الماضي ، لا المضارع.(37) بمثل هذا الأثر ، يستدل من يستدل من جهله المستشرقين وأشياعهم ، على الخطأ والتحريف في كتاب الله المحفوظ. وهم لم يكونوا أول من قال به ، بل سبقهم إليه أسلافهم من غلاة الرافضة وأشباههم من الملحدة. ولم يقصر علماء أهل الإسلام في بيان ما قالوه ، وفي تعقب آرائهم وبيان فسادها ، ووهن حجتها. ومن أعظم ما قرأت في ذلك ، كتاب"الانتصار لنقل القرآن" ، للقاضي الباقلاني ، وهو كتاب مخطوط لا يزال ، وهي في ملك أخي السيد أحمد صقر ، وهو أمين على نشره. وقد عقد القاضي بابًا ، بل أبوابًا ، في تعلق القائلين بذلك ، بالشواذ من القراءات ، والزيادات المروية عن السلف رواية الآحاد ، وكشف عن فساد تعلقهم بذلك فيما راموه من الطعن في نقل المصحف. وقد أطال في ذلك واستوعب ، وذكرها مفصلة ، وذكر الروايات التي رويت في ذلك. ومما قال في باب منه: "وأما نحن ، وإن كنا نوثق جميع من ذكرنا من السلف وأتباعهم ، فإنا لا نعتقد تصديق جميع ما يروى عنهم ، بل نعتقد أن فيه كذبًا كثيرًا قد قامت الدلالة على أنه موضوع عليهم ، وأن فيه ما يمكن أن يكون حقًا عنهم ، وما يمكن أن يكون باطلا ، ولا يثبت عليهم من طريق العلم البتات ، بأخبار الآحاد. وإذا كان ذلك كذلك ، وكانت هذه القراءات والكلمات المروية عن جماعة منهم ، المخالفة لما في مصحفنا ، مما لا نعلم صحتها وثبوتها ، وكنا مع ذلك نعلم اجتماعهم على تسليم مصحف عثمان ، وقراءتهم وإقراءهم ما فيه ، والعمل به دون غيره = لم يجب أن نحفل بشيء من هذه الروايات عنهم ، لأجل ما ذكرنا".قلت: والقول الذي ذكره مجاهد ، أنه: "خطأ من الكاتب" ، إنما عنى به أن قراءة ابن مسعود هي القراءة التي كانت في العرضة الأخيرة ، وأن الكاتب كتب القراءة التي كانت قبل العرضة الأخيرة ، وأنه كان عليه أن يكتب ما كان في العرضة الأخيرة ، فأخطأ وكتب القراءة الأولى. ولم يرد بقوله: "خطأ من الكاتب" ، أنه وضع ذلك من عند نفسه. كيف؟ والقرآن متلقى بالرواية والوراثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا بما هو مكتوب في الصحف!! هذا بيان قد تعجلته ، ولتفصيل هذا موضع غير الذي نحن فيه.(38) في المخطوطة والمطبوعة: "إنما هي أهل الكتاب" ، ولها وجه ضعيف ، والصواب ما أثبت.(39) في المطبوعة: "سيف بن عمرو" ، والصواب ما أثبت من المخطوطة: "سيف بن عمر التميمي" صاحب كتاب الردة والفتوح. أكثر الطبري الرواية عنه في تاريخه ، قال ابن عدي: "بعض أحاديثه مشهورة ، وعامتها منكرة لم يتابع عليها". وقال ابن حبان: "يروى الموضوعات عن الأثبات ، وقالوا: إنه كان يضع الحديث. اتهم بالزندقة". وقال الحاكم: "اتهم بالزندقة ، وهو في الرواية ساقط".(40) في المطبوعة: "هم تباع الأنبياء" ، زاد"هم" بلا ضرورة. والصواب ما في المخطوطة.(41) الأثران: 7333 ، 7334- سيرة ابن هشام 2: 203 ، وهما تتمة الآثار التي آخرها رقم: 7296 ، 7297.(42) انظر ما سلف من رقم: 7326-7332.(43) انظر ما سلف من رقم: 7323-7325.(44) في المطبوعة: "دعاء أممهم" ، وفي المخطوطة"أممها" كما أثبته ، والمخالفة بين الضمائر في هذا الموضع سياق صحيح ، فرددتها إلى أصل المخطوطة.(45) في المخطوطة والمطبوعة: "لما آتيتكم" باللام ، والسياق دال على خلافه ، وعلى صواب ما أثبت.(46) في المطبوعة: "كان تأويلا لا وجه غيره" ، وهو تصويب لما جاء في المخطوطة: "كان تأويلا لا وجه له" ، وهي عبارة لا تستقيم. ورأيت أن الناسخ عجل فكتب"لا وجه له" مكان"له وجه" ، فرددتها إلى هذا ، وخالفت المطبوعة.(47) في المخطوطة والمطبوعة: "أقررتم..." بحذف ألف الاستفهام ، وهو فساد.(48) انظر ما سلف في هذا الجزء: 6: 135-138.(49) انظر ما سلف 2: 183.(50) في المطبوعة هنا أيضًا"سيف بن عمرو" ، مخالفًا لما في المخطوطة وهو الصواب. وقد سلف تصويب ذلك في الأثر رقم: 7329. وسيأتي خطأ فيما يلي ، في مواضع كثيرة ، سوف أصححه دون إشارة إليه.
تفسير آيات من القرآن الكريم
- تفسير: كذبت قوم لوط بالنذر
- تفسير: فالمدبرات أمرا
- تفسير: فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون
- تفسير: ثم أدبر واستكبر
- تفسير: قل ياأيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون
- تفسير: وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر
- تفسير: وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام
- تفسير: إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم
- تفسير: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على
- تفسير: ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون
تحميل سورة آل عمران mp3 :
سورة آل عمران mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة آل عمران
ماهر المعيقلي
سعد الغامدي
عبد الباسط
أحمد العجمي
المنشاوي
الحصري
مشاري العفاسي
ناصر القطامي
فارس عباد
ياسر الدوسري
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب